النقابية-اللاسلطوية

(تم التحويل من Anarcho-syndicalism)
شعار الأناركية (الفوضوية) Anarchy symbol

التعاونية–اللاسلطوية أو النقابية-اللاسلطوية (أيضا يشار لها بالنقابية الثورية)[1] هي إحدى النظريات اللاسلطوية التي ترى أن النقابية الصناعية الثورية تعتبر إحدى سبل العمال في السيطرة على اقتصاد المجتمعات الرأسمالية، ومن خلال ذلك يتسع تاثيرها على المجتمع. يعتبر النقابيون نظريتهم الاقتصادية بأنها استراتيجية تسمح بالنشاط الذاتي للعمال وكنظام اقتصادي تعاوني بديل بقيم ديموقراطية وانتاجية متمركزة على توفير المتطلبات البشرية.

من أهم المبادئ النقابية-اللاسلطوية: التضامن العمالي، والعمل المباشر (من دون تدخل اطراف ثالثة كالسياسيين أو البيروقراطيين أو المحكّمين)، والديمقراطية المباشرة أو الإدارة الذاتية للعمال. الهدف النهائي للنقابية هو إلغاء نظام الأجور، معتبرا إياه نوعا من أنواع العبودية. لذلك فان نظرية النقابية-اللاسلطوية تتمركز بشكل عام حول الحركة العمالية. [2]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

الأصول

مؤتمر 1910 والذي تم أثناؤه تدشين الإتحاد الوطني للعمل CNT في أسبانيا
شعار CNT مع الأحروف الأولى FAI التي ترمز للإتحاد الأيبيري اللاسلطوي Federación Anarquista Ibérica

كتب هابرت لاجارديل أن بيير-جوزيف برودهون قد شرح أفكار أساسية للتعاونية-اللاسلطوية وقام بشجب الرأسمالية وكذلك الدولةفي أثناء ذلك الشرح حيث أنه رأى أن التكتلات الإقتصادية والكفاح هما المتأصلان في البشر، وليس المسالمة..[3]

في سبتمبر 1903 وفي مارس1904 ، قام سام مينوارينج بنشر عددين من الجريدة قصيرة العمر "الإضراب العام" The General Strike في بريطانيا، وهي بمثابة منشور قام بتوجيه إنتقادات مفصلة ل"الروتينية" (Officialism) لبيروقراطية الإتحادات العمالية وقام بالإعلان عن إضرابات في أروربا باستخدام تكتيكات نقابية (Syndicalist)[4]

رابطة العمال الدولية

[5] رابطة العمال الدولية International Workers Association (IWA) هي إتحاد نقابي-لاسلطوي تأسس في 1922. تهدف الرابطة إلى تنظيم العمال في منظمات نقابية مقاوِمة مشتبكة في نضالات أماكن العمل وتنظيم الحركات الشعبية، بلا تدخل من إداريي الإتحادات (البيروقراطيين)، الأحزاب السياسية أو الدولة، للدفاع عن الحقوق والمكتسبات الجديدة للطبقة العمالية، توجهاً نحو ثورة إجتماعية.

رابطة العمال الدولية IWA تقوم بتوحيد المنظمات ذات الأهداف المشتركة حول العالم بهدف نهائي وهو تأسيس المجتمع الشيوعي الليبرتاري.

الرابطة مستقلة عن رؤساء العمل، منظمات الموظقين، الأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة ولا تقبل أي شكل من أشكال الإعانات.

فروع رابطة العمال الدولية تقوم بنشاطات واسعة التنوع، كالتكافل في موقع العمل والتنظيم الإتحادي، التدريب والنصح للعمال، حملات متعلقة بعمال يتم تعهيدهم للعمل بصورة مؤقتة وموسمية، التنظيم بين العمال المهاجرين، حملات ضد-العسكرة، حملات تكافل عالمية، التنظيم المجتمعي والترويج للتعاونيات ذاتية الإدارة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مباديء التنظيم والنشاط

من ضمن المباديء المحدِدة للنقابية-اللاسلطوية ورابطة العمال الدولية الآتي:

- العمل المباشر:

وهو ما يعني أن الأشخاص يقومون بالتنظيم والنشاطات بأنفسهم كوسيلة للنضال وحل المشاكل التي تواجههم. النشاط المباشر يعني إتخاذ القرارات والقيام بالنشاطات بدون وسطاء. في صراعات مواقع العمل، يتخذ العمل المباشر أشكال شائعة من ضمنها الإضراب، المقاطعة، التظاهر، إلخ.

يعزز العمل المباشر التنظيم الذاتي والمبادرة، المساواة والتكافل فيما بين الناس. كما أنه يعد طريقة لرفض سلطة المؤسسات التي تسعى للحفاظ على موقعها المتحكِّم. وعبر العمل المباشر يأخذ العمال بزمام السيطرة على نضالاتهم وأثناء ذلك يطورون مهارات أساسية لازمة للمجتمع الليبرتاري الشيوعي في المستقبل.

- الديموقراطية المباشرة والفيدرالية (الإتحادية)

تتألف رابطة العمال الدولية من أعضاء في شكل فروع تكون مستقلة ولكن يتوجب عليها أن تلتزم بالمباديء والقرارات المتفق عليها. إتخاذ القرارات في الرابطة يتم بشكل فيدرالي ويكون لكل فرع صوت.

تقوم الرابطة بعملها على أسس الديموقراطية المباشرة، التناوب والمفوضين القابلين للتنحية. يتم إتخاذ القرارات في القاعدة عن ريق الأعضاء، الذين يقومون بدورهم بتطليف مفوض ليقوم بتمثيل إتفاقهم مع الآخرين. إذا لم يقم المفوضين بالتعبير عن الآراء المتوافق عليها أو قاموا باستغلال مواقعهم، يمكن تنحيته في أي وقت.

- التكافل والمعونة التبادلية

بشكل يعكس فكرة أن العمال يحتاجون لبعضهم البعض، لا للتنافس أو الوقوف في وجه الآخرين، فبدون التكافل لن تكون هناك إمكانية لاحقيق إنتصارات بسيطة ولا أن يصبح التغيير المجتمعي الأوسع ممكناً.

- العالمية

نضال تحرير الطبقة العاملة من براثن الرأسمالية والدولة لا يمكن إلا أن يكون عالمياً. الرابطة ترفض أفكار المصلحة الوطنية على حسب التكافل العالمي الأوسع.

تتضح هذه الفكرة بشكل جليّ في النضالات ضد الشركات متعددة الجنسيات أو الشركات ذات المصالح العملية في دول مختلفة، حيث أن الرابطة قد تحتاج لمواجهتهم في مواقع مختلفة في وقت واحد.

- التمويل المستقل

يتم تمويل رابطة العمال الدولية عبر إشتراكات أعضائها. ولا تقبل الرابطة أي إعانات تجارية، سياسية، حزبية، أو أية إعانات من الدولة ولا من أية مؤسسات مستقلة عن الرايطة.

- رفض الرأسمالية والدولة

الرابطة مستقلة، مالياً، سياسياً وتنظيمياً عن أية مصالح تجارية أو حزبية. والسبب هو أن المعركة ضد الرأسمالية والدولة يجب أن يتم خوضها بطريقة تقوي الحركات الشعبية المنظمة ذاتياً وألا تسمح بتسرب أية مصالح خاصة في نضالاتها، فالعمالة ورأس المال ليس بينهم أية مشتركات.

الأهداف الآنية في صراعات موقع العمل يمكن أن تتصل بمطالب مادية واقعية ولكن الهدف الأبعد للنشاط في شكله العالمي هو استبدال النظا الرأسمالي والدولة بنظام مجتمعي أكثر مساواةّ وذاتي التنظيم.

تاريخ الرابطة

تم إيجاد رابطة العمال الدولية في مدينة برلين في ديسمبر 1922. وقد مثل تأسيسها مفارقة هامة عن خط البلاشفة Bolsheviks، الديوقراطيين الإجتماعيين Social democrats والقوى الأخرى، رافضين مركزية الإتحادات، البرلمانية Parliamentarism، العسكرة Militarism والقومية Nationalism. وقد تألفت الرابطة في الأصل من إتحادات عمالية من ألمانيا، الأرجنتين، تشيلي، الدنمارك، النرويج، إيطاليا، هولندا، البرتغال، السويد، فرنسا وأسبانيا والتي كانت قد أنضمت في السنة التالية.


في عشرينات القرن الماضي، إشتركت فروع عديدة من الرابطة في نضالات عظيمة ولكنها عانت أيضاً من القمع من قبل الدولة. وفي الثلاثينات، إندلعت الثورة الأسبانية، حيث قام الفرع المحلي من الرابطة CNT الإتحاد الوطني للعمل Confederación Nacional del Trabajo بالنضال من أجل الثورة الإجتماعية، قائماً بتنظيم جماعات قروية وعمالية على مدى واسع، حتى تم سحقه بالقوة الغاشمة على يد الفاشيين. وقد قاتل الكثير من الناس من الدول الأخرى جنباً إلى جنب مع الرابطة الدولية للعمال IWA في إطار التضامن. ولكن بانتشار الأنظمة الفاشية والشمولية، نم قمع فروع الرابطة على نظاق واسع، وتم حظرها وتعرض العديد من أعضائها للقتل.

CNT تظاهرة للعمال في مدريد عام 2010

في خمسينات القرن العشرين بدأت الرابطة في إعادة إحياء نفسها. وكان الإتحاد الوطني للعمل CNT في فرنسا Confederation Nationale Du Travail نشطاً في إعادة تنظيم المدى الدولي. وقد إنضمت منظمات جديدة وأعادت فروع قديمة تنشيط نفسها.

في الستينات والسبعينات، عاد إتحاد العمال الإقليمي الأرجنتيني FORA (Federación Obrera Regional Argentina) للحياة مجدداً. وفاة الجنرال فرانسيسكو فرانكو واكبت عودة ظهور CNT في أسبانيا، ,وبعده إتحاد العمال الأحرار FAU أو Freie ArbeiterInnen-Union في ألمانيا وكذلك الرابطة النقابية النرويجية NSF أو Norsk Syndikalistisk Forbund تم إعادة تنظيمهما. وفي إيطاليا، لم ينقطع الإتحاد النقابي الإيطالي USI أوUnione Sindacale Italiana عن التواجد، وقد تمكن من تحويل نفسه إلى إتحاد فاعل وكذلك الفرع البريطاني من رابطة العمال الدولية، والذي كان في حالة تراجع، مر بتغيرات وتحول لاحقاً إلى إتحاد التضامن SF أو Solidarity Federation.

وفي التسعينات إنضم فرع من البرتغال إلى الرابطة ATI-SP (Associação Internacional dos Trabalhadores - Secção Portuguesa) [6]، ولاحقاً إنضم أيضاً إتحاد العمال البرازيلي COB Confederação) (Operária Brasileira.

وقد أدى تغيير الأنظمة في الكتلة الشرقية القديمة إلى تشكيل مجموعات نقابية-لاسلطوية جديدة في دول هذه المنطقة. فروع جديدة مثل إتحاد النقابيين اللاسلطويين الثوري في روسيا KRAS، إتحاد عمالي تحت إسم "العمل المباشر" أو Priama Akcia PA في سلوفاكيا، المبادرة النقابية اللاسلطوية أو Anarho-sindikalistička inicijativa ASI في صربيا إتحاد النقابيين البولندي أو Związek Syndykalistów Polski ZSP إنضموا أيضاً لاحقاً للرابطة. وهذه المنظمات ثمثل فروع الرابطة الدولية للعمال.[7]

نشأة مفهوم التعاونية-اللاسلطوية

شهد أوائل القرن العشرين نشوء حركة التعاونية أو النقابية اللاسلطوية Anarcho-syndicalism كمدرسة مستقلة من الفكر اللاسلطوي تركز أساسا على الحركة العمالية أكثر من سابقاتها من المدارس اللاسلطوية. تعتبر التعاونية اللاسلطوية الاتحادات والتجمعات التجارية كقوة كامنة للتغيير الاجتماعي الثوري، الذي سيستبدل الرأسمالية و الدولة بمجتمع جديد محكوم ديمقراطياً من قبل العمال. تبحث التعاونية اللاسلطوية عن إزالة النظام الإحتكاري الطبقي وإلغاء المِلكية الخاصة لوسائل الإنتاج، باعتبار هذه الملكية هي سبب نشوء الطبقات الاجتماعية.

الفوضوي الألماني رودولف روكر هو أحد أهم الأصوات في حركات التعاونية اللاسلطوية قام بكتابة أبحاث مهمة و جهات نظره حول أصل الحركة و لماذا يعتقد أنها ذات أهمية لمستقبل العمال في منشوره [8] عام 1938: Anarchosyndicalism مع أن هذه المرسة تترافق على الأكثر مع نضال العمال في أوائل القرن العشرين خاصة في فرنسا و إسبانيا ، فما زال هناك العديد من الحركات التعاونية اللاسلطوية فعالة إلى اليوم . إلا ان بعض اللاسلطويين المعارضين لها يحاولون إخراجها من دائرة اللاسلطويين.

[9]

Noam Chomsky

نعوم تشومسكي والذي تأثر برودولف روكر، كان قد كتب المقدمة لإصدار حديث من كتاب [8] Anarcho-syndicalism: Theory and Practice. تشومسكي هو فوضوي-لاسلطوي كما يصف نفسه، موقفاً يرى فيه التطبيق المناسب للنظرية السياسية لليبرالية الكلاسيكية في المجتمع الصناعي المعاصر:

الآن، نظاماً فيدرالياً (إتحادياً) غير مركزي من الجمعيات الحرة، يقوم بدمج مؤسسات إقتصادية وإجتماعية، سيكون هو ما أشير إليه على أنه نقابية-لاسلطوية، وفيما يبدو لي أن هذا هو الأسلوب الملائم للتنظيم الإجتماعي لمجتمع تقني متقدم لا يحتاج فيه البشر إلى أن يجبروا على التحول إلى أدوات، تروس بداخل ماكينة. لم يعد هناك أية ضرورة إجتماعية على أن يتم التعامل مع البشر وكأنهم عناصر ميكانيكية في العملية الإنتاجية، وهذا يمكن التغلب عليه ويجب علينا أن نتغلب عليه لنتحول إلى مجتمع الحرية والإرتباط الحر، فيه تكون الرغبة الإبداعية، والتي أعتبرها شيء جوهري في الطبيعة الإنسانية، قادرة على تحقيق ذاتها بأية طريقة ترغب بها.” '

[10]

مفهوم النقابية

النقابية هي طريقة للتنظيم الصناعي تفارق التصورات التقليدية للسلطة والحوكمة للنظام الرأسمالي والدولة. فبينما الشيوعية تعني بالضرورة التخلص من الفردية الرأسمالية، وهو في رأي الكثيرين ما يصنع وحشاً أكثر سوءاً يحل محلها ألا وهو الدولة الإقتصادية، ولكن النقابية على خلاف ذلك، تفارق كل أساليب الإدارة المعتادة التي أدت تاريخياً إلى القمع وإستغلال الإنسان للإنسان، وتقوم ببناء نموذج تنظيمي يستند على الإحتياجات الطبيعية للإنسان، بدلاً من مصالح الطبقات الحاكمة، وبعيداً عن أوامر وإملاءات السلطة، مستندة إلى التعاون الإرادي (الإختياري) بين أفراد أحرار ومتساوين لتحقيق الإحتياجات الاقتصادية للأشخاص الذين يشكلون المجتمع. [11]

مباديء التعاونية-اللاسلطوية

المباديء الأساسية التي تميز النقابية-اللاسلطوية هي: تضامن العمال Workers' Solidarity، الفعل المباشر Direct action (أي النشاط الذي يتم بدون تدخل أي طرف ثالث كالسياسيين، البيروقراطيين أو المحكمين) والديموقراطية المباشرة، أي الإدارة الذاتية من قبل العمال.

يعتقد النقابيون-اللاسلطويون أن نظرياتهم الإقتصادية تشكل إستراتيجية لتسهيل النشاط الذاتي لطبقة العمال (البروليتاريا) وتكوين نظام إقتصادي تعاوني بديل مبني على قيم ديموقراطية، وعملية إنتاج محورها هو توفير الإحتياجات الإنسانية.

ويرى النقابيون-اللاسلطويون أن الغرض الرئيسي للدولة هو حماية الملكية الخاصة في صورة السلع الرأسمالية، وبالتالي الإمتيازات الإقتصادية، الإجتماعية والسياسية، وأنها بإدامة هذا الوضع القائم، تقوم الدولة بحرمان مواطنيها من التمتع بالاستقلالية المادية والاستقلالية المادية التي تنبع منها.

وإنكعاساً من الفلسفة اللاسلطوية (الفوضوية)، والتي تستمد منها إلهامها الأساسي، فإن النقابية اللاسلطوية تتمحور حول فكرة أن السلطة مفسدة وأن أية بنية تراتبية لا يمكن تبريرها أخلاقياً يجب أن يتم تفكيكها أو استبدالها بسيطرة لا مركزية مساوية بين الجميع. [12]

النقابية كتعبير صناعي عن اللاسلطوية

اللاسلطوية (الفوضوية) في حد ذاتها هي مذهب يقوم بتدريس ضورة وجود مجتمع بلا حكومة. ويؤيد المذهب اللاسلطوي يدلاً عن التعامل الحكومي القسري مع الفرد - وهي طريقة التعامل التي تتواجد حتى في أكثر المجتمعات ديموقراطية طالما حفاظت على شكل الدولة- مجتمعاً مبني على أسس التعاون الحر بين الأفراد من رجال ونساء بهدف تحقيق حاجاتهم الإجتماعية والإقتصادية.

التنظيم على أساس طوعي ضرورة لإدارة وسائل الإنتاج والخدمات العامة المطلوبة، ولكن لا مكان أو قيمة لجهاز فوقي للسلطة، ببرلماناتها، شرطتها، أجهزتها البيروقراطية، قوانينها، ضرائبها، أو أية مؤامرات سرية في الشئون الداخلية أو الخارجية، كل ذلك لا يمثل أهمية في مجتمع مبني على العدل والمنطق. في النظام الفوضوي (اللاسلطوي)، عندما يؤدي الشخص ما عليه من إلتزامات إقتصادية في صورتها الوظيفية التعاقدية، فيمكنه أن يختار كيف يعيش حسب رغبته، طالما لم يتدخل في حريات أقرانه.

السيطرة على وسائل الإنتاج

اللاسلطويون يؤمنون أن وسائل الإنتاج يجب أن تكون مملوكة للمجتمع، بشكل جمعي، وبالتالي من خلال هذه المقاربة فقط يصبح من الممكن إزالة التأثير المعيق للملكية الخاصة وحينها يمكن استغلال لموارد الطبيعية والعلم لأقصى درجة لتحقيق مصلحة الإنسانية.

ولهدف عدم إتاحة إمكانية ظهور هذه المصالح الشخصية، فإن اللاسلطويون يدفعون بأنه بمجرد إنتزاع وسائل الإنتاج من الأيدي المستولية للمتحكمين بها، فإن وسائل الإنتاج سيتم إدارتها ليس من قبل السلطة أو طبقة الصفوة أو القيادات، بل من قبل الأشخاص المهتمين والمشاركين في الإنتاج بأنفسهم، مثل العمال في كل صناعة من الصناعات.

النقابية هي المنهج الذي يوفر السبيل الذي يسلك لتنظيم هذا النوع من التحكم والسيطرة من جانب العمال. بل وبطريقة أسبق، فإنه من خلال هذا المنهج سيتمكن العمال من تنظيم أنفسهم في مجتمع المِلكية من أجل بلوغ المجتمع غير الطبقي.

النقابة (في مفهوم النقابيون-اللاسلطويين) هي شكل من أشكال إتحادات العمال الذي يختلف عن الشكل المتعارف عليه للنقابات المهنية، حيث أن غرضها لا يقتصر على مجرد إكتساب تحسينات على الأجور وظروف العمل تحت النظام القائم، ولكن كخطوة أيضاً في سبيل التخلص من النظام القائم ذاته واستبداله بالمجتمع الحر عن طريق الثورة الإجتماعية بناءاّ على النشاط الإقتصادي المباشر للعمال.

وهذا التوجه لا يعني بالطبع تجاهل النقابة اللاسلطوية للنضالات اليومية للعمال، ولكنه يعني أن أعضاؤها يدركون بوضوح أن التفكيك الكامل لبنية المِلكية والسلطة، هو السبيل الوحيد لتحقيق العدل والأمن للعمال.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفرق بين النقابة المهنية والنقابة اللاسلطوية

كما تختلف النقابة اللاسلطوية عن النقابة المهنية في أسلوب التنظيم. فالنقابة المهنية الإعتيادية تتّبع نهج المجتمع الحكومي، من حيث أن بينتها تتخذ شكلاً مركزياً، تقع السلطة فيه في المركز مع تواجد بيروقراطية إدارية دائمة. وهذه الفئة البيروقراطية كما تجري الأمور في العادة، سريعاً ما تكتسب القوة والامتياز بما يدفعها إلى أن تتحول إلى فئة (طبقة) ذات موقع إجتماعي أعلى من العمال الذين يدفعون لها رواتبها، والذين من المفترض أن يكون دورها هو خدمتهم في الأساس.

وعلى النقيض من ذلك، فإن النقابة في المفهوم اللاسلطوي مبنية على أساس تنظيم العمال حسب مجال الصناعة التي يعملون بها في موقع العمل. عمال كل شركة، مصنع، مستودع أو مزرعة يمثلون وحدة مستقلة تدير شئونها بنفسها ويتخذ العمال القرارات فيما يخص الأعمال والمهام التي يؤدونها.

هذه الوحدات تتجمع بشكل فيدرالي (إتحادي) في شكل النقابة والتي تقوم بدورها في تنسيق نشاطات العمال في كل وحدة صناعية. وهذا الكيان الفيدرالي المجمّع لا سلطة له على العمال في كل فرع أو وحدة، ولا حق الفيتو (النقض أو الإعتراض) على أي نشاط كم يمتكله شخص ذو منصب تنفيذي في النقابة المهنية العادية. كما أن هذا الهيكل الموحد للنقابة لا يوجد به فئة إدارية بيروقراطية دائمة، ويتم إختيار القليل من الأشخاص ذوي الإمتيازات التنفيذية لفترات قصيرة الأمد، ولا يتم منحهم أية إمتيازات تضعههم في منزلة أعلى تدفع مستوى معيشتهم لمستوى أعلى من العمال، ولا تملك سلطة من أي نوع.

النقابة في المفهووم اللاسلطوي كونها حقيقة محكومة من الأسفل وكونها غير موصومة بفكرة السلطة ولا هياكلها المؤسسية، تمثل إرادة العمال والخير للمجتمع أكثر من أي صنف آخر من المنظمات. إنعدام المركزية والبيروقراطية التي تتسم بها النقابة، وكذلك إنعدام أي نوع من الإمتيازات أو أية فائدة متحققة من التراتب الحالي للمجتمع، كل هذه السمات تعطيها مرونة في الممارسة وتكافل حقيقي، مما يجعلها أداة نموذجية للتأثير وخلق القنوات في الإتجاه الصحيح لمصلحة النشاط الثوري للناس.

كمثال في حالة الثورة، سيتمكن عمال خطوط السكك الحديدية من مصادرة والسيطرة على الخطوط، المحطات وعربات القطارات، وإستخدامها بما يخدم أغراض الثورة وليس لمصلحة الأسياد والحكام المطرودين عن سدنة السلطة.

وفي نفس السياق، وبعد الثورة على المجتمع القديم، ستشكل النقابة إطار العمل الذي يبنى من خلاله المجتمع الحر الجديد. حيث أن اللاسلطويون يؤمنون أنه وبمجرد التخلص من النظام وشكل المجتمع القديم، سيتحتم عليهم بناء هيكل إجتماعي جديد للسيطرة على وسائل الإنتاج وتغيير القواعد الإقتصادية لتتجه نحو خدمة مجتمع حر بدلاً من مجتمع طبقي.

التخلص من المجتمع القديم

لن توجد سلطة تحكم، لا إدارة بيروقراطية، وكل عامل سيكون مسئولاً بشكل تكاملي ومتساوي مع أقرانه في عملية تسيير الأعمال بشكل لائق في الوحدة الصناعية التي يعمل بها.

ولكن يجب عدم إفتراض إن النقابيون ينظرون إلى مسألة إدارة وتسيير العملية الصناعية على أنها مسألة سهلة وبسيطة، بل على العكس، فهم مدركون تماماً ويعملون عن طريق خبرتهم العملية مدى تعقد وتشابك العملية، كما يؤمنون بفشل النظام الإداري البيروقراطي المنعزل عن العمل الحقيقي في إدارة هذا العمل المعقد بأقصى فاعلية.

العمال هم الأشخاص الذين يملكون المعرفة المباشرة لعملية تسيير العمل، وإذا تمكن العمال في أي وحدة صناعية من دراسة مشاكل التسيير والتنسيق بين مهام وحداتهم المختلفة في نفس الصناعة، فإنهم يتمكنون بالضرورة من تسيير الأعمال وإدارتها بشكل أكثر فاعلية من البيروقراطية الإدارية القديمة.

وإنطلاقاً من إدارة العمال لوحدتهم الصناعية، وتكتل الوحدات بداخل الشركة، المصنع أو المؤسسة التي يعملون بها تحت مظلة النقابة، وتتحد الوحدات النقابية فيدرالياً للتنسيق فيما بينهم في كل أرجاء الدولة في المجال الصناعي الذي يعملون به، كما تتسع الدائرة طبيعياً إلى التنسيق بين الإتحادات الصناعية المختلفة إلى مستوى التنسيق بين الصناعات المختلفة. وتتحد في المدى الأوسع كل إتحادات النقابات الصناعية لتشكل كيان إتحادي وطني لهذه الصناعة بشكل كامل في الدولة، وهي المظلة الأكبر التي يتم من خلالها التنسيق والتعاون بين نشاطات جميع الصناعات.

الدوافع القديمة والتي ترتكز على الربح والمصلحة الشخصية ستتوقف عن الهيمنة على الحياة الإقتصادية، أساليب الإدارة التراتبية (الهرمية - Hirearchy) ستنعدم، وبدلاً عن ذلك ستكون وظائف الإدارة والإشراف حق للعمال أنفسهم، ولو استحال الأمر في وحدة صناعية أو صناعة ما أن يشترك جميع العمال في عملية الإدارة، سيكون البديل هو مفوضين يتم إختيارهم من قبل مجموعة من العمال للقيام بوظائف الإدارة ومختلف الخدمات بشكل يتوافق مع رغبات العمال.

وبالطبع كما هو إلتزام النقابيين-اللاسلطويين، لن يكون لهؤلاء المفوضين أي سلطة، ولا يمكنهم إتخاذ أية قرارات تتعلق بسياسيات العمل، وستقتصر وظيفتهم على عملية التنسيق بين نشاطات العمال التي تتم على أساس طوعي. ولن يكون هؤلاء المفوضين متفوقين بأي شكل على أقرانهم من العمال في القوة، الإمتيازات أو المنصب.

التخلص من نظام الأجور القديم

وتحت مظلة النقابية اللاسلطوية، سيتم التخلص من نظام الأجور wages، وهو الذي يعد أحد الوسائل الرئيسية التي يستخدمها المتحكمين لإخضاع العمال. فالعمال الذين يقدمون جهدهم وعملهم ما هو ضروري لتسيير وظائف المجتمع، سيتلقون في مقابل ذلك البضائع والسلع التي يجدونها ضرورية من أجل عيش حياة سعيدة. لن يتلقى أي عامل ما هو أكثر من زميله لمجرد أن التقاليد جرت نحو الإعتقاد بأن هذه الحرفة (أو المهنة) التي يقوم بها يتم تقييمها ومكافئتها بضعف ما يقدمه عامل في حرفة أخرى في الأسبوع. المبدأ الرئيسي هو ألا يعيش المدراء حياة الرفاهية بينما موظفينهم الأقل دخلاً يتضورون جوعاً بتلقّي أجور زهيدة وغير قابلة لعيش حياة الكفاف في الأسبوع.

فالعمال سيتلقون إحتياجاتهم ليس بناءاً على عملهم، حيث أن قيمتهم الإجتماعية لا يمكن تحديد قيمتها المالية، بل بناءاً على إحتياجاتهم، وهو ما يعتبر في النظرية النقابية-اللاسلطوية السبيل الوحيد االعادل لتوزيع السلع والبضائع (الإحتياجات) على المجتمع. [11]

الفوضوية ليست فوضى

الفوضوية أو اللاسلطوية لا تعنى الفوضى، بل هي تعنى إعادة تنظيم المجتمع بشكل جديد مبني على العدالة والتساوي وعدم تحكم طبقة بطبقة أخرى.

الفوضوية تيار فكري حتمي في الحياة في عصرنا الحالي، يدفع أتباعه بفكرة التخلص من الإحتكارات الإقتصادية ومن كل المؤسسات القمعية في المجتمع، سياسية كانت أو إجتماعية.

فبدلاً من تنظيم الدولة الحالي، بكل ماكيناته منعدمة الروح ومؤسساته السياسية والبيروقراطية، يطمح الفوضويون إلى إتحاد فيدرالي من المجتمعات، تترابط فيما بينها عبر مصالحهم الإجتماعية والإقتصادية المشتركة، وتقوم بترتيب شئونها من خلال الإتفاقات المتبادلة والتعاقدات الحرة. [8]

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "1c. Why do anarcho-syndicalists oppose participation in statist politics?". Anarcho-Syndicalism 101. Class Struggle Online. April 2002. Archived from the original on 18 June 2013. Retrieved 20 June 2013.
  2. ^ Jeremy Jennings, Syndicalism in France (Palgrave-Macmillan Publishers - St Martin's Press, 1990) ISBN 031204027X
  3. ^ Jameson, J. F., The American Historical Review (American Historical Association, 1895), p. 731.
  4. ^ "The Great Dock Strike of 1889," Direct Action #47, 11 August 2009. Retrieved 8 March 2010.
  5. ^ https://iwa-ait.org/content/iwa-brochure-2018-black-and-white-version/ - IWA Brochure 2018 Black and White Version - 06/21/2018
  6. ^ https://libcom.org/library/what-ait-sp-portuguese-section-international-workers-association/
  7. ^ https://libsoc-wiki.fandom.com/wiki/International_Workers%27_Association
  8. ^ أ ب ت Rocker, Rudolf. (1938) Anarcho-syndicalism: Theory and Practice : Martin Secker and Warburg Ltd. retrieved 7 September 2006 ISBN 1902593928
  9. ^ Heider, Ulrike. (1994) Anarchism: Left, Right and Green, San Francisco: City Lights Publishers, p.4 ISBN 0872862895
  10. ^ The Chomsky-Foucault Debate on Human Nature, The New Press, 2006, p.38-9
  11. ^ أ ب Woodcock, George. (January 1944) What is Anarcho-syndicalism: From Pamphlet: RAILWAYS AND SOCIETY: FOR WORKERS' CONTROL OF RAILWAYS- Retrieved on 4/4/2017 from http://www.katesharpleylibrary.net/f4qs9m, https://theanarchistlibrary.org/library/george-woodcock-what-is-anarcho-syndicalism.pdf
  12. ^ "1c. Why do anarcho-syndicalists oppose participation in statist politics?". Anarcho-Syndicalism 101. Class Struggle Online. April 2002. Archived from the original on 18 June 2013. Retrieved 20 June 2013.

وصلات خارجية

قالب:Aspects of Capitalism

قالب:Syndicalism