أخبار:صور-انحسار الفرات يهدد سوريا بالجفاف

صورتان ساتليتان العليا في 5 مايو 2021، والسفلى في 7 مايو 2021، تظهران تراجع منسوب المياه في سد تشرين وسط-شمال سوريا. المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية.
صورتان ساتليتان العليا في 25 أغسطس 2021، والسفلى في 25 أغسطس 2021، تظهران تغير مستوى المياه في بحيرة الأسد على سد الطبقة في سوريا. المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية.
ثلاث صور ساتلية التقطت من اليمين إلى اليسار في 21 أغسطس 2019، 25 أغسطس 2020، 25 أغسطس 2021، تظهر تدفق نهر الفرات في وسط سوريا عبر بحيرة تشرين وسد تشرين وبحيرة الأسد وسد الطبقة. المصدر: وكالة الفضاء الأوروبية.

في 25 أغسطس 2021، نشرت وكالة الفضاء الأوروبية صوراً ساتلية لبحيرة الأسد وسد تشرين وسد الطبقة في سوريا، توضح تغيراً ملحوظاً في مستويات المياه، مما ينذر بموجات من الجفاف تصيب المناطق الشمالية من سوريا.

خلفية

في عام 1987، وقعت سوريا اتفاق تقاسم مياه مع تركيا تعهدت بموجبه أنقرة أن توفر لسوريا معدلاً سنوياً من 500 متر مكعب في الثانية، لكن هذه الكمية انخفضت بأكثر من النصف منذ أوائل 2021، ووصلت في فترات معينة إلى 200 متر مكعب في الثانية، وفق تقنيين.

ينبع نهر الفرات، أطول أنهار غرب آسيا، من جبال طوروس في تركيا ويتدفق منها إلى سوريا، من مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي مروراً بمحافظة الرقة شمالاً ومنها إلى دير الزور شرقاً، وصولاً إلى العراق. من تركيا إلى سوريا فالعراق، يغطي النهر 2800 كيلومتر. يلتقي في العراق بنهر دجلة ليشكلا سوياً شط العرب قبل أن يصب في مياه الخليج.[1]

وفي سوريا، بني سدان أساسيان على نهر الفرات هما سد تشرين في ريف حلب الشمالي، وسد الطبقة حيث تقع بحيرة الأسد الضخمة في ريف الرقة الشرقي. يغطي السدان 90% من حاجات شمال شرق سوريا من الكهرباء، بما فيها التيار اللازم لمحطات ضخ المياه. ويهدد تراجع منسوب المياه اليوم عملهما.

يحذر مدير سد تشرين منذ 13 عاماً حمود الحماديين من "انخفاض تاريخي ومرعب" في منسوب المياه لم يشهده السد منذ بنائه عام 1999. ومنذ ديسمبر 2020، تراجع منسوب المياه في السد خمسة أمتار. وفي حال استمراره بالانخفاض سيصل إلى ما وصفه الحماديين بالمنسوب الميت، ما يعني أن تتوقف "العنفات بشكل كامل" عن العمل. وعدا عن تراجع إمداد المنطقة بالكهرباء، توقفت محطات ضخ مياه عدة عن العمل، وفق الحماديين الذي نبّه إلى أن انخفاض منسوب المياه يهدد بارتفاع معدل التلوث ويعرض الثروة السمكية للخطر. ويقول "نحن نتجه إلى كارثة إنسانية وبيئية".

في سد الطبقة، تراجع منسوب المياه في بحيرة الأسد حوالى خمسة أمتار، وبات يقترب من المنسوب الميت أيضاً. وفي كامل شمال شرق سوريا، تراجع إنتاج الكهرباء بنسبة سبعين% لأن سدي تشرين والطبقة لا يعملان بالشكل المطلوب، على ما يقول مسؤول هيئة الطاقة في شمال شرق سوريا ولات درويش لوكالة الأنباء الفرنسية.

المياه كسلاح

في سوريا، يمر الفرات بغالبيته في مناطق تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية وذراعها العسكرية قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، لكنها تعد خصماً أساساً لتركيا التي تصنف أبرز مكوناتها وحدات حماية الشعب الكردية، مجموعة إرهابية. وشنت أنقرة وفصائل سورية موالية لها منذ 2016 ثلاث هجمات عسكرية في سوريا استهدفت المقاتلين الأكراد.

وتتهم الإدارة الذاتية أنقرة بعرقلة تدفق نهر الفرات إلى سوريا وباستخدام المياه كسلاح للضغط عليها. واتهمت دمشق أيضاً تركيا التي تدعم منذ بداية النزاع أطرافاً في المعارضة السورية، بحجز مياه نهر الفرات وعدم الالتزام بالاتفاقية الموقعة في 1987.

إلا أن مصدراً دبلوماسياً تركياً قال إن بلاده "لم تقدم يوماً على خفض نسبة تدفق المياه.. لأسباب سياسية أو أي أسباب أخرى". وأوضح "تواجه منطقتنا أسوأ فترات الجفاف بسبب التغير المناخي"، مشيرا إلى تسجيل "أدنى مستوى تساقط أمطار منذ 30 عاما على الأقل" هذا العام في جنوب تركيا.

ويُشكك الباحث في الشأن السوري نيكولاس هيراس في نية تركيا استخدام نهر الفرات كسلاح لصالحها، إذ من شأن ذلك أن يعقد علاقاتها مع الولايات المتحدة الداعمة للأكراد وحليفتها على النطاق الأوسع، ومع روسيا أبرز داعمي دمشق، لكن في الوقت ذاته شريكتها في اتفاقات تهدئة عدة في سوريا. ويقول هيراس إن "سلاح المياه الأسهل، والذي استخدمته أنقرة مرارا، هو محطة علوك" الواقعة في منطقة تحت سيطرتها منذ 2019.

وأحصت الأمم المتحدة انقطاع المياه عن محطة علوك 24 مرة منذ العام 2019 ما ينعكس على حياة 460 ألف شخص يستفيدون منها في محافظة الحسكة. حتى وإن كانت الكارثة التي تهدد شمال سوريا وشمال شرقها ناتجة عن تراجع مستوى الأمطار، فإن تركيا قادرة على الاستفادة من الأمر لمصالحها الجيوسياسية، وفق ما يرى الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش. ويقول "خلال فترات الجفاف، تستخدم تركيا ما تحتاج من المياه وتترك الفضلات للأكراد وإن كانت على معرفة كاملة بالتداعيات". ويضيف أن الهدف هو "خنق شمال شرق سوريا اقتصاديا".

إنذار بالجفاف

ويعيد فيم زفننبرگ من منظمة باكس الهولندية للسلام تراجع منسوب نهر الفرات في سوريا إلى مشاريع زراعية ضخمة وضعتها الحكومة التركية، وقد فاقم التغير المناخي الوضع سوءاً. وقد أطلقت تركيا في التسعينيات مشاريع زراعية ضخمة في جنوب البلاد، وبات عليها اليوم وجراء تراجع نسبة الأمطار أن تفعل المستحيل للحفاظ على كميات المياه ذاتها اللازمة لمشاريع الري. وقد يكمن الحل باستغلال كبير لمياه الأنهر. ويقول زفننبرگ "الجفاف قادم لا محالة"، مشيرا إلى أن صورا عبر أقمار اصطناعية تظهر "التراجع السريع في النمو الزراعي الصحي" في كل من سوريا وتركيا.

وقد حمل تقرير صدر في أغسطس 2021 عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة البشر و"بشكل لا لبس فيه" مسؤولية الاضطرابات المناخية التي ضربت العالم وتهدده أكثر وبينها موجات القيظ والجفاف. وحذرت الأمم المتحدة من أن فترات الجفاف ستصبح أطول وأكثر حدة حول البحر الأبيض المتوسط. وقد صنف مؤشر الأزمات العالمية العام 2019 سوريا على أنها البلد الأكثر عرضة لخطر الجفاف في منطقة المتوسط.

في ريف الرقة الشرقي، بات انكماش بحيرة الأسد، أكبر البحيرات الاصطناعية في سوريا، الهم الأكبر لدى عمال سد الطبقة من جهة والمزارعين من جهة ثانية. ويقول المهندس خالد شاهين الذي يعمل في سد الطبقة منذ 22 عاما لوكالة الأنباء الفرنسبة "نحاول تخفيض كمية المياه التي تمر عبر السدود للخروج بأقل الخسائر الممكنة". ويوضح "إذا استمر الوضع على هذا الحال، من المحتمل أن نوقف توليد الكهرباء، وأن نغذي فقط المخابز والمطاحن والمستشفيات".

وكان أكثر من خمسة ملايين شخص يعتمدون على النهر من أجل توفير مياه شرب نظيفة، لكن معظم المحطات التي كانت تتولى عملية تكرير المياه وتنقيتها باتت إما تعمل بشكل متقطع أو توقفت نهائيا. وبات على السكان شراء المياه من صهاريج خاصة، تتم تعبئتها من نهر الفرات لكن من دون تنقيتها، في وقت تتراكم مياه الصرف الصحي ويزداد التلوث.

وحذر ائتلاف منظمات تعمل في شمال شرق سوريا من انتشار الأمراض الناشئة عن تلوث المياه في محافظات حلب والرقة ودير الزور، فيما تسببت مياه معامل الثلج الملوثة بانتشار الإسهال في مخيمات النازحين. ويقول العلي "باتت الناس مضطرة لأن تشرب من المياه الملوثة، ما أدى إلى ازدياد الأمراض بين سكان القرية".

نقص الغذاء

يهدد تراجع منسوب نهر الفرات "المجتمعات الريفية على ضفافه والتي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة والري"، وفق ما تشرح الخبيرة السورية في الأمن البيئي مروى داوودي. وأتى الجفاف، وفق منظمات إنسانية، على مساحات زراعية واسعة تعتمد أساسا على مياه الأمطار، في بلد يعاني 60 في المئة من سكانه من انعدام الأمن الغذائي.

وأوردت الأمم المتحدة أن إنتاج الشعير قد يتراجع 1.2 مليون طن عام 2021، ما يصعّب تأمين العلف للحيوانات خلال الأشهر القليلة المقبلة. ويرجح بالانش أن تكون سوريا تواجه جفافا قد يستمر سنوات لم تشهده منذ آخر موجة جفاف فيها بين العامين 2005 و2010. ويقول "سيضطر المزارعون خلال السنوات المقبلة إلى تقليص المساحات المزروعة" محذرا من أن سوريا كلها "ستشهد نقصا في الغذاء، وسيكون عليها أن تستورد كميات ضخمة من الحبوب".

في العراق أيضاً، حذر المجلس النرويجي للاجئين من أن تراجع تدفق نهر الفرات قد يحرم سبعة ملايين شخص من المياه. ويقول المتحدث باسم المجلس كارل شيمبري "لا يأخذ المناخ الحدود بالاعتبار".

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "الانحسار الكبير لمنسوب نهر الفرات يهدد مناطق واسعة من سوريا بالجفاف". فرنسا 24. 2021-08-30. Retrieved 2021-08-30.