أرض الصومال الإيطالي

(تم التحويل من الصومال الإيطالية)
أرض الصومال الإيطالي

Somalia Italiana
1880s - 1936
علم الصومال
العلم
{{{coat_alt}}}
Coat of arms
أرض الصومال الإيطالي
أرض الصومال الإيطالي
المكانةمستعمرة
العاصمةمقديشو Mogadiscio
اللغات الشائعةالإيطالية، الصومالية
الدين الإسلام، روم كاثوليك
الحقبة التاريخيةفترة ما بين الحربين
• تأسست
1880s
• تأسيس ش. أفريقيا الإيطالي
1936
Currencyليرة إيطالية
تلاها
شرق أفريقيا الإيطالي

أرض الصومال الإيطالي Italian Somaliland (ويُعرف أحياناً باسم الصومال الإيطالي) كان مستعمرة لمملكة إيطاليا (Regno d'Italia) من عقد 1880 حتى 1936 في منطقة بالقرن الأفريقي التي تقوم فيها اليوم دولة الصومال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

اللون الأخضر يبين خط السكة الحديد الصومالي مقديشيو-ڤيلابروتشي، الذي استمر من 1914 حتى 1941

أثناء الحرب العالمية الأولى، توصلت بريطانيا سراً إلى اتفاقية مع إيطاليا لتنقل 94,050 كيلومتر مربع كم من محمية جوبالاند التي يسكنها صوماليون (جنوب غرب الصومال في يومنا الحالي) إلى أرض الصومال الإيطالي. كانت تلك هي جائزة إيطاليا للتحالف مع بريطانيا في حربها ضد ألمانيا. المعاهدة ظلت سارية وفي 1924 تنازلت بريطانيا عن جوبالاند. وفي 1926، أصبحت جوبالاند جزءاً من أرض الصومال الإيطالي، ثم أطلق عليها الإيطاليون لاحقاً اسم جوبا العليا Oltre Giuba.[1] وبعد غزو إثيوپيا في 1936، ضمت إيطاليا كذلك منطقة الاوگادن.[2]


أرض الصومال الإيطالي ضمن الامبراطورية الإيطالية

"الصومال الكبير Grande Somalia" الإيطالي توسعت حدوده أثناء الحرب العالمية الثانية، تحت قيادة الحاكم العام كارلو ده سيمونه.

وفي مطلع الحرب العالمية الثانية، غزت القوات الإيطالية أرض الصومال البريطاني وطردت البريطانيين.[3]. وفي ربيع 1941، استعاد البريطانيين استعادوا السيطرة على شرق أفريقيا البريطاني، التي ضمت منطقة التخوم الشمالية التي كان جميع سكانها من الصوماليين[4][5][6] والتي تحكمها كنيا في الوقت الحاضر، كما احتل البريطانيون أيضاً أرض الصومال الإيطالي والاوگادين، إلا أن الإيطاليين شنوا حرب عصابات في سائر أنحاء شرق أفريقيا الإيطالي حتى صيف 1943.

ظل أرض الصومال الإيطالي تحت الإدارة البريطانية حتى 1949، عندما أصبحت منطقة تحت وصاية الأمم المتحدة تحت الإدارة الإيطالية. هذه الوصاية استمرت عشر سنوات من 1950 حتى 1960.

استقلت الصومال في 1960 باتحاد أرض الصومال الإيطالي وأرض الصومال البريطاني. ومنذ 1991، سقطت الصومال في حالة حرب أهلية.

الصومال الإيطالي

بواعث اتجاه إيطاليا نحو صوماليا

حينما شعرت الحكومة الإيطالية أن الصراع الدولي على الساحل الجنوبي لخليج عدن والساحل الغربي للبحر الأحمر قد بلغت درجة الخطورة، وأوشكت أن تنبثق عن حرب دولية بسبب التناحر، في إيجاد مناطق نفوذ على ساحل الصومال، وحين وجدت أن فرصة التوسع حول عصب تجد منافسة وضغطاً شديداً من قبل فرنسا وبريطانيا، وفي الوقت نفسه فشلت المحاولة الإيطالية الأولى في عام 1877 حينما أرسلت بعثة الإنقاذ والبحث عن بعثة علمية إيطالية سبق أنها خرجت من مصوع بالإضافة إلى البعثة العلمية المفقودة، لهذا كله غيرت من سياسة التدخل الشحصي إلى سياسة التدخل عن طريق غير مباشر هو إرسال الهدايا و الأسلحة إلى منليك المناهض لرأس منجأشا حتى تنتهي الظروف بعقد معاهداتأو ما شبه ذلك مما يتيح لها فرصة توسيع قاعدتها حول عصب. وفي الوقت الذي كانت تسير فيه إيطاليا نحو إيجاد شخصية مناضلة لرأس منجأشا عن طريق التسلح، وإحباط كل محاولة إنجليزية وفرنسية ترمي إلى إبعاد إيطاليا عن عصب اتجهت السياسة الإيطالية الاستعمارية إلى منطقة ليس فيها تنافس دولي أو امتيازات أجنبية، تلك المنطقة البكر البعيدة عن التصارع الدولي حتى عام 1885 هى صوماليا المستقلة، عدا ذلك الشريط الساحلي الضيق الممتد على الساحل الجنوبي لصوماليا والذي كان خاضعاً بصفة اسمية لسلطان زنجبار. وفي عام 1885 دخلت إيطاليا في مجال الستعمار لشرق إفريقيا وأردت الاشتراك في تقسيم شرق إفريقية مع بريطانيا و ألمانيا حتى تجد لها مناطق نفوذ عسى أن يكون حظها في هذه المغامرة أكثر توفيقاً من محاولتها البطيئة حول عصب.

بعثة تشكى وهدفها

بدأت إيطاليا حملاتها الاستطلاعية والكشفية في صوماليا بإرسال سفينة حربية بقيادة الكابتن تشكى لكشف المناطق الجنوبية من صوماليا وخاصة منطقة نهر جوبا، وذلك بغية البحث عن طريق يصل ما بين نهر جوبا ومنطقة كافا الغنية بالانتاج الحيواني والنباتي والمعدني. وكانت التعليمات الصادرة إلى كابتن تشكى أن يبحر في نهر جوبا،حتى أبعد نقطة ملاحية على النهر، وتفقد أحوال البلاد، وكتابة تقارير عن أحوالها سياسياً واقتصادياً، ومدى إمكان استفادة إيطاليا من إقامة علاقات تجارية مع سكان تلك البلاد. وكانت إيطاليا تطمع في السيطرة على أراضي جوبا بعد أن تمكنت من رفع العلم الإيطالي على مصب نهر جوبا، غير أن بعثة تشكى لم تحقق أي انتصارعلمي في ارتياد تلك المنطقة أو في الملاحة في نهر جوبا، ولذلك اتجه تشكى بسفينته الحربية المزودة بأحدث الآلات الحربية إلى زنجبار. وفي مقابلة لتشكى مع سلطا ن زنجبار أعرب عن رغبة الحكومة الإيطالية في إيجاد علاقات تجارية مع الدولة الزنجبارية وذلك بإنشاء مؤسسة إيطالية تجارية في زنجبار، ولما سأله السلطان عن البعثة وأهدافها أجاب تشكى أن حضور البعثة من أجل دراسة الأحوال التجارية والاقتصادية لزنجبار تمهيداً لإيجاد علاقة تجارية بينها وبين وإيطاليا. وكان الكابتن تشكى في حديثه مع السلطان حريصاً على ضرورة إيجاد ميناء قرب مصب نهر الجوبا مما كان له أثر في نفس السلطان، وأوجد عنده الشك في مسألة إيجاد علاقة تجاريى محضة بين زنجبار وإيطاليا. المناورات الإيطالية والحقيقة أن رغبة إيطاليا كانت هى أن تشترك مع بريطانيا وألمانيا في تقسيم شرق إفريقيا إلى مناطق نفوذ، وإيجاد مستعمرة لها في شرق إفريقيا بعد أن أوشكت على أن ترفع يديها عن المستعمرة الإيطالية التي حول عصب بسبب ضغط الدول الأروربية من ناحية والحبشة من ناحية اخري. ولما رفض السلطان برغش منح الحكومة الإيطالية أي ثغر على ساحل صوماليا أظهر الكابتن تشكى عدم ارتياحه من السلطان، وأراد أن يستخدم القوة للوصول إلى أغراضه فتدخل كريك القنصل الإنجليزي في زنجبار في حل النزاع بين السلطان برغش وتشكى، ونصح الإيطاليين بأن يبدأوا عملهم بالتجارة على صورة عقود واتفاقيات مع السلطان لتحقيق آمالهم بالسياسة لا بالقوة فأخذ تشكى بنصيحة القنصل البريطاني، وبدأ نشاطه بإبرام اتفاقية تجارية مع السلطان في 28 مايو عام 1885، وكانت هذه الإتفاقية لا تختلف في نصوصها عن الاتفاقيات التجارية الفرنسية والإنجليزية القديمة.

جس النبض

وبدأ تشكى بترويج الإشاعات والمناورات لحس نبض السلطان والدول الأوربية التي تتطاحن من أجل كسب مناطق نفوذ في الأراضي التابعة لنفوذ السلطان برغش، وظهرت الإشاعة الأولى في سبتمبر عام 1885 تقول بأن السلطان قد تنازل لإيطاليا عن مصب نهر الجوبا، وسرعان ما احتج القنصل الإنجليزي على تصرف السلطان، غير أن السلطان استنكر بشدة هذه الإشاعة البطلة وأعلن تكذيبه لها. وبعد شهرين تقريباً أعلن تشكي إشاعة أخرى بأن السلطان تنازل عن ميناء كسمايو للحكومة الإيطالية، واحتجت الحكومة البريطانية عن طريق ممثليها في وزنجبار، وأعلن السلطان تكذيبه للإشاعة. وكان من أثر هذه الإشاعات والمناورات الإيطالية التي تهدف إلى جس نبض الدول الاستعمارية الأخرى في شرق أفريقيا أن أسرعت بريطانيا وألمانيا إلى تحديد مناطق نفوذهما في شرق أفريقيا قبل أن تصل إيطاليا إلى اتفاق مع السلطان مما قد يحد من اتساع نفوذهما في شرق أفريقيا.

أزمة مفتعلة في العلاقات الإيطالية الزنجبارية

في عام 1888 طلبت الحكومة الإيطالية من قنصلها المدعو فيلوناردي في زنجبار أن يدخل في مفاوضات رسمية مع سلطان زنجبار بشأن التنازل عن نهر جوبا أو منطقة كسمايو أو ما يمكن التنازل عنه من الستين ميلاً الباقية من ساحل صوماليا التي تقع إلى الجنوب من خط الأستواء مباشرة بالشروط المعروفة التي حصلت عليها شركة ماكينون البريطانية. غير ان السلطان الذي تسلم رسالة خاصة من ملك إيطاليا رفض مطالب الحكومة الإيطالية بتحريض من بريطانيا التي لا تريد أن ترى إيطاليا منافسة لها في جنوب صوماليا في الوقت الذي اتسع فيه نفوذ الإيطاليين في الحبشة وأصبحوا من أكبر المنافسين لبريطانيا فيها. وبسؤال من فيلوناردي للسلطان بشأن الرد على الرسالة الخاصة بجلالة ملك إيطاليا قال السلطان أنه سيرد عليها حينما تسمح له الظروف واستاء فيلو ناردي من إجابة السلطان، وأبرق إلى روما يعرب عن أسفه في تأخر رد السلطان على رسالة جلالة الملك، وأدعى أن هذا التأخر في الرد مقصود به إهانة جلالة الملك، ولذا فعلى الدولة الإيطالية أن تسترجع كرامتها وتطالب بكسمايو كتعويض عن هذه الإهانة. وفي أوائل شهر يونية عام 1888 أعلن وزير خارجية إيطاليا أن السلطان برغش قد أهان القنصل الإيطالي في زنجبار وأصر الوزير على أن ينفذ السلطان الوعد الذي كان قد صدر من السلطان السابق في 23من أكتوبر من عام 1886 بالتنازل عن كسمايو لإيطاليا، وقد أشار المسئولون الإيطاليون في عقب تصريح وزير الخارجية بأن إيطاليا سوف تستخدم القوة في الحصول على ميناء كسمايو إذا لزم الأمر. وأمام هذه المناورات والتهديدات الصريحة من جانب الإيطاليين لجأ السلطلن إلى البريطانيين يطلب منهم الحماية، فأعلنت بريطانيا تصريحاً مناسباً جاء فيه،((أننا لا نقبل استخدام العنف مع السلطان، فالسلطان تحت حماية الدولتين الألمانية والإنجليزية)) وصرح كريسبي رئيس الوزارة الإيطالية من أجل تهدئة حدة الموقف لصالح إيطاليا بشئ كبير من الدبلومسية قائلاً ((من الممكن حل المسائلة في صالح إيطاليا إذا كانت بريطانيا وألمانيا تكفان عن تعضيدهما للسلطان)). وفي هذا الوقت كانت إيطاليا تعتبر المسيطرة على شئون الحبشة وفي أمكنها أن تحد من النفوذ البريطاني على السواحل الشمالية للصومال. وفي 6 يونية من نفس العام انقطعت العلاقات بين فيلوناردي القنصل الإيطالي والسلطان برغش وتحركت سفينة حربية إيطالية نحو زنجبار، وأعلن في 11يونية في مجلس النواب الإيطالي أن وجود الدول الصديقة في زنجبار سيجمي إيطاليا ويمنع من وجود مشاكل دولية في هذه المنطقة. وللمناورات الإيطالية، وتصريحات المسئولين الإيطاليين، وتحرك السفن الحربية الإيطالية نحو زنجبار، وانقطاع العلاقة بين السلطان والقنصل الإيطالي في زنجبار وغيرها من الأسباب التي دعت إلى اضطراب الموقف وأنه أوشك على الانفجار في هذه المنطقة المتأزمة فتراخت بريطانيا وألمانيا في حمايتهما للسلطان خشية إندلاع حرب عالمية بسبب هذه المنطقة المتنازع عليها. و إنتهت الأزمة بين إيطاليا و زنجبار حينما قام السلطان بكتابة رسالة إعتذار الي ملك إيطاليا في 20 نوفمبر 1888، و قام القنصل الإيطالي بحملها الي ملك إيطاليا، و كان حتما على إيطاليا أن تؤجل تنفيذ مطامعها على ساحل صوماليا بعض الوقت لحين تتهيأ الظروف مرة أخرى، و في الوقت نفسه أتيحت للإيطاليين فرصة وضع مخطط استعماري محكم للسيطرة و بسط النفوذ، لا على منطقة كسمايو أو نهر جوبا فقط بل على صوماليا كلها على نحو ما سترى في الدراسة التالية.

ثورة الصوماليين ضد التدخل الأجنبي

قامت المناورات الإيطالية و الأوروبية بصفة عامة من أجل التدخل في شئون الصوماليين على ساحل صوماليا الجنوبي، واشتد الصراع السياسي بين إيطاليا و السلطان برغش، وحدث تدخل من الدول الأجنبية ( بريطانيا و ألمانيا) لمناصرة إيطاليا ووافق السلطان لشيئة الأوروبيين و هو قابع في زنجبار دون أن يعمل من أجل الصوماليين. و ثار الشعب الصومالي على هذا الوضع الذي يهدد بلادهم، و كانت ثورة عارمة شديدة في كل مدينة و قرية و في الخواضر و البوادي و قد دعا إليها نفر من عقلاء البلاد و نادوا بالجهاد و النضال ضد التدخل الأجنبي في بلادهم، و أرسلوا الوفود من خير الشيوخ الصوماليين الي أرض زنجبار. و أعلن الشيوخ الصوماليين في مواجهة السلطان نفسه بأن بلادهم لن تكون خاضعة لحكم أجنبي ليس على دينهم و لا تخضع إلا لحكم وطني نابع من أرض الصومال، و أن قراراتهم التي إتخذوها تقضي بألا يدخل بلادهم أجنبي مهما كان، أو يسيطر على جزء من أراضيهم مهما كانت الدوافع، و أنهم لن يعترفوا بأمامته لهم و لا بالأمتيازات التي يمنحها للأوروبيون.

تعهد السلطان بحماية الصومال:

و كان لهذه الثورة الصومالية التي نشأت في المدن و المراكز التجارية الإسلامية و خاصة في مواني و أرشيخ و عظلة و مقدشوه و براوة وكسمايو و غيرها، قد عمت كل بقعة على الساحل و في الداخل مما قدم للسلطان صورة حية واضحة لا غموض فيها عن تلك الأوضاع في الصومال المسلم، فبارك السلطان هذا الشعور الصومالي السليم، و أعلن صراحة عن تأييده لمطالبالصوماليين، و عزمه الثابت في عدم منح أي بقعة صومالية لأي أجنبي مهما كان وضعه فلا أمتيازات تجارية، و لا تنازل و لا تعاهد مع أي دولة أجنبية بشأن إيجاد مناطق نفوذ أجنبي على الساحل الصومالي بل حماية الصومال من الأجانب.

موقف بريطانيا من ثورة الصوماليين:

أدركت القوى الإستعمارية و على رأسها دولة بريطانيا العظمي أن الموقف أصبح خطيراً على ساحل الصومال الجنوبي، و أدركت إيطاليا أن أملها في إنشاء مستعمرة لها على ساحل صوماليا أمر غير محقق بسبب ثورة الشعب الصومالي من ناحية و لخضوع السلطان للثوار من ناحية أخرى، و خاف الألمان من أن الثورة الصومالية قد يمتد أثرها الي مستعمراتها في تنجانيقا فيطالب شعبها بالحرية و الإستقلال. و أمام هذا الأضطراب السياسي أعلن سالسبري للحكومة الإيطالية في رسالة سرية بشأن تمكين إيطاليا من تنفيذ مشروعاتها الأستعمارية في صوماليا بعد ثلاث سنوات تقريبا، و خلال هذه الفترة تكون ثورة الشعب الصومالي قد هدأت،و زالت بواعث الغضب عن السلطان برغش و يذكر سالسبري أن هذا الوعد الذي إتخذته بريطانيا بشأن إيجاد مناطق نفوذ لإيطاليا على ساحل الصومال يكون سراً دون علم السلطان أو الصوماليين حتي لا تجابه المناورات الثنائية البريطانية و الإيطالية على ساحل الصومال بموجة إستياء أو عداء من السلطان و الشعب الصومالي.

حصار الصومال و إبرام المعاهدات:

الثورة الشعبية التي قام بها الصوماليون على الساحل الجنوبي لصوماليا و مطالبتها بالحرية و إبعاد الأجانب عن البلاد إمتدت حرارتها الى المناطق الجنوبية الصومالية، و صادفت قبولاً من شعوب المستعمرات الأنجليزية و الألمانية التي كانت تقاسي من السياسة الأستبدادية التي تفرضها الدول الأستماري عليها لتحقيق مصالحها على أساس من الإذلال للسكان، و معاملتهم معاملة الرقيق، في الوقت الذي يدعي فيه الأوروبيون أنهم قدموا لمحاربة تجارة الرقيق، و إذا كان هذا هو منطقهم فلماذا بقي الأستعمار في هذه المناطق حتي عام 1960؟ و على أية حال فإن الشعب الصومالي الذي قاد الثورة في أوائل القرن الماضي هو أول شعب في شرق أفريقيا حصل على إستقلاله و هذا ما سنوضحه في مجال آخر، غير أن الذي يهمنا هو أن نعرف أنه بعد قيام ثورة الصوماليين و إمتداد أثرها في المستعمرات الأنجليزية و الألمانية اضطرت الحكومة الألمانية للمحافظة على مستعمراتها أن تعلن عن سياستها. و هي سياسة الحصار البحري لساحل أفريقيا الشرقي لمنع إمتداد الثورة الصومالية أو تسرب الأسلحة الى شعب تنجانيقا و دعت بريطانيا الى الدخول معها في سياسة الحصار البحري لضمان وضعها في مستعمراتها بكينيا من ناحية و لإعادة نفوذ السلطان في صوماليا من ناحية أخري. و أدركت بريطانيا أن نجاح الثورة الصومالية معناه القضاء على نفوذ السلطان و قيام اضطرابات و ثورات في المستعمرات القريبة منها و سقوط الأمتيازات و الأتفاقيات التي أبرمها السلطان باسم الصوماليين لصالح البريطانيين، و أن سياسة الحصار ستحد من إمتداد الثورة الصومالية، و تمنع تسرب الأسلحة الى المستعمرات، و قامت الدولتان بريطانيا و ألمانيا بدعوة إيطاليا للأشتراك معافي سباسة الحصار على السواحل الصومالية، و يذكر سالسبري بهذا الشأن ( أن هذا المشروع الأنساني ( سياسة الحصار للسواحل الصومالية !) وجدت فيه الحكومة الإيطالية فرصة سانحة للأنضمام الى جانب بريطانيا و ألمانيا). و أراد قائد الأسطول البحري الإيطالي أن يقف تجاه ميناء كسمايو للمحافظة على الأمن و حصار المنطقة، ولكن بريطانيا وضعت تقسيماً للحصار بحيث تكون إيطاليا في النطاق الشمالي من كسمايو، و بريطانيا في النطاق الأوسط و الى الجنوب من كسمايو، و ألمانيا في النطاق الجنوبي والى الجنوب من ممبسة. و بذلك إبتعدت إيطاليا عن منطقة كسمايو التي كانت تريد السيطرة عليها منذ فترة طويلة. و في الواقع كانت كل دولة تعمل في النطاق الذي تنوي حصاره على أن تستميل سكانه للتوقيع على معاهدات و إتفاقيات من شأنها تصفية نفوذ السلطان على السواحل الصومالية من ناحية، و إيجاد مستعمرات أوروبية على السواحل الشرقية للصومال من ناحية أخري. و لم تتدخل السلطات البريطانية أو ألألمانية في أعمال الإيطاليين في المناطق الممتدة الى الشمال من أملاك سلطان زنجبار حتي الصومال البريطاني في الشمال، على أن تراعي إيطاليا في أعمالها أن تكون هذه المناطق خالية من حقوق أي دولة أخري. ورغم أن بريطانيا كانت لها معاهدة مع سلطان مجرتنيا بشأن الحماية البريطانية على ممتلكاته و تقيد السلطان و ورثته بعدم البيع أو التنازل أو التخلي عن أي مساحة لأي دولة أخري دون موافقة البريطانيين، و رغم أن شركة ألمانية قد أخذت عقد إمتياز إستغلال الموارد الطبيعية و البحث عن المعادن في المنطقة التي حول رأس حافون قبل مجيء إيطاليا الى سواحل صوماليا. و رغم أن بريطانيا و ألمانيا كانتا قد سبقتا في عقد معاهدات و إتفاقيات مع نفس الحكام الذين حصلت منهم إيطاليا علي معاهدات جديدة فإن الدولتين لم تتقدما بأي احتجاج أو استنكار عن هذه الأعمال، رغم ان القانون الذي وضعته الدول الأوروبية في مؤتمر برلين عام 1885 ينص على أن الأستعمار في أي منطقة تثبته معاهدات أو إتفاقيات تعلن على الدول في منشور دوري حتي لا تقوم دولة أخري بعمل مشابة في نفس المنطقة، و رغم الإعلان الدولي الذي قامت به بريطانيا و ألمانيا فإنهما لم يتخذا أي موقف عدائي ضد إيطاليا لأنها صارت قوة يعمل لها حساب في شرق أفريقيا، و في الوقت نفسه لضمان إعتراف إيطاليا بمناطق نفوذهما في شرق أفريقيا.

المعاهدات الإيطالية الصومالية

خلال فترة حصار السواحل الصومالية قام الإيطاليون، تحت ضغط الحصار الأقتصادي و بريق الهدايا و الوعود العسولة، بعقد عدة معاهدات و إتفاقيات مع السلاطين و الشيوخ المحليين باسم الحماية و المحافظة على الأستقلال و المدنية. و مما ساعد الإيطاليين على أبرام المعاهدات هو وجود المجتمع القبلي القديم فهو المسئول عما تطورت اليه الحالة في الصومال إذ كان وجود النظام القبلي، و قيام التشاحن بين القبائل و بعضها، أو بين بعضها و الأحباش، أو التشاحن داخل القبيلة الواحدة بسبب الرياسة أو من أجل المراعي أو السيطرة أو بسط النفوذ و غير ذلك من مساويء النظام القبلي الذي نتج عنه وجود مجتمع صومالي مفكك على صورة سلطنات مستقلة في تشاحن مستمر كل ذلك أتاح للإيطاليين أن يتوغلوا في البلاد باسم الحماية و المحافظة على النظام و الأستقلال. و لم يكن سلاطين وحكام الصومال – فقط – هم الذين وقعوا على معاهدات وإتفاقيات بهذا الشكل المزيف و إنما حدث مثل هذا –و اكثر – في الجنوب العربي و أكثر بلدان أفريقيا وآسيا المدارية و مثال ذلك ما قام به كارل بيترز الألماني من جمع اثنتا عشر معاهدات كما فعل الإيطالييون في صوماليا خلال إقامته في زنجبار لفترة أربعين يوماً مما أعطي ألمانيا مستعمرة واسعة في شرق أفريقيا (تنجانيقا سابقا). و بذلكوضع فليوناردي يد الحكومة الإيطالية علىالنصف الشمالي من صوماليا تقريبا أثناء فترة الحصار الأوروبي على السواحل الصومالية، و لم يعرف سلاطين البىد و حكامها الصوماليون أن هذه المعاهدات التي ابرمها عن طيب خاطر في سبيل تدعيم دولتهم إنما ستكون فيما بعد سلاحاً ضد الحركات الوطنية و فرصة للمساومة بها الحبشة وفق مصالح المستعمرين. و إذا ما ألقينا نظرة عابرة على ما عملته إيطاليا و بريطانيا و فرنسا باسم المعاهدات و الأتفاقيات المعقودة بينها و بين رؤساء و شيوخ الصومال وجدنا أنها غير قانونية و غير منطقية لأنها أبرمت تحت الضغط و التهديد في عبارات لا يدرك مدلولها من وقع عليها.

و مما يدعوا الى السخرية من واضعي تلك المعاهدات النص فيها على أن الشيخ أو السلطان أو رئيس العشيرة قبل الحماية على نفسه و أملاكه و عشيرته التابعة له مقابل مبلغ من المال (نحو 600 ريال سنوياً) للشيخ أو لرئيس القبيلة أو للسلطان و 600 ريال أخري في العام لحاشيته و أفراد أسرته و شيوخ و علماء و عقلاء البلاد. و بطبية الحال ليس من المعقول أن يكون ذلك عن رضي و إختيار وعن رغبة على حد ما تبين نصوص تلك المعاهدات. و ليس بعيداً أن يكون السلطان أو غيره قد وضع توقيعه على المعاهدة دون أن يفهم محتوياتها، إما لأنه لا يعرف القراءة و الكتابة، أو لأنه شاهد حماقة الأفرنج و إندفاعهم لتحقيق مطالبهم بالقوة أو بالرضي. و أكثر الأتفاقيات أو المعاهدات تجري عن طريق الشركات الأستغلالية أو التجارية و خاصة في القسم الجنوبي للصومال حيث أكثر المعاهدات و الأتفاقيات يقوم بأبرامها رجال إقتصاديون أو شركات، حتي إذا ما أكتمل للشركة قوة السيطرة على البلاد تخلت أو أجبري على التخلي عن سلطانها للحكومة التي تنتمي إليها هذه الشركات. و في نهاية هذا الكتاب سنورد أهم الوثائق التاريخية للعلاقات الإيطالية الصومالية من معاهدات و إتفاقيات و مكاتبات. و ذلك من السجلات الرسمية القديمة المحفوظة بدار الآثار الصومالية( الجزيرا) بهدف تسجيل هذا التراث التاريخي للعبرة و العظة. و ليتعرف هذا الجيل الناهض في عهد الجمهورية الصومالية. ماذا فعل الأستعمار بأوطانهم. و ألأعيب الأستعمار و حيلة حتي تمكن من أعلان الحماية على البلاد. باسم المحافظة على الأستقلال و النظام و نشر المدينة والحضارة في البلاد. و من أهم هذه المعاهدات و الأتفاقيات.

  • معاهدة مع سلطان هوبيا - 8 فبراير 1889.
  • معاهدة مع مشايخ قبيلة سباخرون – 19 مارس 1889.
  • إتفاقية مع سلطان مجرتينيا و سلطان هوبيا – 7 أبريل 1889.
  • إتفاقية مع السلطان أبيكر بن سلطان على 7 – يونية 1889.
  • تصريح بأعلان الحماية الإيطالية وقع عليه مشايخ مقدشوة – 24 مارس 1891.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إعلان الحماية الإيطالية على النصف الشمالي لصوماليا

و بناء على المعاهدات و الأتفاقيات السابق ذكرها قامت إيطاليا بأعلان الحماية الباشرة علىالمنطقة التي تمتد من شمال و أرشيخ عند خط عرض 30 5 درجة شمالاً حتي خط عرض 3 8 درجة شمالاً حيث تبدأ سلطنة مجرتينيا التي تمتد حتي خط الطول 49 درجة شرقاً.

الاتفاق الإيطالي الإنجليزي (1889 ) بشأن إدارة ساحل بنادر

بعد أن وقعت الأراضي الشمالية للصومال في يد الإيطاليين و أصبح للإيطاليين نفوذ كبير على السواحل الشمالية لصوماليا بينما ضعف نفوذ السلطان على السواحل الجنوبية لصوماليا بسبب الثورة العارمة التي قامبها الشعب الصومالي في مقدشوه و براوة و مركة وكسمايو ضد السلطان نفسه وإعلانهم العصيان لطاعته و مناهضة كل مستعمر أجنبي يدخل الى بلادهم. و تحركت السياسة البريطانية وراء السلطان تدفع به الى مصاحبة الإيطاليين و كسب ودهم حتي يمكن السيطرة على الشعب الصومالي في المراكز الساحلية لجنوب صوماليا قبل أن يثوروا عليه و يعزلوه من حكمه، أو على الأقل ليمنعوا إمتداد نفوذه نحو ساحل الصومال فأضطر السلطان تحت ضغط بريطانيا أن يكتب رسالة في 15 يناير 1889 الى جلالة ملك إيطاليا يعلن فيها عن رغبته في الصداقة مع الدولة الإيطالية، و أنه يبارك أي إتفاق إيطالي يمكن الحصول عليه مع شركة شرق أفريقيا البريطانية ( و كانت خاضعة للسياسة البريطانية في أعمالها و أهدافها ) بخصوص الأستغلال الأقتصادي و الأحتلال المشترك لإيطاليا و بريطانيا لمنطقة كسمايو. و دارتمفاوضات بين السنيور كاتاليني نائباً عن جلالة ملك إيطاليا و شركة شرق أفريقيا الأمبراطورية ( سميت بعد ذلك باسم الشركة البريطانية ) و كانت هذه المفاوضات تدور حول أسس ثلاثةهي: 1 – بناء علىطلب سيد خليفة سلطان زنجبار في خطابه المؤرخ في 15 يناير سنة 1889 الى ملك إيطاليا بشأن التفاهم مع الشركة البريطانية للأحتلال المشترك لمنطقة كسمايو. 2 – تقوم الشركة البريطانية بأجراء مفاوضات مع السلطان سيد خليفة بشأن التنازل عن بعض الأراضي التي تقع الى الشمال من نهر جوبا بما في ذلك كسمايو متضمنة مواني براوه و مركة و مقدشوه في نصف دائرة قطرها عشرة أميال و ميناء و أرشيخ في نصف دائرة قطرها خمسة أميال. 3 – تقوم الشركة البريطانية بالتنازل عن الأراضي السابقة التي ترغبها إيطاليا بمجرد أن يقوم السلطان بمنحها للشركة البريطانية. و على هذه الأسس الثلاثة السابقة تم الأتفاق الإيطالي الأنجليزي في أغسطس سنة 1889 على النص التالي: مادة أولي أتفق الجانبان في حالة أعلان سمو سيد خليفة سلطان زنجبار بوعد منه لتسليم البلاد المذكورة للشركة البريطانية و هي الأراضي التي تمتد من نهر جوبا بما في ذلك كسمايو و تتضمن مواني براوة و مركة و مقدشوة و ملحقاتها في نصف دائرة قطرها خمسة أميال من البحر الى الداخل. فأن الشركة البريطانية ستعمل على نقل ملكية هذه الجهات يرضاء من السلطان و على نفقة الحكومة الإيطالية الى الوكلاء المعتمدين للحكومة الإيطالية بنفس الشروط المتضمنة في الأمتياز الممنوحللشركةالبريطانية أو بأحسن الشروط التي يمكن الحصول عليها من السلطان على أن يكون الأحتلال المشترك لمنطقة كسمايو من الجانبين بالطريقة التي يريانها. مادة ثانية: تتعهد الحكومة الإيطالية بدفع التعويضات الملائمة للشركة البريطانية التي ظهرت نتيجة لعقد هذه الأتفاقية أو تنفيذها على حد سواه. مادة ثالثة: احتلال كسمايو و ملحقاتها بالأشتراك بين الشركةو الحكومة الإيطالية بأن يتولي إدارتها المتعاقدان بطريقة متكافئة و أمتيازات متساوية، و دفع النفقات بالتساوي، و كذلك تقسم صافي فوائد كسمايو و ملحقاتها بالتساوي. و يكون تنفيذ هذا البند بالطريقة الودية بواسطة مندوبي الحكومة الأيطالية و مندوبي الشركة البريطانية و منها الحكومة الإيطالية. مادة رابعة: تتعهد الحكومة الإيطالية بتحديد نفوذها في شرق أفريقيا و ألا تحدث أي تأثير سياسي أو تقبل فرض حماية أاحتلال أو تتدخل في منطقة النفوذ البريطاني على الأراضي أو القبائل الى الغرب أو الجنوب من الخط الممتد من شمال ضفة مصب نهر جوبا حتي يتلاشي الخط المذكور مع تقاطع خط عرض 8 درجة شمالاً و خط طول 40 درجة شرقاً بخط يرسم من هذه النقطة المذكورة و يمتد فوق خط متواز لخط طول 35 شرقاً لدوائر جرينتش. كما تتعهد الشركة البريطانية بتحديد منطقة نفوذها في شرق أفريقيا بألا تمارس أي تأثير سياسي أو تقبل فرض حماية أو احتلال أرض ما أو تدخل في منطقة النفوذ الإيطالي على الأراضي أو القبائل التي تقع الى الشرق أو الشمال الشرقي من الخطوط المذكورة. و في حالة ما يثبت بالمقياس أن مجري نهر جوبا يفيض في نقطة ما الى الشمال أو الى الشرق من الخطوط المذكورة أعلاه فأن هذه النقطة ستقبل على أنها الحد لنفوذ الطرفين المذكورين. و على أية حال بالنسبة للشرط الأضافي بأن الخط يمتد مع أنحراف النهر المذكور الى النقطة التي يتقاطع فيها عرض 8 درجة شمالاً وخط 40 درجة شرقاً كما يثبت ذلك على الخريطة الملحقة بالأتفاقية. مادة خامسة: حرية الملاحة في نهر جوبا و روافده للجانبين الى أبعد نقطة ملاحية. مادة سادسة: اتفق الفريقان على حل المنازعات التي تنشأ عن تفسير أو تنفيذ الأتفاقية بالطرق الودية و نهاية الأمر الى هيئة تحكيم يكون الطرفان ملزمين بنتيجة الحكم. و أعضاء لجنة التحكيم يختارون بأتفاق الطرفين المتعاقدين، ومن حق الطرفين تعيين عدد من أعضاء اللجنة بالتساوي على أن ينتخب من الحكام واحد ليكون حكماً فاصلاً. مادة سابعة: للحكومة الإيطالية حق التخلي عن أمتيازاتها التي أكتسبتها بمقتضي الأتفاق الحالي الى الشركة الإيطالية المزمع أنتشارها باسم شركة شرق أفريقيا الإيطالية الملكية أو ما شبه ذلك على أن تقوم الشركة المذكورة بتنفيذ الألتزامات و التعهدات التي تعهدت بها الحكومة الإيطالية كما جاء في هذه الأتفاقية. و قد نسخت الأتفاقية من صورتين باللغتيين الأنجايزية و الإيطالية على أن يكون النص الأنجليزي ملزماً. أمضاء. و. ماكينون ت. كاتاليني بحضور جورج س. ماكينيزي

3 أغسطس 1889 ملاحظة: - احتفظت الشركة بحقها في تعديل الحدود بأن ترسم خطاً في أتجاهشمالي شرقي يبدأ تقريبا من خط طول 37 شرقا الىخط عرض 8 درجة شمالاً الى نقطة على النيل الأزرق أو نهر أباي غرب خط طول 37 درجة شرقا ومن ثم تكون الحدود الى الغرب و الشمال.

حركة التمرد الصومالي

ما أن طار خبر الأتفاقية الإيطالية الأنجليزية بشأن ترك السواحل الصومالية ( بنادر ) للإدارة الإيطالية و كسمايو للأحتلال الأنجليزي الإيطالي حتي تمرد الصوماليون و أعلنوا العصيان بسبب ما آلت اليه البلاد من تحكيم الأجانب في وطنهم و مواردهم و تجارتهم و أدركوا الخطر الداهم الذي تتعرض له الصومال من السياسة البريطانية التي أطاحت بالإدارة المصرية المسلمة من ساحل الصومال لكي تضع أقدام النصاري الإيطاليين على مفاتيح البلاد ( المواني ) لربط الأمة الصومالية بركب الطليان و تضايق الشعب من السلطان الذي تعهد بحمايتهم من الأجانب، و لما دعا البريطانيين و الإيطاليين للأحتلال المشترك لمنطقة كسمايو أعلن الكفاح المشترك من الشباب و الشبيبة من أجل طرد كل أجنبي دخيل عن كل بلاد بنادر مهما كانت جنسيتهم و تحدث أهل براوة عن أعمال الطليان في عصب و ما فعله البريطانيون و الفرنسيون حول خليج تاجورة و في أراضي الصومالند. و نتيجة لحركة التمرد الصومالي وجه ماكينز المدير المسئول عن الشركة البريطانية نصائح للإيطاليين بأتخاذ سياسة الحذر والتيقظ في أعمالهم حتي لا يكون إندفاعهمنحو السيطرة على المراكز الصومالية سبباً في قيام ثورة حادة قد تطح بهم و بالأتفاقية، و كانت نصيحة ماكينز أن يبدأ الإيطاليون بأحتلال ميناء كسمايو و مقدشوه و ذلك بالأستعانة بالشيوخ و الرجال الصوماليين في المناصب الإدارية، و لوصوريا، كي يتمكنوا بعد ذلك من موجهة أي حركة تمرد يقوم الشعب بها، و من ثم يمكن تثبيت أقدامهم في البلاد دون خوف أو خسائر تذكر.

غير أن الإيطاليين سلكوا طريق القوة و الحديد و النار للوصول الى أهدافهم، و كانت البادرة الأولي أن أرسل القنصل الإيطالي سفينة حربية الى وارشيخ ( في أقصي حدود المنطقة التي تحت حكم السلطان ناحية الشمال) و ذلك لمعرفة موقف أهالي تلك الناحية الصغيرة، و على أن يبدأ نشاطهم من الشمال الى الجنوب بواسطة فرقة الأستطلاع، و هي من ضابط إيطالي و أربعة جنود مسلحين نزلوا في قارب صغير قرب الشاطيء و معهم أحد المترجمين، و أرادو الأقتراب من الساحل فخرج إليهم نفر من أهل البلاد وطلبوا منهم الأبتعاد عن مدينتهم وإلا اضطروا الى اطلاق النيران عليهم، وأطلق الضابط عدة طلقات نارية يريد أن يرهب بها المدينة الهادئة غير أنه لقي حتفه على أيدي الصوماليين، فكان رد الفعل قوياً من جانب الإيطاليين الذين أطلقوا مدافعهم الثقيلة فترة طويلة من بارحة حربية استقدموها فدمروا المدينة بأكملها و اشتعلت فيها النيران. و بطبيعة الحال وصلت أخبار وار شيخ الى كافة المدن الصومالية على طول ساحل بنادر، و أعلن سكانها الجهاد المقدس ضد الغزاة الأفرنج، و أعلنت بريطانيا متضامنة مع ألمانيا حمايتهما لأراضي سلطنة زنجبار مع مراعاة حقوق إيطاليا على ساحل صوماليا، حتي لا تكون ثورة الصوماليين و تمردهم سبباً في إيجاد مشاكل أخري متعددة متشابهة أو مختلفة في مستعمراتهما في شرق أفريقيا، ولم تستمر ألمانيا في سياستها الدفاعية مع بريطانيا إذ تخلت ( لصالح بريطانيا ) عن حمايتها و دفاعها عن المنطقة المجاورة لكسمايو و هي التي تقع الى الشمال من نهر تانا على جزر باتا و ماندا.

توقف النشاط الإيطالي في صوماليا

و أرادت إيطاليا عند تكوين شركة شرق أفريقيا الإيطالية أن تترك العمل للشركة أعتباراً من رأس بدوين الى مدينة كسمايو في نوفمبر عام 1890 حتي لا يكون تدخل الحكومة الإيطالية سافراً في الصومال، و نظراً لما عليه الحالة الراهنة على ساحل الصومال من تمرد و عصيان، أعلن السلطان و قوته ضد تنفيذ المشروع، فأضطرت الحكومة الإيطالية أن تؤجل البدء في نشاط الشركة حتي عام 1892 لتتمكن من إستمالة الشعب الصومالي بأية صورة لتحقيق مطامعها الأستعمارية في صوماليا.

بروتوكول 1891 بين إيطاليا و بريطانيا:

خلال فترة الأضطربات على ساحل الصومال توصلت إيطاليا و بريطانيا الى توقيع بروتوكول 24 مارس 1891 بشأن تحديد مناطق النفوذ لكلا الدولتين على ساحل أفريقيا الشرقي. و قد أعتبر بداية الخط الفاصل بين منطقة النفوذ الإيطالي شمالاً و منطقة النفوذ البريطاني جنوبا هو البحر عند منتصف مجري نهر جوبا الى خط 6 درجة شمالاً، لتبقي كسمايو و ملحقاتها على الضفة اليمني في منطقة النفوذ البريطاني و من 35 درجة شرق جرينتش يمتد الخط حتي النيل الأزرق. و قد نص الأتفاق على امكانية تعديل خط الحدود بالأتفاق المتبادل كما نص على المساواة في المعاملة بين الرعايا الإيطاليين و البريطانيين، ومن يخضع لحماية كل من الدولتين في كسمايو، كما تم تحديد مناطق النفوذ لكل منها حسب بروتوكول 15 أبريل 1891. وعليه اعترفت الحكومة البريطانية بنفوذ إيطاليا على المناطق التي تقع الى الشرق من ذلك التحديد في مقابل اعتراف إيطاليا بنفوذ بريطانيا على المناطق التي تقع جنوب و غرب و شمال هذا التحديد و هي كينيا و أوغنده و أعالي النيل و السودان.

الاتفاقية الإيطالية البريطانية 1892:

و قد قامت الحكومة الإيطالية بمفاوضة السلطان بالتنازل عن المواني الشمالية و لكن السلطان و إن كان قد وافق بصفة مبدئية إلا أنه ترك لإيطاليا حق التشاور و التفاهم مع الشركة البريطانية و أنه يوافق على الحكم الذي تحكم به بريطانيا في هذه المسألة و هذا مما يؤكد لنا مدي تأثير النفوذ البريطاني على سلطان زنجبار. وما أن أعلنت الحماية البريطانية على زنجبار حتي قامت إيطاليا بمفاوضات مع البريطانيين بشأن تحديد مناطق النفوذ لكليهما على ساحل صوماليا و أسفرت المفاوضات عن النتائج التالية في 12 أغسطس 1892. مادة 1: تنص على حق السلطة الكاملة لإيطاليا على مواني براوه و مركه و مقدشوه مع نصف دائرة قطرها عشرة ميل لكل منها عدا مدينة وأرشيخ فأنها تكون مع نصف دائرة قطرها خمسة ميل. و من حق إيطاليا إدارة الجزر الساحلية باسم سلطان زنجبار و تحت علمه على أن تتحمل إيطاليا كافة النفقات، و خول للحكومة الإيطالية حق شراء الأراضي و امتلاكها و غير ذلك، و لكن ليس لها حقوق على رعايا السلطان أو الأجانب. مادة 2: تتعهد الحكومة الإيطالية بإدارة المواني و المدن عن طريق الشركة الإيطالية مع مسئولية حكومة إيطاليا أمام حكومة زنجبار. مادة 3: منح إيطاليا حق تنظيم الضرائب و جمعها و الصرف على الإدارة المحلية و المحافظة على النظام وإدارة القضاء وبناء الطرق والمواني و غيرها من الأشغال العامة مع حق الحكومة الإيطالية في تعيين الحكام و الموظفين و القضاة و ما الى ذلك. مادة 4 : تختص بتنظيم المرافق العامة للبلاد و فرض الضرائب. مادة 5: تختص بإستلام الرسوم على التجارة و منع التهريب و الجمارك. مادة 6: بشأن إنشاء مصرف و إصدار العملة. و هذه الأمتيازات التي وردت في الأتفاقية تكون سارية المفعول خمسة وعشرين عاماً أعتباراً من التصديق عليها في روما و لندن، و يمكن تجديدها مرة أخري بنفس الشروط و بعد هذا تصير كافة المنشآت من حق حكومة السلطان بعد تقدير قيمتها. و كان على الحكومة الإيطالية أن تدفع أربعين ألف روبية عند استلام الجمارك في المواني، ثم تدفع مثلها بعد مرور ثلاثة أشهر من احتلال الجمارك، وأن تقوم الحكومة الإيطالية بعملها تحت علمه، ولا تغير من نظام الدفع المتفق عليه إلا بعد موافقة السلطان أو بريطانيا.

تعديل أتفاق 12 أغسطس سنة 1892:

و بعد أن توصلت حكومة إيطاليا على الأتفاقية السابقة بدأت تراودها فكرة التخلي عنها خشية أن تتورط في صوماليا، بالأضافة الى ما تلاقيه من مثاق و مخاسر حول عصب. و في الوقت نفسه كانت المالية الإيطالية تعاني عجزاً شديداً مما كان يهدد لا بمصالحها الخارجية بل يهدد أيضا بأزمة حادة في داخل إيطاليا نفسها، لذلك قامت إيطاليا بتقصير فترة عقد أتفاق 12 أغسطس سنة 1892 من خمسة و عشرين عام الى ثلاث سنوات، و ذلك في 15 مايو عام 1893، وعهد الى شركة فيلوناردي الإيطالية بإدارة أعمال الحكومة في صوماليا لمدة ثلاث سنوات مع منحها أعانة سنوية قدرها 300 ألف ليرة إيطالية، على أن تكون إيطاليا مسئولة عن تنفيذ الأتفاقية، و ما أشتملت عليه لوائح برلين 1885 و لوائح بروكسيل 1890 بشأن منع تجارة الرقيق.

قيام شركة ف. فيلوناردي و شركاه

في 13 أكتوبر وصل فيلوناردي على ظهر السفينة ستافيتا الى بنادر و معه الشيوخ والرؤساء أصحاب المواني و المدن الصومالية الذين تعاقدوا مع فياوناردي ونائب سلطان زنجبار الذي أعلن تنازل السلطان عن إدارة هذه المواني الشمالية للإيطاليين، و طلبوا من الأهالي طاعة ممثل حكومة إيطاليا في بلادهم. و أعلن فيلوناردي أن المحمية الإيطالية ستدبرها شركة فيلوناردي و شركاه. و ستقوم بإذاعة اللوائح و التنظيمات و ممارسة السلطة في المواني لأن عقده بدأ من 16 يوليو 1893 [7]. وقام فيلوناردي بعقد عدة إتفاقيات و معاهدت:

  • معاهدة مع سلطان قلدي و وعطاف – 3 فبراير 1894.
  • معاهدة مع رؤساء التن – 3 فبراير 1894.
  • معاهدة مع سلطان الأقبال – 3 سبتمبر 1894.
  • معاهدة مع شيوخ لقوله – 23 سبتمبر 1894.
  • معاهدة مع قبيلة قلوين بر – 29 رجب 1312هـ.
  • معاهدة مع شيوخ طيطلة و مبارك و مرير و جوهر – 9 جماد الثاني 1312هـ.
  • معاهدة مع الشيخ حاج على بن عيسى – 11 ديسمبر 1894.
  • معاهدة مع شيوخ ورؤساء قبائل لمدن مختلفة – 28 جماد الثاني 1312 هـ.

( راجع باب الوثائق التاريخية )

إعلان الحماية الإيطالية على صوماليا

بعد أن أستطاع الداهية فيلوناردي من تدعيم السلطة الإيطالية في البلاد عن طريق الحصول على معاهدات و اتفاقيات من مجرتنيا شمالاً الى جنوب صوماليا قامت الحكومة الإيطالية بعزل شركته و إنهاء عهد إدارة فيلوناردي وقد قام فيلوناردي قبل رحيله عن البلاد بأعلان فرض الضرائب و إعلان الحماية الإيطالية في 16 يوليةعام 1896، وهذا نص الأعلان الأول والثاني: إعلان ليعلم الوقف على هذه السطور أنه في تاريخ 4 شهر صفر عام 1314 الموافق 16 جولاي عام 1896. إني أنا فيلوناردي كبير الكمبنية الإيطالية في الصومالية قد أمرت كبير الفرضة ( الجمرك ) أن يؤخذ العشور من جميع الأموال التي تورد من البر بموجب قانون العشور السالك و كل من سلم عشور ماله يؤخذ شتي (إيصال) من كبير الفرضة لها حين طلوع ذلك المال. هذا و حرر في بندر مقدشوة بتاريخ 4 شهر ذي الحجة 1313 الموافق 15 مارس 1896. امضاء. فيلوناردي الصومال الإيطالي

إعلان الى كافة من يراه إنه في تاريخ 16 شهر يوليو 1896 الموافق 4 صفر 1314هـ قد صارت حكومة البنادر ( مقدشوة و ما حولها ) تحت الدولة جلالة الملك الإيطاليا بعد انقطاع مكاتبة الكمبانية فيلوناردي في الثلاث سنين الماضية وبيانها الى تاريخ 15 يوليو 1896 3 صفر 1314. و أن القنصل فيلوناردي وكيل الدولة جلالة ملك إيطاليا في البنادر و أيضا أن دولة جلالة ملك إيطاليا تستحب أن كل ينظر أشغال نفسه و أن كل يمصل أوامر الحكومة بلا مخافة و كل أمر فيه الصلاح إذ في الثلاث سنين الماضية الأهالي زاد معاشهم و إزدادوا خير وسعادة. و لأتباع ماذكرناه من الأوامر أعلاه تكونوا آمنين تحت حماية الدولة جلالة ملك الإيطاليا و يكون لكم حالا أب رحيم. هذا و حرر في بندر مقدشوة تاريخه 16 يوليو 1896 موافقاً 4 شهر صفر 1314 أمضاء. فيلوناردي

التعليق



كيف حكم الإيطاليون صوماليا

ولننظر الآن في كيفية حكم إيطاليا للمستعمرة الواسعة التي تمتلكها الصومال فغالباً ما كان البرلمان الإيطالي يناقش الموضوع ، ويمكننا أن نتعرف على نظام حكم المستعمرة من خطاب توماس تيتوني وزير خارجية إيطاليا والذي كان مسئولاً كذلك عن إدارة المستعمرة، ومن خطاباته يتبين بوضوح أن الشركة الرسمية المسئولة عن بنادر و التي أعيد إليها الإدارة، قد مارست عملها في فوضى مريعة لعدد من السنين، وكانت للشركة أن تختار الحاكم بالإضافة إلى ممارسة كل الحقوق والامتيازات التي للحكومة. فتجارة الرقيق كانت تؤيد جهاراً، ولها أسواقها في المواني، وللحاكم أن يفرض ضريبة أميرية على السلع الآدمية التعسة، ولم يخضع القضاء لنظام معين، فكثيراً ما كان القضاء والوسطاء يرتشةن وحفظ النظام العام كان محصوراً في عدد من العساكر المجندين من الجزيرة العربية وكانت تدفع لهم مرتبات زهيدة وأسلحة رديئة. وما سنذكره بعد من تصريحات قوية، وتقارير مفصلة قد أخذناه من الترجمة المعتمدة لخطب تيتوني، والتي قام بترجمتها البارون كارانتا، والتي نشرت في لندن عام 1914. وفي هذا الكتاب نبذ من خطب هذا الوزير هدفنا من نشرها تسليط الضوء على تصرفات الحكومة الإيطالية وأعمالها في بنادر،وفي بيانات الوزير ما يكشف الستار عن الفوضى الشاملة التي تثير السخط على الحكم الغاشم في مستعمرة بنادر. ويقطع تيتوني بأن إيطاليا لم تكن احتلت بنادر بعد، وليس لديها النية في احتلالها ويؤكد تيتوني بوضوح أن الحكومة ينقصها الدخل المادي اللازم لإدارة المستعمرة فصلاً عن التوسع فيها. وعن النظام العام في المستعمرة ومسألة منع تجارة الرقيق فقد قال تيتوني ((ليس لدينا حامية في تلك الأراضي وشركة بنادر مضطرة للاحتفاظ بستمائة عسكري مسلح لا غير وهى قوة ضعيفة جداً بالنسبة للأراضي الشاسعة التي عليهم أن يحافظوا على الأمن فيها )). وقد اتهم السيناتور فيلتشي الحكومة عند مناقشة ميزانية عام 3/1904قائلاً(( أن الحكومة ليس لديها الشجاعة لترك مستعمرة الصومال كما أنها ليست راغبة في انفاق ما يكفي لاستثمارها)). فأجاب تيتوني بأن إيطاليا ((قد ساهمت بنصيب متواضع في الحركة الاستعمارية ولكن ليس لديها فائض من المال يجعل مستعمرة الصومال مستعمرة غنية، فقد أعلنت الحكومة عن تمويل الدين العام ومن ثم فالمشاريع الاستعمارية يجب ارجاؤها)). ((وفي تلك الأوقات كان لدينا عقد مع شركة بنادر التي ندفع لها إعانة مالية، وإن كانت غير ظاهرة على أي حال،لأن أكثر من نصفها كان يدفع لسلطان زنجبار والباقي مخصص لشركة بنادر لكي تفي بالالتزمات تجاه الدولة وينحصر هذا في إعالة ستمائة عسكري والقيام بخدمات البريد وفي تنفيذ لوائح مؤتمر بروكسيل والقيام بخدمة الملاحة)). وحينام قامت الشركة منذ وقت قريب بتغيرات في هيئتها واختصاصاتها دعت الحاجة إلى إرسال الكونت مركاتيللي القنصل العام الإيطالي في زنجبار إلى بنادر لفحص أعمال الشركة. وقال الوزير((إن سكان الساحل إلى مدى ما تصل مدافع السفن الإيطالية قد قبلوا واحترموا الحماية الإيطالية، ولكن لكي يكون لمحميتنا اعتبارها بين القبائل التي تسكن الصحراء في داخل البلاد، يلزم علينا إرسال حملة وإن كانت تكلفنا مبالغ طائلة، وفي الحقيقة قد يؤدي هذا إلي مصاريف غير محدودة لأننا نعرف كيف نبدأ هذه الحروب لاستعمارية، ولكن لانعرف كيف تنتهي وإذا كان لنا في الوقت الحاضر أن نرمي بأنفسنا في مخاطرة فأننا نقوم بذلك في حمق وتهور، لأنني على ثقة بأن البلد لا تتبعنا في هذا الطريق)). هذا بيان واضح على أن رغبة الشعب المزعومة التي كانت الحكومة الإيطالية تهتم بإبرازها لم تكن موجودة فعلاً. وضع المسألة على الرف في 20 فبراير1904 قدم أودسكالتش استجواباً لتيتوني في مجلس الشيوخ الإيطالي وذكر اعترافات خطيرة عن فوضى الحكم في مستعمرة بنادر واعترف الوزير قائلاً((إنني أعتقد بأن هناك الكثير من الحق في بيانه )) ثم استطرد في حديثه. ((أن الصك الممنوح لشركة بنادر مجرد طريقة لوضع المسألة على الرف، وفي الحقيقة لا يظن أحد أن الرجال الذين وقعوا على هذا العقد يعتقدون أنهم بذلك قد حلواالمسألة: فلا يستطيع أحد أن يعتقد أن إعانة مالية يسيرة تيلغ مئات من آلاف الفرنكات كافية لإعادة النظام إلى مثل هذه الأراضي الشاسعة وأن يرفع من قيمتها بازدهار الزراعة والتجارة فيها: ان الحكومة لاترغب في انفاق مال كثير على تلك المستعمرة، وللخروج من هذا المأزق اتبعنا هذه الطريقة لتكون كوسيلة للاحتفاظ بالمستعمرة، وفي الوقت نفسه تأجيل الحلول العلمية للمشكلة للمستقبل البعيد)). وبذلك اعترف الوزير بأن حكم الشركة التي لها حقوق رسمية لا يمكن تحسينه مادياً لأن المعونة التي تدفعها الحكومة الإيطالية للشركة أقل من أن تغطي نفقات الحكومة المحلية وعلى الرغم من ذلك فقد صممت الحكومة على مواصلة هذه الطريقة لأنها أنجع الوسائل الممكنة في تقليل النفقات.

دخل من تجارة الرقيق

وقد أشار تيتوني إلى مسألة الرقيق فقد أظهر أن إدارة المستعمرة كانت تدعمها جزئياً عن طريق فرض الضريبة على تجارة الرقيق وقد أحدث هذا دوياً في داخل إيطاليا وخارجها، ويقول الوزير تيتوني: (( أن قنصلنا العام في زنجبار ذهب غلى بنادر وأقام في مقدشوه وقد أخذ على عاتقه مكافحة مسألة الرقيق، تلك المسألة التي تهدد المستعمرة نفسها)). (لقد أثارت هذه المسألة شعور البرلمان ، وعليه قدم القنصل العام والحكمدار ديمونيل استفساراً طرح أمام البرلمان). ((وبعد هذا الاستفسار استدعى حاكم المستعمرة، ومن نافلة القول أن نذكر أن الاستفسار كشف عن حقيقة أخرى تتسم بالفضيحة، ذلك أن بيع العبيد في السوق دون علم الشركة تحصل عليه ضريبة أميرية)). ونتيجة لذلك قرر تيتوني أن الشركة دفعت أرباحاً لحاملي الأسهم إيثاراً لإيجاد حكومة محبوبة وهذا شر أكبر من أن يحتمل. فقد تحمل الحاكم خطايا غيره، وكان كبش الفداء للمساوئ التي نتجت. واستمرت تيتوني قائلاً ((لقد تكلم سيناتور أود سكالتش عن العساكر الموجودين في بنادر وهو محق في قوله أنهم يتقاضون رواتباً ضئيلة وأنهم مجهزون بأسلحة رديئة. لقد دعوت الشركة في شدة وصرامة إلى أن تفي بالتزاماتها في هذه المنطقة وقد أرسلت أسلحة وذخيرة وملابس لهؤلاء الرجال. والشركة مضطرة بحكم التعاقد أن تعول ستمائة عسكري وفي الحقيقة هى تعول ألفاً، ولكن هذا أقل بكثير مما تفي به الحاجة. أنهم يأتون من الساحل العربي، وتدفع لهم مرتبات تافهة، ويجب أن يزودوا بوسائل المعيشة بأن يعملوا في تجارة ما ولذلك فهم غير نظاميين وغير اكفاء على الإطلاق)). وصرح تيتوني بأنه من الضروري الاستمرار في جلب العساكر من بلاد العرب ولكن يجب أن ينتقوا بعناية أكثر وينظموا بكفاءة أكثر وأضاف قائلاً(( إذا فشلت الشركة في اداء واجبها ولم تف بالالتزامات التي ينص عليها ميثاق 25 مايو 1898 فان الحكومة لا تتردد في أن تعلن نقض الصك، ومن الخير أن يكون ذلك معروفاً فإذا كان أي إنسان، يعتقد أن الشركة تظن أنه لا غنى عنها فربما تعمل كما يتراءى لها، وأن الحكومة سوف تتردد في مطالبتها بالوفاء بالتزامتها فإن مثل هذا الإنسان يكون مخطئاً للغاية، لأننا إذا اضطررنا إلى التساهل في عدم الوفاء بالصك فسرعان ما نواجه العقبات المالية التي تستلزمها الإدارة المنباشرة للمستعمرة)). (( لقد استطردت كثيراً ولكي يكون كلامي واضحاً للجميع أقول أنه إذا نفذت الشركة التزاماتها وأنني واثق أنها ستفعل ذلك، فمن المرغوب فيه ومن الفائدة لنا أن تظل باقية وأن الصط يستمر نافذ المفعول )). ولقد كان من الواضح أن حكم الشركة المرخص لها به سيئ للغاية، وأنه كذلك منذ ست سنوات منذ وجد هذا الصك، وقد قرر تيتوني نفسه قبل الآن أن الإعانة المالية التي تدفع للشركة أقل من أن تضمن قيام حكومة حسنة، وكانت احتجاجاته احتجاجات وزير ضعيف لححكومة مهملة غير راغبة في تحمل تكاليف الإصلاح، وتسعى في أن تضع اللوم على عاتق الآخرين. وفي 14 مارس سنة 1904 كان تحدي سيناتور سانيتي لتيتوني بشأن فوضى الشركة المرخص لها ولتعاملها في تجارة العبيد وبعض المساوي الأخرى وقد دعاه ذلك أن يقول تيتوني  : ((أنني لم أحضر هنا للدفاع عن الشركة المرخص لها، ولا لكي أبرر بأي وسيلة الغلطات التي وقعت فيها والتي سأبينها بنفسي)). (( أما عن المسألة الخطيرة الخاصة بتجارة العبيد فإنها قد نوقشت بإسهاب في المجلس، وعلى ذلك فمن غير المفيد أن أعود إلى الموضوع الآن لأن كل الأعضاء المحترمين على علم بتقارير القنصل بستالوتزا والحكمدار ديمونيل الذي نشر في الكتاب الأخضر)). (( ولاداعي لأن نصر على مسئولية الشركة المرخص لها ومسئولية دوليو الحاكم في كل ما حدث في الماضي ومن المهم أن أتكلم عن الشئون العملية للدولة)). (( أول إجراء يفرض نفسه هو إعادة تنظيم الكتيبة العسكرية، وبهذه المناسبة يجب أن أقول كلمة قاسية من الاتهام، أن تنظيم هذه الكتيبة أمر يرثى له من كل الوجوه فهؤلاء العساكر رجال بؤساء ينقصهم الغذاء والكساء والأجر الحسن. أنهم يقوموا بكل أنواع التجارة، ويستدعون بين وقت وآخر من أجل الخدمة العسكرية، وحينما يكلفون بحراسة قافلة إلى الأراضي الداخلية لا ترجى فائدة منهم لأنهم لم يتعودوا حمل البنادق لذلك يطلقون البنادق بتهور وطيش واندفاع ولا مبالاة فتضيع الذخيرة بلا جدوى)). (( ولقد أعدت الحكومة المحلية والقنصل العام مركاتيللي مشروعاً متقناً إعادة تنظيم العساكر وسيتطلب ذلك نفقات سنوية تبلغ قيمتها 230ألف ليرة، وسأرسل هذا المشروع إلى الشركة، وأطالبها بالعمل وفقاً له في الحال، لأن هذا جزء من الالتزامات المتاعقد عليها في الصك)). (( ومن الضروري أن الشركة ستجد ما ينقص المستعمرة لا في الوقت الحاضر فحسب ولكن ستعوض ما كانت تحتاج إليه في الماضي لا بسبب خطأ الشركة وحدها وإنما بسبب خطأ كل واحد بما في ذلك الموظفون الذين أرسلوا إلى هناك والذين برهنوا في حالات على أنهم ليسوا أكفاء على الإطلاق للعمل الذي عهد إليهم)). (( ان الأمر يحتاج إلى إصلاح عاجل، ونبدأ أولاً بضرورة الشروع في تعيين الحاكم، وأن نباشر اختياره بكل دقة وحرص)). (( وبعد أن وافقت الشركة بالاتفاق مع الحكومة على اسم الهيئة التنفيذية الرئيسية للمستعمرة فإن عليها بعد ذلك أن تفي بكل الشروط التي جاءت في الصك . وبهذه المناسبة أود أن أجيب عن السؤال الذي سأله المحترم دي أندريس. ماذا سنفعل إذا لم تف الشركة بالتزاماتها ؟ )). ومن الواضح الجلي بعد المجادلات البرلمانية مدة ست سنوات أن هذه الشركة لم تستطيع أن تباشر سلطتها كاملة، وإذا ما زادت حركة المعارضة فإن الشركة ستلغي الصك وتلغي مسوليتها تجاه المستعمرة على كاهل الحكومة. وقد أدرك تيتوني كل هذا فرد على دي أندريس بكلمات تتسم بالحذر والحيطة اذ قال (( ينتخذ كل الوسائل التي يخولها لنا القانون، ولكن يجب أيضاً أن نبحث مسألة إمكان تفضيل الشركة لعدم مزاولتها الأعمال المنوطة بها. وفي هذه الحالة لا نستطيع حتى ولا بالقانون أن نجد الوسائل الكافية لالزمها بالستمرار في مزاولة أعمالها)). (( الحل الوحيد الذي نستطيع ممارسته هو أن نقوم بإنذارها للأضرار التي نجمت عن عدم وفائها بالالتزمات التي عليها، وأن نحاول تأكيد وتثبيت المسئولية، ولذلك يجب علينا أن نعد أنفسنا أيضاً للقيام بالساطة المباشرة للمستعمرة)).

انسحاب الشركة

كانت الحكومة الإيطالية أثناء ضغطها المستمر حول توسيع مستعمرة صوماليا غير راغبة في مد الإدارة بالإيراد الكافي لإدارتها بنجاح وتوفيق، فلم تمهد الطرق ولم تعمم الري من الأنهار أو تفعل أي نوع من الإصلاحات العديدة اللازمة لزيادة الرخاء لهذه المنطقة الوسعة التي في حوزتها. وكانت أسهل الطرق للحكومة لكي تتجنب مشكلة الإدارة، وفي الوقت نفسه لكي تشبع المصالح الجشعة الخاصة ببعضهم أنها قامت بتسليم المستعمرة لشركة مرخص لها، ومنحتها اعانة مالية غير كافية لإدارتها بالإضافة إلى منحها كل سلطات الحكومة. وقد استمرت تيتوني في تعداد أخطاء شركة بنادر وقال أنها إذا لم تقم بتحسين الإدارة فإن الحكومة ستضطر إلى الاستيلاء على إدارة المستعمرة، ولكنه في الوقت نفسه يأمل أن الحكومة سوف لا تنظر إلى مثل ذلك. ((ومن المؤكد أن هذا ليس هو الحل الذي أفضله، أنني أفضل دائماً استمرار إدارة الشركة، وسأفعل ما في وسعي للإبقاء عليها، ولكن يجب أن أعلن أنه إذا ما توقفت الشركة عن العمل فلا ننزعج كثيراً فإن الأمر لا يكلفنا إلا حملة نقوم بها أو حرياً أو فتوحات ولكن لمجرد القيام بحكم بنادر حكماً فيه كفاءة وسداد)). (( وأكرر الآن أني سأطلب من الشركة الوفاء بالتزاماتها حتى أستفيد من كل الوسائل التي وضعها القانون تحت تصرفي لأجعلها تقوم بعمل مرض، وأني آمل بإخلاص أن الشركة ستنفذ البرنامج الخطير، وأني لمستعد أيضاً أن أنكر برصانة واتزان في إمكان قيام الحكومة بالسلطة المباشرة للمستعمرة)). وفي 14 مايو1904 صرح تيتوني أن الشركة سوف لا تستمر في إدارة المستعمرة دون معونة مالية أكبر مما يقدم لها فعلاً، وقد رفضت الحكومة ان تدفع شيئاً زيادة عن المعونة المقدرة آنفاً ومن ثم اضطرت الحكومة أن تأخذ المسئولية المباشرة للمستعمرة. ولكي يقوم تيتوني بتمويه الحقائق واخفائها عن عيون النقاد للمركز الشائن للحكومة استهل هذا التصريح بتوجيه الأنظار لحكم الشركة التي يتوق لصيانتها، فقال: ((كان بودي أن أقوم بكل شيء ممكن لكي أبقي على الشركة كما هى، ولكن ظهر لي بعد آخر التقارير التي بعثها قنصلنا مركاتيللي بعد إعلان النتائج لتقرير شيزي وترافيللي أنه إذا كانت الشركة ستقوم بخدمتها بأن تغير من اختصاصها إلى أغراض تجارية فيجب أن تنبذ وأن تقلع عن ممارسة أمور الدولة التي أظهرت التجارب على أنها غير جديرة بها على الإطلاق)). (( إن الذين تحدثوا واشتركوا في هذه المناقشة لاحظوا من قبل عندما عهدنا بأمور بنادر إلى شركة خاصة أن حكومة هذا الوقت كان لها هدف واحد هو أن تخلي الأمر من يدها بأي ثمن، أنها تسلم بأخس فكرة وأخدعها حين تظن أن إدارة بنادر تقوم بها شركة خاصة ستخليها من كل مسئولية وفي اعتقادي أن المحترم سكاليني قد أشار إلى أن الاتفاق الذي أبرمناه مع شركة بنادر كان يحتوي على جراثيم كل المساوئ والشرور منذ البداية المحزنة)). (( لقد طلبت الدولة باستخفاف من الشركة أن تأخذ على نفسها تعهدات خطيرة دون أن تتأكد أن للشركة الوسائل والمقدرة والامكانيات للوفاء بها وقد أخذت الشركة على نفسها هذه التعهدات بنفس الاستخفاف)). (( والنتائج معروفة للجميع، وأنها لاتتطلب احتياطات خطيرة وليست مجرد ذرائع وحيل تجنب الحكومة من المتاعب. وفي تركنا للشركة لكي تمارس أمور الدولة وهي ليس لديها أهلية أو استعداد وقدرة للقيام بالتزاماتها فإننا بذلك نرتكب خطأ خطيراً للغاية)).

جشع الشركة الإيطالية

قال الوزير تيتوني (( يجب أن تربح إيطاليا لا بقيامها بالأعمال فقط ولكن بعمل الدول الأخرى)) وقال (( يمكننا أن نتعلم كثيراً من المثل الذي ضربته لنا شركة أفريقيا البريطانية الاستعمارية والتي كان يترأسها طبقة لامعة من أسماء وأعيان وأشراف بريطانيا)). (( خلافاً للطريقة التي تبعتها شركة بنادر والتي أهملت امور الدولة التي عهد بها إليها فإن الشركة البريطانية التي حصلت على إدارة ممتلكات واسعة متاخمة لبنادر قد كرست نفسها لعمل سياسي، وضمنت لبريطانيا أراضي واسعة، غير أن عملها التجاري كان ناقصاً جداً)). وبعبارة أخرى أظهرت الشركة البريطانية بعض الوطنية والروح الشعبية على حين شركة بنادر قد أعانت على الفساد والجشع والنهب والرغبة في الربح الصافي. وأنه من الواضح الجلي أن شكاوى العامة عن الأحوال السيئة في المستعمرة قد أزعجت الحكومة حتى طلبت رسمياً من شركة بنادر تكوين إدارة أفضل، ومن خطابات تيتوني تظهر رغبته في أن تبقى الشركة وإذا أرادت الشركة أن تستمر بالشروط السابقة فإن مجرد وعد منها بالإصلاح ستقبله الحكومة بكل بشر وترحاب، أما إذا رفعت الثمن فعليها أن ترحل. وقال الوزير تيتوني: ( ومن أجل الاستمرار في ممارسة وظائف الدولة فإن شركة بنادر من الضروري أن تسال في الوقت الحاضر عن مزيد من حجم المساهمة التي تقدمها الحكومة. والأن لا أعتقد أن أحداً، بعد الذي حدث يحلم بأن يقترح بأن يمنح مساهمة أكثر ولا أعتقد أن للبرلمان رغبة في ذلك). ونتيجة لهذا فإن الحكومة ستتعهد بالأمور التي كانت تمارسها الشركة، وكان تيتوني حذراً حينما أضاف بأن (( هذا سوف لا يزيد من أعباء الدولة المالية، مع إدراكنا أنه من الضروري أن ننفق شيئاً على بنادر أكثر مما كانت تنفقه الشركة سابقاً، وهذا المبلغ الزائد الذي نحتاج إليه فإننا سنتحصل عليه من فائض ميزانية أرتريا)). والمدفوعات السنوية قدرها ستمائة ألف ليرة للخزينة الإيطالية من مبلغ سابق حينما ثبيي الحدود بين أرتريا وأثيوبيا، وهذا المبلغ يحول الآن لصالح ميزانية صوماليا بالإضافة إلى 150 ليرة كانت تدفع سنوياً لشركة بيريللي لإقامة طريق بحري من عصب إلى مصوع، وهذان القسطان السنويان البالغ مجموعهما 750 ألف ليرة سيضافان الآن إلى المبلغ الذي يدفع إلى شركة بنادر من اجل زيادة ميزانية مستعمرة صوماليا وقد يكون الحل تافهاً للغاية كمثل الكلب الذي يأكل ذيله. وقد أوجز تيتوني حكم الشركة المرخص لها في 14 مارس 1904 قائلاً : (( أن العدالة لم تنتظم بعد. وليس من المعروف تحت أي شريعة وضع البيض في المستعمرة، فهذه الامتيازات سارية المفعول في تلك المراكز منذ أن كانت تابعة لسلطان زنجبار ولا يمكن أن ترفع الآن بمعرفتنا في ظل إدارتنا)). (( وممثلنا السياسي ليس في مقدوره أن يكبح تعاظم وكبرياء القضاة، ونظراً لجهلهم باللغات المحلية فإنهم كانوا مضطرين غلى اللجوء إلى المترجمين والمتقاضون الذين يقدمون رشوة للقضاة صار الأحرى بهم أن يقدموا الرشوة للمترجمين أيضاً)). (( ونفس الشئ يقال عن كافة الأجهزة الإدارية والمالية التي سيعاد تنظيم كل شيء فيها )). (( ولكن بالإضافة إلى عدم النظام الإداري فإن هناك عدم كفاءة في الاتجاه السياسي الذي كان السبب في النتائج الخطيرة لأنه سوأ مركز ممثلينا، وجعل القبائل المجاورة تعاديه بسبب التصرفات المتعجرة والتعاظم تارة والضعف تارة أخرى )). (( ومن الحقائق المعروفة في المستعمرة أن القبائل لم تخضع لإعطائها إعانة مالية سنوية فإنه يتودد إليهم بمنحهم جزية سنوية وهذه الإعانات التي قدمت أيضاً في بنادر فإنها كانت بمقدار يدعو إلى السخرية والضحك حتى أنها تضر أكثر من أن تفيد)).

الأحوال الداخلية للمستعمرة

بعد أن كشف تيتوني الوزير المسئول عن إدارة المستعمرة في البرلمان الإيطالي عن سوء حكم شركة بنادر بعثت الحكومة جستافوشيزي والمحامي أيرنستو ترافيللي على نفقة الشركة لكتابة تقرير عن أعمال الشركة الخاصة بالحكومة وقد أعلنا في تقريرهما (( أنه بالرغم من المساوئ المتعددة للشركة فإن الحكومة الإيطالية مدينة ومخطئة)). وقد تضمن تقريرهما الكثير من المستندات والأدلة والحجج التي لا تدحض واللازمة لدراسة الأحوال الداخلية للمستعمرة، إذ أنه في الوقت الذي يجاهد فيه الوزراء المتتابعون في توسيع رقعة المستعمرة في الصومال، كانوا مسرفين في إهمالهم في شئون المستعمرة وسكانها وفي القيام بالالتزامات الخاصة بها. وتشمل هذه الالتزامات على تعهدات بمنع الاسترقاق وتجارة الرقيق وحماية السكان من عقود العمل المجحفة ورعاية المؤسسات الدينية والعلمية والخيرية من غير تمييز بالمذهب أو الوطن. وقد أظهر تقرير شيزي وترافيللي أن معاهدات الالتزامات الخاصة بالاسترقاق قد أهملت في غير حياء. وقبل أن نمضي في النظر إلى التقرير يحسن بنا أن نشرح بإيجاز ما هي تلك الالتزامات وكيف كان التعاقد عليها.

اللائحة العامة لبرلين

وقعت الحكومة الإيطالية على اللائحة العامة لبرلين في 26 فبراير 1885، و على لائحة بروكسيل في 2 يوليو 1890 ، و بمقتضى هذه اللوائح ارتبطت الحكومة الإيطالية بالتزامات بشأن المساعدة في قمع الاسترقاق و تجارة الرقيق0 والعبارات التالية من هذه اللوائح مأخوذة عن ( خريطة أفريقيا بمقتضى المعاهدة ) لسير ادوارد هيرتسلين، و التي نشرت بمعرفة المكتب الدائم لصاحبة الجلالة في عام 1894 0 و بقضي النص التالي من لائحة برلين تعهدت الحكومة بالموافقة على مساعدة حركة قمع الاسترقاق و تجارة الرقيق0 مادة 6 – ( كل الحكومات التي تمارس حقوق السيادة أو النفوذ في الأقاليم المذكورة آنفاً، تأخذ على عاتقها مسألة مراقبة حفظ القبائل الوطنية، و أن تهتم بتحسين أحوالهم المادية و الأدبية، و أن تساعد في الاسترقاق و خصوصاً تجارة الرقيق).

اللائحة العامة لبروكسيل

قدمت اللائحة العامة لمؤتمر بروكسيل في عام 1890 توصيات مفصلة بشأن تصفية الاسترقاق كما فرضت أيضا بعض الالتزامات التي تعهدت الحكومات بالموافقة عليها و الوفاء بها ( بما في ذلك الحكومة الإيطالية ) و بمقتضي المادة الثالثة تعهد الموقعون بأن يأخذوا على عاتقهم مسألة استئصال الاسترقاق، و قد رخص، بناء على اللائحة، بانتداب شركات قانونية للقيام بمسئولية الحكومات على أن تتعهد هذه الحكومات بأن تظل مسئولية مباشرة عن ارتباطها بلائحة بروكسيل، و تعرب عن ضمان تنفيذها و هذه نص المادة التي تضمنت هذه التعهدات: مادة 4 – (تستطيع الحكومات أن تمارس حقوق السيادة أو الحماية في أفريقيا، أيا كان الأمر، بأن تنيب عنها شركات قانونية في كل أو جزء من الالتزامات التي أخذتها على عاتقها بموجب المادة الثالثة و تظل مع ذلك مسئولة مسئولية مباشرة عن الالتزامات التي تعاقدت عليها بمقتضى اللائحة العامة الحالية و تضمن تنفيذها). و بمقتضى المادة الخامسة تتعهد الدول الموقعة بأن تضع القوانين بعاقبة الأشخاص المتلبسين باختطاف و بيع الرقيق، و المنظمين و المحرضين و الحمالين و الناقلين و المتعاملين في هذه التجارة و يجب إيقاف قوافل الرقيق و تحرير العبيد. و نصت المادة السادسة على أن العبد الذي يحرر يجب أن يلجأ إلى مسقط رأسه و إلا فيجب مساعدته للحصول على الوسائل المعيشية، و أن يبقوا في أماكنهم إذا رغبوا في ذلك مع بذل الجهد في مسألة تعليم الأطفال البائسين. و تشير المادة السابعة إلى أن ( أي عبد هارب في القارة يطلب حماية الحكومات الموقعة على هذا العقد فإنه يحصل على هذه الحماية، و يقبل رسمياً في المعسكرات و المراكز التي يقيمونها أو أي مركب أو سفينة حكومية على البحيرات أو الأنهار). و بمقتضي المادة السادسة عشرة تأخذ الحكومات على نفسها مسئولية أقامة مراكز على الساحل و عند نقط التقاطع لطرق القوافل الرئيسية لالتقاط ركب العبيد أثناء مرورهم و تحريرهم. و بمقتضي المادة السابعة عشرة فإنه على الحكومات أن تتعهد بأن تمارس السلطات المحلية المراقبة الشديدة في المواني و في الأراضي المتاخمة للمواني و تمنع صيد الإنسان أو بيعه أو شحنه أو المرور في الأراضي الداخلية و ذلك بتفتيش القوافل المارة من و إلى الداخل. و بمقتضي المادة 36 تتعهد الحكومات الموقعة بإقامة المكاتب و المؤسسات الكافية لتحرير العبيد و حمايتهم. وتشترط المادة 37 على أن هذه المؤسسات أو السلطات القائمة بهذه الخدمة أن ( تستلم طلبات العتق و تحفظها في السجلات ) و عند الإبلاغ عن تجارة الرقيق أو الاعتقال غير الشرعي تجري الإجراءات اللازمة لضمان تحرير الرقيق و معاقبة المذنبين، و تتطلب المادة 38 ل من الحكومات الموقعة أن تشجع على تأسيس و أقامة ملاجئ للنساء و الأطفال المحرومين ونشر التعليم في ممتلكاتها كما تشير المادة 39 ل (أن كل من يتواطأ أو يستعمل القسوة ليحرم عبداً من حق العتق من العبودية أو يمنع طلبات العتق سيعتبر كبائع الرقيق).

تعهدات الحكومة الإيطالية بقمع تجارة الرقيق في بنادر

سبق أن عرفنا أن الحكومة الإيطالية حصلت على مواني بنادر بمساعدة الحكومة البريطانية، و أنها وافقت على تنفيذ الالتزامات المدرجة في المعاهدة الخاصة بالرق و تجارة الرقيق التي كانت بريطانيا قد حصلت على موافقة سلطان زنجبار عليها، و بالإضافة إلى ذلك فقد أخذ تعهد رسمي على الإيطاليين بالوفاء بالتزام لوائح برلين و بروكسيل التي سبق أن وقعت عليها الحكومة الإيطالية. وقد نصت المادة الرابعة من اتفاقية مواني بنادر بين سلطان زنجبار و ملك إيطاليا في 12 أغسطس 1892 و التي لم يوقع عليها ممثلو الحكومات البريطانية و الإيطالية (ج . هـ برنال و. ب. كوتوني) بشرط أن يجيز تصديق الحكومة الإيطالية على الاتفاق و تقول المادة الرابعة بعد أن وضعت قوات الحكومة الإيطالية في المواني. ( و ليكن مفهوماً تماماً أن ممارسة هذه الحقوق و الامتيازات سيكون وفقاً للمعاهدات القائمة بين القوات الأجنبية و قوات سلطنة زنجبار و بالالتزامات التي يفرض أو يمكن أن بالاستمساك بلائحة برلين العامة 1885 واللائحة العامة لمؤتمر بروكسيل 1890). وفي المادة الثالثة من الاتفاق تخول الحكومة الإيطالية بأن تمنح لشركة إيطالية بإدارة المدن والمواني التي يضمنها الاتفاق ( ولكن تكون دائماً تحت مسئولية حكومة جلالة ملك إيطاليا). هذه التعهدات كثيراً ما اعتمدتها الحكومة الإيطالية كالعبارات التي استعملت بين شركة شرق إفريقيا البريطانية والحكومة الإيطالية في 3 أغسطس 1889 والتي تؤيد على وجه الدقة العبارة التالية ( تستقبل الشركة الإيطالية كل الالتزامات تعهدت بها هنا الحكومة الإيطالية والتي ستظل مسئولة عن العمل بالالتزامات التي تحوي في هذا الاتفاق والذي سيفسر وفقاً للقانون البريطاني).

التزامات إيطاليا بمقتضى الاتفاقيات مع بريطانية وزنجبار:

تعهدت الحكومة الإيطالية بتنفيذ الالتزامات التي تعهد بها سلطان زنجبار في المعاهدات التي عقدها مع بريطانية بشأن إلغاء الرقيق وتجارة العبيد. وقد صدر ما لا يقل عن خمسة عشر مرسوماً ومعاهدة بين بريطانيا والسلاطين المتعاقدين في زنجبار في الفترة ما بين يونيه 1873 إلى 17 أكتوبر 1898 ( نحو خمسة والعشرين عاماً) ومن أهم هذه التعهدات المتعلقة ببنادر. معاهدة خمسة يونيه 1873بين بريطانيا وسلطان زنجبار بشأن إلغاء تجارة الرقيق. مرسوم 15 أبريل 1876 للسلطان بشأن إلغاء قوافل العبيد في الأراضي الداخلية. وفي 8 نوفمبر 1886 وقع السلطان على اللائحة العامة لمؤتمر بروكسيل الخاصة بالرق وتجارته وبذلك أعلن أن تجارة الرقيق تجارة غير مشروعة، وألغيت الحالات الشرعية الثانية للرق في مواني بنادر وكسمايو التي تحولت بعد ذلك إلى إيطاليا. وقد اتخذت سياسة أكثر تقدماً لباقي سلطنة زنجبار بالإجراءات التالية كخطوة أولى بمنع تقدم العبيد في البلاد الواقعة ضمن أملاك زنجبار وتحديد الرق الموجود فعلاً وقد صرح السلطان سيد خليفة بن سعيد للأسطول البحري الإنجليزي والألماني أن يقوم بتفتيش السفن الزنجبارية والعربية، وأعلن السلطان حرية كل العبيد اللذين يدخلون في أملاكهم اعتباراً من أول نوفمبر 1889 أو اللذين يولدون في مستعمراتهم بعد أول يناير 1890 . وفي أول أغسطس 1890 أكد السلطان تنفيذ كل المراسيم السابقة وإجراء تنظيمات لتحسين كل الرق الموجود ومنع كل مبادلة أو بيع أو شراء للعبيد بكل حزم وصرامة، وأصبح كل شخص في حيازته عبد جديد يكون عرضة للعقوبات القاسية، وأن يحرم من كل العبيد ويصبح أطفال السيد المتوفى الذين كانوا عبيداً له قبل وفاته أبناءه شرعيين وفى حالة الحكم غيابيا على مثل هؤلاء الورثة فلابد من تحريرهم. و من حق كل عبد أن يطالب بالحرية في ساحة القضاء و عند ( دفع ثمن معقول و عادل ) ثمن يقيد في نصوص المرسوم، و على كل عبد أن يدفع الثمن لسيده في حضور القاضي الذي يسلم له في الحال شهادة العتق غير أن هذه الطريقة قد ضيقها مرسوم 6 أبريل 1897 إذ أن كافة القضايا التي بين العبيد و ساداتهم يجب أن تنظر أمام محاكم القضاء التي تحول إلي الحاكم المحلي و هذا المرسوم غير ملزم لإيطاليا و إنما ملزم لكل من بريطانيا و سلطنة زنجبار و قد أخذ على الحكومة الإيطالية معاهدة بالتزام قاطع لتفي بكل المراسيم السابقة التي تنطبق على مواني بنادر. و من الواضح أن الحكومة الإيطالية مرتبطة بصفة خاصة بمرسوم 1876 الخاص بإلغاء تجارة الرقيق في مواني بنادر و أن توقف كل حركة نقل أو تسليم للعبيد من و إلي الأراضي الداخلية. و ما ذكرناه سابقاً من لوائح تخص أملاك السلطان و لا تخص بنادر و أن اللوائح التي هي أكثر اعتدالاً و لطفاً هي لوائح برلين و بروكسيل التي فشلت السلطات الإيطالية فشلاً كلياً في تنفيذها. و كانت الالتزامات التي على كاهل الحكومة الإيطالية نحو هذه الاتفاقيات واضحة وصارمة و بينما كان الرق و التهريب المسلح و المشروبات الروحية موضوع جدال دولي فإن مظاهر أخري للسلطة قد اعتبرتها الحكومة الإيطالية مسئولة عنها و لم تكن بأقل أهمية إذ كان من الضروري بصفة رئيسية التوفيق الإداري ( الإدارة و الحكومة ). و أمام كل هذه الالتزامات و كي لا يقال شيء عما يسمي بعثة التمدين الإيطالي فقد عهدت الحكومة الإيطالية إلي شركة إيطالية بإدارة المستعمرة وكان فيلو ناردى مؤسس الشركة مديراً عليها في عام 1893 وقد مهد فيلو ناردى للطموح الاستعماري للحكومة الإيطالية.

شركة فيلو ناردى القصيرة الأجل

كان نشاط فيلو ناردى الذي منح إيطاليا حق الحماية على ممتلكات سلطان هوبيا و علولة و المجرتين مما جعله يطلب من الحكومة الإيطالية أن تعترف بفضله لأنه لم يكلف خزانة الحكومة الإيطالية إلا اليسير للغاية في عمل اللازم نحو تمكين الحكومة من إعلان الحماية على هذه الممتلكات الشاسعة على الساحل الشمالي للصومال و حينما أضيفت مواني بنادر في الجنوب منها خول إليه امتياز و مسئولية كل هذا النطاق الكبير من أرض الصومال من سلطات و حكومة سعياً إلي تثبيت عظمة الإمبراطور دون أن تتكلف نفقات حفظها وإعانتها. و لم يكن فيلو ناردى طائشاً ومتهوراً لما قبل اتفاقا سخيفاً واهياً مثل هذا، و هو ممارسة الشركة لنشاطها مدة ثلاثة أعوام فقط. فمن الواضح أنه لم يكن يأمل في إغراء الممولين الإيطاليين أن يخاطروا برؤوس ضماناً لمثل هذا العقد البسيط حتى و لو لم تكن الأراضي نائية و لم يكتشف إلا القليل منها، و حتى إذا لم يكن هناك إحجام قوى، وكره شديد عند الإيطاليين للمخاطرة في الاستغلال الاستعماري في أفريقيا، لأن الحكومة قد تبينت هذا حينما أرادت أن تشرع في طرح قرض لإرتريا فمع إنه كان بضمان الحكومة لم يقبل عليه الراغبون في إدخال رأس المال إلي المستعمرة الحديثة إلا بقدر ضئيل بعد أن بذل فيلو ناردى جهداً كبيراً، كما أن نصيب الحكومة تجاه المسئولية الواسعة في المستعمرة كان طفيفاً للغاية فأعانتها بثلاثمائة ألف ليرة إيطالية في العام تدفع على أربعة أقساط شيء يسير، فقد كانت الشركة تدفع لسلطان زنجبار 160 ألف روبية في العام أي ما يوازي 220 ألف ليرة و يكون الباقي 80 ألف ليرة تدفعها الشركة فتغطي نفقات كل الإدارة، وكان عليها أيضا أن تدفع منها 310 دولار لسلطان هوبيا بجانب الرواتب التي تدفع للرؤساء الصغار و الشيوخ. وكان المفروض أن تقوم شركة فيلو ناردى بالإدارة الكاملة للمستعمرة فيما يتعلق بشأن البوليس و الجنود و السلطات في المواني، و الضباط و الموظفين من كافة الرواتب، و القضاة الذين يقيمون العدل وفق قوانين زنجبار في المحاكم الوطنية، و الإيطاليين الذين يحكمون وفق القانون الإيطالي للأقلية الأوروبية، و كان على الشركة أيضا تحمل المسئولية الكاملة لكافة الالتزامات الثقيلة الباهظة وفق المعاهدة الإيطالية. وفي خطاب بعثت بة الحكومة الإيطالية ( ورد في تقرير شيزي و ترافيللي ) إلي فيلو ناردى الذي وضع شروط عقد الحكومة مع شركاته التي تدعي. ف. فيلو ناردى و شركاه. وعدت الحكومة أن تسمح للشركة لشراء الأسلحة و الذخائر بالثمن الأصلي من مخازن الحكومة ( وفي الإمكان الحصول عليها من مصوع).و من المفهوم أيضا أن سفينة حربية إيطالية ستقيم بالقرب من ساحل بنادر لتقديم المساعدة عند الحاجة إليها ولكن لم يتحقق الوعد الخاص بالأسلحة و الذخيرة كما أن مساعدة السفينة ستا فينا كانت مضمونة فيما بين سبتمبر 1903 إلي يناير 1904 فقط ثم رحلت.

و قد قام فيلو ناردى بمهمته خلال جو عاصف سائر، ولم يكن أحد يعرف الحقيقة أكثر منه و هي أنه رغم إمضاء سلاطين هوبيا والمأجرتين لبعض المستندات الخاصة بالحماية الإيطالية، فإنهم لا يقصدون منها قبول الحكومة الإيطالية لأن شعب الصومال يكره ويعارض كل تدخل أجنبي.

و في سبتمبر 1893 وصل فيلو ناردى على ظهر السفينة ستا فيتا لأن عقده قد بدأ في 16 يوليو من نفس العام، و أعلن أن المحمية الإيطالية ستديرها شركته، وستقوم بإذاعة اللوائح و التنظيمات وممارسة السلطة في المواني، و قد قوبل النبأ باستياء و غيظ مكتوم من جانب الحكام الوطنيين و الشعب، فعند الاحتفال الرسمي للإدارة بمركة في شهر أكتوبر قتل ضباط بحري بينما كان ينزل من السفينة، و قد قتله صومالي كان قد اختلط مع البحارة و الحمالين و لكن سرعان ما ذبح القاتل بمعرفة عساكر فيلو ناردى الذين لم يكتفوا بهذا الانتقام و إنما اندفعوا في طيش بضرب المدينة بالقنابل. لقد كانت سياسة رياء و نفاق في بداية الأمر وأصبحت الآن سياسة غدر و اعتداء مما زاد من العقبات التي ستعرض مشروعاً كبيراً زود بشيء تافه مخجل. و يمكننا أن نتعرف على بعض الحقائق من مراسلات فيلو ناردى التي نشرت في تقرير شيزي و ترافيللي التي تبين أنه في أبريل 1894 بعد و صوله بنحو 6 شهور تقريباً كان يشكو في بؤس عميق لأنطونيو تشيكي الذي حل محله كقنصل عام لإيطاليا في زنجبار. و كانت شكواه من رفض الحكومة الإيطالية لإمداده حتى ببعض مئات البنادق، و انسحاب البارحة الحربية التي كان ينبغي أن تظل بعيداً عن الساحل لحين الحاجة إليها، ورفض التماس شركته طلب بشأن نصف المعونة لكي تواجه نفقات الصراع الدموي الذي جعل شركته تبني حائطاً حول مدينة مقدشوه لتحصين المدينة و حمايتها. و لهذه المطالب المرفوضة آثار سيئة إذ وضعت شركته تحت سلطة الصوماليين الذين كانوا قد عاقبوهم بقسوة باسم الحكومة الإيطالية في أكتوبر الماضي. و استمر في سرد شكواه قائلاً ( كان هناك وعود بمد عساكر الشركة ببنادق إيطالية قبل غلق الميناء خلال فترة الرياح الموسمية من مايو إلي أكتوبر، و في عدم الوفاء بهذه الوعود و عدم إمداد الجنود بالأسلحة فيه أضعاف الهيبة للإيطاليين، و ربما تتسبب في قيام الثورة). و أنه لم يكن يفكر إطلاقاً أن الحكومة ستتركه بدون أسلحة حتى للدفاع، فإيطاليا لا تجهل الموارد المالية المحدودة للشركة، و أنه من المستحيل عليها الحصول على المبالغ الضرورية لبلاد واسعة لعقد مدته ثلاث سنوات فقط و قد قبلت الشركة تحمل المسئولية، وهي معتقدة أن الحكومة سوف تبر بوعدها فكان الرفض لمجرد التقدم ملزماً للشركة أن تعمل على تدبير 150ألف ليرة في ظرف بضعة أيام، و هي عملية سببت تضحية كبيرة و خسارة جسيمة لسطوة الشركة و مكانتها. و قال فيلو ناردى مستطرداً( أن الشركة التي كان عليها أن تحكم أرضاً واسعة لمصلحة الوطن لا تستطيع أن تعيش من غير تعضيد الحكومة. أن بساطة العقد و مجاله الواسع المعقد يبرهن بوضوح تام أن الشركة قد أخذت على عاتقها التزام التعاون مع الحكومة و لا شيء غير ذلك. فإذا كان العقد بين الحكومة و الشركة لم يفهم على هذا الضوء فإننا لابد أن ندرك في النهاية أن السلطات قد استغلت رجلاً مسكيناً ضعيف العقل، و هذه الشركة التي شرفتها الحكومة بهذه الثقة الواسعة و تركت للقائمين عليها اختصاصات وافرة من الإدارة و الحكم لهذه الأراضي الواسعة فإنها قد قامت بكل تضحية لتحمل هذا العبء ) و أخيراً أشار فيلو ناردى بأنه من الواجب إعلان أسفه إلي الحكومة التي تقع عليها مسئولية خسائر الشركة. أن الحكومة الإيطالية ليس لديها أي نية لقبول تلك المسئولية، فقد عهدوا بإدارة المستعمرة لفيلو ناردى لمجرد أن تتجنب الحكومة مسألة الاتفاق عليها. و في رأي الحكومة أن عدم قدرة الشركة على الحصول على الوسائل الكافية لتمويل إرادتها لا يدعو لمساعدة الحكومة للشركة، و كانت الحكومة في نفس الوقت تجري مفاوضات بشأن تكوين شركة جديدة يمكنها أن تتحمل الأعباء المالية بدرجة شركة فيلو ناردى من الطريق، و كان على تشيكي الذي عين للقيام بالمهمة الجديدة أن يحمل تعليماته الجديدة ليبلغها بدوره إلي فيلو ناردى بأن الحكومة ترغب في إنهاء عقدها مع الشركة إنهاء ودياً، ذلك العقد الذي بقي ساري المفعول نحو سنتين من السنوات الثلاث المتفق عليها. و إذا ما وافق على أن يترك المساهمين في شركته بهذه الوسيلة فإن الحكومة مستعدة لأن تسند إليه منصب مدير الشركة الجديدة بمرتب قدره 30 ألف ليرة سنوياً، و لكن يبدو أنه لا ضمانة لهذا التعهد لأن تشيكي ( القنصل العام ) أوضح مغتبطاً ( أن استمرار أعمالك الجديدة يعتمد على الحماس الذي تنفذ به تعليمات الحكومة الملكية، و سيسهل عليك مهمتك الجديدة ما تملكه من خبرة محلية و نفوذ شخصي مع الموظفين العرب و الرؤساء الوطنيين) و أضاف تشيكي بأن المرتب قد قدر اعتماداً على الخدمة السابقة لفيلو ناردى و أنه سيمكنه من الوصول إلي الحل المناسب له لأن الحكومة ليس لها نية في تجديد العقد مع الشركة. و أجاب فيلو ناردى بأنه لا يستطيع أن يقبل مرتبا لنفسه حتى تقرر الحكومة تسديد المبالغ التي أنفقتها شركته على المستعمرة، و أنه رهن اسمه الطيب ثمناً للمدفوعات الزائدة عن إعانة الحكومة و التي تبلغ 300 ألف ليرة و كتب يقول ( من واجبي أن أفكر في تصفية الديون التي تعاقدت عليها أولاً قبل أن أفكر في وضعي الخاص مستقبلاً. أن الحائط و القلاع الأربعة التي تحيط مقدشوة و التي أنشأتها الشركة تفوق قيمتها عند الحكومة عن 300 ألف ليرة التي تدفع للشركة ). و أنه لم يكن يعتقد أن الحكومة ستقوم بإنشاء شركة دون أن تسدد ما انفق على المستعمرة بمعرفة مجموعة مع المواطنين الصالحين، الذين خاطروا برءوس أموالهم لما عندهم من ثقة فيه و في عدل الحكومة و من أجل عظمة إيطاليا و جلالها. و كان للارتباك المالي داخل إيطاليا نفسها بجانب مطامعها الاستعمارية مما جعلها تمهل قليلاً أمر الشركة وانتظرت انتهاء عقدها، و في نفس الوقت كانت تتفاوض مع غيرها لتخلفها في إدارة المستعمرة. الحاكم دوليو في عام 1895 تألفت شركة بنادر التجارية الجديدة بعد أن ضمن لها تشيكي مزاولة نشاطها التجاري في ميلانو، و انتظرت الشركة الجديدة ما سترثه من مخاطرة شركة فيلو ناردى السيئة الحظ و قد رفع عقد الشركة الجديدة مع الحكومة إلي مجلس النواب الإيطالي للموافقة عليه غير أن كوارث الحرب الإيطالية الحبشية حالت دون التصديق عليه. و كان فيلو ناردى في 11 مايو 1896 قد تلقي مذكرة من القنصل العام يخبره فيها أن عقد شركته سينتهي في 15 يوليو و أن مستعمرة الصومال ستدار مباشرة من قبل الحكومة و نظراً لتوقف حركة المواني في هذا الوقت فقد طلب تشيكي من فيلو ناردى باسم إيطاليا أن لا يترك الساحل مع قبول وظيفة مبعوث ملكي من يوليو إلي سبتمبر حتى يصل الحاكم الجديد. و في 15 يوليو تولي دكتور أميليو دوليو إدارة المستعمرة، و عين فيليبو كوبريفاني ضابط جمرك ، و ظل فيلو ناردى في مركز مؤلم للنفس حتى وصلته رسالة من تشيكي في سبتمبر تفيده بأن وصول القنصل العام إلي مقدشوة معناه انتهاء وظيفته كمبعوث ملكي. و بعد وفاة تشيكي القنصل العام أسند فسكونت فينستنا وزير خارجية إيطالية مركز الإدارة إلي سورينتينو قبطان السفينة الحربية ( ألبا ) ليكون مندوباً سامياً ( ملكياً ) و الدكتور دوليو كمندوب سام ( مدني ).

حال الصومال تحت الإدارة الحكومية الإيطالية

جاء في تقرير شيزي وترافيللي [8] أن سجلات الإدارة خلال فترة تولي الحكومة للإدارة المباشرة للصومال كانت ناقصة ولا تفي بالغرض المطلوب، كما أنها مختلفة النظام. و أصبحت مهمة القائد سورينتينو ( اسمية و زخرفيه يوما بعد يوم ) و جاء في التقرير اقتراح للوزارة في ديسمبر 1896 ( بأن أحسن سياسة للمستعمرة هي مسايرة الظروف و السير مع الزمن و أن تنتظر و ترى ). و فوق كل ذلك يجب ألا يتم أي شيء بشأن الإقلال من متحصلات الجمارك، و قد أصبح هذا هو الشيء الرئيسي التي تحرص عليه المستعمرة تحت الإدارة الجديدة المباشرة للدولة. و الصورة الحقيقية للمستعمرة في عهد الحكومة تختلف كثيراً عما كانت عليه في الماضي وقد صرح شيزي و ترافيللي أن الإدارة في عهد الدولة قد أحدثت تدميرات محزنة، و كان في تقريرهما الاتهامات التالية: لم تجر أي تحسينات في المواني، ولم يجر أنشاء أي طرق داخلية في البلاد أو حتى إزالة الغابات والأحراش التي تعوق طرق القوافل إلي الساحل، تلك القوافل التي تجلب منتجات الدخيل القاري بمحاصيله الزراعية على ضفاف الأنهار، و لم تجر أي تحسينات في هيئة العساكر المحاربين أو تنظيمات جديدة عما كانت عليه في عهد شركة فيلو ناردى.إنما كان الإهمال وعدم مراعاة الالتزامات الحكومية وفقاً للوائح برلين و بروكسيل و المعاهدات التي أبرمت مع سلطان زنجبار و بريطانيا و قد صارت الحياة العملية في الصومال إلي أسوء ما كانت عليه في عهد إدارة شركة فيلو ناردى. و كان فيلو ناردى قبل أن يكون حاكماً قد وعد ألا يتدخل في ملكية العبيد في داخل المستعمرة و هذا الوعد يتناقض مع المعاهدات السابقة، و بعد أن تولي فيلو ناردى الحكم أصدر تعليمات بأن تجارة الرقيق ممنوعة، و انه بسبيل إصدار تعليمات وتنظيمات منع تجارة الرقيق بصفة تدرجية،و لكنه من الناحية العملية لا يتدخل في شأن الرقيق في داخل المستعمرة حي أنه كان يعيد العبيد الهاربين من ساداتهم.

( لقد كانت الإدارة تحت حكم دوليو سورينتينو بتسليم الرقيق الهاربين من الأراضي الداخلية إلي من يدعي ملكيته، و أحيانا يكون ذلك بالقسوة عليهم و تعذيبهم و سجنهم قبل تسليمهم إلي هؤلاء الذين يحضرون في طلبهم ). و بعد هذا خرقاً صريحاً للاتجاهات الواضحة في لوائح بروكسيل، و كان في تسمية الرقيق بالرقيق المنزلي تسمية موفقة و مريحة. ( كان تسجيل شراء أو بيع العبيد أو توريثهم للملاك الجدد أو تحويلهم أو رهنهم أو إبدالهم كرهان يدون في سجلات محاكم القاضي). (كل هذا دون علم الحكومة في روما و سورينتينو المندوب (المالكي )الذي كان يبحر بين بنادر و زنجبار و دوليو المندوب(المدني) ويبدو أنهما كانا لا يعرفان شيئاً عن الأوامر الرسمية لسلطان زنجبار والتي كانت تجد التطبيق الحازم في زنجبار وبمبا ممبسة). إن الإهمال في الواجبات و المسئوليات التي كانت واضحة تماما لدرجة مؤلمة في عهد إدارة الحكومة للمستعمرة من 20 سبتمبر 1896 إلي 31 ديسمبر1898 قد استمرت على ما هي عليه في عهد المدير الدكتور أميليو دوليو حينما تعاهدت شركة بنادر أن تأخذ على عاتقها مسألة إدارة المستعمرة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شركة بنادر تتولي الإدارة

أخذت شركة بنادر التجارية الإدارية الجديدة على نفسها تحمل إدارة الشركة برأس مال قدره مليون ليرة إيطالية، دفع منها 300 ألف ليرة فكان هذا المبلغ الصغير لا يفي بالمهمة الكبرى، و المسئوليات الجسام التي تعاهدت بتنفيذها. وكان المعونة التي تتلقاها الشركة من الحكومة هي نحو 400 ألف ليرة إيطالية و كان على الشركة أن تدفع منها 120 ألف روبية لسلطان زنجبار (210 ألف ليرة )و ثلاثة ألاف ليرة لسلطان هوبيا و علولة فيكون المبلغ المتبقي للشركة هو ما بين 180 إلي 190 ألف ليرة في العام. و قد إضافة الحكومة إلي عقد الشركة بعض الأمور بأن عهدت إليها بإدارة المدن القرى لبنادر والأراضي التابعة لها، و كان هذا شرطاً يكتنفه الغموض فهل يعني الأراضي المجاورة للساحل أم كل المستعمرة حتى الحدود مع أثيوبيا؟. على أية حال كان على الشركة صيانة الممتلكات الحكومية الإنشائية و غيرها، و عليها أن تحتفظ بقوة عددها 600 جندي لحفظ الأمن و هو عدد غير ملائم بالنسبة لاتساع المستعمرة بالإضافة إلي العمل من أجل تقدم التجارة و رفاهية شعب المستعمرة و ممارسة القضاء. تجارة علانية في الرقيق كان واضحاً تماماً أن الحكومة و شركة بنادر لا ينويان تطبيق المعاهدات الإيطالية الخاصة بالرقيق، رغم مالها من أهمية كبري لأن مسألة الرقيق كانت تستغل في الدعاية لوفاء الديون. و قد ذكر الدكتور دوليو الذي عاد إلي إيطاليا في يوليو 1901 حتي مارس 1902 أن الفترة الأولي لإدارته للشركة في الصومال تعتبر فترة تمهيدية، و قدم لإدارة الشركة في ميلانو و لوزارة الخارجية برنامجاً جديداً للحكومة الجديدة للمشتعمرة، و ذكر في هذا البرنامج ( ليس من الممكن أن نفكر في منع تجارة القيق المنزلي، و في تحرير عشرة آلاف عبد لا يزالون يعيشون في بنادر دون أن نكون قد علمنا المواطنين كيف يستعيضون عن عمل العبيد بعمل الثيران، إن منع الرقيق في الوقت الحاضر ستكون نتيجته ترك الأرض المزروعة تركاً كاملاً، و بدلاً من أن نسير في طريق الأخذ بيد مستعمرتنا إلي طريق التمدن سيقال هذا الإجراء من أعمالنا و سيعيد البلاد إلي حالة بربرية هجمية أسوأ كثيراً من الوقت الحاضر. و نظراً إلي أحوال الزراعة في بنادر فإن منع الرقيق المنزلي سيؤدي إلي ثورة تقوم بها أغلب القبائل القاطنة في مستعمراتنا، و سوف لا يكون هناك أثر لتنظيماتنا إذ لن يكون هناك قبيلة تقبل هذه التنظيمات بدون أن نضطر إلي إخضاعها بالقوة ). و قد قبلت الحكومة الإيطالية و شركة بنادر وجهة نظر الحاكم دوليو التي عرضناها آنفا. و قد ترددت إشاعات مشينة فاضحة عن أحوال مستعمرو صوماليا، و تكرير هذه الإشاعات قد زادها رسوخاً في العقول، فبترو جورجي عن الأحوال الرجعية في المستعمرة و ذكر – و أكد ذلك فيما بعد شيزي و ترافيللي – أن القضاة الذين يحكمون في المحاكم الوطنية مرتباتهم لا تزيد عن خمسة أو سبعة تالير في الشهر و هو أقل مما يتقاضاه الخادم في المنزل مما إضطرهم إلي طلب النقود من الأشخاص الذين يحكمون في قضاياهم، وهو أمر خطير يعرقل نزاهة القضاء، و أن مرتبات العساكر مابين ثلاثة و أربعة تالير في الشهر أي نحو تسع ليرات إيطالية بسعر ذلك الوقت، و لذلك فهم مضطرون إلي الأشتغال بالتجارة و الأعمال الشريرة اللعينة( كالسرقة). و اكتشف جورجي أن تجارة الرقيق تمارس جهاراً، و رأي عدداً من عقود البيع للرقيق فأرسل أحدها إلي الأخصائي الإجتماعي فيليبو توراني الذي أثار المسألة أن تصدر تعليمات للقنصل بستالوتزا و القائد دي مونيل بكتابة تقرير عن إدارة المستعمرة، و كان في تقريرهما ما ألقي الضوء و كشف القناع عن التجارة التي تمارس جهاراً في العبيد داخل المستعمرة و عبر البحار، و يصدق عليها بالختم الرسمي للشركة. و قد صرح القائد دي مونيل أن ( حالة العبيد في بنادر ليست كحالة الخدمة المنزلية، و إنما هي العبودية الحقيقية حتي أنه من العسير التحرر في أكثر الأحوال فالشركة الرسمية بدلاً من أن تعمل على إزالة الرقيق تدرجياً نراها تؤيده و تدعمه و تزيد الأمر حراجا وخطورة ).

موقف شركة بنادر من أشاعات تجارة الرقيق

لتردد الإشاعات حول قيام كبار موظفي الشركة و حكام المواني بالتصديق على بيع الرقيق و أخذ ضرائب عنها، بعث كافالير كارميناني مأمور الشركة و أعضاء المجلس في ميلانو برسالة إلي الحاكم دوليو عما وجه إليه من إتهامات و ما أشيع عن بيع الرقيق في صوماليا و طلبوا منه أن يكتب تفسيرات عن ذلك لتهدئة الرأي العام الساخط على أعمال الشركة. و جاء في الرسالة أن ( الضرورة الملحة التي تدعونا للإجابة على الإتهامات التي حماتها أنت و الشركة، أن هناك أشياء ضدك، وضد إدارة المستعمرة تحتوي على أخطر الإتهامات المدمرة، و خاصة فيما يتعلق بموافقتك على الإسترقاق و ربحك من الضربية عليها). و كان رد الحاكم دوليو على رسالة الإدارة أن قال: ( يكفي أن نقول أن شئون المستعمرة تسير دائما إلي أحسن فأحسن ) و حينما وجد أن مركزه في خطر أضطر أن يعلن لمجلس إدارة الشركة في ميلانو أن الإسترقاق في الأراضي الداخلية و التي لا سلطان ولا سيطرة للشركة عليها، و أنه من الممكن ألغاء الرق المنزلي في المواني العشر التي تحتلها الشركة في بنادر و ذلك بدفع تعويضات لأصحاب العبيد بما يوازي مائة ألف تالير، و تسأل إذا كان المجلس يمكن أن يسمح بإجراء ذلك بدون إستشارة المساهمين في الشركة، و ذكر أيضا أن إدارة المستعمرة يمكن أن تدفع عشرين ألف تالير، و أنه يتبرع بعشرة ألف تالير على أن تقوم الشركة بخصم المبلغ منمرتبه بواقع 2000 تالير في العام. فرد عليه سكرتير المجلس ( أننا لسنا مستعدين بالمرة لإقتراحك، إن هذه هي المرة الأولي التي نلتقي فيها منك مثل هذه التصريحات للعواطف الإنسانية القديمة ). و كان مجلس الشركة يريد أن يرسل الحاكم تقريراً مفصلاً عن إدارة المستعمرة لكي تظهر للجمعية العامة للمساهمين أن الإدارة تسير وفق إتفاقيات برلين وبروكسيل بشأن الإسترقاق. و لكن نتيجة لمراوغة الحاكم دوليو طلب مجلس مستعمرة بنادر من شيزي و ترافيللي كتابة تقرير عن أحوال المستعمرة كما عهد إليهما بحمل رسالة بشأن عزل الحاكم دوليو الذي فشل في إرسال التقرير المطلوب منه و لتبرئة نفسه و تبرئة ذمة الشركة في كل لوم.

الحاكم بادولو

و تضمنت التعليمات الصادرة للمبعوثين مسألة إسناد منصب حاكم المستعمرة للملازم البحري كافالييرا جينو بادولو حاكم مركا في ذلك الوقت ليقوم بعمل وظيفة نائب الحاكم أثناء غياب دوليو، و حينما عرف ميركاتيللي القنصل العام في زنجبار بشخصية الحاكم الجديد إحتج على ذلك قائلاً: ( أن بادولو عاقب الصوماليين دون أي محاكمة بأن ربطهم إلي مدفع و ضربهم خمسين جلدة حتى ماتوا من أثر الضرب، و هذا العقاب الفظيع خلق آثاراً مضادة حتى في المستعمرة البريطانية المجاورة). و يذكر المبعوثان في تقريرهما أنه خلال عمل بادولو كحاكم في مركا كان يبالغ في قسوته على السكان، و أنه أعاد كل العبيد الهاربين لمن يدعون ملكيتهم، و إذا لم يظهر لهم صاحب فإنهم يوضعون في السجن و يتركون هناك حتى وفاتهم. و جاء في تقرير شيزي و ترافيللي في صفحة 159 التصريح التالي ( هذا النظام في القبض على الناس، و تركهم يموتون، أو قتلهم في السجن كما فعل الملازم كافالييرا بادولو حينما كان حاكما لمركا، قد وضع في قلوب الناس فزعاً مروعاً ممزوجاً بالرغبة في الإنتقام، و تسبب في كراهية شديدة لسيادتنا و سيطرتنا، تلك الكراهية التي تحققنا من وجودها حينما كنا في بنادر). و يري شيزي و ترافيللي بعد دراسة ثلاثين حالة للمساجين في عهد بادولو أن القسوة و الحرس و حالة السجون السيئة من الأسباب الرئيسية التي أدت إلي النهاية المحزنة بإنتهاء حياة أسر أشراف مركا و تساءلوا عما تكون عواطف شعب بنادر بالنسبة لإيطاليا و عدالتهاإذا كانت تتسبب في موت الناس في السجون أو بالضرب دون محاكمة أو دفاع أو إنصاف.

الأعمال الخليعة للموظفين الإيطاليين

كان السرور و الإبتهاج من خصائص عهد نائب الحاكم (بادولو) إذ كانت تستورد الخمور و المشروبات الروحية، و تقام الحفلات الماجنة في كل ليلة تقريباً، و يجلب إليها النساء بالقوة. و كان من عادة الحكام الإيطاليين في المواني أن يرسلوا الجنود لجلب النساء من أجل إدخال السرور على الشبان المرءوسين، و يشير تقرير شيزي و ترافيللي إلي ذلك بهذه العبارات: ( و كان هذا كله مما ساهم في إقصاء الشعب عنا، و إزدياد شكوكهم و ريبتهم فينا، و عدم ثقتهم بنا، و في إنحطاط مركزنا، و ضياع مهابتنا في نظرهم ).

سجلات محاكم القضاء تكشف النقاب عن تجارة الرقيق:

أولاً- فيما يلي مقتطفات من سجلات محاكم القضاء متضمنة تسجيل البيع و الثمن و الضريبة الخاصة بالحكومة أو الشركة حسب الحالة. الصومال الإيطالي (رقم 269 ) بسم الله الرحمن الرحيم وبعد الحمد لله: اشتري يس عبد المغير تيم من نور على بن موسى امرآة تدعى أهبوي بمبلغ 80 تالير ماريا تريزا، والبيع و الشراء صحيح بالإتفاق التام بين الطرفين المتعاقدين بالثمن المحدد بينهم. (هنا توقيعات ثلاثة شهود) و دونت بالصيغة القانونية بمعرفة القاضي محيى الدين بن عسبك محرم. 20 أكتوبر 1901 ( دفع تالير واحد ضريبة للحكومة ) إمضاء بادولو (بادولو الموقع على الوثيقة هو الذي رغبت شركة بنادر في تعيينه كحاكم بدلاً من دوليو ) و المسجل رقم 245 يسجل حالات بيع العبيد جلا خديجة و طفلين بمبلغ 200 تالير ماريا تريزا وتم ذلك في بيت مندوب الحكومة (بادولو) مع دفع ضريبة 2 تالير. و في نفس السجل السابق تبين لنا نشرة أخري أنه في سبتمبر 1902 تم بيع السيدتين عائشة و حامولة و رجل يدعي مودي بمبلغ 211 تالير مع دفع 3 تالير و تسجيل البيع لمحاسب المستعمرة سنيور جويدو مازوشيللي. و في 14 أكتوبر 1902 سجل سنيور مازوشيللي عقد بيع عبد يدعي بلال مقابل 90 تالير و دفع تالير واحد كضريبة للتسجيل. و في نفس التاريخ السابق سجل عقد بيع اثنين من دناكل و عائشة بنت دناكل بمبلغ 135 تالير و دفع تاليران تسجيلاً لهذا العقد للمحاسب مازوشيللي. و في دفتر سجل قاضي براوة سجل في 15 أبريل 1895 أن 45 تاليرا دفع كثمن مقدم لبيع عبيد توفي أصحابهم، و قسم المبلغ بين أخواته الثلاثة، و دفع تالير واحد للوكيل السياسي الإيطالي. ثانياً – كشفت الوثائق عن احتواء عبيد أشخاص المتوفيين في قوائم جرد ممتلكاتهم و قد بيعوا لمصلحة ورثتهم و من أمثلة ذلك. في 21 مارس جاء في دفتر قاض براوة أن 190 تالير مقدم ثمن بيع عبيد كانت تمتلكهم أمرأة توفيت و قسم المبلغ حسب الآتي 2 تالير للحاكم 5 تالير للجنازة 1 تالير للمنادي في المدينة و الباقي بين الورثة. و في 24 يناير 1898 بيع في عبيد و مخلفات كثيرة كانت لإمرأة متوفاة بمبلغ 130 تالير دفع منها 2 تالير للحاكم، 44 و 121 تالير لمختلف الدائنين، أما المبلغ المتبقي فقد وزع على الورثة و هم أربع نساء وسبعة أولاد. ثالثاً – أشار تقرير شيزي و ترافيللي أن هناك حالات رهن للعبيد ضماناً لديون على سادتهم و من أمثلة ذلك. في 22 مارس 1900 سجل رهن ثلاثة من ( عينات السلع ) العبيد لضمان تسديد 50 تالير من الفضة دفع تالير واحد للمقيم الإيطالي. من الملاحظ أن عبارة عينات سلع تشير إلي العبيد و قد ورد في وثيقة 24 أغسطس 1901 (عينات سلع) في قائمة بضائع تشمل ماشية. و في سجلات القضايا الخاصة بالعبيد و التي حكم فيها أمام محكمة مقدشوة نجد أنها تتضمن الكثير من طلبات التحرر قد قام بها العبيد على حسابهم، و أحياناً عملها آخرون والديه التي كانت تدفع لضمان التحرر على حسابهم أو حساب آخرين و هي نحو 50 دولار و هذا أكثر مما يدفع في العبيد الذين يباعون ضمن سلع سادتهم المتوفين. و في 27 يونية 1903 طالبت عبدة تدعي فيسيل فودا أيدن بحريتها لأنها تزوجت عبداً حراً يدعي هيلولي، و لكن لم تنل حريتها إلا بعد دفع 50 دولاراً رغم أوامر السلطان في زنجبار التي تقول أن زواج العبدة برجل حر في أي جزء تحت حكمه يكون لها حريتها تلقائياً. و في 2 مايو 1903 سجل أن العبدة (الأمة) مريم حامد سجنت ثلاثة أيام لأنها رفضت العمل أثناء عطلة دينية. و بعد أن قام شيزي و ترافيللي باستجواب عدد من السكان الذين يمتلكون العبيد أوجزا لنا رأيهما في تجارة العبيد في المحاورة التالية. ( حينما بدأ أخوانكم – الرجال البيض – يشترون بناتنا، ما كنا نعتقد أننا مخطئون حين نشتري أو نبادل العبيد حيث لا يوجد إعلان لمنع ذلك). فأجبنا ( و لكن الرجال البيض يشترون النساء لتحريرهن). ( لا ! إنهم يشترونهن لمسراتهم، و ليجعلوا منهن محظيات لا ليحرروهن). و قد أوجز المبعوثان شيزي و ترافيللي مسئولية حكومة إيطاليا في التصريح التالي. ( مسئولية الحكومة الإيطالية في مسألة بنادر و جنوب صومالي لند مسائلة ذات طابع سياسي و طابع خلقي لقد أعلنت الحكومة الإيطالية حمايتها على رأس غردفوي إلي جوبا و أبلغت العالم عن رسالتها و عملها من أجل التمدين و الحضارة في هذه الأراضي الشاسعة في أفريقيا، غير أن عملها إنتهي بهذا الإعلان و البلاغ). ( إن حالة خزينة إيطاليا لم تسمح برخاء فعلى لسياستها الإستمارية فضلاً على أن ذلك يزيد من اشمئزاز الأمة و يسبب بعض المصائب و النكبات كالتي حدثت في أرتريا، و لذلك فقد بحثت الحكومة عن وسيلة تخلص بها نفسها من المسئولية التي تعرضت لها في المحمية).

إدانة الحكومة الإيطالية

أعلن تيتوني في مجلس النواب ( أثناء عمل شيزي و ترافيللي في فحص أحوال المستعمرة) أن الشركة لها مساويء، و أن حكومته تعمل على تصفية الرقيق في المدن الساحلية و السماح ببقاء الرقيق المنزلي فقط. و كان رد الفعل أن بعث شيزي و ترافيللي بخطاب إحتجاج إلي القنصل العام في زنجبار، و نشر هذا الخطاب فيما بعد في تقريرهما، و قد جاء فيه وثائق إدانة للموظفين الرسميين الإيطاليين أثناء فترة حكم الحكومة الإيطالية، و أن العبيد في عهد الإدارة أو الحكومة لم يجدوا مساعدة في تحريرهم. و قالا أن ( مسألة الرقيق تزداد خطورة، و تتطلب حلاً عاجلاً. و إذا أرادت الحكومة أن تبقي على المستعمرة فإن عليها الأشتراك مع الشركة في عمل متضامن ). و لقد اتضح للمبعوثين أنه ( لا يوجد أي أثر للعلاج الفعال أو غير الفعال، فالموظفون الرسميون في المكتب الإستعماري بمقدشوة ليس لديهم أي تعليمات في هذا المجال، فلا ينبغي لوزير الخارجية أن يتجاهل مسألة الرق في بنادر فهي ليست خدمة منزلية مؤقتة، و إنما هو استرقاق بمعني الكلمة، و لا ينبغي أن نتجاهل أن روما تمارس الزراعة على طول شواطيء الأنهار بواسطة العبيد و تحت ظروف لا يقال عنها استرقاق منزلي إلا نت قبيل النفاق و الرياء ). لقد ( تزايد عدد الرقيق بإستمرار نظراً للملكيات الجديدة التي يتحصلوا عليها من شمال المستعمرة و هذه التجارة مستمرة في إقليم أعلنت عليه الحماية الإيطالية اسماً، و أصبحت مباحاً لتجارة الأسلحة و لم تتخذ فيه أي إجراءات لمنع الإسترقاق). و في نهاية الخطاب قال المبعوثان ( أن هذه هي الحظة الفاصلة للحكومة، و كذلك الحال بالنسبة للشركة فإن الحكومة لا يمكنها بعد ذلك أن تتجاهل هذه المخالفات، و يجب أن تنفذ بإخلاص لائحة بروكسيل كما أقرها البرلمان الإيطالي، و إذا أرادت الحكومة أن تتخلص من التزاماتها مرة ثانية بمجرد تعبيرات معسولة وأن تتجاهل المطالب التي أقرها البرلمان في العقد بين الشركة و الحكومة، و إذا كانت تنوي أن تترك الشركة لتتحمل مسئولية الالتزامات الحكومية وفق إتفاقية الالتزامات فإننا لن ننصح الشركة بقبول ذلك، و نحن نعتبر أن من واجبنا أن نقدم لكم هذه الفكرة، و نطالبكم بإبلاغها للحكومة). ( أرسلت نسخة من الخطاب السابق إلي الشركة في ميلانو). و بذلك وضع المبعوثان الإتهام للحكومة الإيطالية لأنها هي التي إنتهكت الإتفاقيات الدولية لا الشركة، و هي التي خالفت معاهدات برلين و بروكسل قبل أن تنشأ شركة بنادر في المستعمرة، و هي التي تخلت عن حماية الشعب الصومالي وفق معاهدات الحماية.

الحكومة الإيطالية لا تدفع تعويضات لأصحاب العبيد

كتب الحاكم دوليو في 22 أبريل 1903 إلي الحكومة الإيطالية يطلب منها تعليمات نهائية ثابتة عما إذا كان ينبغي تحرير كل العبيد الهاربين إلي مقدشوة و المدن الساحلية الأخري، و خصوصاً مركا لأن التعليمات التي سبق أن تلقاها دوليو من تشيكي القنصل العام 1896 كما قال ( يجب أن تؤكد أو تلغي أو تعدل أو تكيف ) ثم تساءل في رسالته عما إذا كانت الحكومة الإيطالية ستدفع التعويضات لأصحاب العبيد عند تحرير العبيد أو أن الشركة التي ستدفع. و لكن دوليو لم يتلق أي رد من الحكومة على خطابه حتى 31 أكتوبر 1903 حينما استبعد عن العمل في الشركة، و تولي المبعوثان شيزي و ترافيللي المسئولية المؤقتة لشئون المستعمرة، و قد بعث إليهما ميركاتيللي القنصل العام الذي خلف بستالوتزا بالرد المتأخر للحكومة، و قد تضمن الفقرات التي أشار إليهما المبعوثان في احتجاجهما السابق و هذا نصه. زنجبار في 31 أكتوبر 1903. (( لم يفضل سلفي في الإتصال برياسة الوزراء بشأن مكاتبة الحاكم دوليو في خطابه المؤرخ في 22 أبريل الماضي، و في تقريره الأحدث زمناً في 25 سبتمبر، وفي رد الوزارة في يوليو الماضي على الاستفسارات لم تستطع أن تعطي تعليمات أخرى عن إلغاء تجارة الرقيق وإزالة الرق المنزلي تدريجياً أكثر من أن تطلب من شركة بنادر تطبيق نصوص اللائحة العامة لبروكسيل وفق ما تتطلبه أحوال البلاد وطبيعة السكان من حرص وحذر حتى يمكن تجنب إثارة الاضطرابات والشغب. ولإثارة الحاكم دوليو لمسألة النفقات، أضافت الوزارة بأنه على أية حال لا يمكن للحكومة أن تتحمل أي نفقات للإجراءات التي تتصل بالاسترقاق. واتصالات الحاكم دوليو لم يكن لها صفة الالزام، لأنها عالجت الاجراءات والاستفسارات ولم تعالج الحقائق المعنية الثابتة، وسأحتفظ بتقريري لهذا الموضوع حتى حين وصولي. والآن فيما يختص بتبليغ الحاكم دوليو برحيله فإنني أسارع بإبلاغكم تعليمات الحكومة التي قررتها عاليه. وأرى لزاماً علي أضيف رأيي الشخصي بأن التعويض الإجباري الذي يدفعه العبيد الذين يريدون تحرير أنفسهم يبدو لي أنه نقض سافر لروح لائحة بروكسيل، وللرأي الذي تطور فيها، وهو الرقيق المنزلي كحالة انتقالية ستؤدي حتماً إلى التحرر الكامل، إذا كنا نعني التسليم الضمني للعبيد في حقهم في الحرية ونرفض أي قسوة أو شدة من شانها أن تجعل الرق المنزلي ينتكس إلى استرقاق حقيقي كامل. وبذلك تخلت إيطاليا عن التزاماتها تاركة المسئولية على الشركة في الوقت المسمى فترة((التحرر الديمقراطي)). ومن المفيد أن نوضح أن الاسترقاق لم يكن موجوداً في الجزء الشمالي من المستعمرة الإيطالية ولا في أغلب أراضي الصومال بشهادة كل الرحالة والمؤلفين الذين جابوا تلك البلاد قبل وأثناء فترة الارتياد الإيطالي لصوماليا، فقد كان من عادة الصوماليين اصحاب الأراضي الزراعية الواسعة أن يحتفظوا بعدد من العبيد من أجل الأعمال الزراعية كما هو الحال في البلدان العربية في هذه الفترة. وهذا ما يطلق عليه اسم العبيد المنزلي. وبظهور الإيطاليين في بنادر ظهرت تجارة الرقيق، لأول مرة على نطاق واسع ويذكر تقرير شيزي وترافيللي صفحة 31 عن الملازم بادولو ( يعرف كل إنسان أن لوخ وبرديرا أسواق حقيقية للعبيد حتى أن العساكر كلهم تقريباً في هذه الناحية يمتلكون الكثير من العبيد كما أن القوافل التي كان يحميها سنيور شيري من جزيرة إلى جانب مقدشوه كانت تنقل الكثير من العاج الأبيض والعاج الأسود). ويكفي أن نعرف من البيان السابق أن موظفاً رسمياً بالشركة القانونية كان يرافق هذه القوافل لحمايتها. ويظهر من تقرير شيزي وترافيللي أن الأرباح العائدة عن تجارة الرقيق كانت تصل إلى اكثر من 25% وأن الحكومة الإيطالية وافقت رسمياً على وجود الاسترقاق وأعطته مركزاً قانونياً، وأن العقاب لمن يحاول الهروب من سيده ما لم يقدم الدليل على قسوة سيده وهذا مالا يقوى عليه العبد، لذلك استمر الاسترقاق في بنادر. ويتضح لنا هذا من قول الوزير(( في حالة هروب خادم تجاه الساحل فإنه سوف لا يعتبر حراً إلا بعد قرار من محكمة إيطالية تقام لهذا الغرض، وهي ستبحث عن أحوال العبيد الهاربين وأحوال أصحابهم فإذا أثبت أن السيد سيئ المعاملة أو أنه خالف القوانين المتفق عليها فإن العبد سيحرر من الالتزامات التي ارتبط بها مع سيده ويطلق صراحه، أما إذا ثبت أن العبد هرب دون أي مبرر فسيعود إلى سيده ويضطر إلى دفع تعويض عادل له)).

العمل الإجباري في مزراع الإيطاليين

من الملامح الرئيسية للحكم الإيطالي في صوماليا نظام السخرة الإجباري في تشييد الطرق، ولإقامة الزراعة وغيرها، على أكتاف الشعب الصومالي بدون مقابل. يقول تيتوني : (( في اعتقادي أنه من المهم للمجلس أن يعرف ما قد تم، فأعمال التطهير قد فرضت كعقوبة على القبائل الثائرة التي خضعت لنا، وقد نفذت أعمال التطهير في منتصف شهر مارس الماضي على طول الطرق)). أن القرى والمزراع الجميلة التي أدخلت السرور إلى الرواد الأوائل قد أقفرت الآن، واندثرت المحاصيل، والمساكن المتواضعة أصبحت رماداً، وكان الشعب الصديق الطيب القلب الذي رحب بالمبعوثين والرواد قد انتهى، وصار من امتد به الأجل من أبنائه تعساء يساقون إلى أعمال السخرة تحت رحمة السوط والقيد من أجل تطهير الغابة وإقامة الطرق بلا مقابل، فالوزير تيتوني يقول ((فأعمال التطهير قد فرضت كعقوبة على القبائل الثائرة التي خضعت لنا)). وقد انتهجت الحكومة الإيطالية والحكام الإيطاليون سياسة سمو العنصر الإيطالي، وأن العمل من وسائل العيش للصوماليين وحدهم. ويقول تيتوني(( يجب أن نتذكر أن العمل في تلك المناطق ينظر إليه بانحطاط ويترك للعناصر المنحطة والعبيد، ولذلك فإن الشعب الزراعي الإيطالي سينحط في نظر الصوماليين عن ذلك المستوى اللازم للأوربيين، لذلك يفرض نفسه على العنصر الوطني الذي يفوقه عدداً، وبالإضافة إلى تلك الحقيقة سوف يكون هناك أثر غير محبوب على أمن السكان في المستعمرة)). (( ان استخدام المواطنين في العمل واستخدام العنصر السواحلي الأقل شأناً سيكون دائماً أقل تكلفة وأكثر ملاءمة)). وذكر تيتوني أن الفلاحين الإيطاليين الراغبين في الهجرة إلى بنادر لزراعتها على حسابهم سوف يجدون رأس المال اللازم ، ولا تستطيع الحكومة الإيطالية أن تقدم لهم المساعدات المالية، وأن الحكومة ستمنح الامتيازات للقادرين لمدة 99 عاماً ( خفضت فيما بعد إلى 60 عاماً) على أن يقوم صاحب الامتياز بمسح الأراضي وتسجيلها على نفقته. ويمنح الامتياز ما بين 1000 و 5000 هكتار على أن يقوم صاحب الامتياز بإصلاح أربعمائة هكتار منها في الثلاث سنوات الأولى ويعفى الامتياز من الضريبة مدة خمس سنوات أو عشر سنوات إذا استخدم صاحب الامتياز خمسة عشر إيطاليا أقوياء البنية، وذلك لتشجيع الاستيطان الإيطالي، مع مراعاة إشراك الإيطاليين في الأعمال الزراعية للمحافظة على هيبة إيطاليا بين المواطنين. وفي فبراير 1908 أعلن الوزير خبر أول امتياز منح للسنيور كاربانيني، وقال : (( أن العلاقة بين الملتزم والسكان ستعطينا أدق مقياس لتخطيط أراضي المملكة طبقاً للعادات المحلية والتقاليد والقانون الإسلامي وسيسمح لنا بأن نحدد بكل تأكيد أكثر الأراضي الشاغرة، وحقوق واحتياجات السكان)) وفي هذا مراوغة وغبن للمواطنين وأجبروهم على العمل بالسخرة ثم جعلوا من الإيطاليين الفاشست أصحاب الامتيازات حكاماً على الناس، وهذا أقصى درجات الظلم والجور والاستبداد. لقد تركت الحكومة لأصحاب الامتيازات أن يعينوا أي جزء من الأراضي يمتلكه الوطنيون، على أن تقوم الحكومة بالاستيلاء على أي جزء ما من الامتياز وفق الضرورة والحاجة إليها. وامتدت الامتيازات الإيطالية تملك الأراضي على طول وادي جوبا وشبيللي في واجهة واحدة. وعن تنفيذ وثيقة الامتلاك للامتيازات الإيطالية قال تيتوني في 13 فبراير 1908 (( بالرغم من شخصية الإحتلال التدريجي المسالم فقد تحدث هناك بعض المعارك الدموية فإذا ما حدث ذلك فإنه يجب أن نكون مستعدين لتلقي أخباره باتزان ورباطة جأش)) واستطرد قائلاً: (( أن الملتزمين يأخذون الأراضي على طول نهر جوبا، وأن الحكومة تحتفظ بحق حفر قنوات بين الملتزمين لتروي الأراضي حتى نهايتها))، ثم أنني على نظام استقدام العساكر الذين احتلوا وادي شبيللي الأدنى وبذلك تم التأكد من امتلاك الإيطاليين للأراضي في جوبا، ولكن فشل الملتزمون في الوفاء بالتزاماتهم ، وفي استغلال رأس المال في الأراضي التي انتزعوها من أيدي الشعب، ومع هذا لم تزرع معظم الأراضي فقد هرب أكثر العمال الزراعيين الصوماليين إلى المدن، غير راغبين في العمل بالسخرة تحت النظام الفاشستي، ولم يكن هناك سوى حفنة صغيرة من الرجال الصوماليين الذين لم يعبأوا بتعليمات الفاشست، وتمكنوا من حماية مزراعهم من السلب والنهب والبقاء فيها للعمل دون الاتجاه إلى المدن.


فرار العمال الصوماليين من مزارع الإيطاليين:

يظهر من الإحصاء الرسمي في عام 1941 أن العمال هجروا ست عزب من تسع عزب في ناحية أفجوي، وتعطل العمل في 36 عزبة، وهاجر العمال اثنتين وثلاثين عزبة من مجموع عزب جينالي البالغ عددها 136 عزبة، وكان العمل حسناً في خمس عزب في منطقة جوبا البالغ عدد عزبها أربعاً وثلاثون عزبة، وأن 500 عامل تقدموا للعمل في منطقة جينالي في الوقت الذي كان مطلوب فيه 8000 عامل. وكان هذا النقص في العمل يرجع إلى النظام الاستعماري الإيطالي في استغلال الأراضي والذي كان أشد فظاعة من سجن مقدوشوه، فقد كان يؤخذ الرجال والنساء والأولاد بالقوة من البادية ويحكم عليهم بقضاء فترة من العبودية والشخرة في مزارع الإيطاليين. وقد ورد في التقرير الرسمي الريطاني بعد احتلال صوماليا في عام 1941(( أن التعيينات من المواد الغذائية كانت غير كافية بدرجة مخجلة في الكمية والنوع، والرواتب اليومية كانت بين ليرة وثلاث ليرات في اليوم، وقد أجبر العزاب على الزواج من النساء اللواتي ولدن وتربين في المقاطعة. وكان المقيم السياسي يفرض العقاب على بعض المنحرفين من أصحاب العمل دون البعض الأخر، وكانت العقوبات وحشية وزائدة على النظام والطاعة، خمسون جلدة بسوط مصنوع من جلد فرس البحر، اما إذا كان الذنب للمرة الثانية فإن المذنب يعلق بالسلاسل المربوطة في عصا غليظة تحت إبطه وقد غلت يداه خلف ظهره ويترك على هذا الوضع ليتأرجح عدة ساعات وهو مدلى بحيث لاتصل أطراف أقدامه إلى الأرض ويظل كذلك حتى يموت)).

حالة السجون في صوماليا

يحدثنا رينل رود في كتابه ( الإدارة العسكرية البريطانية في افريقيا 41/1947) عن أحوال السجون في صوماليا فيقول : ( باستعرضنا أحوال السجون في صوماليا وجدنا أنها محزنة ومؤسفة من كافة الوجوه ولقد وجدنا أدلة كثيرة على الوحشية تجاه الوطنيين لا في السجون فحسب، ولكن في كل أنحاء البلاد من المعتمد الإيطالي وضباط البوليس، وقد وضع السجن المركزي في مقدشوه تحت قيادة الخفراء، وحالة السجون أسوأ ما تكون في مقدشوه وكسمايو وبيدوا ودانان وغيرها من سجون صوماليا. وقد جاء في سجل الإدارة العسكرية البريطانية في أرتريا وصوماليا (41/1943) : (( كان السجن المركزي في مقدشوه لنحو أربعمائة سجين يتكدسون في زنزانات تغطي حوائطها بالقازورات والأوساخ، وكانت من قبل تطلى دورياً بالجير. وكانت تنبعث منها الروائح الكريهة التي يمكن شمها على مسافة 200 ياردة، حتى أن الموظف الذي يفتش على السجون من قبل الإدارة يمرض بعد الزيارة فوراً، ومن المفروض أن يغتسل السجناء ولكن السجون لم تزود بالمياه)). (( وكان مقرراً أن يتناول المسجون طعام الإفطار، وأن يكون طعام الغداء من اللحم المحمر، ولكن لا يقدم لهم إفطار، أما وجبة الغذاء فلا تتعدى طبقاً من ماء الأرز. أما الحالة الصحية فمخجلة اذ أن معظم النزلاء كانوا يتألمون من قروح احتقانات)). (( وكان الحراس مجرد خفراء من أراذل الناس وحقرائهم وهم أميون عندهم ضرب من الشذوذ الجنسي الذي يجعل صاحبه يتلذذ بالقسوة وهم في حل من اتباع آداب السلوك والمعاملة، وغالباً ما يوضع ساق المذنب في خشبتين تشدان وتثبت بهما عراقيب الضحايا أياماً متواصلة، وكان أحد السجناء لايزال تحت العلاج من جروح ابتلي بها في صدره، وقد علق بين يديه المشدودتان خلفه، كما وضع في رجليه حذاء من حديد)). (( وفي محاولة فحص كافة الحالات ظهر أن أكثر من 70 نزيلاً لم يحاكموا على الإطلاق، وفي أغلب الحالات لم يكن هناك دليل يؤكد الحقائق، وليس هناك سجلات مضبوطة للجرائم التي حوكم من أجلها السجناء)). (( أن حكام النواحي وسكان داخل البلاد كثيراً ما أشاروا إلى حالات حكم فيها حكماً تعسفياً جائراً بمجرد كتابة خطاب إلى مدير الشجن يطلبون فيه سجن مواطنين لفترات مختلفة، والكثير ممن حكم عليهم بالأشغال الشاقة لم تمنحهم المحاكم أي حق في الاستئناف)). (( وفي بعض الحالات لا تسجل الجريمة ولا العقاب، وقد حدث أن أدين 20 رجلاً في عام 1940 باشتراكهم في معركة قبلية قتل فيها رجلان، ولم يعرف فيهما شخصية القاتل، ومن ثم أعدم فيها معظم المشتركين في المعركة، كما حكم على الباقي بمدد أقلها سبع سنوات)). (( وكان القضاة الفاشست في صوماليا يعتبرون المسجون مذنباً ما لم يبرهن على انه برئ. فإذا كان مذنباً حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة وقد يلقى حكماً أقل إذا أثبث أنه غير مذنب، هذا في حين أن القانون في كل العالم يقول (( أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته)). ويستمر التقرير الرسمي البريطاني في وصف أحوال صوماليا في الفترة السابقة للإحتلال وما بعدها كأسباب هروب العمال الصوماليين، وإبعاد الموظفين الإيطاليين من صوماليا، والكراهية الحادة من جانب الصوماليين للإيطاليين، وعدم كفاءة البوليس الإيطالي، واحوال التعذيب والقسوة التي لا تطاق في داخل السجون، ومشاكل نقص الغذاء، وبلوغ الوفيات 60% في سجن مقدشوه ودانان، وترك الزراعة والإهمال المريع في المحافظة على الصحة وكوارث الملاريا التي عمت القطاع الجنوبي من البلاد، وتعطيل الحركة التعليمية..إلخ. ونكتفي بهذا الموجز التاريخي عن أحوال صوماليا خلال فترة حكم الإيطاليين على أن نلتقي بالمزيد في الكاتب التالي عن الثالوث الاستعماري ومشاكل الحدود قريباً بإذن الله.


التعليق



الحكام الإيطاليون

  • 1908-1910 Tommaso Carletti
  • 1910-1916 Giacomo De Martino
  • 1916-1919 Giovanni Cherina Ferroni
  • 1920-1923 Carlo Ricci
  • 1928-1931 Guido Corni
  • 1931-1935 Maurizio Rava
  • 1936-1937 Angelo De Ruben - Ruggiero Santini
  • 1937-1939 Francesco Saveno
  • 1939-1940 Gustavo Pesenti


وصاية الأمم المتحدة

في نوفمبر 1949، أعلنت الأمم المتحدة الوصاية الإيطالية على الصومال، بشرط أن يكون ذلك تحت مراقبة دقيقة وتحت شروط حزب وحدة الشباب الصومالي، والأحزاب السياسية الصومالية الأخرى، مثل Hizbia Digil Mirifle Somali (HDMS) (which later became Hizbia Dastur Mustaqbal Somali HDMS) and the Somali National League (SNL)، وقد حصلت الصومال على إستقلالها بعد إعلان الوصاية بعشر سنوات.[9][10]

معرض الصور

الهامش

  1. ^ Alex Thomson, "An Introduction to African Politics", 2 edition, (Routledge: 2000), p.23
  2. ^ Tripodi, Paolo. The Colonial Legacy in Somalia p. 104 (New York, 1999)
  3. ^ Federal Research Division, Somalia: A Country Study, (Kessinger Publishing, LLC: 2004), p.38
  4. ^ Africa Watch Committee, Kenya: Taking Liberties, (Yale University Press: 1991), p.269
  5. ^ Women's Rights Project, The Human Rights Watch Global Report on Women's Human Rights, (Yale University Press: 1995), p.121
  6. ^ Francis Vallat, First report on succession of states in respect of treaties: International Law Commission twenty-sixth session 6 May-26 July 1974, (United Nations: 1974), p.20
  7. ^ وفي 15 يوليو 1896 حلت شركة بنادر التجارية محل شركة فيلوناردي
  8. ^ العبارات التي بين الأقواس في الفحات التالية من تقرير شيزي وترافيللي عن حالة مستعمرة بنادر والحديث عن مسز سلفانا بانكهرست .. راجع كتاب .. الصومال الإيطالي سابقاً
  9. ^ Zolberg, Aristide R., et al., Escape from Violence: Conflict and the Refugee Crisis in the Developing World, (Oxford University Press: 1992), p.106
  10. ^ Gates, Henry Louis, Africana: The Encyclopedia of the African and African American Experience, (Oxford University Press: 1999), p.1749

المصادر

حمدي السيد سالم (1965). الصومال قديماً وحديثاً. الدار القومية للطباعة والنشر.

  • Antonicelli, Franco. Trent'anni di storia italiana 1915 - 1945. Mondadori Editore. Torino, 1961.
  • Hess, Robert L. Italian Colonialism in Somalia. University of Chicago P. Chicago, 1966.
  • Tripodi, Paolo. The Colonial Legacy in Somalia. St. Martin's P Inc. New York, 1999.
  • Fitzgerald, Nina J. Somalia. Nova Science, Inc. New York, 2002.

انظر أيضاً