الفتح السعودي للحجاز

الفتح السعودي للحجاز
جزء من توحيد السعودية
التاريخسبتمبر 1924-ديسمبر 1925
الموقع
الدولة العثمانية أمارة الحجاز
النتيجة انتصار سلطنة نجد
المتحاربون

Flag of the Second Saudi State.svg سلطنة نجد

Flag of Hejaz 1917.svg مملكة الحجاز
القادة والزعماء

Flag of the Second Saudi State.svg ابن سعود

  • Flag of the Second Saudi State.svg سلطان بن بجاد بن حميد
Flag of Hejaz 1917.svg الشريف حسين بن علي
Flag of Hejaz 1917.svg نورس باشا
القوى
5,000 رجل 500 رجل[1]
8 Aircraft[2]
الضحايا والخسائر
غير معروفة عدد غير معروف من الضحايا
تدمير 5 مركبات مدرعة
1 airplane shot down
الاجمالي: 450 قتيل

الفتح السعودي للحجاز، أو الحرب السعودية العثمانية الثالثة أو الحرب تحرير شبة الجزيرة العربية من العثمانيين والانجليز ، هي حملة، قادها السلطان السعودي عبد العزيز بن سعود، لتحرير البلاد العربية وكانت احداثها في نجد وعلى الحجاز ، انتهت الحملة بفتح الحجاز وضمها للسعودية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

يرجع تاريخ النزاع بين آل سعود في الرياض وأشراف الحجاز إلى زمن محمد بن عبد الوهاب والذي يعد أعظم مصلح ديني انتشرت رسالته في أرجاء الجزيرة العربية بأكملها. وفي حصار الحجاز عام 1803 حدثت سلسلة من المواجهات العسكرية بين الجيوش السعودية وأشراف الحجاز والتي انتهت بالسيطرة الكاملة للشريف حسين على المنطقة بأثرها في عام 1908. و، بينما الشريف حسين إلى قبرص.لرئيس للمعلومات والمتابعة، متحدثاً رسمياً باسم الرئاسة. ليكون بذلك أول متحدث رسمي باسم الرئيس.[3]

وعندما منع حجيج نجد من الدخول إلى المناطق المقدسة في الحجاز، قام بن سعود بإعداد حملته العسكرية ومهاجمة الحجاز، وفي 29 أغسطس 1924 تمت محاصرة مدينة الطائف بلا أية مقاومة تذكر. ولقد طلب الشريف حسين المساعدة البريطانية التي رفضت الأمر بدعوى رفض الدخول في النزاعات الدينية، ولقد أجبر الشريف حسين علي النزول علي رغبة ابنه في عدم إشعال فتيل الحرب الأهلية في الحجاز. وفي 29 أكتوبر 1924 تم عقد مؤتمر إسلامي في الرياض حيث تم الاعتراف بابن سعود والياُ علي مكة.


أمارة الشريف حسين بن علي

تمثلت السياسية الداخلية لامارة الشريف حسين بن علي، في اتجاهاته المتناقضة بين الاقليمية والقومية والاسلامية. اذ كانت دوافعه الرئيسة في الثورة على الاتراك اقليمية، أي انفراده بحكم الحجاز ثم اضطر دون وعي قومي ان يربط سطحيا بين امانيه الاقليمية وبين أمانيه القومية العربية حيث اعلن نفسه ملكا على العرب، غير انه اضطر للتراجع سريعا عن ذلك اللقب واكتفى بلقب ملك الحجاز كما اشرنا لذلك في الفصل الاول. ثم داعبته فكرة اخرى الا وهي الخلافة الاسلامية . فجلبت عليه سخط جهات اسلامية عربية وغير عربية، وفاقم من مواقفها السلبية تجاهه، وقد تجلت في ظرفه العصيب خلال توسع السعودية على حساب العثمانيين . يأتي عبد العزيز بن سعود في بداية الذين عارضوا خطوة الحسين الاخيرة، ولا غرابة في موقفه، بعد ان كان له سبق الاعتراض على ملكية الاخير، اما تعليل السلطان لموقفه هذا فمرده الى عدم اعتماد خطوة الحسين على التقاليد الدينية المتبعة، ولكونها تمّت دون استشارة المسلمين فضلا عن اعتقاده بعجز الحسين عن تحمل اعباء الخلافة.[4]

الموقف البريطاني الاخير ضمن الموقف العام الذي اتخذته بريطانيا من النزاع العثماني السعودي بعد فشل مؤتمر الكويت الذي انتهى في هذه الفترة تقريبا وهو امر يدل على الدقة في التخطيط الذي ارتاته بريطانيا، بقدر خطورته على الحسين ـ فحيادها يعني تخليها عن حماية الحجاز في وقت تفاقمت فيه مبررات الصدام مع الجيش السعودي بعدما عكسه الحسين من السلبيات في مؤتمر الكويت، وبالتالي اعلانه الخلافة ولعل الامر يبدو اكثر منطقية حينما تصر بريطانيا على موقفها المسمى بالحيادي حتى اواخر أيام الامارة الحجازية العثمانية وهي في نزعها الاخير.

ولا غرابة ايضا ان تدعم بريطانيا الموقف المصري من خلافة الحسين او ان تؤثر فيه، بحكم نفوذها القائم في البلاد على الرغم مما كان يحتفظ به المصريون من القناعة بموقفهم إزاء الخلافة. كانت هذه سلبيات سياسة الحسين الداخلية وآثارها عليه، اما سياسته الخارجية فقد اعتمد على انكلترا اعتمادا كليا في وضعه المادي والمعنوي، فوقع في شباك الدسائس الاستعمارية خاصة بين انكلترا وفرنسا في معاهدة سايكس ـ بيكو، الى وعد بلفور ثم الانتداب. بالاضافة الى التواء السياسة البريطانية تجاه البلاد العربية بين مدرستي الهند والقاهرة. وممالأة الاولى السياسة السعودية ضد الحسين. فهيأت سياسة الحسين المتعثرة داخليا وخارجيا الظروف المناسبة لتحقيق الحلم الوهابي في التوسع غربا حيث الحجاز وسواحله على البحر الاحمر.

بداية انتفاضة الحجازيين ضد الأتراك

بعد بداية الانتفاضة المناهضة للأتراك في الحجاز كانت المهمة الرئيسية للحكومة البريطانية في شبه الجزيرة العربية هي حث عبدالعزيز على الانضمام إلى قيادة العرب ضد العثماننين في الشام ، . إلا أن عبدالعزيز لم يكن منذ البداية يثق بالبريطانيين . وعندما علم أمير الرياض من بيرسي كوكس بنبأ الانتفاضة في الحجاز في حزيران (يونيو) 1916 أعرب عن مخاوفه من أن رغبة بعض القيادات الغربية بجعل الحسين تولي قيادة العرب يمكن أن تخلق وضعا غير مقبول إطلاقا بالنسبة له .

وبعد بداية انتفاضة الحسين كان السعوديين يساعدون الأتراك تارة خارج شبة الجزيرة العربية ، كما يقول المؤرخ الزركلي[5] .

وكتب مرسيل يقول أن الجيش السعودي عبدالعزيز قامت بغزوات ضد الاتراك في المناطق الحدودية . لاجل حث العثماني الى جديتة في اخراجهم من الاراضي العربية ، وقد طلب الاتراك ممثلين في القائد العام للقوات التركية دعوةالسعوديين للحوار في أطراف المدينة المنورة . وفي أواخر أيلول (سبتمبر) 1917 توجه وفد سعودي إلى دمشق لمناقشة مختلف القضايا مع السلطات العثمانية .

ويبدو أن عبدالعزيز أحس بالجهة ذات الكفة الراجحة . فصادر 700 جمل اشتراها أحد التجار الأثرياء لأجل الأتراك . ولاحظ الشريف حسين أن الجهود البريطانية عاجزة عن وقف منافسه السعوديين وقوتهم ووقوف العرب مع عبدالعزيز فبعث رسولا إلى الرياض يحمل ذهبا ودعوة للعمل ضد العدو المشترك (ضد الأتراك) .

وبعد اندلاع الانتفاضة في الحجاز بدأت إمارة جبل شمر التابعة للعثمانيين تستلم من الأتراك أسلحة . اغضب الاتراك عبدالعزيز بتصرفاتهم وقبل تحسين العلاقات مع الشريف حسين .

وفي 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1916 عقد پرسي كوكس في الكويت اجتماعا حضره السعوديين في الكويت التابعة لبريطانيا وشيخ المحمرة خزعل وقال ابن سعود وأكد على ضرورة تعاون جميع العرب المخلصين مع بعضهم لبعض للدفاع عن القضية العربية

وبعد اجتماع الكويت زار إبن سعود البصرة حيث استعرض الإنجليز أمامه الأسلحة الحديثة ورأى الطائرات. ولم يبد الأمير إعجابه الشديد فهو قليل الكلام ، ولكن الآليات الحديثة نالت أعجابة،وتركت لديه انطباعا عميقا كون الجيش السعودي يحتاج الى الدروع والشاحنات والطائرات مكلفة للغاية ولكن كان عبدالعزيز مجبرا لتفاهم مع الانجليز بسبب ان بريطانيا وتركيا كانتا السبب لاسقاط الدولة السعودية الثانية وتعاونهم لتدمير قوة العرب .

عرض البريطانيين سلفة مالية على أمير السعودية قيمة رشاشات وثلاثة آلاف بندقية مع ذخيرتها ، وردا على ذلك وعد عبدالعزيز عدم الهجوم على الكويت و البصرة.

ومع ذلك تأكد الإنجليز من عدم إمكان دفع أمير السعودية إلى العمليات المباشرة ضدهم ، وكانوا يؤملون ، على الأقل ، في أن ترغمه المعاهدة الموقعه معه على فرض الحصار على الأتراك في الحجاز وسورية . إلا أن أمير الرياض كان يكره البريطانيين ولكنه لم يكن يصرح ، وكان الجيش السعودي قد استولى قافلة بريطانية من 3 آلاف جمل بضائع إلى الحجاز فظهرت بسبب ذلك تعقيدات في علاقات إبن سعود مع الإنجليز .

واعتبارا من عام 1917 حاول بيرسي كوكس أن يصرف أنظار إبن سعود عن أعمال الحلفاء في الحجاز ، وظل يحرضه على مهاجمة الأتراك في الشام لكن عبدالعزيز كان يرى ان بريطانيا تريد تكسير اعدائها بعضهم ببعض ، وكان عبدالعزيز يساعد البدو على قطع الطرق على البريطانيين وتتبع مواليهم في شبة الجزيرة العربية ، وكان عبدالعزيز يهرب الاسلحة الى البدو الموالين له على تخوم البريطانيين. وكان عبدالعزيز يريد تحرير ومن موانئ الخليج العربي ، بما فيها الكويت .

وفي خريف 1917 كانت فصائل الحسين تقاتل بفتور . فطالب المندوب السامي البريطاني الجديد في مصر وينهايت بممارسة ضغط أشد على إبن سعود لجعله يقوم بعمليات أنشط ضد الأتراك . وتوجه ستورس الرياض أصيب بضربة شمس فاضطر إلى مغادرة الجزيرة العربية . وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 نزل ممثلوا بيرسي كوكس وعلى رأسهم الكولونيل هاملتون في العقير وتوجهوا إلى الرياض ليناقشوا الوضع مع الأمير في أواخر الشهر .

وكان في هذه البعثة فيلبي الذي أعجب بعبدالعزيز غدا من أكبر دارسي الجزيرة العربية وربط حياته فيما يعد بعبد العزيز والعربية السعودية . وغدا مندوبا دائميا لبريطانيا عند أمير الرياض . وكتب فيلبي نفسه أن مهمته كانت تحسين نظرة عبدالعزيز أتجاه بريطانيا ودفعه لشن الحملة على الأتراك والحيلولة دون تأزم العلاقات مع بريطانيا ومحمياتها والعثور على حل لمشكلة القبائل العربية التي تعرض لهجمات البريطانين في البصرة والشام وعمان وعد عبدالعزيز ببدء العمليات النشيطة إذا قدموا له الدعم الازم وتوقيع اتفاقيات اعلى مستوى ..

وفي 5 آب (أغسطس) 1918 بدأت الحملة على الأتراك ، وشارك فيها فيلبي الذي كتب عنها بحث مفصلا . وفي أيلول (سبتمبر)) 1918 تحرك الإخوان رافعين راياتهم نحو أمارة العثمانيين في حائل . وكان عند السعوديين حوالي 5 آلاف شخص . وفي تلك الأثناء تأزم الوضع على الحدود مع الحجاز بسبب واحة الخرمة . وعقد الحسين صلحا مع أمارة حائل.

وفي خريف 1917 أدت مجموعة كبيرة من السعوديين فريضة الحج ، وقابلهم الحسين بالتكريم . وأصر السعوديين على تعيين حدود رسمية بين الدولتين ، ولكن الملك حسين تملص من الجواب وربما انتهز خالد فرصة الحج ليجري اتصالات مع السعوديين. وقد لاحظ الحسين ذلك . وبعد فترة قصيرة طرد خالد من الخرمة القاضي الذي بعثه شريف مكة . وعندما طلب الشريف من خالد أن يحضر لتوضيح هذا التصرف رفض خالد الحضور وقد أحس بأن حياته في خطر .

وفي عام 1918 بعث الملك حسين جيش للاستيلاء على الخرمة ، إلا أن السعوديين تمكن آنذاك من إرسال قواتهم لنجدة خالد ، ولذا دمروا بجهود متضافرة القوات التي جاءت من مكة عن بكرة أبيها.

وكان ذلك تحديا للانجليز بمضايقة حليفهم الشريف حسين . إلا أن خالد قد تقوى آنذاك وأخذ يقوم بغارات على المناطق الخاضعة للحسين . وكانت المدينة المنورة لاتزال في أيدي الأتراك ، . وجرت الأحداث لاحقا في تربة والخرمة الواقعتين بين الحجاز ونجد . وكان في تربة حوالي ثلاثة آلاف نسمة ، وكان فيها عدد من الأشراف يمتلكون كثيرا من أرضيها . كانت هذه الواحة تعتب بوابة الطائف من جهة نجد . أما الخرمة فكان فيها حوالي 5 آلاف نسمة بعضهم من قبيلة سبيع وبعضهم من العبيد والمعتوقين . كما كانت فيها بضع عشرات من الأشراف .

توسع السعوديين في الحجاز

رأى السعوديين فرصة سانحة لإستئناف تحرير البلاد العربية على حساب الانجليز بعد هزيمة الاتراك وانتهاء الحرب العالمية الاولى بالنسبة لشبة الجزيرة العربية وعند فشل مؤتمر الكويت المنعقد في عام 1923.

تحريرالطائف سبتمبر-أكتوبر 1924

أرسل عبدالعزيز الى قبائل جنوب غرب نجد وخصوصا بيشة ودعى قبائل شهران و قبائل معاوية وأكلب ومن معهم للمشاركة في فتح الطائف وتحركت القوات السعودية صوب الطائف في أغسطس 1924 بقيادة كل من خالد بن لؤي وسلطان بن بجاد بطلا معركة تربة، فيما سارع الحسين ـ وبعد سماعه بهذه الاخبار ـ الى إرسال نجله الامير علي مع عدد من قواته لمنع الجيش العربي السعودي ضم الطائف ،ولكن اخفق ونجح السعوديين ضم الطائف في 7 سبتمبر 1924..

( معركة الهداء) وذلك في حوالي 26 أكتوبر 1924.نجح السعوديين من كسر جيش الشريف و ساعد في هذه الهزيمة موقف القبائل العربية التي كانت مترددة في الانضمام الى السعوديين ، وانضم الكثير من قبائل الحجاز الى الجيش العربي السعودي، فهرب الشريف الى مكة.

تنازل الحسين عن الحكم لنجله الأمير علي

ارتأى الانجليز بتنازل الحسين عن العرش لنجله علي، في هدف ايقاف القتال ، واكدوا على الامير ـ لدى اجتماعهم به في جدة ـ قبول منصب والده، ولم يوقفهم اعتذاره عن ذلك، وواصلوا خطوتهم هذه وابرقوا للحسين بمكة في 3 تشرين الاول 1924 يبلغوه بأقررهم على تنازله لنجله علي.

ضم السعوديين مكة ـ جدة

وصل علي الى مكة في أكتوبر 1924 بعد اتمام مراسيم بيعته في جدة لتولي مهام منصبه الجديد، ولم تطل اقامته في مكة لاكثر من اسبوع اضطر بعدها الى اخلائها والانتقال الى جدة، بعد تيقنه من عجز قواته عن مقاومة التقدم السعودي وميول أهل مكة لسعوديينن اذ لم يبق معه من القوات اكثر من (200-300) عسكري فقط. حسين، وعزمه على اقامة العدل ونصرة الضعيف.

الموقف في مملكة العراق

ارسل بريطانيا تعزيزاتها الى العراق، بعد حشد سعودي بالقرب من الكويت

الموقف البريطاني من النزاع

إن الذي يتتبع الخطوات المدرجة في الفصول السابقة للسياسة البريطانية مع الملك حسين، لا يجد غرابة في خذلانها للأخير في أحرج ظروفه وأصعبها، وهي بهذا تختتم الحلقة الأخيرة من مخططها الذي رسمته لهذا الحليف والذي بدأ يثير إزعاجها في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى. أطلقت بريطانيا على موقفها من النزاع بالحياد وراح بعض مسؤوليها ، بالثناء على هذا الموقف ، ومع التزامها بهذا الموقف، إلا أن اتخاذها إياه وتمسكها به على غير عادتها، رغم الانتصارات التي أحرزها الوهابيون، ورغم الاستغاثات التي رفعت للتدخل أمر مفضوح لا يحتاج إثبات في كونها المساهم الرئيسي في تقرير هذه الأحداث ونتائجها. ترى بم تفسر ردعها الحاسم للهجمات التي شنها الوهابيون على كل من الأردن والعراق في نفس الموعد الذي شنت فيه حملة الحجاز ؟ فإذا كان ذلك راجع للمسؤولية الانتدابية التي تتحملها بريطانيا للأردن والعراق، فما الذي دفعها للتدخل في معارك تربة عام 1919؟. بعد سقوط الطائف اجتمع كل من نائب رئيس وزراء الحجاز عبد الله سراج والسيد أحمد السقاف رئيس الديوان الملكي والشريف عبد الله بن محمد وزير الداخلية في دار الحكومة بمكة وأعدوا برقية الى لندن يطلبوا فيها التوسط، بيد ان الحسين رفض ذلك ، واكتفى بأن أبلغ مندوبه في لندن بأن يلفت نظر المسؤولين الانكليز الى أعمال النجديين في الحجاز، في الوقت الذي كانوا يلحون عليه بعدم إزعاجهم وكأنه يطلب الوساطة ولا يقوى لذلك بصراحة كافية. وسواء أكان راغبا في التوسط أم لا فإن الحكومة البريطانية كانت على قناعة من موقفها الحيادي وابلغت ذلك رسميا الى الملك فيصل ردا على صيحاته المتكررة لإيقاف القتال وقد جاء ذلك في برقية وجهتها للسير هنري دوبس في 30 أيلول 1924. فهي (بريطانيا) في الوقت الذي تبدي استعدادها لإحلال السلم بين سائر الحكام العرب، فإنها "متمسكة بسياستها التقليدية من عدم التدخل في الشؤون الدينية وليس في نيتها التورط في أي نزاع مايرمي الى الاستيلاء على الأماكن المقدسة مما قد يدخل فيه حكام بلاد العرب المستقلين. وفي المشكلة الحاضرة (مشكلة الحجاز). تنوي الحكومة البريطانية حصر مجهوداتها في محاولة صيانة من في الحجاز من رعايا صاحب الجلالة البريطانية المسلمين والمسلمين الذين تحت حماية جلالته وذلك بقدر ما يكون بالإمكان عملها. وفقط في حالة طلب كلا الطرفين المتنازعين من تلقاء نفسيهما توسط حكومة صاحب الجلالة البريطانية لأجل المساعدة في حسم المشاكل بينهما بالتدابير السلمية تكون حكومة صاحب الجلالة البريطانية مستعدة للقيام بأمر مثل هذا والذي كانت قد قامت به في الشتاء الماضي في مؤتمر الكويت عبثا بسبب تأخر الحسين في إرسال من يمثله . وقد أكد دوبس على فيصل اعتبار هذه البرقية (جواب الحكومة اليقين). واستشهد ولتبرير موقف حكومته المتقدم في تجنبها التدخل في شؤون المسلمين بالخبر الذي نشرته وكالة رويتر بشأن احتمال تدخل بريطانيا في النزاع، والذي أثار هياج المسلمين الهنود واستيائهم لرفضهم هذا التدخل في شؤون الحجاز حتى وإن كان لمصلحة فريضة الحج "ومن هذا يتبين لجلالتكم كما أوضح دوبس لفيصل الصعوبات العظيمة التي تحيط بالحكومة البريطانية فيما يتعلق بهذا الأمر اذ انه إذا قلت آراء جلالتكم فمن البديهي إنها ستجلب بذلك خطر إثارة مشاغبات خطيرة في الهند" . فكأن الهنود هم الذين وقفوا في طريق بريطانيا لحقن الدماء في الحجاز. وسيرا مع هذه السياسة اظهرت بريطانيا عدم تأييدها لخطوة فلبي للتوسط في النزاع وأبلغته عن طريق القنصل البريطاني بعدم سماحها في دخوله الجزيرة العربية بسبب اضطراب الأوضاع فيها ، وكانت قد أبلغت كل من الملك علي وعبد العزيز بن سعود قبل وصول فلبي بأيام قليلة بعدم سماحها لمجيء الأخير وعدم تخويلها إياه بالتفاوض . وأنذرت فلبي مجددا في 1 كانون الأول 1924عن طريق القنصل، بالطرد من الخدمة وحرمانه من التقاعد اذا ما تجاهل الاوامر وحاول السفر الى داخل الجزيرة . ومن الطبيعي أن تبدو هذه الانذارات بصفتها الرسمية ممارسة للموقف الحيادي الذي اتخذته الحكومة البريطانية الا ان ذلك لا ينفي كون سياسة الحياد كما اشرنا تحمل غير صفتها الرسمية، أي مبدأ التخلي عن دعم الحكم الهاشمي في الحرب الاخيرة، وهذا ما يتفق مع مهمة المستر فلبي، اما الانذارات فقد تعني ان خلافاً ما ان وجد ـ بين فلبي وحكومته من حيث الاسلوب لا الهدف . ومع ذلك فهي لا تعدو اكثر من كونها ادعاء ارادت به بريطانيا تاكيد موقفها المذكور بعد ان تيقنت من قدرة ابن سعود على انهاء الحرب لصالحه، مع بقاء حقيقة المهمة التي اوكلت الى (فلبي) فهل كان من الصعب على المسؤولين الانكيز ـ ان ارادوا ـ منع فلبي من دخول الحجاز او اخراجه منه بعد دخوله بصورة سرية كما ادعى دون انتباه الاخيرين في مصر لذلك ، في حين طلب بعض هؤلاء ـ كما ذهب فلبي ـ من طالب النقيب خلال وجوده في الاسكندرية بعدم السفر الى الحجاز والتوسط في النزاع ، فقد تكون بريطانيا ـ وفي ضوء موقفها الاخير من الهاشميين ـ لا ترضى بغير وساطة فلبي ـ التي نوهنا الى أبعادها سلفاً . وباسم الحياد منعت بريطانيا من جانبها دخول الاسلحة الى الحجاز، او الساماح للقوى المتنازعة بشراء الاسلحة من انكلترا، كما منعت من استخدام الطيارين الانكليز في الجيش الحجازي ، اما الطائرات الانكليزية القديمة الثلاث التي وصلت الحجاز فكانت الحكومة الحجازية قد ابتاعتها قبل امد طويل بمبلغ فاحش قدر بسبعة آلاف ليرة انكليزية رغم انها لم تكن تعادل مبلغ (1500) ليرة. فدفعت الحكومة المبلغ السابق رغم إفلاسها الحاد هذه الآونة ، علما ان هذه الطائرات لم تكن مزودة بالاسلحة او القنابل والمعدات لتقيد بريطانيا بحيادها من الحرب.

وتجلى الموقف السلبي للحكومة البريطانية ايضا في إجرائها بإبعاد الحسين عن العقبة اثر استقراره فيها، وبعد ان اخذ يمول نجله (علي) بالمال والجند والامدادات في وقت كانت فيه الحكومة الحجازية بأمس الحاجة لذلك بعد نفاذ خزينتها من المال . ولا ريب ان يكون لابعاد الحسين عن العقبة وقعه المؤثر في الملك علي الذي كان يعاني من الافلاس. حيث انقطع عنه مورد مالي كان يعتمد عليه اعتماد قويا. ولم تصل بعد هذا الحين سوى دفعة مالية بسيطة مما زاد عسره المالي، الذي سعى الانكليز لاستغلاله كما يبدو بواسطة الامير عبد الله للمساومة على منطقتي العقبة ومعان خلال مساعيهم بهذا الشأن. اذ يشير الريحاني ان الامير عبد الله وضمن مساعيه لضم المنقطة الى إمارته ضرب على الوتر الحساس حينما اوضح في احدى مذكراته لاخيه الملك على ما معناه حصول الاخير على مبالغ قدرت (مليون) ليرة على شكل تعويض وقروض ، فضلا عن إبعاد عبد العزيز بن سعود عن الحجاز حتى تربة والخرمة، وجعل الخط الحجازي تحت امرته متى ما اراد، اذا ما استجاب لضم المنطقة الى شرقي الاردن.

ونضيف الى هذه الشواهد التي تميز بها موقف الحكومة البريطانية صورة اخرى تمثلت في تصدي مسؤوليها في بغداد لمشروع الملك فيصل الرامي لدعوة الملوك والشخصيات الاسلامية في مؤتمر يتولى معالجة الموقف في الحجاز، اذ يبدو ان هذه النية قد اقلقت بال السير هنري دوبس، فجعل على أثرها في إبلاغ حكومته بالامر ـ رغم تظاهره لفيصل بحسن النية ـ ولم تتون حكومته بدورها في تبيان موقفها من خطوة فيصل الاخيرة وبالصيغ التي توقفه عند حده وبصورة غير مباشرة. حيث اشار الى ان حكومته: "ترى ان جلالتكم (فيصل) لا تحسنون الرأي بإرسال برقيات الى زعماء الاسلام تقترحون فيها عقد مؤتمر اسلامي لأن من الواضح من رسالة عبد العزيز بن سعود الى اهالي جدة قد وقفتم عليها جلالتكم انه معاد عداء بينا لعائلة صاحب الجلالة الملك حسين وهذا يجعل من غير المحتمل موافقته على أي اقتراح يبدو من قبل احد اعضاء هذه العائلة. اما اذا عرض هذا الاقتراح من قبل شخص او هيئة ممن لا صلة شديدة لهم مع عائلة الملك حسين فمن اكثر ذاك ان يقبل ابن سعود الاقتراح.

وما عدا هذه الحجج التي اوضحتها الحكومة البريطانية يضيف دوبس نصيحته الى فيصل بالعدول عن المؤتمر الذي ينوي عقده لعدم ملاءمة الظروف، فقد سبقه عبد العزيز بن سعود لهذه الدعوى ، وسيعد ذلك تقليد سيعاب عليه فيصل من قبل الراي العام الاسلامي.

والذي يبدو ان الملك فيصل كانت له الاسبقية في فكرة المؤتمر لولا تباطؤ الحكومة البريطانية في إيضاح موقفها . من خطوته المذكورة، مما فسح المجال الى تبنيها من قبل ابن سعود. وقد يكون من الجائز ان تأخير البرقية التي تحمل هذا الموقف، حتى ولو في مثل هذا الظرف ويحول دون اتصال فيصل بالرؤساء والشخصيات الاسلامية، الا ان الاهم من ذلك هو اعلان عبد العزيز بن سعود لهذه الدعوى خلال هذا التأخير الذي اعتذر عنه المسؤولون الانكليز في حينه . أي قد يكون هناك من الاخيرين او من تبعهم كما يخيل لنا، قد اوصل خطوة فيصل لابن سعود وحثه في اضطلاع الفكرة قبل استثمارها من قبل فيصل، لتلافي الاحتمالات التي ستتمخض عنها هذه الخطوة والتي ستكون على اقل تقدير التوسط لايقاف التقال وعرقلة عبد العزيز بن سعود في مواصلة تقدمه، علما ان الاتصالات بشأن فكرة المؤتمر كانت مقتصرة على دوبس وفيصل فقط كما تبين. وبطبيعة الحال ان هذه الاساليب تخضع بالضرورة للموقف البريطاني الرئيسي الذي رفض خطوة فيصل منذ البداية، والذي كان كفيلا في تثبيط عزيمة فيصل، رغم الادعاء البريطاني بعدم معارضة فيصلا اذا كان مصر على ذلك " على شرط ان يكون من المفهوم بصراحة ان الحكومة البريطانية متمسكة دقيقا بسياستها المبنية على الحياد التام فيما يتعلق بمستقبل الاماكن المقدسة وانه لا يسعها قرن اسمها بوجه من الوجوه بعمل جلالتكم (أي فيصل) . وامعانا في الموقف البريطاني المذكور زار السير كلبرت كلايتون الحجاز على رأس بعثة خاصة واجتمع بابن سعود خلال حصاره لجدة في أيلول 1925، دون ان يعير اهتمامه الوضع الدائر في الحجاز ، وانما جاء بأوامر حكومية لتقرير علاقة نهائية مع عبد العزيز بن سعود بشأن حدوده مع كل من العراق وشرقي الاردن قبل استئنافه معركة جدة ادراكا منه بأنها ستكون الفاصلة . وقد تم اجتماع الطرفين بهذا الشأن دون ان يكون أي ذكر للحجاز.

بقى علينا الالتفات الى سر الموقف البريطاني السلبي من هاشمي الحجاز والذي بات مكشوفا لدينا في الفصول السابقة. فقد اشرنا الى اتجاه بريطانية تدريجيا بالتراجع عن التزاماتها المقطوعة للحسين ابتداءا من نهاية الحرب العالمية الاولى وبشكل ادق منذ عام 1919 عندما اخذ الحسين يضايقها بطلب تنفيذ هذه الالتزامات، ومواقفه التي جاءت ردا على هذا التراجع كرفضه لمعاهدة فرساي والمعاهدات التي تلتها لمحتواها الذي يقر الانتداب على المشرق العربي. ومع ضغطهم المتواصل لاستدارجه من خلال البرامج التي طرحوها امامه بصيغ المعاهدات (معاهدة 1921، 1923) فقد ظل الحسين متمسكا بموقفه وبصفة خاصة من قضية فلطسين التي كانت العقبة الرئيسية في امتناعه من التوقيع على المعاهدتين المقترحتين وبالتالي عدم تفاهمه مع بريطانيا، ليتحمل ردها الذي تمثل في تنحيها عنه والعمل على ازاحته، او على الأقل فسح المجال لآخرين في تولي هذه المسؤولية فمرت هذه السياسة في حلقات اسلفنا ذكرها، كانت الحرب الاخيرة آخرها واخطرها من حيث النتائج. ولعل في توجه الاسرة الهاشمية ومحاولتها تغيير المواقف التي اتخذها عميدها (الحسين) حيال السياسة البريطانية، في هدف إنقاذ الوضع في الحجاز، ما يؤكد النقاط المدرجة بشأن الموقف البريطاني من الأحداث الأخيرة، فقد مرت بنا نصائح الملك فيصل لأخيه علي بهذا الخصوص، للسعي في كسب الموقف البريطاني والحيلولة دون التسلط الوهابي، وأشرنا إلى ان الملك علي أخذ بنصيحة أخيه وتباحث مع المعتمد البريطاني لتسوية الخلافات بشأن المعاهدة ، وأبرق ـ على حد قول البعض، وكما أشير في حينه ، إلى الدكتور ناجي الأصيل لقبول المعاهدة التي جرى بحثها بين بريطانيا ووالده، وتجاهل التعديلات التي اشترطها الأخير على بعض موادها. غير ان الخطوة التي اتخذها علي م تكن موفقه، ولم تحظ بموافقة الحكومة البريطانية التي تمسكت بورقة الحياد الرسمي، وتجاهلت استعداد الملك علي للتوقيع على المعاهدة . ولم يأت هذا الرفض اعتباطاً كما أشرنا في الفصل الثالث فما جدوى التوقيع على معاهدة مع حكومة في نزعها الاخير؟ ثم ان الملك علي ليس بالملك حسين كمصدر للقلق على مصالحها في المشرقن زالت لدى بريطانيا مبررات عقد المعاهدة أو تصفية الديون، هذا فضلا عن الشوط الذي قطعته سياستها حتى ذلك الحين بشأن القضية الفلسطينية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المرحلة الفاصلة

لقد مكث الوهابيون عدة أشهر في مكة قبل ان يجهزوا على جدة مقر الملك علي، حيث استكملوا خلالها استعداداتهم العسكرية واحتلوا بعض المواقع الاستراتيجية المتمثلة بثغور القنفذة والليث ورابغ، واستطلعوا أوضاع الأجزاء الأخرى من المملكة الحجازية، التي كانت تسير من سيء الى أسوء ، استعدادا للانفضاض على العاصمة، ولعل الحياد البريطاني من النزاع كان من جملة العوامل المشجعة لتصفية ما تبقى من مملكة الحجاز. لقد أقرت خطة استئناف الهجوم الوهابي من جهات مكة في الاجتماع المنعقد في مكة بتاريخ 2 كانون الثاني 1925 برئاسة عبد العزيز بن سعود، الذي كان قد وصل إلى مكة في 4 كانون الأول 1924. فتحركت القوات الوهابية فعلا الى جدة ووصلت طلائعها الى سهل جدة بعد يومين من الاجتماع المذكور، فيما شرع الزعيم الوهابي بالانتقال من مكة الى منطقة (بحرة) فمنطقة (حداء) القريبتين من جدة . لم يحصل في بداية الأمر صدام مباشر بين طلائع القوات النجدية والقوات الحجازية، واقتصر الأمر على مناوشات بسيطة، اندفعت بعدها القوات النجدية الى مهاجمة خط الدفاع المحيط بجدة فاحتلت بعض المواقع المجاورة كالنزلة اليمانية ونزلة بني مالك، ومنطقة الروس. ومع إخلاء القوات النجدية لهذه المواقع تحت ضغط القوات الحجازية، إلا انها تمكنت من احكام سيطرتها عليها وقامت بحفر الخنادق والاستحكامات، وأخذت تدخل قتالا نظاميا مع القوات الحجازية. بما رافق ذلك من الغارات الليلية التي كان يشنها الوهابيون، لإثارة الذعر بين الناس وتأليبهم ضد حكومة علي وإخراجها، ولحمل قوات الخصم على الاسراف في الذخيرة . صعدت القوات النجدية ـ بعد مرابطتها بجوار جدة ـ من هجماتها وأخذت المدفعية التي نصبت في ضواحي المدينة بإرسال قذائفها الى هناك فأصاب بعضها خط الدفاع عن جدة، وسقط الآخر في وسط المدينة وحتى حدودها من جهة البحر ـ كما تعرضت لهذه القذائف كل من القنصلية البريطانية والسوفييتية والفرنسية إضافة الى ما سببته من قتل وجرح البعض، فشرع الأهالي بترك المدينة باتجاه السواحل الافريقية، أو عدن، أو الى مكة عن طريق ميناء الليث.

ومع ذلك فإن المواجهة المباشرة بين المعسكرين لم تتم حتى آذار 1925عندما تجرأت القوات الحجازية بالخروج عن المدينة، تتقدمها بعض المصفحات القديمة وبتغطية من المدفعية الحجازية حيث اشتبكت مع القوات النجدية في معركة دامت أربع ساعات، لم تتمكن المصفحات كما عهد إليها من تنفيذ مهماتها في قطع المدد والاتصال بين الخطوات الأمامية والخلفية للقوات النجدية، وانتهت المعركة، دون أن تحقق الحكومة الحجازية هدفها في تخفيف الضغط الذي تواجهه المدينة.

ساد الهدوء جبهة القتال لحلول شهر رمضان، واستمر في الشهر الذي يليهن بيد ان الحركات العسكرية استؤنفت في شمال الحجاز، وشرعت القوات النجدية بمناوشة المدن الحجازية الواقعة في هذه الجهة، كينبع ومداين صالح، والعلا، وينبع النخل، والعوالي وبدر، في هدف احكام حصار المدينة المنورة وحمل أهلها للضغط على قيادة التسليم. وقد تمكن النجديون من احتلال بدر والعوالي القريبتين من المدينة، فيما ظلت قوات أخرى ترابط أمام المدن المتبقية بانتظار الأوامر من القيادة العليا . وقد تمكنت من احتلال ينبع النخل والضبا وأملج ولوجه في حوالي مارس 1925 فيما تم احتلال المدينة المنورة في الخامس من كانون الأول 1925 بعد حصار دام عشرة أشهر.

اتفاقية تسليم جدة

أما جبهة جدة فاستمر فيها الهدوء، لحلول موسم الحج، حيث عمد ابن سعود ـ ولتسهيل مقدم الوافدين الى الحج ـ إلى سحب قواته من جبهة جدة لهذا الغرض . استأنف بعدها حصاره للمدينة التي أخذت أوضاعها عموما بالتردي بعد ان كابدت حصارا قاسيا دام عاما تقريبا، اضطر الملك على أثرها ان يوسط القنصل البريطاني (ريد بولارد) لإنهاء حالة القتال والتسليم لابن سعود بالأمر الواقع في 15 كانون الأول 1925، وسلمه الشروط التي اقترحها للتسليم ، فطلب المعتمد البريطاني على أثرها موافقة حكومته للتوسط، فلم تمانع الاخيرة من اقرار هذه الخطوة التي كانت تنتظرها بفارغ الصبر، وراحت القنصلية وبعثت في 16 منه بأحد موظفيها (منشئ احسان الله) وبمعيته رسالة من وكيل القنصل البريطاني (غورون الى عبد العزيز بن سعود يدعوه فيها الى الاجتماع به للاتفاق على تسليم جدة . وقد استجاب عبد العزيز بن سعود لذلك واجتمع بوكيل القنصل في اليوم التالي (17 كانون الاول) وتم الاتفاق على الشروط التي تقدم بها الملك على تسليم عاصمته . ووقع عليها كاتفاقية من قبل الحاكمين في مساء نفس اليوم الخميس.


1 ـ ضمان ابن سعود لسلامة اهالي جدة جميعا بما فيهم الموظفين والعسكريين.

2 ـ تسليم الملك على اسرى الحرب الموجودين ان وجدوا.

3 ـ تعهد عبد العزيز بن سعود بمنح العفو العام للمذكورين اعلاه.

4 ـ تسليم جميع الاسلحة والعتاد الى عبد العزيز بن سعود.

5 ـ يتعهد الملك علي بعدم إتلاف أي قطعة من الاسلحة التي تحت يد قواته.

6 ـ يتعهد ابن سعود بتسفير الضباط والجنود الراغبين في العودة الى اوطانهم ان رغبوا.

7 ـ يتعهد ابن سعود بتوزيع (5) آلاف جنيه على الضباط والجنود الموجودين في جدة.

8 ـ ويتعهد ايضا بإبقاء جميع الموظفين المدنيين الذين يجد فيهم الكفاية والامانة.

9 ـ كما تعهد بالسماح للملك علي لنقل امتعته واثاثه وسيارته.

10ـ وتعقد ايضا بمنح عائلة ممتلكاتها الشخصية في الحجاز شريطه ان تكون موروثة.

11ـ على الملك علي مغادرة جدة قبل يوم الثلاثاء القادم.

12ـ تصبح البواخر الحجازية ملكا لابن سعود.

13ـ يتعهد الملك علي ورجاله وسكان جدة بعدم بيع او إخراج أي شيء من املاك الحجاز.

14ـ يتمتع اهالي ينبع من مدنيين عسكريين بالحقوق والامتيازات السالفة الا فيما يتعلق بتوزيع النقود.

15ـ وتعهد عبد العزيز بن سعود بالعفو عن عدد من الاشخاص، اتفق على اسمائهم بين طرفي الاتفاق.

16ـ لا يعتبر عبد العزيز بن سعود مسؤولا عن تنفيذ هذه الشروط حالة اخلال الطرف المقابل بأحد موادها.

17ـ يتعهد الطرفان بالكف عن أي عمل عدائي خلال سير هذه المفاوضات .

أبحر الملك علي إلى عدن في 22 من نفس الشهر على متن باخرة بريطانية متوجها الى بغداد ليستقر الى جانب اخيه الملك فيصل . وقد اودعت إدارة جدة الى سلطة محلية تتولى مهمة تسليمها لابن سعود ريثما يتوجه اليها حيث دخلها بعد يومين من مغادرة علي للبلاد ، لينهي بذلك اول دولة عربية عرفها تاريخ العرب في القرن العشرين، بعد عمر دام تسع سنوات وبضعة اشهر هذا وقد انضوت كافة المناطق الحجازية المتبقية تحت الراية الوهابية

ما بعدها

في نهاية الحملة نجح عبد العزيز بن سعود في السيطرة على مملكة الحجاز وأعلن نفسه ملكاً على الحجاز. ضُمت المملكة فيما بعد إلى مملكة نجد والحجاز، تحت حكم الملك عبد العزيز بن سعود.

فر الملك حسين بن علي، شريف الحجاز إلى قبرص، وأعلن ابنه علي بن الحسين ملك الحجاز، لكن واقعياً بعد سقوط المملكة انتهت الأسرة في المنفى. مع ذلك ظل الهاشميون يحكمون إمارة عبر الأردن ومملكة العراق.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، قامت بريطانيا بتوقيع عدد من المعاهدات مع حكام منطقة الخليج العربي وذلك بهدف وقف أي تقدم تركي، بالإضافة إلى حماية مصالحها في الهند. وحينما انتهت الحرب، ركز بن سعود جهوده على مد نفوذه على الخليج العربي من خلال محاولاته للتغلب على اثنين من ألد معارضيه وهم بن رشيد أمير حائل والشريف حسين في الحجاز.

وثائق الفتح السعودي للحجاز

الوثيقة 1

نشرت جريدة أم القرى في العدد 30، السنة الأولى، الصادر في 2 محرم 1344هـ/24 يوليو 1925م ما نصّه[6]:

«بلاغ عام إلى المسلمين

من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود إلى إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها

الحمد لله الذي لا إله إلا هو. والصلاة والسلام على رسوله محمد الشفيع المشفع يوم المحشر (وبعد):

فقد تفاوضت أنا والوفد الهندي الموفد من جمعية الخلافة الهندية وجمعية العلماء في المسائل التي يهم المسلمين الإطلاع عليها والوقوف على حقيقة أفكارنا تجاهها.

وكان رائد الجميع الإخلاص في العمل والصراحة في القول والنصح لله ولرسوله وللمسلمين وإني أحمد الله على أن انتهى البحث على اتفاق في جميع المسائل التي دارت المفاوضة فيها.

وإني دحضاً لما يفتريه أعداء الحق ونصراء الباطل، ممن يستغلون التفرقة بين المسلمين ويحاولون أن يطفئوا نور الله بسعيهم الباطل للتمويه على قلوب السذّج من المسلمين الذين يجهلون حقيقة ما نحن عليه، أعلن ما يأتي ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة.

1/ أشكر الشعوب التي وقفت تجاهنا موقف المدافع عن الحق، وأشكر الشعب الهندي خصوصاً على موقفه تجاه العرب وقضيتهم في الوقت الذي اشتغل العرب بالمشاحنات والمخاصمات، ونسوا واجبهم نحو دينهم ووطنهم وإني أشكر أهل الهند لأنهم كانوا أول من لبى الدعوة، فجزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء.

2/ إني لا أزال عند قولي فيما دعوت العالم الإسلامي إليه من وجوب عقد مؤتمر عام ينظر في الأمور التي تهم سائر المسلمين في الحجاز من إصلاح الطرق وتأمينها وتوفير وسائل الراحة لكل وافد وتسهيل المواصلات بقدر ما يمكن وبذلك نتحمل نحن وإياهم مسؤولية إدارة الحجاز، وستجدد الدعوة لهذا المؤتمر الإسلامي متى مهّدت وسائل المواصلات.

3/ أننا نحافظ على استقلال الحجاز الإستقلال التام محافظتنا على أرواحنا، وإننا لا نسمح أن يكون لغير المسلمين أي نفوذ فيه محافظة على ديننا وشرفنا.

4/ أن الشريعة الإسلامية هي القانون العام الذي يجري العمل على وفقه في البلاد المقدسة وأن السلف الصالح وأئمة المذاهب الأربعة هم قدوتنا في السير على الطريق القويم، وسيكون العلماء المحققون من جميع الأمصار هم المرجع لكل المسائل التي تحتاج إلى تمحيص ونظر ثاقب.

5/ أني أؤكد لكم القول أن المدينة المنورة لا تزال حرماً آمناً لا يصح أن يحدث فيه حدث من قتل أو سلب أو نهب وصونا لشرفها اكتفيت بحصارها على ما في ذلك من طول وقت وخسائر مالية وأني استطيع بحول الله وقوته أن أفتحها في ساعة واحدة ولكني حريص على سلامة البلاد والعباد. وإني مشدد الأوامر على الجنود ألا يهاجموا حرم المدينة بأي صورة ولا يدخلوها حتى يستسلم العدو، وأن ما فيها من المباني والمآثر يكون العمل فيه على ما تقدم في المادة السابقة. إن أعداءنا يشيعون أننا إذا استولينا على المدينة نهدم روضة الرسول صلى الله عليه وسلم وحاشا أن تحدّث نفس مسلم بذلك أني أفتديها بنفسي وولدي ومالي ورجالي، وإني لا أجد فرقاً بين ما حرم الله ورسوله من حرم مكة والمدينة، فإنه صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها، كما حرم سيدنا إبراهيم عليه السلام حرم مكة، وأسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.

حرر في 28 ذي الحجة سنة 1343هـ»

في هذه الوثيقة يشير عبد العزيز بطريقة غير مباشرة أن ثمة سخطاً عاماً في العالم الإسلامي يكمن وراء رفض دعوته للاجتماع لمناقشة وضع الحجاز، وهناك من اعتبر الإجتماع مناسبة لإضفاء مشروعية على الاحتلال السعودي الوهابي للحجاز، كما يظهر من دفاعه عن الوهابية ورده على الانتقادات المتصاعدة ضدها في بلدان العالم الإسلامي.

من جهة ثانية، دافع عبد العزيز عن الاتهامات التي وجّهت إليه وأنه لم يرد بحروبه على الحجاز سوى احتلالها، وليس تحريرها وحفظ استقلالها، وهذا يلمح أيضاً الى خلفية قرار رفض للمشاركة في المؤتمر.

تعكس الوثيقة لغة مرنة ومنفتحة وتسامحية تجاه باقي المسلمين، تبرز منها النزعة الاستيعابية المفتعلة، خصوصاً حين يتحدّث عن إدماج المدارس الفقهية الإسلامية كمرجعية تشريعية في الحجاز.

ما تلفت إليه الوثيقة أيضاً، أن تهمة هدم قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لاحقت الوهابيين منذ غزوهم للحجاز، وجاءت كتابات الوهابيين اللاحقين مثل (إبراهيم الجبهان، والشيخ ربيع المدخلي وآخرين) لتثبت التهمة، وبالتالي فإن كلام عبد العزيز عن افتدائه القبر بروحه وماله وولده ليس سوى جزء من خديعة كبرى تحدق بالحجاز برمته.

الوثيقة 2

نشرت جريدة (أم القرى) في العدد 39، الصادر في 7 ربيع الأول 1344هـ/25 سبتمبر 1925، نص خطاب العفو العام، الموجّه من السلطان عبد العزيز آل سعود، إلى أهالي مكة، وجاء الخطاب بعنوان (بلاغ سلطاني..عفو عام)، وفيما يلي نص الوثيقة:

«إنني منذ دخلت جنودي هذه البلدة المطهرة أمنت أهلها على أرواحهم وأموالهم. ولما وصلت بنفسي إلى حرم الله هذا أكدت ذلك الأمان وأصدرت عفواً عاماً عن جميع ما كان من أي إنسان كان فيما سلف واليوم أعود وأكرر لكافة الناس أن كل إنسان كان في خدمة الحسين أو تحت طاعته فهو في أمان الله ومغفور له جميع ما تقدم من ذنبه متى عاد لهذا البلد الطاهر وأخلد للراحة والسكون فالبلد بلد الله والأمن أمن الله ولكنني لا لأسمح بوجه من الوجوه أن يقوم بأي دعاية للذين أكثروا في هذه البلاد الفساد، وأننا سنوقع أشد أنواع الجزاء على أي إنسان كان ياتي بأي حركة في ذلك السبيل فمن كان يريد السلامة لنفسه فحباً وكرامة ومن كان يريد السوء فلا يلومن إلاّ نفسه.»

في هذه الوثيقة يوجّه عبد العزيز رسالة الى القيادات السياسية التي كانت مع الشريف حسين، مثل الصبان والخطيب وغيرهم والذين جرى استيعاب بعضهم ضمن الجهاز الإداري الحجازي الخاضع لسلطة ابن سعود.

ما يدهش في هذه الوثيقة ً تلك اللهجة الرسولية التي كان يستعملها عبد العزيز، ولم تكن خطاباً مرتجلاً وإنما نص مكتوب ما يعزز القناعة بأن الرجل يتحدث بلغة الفاتح والنبي كقوله (..فهو في أمان الله ومغفور له جميع ما تقدّم من ذنبه..)، فتلك لغة لا تصدر، إن صدرت، الا عن الأنبياء.

الوثيقة 3

ورد في الصفحة الأولى من جريدة (أم القرى) العدد 45 الصادر في 19 ربيع الثاني 1344هـ/6 نوفمبر 1925، كتاب السلطان ابن سعود، إلى ملوك المسلمين والجمعيات والهيئات الإسلامية وجهه يوم 10 ربيع الآخر سنة 1343 ما يلي نصه:

«بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل السعود

إلى...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد فإني أرجو لكم دوام الصحة والعافية وأني لسعيد أن أمد يدي ليدكم ولكل يد عاملة لخير الإسلام والمسلمين، وأني مملوء ثقة أنه بتعاوننا على الخير سيكون المستقبل السعيد لجميع الشعوب الإسلامية.

إني لست من المحبين للحروب وشرورها، وليس لدي شيء أحب من السلم والسكون، والصفاء والهناء، والتفرّغ للإصلاح، ولكن جيراننا الأشراف أجبروني على امتشاق الحسام وخوض غمرات الحرب خمس عشرة سنة لا في سبيل شيء سوى الطمع على ما بأيدينا، فقد صدونا عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعله الله للناس سواء العاكف فيه والباد. ودنّسوا البيت الطاهر بكل أنواع الموبقات مما لا يحتمله مسلم. لقد رفعنا علم الجهاد لتطهير بلاد الله الحرام وسائر بلاد الله المقدّسة من هذه العائلة التي لم تترك سبيلاً لحسن التفاهم وحسن النية بما اقترفت من الشرور. وإني والذي نفسي بيده، لم أرد التسلط على الحجاز، ولا تملّكه، وأن الحجاز وديعة في يدي الى الوقت الذي يختار الحجازيون لبلادهم والياً منهم ليكون خاضعاً للعالم الإسلامي تحت إشراف الأمم الإسلامية والشعوب التي أبدت غيرة تذكر في هذا السبيل كأهل الهند وأمثالهم.

إن الخطة التي عاهدنا عليها العالم الإسلامي، والتي لم نزل نحارب من أجلها مجملة فيما يلي:

1/ أن الحجاز للحجازيين من جهة الحكم وللعالم الإسلامي من جهة الحقوق التي لهم في هذه البلاد.

2/ سنجري الاستفتاء التام باختيار حاكم الحجاز تحت إشراف مندوبي العالم الإسلامي ويحدد الوقت اللازم لذلك فيما بعد، وسنسلم الوديعة التي في أيدينا لهذا الحاكم على الأسس الآتية:

1 ـ يجب أن يكون السلطان الأول والمرجع للناس كافة الشريعة الإسلامية المطهرة.

2 ـ حكومة الحجاز يجب أن تكون مستقلة في داخليتها، ولكن لا يصح لها أن تعلن الحرب على أحد، ويجب أن يوضع لها النظام الذي يمكنها من ذلك.

3 ـ لا تعقد حكومة الحجاز اتفاقات سياسية مع أي دولة كانت.

4 ـ لا تعقد حكومة الحجاز اتفاقات اقتصادية مع أي دولة غير إسلامية.

3/ تحديد الحدود الحجازية ووضع النظم المالية والقضائية والإدارية للحجاز موكول للمندوبين المختارية من المم الإسلامية. وسيحدد عددهم باعتبار المركز الذي تشغله كل دولة للعالم (الأصل) الإسلامي والعربي. وسيضم لهؤلاء مندوبين (الأصل) من جمعية الخلافة، وجماعة أهل الحديث، وجمعية العلماء في الهند، ومندوبين (الأصل) من قبل الجمعيات والهيئات الإسلامية، التي تمثل المسلمين في الديار التي ليست فيها حكومة إسلامية.

هذا ما نويناه لهذه البلاد، وما سنسير عليه في المستقبل إن شاء الله تعالى. ولي الأمل العظيم، في أن تسرعوا في إرسال مندوبيكم وإخبارنا عن الوقت المناسب لعقد هذا المؤتمر. هذا ما لزم بيانه.»

ملحوظة:

أرسل هذا الكتاب إلى: جلالة ملك مصر، جلالة ملك الأفغان، رئيس الجمهورية التركية، جلالة شاه إيران، جلالة ملك العراق، الأمير عبد الكريم (الخطابي) أمير الريف (في المغرب)، صاحب السيادة الإمام يحيي (حميد الدين إمام اليمن)، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في القدس، رئيس جمعية الخلافة في بومباي، جمعية الحديث في أمرتسر (بالهند)، جمعية العلماء في الهند، صاحب الدولة باي تونس، رئيس حكومة طرابلس الغرب، الشيخ بدر الدين الحسيني، الشيخ بهجت البيطار في دمشق، النظارة الدينية المركزية في بلدة أورفا من بلاد روسيا، القاضي مصطفى شرشلي في بلدة تيزي أوزو بالجزائر، رئيس شركة إسلام في بلدة جو كجاكارتا من بلد جاوه، الشركة المحمدية في جاوه.

يبدي عبد العزيز في هذا الخطاب الموجّه الى ملوك ورؤساء الدول الإسلامية مرونة مفتعلة، حين يؤكد على شعار (الحجاز للحجازيين)، بما يمليه من خطوات تؤكد على حق سكان الحجاز على إدارة شؤون بلادهم ـ الحجاز. غير أن عبد العزيز لم يترك ذلك الشعار مفتوحاً، دون أن يربطه بقيود تفضي في نهاية المطاف الى خضوع السلطة والحكم في الحجاز له وحده، حين ثبّت موضوع الاستفتاء لاختيار حاكم في الحجاز. يلزم الإشارة هنا إلى أن عبد العزيز يوجّه خطابه ولمّا يسقط الحجاز بالكامل عسكرياً، ولذلك لم يكن من السهولة بمكان إعلان الحجاز إمارة سعودية وهابية قبل أن يستكمل مخططه الاحتلالي. وسنلحظ أن مرونة ابن سعود تزول تدريجياً كلما نجح في قضم المزيد من الأراضي الحجازية، فيما ينكث بوعوده للحجازيين وللعالم الإسلامي بتسليم الوديعة لحاكم من أهل الحجاز، الذي لم يظهر قط، وإنما عنى بالحاكم نفسه أو من ينوب عنه من أبنائه، وهذا أيضاً مقتضى (الفتح الوهابي) للحجاز.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الوثيقة 4

نشرت جريدة (أم القرى) في عددها 52 الصادر في 11 جمادى الثانية 1344هـ/27 ديسمبر 1925م، بلاغاً عاماً، من السلطان عبد العزيز إلى أهل الحجاز، مايلي نصّه:

«بسم الله الرحمن الرحيم

بلاغ عام

من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل السعود إلى إخواننا أهل الحجاز سلمهم الله تعالى.

السلام عليكم ورحمة الله، وبعد:

فإني احمد الله إليكم وحده الذي صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده. وأهنئكم وأهنىء نفسي بما منّ الله علينا وعليكم من هذا الفتح، الذي أزال الله به الشر، وحقن دماء المسلمين، وحفظ اموالكم، وأرجو من الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه، ومتبعي هداه.

إخواني: تفهمون أني بذلت جهدي وما تحت يدي في تخليص الحجاز لراحة أهله وأمن الوافدين إليه: طاعة لأمر الله، قال جل من قائل: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)، وقال تعالى (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم).

ولقد كان من فضل الله علينا وعلى الناس أن ساد السكون والأمن في الحجاز من أقصاه إلى أقصاه، وبعد هذه المدة الطويلة التي ذاق الناس فيها مُر الحياة وأتعابها.

ولمّا منّ الله بما منّ، من هذا الفتح السلمي الذي كنا نتنظره ونتوخاه، أعلنت العفو العام عن جميع الجرائم السياسية في البلاد. وأمّا الأخرى فقد أحلت أمرها للقضاء الشرعي لينظر فيها بما تقتضيه المصلحة الشرعية في العفو.

وإني أبشّركم ـ بحول الله وقوته ـ أن بلد الله الحرام في إقبال وخير وأمن وراحة، وإنني إن شاء الله تعالى سأبذل جهدي، فيما يؤمن البلاد المقدّسة، ويجلب الراحة والإطمئنان لها.

لقد مضى يوم القول، ووصلنا إلى يوم البدء والعمل، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، واتّباع مرضاته، والحث على طاعته، فإنه من تمسّك بالله كفاه، ومن عاداه ـ والعياذ بالله ـ باء بالخيبة والخسران. إن لكم علينا حقوقاً، ولنا عليكم حقوقاً. فمن حقوقكم علينا النصح لكم في الباطن والظاهر، واحترام دمائكم وأعراضكم وأموالكم إلا بحق الشريعة. وحقنا عليكم المناصحة، والمسلم مرآة أخيه. فمن رأى منكم منكراً في أمر دينه أو دنياه فليناصحه فيه. فإن كان في الدين، فالمرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وإن كان في أمر الدنيا، فالعدل مبذول إن شاء الله للجميع على السواء.

إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون، لذلك أطلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة. وإني أحذر الجميع من نزغات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار. فإني لا أراعي في هذا الباب صغيراً ولا كبيراً. وليحذر كل إنسان أن تكون العبرة فيه لغيره.

هذا ما يتعلق بأمر اليوم الحاضر، وأمّا مستقبل البلد، فلا بد لتقريره من مؤتمر يشترك المسلمون جميعاً فيه مع أهل الحجاز، لينظروا في مستقبل الحجاز ومصالحها.

وإني أسأل الله أن يعيننا جميعاً ويوفقنا لما فيه الخير والسداد، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

تحريراً بجدة في 8 جمادى الثانية سنة 1344هـ

عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل السعود»

بدأت لغة الفتح تبرز في بيانات عبد العزيز، وتصاعدت معها النبرة الدينية والمهمة الرسولية، فهو اليوم لا يتحدث بلغة الغازي العسكري، وإنما بلغة الفاتح الذي يحمل معه رسالة دينية، ويريد تطهير الحجاز من الأصنام والأوثان، وهاهو يستعمل لغة التهويل الديني وينذر باسم السماء بعقوبات لأهل الأرض من العاصين الذي يخالفون أوامره. الأهم من ذلك، أن عبد العزيز لا يقدّم نفسه كمستودع على الحجاز، بل أصبح يتحدث بلغة الحاكم الذي يريد فرض الأمن والنظام والحقوق المفروضة على سكان الحجاز، ويحذر من الخروج عليه (فإني لا أراعي في هذا الباب صغيراً ولا كبيراً. وليحذر كل إنسان أن تكون العبرة فيه لغيره).

ثمة مهمة إبراهيمية يتقمصمّها عبد العزيز في إدارة شؤون الحج، الذي سيكون أحد المصادر الكبرى لمداخيل دولته، ولابد حينئذ من تأمين طرق الحج كشرط لتأمين الشريان الحيوي لاقتصاد دولته.

الوثيقة 5

نشرت جريدة (أم القرى) في عددها 54 الصادر في 23 جمادى الثانية 1344هـ/8 يناير 1926 بلاغاً عاماً من السلطان عبد العزيز مايلي نصّه:

«بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونشكره، ونصلى ونسلم على خير أنبيائه وأشرف مخلوقاته سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،

أمّا بعد فلقد بلغ القاصي والداني ما كان من أمر الحسين وأولاده وأمرنا إلى أن اضطررنا لامتشاق الحسام دفاعاً عن أرواحنا وأوطاننا ودفاعاً عن حرمات الله ومحارمه. ولقد بذلت النفس والنفيس في سبيل تطهير هذه الديار المقدّسة إلى أن يسر الله الكريم بفضله فتح البلاد واستتباب الأمن فيها. ولقد كانت عزيمتي منذ باشرت العمل في هذه الديار أن أنزل على حكم العالم الإسلامي ـ وأهل الحجاز ركن منه ـ في مستقبل هذه الديار المقدّسة. ولقد أذعت الدعوة للمسلمين عامة غير مرة أدعوهم لعقد مؤتمر إسلامي يقرر في مصير الحجاز ما يرى فيه المصلحة، ثم عززت ذلك بدعوة عامة وخاصة، فأرسلت كتاباً للحكومات والشعوب الإسلامية في 10 ربيع الثاني سنة 1344، وقد نشر ذلك الكتاب في سائر صحف العالم، ومضى عليه ما يزيد عن الشهرين لم أتلق على دعوتي جواباً من أحد، ما عدا جمعية الخلافة في الهند فإنها ـ بارك الله فيها ـ عملت وتعمل كل مافي وسعها لراحة الحجاز وهنائه.

ولما انتهى الأمر في الحجاز إلى هذه النتيجة التي نحمد الله عليها جاءني أهل الحجاز جماعات ووحداناً يطلبون مني أن أمنحهم حريتهم، التي وعدتهم بها في تقرير مصيرهم فلم يسعني أمام طلباتكم المتكررة إلا أن أمنحهم هذه الحرية، ليقرروا في شأن بلادهم ما يشتهون بعد ما ظهر من العالم الإسلامي هذا الصد والإعراض عن مثل هذه القضية الهامة (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب).

22 جمادى الثانية 1344

عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل السعود»

يستعيد عبد العزيز في هذا البلاغ لغة الفاتح، حيث يضع حروبه ضد الشريف حسين في إطار ديني، فيما تتكشف حقيقة ردود الفعل السلبية من دعوته لعقد مؤتمر إسلامي لتقرير مصير الحجاز، فقد كان الموقف الإسلامي سلبياً بعد أن أماط ابن سعود اللثام عن أهدافه الحقيقية من غزو الحجاز. فلم تنطل الخدعة على زعماء الدول الإسلامية، الأمر الذي دفعه لتوظيفها لصالحه بكونه ألقى العذر على من رفض الدعوة.

يلحظ أيضاً تشويه متعمد من ابن سعود لموقف أهالي الحجاز، حين زعم بأنه منحهم الحرية في تقرير مصير بلادهم، بل وجد في صدود زعماء البلدان الإسلامية فرصة مناسبة لاستكمال مهمة الاحتلال وإحكام القبضة على مقاليد وشؤون الحجاز.

الوثيقة 6

نشرت جريدة (أم القرى) العدد 55، الصادر في 30 جمادى الثانية 1344هـ/ 15 يناير 1926، أول بيان لسلطان نجد، بعد بيعته ملكاً على الحجاز

«موجه إلى معتمدي الحكومات الأجنبية في جدة

بلاغ ملكي إلى الحكومات المتحاربة

بفضل الله وبنعمته قد أجمع أهل الحجاز وبايعونا بالملك على الحجاز على كتاب الله وسنة رسوله والخلفاء الراشدين من بعده، وتأسيس حكم شوري يكون شأن الحجاز فيه للحجازيين. وقد استعنا بالله وتوكلنا عليه وقبلنا هذه البيعة، مستمدين التوفيق والمعونة من الله تعالى. وقد أصبح لقبنا (جلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها). وسنقوم بتوطيد الأمن والراحة والرخاء، وجلب السعادة والهناء لسكان هذه الديار، ولجميع الوافدين من الحجاج والقصّاد. وسنعمل كل ما من شأنه أن يحقق رغائب العالم الإسلامي، ويقر أعينهم في إدارة هذه البلاد المقدسة.

نسأله تعالى أن يعيننا على حمل أعباء هذا الأمر والله ولي التوفيق

ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها

عبد العزيز»

بدا واضحاً في هذه الوثيقة أن عبد العزيز قد استكمل فصول خديعة الإحتلال تحت شعارات نبيلة، فقد تبخّرت وعوده بتطبيق (الحجاز للحجازيين)، وتفويض أمر الحجاز لحاكم منتخب. لم تحصل البيعة له دون حملة تهويل واسعة النطاق، فصارت بيعة قهرية زعم بأنها جاءت إجماعية. وما يلفت أن اللهجة الدينية تخفّفت بدرجة لافتة، فلم نعد نرى تلك اللغة العقدية الصارمة والجازمة، بل إن إسباغ عبد العزيز لقب ملك، وليس خليفة، أو حتى سلطان يشي بنزوع تسلطي شديد. فبينما اختار ابن سعود أن يكون مجرد سلطان في نجد وملحقاتها، قرر أن ينفرد بلقلب ملك على الحجاز، وكأن هذه المنطقة تعني له شيئاً أكبر من مجرد سلطة، بل ملك أبدي، يراد دمجه في شعار (ملك الآباء والأجداد)، وبالتالي فإن ما يعطيه لأهل الحجاز يحسب إحساناً منه وليس واجباً عليه أو حقاً مشروعاً لأهل الحجاز. أراد أيضاً القول بأن تأسيس المملكة يبدأ من الحجاز، وبالتالي فإن نجاح مشروعه السياسي يتوقف على سيطرته على منطقة الحجاز الذي منه يستتب الأمن في عموم المناطق الأخرى.

الوثيقة 7

نشرت جريدة (أم القرى) في عددها 71 الصادر في 7 ذي القعدة 1344هـ/14 مايو 1926، أول بلاغ رسمي يصدره عبد العزيز بعد فرض سيطرته على الحجاز وفيما يلي نصّه:

«بلاغ رسمي

الدعوة لانتخاب المجالس الاستشارية

امتثالاً لأمر الله تعالى في استشارة أهل الرأي والخبرة، والرجوع إلى آرائهم فيما يهم من الأمور ورعاية لحقوق الأمة وأداء للأمانة التي حملنا إياها، أمرنا بما هو آت:

1/ يؤلف مجلس استشاري في كل من مكة والمدينة وجدة وينبع والطائف للنظر في المسائل العامة المحلية. وتكون هذه المجالس بالانتخاب بدرجة واحدة.

2/ يؤلف مجلس مكة من عشر أعضاء سوى الرئيس الذي تختاره الحكومة، ومجلس المدينة من ستة أنفار سوى الرئيس، ومجلس ينبع من أربعة أعضاء سوى الرئيس، ومجلس الطائف من أربعة أعضاء سوى الرئيس.

3/ يؤلف مجلس عام يدعى (بمجلس الشورى العام) ينتخب أعضاؤه من قبل المجالس الاستشارية المحلية ويؤلف أعضاؤه من ثلاثة عشر عضواً، أربعة من مكة وإثنان من المدينة، وإثنان من جدة، وآخرين من ينبع، وواحد من الطائف، وثلاثة من رؤساء العشائر.

4/ الذين لهم حق الإنتخاب هم طوائف العلماء وأعيان البلاد والتجار ورؤساء الحرف والمهن.

الأعضاء المنتخبون يجب أن تتوفر فيهم الشروط الآتية وهي:

1/ إجادة القراءة والكتابة، وحسن السيرة، وعدم صدور أحكام مخلة بالدين والشرف.

2/ مدة عضوية هذه المجالس سنة واحدة.

على نائبنا العام القيام بتنفيذ أمرنا هذا

ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها عبد العزيز»

مجلس الشورى في الحجاز ليس سوى النسّخة المزوّرة لوعد إبن سعود بمنح الحجازيين حق تقرير المصير، وكما طار وعد الإستقلال كان مقدّراً ومقرراً للمجلس أن يؤول الى المصير نفسه. ببساطة، لأن عبد العزيز أراد من المجلس شرعنة سلطته، واحتواء حركة الإحتجاج ورموزها ضمن إطار رسمي أريد له أن يكون جزء من مرحلة انتقالية يتم فيه ترسيخ أركان السلطة. وفي كل الأحوال، صار المجلس مجرد الحلقة ما قبل الأخيرة لمصادرة الحجاز واحتلاله التام.

وثيقة 8

نشرت جريدة (أم القرى) في عددها 75 الصادر في 30 ذي القعدة 1344هـ/11 يونيه 1926م، خطابالملك عبد العزيز الإفتتاحي للمؤتمر الإسلامي الأول هذا نصّه:

«بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فإني أحييكم وأرحب بكم وأشكر لكم الدعوة إلى هذا المؤتمر.

أيها المسلمون الغيورون! لعل اجتماعكم هذا في شكله وفي موضوعه أول اجتماع في تاريخ الإسلام ونسأله تعالى أن يكون سنة حسنة تتكرر في كل عام، عملاً بقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وبإطلاق قوله عز وجل (وأتمروا بينكم بمعروف).

إنكم تعلمون أنه لم يكن في العصور الماضية أدنى قيمة لما يسمى في عرف هذا العصر بالرأي العام الإسلامي، ولا بالرأي العام المحلي، بحيث يرجع إليه الحكام للتشاور فيما يجب من الإصلاح في عهد الإسلام. ومشرق نوره الذي عم الأنام وقد تولى أمر الحجاز دول كثيرة كان من خلفائها وسلاطينها من عنوا ضرباً من العناية ببعض شؤونه. ومنهم من أراد أن يحس فأساء بجهله. ومنهم من لم يعدل بامره البتة. فتركوا الأمراء المتولين لإدارته بالفعل يلحدون في الحرم، ويفسدون في الأرض، ويظلمون السكان والحجاج ما شاءت مطامعهم وأهواؤهم.

وقد تفاقم البغي والعدوان بعد زوال سيادة الدولة العثماينة عن هذه البلد وخلوص امرها إلى الشريف حسين بن علي آخر اولئك الأمراء، فاضطرب العالم الإسلامي كله من استبداده وظلمه، ومن عجز عن توطيد الأمن في البلاد، ومن جعلها تحت السيطرة الأجنبية غير الإسلامية، كما هو منصوص في مقررات نهضته الرسمية، وفيما نشره في جريدة القبلة. ولدينا مما ترك في أوراقه الخاصة بخطة ما هو أجل مما ذكر على جعل نفسه عاملاً موظفاً لبعض الدول الأجنبية.

وقد كنا معشر النجديين جيران الحجاز عرضة لبغيه وإيذائه لنا في ديننا ودنيانا من رمى بالكفر، ومنع من أداء فريضة الحج وإغراء لبعض رعايانا بالخروج علينا، وغير ذلك مما لا يحل لبسطه في هذا الحطاب فلما بلغ السيل الزبى وثبت بالتشاور بين أهل الحل والعقد عندنا أنه يجب علينا شرعاً إنقاذ مهد الإسلام من بغيه وظلمه وعزمنا على ذلك وتوكلنا على الله في تنفيذه، وبذلنا أموالنا وأنفسنا في سبيله، فأيدنا الله بنصره، وطهرنا البلاد المقدّسة من بغيه وبني ولده، كطما عاهدنا الله ووعدنا المسلمين.

وقد كنا معشر النجديين جيران الحجاز عرضة لبغيه وإيذائه لنا في ديننا ودنيانا من رمى بالكفر، ومنع من أداء فريضة الحج وإغراء لبعض رعايانا بالخروج علينا، وغير ذلك مما لا يحل لبسطه في هذا الحطاب فلما بلغ السيل الزبى وثبت بالتشاور بين أهل الحل والعقد عندنا أنه يجب علينا شرعاً إنقاذ مهد الإسلام من بغيه وظلمه وعزمنا على ذلك وتوكلنا على الله في تنفيذه، وبذلنا أموالنا وأنفسنا في سبيله، فأيدنا الله بنصره، وطهرنا البلاد المقدّسة من بغيه وبني ولده، كطما عاهدنا الله ووعدنا المسلمين.

أيها الإخوان: إنكم تشاهدون بأعينكم وتسمعون بآذانكم ممن سبقكم إلى هذه الديار للحج والزيارة أن الأمن العام في جميع بلاد الحجاز حتى بين الحرمين الشريفين بدرجة الكمال التي لم يعرف مثلها ولا يقرب منها منذ قرون كثيرة، بل لا يوجد ما يفوقها في أرقى ممالك الدنيا نظاماً وقوة ولله الفضل والمنة: ففي بحبوحة هذا الأمن، والحرية التي لا تنفيذ إلا بأحكام الشرع، أدعكم إلى الائتمار والتشاور في كل ما ترون من مصالح الحجاز الدينية والعمرانية والنظم التي يطمئن بها العالم الإسلامي بإقامة شرع الله والتزام أحكامه وآداب دينه في مهد الإسلام ومهبط الوحي، وتطهيره من البدع والخرافات، والفواحش والمنكرات، التي كانت فاشية فيه بدون نكير، وباستقلاله المطلق وسلامته من كل نفوذ أجنبي.

أدعوكم إلى تدارك كل ما قصر فيه من قبلنا من المسلمين بتركهم وطن دينهم الذي بزغ منه نور الهدى والعرفان، في ظلمات حالكة من الجهل وفساد الأخلاق والآداب، أدعكم إلى النظر في كل وسيلة لجعل حرم الله وحرم رسوله أرقى معاهدة العلوم علماً وعرفاناً، وخير معاهدة التربية تهذيباً وأدباً، وأكمل بلاد الله صحة ونظافة، وأولى البلاد الإسلامية بإحياء دعوة الإسلام.

كل شيء في هذه البلاد يحتاج إلى الإصلاح. وحكومته وأهله في أشد الحاجة إلى مساعدة العالم الإسلامي لهما على هذا الإصلاح، لأن فيه من يعلم ما لا يعلمون، ويقدر على ما لا يقدرون.

أيها المؤتمرون الكرام، أنكم أحرار اليوم في مؤتمركم هذا. ولا تقيدكم حكومة البلاد بشيء وراء ما يقيدكم به دينكم من التزام أحكامه، إلا بشيء واحد سلبي وهو عدم الخوض في السياسة الدولية، وما بين بعض الشعوب الإسلامية وحكوماتها من خلاف فإن هذا من المصالح الموضعية الخاصة بتلك الشعوب.

إن المسلمين قد أهلكهم التفرّق في المذاهب والمشارب، فأتمروا في التأليف بينهم والتعاون على مصالحهم ومنافعهم العامة المشتركة، وعدم جعل اختلاف المذاهب والأجناس سبباً للعداوة بينهم (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها وكذلك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون (103) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104) ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم).

وأسأل الله عز وجل أن يوفقني وإياكم لإقامة دينه الحق، وخدمة حرمه وحرم رسوله صلوات الله وسلامه عليه، والتأليف بين جماعة المسلمين، والحمد لله رب العالمين

26 ذي القعدة سنة 1344»

يبدأ عبد العزيز رسالته برسم صورة القائد الإسلامي الذي جاء بمعجزة نادرة الحدوث في تاريخ المسلمين. وعلى خلفية هذا التصوير، تقرر أن يعقد المؤتمر الإسلامي وقد أغلق عبد العزيز الأبواب على الحجاز، ولم يعد هناك ما يخافه أو التنازل عنه، فالمؤتمر يعقد وقد أصبح ملكاً، فتحت سقف سلطانه يتم التباحث في الشؤون الحجازية. لم يكن سوى مناسبة بروتوكولية عادية، أراد منها عبد العزيز مباركة قادة الدول الإسلامية لحكمه في الحجاز، ولذلك جاء خطابه الافتتاحي تعبيراً عن موقعه كملك على هذه المنطقة، وليس قسيماً أو شريكاً مع بقية قادة المسلمين، دع عنك تخويل الحجازيين أنفسهم بالحديث عن مصير بلادهم. أصبح ابن سعود في هذا المؤتمر يملي جدول أعماله، ويطالب المشاركين بما يجب تداوله وما لا يجوز الاقتراب منه، وهاهو يستعرض منجزاته السياسية والأمنية في الحجاز، كما يستعرض سياسات قادمة ينوي رسمها وتطبيقها فيه. لم يعد يكترث لانتقادات المسلمين ولا تقديم تطمينات لهم بشأن تهديم قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو إزالة آثار الرسالة من المدينتين المقدّستين، فذلك بات (شأناً داخلياً) محض لا يجوز للآخرين التعرّض له أو إثارته. وبالتالي فالحجاز لم يعد للحجازيين، بل تحوّل للسعوديين الوهابيين!

الوثيقة 9

نشرت جريدة (أم القرى) في العدد 80 الصادر في 25 ذي الحجة 1344هـ/9 يوليه 1926م بياناً من الملك عبد العزيز إلى المؤتمر الإسلامي هذا نصّه:

«الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه

أيها الإخوان:

لا أريد أن أتداخل في أعمالكم ولا أقيد حرية المؤتمر في البحث كما وعدت بذلك في خطاب الإفتتاح، ولكني ألفت نظركم الكريم إلى بعض الأمور بصفتي زعيماً من زعماء الإسلام الذين ألقيت إليهم مقاليد أمور هذه البلاد.

إن الدعوة التي وجهتها إلى ملوك المسلمين وأمرائهم وشعوبهم والتي عليها أوفدت الحكومات والشعوب ممثليها تنحصر في إسعاد هذه البلاد وإنهاضها من كبوتها، وجعلها في المستوى اللائق بكرامة المسلمين دينياً وعلمياً واقتصادياً. ولقد كنت انتظر من حضرتكم كما ينتظر إخوانكم المسلمون في كل مكان أن تخطوا خطوات واسعة في هذا السبيل، ولكن يظهر أننا نحاول القيام بكل شيء في أول مؤتمر إسلامي، وأخشى أن حرصنا على القيام بكل شيء، يجعلنا نفقد كل شيء، وأفضل شيء التدرج في السير فرب عجلة وهبت ريثا

أيها الإخوان:

إني وإن لم أحضر مجلسكم، واقف على مباحثكم بالتفصيل، فإني على اتصال دائم روحي بكم، ويهمني جداً أن تنجحوا حتى تبرهنوا للعالم أن المسلمين أهل للحياة، وأنهم يجب أن يأخذوا قسطهم من الحياة في هذا الوجود، وأن دينهم لا يحول دون رقيهم، وإن اختلفوا في الآراء والأفكار، فهم أمام المصلحة العامة كتلة واحدة لا تنفذ إليهم الأغراض والأهواء.

أيها الأخوان:

إني لا أريد علواً في الأرض ولا فساداً ولكن أريد الرجوع بالمسلمين إلى عهدهم الأول عهد السعادة والقوة عهد الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، لا شيء يجمع القلوب ويوحّدها سوى جعل أهوائنا تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بقعة في الأرض تصلح لهذا الغرس سوى هذه البقعة الطاهرة، التي منها بزغ شمس الإسلام، ولذا فإني أرى أن تكون الكلمة العليا، والرأي النافذ لجميع العلماء المحققين، الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم، وإن جميع البلدان الإسلامية مملوءة بالعلماء أولي البصيرة والخبرة، فلترسل كل أمة منهم جماعة ليقوموا بالوعظ والإرشاد وتقرير ما يجب تقريره في هذه البلاد.

كلنا يعلم أن هذه البلاد ينقصها شيء عظيم من الإصلاح ديناً ودنيا، فشاركونا في ذلك نشكركم، ويشتد ساعدنا بكم. أما تركنا نسير وحدنا والوقوف موقف الناقد العاذل، فذلك لا يليق بالأخوة الإٌسلامية التي تربطنا جميعاً.

أيها الإخوان:

إننا لا نكره أحداً على اعتناق مذهب معين، أو السير في طريق معين في الدين، فذلك موكول أمره لعلماء الدين وحملة الشريعة، ولكني لا أقبل بحال من الأحوال التظاهر بالبدع والخرافات، التي لا يعتبرها الشرع وتأباها الفطرة السليمة. لا يسأل أحد عن مذهبه أو عقيدته ولكن لا يصح أن يتظاهر أحد بما يخالف إجماع المسلمين او يثيروا فتنة عمياء بين المسلمين وخير لنا أن ننظر إلى صالح المسلمين ونترك هذه الأمور الجزئية للعلماء فهم أحرص منا على ذلك.

أيها الأخوان:

أرجو أن لا تضيع الفرصة الباقية قبل أن تستفيد البلاد المقدسة منكم، حتى يجيء الحج القادم وقد شعر المسلمون الوافدون أنكم قمتم بواجبكم نحو هذه البلاد. وبهذه المناسبة أقدّم لكم خطتنا السياسية لهذه البلاد لترشدونا إن أخطأنا وتؤيدونا إن أصبنا:

إننا لا نقبل أي تدخل أجنبي في هذه البلاد الطاهرة أياً كان نوعه.

إننا لا نقبل امتيازاً لأحد على أحد، بل جميع الوافدين لهذه البلاد يجب أن يخضعوا للشريعة الإسلامية.

إن بلاد الحجاز يجب أن يوضع لها نظام حيادي خاص لا تحارب، ولا تُحارب. ويجب أن يضمن بعد الحياد جميع الحكومات الإسلامية المستقلة.

النظر في مسائل الصدقات والمبرات التي ترد من سائر الأقطار الإسلامية، ووجوه صرفها، وانتفاع البلاد المقدّسة منها.

هذا ما أحببت تقديمه إليكم، والله يتولانا وإياكم برعايته، ويوفقنا جميعاً لما فيه خير الإسلام والمسلمين.

في 21 ذي الحجة سنة 1344هـ»

في خطابه الثاني للمؤتمر، بدت لهجة عبد العزيز أشد صرامة وحزماً، بالرغم من أنه أدرك في مرحلة مبكّرة بأن قادة الدول الإسلامية لن يحضروا المؤتمر، لأن في ذلك إعترافاً غير مباشر بشرعية احتلاله للحجاز. قرر الغياب عن المؤتمر، وكان ذلك دليلاً كافياً على عدم جديّة عبد العزيز بموضوع المؤتمر كما زعم قبل استكمال مراحل احتلال الحجاز.

وهنا يمزج عبد العزيز بين بعدين سلطوي ورسولي، بزعم العودة بالمسلمين إلى العصور الأولى للإسلام، بما يشير إلى موقف عقدي من المجتمعات الإسلامية القائمة، كونها منحرفة عن خط الإسلام النقي، ولذلك اعتبر الحجاز، بزعمه، منطلقاً لحركة تديين واسعة النطاق، على طريقة المسلمين الأوائل.

لفتت الوثيقة أيضاً الى أن عبد العزيز بدا حاسماً في معارضة تدخل أي دولة أخرى في الشؤون الحجازية، والتي جمعها تحت عنوان (تدخل أجنبي)، بعد ان كان يعرّف الأجنبي من غير المسلمين، ولم يكن القصد به الدول الأوروبية وغيرها في خطابه الثاني، بل كان يشير إلى الدول الإسلامية بدرجة أساسية، كما يفهم من تنظيم الموارد المالية في الحجاز (الصدقات والمبرات التي ترد من سائر الأفطار الإسلامية)، ووجوه صرفها، إذ لم يعد منذاك للدول الإسلامية أن تقرر مصارف الأموال المرسلة الى الحجاز، ولا السيطرة عليها، بل ستكون جزءً من ماليات الدولة السعودية.

مأثورات بن عبد العزيز في فتح الحجاز

  • مقولات الفتح السعودي عند ابن سعود[7]:
«أهنىء نفسي بما منّ الله علينا وعليكم من هذا الفتح، الذي أزال الله به الشر، وحقن دماء المسلمين، وحفظ اموالكم، وأرجو من الله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته»
«ولمّا منّ الله بما منّ، من هذا الفتح السلمي الذي كنا نتنظره ونتوخاه، أعلنت العفو العام عن جميع الجرائم السياسية في البلاد»
«أني أؤكد لكم القول أن المدينة المنورة لا تزال حرماً آمناً ... وصونا لشرفها اكتفيت بحصارها.. وإني استطيع بحول الله وقوته أن أفتحها في ساعة واحدة»
«ولقد بذلت النفس والنفيس في سبيل تطهير هذه الديار المقدّسة إلى أن يسر الله الكريم بفضله فتح البلاد»

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ From Bullard to Mr ChamberLain. Mecca, 1924 September. (No.# secrets) - Archieved Post
  2. ^ Al-Rehani: Nejd and its followers.
  3. ^ "الحرب الحجازية النجدية 1924-1925م". مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية. Retrieved 2012-05-03.
  4. ^ "حقائق تنشر لأول مرة عن الحرب الحجازية النجدية". مدونة عتيبة. 2008-03-19. Retrieved 2012-05-03.
  5. ^ كتاب الوَجيز
  6. ^ محمد قستي. "(الحجاز للحجازيين) رغم خديعة إبن سعود، مكة الكافرة التي فتحها وأسلمها آل سعود!!". الحجاز. Retrieved 2012-05-03.
  7. ^ "مقولات الفتح السعودي عند ابن سعود". الحجاز. Retrieved 2012-05-03.

المراجع

  • Al-Harbi, Dalal: King Abdulaziz and his Strategies to deal with events : Events of Jeddah. 2003, King Abdulaziz national library. ISBN 9960-624-88-9.