التعاون الاقتصادي الدولي

يمكن إطلاق تعبير التعاون الاقتصادي الدولي International Economic Cooperation على مجموعة العلاقات الاقتصادية الدولية التي تنظم تدفق السلع والخدمات ورؤوس الأموال ونقل الخبرات ونتائج البحوث والاختراعات والاكتشافات الجديدة والتي تساعد جميعها على تحقيق معدلات عالية ومستمرة من النمو للوحدات المشكلة للاقتصاد العالمي.[1]

وإذا استثني ما تطرحه المنظمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدولية من شعارات وأهداف تدعو إلى زيادة التعاون الاقتصادي الدولي وتعميقه، فإن واقع العلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة يبتعد عن مفهوم التعاون بصيغته الشاملة، حيث أفرزت السنوات الأخيرة التكتلات الاقتصادية الدولية الكبيرة أحد معالم النظام الاقتصادي والسياسي الدولي الجديد، وهي تدعو إلى زيادة التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء.

وتؤكد الظواهر الاقتصادية المعاصرة مثل البؤس والفقر والجوع والجفاف والتخلف في بعض دول آسيا وإفريقية وأمريكة اللاتينية مقابل الرفاه والتقدم في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربة واليابان، على هشاشة مقولة التعاون الاقتصادي الدولي، لأن الاقتصاد الدولي يسير على قاعدة المصالح المتبادلة والخضوع لقوة الدول المسيطرة على الاقتصاد العالمي عبر شركاتها العابرة للقوميات واحتكاراتها المسيطرة على الأسواق الدولية.

ولذلك فإن مفهوم التعاون يبقى دعوة دائمة من جهة الدول الفقيرة والمتخلفة تمارسها عبر المنابر الدولية المتعددة في محاولة يائسة لحث الدول الغنية المتقدمة على مساعدتها سواء عن طريق نقل التكنولوجية المتقدمة إليها أو مدها برؤوس الأموال اللازمة لتنميتها أو فتح أسواقها أمام منتجاتها بأسعار عادلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الدول الغنية والدول الفقيرة

أسهم انطلاق الثورة الصناعية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وتوسعها لتشمل مجالات الحياة كافة في تقريب المسافات بين أجزاء العالم المختلفة، ومن ثمّ أسهم في ازدياد الترابط الاقتصادي والاجتماعي بين الدول، لأن كل دولة صارت تشعر أنها جزء لا يتجزأ من مجتمع دولي كبير تتأثر مصالحها بما يحدث في غيرها من الدول، ويؤثر في الوقت نفسه ما يجري فيها في مصالح غيرها من الدول. ومع تطور وسائل وأدوات الإنتاج وتعاظم استخدام الآلات وما نجم عنها من زيادات كبيرة في الإنتاجية وتحقيق فوائض إنتاجية كبيرة، برزت ضرورة البحث عن أماكن وأسواق خارجية لتصريفها، الأمر الذي تطلب ازدهار صناعة وسائل النقل والمواصلات.

ومع تبلور التقسيم الدولي التقليدي للعمل جرى تخصص البلدان التي ظهرت فيها الثورة الصناعية بإنتاج وسائل الإنتاج والسلع الصناعية المختلفة وتخصص البلدان الأخرى بإنتاج المواد الأولية الاستخراجية والسلع الزراعية. إضافة إلى ذلك فقد أسهم تطور التبادل التجاري بين المجموعتين من الدول تطبيقاً لأفكار «التجاريين» في ظهور دول قوية مثل إسبانية والبرتغال وبريطانية وهولندة، أخذت تتوسع في علاقاتها التجارية مع غيرها من الدول، واستطاعت عن طريق القوة أن تستعمر مجموعة كبيرة من البلدان في آسيا وإفريقية وأمريكة اللاتينية، وأخذت تسخرها لخدمة مصالحها الوطنية مثال «تخصّص مصر بإنتاج القطن لخدمة صناعة النسيج البريطانية».

وأدى النهب الاستعماري إلى زيادة تراكم الثروات ورؤوس الأموال في البلدان الصناعية، وإلى تخلف البنى الإنتاجية والفقر في البلدان المستعمَرَة.

وفي نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر تصاعدت المنافسة بين الدول الاستعمارية على المصالح، واشتدت الصراعات بينها لاقتسام العالم، ومع نجاح ثورة أكتوبر 1917 في روسية وقيام اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية تبلورت ظروف جديدة ومعطيات أيديولوجية جديدة تبني الاقتصاد على الملكية العامة لوسائل الإنتاج بدل الملكية الخاصة وعلى التخطيط بدل آلية السوق، وعلى إشباع الحاجات العامة بدل تعظيم الربح، كما تدعو هذه الإيديولوجية إلى دعم ومساندة حركات التحرر العالمية وتقديم المساعدات الممكنة، فتحركت القوى الرأسمالية بقيادة الحلفاء، وهاجمت هذا النظام الوليد ومُنيت بخسائر كبيرة وانقسم العالم إلى معسكرين اشتراكي ورأسمالي.

أسهمت الأفكار الاشتراكية في إعادة النظر بالعلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية، وفضحت سياسات النهب الاستعماري، وقدمت المنظومة الاشتراكية كافة المساعدات الممكنة لحركات التحرر الوطني من أجل الحصول على استقلالها وتكريس سيادتها الوطنية. قادت هذه الظروف إلى تنشيط دور المنابر الدولية بعد التوسع المطرد للعلاقات الدولية، ودفع ذلك إلى ضرورة إنشاء منظمات دولية لا تخضع لسيطرة حكومة واحدة، بل يكون لها وجود مستقل بذاته ويُعنى بالقضايا الدولية وليس القطرية، ولذلك نشأ العديد من المؤسسات مثل منظمة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والمصرف الدولي للإنشاء والتعمير، والعديد من المؤسسات الدولية الأخرى مثل اتحاد البريد العالمي ومنظمة الطيران المدني ومنظمة الأرصاد الدولية ومنظمة الأغذية والزراعة الدولية وغيرها، وأسهمت في تبني الدعوات المشجعة على التعاون الدولي في كافة المجالات.

وصارت هذه المنابر فرصة جيدة للدول الفقيرة للمطالبة من خلالها بضرورة حصولها على المعونات اللازمة سواء أكانت مالية أم فنية تكنولوجية من أجل التخلص من الفقر والتخلف والتبعية الموروثة عن العهد الاستعماري، وأسهمت هذه المنظمات أيضاً في زيادة الإحساس بفكرة المجتمع الدولي وضرورة تنظيمه بصورة أدق، وبدأت تظهر النزعة الجماعية في العلاقات الدولية، عبر ضرورة تنظيم الأنهار الدولية والمواصلات والصحة العامة وغيرها من القضايا الاقتصادية ذات البعد الدولي. وفي الوقت نفسه نجد أن الدول الصناعية قد حققت خطوات كبيرة في التطور والنمو نتيجة توافر الخبرات وإمكانات البحث والتطوير وتراكم رأس المال الناتج عن التبادل اللامتكافئ والنهب الاستعماري للثروات، وهي مكاسب هامة تحاول هذه الدول باستمرار الحفاظ عليها عبر سيطرتها على الأسواق الدولية، وعبر آلية عمل شركاتها العابرة للقوميات وبذلك تبلور انقسام العالم إلى دول غنية ودول فقيرة.


المؤسسات الدولية المهتمة بالتعاون الدولي

توجد العديد من المؤسسات الدولية التي تهتم بالتعاون الاقتصادي الدولي والتي تدعو إلى تشجيعه عبر العديد من الوسائل والأدوات أهمها:

1ـ منظمة الأمم المتحدة: من أهم مساهمات الأمم المتحدة في العلاقات الدولية وفي ضرورة التعاون الدولي، برنامج الأمم المتحدة للتنمية الذي ظهر في عام 1965، ويهدف إلى تنظيم المساعدة التقنية والاقتصادية في نطاق الأمانة العامة للأمم المتحدة بالتعاون مع المنظمات المتخصصة، وقد وضعت البرنامج الموسع للمساعدة التقنية الذي يهدف إلى إخراج المساعدة الدولية من الإطار الثنائي الذي كانت تمنح فيه المساعدات بشروط وقيود تمس بالسيادة الوطنية، لتصبح عن طريق الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة.

وتهدف هذه المساعدات إلى تعزيز اقتصاديات البلدان النامية بتوفير مساعدات منتظمة وثابتة ومدروسة في مجالات حيوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك بقصد تدعيم استقلالها الاقتصادي والسياسي.

صندوق النقد الدولي: وهو عبارة عن مؤسسة نقدية دولية تأسست في عام 1944 وتهدف إلى تنظيم القضايا النقدية الدولية مثل إيجاد أسس ثابتة لتحديد أسعار صرف العملات وقابلية التحويل فيما بينها وإيجاد أدوات دولية لتسوية المدفوعات، وجاءت هذه المنظمة لمعالجة الفوضى النقدية التي كانت تخيم على العالم عقب الحرب العالمية الثانية.

ويهدف الصندوق أيضاً إلى تشجيع التجارة الدولية من أجل الاستفادة من الموارد المختلفة للدول الأعضاء. وأسهم الصندوق خلال الخمسين عاماً الماضية في تحقيق العديد من أهدافه المعلنة، وأثَّر في معالجة مشكلات موازين مدفوعات الدول الأعضاء، وفي إقرار السياسات التنموية الدولية، ولا يزال يؤثِّرُ تأثيراً مهمّاً بالنسبة للدول النامية وخاصة المدينة منها، بحيث صار يتدخل في سياساتها الداخلية، ويفرض عليها شروطه ووصفاته المتعلقة بإعادة الهيكلة أو ما يسميه الصندوق سياسات التصحيح.

ومع ذلك فإن الصندوق صار حالياً أحد أهم مراكز توجيه الاقتصاد العالمي ودوره في العلاقات الدولية يزداد أهمية يوماً بعد يوم.

البنك الدولي للإنشاء والتعمير: أُنشئ هذا المصرف في عام 1944 بهدف مساعدة الدول على تمويل استثماراتها لأغراض إنتاجية، وبسبب ضعف موارد البنك فقد أصبح حالياً يركز على ضمان الدول النامية عند اقتراضها من السوق المالية.

وتتركز القروض التي يقدمها البنك على مشروعات لها علاقة بالإنشاء والتعمير، ويعمل على تحقيق نمو متوازن للتجارة الدولية، ويحاول مساعدة الأعضاء في تنمية مواردهم الإنتاجية، ويقدم معونات فنية وخبرات إدارية وتنظيمية، وصار له مؤسستان هما: مؤسسة التمويل الدولية، والهيئة الدولية للتنمية. ويحاول المصرف ومؤسساته تشجيع التعاون الاقتصادي الدولي ورفع وتائر النمو ومعالجة بعض الحالات الناجمة عن الكوارث الطبيعية أو آثار الحرب.

مركز التجارة الدولي: وهو أحد أجهزة الاتفاقية العامة للأطراف المتعاقدة التابع للأمم المتحدة. ويهدف إلى تطوير التعاون الاقتصادي الدولي عن طريق مساعدة الأعضاء في الحصول على معلومات عن الأسواق، وفي نشر وتوزيع المطبوعات المتخصصة في الدعاية والإعلان، إضافة إلى خدمات استثمارية في مجال تشجيع الصادرات وبرامج مختلفة لتدريب الموظفين في كافة المجالات.

5ـ [الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفات]: ظهرت هذه الاتفاقية كتطوير لمقررات مؤتمر هافانا في آذار 1948، وتدعو إلى وضع نظام دولي جديد للتجارة في فترة ما بعد الحرب، وتهدف إلى تسهيل تدفق السلع والخدمات عبر الدول وتخفيض القيود الجمركية وغير الجمركية عليها، وعقدت هذه الاتفاقية حتى الآن ثماني جولات حققت من خلالها نتائج كبيرة على صعيد التجارة الدولية، إذ صارت اليوم تسيطر على 90٪ من التجارة الدولية، وتضم 120 دولة، وتفتح المجال أمام الأعضاء لزيادة حجم التجارة الدولية، ولكنها عملياً لا تستجيب لمصالح ومطالب البلدان النامية، وتكرّس واقع التبعية والتخلف. وفي عام 1994 وَُقِّعَت اتفاقية الدار البيضاء التي قضت بإحداث منظمة التجارة العالمية[ر]، لتحل محل الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفات (جات) وتوسعت عضويتها لتضم 144 دولة حتى عام 2001.

منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية: (UNIDO) تأسّست في عام 1965 وهي مؤسّسة مستقلة تابعة للأمم المتحدة وتكرس جهودها للتنمية الصناعية في الدول النامية، وفيها العديد من الأقسام التي تهتم بالتكنولوجية الصناعية وبالتعاون التقني، وتقدّم الخدمات الآتية في إطار المساعدة التقنية للأعضاء:

1ـ التعرف على المشروعات الصالحة للاستثمار.

2ـ توفير الموارد اللازمة لتنفيذها.

3ـ توفير الأسواق اللازمة لاستيعاب الإنتاج.

4ـ القيام بالبحث العلمي وتشجيعه.

5ـ برامج التدريب والتأهيل والتخطيط.


منظمة الأغذية والزراعة الدولية: (FAO)تأسست عام 1943 وتهدف إلى رفع مستوى التغذية وتحسين كفاءة الإنتاج وتوزيع الموارد والعناية بالأرياف بشكل خاص، وتقوم المنظمة بجمع المعلومات عن الزراعة وتشجيع البحث العلمي والتكنولوجي المتعلق بالزراعة والغذاء، وتعمل على المحافظة على الموارد الطبيعية وتوفير القروض الزراعية وتقوم أيضاً بإعداد برامج للتدريب والتنظيم للدول النامية.

ضرورة التعاون الدولي لتحقيق التنمية

بعد أن انتهى العصر الاستعماري التقليدي، تحاول البلدان الفقيرة وهي المنتجة للمواد الأولية والزراعية أن تقوم بعملية تنمية اقتصادية شاملة بوتائر عالية للتخلص من الإرث الاستعماري الذي يثقل كاهلها ولتحقيق ذلك فهي بحاجة إلى رأس المال والتكنولوجية المتطورة.

وفي الوقت نفسه فإن الدول الصناعية المتقدمة تعرقل نقل التكنولوجية المتقدمة والخبرات ونتائج البحوث والدراسات إلى البلدان الفقيرة وتتشدد في شروط اقراض رأس المال اللازم من أجل الحفاظ على موقعها في التقسيم الدولي التقليدي للعمل ومن أجل الحفاظ على مكاسبها من التجارة الدولية عبر آلية التبادل اللامتكافئ.

ويأتي هنا دور المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة التي تدعو أعضاء المجتمع الدولي إلى مزيد من التعاون في المجالات كافة وأهمها المجال الاقتصادي وتطبيق مقولة «الاعتماد المتبادل المتكافئ»، وتعني أن تكون آلية تطبيق العلاقات الاقتصادية الدولية قائمة على أساس المصلحة المتبادلة، وعلى أساس تبادل المنافع وتحقيق أفضل استغلال ممكن للموارد البشرية.

ولذلك فإن المنظمات الدولية المختلفة تقدم العديد من المساعدات للبلدان الفقيرة مثل دراسات المشروعات الإنمائية، وتحثُّ المنظمات النقدية والمالية الدولية على تقديم القروض والمساعدات والمنح للدول الفقيرة من أجل النهوض باقتصادياتها كما تحث البلدان الصناعية على ضرورة تقديم الخبرة والمشورة الفنية ونقل التكنولوجية إلى البلدان الفقيرة. وتشير التقارير الاقتصادية الدولية إلى أن لكل أعضاء المجتمع الدولي مصلحة في تحقيق وتائر عالية من النمو لأن ذلك يشجع الطلب العالمي المتبادل، وإذا لم تحقق البلدان الفقيرة معدلات مقبولة من التنمية فلن تكون قادرة على زيادة طلبها من السلع والخدمات من الدول الغنية، ولن تكون قادرة على تسديد قيمة وارداتها مما يعرقل النمو حتى في الدول الصناعية المتقدمة.

وتتجلى أيضاً ضرورة التعاون الدولي في أن البلدان الفقيرة لا تمتلك رؤوس الأموال ولا الخبرة الفنية اللازمة لاستغلال ثرواتها الباطنية فيها والتي يحتاجها المجتمع الدولي، كما أنها سوق واسعة لصادرات البلدان الصناعية المتقدمة من السلع والخدمات ومن دون هذه السوق الواسعة ستصاب اقتصاديات البلدان المتقدمة بالكساد ومن ثمّ بالبطالة وآثارها الاجتماعية العديدة. ومن هنا تبرز ضرورة التعاون الاقتصادي الدولي لتحقيق وتائر عالية من النمو للاقتصاد العالمي، وهو الهدف الذي تناضل من أجله البلدان الفقيرة والمنظمات الاقتصادية والسياسية الدولية.

مصادر المعونات الدولية

1ـ برامج الإعانات التي تقرها الدول الغنية استجابة لدعوة منظمة الأمم المتحدة بضرورة تخصيص 1٪ من الناتج القومي الإجمالي كإعانات للدول الفقيرة، ونادراً ما التزمت الدول المانحة هذه النسبة لأن قرارات الأمم المتحدة غير ملزمة لها. وهذه الإعانات تقسم إلى إعانات نقدية مباشرة وإعانات عينية تستطيع الدول المتلقية لها بموجبها الحصول على سلع وخدمات من إنتاج الدول المانحة.

2ـ القروض والمنح التي تقدمها المنظمات الاقتصادية الدولية للبلدان الفقيرة وغالباً ما تكون هذه القروض ميسرة بفوائد منخفضة مع فترة سماح تراوح بين 3-5 سنوات.

وتضاءلت مؤخراً المنح المقدمة للبلدان الفقيرة بسبب ضعف موارد المنظمات الدولية نتيجة عدم التزام البلدان الأعضاء بالإيفاء بالتزاماتها، وتشير الإحصاءات الدولية إلى أن البلدان النامية تلقت من صندوق النقد الدولي منذ إنشائه وحتى نهاية عام 1993 ما يعادل 130 مليار دولار، وهذا الرقم لا يعادل مقدار الدين الخارجي الحالي لبلد مثل المكسيك.

3ـ برامج الإعانات الفنية الذي تعلنه المنظمات الدولية وبعض الدول الصناعية المتقدمة ويتضمن إرسال خبراء إلى البلدان الفقيرة لدراسة أوضاعها واحتياجاتها ومساعدتها عبر تقديم الدراسات الاقتصادية حول الموارد المتاحة وأولويات التنمية وبرامج الإصلاح الاقتصادي.

4ـ الإعانات الإنسانية (الغذائية والطبية المباشرة) التي تقدمها بعض الدول والمنظمات الدولية المتخصصة مثل منظمة الصليب الأحمر الدولية للدول التي تتعرض لكوارث طبيعية أو لنزاعات عسكرية.

5ـ المنح الدراسية التي تقدمها البلدان الغنية المتقدمة بموجب برامجها الثقافية والعلمية إلى الدول الفقيرة، وقد أسهمت هذه المنح في توفير كفاءات عديدة تحتاجها البلدان الفقيرة.

وحالياً لا يقاس عمل المؤسسات الاقتصادية الدولية بمقدار القروض أو التسهيلات والمعونات التي تقدمها للبلدان الأعضاء وخاصة الدول الفقيرة، وإنما يرتبط هذا الدور بدرجة قبول الدول لشروط صندوق النقد الدولي وبرامجه التي يفرض من خلالها سياساته الصادرة عليها، وبناء عليه فإن الدولة التي تحظى برضا الصندوق تستطيع أن تحصل على معونات مالية وقروض وتسهيلات حكومية أو خاصة هذا من ناحية ومن ناحية ثانية يشترط الصندوق على هذه البلدان، تطبق اقتصاد السوق وتقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان بالمفهوم الغربي، وإذا لم تلتزم البلدان الفقيرة هذه الوصفات فإنها لن تتمكن من الاستفادة من التسهيلات والمساعدات التي يقدمها الصندوق والمؤسسات الاقتصادية الدولية الأخرى.

المعونات والمواقف السياسية

ترتبط مسألة المعونات الدولية ارتباطاً وثيقاً مع المواقف السياسية، والمصالح الخاصة التي تجمع بين الدول المانحة والدول المتلقية للمعونة.

ومثال ذلك طبيعة المعونات التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية للكيان الإسرائيلي أو لغيره من الأنظمة التي تخدم المصالح الأمريكية في العالم. ويلاحظ أيضاً أن برامج وخطط المساعدات التي تقرها المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والمصرف الدولي للإنشاء والتعمير وغيرها، تخضع أيضاً للمعاملة التمييزية، وذلك حسب المواقف والعلاقات السياسية التي تجمع بين الدولة المتلقية والمنظمات المانحة والتي تسيطر الدول الصناعية على إدارتها ومن ثمَّ فهي تصيغ القرارات والبرامج التي تخدم مصالحها ومصالح حلفائها من الدول المتلقية للمعونة، ولذلك يمكن التأكيد أنَّ المعونات الدولية تخضع لشروط تمييزية وغير عادلة حيث تشير الإحصاءات الدولية إلى أن الكيان الصهيوني يأتي في مقدمة الدول التي تحصل على المعونات الأمريكية لارتباط المصالح بينهما، كما تشير التقارير الدولية إلى ارتباط المساعدات الغربية وخاصة الأمريكية لجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق المستقلة بالتقلبات السياسية وبدرجة خضوع سياساتها الداخلية للإرادة الأمريكية.

الآثار الاقتصادية للمعونات

تسهم المعونات الاقتصادية الدولية في عملية التنمية الاقتصادية في البلدان الفقيرة، وأسهمت بشكل كبير في انطلاق عملية التنمية في معظم البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقية وأمريكة اللاتينية، وهي مجموعة البلدان التي تعاني نقصاً شديداً في رؤوس الأموال المحلية، وفي تخلف البنى الإنتاجية ونقص المواد الغذائية وارتفاع عدد السكان بشكل يفوق إمكانات النمو.

وكان لبرامج المساعدات الحكومية ولخطط وبرامج عمل المنظمات الاقتصادية الدولية أثر هام في مساعدة هذه البلدان على الانطلاق بعملية التنمية عبر تقديم الأدوات والآلات اللازمة ورؤوس الأموال والدراسات الفنية، واستطاعت أن تحقق خطوات واضحة على طريق التنمية. ومع ذلك فإن لهذه المعونات عدداً من الآثار على البلدان المتلقية لابد من إيرادها وأهمها:

1ـ تعميق درجة التبعية الاقتصادية للدولة المتلقية تجاه الدولة المانحة أو النظام الرأسمالي العالمي، وهذه التبعية تعني استمرار عمل آلية التبادل اللامتكافىء ونهب واستغلال الثروات الباطنية في هذه الدول، واستمرارها سوقاً لسلع الدول الصناعية ومجالاً لتوظيف فوائض أموالها بشروط قسرية.

2ـ التطور الذي حصل في هذه البلدان نتيجة المعونات الدولية هو تطور قطاعي أحادي الجانب، أي إنه تركز في بعض القطاعات الاستخراجية، التي تخدم مصالح الدول الصناعية المتقدمة المانحة للإعانات مما أدى إلى خلل في البنية الهيكلية للاقتصاد الوطني.

3ـ القروض التي قدمتها البلدان الصناعية المتقدمة والمصارف الخاصة وبعض المنظمات الدولية خلال فترة السبعينات، إذ كان الركود العالمي مخيماً في الدول الصناعية، في تحريك الاقتصاد العالمي عبر تشجيع الطلب في البلدان النامية عن طريق منحها قروضاً بشروط ميسرة، ودون إجراء دراسات اقتصادية حول الجدوى من إنفاق هذه القروض وعوائدها الاقتصادية، وعند البدء باستحقاق دفع الأقساط والفوائد تخلفت البلدان الفقيرة عن ذلك، إما بسبب سوء استخدامها لهذه القروض (التي تلقتها على شكل إعانات دولية) وإمّا بسبب استمرار آلية التبادل اللامتكافئ وفرض أسعار متدنية لصادرات البلدان الفقيرة من قبل الاحتكارات العالمية والشركات عابرة القوميات. وهذا يعني أن مسألة المعونات الدولية ساهمت جزئياً في كتلة الديون الضخمة التي ترزح تحت وطأتها البلدان الفقيرة.

4 ـ أحدث هذا التطور آثاراً اجتماعية عديدة منها زيادة التفاوت الطبقي في هذه المجتمعات، وتقوية المصالح والارتباط بين برجوازيات هذه الدول والرأسمالية العالمية.

5ـ أسهم التطور الاقتصادي الذي حصل في هذه البلدان في عملية تغيير أنماط الاستهلاك وشجع على استيراد أنماط استهلاكية غريبة عن هذه المجتمعات، ولا تتناسب مع درجة تطورها الاقتصادي، وذلك يعود إلى سوء استخدام بعض البلدان الفقيرة للمعونات الاقتصادية حيث قامت باستخدامها في شراء سلع كمالية وابتعدت عن الاستثمارات المنتجة.

تحسن الإشارة إلى أن العلاقات الاقتصادية المعاصرة التي تبلورت فيها مظاهر جديدة مثل قيام التكتلات الاقتصادية العملاقة، والسيطرة الواضحة للولايات المتحدة الأمريكية على العالم، والانتشار الواسع لنشاط الشركات المتعددة الجنسيات، والتدويل المستمر لرأس المال ولعملية الإنتاج، هذه الظروف الجديدة تستبعد عملياً التعاون الدولي وتضع بدلاً عنه التعاون الإقليمي في إطار التكتل، ويبقى التعاون ضرورة موضوعية تبتغيها البلدان الفقيرة وتدعو لها المنظمات الدولية.

لكن آلية عمل الاقتصاد العالمي المعاصر لا تؤمن بالتعاون الدولي، وإنما تؤمن بتبادل المصالح الدولية على أسس غير متكافئة، ولذلك يتوجب على البلدان الفقيرة أن تزيد تعاونها الاقتصادي فيما بينها في كافة المجالات، لأن الدول الصناعية المتقدمة غير معنية حقيقة بتقديم إعانات كافية لدفعها نحو الأمام.

المصادر

  1. ^ أكرم الحوراني. "التعاون الاقتصادي الدولي". الموسوعة العربية. Retrieved 2011-12-14.