الانشقاق العظيم

(تم التحويل من East–West Schism)
المجمع المسكوني الثاني الذي كانت اضافاته للعقيدة النيقية الأصلية في صميم واحدة من الخلافات اللاهوتية المقترنة بالانشقاق الشرقي-الغربي. (تصوير، 879-882 م، من مخطوط، Homilies of Gregory Nazianzus, المكتبة الوطنية لفرنسا)

الانشقاق العظيم East–West Schism وهو انشقاق كنائس الشرق والغرب الخلقيدونية عن بعضها البعض، مشكلة بذلك فرع غربي لاتيني (كاثوليكي) وفرع شرقي بيزنطي (أرثوذوكسي)، وعادة يرجع تاريخ هذا الانشقاق إلى عام 1054م. والانقسام بين الشرق والغرب جاء في الواقع نتيجة فترة طويلة من الجفاء بين المسيحية اللاتينية واليونانية.

السبب الرئيسي للنزاعات التي أدت للانشقاق هو الخلاف حول قرار البابا ليو التاسع، والذي طالب بأن يكون له سلطة على البطاركة اليونان الأربع في الشرق، وأيضا رغبة الغربيين بإضافة عبارة على قانون الإيمان النيقاوي حول انبثاق الروح القدس من الابن أيضا إضافة للآب.

رأى الشرقيون بأن سلطة بابا روما هي شرفية وهو يملك سلطة روحية في نطاق رعيته فقط، وهو لايملك الحق لتغيير قرارات المجامع المسكونية. بالإضافة لتلك الأسباب الجوهرية وجدت أيضا عوامل ومؤثرات أقل أهمية أدت لحدوث الانشقاق، كالممارسات الطقسية وغيرها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأسباب البعيدة

ظهرت المسيحية في فلسطين، في بيئة وثنية ويهودية، خاضعة لسيطرة الامبراطورية الرومانية. ومنها انتقلت إلى سورية، فآسيا الصغرى، فمصر فإلى أرجاء الامبراطورية كلها. وقد عرفت من هذه الظروف مخاضاً ذاتياً على الصعيدين الديني والفكري. كما عرفت أزمات عقائدية وتنظيمية، في شرقي الامبراطورية وغربيها، تسببت أحيانا ًكثيرة في نشوء انقسامات، بعضها طارىء، وبعضها عميق. وقد حدث أهم التوترات والانقسامات في القرون الرابع والخامس والسادس الميلادي. فظهرت بِدعٌ جديدة في رومة وشمالي إفريقية وآسيا الصغرى، في حين برزت كيانات كنسية مستقلة في كل من سورية ومصر والحبشة وأرمينية. واتضح للمؤرخين أن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ظهور هذه الكيانات الكنسية المستقلة، أقرب إلى التباين الحضاري والثقافي والعرقي والسياسي، منه إلى الديني.

إلا أن هذه الانقسامات، لم تلغ السمات المشتركة بين معظم هذه الكنائس، من حيث المحافظة على أمور ثلاثة أساسية: الاعتراف بأهم العقائد المسيحية، وقيام اتصالات دائمة فيما بينها، ولاسيما إبان الأزمات الكبرى، والحفاظ على روح تبشيرية، داخل الامبراطورية وخارجها، إلى أقصى العالم المعروف. إلا أن إجراءً إدارياً مهماً اتخذه الامبراطور ديوقليسيانوس عام 285م على صعيد الامبراطورية الرومانية كلها، بتقسيم الامبراطورية قسمين شرقي وغربي، وما أعقب ذلك من إجراءات إدارية أخرى أدت إلى شطر المسيحية، كما يرى المؤرخون، إلى مسيحية شرقية ومسيحية غربية. ومنذ ذلك الحين بدأت تبرز في الشرق والغرب، على نحو متزايد، ملامح التباين جلية، على صعيد اللغة والفكر والتقاليد والسلطة. وفي عام 312م، حاول الامبراطور الروماني قسطنطين (312 - 337م) إعادة الإدارة الامبراطورية إلى وحدتها السابقة. فبدأ بتوحيدها دينياً، مما اضطره إلى محاربة شريكه في الحكم، الامبراطور مكسانس الذي كان يناصب المسيحية العداء وقتله في معركة شهيرة. وأصدر بعدها «إعلان ميلانو» الذي يقر فيه بشرعية المسيحية وحقها في الوجود.

من سلسلة مقالات عن
المسيحية
Jesus Christ is the central figure of Christianity.

الأسس و العقائد
يسوع المسيح
الثالوث الأقدس (الأب ، الابن ، الروح القدس)
كرستولوجيا· الكتاب المقدس·
علم اللاهوت المسيحي. قانون الإيمان
تلاميذ المسيح· الكنيسة· ملكوت الله· إنجيل
تاريخ المسيحية· الخط الزمني

الكتاب المقدس
العهد القديم· العهد الجديد
الوصايا· عظة الجبل
الولادة· قيامة يسوع· الإرسالية الكبرى
الوحي· الأسفار· القانون· أبوكريفا
التفسير· السبعينية· الترجمات

الثيولوجيا المسيحية
تاريخ الثيولوجيا· الدفاع
الخلق· سقوط الإنسان· الميثاق· الشريعة
النعم· الإيمان· الغفران· الخلاص
تقديس· تأله· العبادة
علم الكنيسة· الأسرار المقدسة· الأخرويات

التاريخ
المبكرة· المجامع المسكونية· العقائد
الانشقاق· الحملات الصليبية· الإصلاح البروتستانتي

مسيحية شرقية
أرثوذكسية شرقية· أرثوذكسية مشرقية
مسيحية سريانية· كاثوليكية شرقية

مسيحية غربية
كاثوليكية غربية · بروتستانتية
كالفينية · معمدانية · لوثرية
أنگليكانية· تجديدية العماد
إنجيلية · ميثودية . مورمونية
أصولية · ليبرالية · خمسينية
كنيسة الوحدة · . شهود يهوه
علم مسيحي . توحيدية . الأدفنتست
مواضيع مسيحية
الفرق· حركات· محاولات التوحيد المسيحية
موعظة· الصلاة· موسيقى
ليتورجيا· افخارستيا· الرهبنة· تقويم· الرموز· الفن

شخصيات مهمة
رسل المسيح الاثنا عشر. الرسول بولس
آباء الكنيسة. قسطنطين. أثناسيوس· أوغسطينوس
انسيلم· الأكويني· بالاماس· ويكليف
لوثر· كالفن· جون ويزلي

بوابة المسيحية


وفي عام 330م، وحد قسطنطين الامبراطورية كلها، وأقام لها عاصمة واحدة هي بيزنطة، التي أطلق عليها اسم «القسطنطينية». وكان في سعيه السابق لتوحيد البلاد، قد واجه هرطقة آريوس التي قسمت البلاد مدنيا،ً ودينياً، بين مؤيد ومعارض. فأمر بعقد مجمع مسكوني (يضم أساقفة المسكونة المعروفة آنذاك) عام 325، رَأَسه مناصفة مع مبعوثي بابا رومة. ومنذ ذلك الحين، نشأت لدى الأباطرة البيزنطيين، قناعة بأنهم يقتسمون مع رجال الكنيسة، مسؤولية اقتياد الناس والشعوب إلى الله. وقد أفضت بهم هذه القناعة إلى مداخلات ومبادرات لا حصر لها في شؤون الكنيسة والمسيحية. إلا أن الامبراطور تيودوسيوس رأى، عام 395، أن يقسم الامبراطورية من جديد، إلى شرقية وغربية، بين ابنيْه هونوريوس وأركاديوس. وفي حين أُعلنت مدينة رافينة بإيطالية، عاصمة للقسم الغربي، ظلت القسطنطينية عاصمة القسم الشرقي. ولما انهارت الامبراطورية الغربية تحت ضربات البرابرة (الهون)، عام 476، برزت القسطنطينية مجدداً عاصمة قوية استطاعت أن تصمد في وجه هؤلاء البرابرة.

وقد نجم عن هذا الحدث السياسي الكبير، أمران كان لهما تأثير واضح وحاسم في العلاقات بين الشرق والغرب. كان الأمر الأول نمو الشعور لدى المسؤولين الزمنيين والكنسيين في الشرق، بالقوة والثقة، وبالتعالي على الغرب. والحقيقة أن الغربيين قابلوا ذلك بإعجاب مكرهين عليه، حيال تلك الامبراطورية التي نجحت في تثبيت سلطتها الزمنية والدينية حيث أخفقوا هم.

أما الأمر الثاني فكان بروز دور رومة والكنيسة الغربية، على ما في ذلك من مفارقة، بوصفها السلطة الوحيدة القادرة على أن تحل محل الامبراطورية الغربية المنهارة. وكان ذلك يعود للطريقة التي تعاملت بها الكنيسة الغربية، وعلى رأسها البابا «لاون (ليون) الأول» الملقب بالكبير (440 - 461)، مع جحافل القبائل البربرية، من أجل احتوائها وتحضيرها. ومما ساعد في إبراز دور رومة هذا، أن بيزنطة أخفقت في تقديم الحماية لشعوب إيطالية في مواجهة البرابرة، مع أنها استطاعت مجدداً، في عهد الامبراطور جوستنيانوس (527 - 565)، أن تبسط نفوذها على شمالي إفريقية. هذا الواقع السياسي الجديد والخطير، اضطر البابا استفانوس الثاني، إزاء خطر اللومبارديين الغزاة، إلى التحالف مع ملك فرنسة بيبان القصير، عام 745، وكان منه أن قدم إلى فرنسة ليتوجه ملكاً، وكان بيبان القصير هو مؤسس الأسرة الكارولنجية التي قيض لها أن تحكم الغرب ردحاً طويلاً.

وفي العام نفسه، قام الملك بيبان القصير بالزحف على رأس جيشه، لإنقاذ رومة من الغزاة اللومبارديين الذين ضربوا الحصار حولها. وقد طاردهم حتى انتزع منهم منطقة رافينة التي كانت ما تزال تابعة للامبراطورية البيزنطية اسمياً، وألحقها بالممتلكات البابوية. وقد بلغ هذا التحالف بين البابوية والأسرة الكارولنجية ذروته، حين توج البابا لاون الثالث، عام 800، شارل الكبير في عاصمته آخن، امبراطوراً على الغرب كله، فأغضب بذلك بيزنطة، فازدادت الهوة اتساعاً بين رومة وبيزنطة، أي بين الكنيسة في الغرب والكنيسة في الشرق.


الأسباب القريبة

في هذه الأجواء الممتدة على مدى قرون، المملوءة بالصراع والخوف والريبة، تبرز أسباب ألبست لبوساً لاهوتياً وتنظيمياً، وهي أقرب ما تكون، في حقيقتها، إلى امتداد للخلافات الحضارية والسياسية والثقافية. والخلافات اللاهوتية الكبرى في المسيحية، إنما حصلت في نطاق الكنيسة الشرقية أولاً. وهي كلها تدور حول الثالوث المقدس ولاهوت السيد المسيح. وأما الخلافات اللاهوتية بين الشرق والغرب، فقد حدثت نتيجة حتمية، في معظمها وأهمها، للخلاف العميق القائم بين سلطتين وحسب. وقد تنوعت كثيراً أسباب الخلاف بينهما، بدءاً بالقرن الخامس وانتهاء بالقرن التاسع. إلا أن هناك قضيتين برزتا أكثر من سواهما، واحتلتا ساحة الخلافات بين الشرق والغرب، وهما قضية «انبثاق الروح القدس» وقضية «أولوية البابا».

انبثاق الروح القدس

اعترف المجمع المسكوني الذي انعقد في نيقية بجوار القسطنطينية في عام 352، بألوهية السيد المسيح. وفي عام 381، انعقد في القسطنطينية، مجمع مسكوني أقر بألوهية الروح القدس. وأضاف هذا المجمع إلى قانون الإيمان الذي أعلن في مجمع نيقية، عبارة تؤكد مساواة الروح القدس بالأب والابن، والعبارة هي «المنبثق من الأب». وقد أجمعت الكنيسة كلها على الإيمان بالثالوث في وحدانية الطبيعة الإلهية.

ومع انتشار الآريوسية في إسبانية، في القرن السادس، وهو مذهب ينكر ألوهية السيد المسيح، ارتأى بعضهم أن تضاف إلى عبارة «المنبثق من الأب» عبارة «والابن»، لتؤكد، من جديد، المساواة الكاملة في الطبيعة الإلهية الواحدة، بين الأب والابن والروح القدس.

ولما أصبح شارل الكبير والمعروف بـ«شارلمان»، امبراطوراً على الغرب كله، وأخفق في انتزاع اعتراف بيزنطة (القسطنطينية) به، اتهمها بالهرطقة، آخذاً عليها تكريمها للأيقونات ورفضها للعبارة الجديدة «والابن». وكان شارل الكبير قد فرض هذه العبارة على كنيسة الغرب. وكان كثير من المسؤولين الكنسيين قد سايروا الإرادة الامبراطورية، وأخذوا بهذه العبارة «والابن» في تلاوة قانون الإيمان وبعض الصلوات. إلا أن البابا لاون الثالث (795 - 816) رفض هذا المصطلح الجديد وعده اختلاقاً لاهوتياً غير مقبول. وأما بيزنطة فقد قابلت باستعلاء هذا الطموح اللاهوتي، الذي كان يخفي طموحاً سياسياً واضحاً. وبذلك اتسعت هوة التباعد بين الشرق والغرب. وقد ذهب أحد الأباطرة البيزنطيين، وهو ميخائيل الثالث، إلى وصف لغة الغرب، وهي اللاتينية، بأنها لغة البرابرة العاجزة عن ولوج عالم اللاهوت.

أولوية البابا

كان من الواضح، منذ زمن بعيد، أن خلافاً أساسياً بين الشرق والغرب، يدور حول تصورين متباينين لمفهوم السلطة وممارستها. فالشرق يرى السلطة في إجماع لاهوتي وإداري وتنظيمي يضم البطاركة (وبابا رومة أحدهم وهو بطريرك الغرب وإن كان يعد «الأول بين متساوين») والأساقفة جميعاً. في حين ينطلق الغرب في فهمه للسلطة من ممارسة رومة وإحساسها بأنها السلطة الوحيدة والقوية والقادرة على مواجهة الأحداث وبت الخلافات القائمة - أو الآتية - بين السلطات الروحية. ومستند الغرب اللاهوتي في هذا الفهم هو كون البابا خليفة القديس بطرس الذي عده السيد المسيح «الصخرة – الأساس» لكنيسة المسيح، كما جاء في الإنجيل المقدس (إنجيل متى 16/17 - 20).

هذا التفاوت الصارخ في مفهوم السلطة، فجَّر كثيراً من الخلافات، أبرزها اثنان:

الأول: قضية البطريرك فوتيوس

ففي عام 858، أقيل بطريرك القسطنطينية أغناطيوس، واختير بدلاً منه رجل لم يكن من رجالات الكنيسة، إلا أنه كان عالماً ولاهوتياً وسياسياً معروفاً، هو فوتيوس. فكتب البطريرك الجديد، كما درجت العادة منذ القديم، إلى سائر البطاركة، ومنهم بابا رومة، رسالة يعلمهم فيها بانتخابه وبوحدة الإيمان المشترك بينهم. فأرسل البابا نقولاوس الأول (858 - 867)، وفداً إلى القسطنطينية، يحمل بطاقة شخصية للبطريرك الجديد، على درجة كبيرة من التحفظ، ورسالة مطولة إلى الامبراطور، فيها إشارات صريحة إلى حق البابوية في ممارسة السلطة العليا في الكنيسة جميعها، وإلى الإجراءات المشبوهة في اختيار البطريرك الجديد، وإلى حقوق البابوية على الأراضي التي كان قد استولى عليها منذ أكثر من مئة سنة، الامبراطور البيزنطي لاون الثالث الإيزوري (717 - 740). وكان أن عقد في القسطنطينية، عام 861، مجمع كنسي بحضور الوفد البابوي، أقر فيه انتخاب البطريرك فوتيوس من جهة، كما أدين فيه البطريرك السابق أغناطيوس من جهة ثانية. ورد البابا على ذلك بأن عقد، مجمعاً كنسياً في رومة، عام 863، أعلن فيه بطلان انتخاب البطريرك فوتيوس. ثم ذهب البابا إلى أبعد من ذلك، وأراد أن يستغل الأزمة الناشبة بين فوتيوس وأغناطيوس، فطمح في بسط تنظيم موحد على الكنيسة جمعاء، شرقاً وغرباً، وذلك بكسر العقبة الكبرى في وجه سلطته، أي كسر سلطة بطريرك القسطنطينية. فتجاوز مقررات مجمع القسطنطينية الأخير واستدعى كلاً من «فوتيوس» و«أغناطيوس» إلى رومة، لينظر في قضيتهما، كما كان قد فعل من دون اعتراض، حيال أسقفين كبيرين من أساقفة الغرب، هما أسقفا مدينتي كولن وماينز بألمانية. فجابهه البطريركان - المختار والمخلوع - بالصمت التام.

الخلاف الثاني: قضية دخول الشعوب السلافية في المسيحية

ففي مطلع القرن التاسع كانت المسيحية قد بلغت بلغارية والمجر وسلوفاكية.

وفي عام 846، اعتلى عرش المجر الملك كاتسلاف، بدعم من الامبراطور الجرماني لودفيك. وسعى الملك كاتسلاف إلى التحرر من التأثير الجرماني الضاغط، فتوجه إلى رومة، سائلاً البابا أن يرسل إلى بلاده مبشرين يتقنون اللغة السلافية المحكية، فتعذرت الاستجابة إلى طلبه.

وفي عام 862، أرسل كاتسلاف وفداً إلى القسطنطينية يطلب منصرين بيزنطيين، يتقنون اللغة السلافية ويلقنون الشعب الشعائر البيزنطية. فرحب البطريرك فوتيوس بهذه المبادرة ورأى في الاستجابة لها انتصاراً على سلطة البابا في رومة. وأقنع الامبراطور البيزنطي بإجابة ملك المجر إلى طلبه.

وكُلِّفَ الأخوان كيرلس وميتوديوس - وهما من مواليد مدينة تسالونيكي (سالونيك) باليونان - القيام بهذه المهمة. نهض المنصران البيزنطيان بالمهمة على نحو مدهش، مع المقاومة التي جابههما بها المرسلون الجرمان. وكان من إنجازاتهما في هذا المجال، أن كيرلس استطاع أن يبدع للشعوب السلافية لغة جديدة باتت لغتهم القومية وقد استلهم أهم عناصرها من اللغات اليونانية والعبرية والقبطية علماً أن اللغة المجرية ليست سلافية بل فينية هنغارية، وبقيت كما هي. وقد اقتبس الروس فيما بعد لغتهم القومية، من هذه اللغة السلافية. وفي عام 865، سعى ملك بلغارية بوريس إلى تحرير كنيسة بلاده من نفوذ بيزنطة. فطلب من الامبراطور البيزنطي الموافقة على تخصيص بلغارية بكرسي بطريركي فقوبل بالرفض. فتوجه الملك بوريس صوب رومة، حيث قوبل بوعود مغرية جداً، منها تعيين رئيس أساقفة، وليس بطريركاً على بلاده شريطة أن يكون خاضعاً لرومة. وكان للبابا نقولاوس الأول ما أراد، وطرد الملك بوريس من بلاده المرسلين البيزنطيين، وظل المرسل البيزنطي ميتوديوس في بلغارية - بعد وفاة شقيقه كيرلس - مع قلة من تلاميذه، من دون أن يزعجه أحد، لما كان يتمتع به في طول البلاد وعرضها، من نفوذ وتأييد. وبذلك خطت رومة خطوة واضحة في توسيع الهوة بينها وبين بيزنطة، ولاسيما أنها سمحت للكنيسة السلافية بإضافة عبارة «والابن» إلى قانون الإيمان.

الأسباب المباشرة

تواصل تردي الوضع بين رومة والقسطنطينية، طوال القرن العاشر حتى منتصف القرن الحادي عشر وبدت المرجعية الكنسية العليا كأنها قد فقدت. ذلك أن خضوع رومة لسلطة الامبراطورية الجرمانية - وهي في نظر بيزنطة، عنوان البربرية - بلغ بها حد السماح للجرمان، في عهد الامبراطور هنري الثاني (1003 - 1024) باستخدام شعيرة خاصة بهم، وفيها عبارة «والابن» الشهيرة. في هذه الأثناء، اعتلى الكرسي البطريركي في القسطنطينية، رجل قوي الشكيمة اسمه ميخائيل كيرلاريوس. وقد طرأ في عهده (1043 - 1058)، تطور على العلاقات بين رومة والقسطنطينية، وأدى حسم الصراع بينهما إلى قطيعة. فقد أراد البطريرك كيرلاريوس، ضمن الإصلاحات التي ارتآها، أن يخضع حتى الكنائس الغربية القائمة داخل ولايته وعاصمته، لإصلاحات في الصلوات والشعائر وبعض عادات رجال الكنيسة من لباس ومظهر، عدت تطاولاً على سلطة البابا. وجرى تبادل رسائل بين البابا والبطريرك، بلغت لهجة بعضها من الحدة، ما دفع البطريرك إلى إصدار الأمر بإغلاق الكنائس اللاتينية القائمة في القسطنطينية. عندها أرسل البابا لاون التاسع، في مطلع عام 1054 وفداً برئاسة الكردينال الألماني هومبرت، إلى القسطنطينية. وكان أن استقبل الامبراطور الوفد بحفاوة في حين رفض البطريرك مقابلته. وطالت إقامة الوفد البابوي في القسطنطينية، وجرت في أثنائها أحاديث كثيرة، تحولت مع الوقت إلى مساجلات عنيفة، دارت حول توافه ضاعت في خضمها المسائل الكبرى المطروحة.

في هذه الأثناء، كان البابا لاون التاسع قد توفي في 19 نيسان من 1054 من دون أن يكون نبأ وفاته قد بلغ القسطنطينية. وفي السادس عشر من شهر تموز عام 1054، أقيم احتفال كبير في كبرى كنائس القسطنطينية، وهي كنيسة «آيا صوفيا» (أي الحكمة المقدسة) حضره كبار رجالات الكنيسة والدولة، وعلى رأسهم الامبراطور البيزنطي. فدخل الوفد البابوي الكنيسة، وألقى الكردينال هومبرت خطاباً ندد فيه بتمرد البطريرك على سلطة البابا، ثم وضع على الهيكل الكبير صك الحرمان الخاص بالبطريرك، وانسحب. وبعد أيام قليلة، عقد البطريرك كيرلاريوس مجمعاً كنسياً في القسطنطينية، صدر عنه صك حرمان الغربيين جميعاً، وعلى رأسهم بابا رومة. بدت القطيعة إلى حين كأنها نهائية إلا أنها لم تكن كاملة، لا بين القسطنطينية ورومة، ولا بين رومة وسائر العالم البيزنطي. وكان من بطاركة القسطنطينية الذين خلفوا كيرلاريوس من عاود الاتصال برومة. كما جرت محاولات جادة وعامة، فيما بعد لإعادة الوحدة إلى أفضل مما كانت عليه الحال.

إلا أن الصدع النفسي والثقافي من جهة، والصراع السياسي من جهة ثانية، كانا أمنع من جميع المحاولات. ويوم جاءت رابعة الحملات الصليبية، واحتلت القسطنطينية عام 1204، بدت كأنها حكمت بالموت منذ ذلك الحين، حتى اليوم على جميع محاولات التقارب بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية.

الأولوية البابوية و Pentarchy

أيقونة تصور الامبراطور قسطنطين وآباء مجمع نيقيا الأول (325) as holding the العقيدة النيقية in the wording as modified in 381.

انقسمت الكنائس الخلقيدونية عقائديا ولغويا وسياسيا وجغرافيا، وقامت في القرون اللاحقة لقاءات ومحاولات للصلح والوحدة، كمجمع ليون الثاني عام 1274م، ومجمع بازل 1439 ولكنها باءت كلها بالفشل.

المحاولات الحالية لرأب الصدع

اليوم هناك اتصالات و لقاءات جادة تعقد بين الطرفين بعد قرون من القطيعة، كان أبرزها زيارة البابا بينيدكت السادس عشر للبطريرك المسكوني برثلماوس رئيس أساقفة القسطنطينية في استنبول (28 نوفمبر / تشرين الثاني 2006- 1 ديسمبر / كانون الأول ).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً

الهامش

المصادر

  • إلياس زحلاوي. "الانشقاق الكبير". الموسوعة العربية.
  • Joseph P. Farrell. God, History, & Dialectic: The Theological Foundations of the Two Europes and Their Cultural Consequences. Bound edition 1997. Electronic edition 2008.
  • Aidan Nichols. Rome and the Eastern Churches: a Study in Schism. 1992

وصلات خارجية

پاپوات الانشقاق العظيم
Antipope John XXIIIAntipope John XXIIIAntipope Alexander VPope Gregory XIIPope Innocent VIIPope Innocent VIIPope Boniface IXPope Urban VIAvignon Pope Benedict XIIIAvignon Pope Clement VIIPope Martin VPope Gregory XI