أوليڤر گولدسميث

أوليڤر گولدسميث
Oliver Goldsmith
پورتريه 1769–70 رسم جوشوا رينولدز
پورتريه 1769–70 رسم جوشوا رينولدز
وُلِد10 نوفمبر 1728 (محل جدل)
كلاً من باليماهون، مقاطعة لونگفورد، أيرلندا أو إلفين، مقاطعة روزكومون، أيرلندا
توفي4 أبريل 1774
لندن، إنگلترة
مكان الدفنكنيسة تمپل، لندن
الوظيفةكاتب مسرحي، شاعر، busker, apothecary's assistant
اللغةالإنگليزية
التعليمبكالوريوس الفنون
الجامعة الأمكلية ترينتي، دبلن
الحركة الأدبيةThe Club
أبرز الأعمالقس ويكفيلد، "القرية المهجورةالرجل الدمث، تمسكنت فتمكنت

أوليڤر گولدسميث Oliver Goldsmith (عاش 10 نوفمبر 17304 أبريل 1774) كان روائياً وكاتباً مسرحياً وشاعراً أنگلو-أيرلندي، اشتهر بروايته قس ويكفيلد (1766)، وقصيدته الرعوية القرية المهجورة (1770)، ومسرحياته الرجل الدمث (1768) وتمسكنت فتمكنت (1771، عُرضت لأول مرة في 1773). كما كتب تاريخ الأرض والطبيعة المتحركة. ويُعتقد أنه كتب حدوتة الأطفال The History of Little Goody Two-Shoes، مصدر المقطع "goody two-shoes".

أوليڤر گولدسميث كاتب إنكليزي - أيرلندي نال شهرة كبيرة في فترة قصيرة لم تتجاوز خمس عشرة سنة، وقد تميَّزت كتاباته بدفء المشاعر وسحر الأسلوب وروح الفكاهة مما أكسبه شعبية وشهرة بصفته رائداً من رواد الأدب الإنكليزي. ارتكزت شهرته بالدرجة الأولى على سلسلة مقالاته «رسائل صينية» Chinese Letters التي نُشرت تحت عنوان «مواطن من العالم» The Citizen of the World عام (1762)، وعلى قصيدته «القرية المهجورة» The Deserted Village عام (1770)، وروايته الوحيدة «قس ويكفيلد» The Vicar of Wakefield عام (1766)، ومسرحيته «تمسكنت فَتَمَكَّنت» She Stoops to Conquer عام (1773). [1]


د. صمويل جونسون - مؤلفجيمس بوزويل - كاتب تراجمسير جوشوا رينولدز - مضيفديڤيد گاريك - ممثلإدموند بـِرك- رجل دولةپاسكواله پاولي - إستقلالي كورسيكيتشارلز برني - مؤرخ موسيقيتوماس وارتون - شاعراوليڤر گولدسميث - كاتبغالباً ''The Infant Academy'' (1782)صورة زيتية غير معروفةپورتريه غير معروفخادم - غالباً وريث د. جونسوناستعمل الأزرار للتكبير أو استعمل الوصلات على أجزاء الصورة
'حفل أدبي في منزل السير جوشوا رينولدز'[2]، 1781، يظهر في الصورة صمويل جونسون وأعضاء "النادي" – استخدم الفأرة للتعرف عليهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

ولد گولدسميث قرب پالاس في مقاطعة لونگفورد في أيرلندا، وكان الولد الخامس من ثمانية أولاد لتشارلز وآن گولدسميث، وبعد ولادته مباشرة استقرت العائلة في ليسوي قرب كيلكني وست حيث عمل والده راعياً للأبرشية. تلقى گولدسميث تعليمه الأساسي في مدرسة محلية وفي مدارس البلدات القريبة الأخرى، وفي عام 1745 دخل كلية ترينيتي في دبلن طالباً مساعداً (وهو الطالب الذي يكسب قسماً من تكاليف دراسته بتقديم خدمات لزملائه الطلاب) وأمضى سنوات صعبة حتى تخرج فيها عام 1750. وبعد محاولات فاشلة لتحضير نفسه لمهنة الكهنوت والتعليم والقانون ذهب إلى اسكتلندا عام 1752 لدراسة الطب في جامعة إدنبره، ولكنه لم يحصل على درجة جامعية، وبعد عام ونصف ذهب إلى هولندا لمتابعة دراسته في جامعة لايدن، وعوضاً من عودته إلى أيرلندا انطلق في رحلة على الأقدام إلى فرنسا وسويسرا وإيطاليا يعزف الناي ويغني للحصول على الطعام أو المبيت.


الحياة الأدبية

ظهر گولدسميث في أوائل عام 1756 في لندن محاولاً عبثاً أن يثبت نفسه طبيباً، فانتقل إلى الكتابة بادئاً بالنقد الأدبي والترجمة ثم المقالات والحكايات والأشعار في المجلات الدورية المشهورة، وقد ترجم أعمالاً كثيرة لفولتير وبلوتارخس. تعرّف صموئيل جونسون والرسام جوشوا رينولدز اللذين أدخلاه عضواً في نادي جونسون الثقافي المشهور الذي أسساه عام 1763، وكان من أعضاء النادي أيضاً الممثل ديڤيد گاريك، والكاتب جيمس بوزويل الذي تحدّث عن گولدسميث في السيرة التي كتبها عن جونسون. كان گولدسميث في بعض الأوقات شخصية مثيرة للضحك بسبب عدم لباقته وطباعه الريفية الفظة مع أفراد المجتمع اللندني، وعُدَّ مهرج الجماعة وهو دور تقبَّله بسرور. وقد تميَّز گولدسميث بهذا التناقض بين شخصيته في المجتمع وشخصيته الأدبية. وعندما ظهرت قصيدته الأولى «المسافر» عام (1764)، كان من الصعب على أعضاء النادي أن يصدقوا أن هذه القصيدة من تأليفه، حتى إن أحدهم ذهب إلى حد استجوابه استجواباً دقيقاً لكي يتأكد. وقد كتب گولدسميث في السنوات العشر التالية في جميع الأجناس الأدبية، وفي أي موضوع كان يفرضه عليه الناشرون فجنى أموالاً طائلة، إلا أنه كان كريماً إلى حد الإسراف.

تميَّزت مؤلفات گولدسميث بالتنوع، إذ قدَّم للقراء نقداً اجتماعياً وتاريخاً وشعراً ومسرحاً ورواية. كان مفتوناً بالحياة، ويهدف إلى إسعاد البشرية بِحَثِّ الناس على القناعة والرضا بالقدر. وقد وصف في مقالاته «رسائل صينية» انطباعات مُفكِّر صيني زار مدينة لندن، وذكر فيها حسنات وسيئات الحياة الإنكليزية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وقارنها بالحياة الصينية، وحذّر فيها من الحرب والغزو والاستعمار، لأن الطمع هو سبب الحروب والدمار. وفي روايته الوحيدة «قس ويكفيلد»، سجّل بطل القصة الدكتور پريمروز Primrose، رجلُ الدين العبقري الذي يروي القصة، المصائبَ التي حلّت بعائلته المتواضعة بعد أن كانت عائلة سعيدة. وقد جسَّدت هذه الرواية صورة الحياة الريفية بأحداث مثيرة وعواطف مفعمة بالقيم الأخلاقية، وأحبها القراء لروح السخرية فيها، ولاسيما عندما صار وصف القس لضعف الشخصيات الأخرى مرآة لشخصيته.

أما أهم أشعار گولدسميث فهما القصيدتان «المسافر» و«القرية المهجورة» اللتان كانتا سبب شهرته الأدبية، وقد استخدم فيهما أسلوب الاتباعيين الجدد من حيث وحدة الموضوع واستخدام الدوبيت الملحمي (البيتان المزدوجان) heroic couplet. يصف في الأولى حسنات الشعوب الأوربية وسيئاتها كالفرنسيين والسويسريين والهولنديين والإيطاليين ويقارنهم بالإنگليز. ويصف في الثانية كيف تدفع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الفلاحين إلى ترك أراضيهم عن طريق بيعها للأغنياء، ويركز في وصفه على حبه لحياة الريف البسيطة.

من أشهر مسرحيات گولدسميث «الرجل الدمث» The Good Natur’ Man عام (1768)، و«تمسكنت فَتَمَكَّنت»، وهما مسرحيتان مسليتان تعتمدان على شخصيات مرسومة بوضوح وخفة ظل مع مواقف هزلية متقنة، إذ كان گولدسميث يسعى إلى إعادة الضحك للمسرح والمرح لحياة الناس.

أما كتاباته في السير فأفضلها «حياة ريتشارد ناش» The Life of Richard Nash عام (1762). ومن كتاباته التاريخية «تاريخ إنكلترا في سلسلة رسائل من رجل نبيل إلى ابنه» The History of England in a Series of Letters from a Nobleman to His Son عام (1764) التي كتبها في مجلدين، و«تاريخ إنگلترا» The History of England عام (1771) في أربعة مجلدات، و«تاريخ روما» The History of Rome عـام (1769) في مجلدين، لكنه لم يعتمد في دراساته التاريخية على البحث العلمي بل على قراءة كتب التاريخ فقط، ومع ذلك بقيت هذه الكتب معتمدة في المدارس الإنكليزية والأمريكية مدة قرن كامل. كتب گولدسميث أيضاً «تاريخ الأرض والطبيعة المتحركة» The History of Earth and Animated Nature عام (1774) في ثمانية مجلدات، وهي دراسة شاملة للتاريخ الطبيعي مستقاة من مصادر عدة أغناها گولدسميث بملاحظاته الشخصية.

لم يُصنَّف گولدسميث في مرتبة عظماء الكتّاب، ومع ذلك فإن لـه معجبين كثر، إذ كان في أسلوبه يبعث المرح والنور والحكمة عند القارئ. وقد تحدَّث في شعره كما في نثره بوضوح وجزالة في الأسلوب متماشياً مع التأنق البياني، حتى إن صموئيل جونسون لخص منجزاته في كلمات رثاء باللاتينية كُتِبَتْ على نصب تذكاري لگولدسميث في زاوية الشعراء في مقبرة وستمنستر في لندن قال فيها: «لم يترك گولدسميث أي جنس أدبي من دون أن يجربه، وما كتب في أي شيء إلا وتوَّجَه».

سيرته

وكان لـ "بل المسكين" هو أيضاً مآسيه، غير أنها لم تعمقها عقيدة سادية، وخففت منه انتصارات في النثر والشعر وعلى خشبة المسرح.

كان أبوه خورياً أنجليكانياً متواضعاً في قرية إيرلندية، يكسب أربعين جنيهاً في العام بإضافة الفلاحة إلى اللاهوت. فلما أن بلغ أولفر الثانية من عمره (1730) رقي الخوري قسيساً لكيلكيني وست، وانتقلت الأسرة إلى بيت يقع على طريق رئيسي قرب ليسوي، التي غيرت في تاريخ لاحق اسمها في ضمير الشاعر إلى "أوبرن" حين نظم قصيدته "القرية المهجورة".

والتحق جولدسمث بالمدرسة الأولية تلو المدرسة، وكان أنصع ذكريات أيامه المدرسية تلك ذكرى أمين إمدادات سابق في الجيش تحول معلماً، ولم يستطع قط أن ينسى حروبه، ولكنه كان إلى ذلك يروي لتلاميذه القصص الساحرة عن الجان وأرواح المنذرات بالموت والعفاريت. وحين بلغ الصبي التاسعة أشرف على الموت من الجدري، وزاد هذا المرض على ذلك تشويهاً ابتلى به وجهه من أقل الوجوه حظاً من الوسامة وهب لروح لطيفة محببة. وفي الخامسة عشرة التحق بكلية ترنتي في دبلن طالباً معاناً، يرتدي ثوباً يميزه، ويؤدي خدمات حقيرة، ويلاحقه معلم مستبد بمضايقاته. فهرب إلى كورك، مزمعاً أن يحاول الرحلة إلى أمريكا، غير أن أخاه الأكبر منه "هنري" أدركه ولاطفه فاقتنع بالعودة إلى الكلية. وتفوق أولفر في الدراسات الكلاسيكية، غير أن دراسة العلوم استعصت عليه، ولكنه على أي حال أفلح في نيل درجة البكالوريوس.

ثم تقدم بطلب لوظيفة كنسية صغيرة، ولكنه أدهش الأسقف بما ارتداه من سراويل قرمزية واشتغل معلماً خاصاً بعد أن رفض طلبه، وتشاجر مع تلميذه، ويمم ثانية شطر كورك وأميركا. فتدخل في الأمر عم له أقرضه خمسين جنيهاً ليذهب إلى لندن، وخسر أولفر المبلغ كله في بيت للقمار. وقد أفزع أقرباءه لما لحظوا فيه من عجز وقلة حيلة، ولكن سحرهم مرحه ونايه وأغانيه. وجمع له بعض المال للإنفاق على دراسته الطب في إدنبرة ثم في ليدن. وقد حقق بعض التقدم، ويقص علينا أنه كان في باريس يختلف إلى محاضرات روويل في الكيمياء. ثم انطلق على مهل (1755) يتجول في أنحاء فرنسا، وألمانيا، وسويسره، وشمالي إيطاليا، يعزف على نايه في المراقص الريفية، ويظفر بوجبات طعام كيفما اتفق له، ويتلقى الصدقات على أبواب الأديرة(159). ثم عاد إلى إنجلترا في يناير 1756 ومارس الطب في لندن، وصحح تجارب الطبع لصموئيل رتشردسن، واشتغل معلماً بمدرسة في صري، ثم استقر في لندن كاتباً مأجوراً يقوم بأشتات من الأعمال الدبية غير المنتظمة ويكتب المقالات للمجلات. وقد كتب في أربعة أسابيع "حياة فولتير". وفي 1759 أقنع ددسلي بأن ينشر كتاباً سطحياً اسمه "تحقيق في أحوال الثقافة الراقية في أوربا". وقد أساءت تعليقات التحقيق حول مديري المسارح إلى جاريك إساءة لم ينسها قط. وزعم هذا التحقيق أن عصور الأدب الخلاق تنحو إلى أن تتلوها عصور نقد، وتستنبط قواعد من أعمال المبدعين، وتنزع إلى تقييد أسلوب الشعراء الجدد وتعويق خيالهم. وقد رأى جولدسمث أن أوربا كانت تمر بهذه الحال في 1759.

وبعد عام كتب لصحيفة نيوبري "ببلك لدجر" بعض "الرسائل الصينية" التي أعيد نشرها في 1762 بعنوان "مواطن العالم". أما خطتها فقديمة: فهي تصور رحالة شرقياً يروي أساليب عيش الأوربيين في ضحك واشمئزاز شديد، فنرى "لاين تشي ألتانجي" يصف في رسائله إلى صديق له في وطنه، أوربا مسرحاً فوضوياً للجشع والطمع والدسائس. وقد نشر جولدسمث الكتاب غفلاً من اسمه، غير أن أهل فليت ستريت (شارع الصحافة) تبينوا أسلوبه في اللغة البسيطة، والأوصاف النابضة بالحياة، والنبرة اللطيفة المحببة، فلما أحس بشهرته انتقل إلى مسكن أفضل في رقم 6 بشارع واين أوفس كورت. وكان قد أطرى جونسن في "الرسائل الصينية" فجرؤ الآن على دعوة واضع المعجم إلى العشاء (وكان يسكن على جانب الطريق المقابل). وحضر جونسن، وبدأت من يومها صداقتهما المديدة (31 مايو 1761).

وحدث في يوم من أيام أكتوبر 1762 أن تلقى جونسن رسالة عاجلة من جولدسمث يطلب فيها العون. فأرسل إليه جنيهاً، وحضر بعد قليل، فوجد أن جولدسمث يوشك أن يقبض عليه لعدم دفعه أجرة مسكنه: وسأل جونسن صديقه إن كان لديه شيء ذو قيمة يرهنه أو يبيعه. فأعطاه جولدسمث مخطوطاً عنوانه "قسيس ويكفيلد". ويقول جونسن(160). إنه طلب إلى صاحبة الدار أن تنتظر، وقدم القصة إلى الكتبي جون نيوبري، وباعها له بستين جنيهاً. ثم دفع بالنقود إلى جولدسمث، فسدد هذا الإيجار واحتفل بهذه المناسبة بزجاجة من النبيذ. واحتفظ الكتبي بالمخطوط أربع سنين دون أن ينشره.

وفي ديسمبر 1764 طلع جولدسمث بأول قصائده الكبرى "الرحالة أو إطلالة على المجتمع" وقد استعاد فيها جولاته في القارة، ووصف ما في كل قطر من نقائض وفضائل، ولاحظ أن كل بلد يحب نفسه خير بلاد الله. وفاخر بقوة إنجلترا "التي كانت قد انتصرت في حرب السنين السبع). ووصف أعضاء البرلمان بهذين البيتين:

أني أشهد سادة الجنس البشري يمرون
وفي مشيتهم شموخ، وفي عيونهم تحد؛

ولكنه أنذر بأن الجشع يلوث الحكم البريطاني، وأن الحظائر المسيحية، المنبئة بأنانية الأغنياء، تفقر طبقة الفلاحين وتدفع أبناء إنجلترا الشداد للهجرة إلى أمريكا. وكان قد أطلع جونسن على المخطوط، فأضاف أبياتاً ستة معظمها قرب الخاتمة، استخف فيها بتأثير السياسة على سعادة الفرد، وأطرى المباهج البيتية البسيطة. وقد أدهش نجاح القصيدة جميع الناس عدا جونسن الذي أعانها بتقريظ أذاعه وقال فيه "أنه لم ينشر قط قصيدة بهذا الجمال منذ أيام بوب"(161)وهو قول تجاهل الشاعر جراي. وجنى الناشر ربحاً طيباً من الطبقات المعادة، ولكنه لم ينقد الشاعر غير عشرين جنيهاً. وانتقل جولدسمث إلى مسكن أفضل في "التمبل"، واشترى ثياباً جديدة ظهر فيها بسراويل أرجوانية، ومعطف قرمزي، وشعر مستعار، وعصا، ثم استأنف في مظهره الوقور هذا مهنة التطبيب. غير أن التجربة لم يحالفها التوفيق، ثم رده نجاح "قسيس ويكفيلد" إلى حظيرة الأدب ثانية. ذلك أن الكتبي الذي كان قد اشترى المخلوط من جونسن أحس أن شهرة جولدسمث الجديدة ستكون معواناً على تقبل القراء لهذه القصة الغريبة. وقد صدرت في طبعة صغيرة في 27 مارس 1766، فبيعت الطبعة في شهرين، وبيعت طبعة ثانية في ثلاثة أشهر أخرى، ولكن المبيع من القصة لم يغط نفقات الناشر إلا عام 1744. وفي تاريخ مبكر (1770) زكاها هردرلجوته، الذي رأى فيها "قصة من أفضل ماكتي من قصص إلى الآن"(162). وأمن ولتر سكوت على هذا الرأي(163). أما واشنطن ايرفنج فقد تعجب من أن أعزباً حرم الحياة الأسرية منذ طفولته استطاع أن يرسم "ألطف وأحب صورة للفضيلة الأسرية وكل ما يحبب الناس في الحياة الزوجية"(164). ولعل حرمان جولدسمث من الحياة الأسرية هو الذي حداه إلى أن يضفي على البيت هذه الصفات المثالية، ولعل حياة العزوبة التي كان يحياها على مضض هي التي جعلته يتسامى بصفات الشباب من النساء، ولعل غرامياته المجهولة هي التي دفعته إلى الإعلاء من قدر عفة المرأة لأنها أثمن من الحياة. وقد أمدته ذكرياته الحبيبة عن أبيه وأخيه بصورة الدكتور برمروز، الذي كان بوصفه "قسيساً، ومزارعاً، ورب أسرة... يجمع في ذاته أعظم ثلاث شخصيات على هذه الأرض"(165). وقد عادت جولاته هو تظهر في شخص الابن جورج، الذي ختم رحلاته كما ختم جولدسمث نفسه كاتباً مأجوراً في لندن. أن القصة بعيدة التصديق، ولكنها ساحرة.

وسرعان ما نفدت حصيلة "الرحالة" و "قسيس ويكفيلد"، ولا غرو فقد كان جولدسمث متلافاً لا يستقر المال في يده لحظة، يعيش دائماً في المستقبل. وقد تطلع بعين الحسد إلى الشهرة والمال اللذين قد تأتي بهما مسرحية ناجحة فرصد قلمه لاقتحام هذا الميدان العسير من ميادين الأدب، وسمى ثمرة جهده "الرجل الطيب" وعرضه على جاريك. وحاول جاريك أن ينسى التعليقات المهنية التي كتبها جولدسمث عنه من قبل، ووافق على أن يخرج المسرحية. ولكنها كانت تسخر من الكوميديات العاطفية، وهذه الكوميديات هي التي درت على جاريك الربح الوفير. فاقترح إدخال بعض التغييرات على المسرحية، ولكن جولدسمث رفضها. ونقد جاريك المؤلف مقدماً أربعين جنيهاً، ولكنه تباطأ تباطؤاً شديداً حمل المؤلف المتهور على عرض المخطوط على منافس لجاريك هو جورج كولمان الذي كان يدير مسرح الكوفنت جاردن. وانتقص ممثلو كولمان من قدر المسرحية، ولكن جونسن أيدها تأييداً قوياً، وحضر بروفتها، وكتب المقدمة التي تلقى قبيل العرض. وعرضت أول مرة في 29 يناير 1768، واستمر عرضها عشر ليال، ثم سحبت باعتبارها ناجحة نجاحاً متوسطاً، ومع ذلك بلغ صافي ما حصله المؤلف منها 500 جنيه. فلما أن جرى المال في يد جولدسمث عاماً انتقل إلى شقة جميلة في بريك كورت مخالفاً نصيحة جونسن، وأثثها تأثيثاً ممتازاً اضطره إلى العودة للكتابة المأجورة ليغطي نفقاته. وأخرج الآن كتباً شعبية في التاريخ- تاريخ روما، واليونان، وإنجلترا. و "تاريخاً للطبيعة الحية"- وكلها فقير في الدرس أثره النثر الرشيق. وحين سأله بعضهم لم كتب كتاباً كهذه أجاب\ بأنها أعانته على قوته، بينما أفضى به الشعر إلى التضور جوعاً. ومع ذلك ففي 26 مايو 1770 طلع على القراء برائعته "القرية المهجورة" التي نقد عنها مائة جنيه- وهو ثمن طيب في ذلك العهد لقصيدة لا تجاوز سبع عشرة صفحة طولاً. وقد نفدت منها أربع طبعات في ثلاثة أشهر. أما موضوعها فهجر الزارع للريف بعد أن أفقدتهم الحظائر المسيجة أرضهم. وقد رسمت صورة لقريته:

أي أوبرن الحلوة! يا أجمل قرى السهل،
حيث يقر الفلاح الكادح علينا بالعافية والخير الوفير

وخلعت القصيدة كل الألوان الوردية التي حلم بها خيال جولدسمث الحضري على رخاء الفلاح الذي زعم أنه سبق هذه الحظائر المسيجة. وصف المناظر الريفية، والأزهار المختلفة، "والكوخ الظليل، والمزرعة المحروثة" ورياضيات القرية ومراقصها، و "العذراء الخجول" والصبي المغمز، والأسر السعيدة التي تسودها التقوى والفضيلة. ثم عاد يرى أباه يعظ كنيسة كيلكيني وست:

كان رجلاً عزيزاً على الناحية كلها
يعيش في رغد بأربعين جنيهاً في العام-
وهو مبلغ كفاه لأن يطعم الشريد،
وينقذ المتلاف، ويؤوي الجندي المحطم،
ويفتقد المرضى، ويواسي المحتضرين.
كانت نظراته في الكنيسة تجمل المكان الوقور
وهو يلقيها في لطف ورقة دون افتعال؛
ويخرج الحق من شفتيه قوياً جباراً،
فيمكث الجهال ليصلوا بعد أن جاءوا ليستهزئوا!.

أما معلم المدرسة الذي أدب الشاعر في طفولته فقد تحول في ذكرياته إلى مدرس "صارم الطلعة".

ومع ذلك كان رحيماً، فإذا عنف في شيء
فلأن المحبة التي يكنها العلم كانت خاطئة
ثم كان بارعاً في الجدل باعتراف القسيس،
فهو يواصله ولو كان مغلوباً
وكان بألفاظه الطويلة البليغة المرعدة
يبهر الريفيين الملتفين حوله محدقين
وتحديقهم يطول، وعجبهم يشتد، لأن رأساً واحداً صغيراً حوى كل علمه.

وخيل لجولدسمث أن هذا الفردوس دمرته الحظائر المسيجة، فاستحالت مزرعة الفلاح إلى أرض للرعي، وفرت أسر الفلاحين إلى المدن أو المستعمرات، وأخذ يجف ذلك النبع الريفي الذي تنبثق منه الفضيلة الصادقة.

الويل لبلد يتكدس فيه المال ويفسد الرجال،
فهو فريسة لشرور وآفات لن تمهله طويلاً

أما وقد كتب جولدسمث خير قصيدة جاد بها جيله، فقد عاد الآن إلى الدراما. وفي 1771 عرض كولمان كوميديا جديدة سماها "تمسكنت فتمكنت" وتباطأ كولمان كما تباطأ جاريك من قبل، حتى تدخل جونسن في الأمر وأمر المدير تقريباً بإخراج التمثيلية. وكتب جاريك مقدمتها بعد أن تصالح مع جولدسمث. وبعد شدائد وضيقات كادت تحطم روح المؤلف، أخرجت المسرحية في 15 مارس 1773. وحضر جونسن ورينولدز وغيرهما من الأصدقاء حفلة الافتتاح وكانوا أول المصفقين. أما جولدسمث نفسه فكان أثناء ذلك في حديقة سانت جيمس على غير هدى، إلى أن عثر عليه بعضهم وأكد له أن مسرحيته لقيت نجاحاً عظيماً. وقد طال عرضها، وجاءته الحفلات التي خصصت حصيلتها له بعام من الرخاء.

وكان قد ترقى الآن بنفسه إلى مكانة لا يعلو عليه فيها سوى جونسن بين كتاب العصر الإنجليزي، بل لقد حقق الشهرة خارج وطنه. وكان شخصية قائده في "النادي"، وجرؤ على مخالفة جونسن مراراً. وذات مرة والحديث يدور حول قصص الحيوان الخرافية، لاحظ أن من العسير جداً أن تجعل السمك يتكلم كالسمك، ثم قال لجونسن "وليس هذا بالأمر اليسير كما تحسبه، لأنك لو شئت أن تجري الكلام على ألسنة السمك الصغير لتكلم كله كما تتكلم الحيتان"(166). وكان "الدب الأكبر" يخمشه ببراثنه أحياناً في قسوة، ولكنه أحبه رغم ذلك، وقد رد جولدسمث المحبة بمثلها رغم حسده جونسن على تفوقه في فنون الحديث. ولم يكن جولدسمث قد نظم معارفه ورتبها قط، ولم يكن في استطاعته الرجوع إليها بسرعة أو ذكاء، قال جاريك "كان يكتب كما يكتب الملاك، ويتحدث كما يتحدث بل المسكين"(167). أما بوزويل فكان ينزع إلى الغض من قدر جولدسمث، ولكن كثيراً من معاصريه- كرينولدز، وبير، وولكس، وبرسي- احتجوا على هذا الغض لما فيه من ظلم(168). وقد لوحظ أن جولدسمث كثيراً ما كان يحسن الحديث في الاجتماعات التي تغيب عنها جونسن(169).

وكانت لهجته في الحديث، وعاداته، ومظهره- كلها تعاكسه. فهو لم ينس قط لهجته الإيرلندية. وكان شديد الإهمال لهندامه، يلهو أحياناً يلبس الملابس الزاهية المتعددة الألوان المتناقضة المظهر. وكان مغروراً مزهواً بما حصل من ألوان الثقافة، ولم يعترف بتفوق جونسن عليه كاتباً. وكان طوله خمسة أقدام وخمس بوصات، وقد غاظه طول جونسن وضخامته. وكانت طبيعته الطيبة تشرق من خلال وجهه القبيح. والصورة التي رسمها له رينولدز لم تخلع عليه جمالاً، فهنا شفتان غليظتان، وجبين متراجع، وأنف ناتئ، وعينان قلقتان. وقد زاد الرسامون الكاريكاتوريون أمثال هنري بنبري فم أولفر اتساعاً وأنفه طولاً، ووصفته صحيفة "اللندن باكت" بأنه أورانجوتان(170)، وسرت في المدينة عشرات القصص عن أخطائه الفاضحة في حديثه وسلوكه، وعن حبه المستور للحسناء ماري هورنك.

أما أصدقاؤه فكانوا عليمين بأن عيوبه سطحية، تخفي روحاً من الود، والمحبة، والكرم الذي كاد يدمر صاحبه، وحتى بوزويل وصفه بأنه "أعظم من وجد من الرجال سماحة قلب، أما وقد أتيح له الآن قدر كبير من الذهب مما غلته مسرحياته الفكاهية، فإن جميع المعوزين يعتمدون عليه"(171). فإذا لم يعد لديه من المال ما يعطيه اقترض ليسد مطالب الفقراء الذين التمسوا العون منه(172). وقد رجا جاريك (الذي لم يكن قد استرد منه جنيهاتها الأربعين) أن يقرضه ستين جنيهاً على ذمة مسرحية أخرى، فوافاه بالمبلغ. وبلغت ديون جولدسمث عند موته 2000 جنيه. وتساءل جونسن "هل وجد قط فقير أولاه الناس هذه الثقة من قبل؟"(173).

وفي 1774، بينما كان على وشك الذهاب إلى أحد الأندية العديدة التي انتمى إليها، وأصابته الحمى. فأصر على أن يصف لنفسه الدواء، ناسياً نصيحة بوكليرك بأنه ينبغي ألا يصف الدواء إلا لأعدائه، وتناول عقاراً مسجلاً، فساءت حاله. ودعي طبيب لعيادته، ولكن وقت إنقاذه كان قد فات. وقضى نحبه 4 أبريل غير متجاوز الخامسة والأربعين. والتف حول جثمانه حشد من الباكين، وكانوا رجالاً ونساء بسطاء يكادون يعتمدون في قوتهم على صدقاته. ودفن في فناء كنيسة "التمبل" ولكن أصحابه أصروا على أن يقام له نصب تذكاري في وستمنستر آبي. ونحت نولكنز التذكار وكتب جونسن القبرية. وكان خيراً منها السطور التي كتبها الشاعر في مسرحية "الرجل الطيب" إذ يقول "ما أشبه الحياة في أعظم حالاتها وأفضلها بطفل شقي لا بد من ملاطفته ومسايرته قليلاً حتى ينام، ثم ينتهي كل الهم والقلق"(176).

الهامش

  1. ^ ريما الحكيم. "غولدسميث (أوليڤر -)". الموسوعة العربية. Retrieved 2014-01-15.
  2. ^ 'A literary party at Sir Joshua Reynolds's, D. George Thompson, published by Owen Bailey, after James William Edmund Doyle, نُشرت في 1 أكتوبر 1851


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصلات خارجية