اللوحات السود

اللوحات السود (بالإسپانية: Pinturas negras)، هو اسم مجموعة لوحات رسمها فرانسيسكو گويا في أواخر حياته، ما بين 1819 و1823، على جدران منزله الشهير باسم Quinta del Sordo "منزل الرجل الأصم". تعكس اللوحات نظرة گويا إلى البشرية وخوفه من الجنون.

يعتقد أن السبب في قيام جويا برسم تلك اللوحات هو إحساسه بالهلع والهيستيريا الناجم عن الصمم الذي أصيب به منذ أن كان في السادسة والأربعين من عمره، بالإضافة إلى الظروف السياسة المعاصرة له من الحروب الناپوليونية والاضرابات الداخلية في المجتمع الأسباني التي تلت سقوط الحكومة في أسبانيا.

استخدم گويا الألوان الزيتية لرسم اللوحات على جدران غرفتي الطعام والجلوس في منزله، واحتوت الرسومات على مواضيع خيالية كئيبة. لم تكن اللوحات بتكليف من أحد، ومن المرجح أن جويا لم يكن ينوي عمل معرض خاص بلوحاته السوداء؛ وإنما رسمها گويا لنفسه.[1] لم يطلق جويا أية أسماء على لوحاته السوداء؛ لذلك تمت تسمية مجموعة اللوحات بواسطة المؤرخين الفنيين.[2]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المجموعة

منزل الرجل الأصم، ح. 1900
The map of rooms of a hacienda
ترتيب اللوحات في منزل الرجل الأصم

لقد رسم گويا هذه اللوحات الضخمة والمرعبة على جدران الدار الكبيرة التي كان اشتراها خلال آخر سنوات حياته وعرفت باسم بيت الرجل الأصم Quinta del sordo. والحال أن المؤرخين تناولوا في شكل عام ظروف تحقيق گويا تلك اللوحات: كان ذلك منذ عام 1820 حين استقر في ذلك المكان إثر ابلاله من مرض خطير كان ألمّ به. وكان الصمم قد اقعده عن مقابلة الناس وجعله يقيم في يأس سيشبهه كثيرون بيأس بيتهوفن حين فقد سمعه نهائياً. وهكذا في عزلته تلك، انهمك گويا في تصوير ما اعتبره الشرط الانساني: لوحات بالأسود والرمادي والبني وبشتى الألوان الغامقة اختصر فيها كل ما كان عبّر عنه سابقاً في مراحل متفرقة من حياته، مستخدماً الأساطير ونظرته المتشائمة الى الإنسان، مصوّراً ما يشبه الكوابيس المرعبة وزحام أفكاره السود. ولعل ما يمكن الاشارة اليه والى دلالته هنا هو ان گويا لم يرسم تلك اللوحات بتوصية من أحد، ولم يرسمها لكي تباع.[3]

لقد رسمها لنفسه وكأنه شاء منها أن تكون وصيته وشهادته على الزمن الذي عاش فيه. والأهم من هذا أن اللوحات، التي ستنزع لاحقاً من جدرانها وتوضع في متحف البرادو، إنما عاد فيها گويا إلى مواضيع كان سبق له أن عبّر عنها سابقاً في لوحات مثل النزوات وكوارث الحرب، ثم في لوحاته التي صور فيها عنف وجنون محاكم التفتيش. في اختصار صور الجنون الإنساني وهو قيد العمل. كما صور رعبه الخاص من قوى العنف والخوف والهستيريا الجماعية. فمن لوحة يرينا فيها رجلين يتقاتلان حتى النهاية من دون ان يكون ثمة من يوقف قتالهما، الى لوحة يصور فيها ساتورن وهو يلتهم واحداً من أبنائه خوفاً من تلك النبوءة التي كانت قالت له ان ابناءه حين يكبرون سيأخذون مكانه، مروراً باللوحة المسماة «رؤية فانتازية» وهي تقتبس اسطورة قديمة وتصور عملاقين يطيران في الفضاء فوق مشهد طبيعي مملوء بالخيالة والجنود الذين يحاولون اطلاق النار عليهما، وبلوحتين تمثلان امرأتين، احداهما هي - على الأرجح - عشيقته ومدبرة منزله دونيا لوكاديا، والثانية جوديت التوراتية وهي تتهيأ لذبح ملك الأشوريين، ثم بالعمل الرابع «الساحرات» الذي يوصل فيه گويا الجنون الى غايته من خلال مجموعة ساحرات يحطن بعنزة رمزية، ويجلسن جميعاً أمام انظار فتاة تراقب المشهد بحيرة وعجز. انه عالم مرعب ذاك الذي يصوره گويا في تلك اللوحات الأخيرة، عالم فقد فيه الإنسان انسانيته إذا دعي من قبل الايديولوجيات السائدة، ومن قبل شتى ضروب التعصب واللاتسامح، الى ان يعيش في رعب تام وقد أدرك انه لا يمكن له ان يستمر في وجوده ان لم يقض على الآخرين.

والحال أن لوحة زحل يلتهم ابنه تلخص وحدها ذلك الجنون المرعب، لأن زحل يعرف هنا ان لا بقاء له أن ظل واحد من أبنائه حياً، لذلك يروح ملتهماً اياهم واحداً بعد الآخر. ومن الواضح أن گويا، في هذه اللوحة، كما في بقية لوحات المجموعة، انما يقول ما آلت اليه أحوال الإنسان في زمن التعصب، وبعدما زالت كل الآمال النهضوية التي كانت عقدت على انسانية الإنسان، مخرجة اياه من رحم الايديولوجيا.

ولكن هل كانت، تلك، مجرد نظرة سوداء يلقيها على أحوال الكون رسام ومفكر عجوز يقترب حثيثاً من الموت ويقعده المرض وفقد اتصاله بالبشر؟ أبداً، لأن گويا منذ بداياته، وعلى رغم الكثير من اللوحات المرحة والواقعية التي رسمها، عبّر عن قلقه وخوفه حيث ان معظم أعماله حمل ذلك التعبير، وحسبنا أن نتذكر ها هنا لوحته الكبيرة دفن السردين والوجوه الراقصة المرعبة التي تملأها، أو لوحة بيت المجانين أو لوحة جلسة محكمة التفتيش أو لوحة 3 أيار 1808 في مدريد: اعدام الأمير بيدرو التي قلدت كثيراً. أن الرعب في هذه اللوحات عنصر لم تتمكن من محوه حتى ولا المئتا بورتريه التي رسمها گويا للقصر الملكي أو لأعيان الدولة وجاءت مزدهرة طرية الألوان عابقة بالتفاؤل.


مشكلات توثيقية

مجموعة اللوحات السود


هوامش

  1. ^ Licht, 159
  2. ^ Licht, 168
  3. ^ "«اللوحات السود» لغويا: الحرب والإيديولوجيا يخلقان". دار الحياة. 2012-08-26. Retrieved 2012-08-26.

المراجع

  • Wilson-Bareau, Juliet. Goya's Prints, The Tomás Harris Collection in the British Museum. London: British Museum Publications, 1981. ISBN 0-7141-0789-1
  • Ciofalo, John J. "Blackened Myths, Mirrors, and Memories". In: The Self-Portraits of Francisco Goya. Cambridge University Press, 2001.
  • Connell, Evan S. Francisco Goya: A Life. New York: Counterpoint, 2004. ISBN 1-58243-307-0
  • Cottom, Daniel. "Unhuman culture". University of Pennsylvania, 2006. ISBN 0-8122-3956-3
  • Hughes, Robert. Goya. New York: Alfred A. Knopf, 2004. ISBN 0-394-58028-1
  • Licht, Fred. Goya: The Origins of the Modern temper in Art. Universe Books, 1979. ISBN 0-87663-294-0
  • Stoichita, Victor & Coderch, Anna Maria. Goya: the Last Carnival. London: Reakton books, 1999. ISBN 1-86189-045-1

وصلات خارجية


الكلمات الدالة: