يوحنا فم الذهب

يوحنا فم الذهب
Johnchrysostom.jpg
فسيفساء بيزنطية من ألف سنة للقديس يوحنا ذهبي الفم، هاگيا صوفيا
الشرق: Great Hierarch و Ecumenical Teacher
الغرب: أسقف وDoctor of the Church
وُلِدأنطاكية
توفيكومانا في پنطس [1]
مكرّم في
الأرثوذكسية الشرقية، الكاثوليكية الرومانية، الأنگليكانية، اللوثرية، الأرثوذكسية المشرقية
الصفاتVested as a أسقف، ممسكاً إنجيل أو لفافة، رافعاً يمناه في مباركة. He is depicted as emaciated from fasting, a high forehead, balding with dark hair and small beard. الرموز: عش النحل، حمامة بيضاء، a pan[2], chalice on a bible, pen and inkhorn
يرعىالقسطنطينية, التعليم, مرضى الصرع, محاضرون, الخطباء, الدعاة [3]

يوحنا ذهبي الفم (بالإنجليزية: Saint John Chrysostom، باليونانية: Ιωάννης ο Χρυσόστομος، و.347 - 407) أسقف القسطنطينية وأحد آباء الكنيسة المبكرين. عـُرف بفصاحته في التبشير والخطابة ومعارضته لإساءة استعمال السلطة في الكنيسة والسياسة. كما عرف بزهده. بعد وفاته اطلق عليه لقب Chrysostom أي "ذهبي الفم".[1][2] الكنيسة الارثوذوكسية الشرقية والكنائس الكاثوليكية الشرقية تكرمانه كقديس.

ولد يوحنا في أنطاكية نحو سنة 347 من والدين حسيبين وقد سموا أباه ساكوندوس وكان رئيساً في الجندية وسموا أمه اننوزا وكانا كلاهما مسيحيين ومات أبوه وهو حدث فربته أمه خير تربية ودرس الفصاحة والخطابة متتلمذاً لليبانيوس الأنطاكي الشهير واستمر صديقاً له ثم اعتكف على درس الشريعة فنبغ فيها واشتهر بمحاماته في الدعاوى ولم تكن العلوم العالمين تلذ له فرغب عنها وانصب على درس الأسفار المقدسة على كريتاريوس وديودوس الذي صار بعد أسقفاً على طرسوس ثم اعتزل العالم منفرداً في أحد جبال سورية وهناك كتب كتابه في سيرة المتوحدين وحمل اثنين من رفقائه في درس العلم على أن يحذوا حذوه أحدهما توادوروس الذي صار بعد أسقفاً على المصيصة وثانيهما مكسيموس الذي صار بعد أسقفاً على سلوقية بايسورية. ثم عاد يوحنا إلى أنطاكي سنة 381 فرقاه القديس ملاتيوس بطريرك أنطاكية إلى درجة الكهنوت سنة 385 وعهد إليه أن يخطب في الكنائس فطارت شهرة فصاحته وسطعت أنوار غيرته وألقى وقتئذٍ كثيراً من خطبه الغراء ومواعظه خلابة العقول وكتب كثيراً من مقالاته البليغة فكان في مدة الخلاف بين ملاتيوس وبولينوس بعيداً عن التشيع لأحدهما ومرضياً لكليهما ولما توفي نقطار البطريرك القسطنطيني واختلفت آراء الاكليرس والشعب في اختيار خليفة له أجمع المنتخبون والملك اركاديوس بأن يؤتي بيوحنا من أنطاكية ويقام بطريركاً في القسطنطينية فاستدعاه الملك ورقي إلى المقام البطريركي سنة 398 بحضرة كثير من الأساقفة حتى توافيلوس البطريرك الإسكندري الذي بذل قصارى جده ليقيم ايسيدورس أحد كهنته مقام يوحنا فتعسر عليه إدراك شأوه وطفق يوحنا يجاهد في إتمام فروض مقامه غير مراعٍ في ذلك كبيراً أو غنياً أو صاحب سلطة أو أسقفاً أيضاً وصرف جده أولاً في استئصال بعض العادات السيئة التي كان بعض الاكليريكيين استطرقوها منها اعتياد بعضهم أن يعيشوا مع نساء تقيات يتخذونهن اخوات لهم وكتب في ذلك كتابين وقد ندد تنديداً عنيفاً بطمع الكهنة في خطبة في رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس التي كان يلقيها في القسطنطينية حيث كان يقرع أيضاً أصحاب الخصال الذميمة وكان شديد القسوة على كهنته آملاً أن تصلح القسوة حالهم أكثر من الحلم والرقة ولاعتماده على برارته وحسن طويته لم يكن يبالي بمسيء ولو عظم قدره ولا يغضي على زلة أياً كان فاعلها فكثر مبغضوه ومخالفوه وكان لديه شماس إسمه سرابيون يحثه على الصرامة في تدبير كهنته وقال له ذات يوم بحضرة كثير منهم لا تستطيع أن تسوسهم إلا بقضيب من حديد فحنق السامعون على أسقفهم. وبعد مدة قطع كثيرين من شركة الكنيسة لأسباب متنوعة فتآمروا عليه وطفقوا ينمون به للشعب ولم يقتصر فم الذهب على مغالظة الكهنة بل جافى كثيرين من الكبراء أيضاً غيرة على سنة الله من ذلك أنه كان عند الملك اركاديوس خصي إسمه اوترب رفيع المنزلة نافذ الكلمة حتى كانوا يسمونه أبا الملك فهذا بعث الملك على أن ينسخ الشريعة الآمرة باحترام الكنائس وأن يبطل التجاء المجرمين إليها ولكن بقضاء الله العادل تغير الملك عليه وأراد قتله فهرب اوترب إلى الكنيسة لاجئاً إليها فعارض فم الذهب الملك بإخراجه منها وألقى على مسمع اوترب خطبة عنفه بها وأبان له سوء تصرفه فشق على بعض السامعين معاملته كذلك في حين محنته وأسخط الملك.[3]

وأتى في تلك الأثناء إلى القسطنطينية انطيوكس أسقف عكا وكان خطيباً فصيحاً خطب في كنائس العاصمة فحشد مبلغاً من المال وعاد إلى عكا ولما سمع ذلك سفريانوس أسقف جبلة شخص إلى العاصمة وكان فصيحاً أيضاً لكنه لم يكن يحسن الكلام باليونانية بل إذا تكلم بها خالط كلامه ألفاظ سريانية على ما روى سقراط (ك6 فصل11) فرحب به فم الذهب وأكرم مثواه وأطال سفريانوس مكثه في القسطنطينية وتزلف إلى الملك وكبراء العاصمة فأحبوه وأكرموه واشتهر بخطبه على ما في ألفاظه من الركاكة ومر سفريانوس يوماً وسرابيون شماس فم الذهب جالس فلم يقم ولم يبد إمارة الإحترام بل استمر جالساً على كرسيه فلم يتحمل سفريانوس هذه الإهانة بل قال إن مات سرابيون مسيحياً فالمسيح لم يتجسد فشكا سرابيون سفريانوس إلى فم الذهب وأخفى عليه عبارته الأولى وهي إن مات سرابيون مسيحياً وإدعى أنه قال إن المسيح لم يتجسد وأورد شهوداً من المحازبين له شهدوا أن سفريانوس نطق بهذه العبارة فطرد فم الذهب أسقف جبلة من القسطنطينية فعظم الأمر على خلانه ومريديه ولامت الملكة اودكسية فم الذهب لوماً شديداً على فعلته هذه واستدعت سفريانوس فعاد من خليكدونية إلى العاصمة وقاطعه فم الذهب إلى أن أخذت الملكة ابنها توادوسيوس وهو حدث متضرعاً إلى فم الذهب ليصالح سفريانوس فاصطلحا وبقيت في قلب أسقف جبلة حزازات من حنقه على فم الذهب فكان من أعدائه عند مصابه كما سترى وقد رأيت ما كان له مع ابيفان أسقف قبرص وعلمت أنه قبل الرهبان المصريين الذين أتوا إلى العاصمة يشكون بطريركهم توافيلس الإسكندري.

قد مر أن الملك اركاديوس كان قد استقدم الأساقفة للاجتماع في العاصمة فتسارع إليها توافيلس البطريرك الإسكندري مع أساقفته عازماً على عزل فم الذهب من كرسيه وكان بعض الأساقفة يشايعونه في ذلك منهم بعض أساقفة من آسيا كان قد عزلهم واكاشيوس أسقف حلب وسفريانوس أسقف جبلة وانطيوكس أسقف عكا المشار إليهما آنفاً وثلاثة من كبراء الدولة كان توافيلس قد رشاهم وبعض الاكليرس القسطنطيني الذين كان فم الذهب قد أدبهم لإصلاحهم وثلاث أرامل غنيات كان قد انبهن على إسرافهن وسوء سيرتهن، وفوق هؤلاء اودكسية الملكة التي كانت قد استاءت من خطب فم الذهب في ذم النساء وبهرجتهن وإسرافهن. فجميع هؤلاء عاونوا توافيلس الإسكندري على أن الملك يرخص بعقد مجمع على فم الذهب فالتأم المجمع وكان فيه ستة وثلاثون أسقفاً من بطريركية توافيلس ودعى فم الذهب إليه فأجاب أنه يحضر بشرط أن يخرج من المجمع من سماهم من أعدائه ولا أقل من أن يكونوا فيه بمنزلة شاكين لا بمنزلة قضاة وبعد جوابه هذا دعي ثانية وإذ لم يحضر حكموا عليه حكماً غيابياً وقد كان الأساقفة خصومه يرغبون في حمل الملك على مجازاته جزاء المعتدين على الملك لأنه شبه الملكة في إحدى خطبه بإيزابيل فاقتصر الملك على نفيه ولما بلغه الأمر قال إنه لايريد أن يذعن له إلا مكرهاً بالقوة خصومه الملك أن يرغمه على المسير وأرسل بعض عماله فأنزلوه في سفينة ليلاً وأوصلوه إلى محل في عبر البصفر.

Byzantine 11th-century soapstone relief of John Chrysostom, Louvre.
The return of the relics of Saint John Chrysostom to the Church of the Holy Apostles in Constantinople.

على أنه لم يبق منفياً إلا يوماً واحداً لأن الشعب عندما سمع خبر نفيه أبدى من الهياج ما لا مزيد عليه وعلت الضوضاء والصراخ في الكنائس والساحات والأزقة وحدث في الليل زلزال قوض كثيراً من أبنية المدينة وغرفة الملك نفسها فارتاعت الملكة وسألته أن يستدعي للحال فم الذهب وكتبت إلى البطريرك ما نصه "لا يخالن لقداستكم أني دريت بشيء مما كان فأنا بريئة من دمك إن بعض الأشرار العاثين نصبوا لك هذه الأحبولة والله شاهد لدموعي التي ذرفتها محرقة له من أجلك وهل أنسيّن أن يديك المقدستين عمدتا أولادي" وتقدمت إلى الملك باكية قائلة لاوسيلة لنا لنجاة المملكة من الدمار الذي يهددها إلا بإعادة فم الذهب فأرسل الملك عمالاً تباعاً فلم يهتد إلى موضعه إلا بريزون أحد حاشية الملك ولما دنا من المدينة هب الشعب رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً للقياه حتى غطت السفن وجه البصفر وكان الجمهور يرنم ترانيم ألفت لذلك وانتهوا به إلى كنيسة الرسل يصحبه أكثر من ثلاثين أسقفاً وكفوه أن يرقي إلى المنبر داعياً بالسلام للشعب على عادتهم فتمنع من ذلك قبل أن يبرئه مجمع آخر يربو أساقفته على عدد أساقفة المجمع الذي حطه بل لم يشأ أولاً أن يدخل القسطنطينية وتوقف في إحدى ضواحيها المسماة مريان ولكن أكرهه الحاح الشعب على أن ألقى خطبة موجزة شبه بها كنيسته بسارة وتوافيلس بملك مصر الذي حاول أن يمس عفافها فمنعه ملاك من ذلك وشكر الله على أنه منّ بعوده ولم يغفل عن ذكر معرفته جمل الملكة أسماها بذلك وأكثر الشعب من إبداء أدلة استحسانهم لكلامه حتى ما تمكن من تكميله ويظهر أن هذا كان سنة 401.

وسأل فم الذهب الملك بعد ذلك أن يستدعي أساقفة أكثر من الأولين ليفحصوا دعواه فكتب إلى كل جهة يستدعي الأساقفة ولما درى توافيلس بذلك خاف أن يثبت عليه ما كان ضميره يؤنبه عليه فبرح العاصمة ليلاً لا يعلم إلا أساقفته الذين سافروا معه فلم يبق في القسطنطينية إلا أصحاب فم الذهب على أن فرار كان بينة كافية لبراءة فم الذهب لكنه لم يكتف بها ولم ينكف عن سؤال الملك أن يستدعي الأساقفة إلى المجمع فأمر الملك توافيلس أن يعود ليجيب على ما صنع فاعتذر ولكن عاد انطيوكس أسقف عكا وسفريانوس أسقف جبلة ويظهر أنه لم يعقد مجمع حافل ولكن الأساقفة الكثيرين الذين اجتمعوا حينئذٍ في القسطنطينية وقعوا على قرار فحواه أنهم يعترفون بأن فم الذهب إنما هو الأسقف الشرعي لهذه المدينة ولا عبرة لشيء مام جرى قبلاً.

على أن الراحة لم تستتب زمناً طويلاً في العاصمة بعد عود فم الذهب فقد أقيم حينئذٍ تمثال من فضة لاودكسية الملكة على باب الندوة وفي جانب كنيسة القديسة صوفيا وعند تدشين هذا التمثال جاوز الشعب حد الوقار والأدب بالرقص والغناء والملاهي فلم يتحمل فم الذهب حصول مثل هذا التهتك والخلاعة تجاه باب الكنيسة وشكا من ذلك بخطبة أطال فيها لسانه مندداً بالعاملين والآمرين بمثل هذه الخلاعات فاستشاطت اودكسية من هذا التنديد وعزمت أن تعقد مجمعاً حديثاً على البطريرك فلم يبال فم الذهب بسخطها عليه ولم يجبن بل ألقى خطبة أخرى صرح فيها بكلامه على الملكة وأسهلها على ما روى سقراط (ك6 ف18) بقوله "عادت هيرودية ترقص حنقة متطلبة رأس يوحنا على طبق" فنشأت مكيدة أخرى على فم الذهب وكتب خصومه إلى توافيلس الإسكندري يسألونه أن يأتي فيدبرهم أو يشير عليهم بما يصنعون فلم يأتِ بل أرسل ثلاثة أساقفة وسلم إليهم قانوناً كان الأساقفة الاريوسيون قد وضعوه في دعوى القديس اثناسيوس في مجمعهم في أنطاكية سنة 341 فحواه "أنه إذا عزل أسقف في مجمع ثم عاد إلى كرسيه من تلقاء نفسه أو بأمر الملك فيستمر معزولاً أبداً ولا يسمح له بأن يبرئ نفسه" وهذا القانون كان مجمع سرديكا (صوفيا البلغار) سنة 347 قد نقضه.

فاجتمع الأساقفة من كل صوب ولم يقاطع فم الذهب خصماؤه لئلا يرد شهادتهم بالعداوة وأتى عيد الميلاد فلم يحضر الملك إلى الكنيسة بحسب عادته وأرسل يقود للبطريرك أنه لا يشترك معه في العبادات إلى أن يبرئ ساحته وفتح المجمع وتشبث خصوم البطريرك بالقانون الذي كان توافيلس قد أرسله إليهم فأجاد فم الذهب برده ثم انتصب البيديوس أسقف اللاذقية (بسورية) مثبتاً للملك أن فم الذهب لم يعزل عزلاً قانونياً في المجمع الأول وإن هذا القانون سنه الأراطقة ونقضه مجمع سرديكا وإن يوحنا لم يعد إلى كرسيه إلا بأمر الملك نفسه ومع هذا قد حمل انطيوكس أسقف عكا ومحازبوه هذا الملك الضعيف الجبان على لزوم إبعاد البطريرك عن كرسيه قبل عيد الفصح وأرسل الملك يقول للبطريرك أنه يلزمه أن يخرج من الكنيسة دون إبطاء كما حكم عليه في مجمعين فأجابه "إن الله سلم إليّ هذه الكنيسة للعناية بخلاص شعبها فلا يمكنني تركها والمدينة لك فإن شئت أن لا أقيم فيها فاطردني مكرهاً منها لتكون لي معذرة قانونية" وكان هذا في أيام الصوم سنة 404 وفي نهار السبت العظيم أرسل إليه الملك بلاغاً آخر فلم يمتثل له فاستدعى الملك اكاشيوس أسقف حلب وانطيوكس أسقف عكا وسألهما ما ينبغي أن يصنع فقالا ما قاله رؤساء اليهود عن المخلص "عزله على رؤسنا" وبقي اثنان وأربعون أسقفاً يناصرون البطريرك ومضوا لمقابلة الملك والملكة في كنيسة الشهداء وخشعوا إليهما باكين ليستعطفوهما على تدارك كنيسة المسيح وراعيها فأعارهم أذناً صماء فهدد أحدهم الملكة بغضب الله قائلاً "خافي أيتها الملكة الله وأشفقي على بنيك ولا تدنسي عيد قيامة المخلص بإراقة الدم" وعاد الأساقفة يائسين فقضي كل منهم فروض تلك الأيام المقدسة في منزله بالكآبة والدموع أما الكهنة الأمناء لبطريركهم فجمعوا الشعب في منتدى فسيح تلوا فيه الأسفار المقدسة كالعادة وأخذوا يعمدون الموعوظين فطلب اكاشيوس وانطيوكس وسفريانوس إلى المحافظ أن يفرق جموعهم لئلا يأتي الملك إلى الكنائس فيجدها فارغة ويتأكد ميل الشعب إلى فم الذهب فاعتذر بأن الجمع غفير والوقت ليل فيخشى غائلة طردهم وألحوا عليه فأرسل فريقاً من الجند وأوصى رئيسه أن يفرق الجمع ملايناً لهم أو يكلفهم أن يأتوا إلى الكنيسة فرشا خصوم البطريرك الرئيس ورشوا جنوده ليفتكوا بالجمع إن لم يمتثلوا بالملاينة فانتضوا سيوفهم ووثبوا على ذلك الجمع وانتهى الرئيس إلى محل التعميد فأقلب آنية الماء ورفس حامل الميرون فأراقه وعلا صراخ النساء المتعريات لقبول العماد وفر الكهنة بملابسهم الكهنوتية وجرح بعض ودخل الجنود إلى محل التقديس ودنسوا الأسرار المقدسة وقبضوا على كثيرين من الكهنة والشمامسة وأودعوهم السجن.

وكتب فم الذهب إلى البابا اينوشنسيوس يسأله أن يتدارك هذه الشئون بسلطانه ويكف المعتدين عن خرق قوانين الكنيسة ويأمر إذا شاء بمحاكمته مع خصومه محاكمة قانونية وكذلك كتب الإثنان والأربعون أسقفاً المناصرون له وأوفدوا بهذه الرسائل أربعة أساقفة وشماسين وكان توافيلس قد رفع عريضة للحبر الروماني ينبئه بها بعزل البطريرك القسطنطيني ولم يبين لذلك سبباً ولا من كان الحاكم عليه فتردد البابا في الجواب لتوافيلس ولما بلغ الوفد القسطنطيني وأطلعه على كل ما كان أجابه قائلاً "إنك وأخانا يوحنا البطريرك القسطنطيني في شركتنا وقد كتبنا ونكتب إليك كل ما خاطبتنا إننا إذا تفحصنا بحسب القانون كل ما جرى بالمشاحنة فلا يمكننا أن نخرج يوحنا من الشركة دون حجة فإن كنت على ثقة من حكمك عليه فاحضر إلى المجمع الذي سيعقد قريباً إن أحب الله وبين شكاويك بحسب قانون مجمع نيقية فالكنيسة الرومانية لا تعرف قانوناً غيره" يريد أناه لا تعرف قانون مجمع أنطاكية الذي أوردوه على البطريرك.

The Byzantine emperor Nicephorus III receives a book of homilies from John Chrysostom, the Archangel Michael stands on his left (11th-century illuminated manuscript).

وحاول بعض الأثمة الغدر بالبطريرك فأقام الشعب خفراء ليلاً ونهاراً لحراسته وتذرع الأساقفة المناصبون له بهذا ليلحوا على الملك بنفيه تفادياً من الشغب بين الشعب فأرسل الملك أحد عماله في 20 حزيران سنة 404 يبلغ البطريرك أمره القاطع بأن يخرج من الكنيسة فرأى فم الذهب أن لا مناص من تحمل الجور فقال للأساقفة مناصريه تعالوا نصلي في الكنيسة ولم يبح بسره إلا لقليلين منهم وفي آخر الصلاة قال امكثوا هنا ريثما أستريح قليلاً وخرج من الكنيسة من الباب الشرقي والشعب ينتظره عند الباب الغربي وانسل خفية مع مفوض الملك وركب سفينة عبر بها إلى نيقية ولما علم الشعب براحه هاجوا وماجوا حتى في الكنيسة وألقى واحد ناراً في العرش الأسقفي وامتد اللهيب حتى دمر الكنيسة وما حولها من البيوت وهبت ريح من الشمال فقذفت النار إلى القصر الذي كان يجتمع فيه رجال الندوة في جنوب الكنيسة فالتهمته واتصلت إلى قصر الملك المتاخم المنتدى. واتهم رجال الحكومة أصحاب البطريرك بهذه الجريمة فعذبوا كثيرين ولم يظهر الفاعل وعجلوا في إبعاد البطريرك فأخذ من نيقية في 4 يوليو سنة 404 إلى قيصرية الكبادوك واستكدوه جرياً ليلاً ونهاراً فأنهكه التعب ولم يسترح هناك قليلاً إلا ناصبه برانيوس أسقف تلك المدينة حسداً منه لتقاطر الكبراء والوجهاء لزيارته وبلغ كوكوز المحل المعين لنفيه في ارمينيا بعد سبعين يوماً من سفره وأصابته حمى شديدة كادت تهلكه وكتب إليه البابا اينوشنسيوس يعزيه ويشجعه على تحمل مصابه بالصبر الجميل وتتالت التعزيات عليه من كل فج برسائل الأساقفة والوجهاء والفضلاء منها رسالة من القديس مارون الناسك. وقد أجابه عليها في رسالة هي 36 بين رسائله وسوف نذكر ترجمتها بحروفها عند ذكر القديس مارون من تلك السنة نزل حب الغمام على القسطنطينية وجوارها كل حبة كالجوزة وماتت الملكة اودكسية نفساء ومات شيرين أسقف خليكدونية وكان من كبار مضادّي فم الذهب وغيره واشتهر فم الذهب في منفاه بمبراته وفضائله وكده في استرداد غير المؤمنين إلى حظيرة الكنيسة وعنايته في خير المؤمنين فاهتم أعداؤه بإبعاده إلى بلد شاسع خوفاً منه وإن منفياً فالتمس سفريانس أسقف جبلة وبرفير بطريرك أنطاكية وغيرهما من الملك أن يبعده إلى بنينونت على شاطئ البحر الأسود فأخذ بعنف في هذا السفر الشاق الذي يلزمه ثلاثة أشهر فلم يصل إلى كومان في بنطوس إلا وهنت قواه ولم يبق فيه إلا رمق فأخذ يصلي وعند قوله آمين في آخر صلاته بسط رجليه وفاضت روحه المقدسة ودفنت جثته حذاء جثة القديس باسيليك أسقف تلك المدينة الشهيد وكان ذلك في سنة 407 ثم نقلت جثته في أيام توادوسيوس ابن الملك اركاديوس إلى القسطنطينية ووضعت مع ذخائر الرسل وانتصر له الحبر الروماني بعد وفاته كما انتصر له في حياته فلم يسمح لبطاركة القسطنطينية وإسكندرية وأنطاكية أن يقبلوا في شركته إلا بعد أن ذكروا بالتكريم فم الذهب وأعادوا الأساقفة الذين كانوا قد نفوهم بسبب دعواه. كل ما مر ملخص عن بلاديوس في ترجمة فم الذهب وسقراط وسوزومانوس في تاريخهما البيعي في فصول شتى.

وأما ما ألفه وصنفه هذا العلامة الذي يسمونه أمير الخطباء فكثير يشذ عن العد فله مقالات كثيرة في العقائد الدينية وكتب في تفسير أكثر الأسفار المقدسة وكتاب في الكهنوت وكتاب في سيرة النساك وخطب ومواعظ في مواد متعددة ورسائل إلى كثيرون ونافور للقداس بالسريانية فاتحته أيها الرب الإله القدير على كل شيء. ذكر السمعاني (مجلد 1 من المكتبة الشرقية صفحة 562) أن منه نسخة في المكتبة الواتيكانية وذكره البطريرك اسطفانس الدويهي بين النوافير الكاثوليكية في كتابه المنائر العشر وترجمه رينودوسيوس إلى اللاتينية (مجلد2 في الليتورجيات الشرقية 242) وقد طبع في الكتاب القداس لطائفتنا المارونية سنة 1594 نافور آخر معزو إليه ولكن حقق السمعاني (مجلد 3 من المكتبة الشرقية صفحة 26) إن هذا النافور ليوحنا أسقف حاران ونصيبين. وله نافور آخر سرياني مترجم ترجمة حرفية عن اليونانية يستعمله السريان الملكانيون ونسخة منه في المكتبة الواتيكانية بين الكتب السريانية في عد 37 و40.

The Penance of St. John Chrysostom. Engraving by Lucas Cranach the Elder, 1509. The saint can be seen in the background on all fours, whilst the princess and their baby dominate the foreground.

وقد ذكر عبد يشوع الصوباوي فم الذهب في قصيدته فقال "فم الذهب له تفسير بشارة متى وتفسير وتفسير بشارة يوحنا كل منهما في مجلدين وتفسير رسائل بولس الرسول وكتاب في الكهنوت وكتاب في المعمودية ومقالة في الرد على اليهود ومقالة في رهبان مصر وكتاب في التعزيات ورسالة في التوبة ورسالة إلى يوستنيانس" وقال السمعاني (في مجلد 3 من المكتبة الشرقية صفحة 26 و27) في شرح ذلك أما تفسير بشارتي متى ويوحنا فله فيهما أربعة مجلدات أي في بشارة متى تسمعون مقالة وفي بشارة يوحنا 88 مقالة وكثيراً ما استشهد بها علماء السريان وأما في تفسير رسائل ماري بولس الرسول فله 245 مقالة وكتابه في الكهنوت مقسوم إلى ستة أسفار. وأما في المعمودية فلا أعرف إلا مقالة في اعتماد المخلص ولعلّ الصوباوي عزا إليه كتابين في المعمودية وهما لباسيليوس الكبير. وله في الرد على اليهود ستة كتب وأما مقالته في رهبان مصر فرجح السمعاني أن تكون المقالات في أصل الرهبان الأولين المنسوبة إلى يوحنا أسقف أورشليم وكتاب التعزيات هو كتاب وجهه إلى امرأة شريفة اسمها اولمبياد تحملت كثيراً من الضر بسبب دعواه وافتتحه بقوله لا يضر الإنسان إلا نفسه ورسالته في التوبة كتبها إلى توادوروس الذي كان قد ترك التبتل وتزوج وأما الرسالة إلى يوستنيانس فقال السمعاني فيها أن لا رسالة له إلى يوستنيانس بل له رسالتان إلى البابا اينوشنسيوس فذكر يوستنيانس خطاً من عبد يشوع أو من الناسخ. وقد طبعت كتب فم الذهب مرات وقد طبعها الأب مين في باريس بين كتب مكتبة الآباء اليونانية وروى السمعاني أن في المكتبة الواتيكانية كثيراً من تآليفه مترجمة إلى القبطية والعربية والسريانية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مأثورات

  • "اليهودية كانت مرضاً مزروعاً في جسد الكنيسة"، ودعا المسيحيين إلى التحرر من هذا "المرض".


الهامش

  1. ^ Pope Vigilius, Constitution of Pope Vigilius, 553
  2. ^ "St John Chrysostom" in the Catholic Encyclopedia, available online; retrieved March 20, 2007.
  3. ^ تاريخ سوريا الديني

وصلات خارجية

Wikisource
Wikisource has original works written by or about:
Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة بيوحنا فم الذهب، في معرفة الاقتباس.

الأعمال


سبقه
نقطار
بطريرك القسطنطينية تبعه
Arsacius of Tarsus