نهج البلاغة

واجهة الكتاب

كتاب نهج البلاغة هو اسم وضعه الشريف الرضي على كتاب جمع فيه المختار من كلام اﻹمام علي بن أبي طالب في الخطب و المواعظ و الحِكَم و غيرها . ويعد جمع نهج البلاغة من أبرز ما تركه الشريف الرضى.

وقد اشتمل الكتاب على عدد كبير من الخطب والمواعظ والعهود والرسائل والحكم والوصايا والآداب ، توزعت على 238 خطبة ، و 79 بين كتاب ووصية وعهد ، و 488 من الكلمات القصار .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مكانة الكتاب

ويرى الشيعة في الكتاب أنه أحد الكتب الهامة التي يجب على الشيعي قرائتها والأخذ منها والتعلم منها[1] بل إن الخميني قائد الثورة الإسلامية في إيران كان من وصيته قبل موته للشباب أن يحافظوا على قراءة نهج البلاغة [2]

تنوع موضوعات نهج البلاغة: معارف راقية في التوحيد، مثل إلهية سامية، نصائح ومواعظ، بيان وتحليل للأحداث السياسية والاجتماعية، عهود للولاة وتنبيههم وغير ذلك.

بعد مقدمة قصيرة، يضع المؤلف كلام علي رضي الله عنه في ثلاثة أقسام: الخطب والكتب والحكم، مضيفاً إليه ـ كلما اقتضى الأمر ـ توضيحات مختصرة مفيدة. وقد احتوى نهج البلاغة على 241 خطبة، و79 كتاباً، و480 حكمة من حكم علي.

حاول السيد الرضي في نهج البلاغة ـ كما يشير اسم الكتاب ـ إلى انتقاء أبلغ وأجمل الأحاديث المروية عن علي ليضعها في هذا الكتاب. وهذه الخصوصية هي سر بقاء الكتاب وخلوده على الرغم من أحداث التاريخ العصيبة وسبب شهرته بين مختلف الفرق الإسلامية والشخصيات غير الإسلامية.

عدّ بعض الباحثين نحواً من 370 مؤلفاً حول نهج البلاغة من الشرح والتفسير والترجمة وغيرها، وقد طبعت إلى الآن نحو من خمس عشرة ترجمة لنهج البلاغة. وهذا ما يوضح إلى حد ما مكانة الكتاب وقيمته بين المسلمين.

هناك ترجمات فارسية كثيرة لنهج البلاغة، يمكن أن نذكر من أشهرها ترجمة السيد علي نقي فيض الإسلام والدكتور السيد جعفر شهيدي.

حاول بعض الباحثين جمع ما لم يأت به السيد الرضي في نهج البلاغة من كلام الإمام. وأهم هذه المحاولات هو نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة. هذه المجموعة جمعها الشيخ محمد باقر المحمودي في ثمانية مجلدات.

هناك معاجم ألفاظ وموضوعات لنهج البلاغة سهلت البحث والرجوع إليه. كما تم إعداد بعض البرامج الكمبيوترية لنهج البلاغة وبعض شروحه.

من أشهر تحقيقات نهج البلاغة تحقيق محمد عبده وصبحي الصالح. كما يشتهر في اللغة الفارسية تحقيق فيض الإسلام.


أجزاء الكتاب

الكتاب مكون من 4 أجزاء

  • الجزء الأول: مقدمة الشريف الرضي ويشرح فيها سبب جمعه للكتاب وملخص الكتاب.
  • الجزء الثاني: خطب أمير المؤمنين وفيه مجموعة من الخطب التي ألقاها الإمام علي رضي الله عنه على الناس.
  • الجزء الثالث: كتب أمير المؤمنين وفيه فحوى بعض الكتب والرسائل التي ارسلها الإمام علي رضي الله عنه إلى عماله في الأمصار أو أعدائه.
  • الجزء الرابع: حكم أمير المؤمنين وفيه مقتطفات من كلام الإمام علي رضي الله عنه وحكمه ووصاياه.[3].

من مواعظه

المختار من حكم امير المؤمنين رضي الله عنه و مواعظه و الكلام القصير الخارج في سائر اغراضه من كتاب نهج البلاغة الجزء الرابع:

  • ازرى بنفسه من استشعر الطمع ، ورضى بالذل من كشف عن ضره ، و هانت عليه نفسه من أمر عليها لسانه
  • صدر العاقل صندوق سره ، و البشاشة حبالة المودة ، و الصبر قبر العيوب ، و من رضى عن نفسه كثر الساخط عليه
  • خالطو الناس مخالطة : إن متم معها بكو عليكم ، و إن عشتم حنو اليكم
  • إذا وصلت اليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر
  • ما اضمر أحد شيئا ً إلا ظهر في فلتات لسانه ، و صفحات وجهه
  • أفضل الزهد إخفاء الزهد
  • إذا كنت في إدبار و الموت في اقبال فما اسرع الملتقى
  • لسان العاقل وراء قلبه ، و قلب الاحمق وراء لسانه
  • الغنى في الغربة وطن ، و الفقر في الوطن غربة
  • هلك فيّ رجلان : محبٌ غال ، ومبغض ٌ قالٍ
  • توقوا البرد في أوله ، و تلقوه في آخره فإنه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار ، أوله يحرق و آخره يورق.

نظرة أهل السنة والجماعة لكتاب نهج البلاغة

يرى بعض أهل السنة عدم صحة نسب هذا الكتاب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وذلك لعدة أسباب وأهمها عدم وجود سند لهذا الكتاب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث الذي ألفه هو محمد بن الحسين بن موسى الذي تلقبه الطائفة الإثنا عشرية بالشريف الرضى (359 - 406 هـ ) والذي كان موجودا بعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بما يقارب من أربعمائة عام فالكتاب كما يراه بعض أهل السنة قد سقط أصلا من ناحية الإسناد [4] ، وكما يرى بعض أهل السنة أنه يوجد في كلام البيان والتبيين للجاحظ وغيره من الكتب كلام منقول عن غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصاحب كتاب نهج البلاغة يجعله عن علي بن أبي طالب [5] ، كما يرى بعض أهل السنة أن هذا الكتاب مكذوب على علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأن فيه السب الصراح والشتم على أبي بكر وعمر وهذا لا يليق بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، كما يرى بعض أهل السنة أن في كتاب نهج البلاغة من التناقض والأشياء الركيكة [6].

لكن البعض الآخر يرى أن الكتاب بالفعل للإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه ،

  • قال الإمام الذهبي في الميزان (3/124) : ومن طالع كتابه " نهج البلاغة " ؛ جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ففيه السب الصراح والحطُّ على أبي بكر وعمر ، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة ، وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرىن ، جزم بأن الكتاب أكثره باطل.
  • قال ابن تيمية في منهاج السنة (8/55 – 56) : فأكثر الخطب التي ينقلها صاحب "نهج البلاغة "كذب على علي ، وعليٌّ رضي الله عنه أجلُّ وأعلى قدرا من أن يتكلم بذلك الكلام ، ولكن هؤلاء وضعوا أكاذيب وظنوا أنها مدح ، فلا هي صدق ولا هي مدح ، ومن قال إن كلام علي وغيره من البشر فوق كلام المخلوق فقد أخطأ ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فوق كلامه ، وكلاهما مخلوق ... وأيضا ؛ فالمعاني الصحيحة التي توجد في كلام علي موجودة في كلام غيره ، لكن صاحب نهج البلاغة وأمثاله أخذوا كثيرا من كلام الناس فجعلوه من كلام علي ، ومنه ما يحكى عن علي أنه تكلم به ، ومنه ما هو كلام حق يليق به أن يتكلم به ولكن هو في نفس الأمر من كلام غيره ....ولهذا يوجد في كلام البيان والتبيين للجاحظ وغيره من الكتب كلام منقول عن غير علي وصاحب نهج البلاغة يجعله عن علي ، وهذه الخطب المنقولة في كتاب نهج البلاغة لو كانت كلها عن علي من كلامه لكانت موجودة قبل هذا المصنف منقولة عن علي بالأسانيد وبغيرها ، فإذا عرف من له خبرة بالمنقولات أن كثيرا منها بل أكثرها لا يعرف قبل هذا علم أن هذا كذب ، وإلا فليبيِّن الناقل لها في أي كتاب ذكر ذلك ، ومن الذي نقله عن علي ، وما إسناده ، وإلا فالدعوى المجردة لا يعجز عنها أحد ، ومن كان له خبرة بمعرفة طريقة أهل الحديث ومعرفة الآثار والمنقول بالأسانيد وتبين صدقها من كذبها ؛ علم أن هؤلاء الذين ينقلون مثل هذا عن علي من أبعد الناس عن المنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها.
  • جاء في كتاب مختصر التحفة الإثنى عشرية ( ص 36) : ومن مكائدهم – أي الرافضة – أنهم ينسبون إلى الأمير من الروايات ما هو بريء منه ويحرفون عنه ، فمن ذلك " نهج البلاغة " الذي ألفه الرضي وقيل أخوه المرتضى ، فقد وقع فيه تحريف كثير وأسقط كثيرا من العبارات حتى لا يكون به مستمسك لأهل السنة ، مع أن ذلك أمر ظاهر ، بل مثل الشمس زاهر.
  • قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (7/86) : فنقول أولاً : أين إسناد هذا النقل ؟ بحيث ينقله ثقة عن ثقة متصلاً إليه ، وهذا لا يوجد قط ، وأنما يوجد مثل هذا في كتاب نهج البلاغة ، وأمثاله ، وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على علي - - ، ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم ، ولا لها إسناد معروف ، فهذا الذي نقلها من أين نقلها ؟ولكن هذه الخطب بمنزلة من يدعي أنه علوي ، أو عباسي ، ولا نعلم أحداً من سلفه أدعى ذلك قط ، ولا أدعى ذلك له فيعلم كذبه ، فإن النسب يكون معروفاً من أصله حتى يتصل بفرعه ، وكذلك المنقولات لا بد أن تكون ثابته معروفة عمن نقل عنه ، حتى تتصل بنا .فإذا صنف واحد كتاباً ذكر فيه خطباً كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ولم يرو أحد منهم تلك الخطب قبله بإسناد معروف علمنا قطعاً أن ذلك كذب .وفي هذه الخطب أمور كثيرة قد علمنا يقيناً من علي ما يناقضها ، ونحن في هذا المقام ليس علينا أن نبين أن هذا كذب بل يكفينا المطالبة بصحة النقل ، فإن الله لم يوجب على الخلق أن يصدقوا بما لم يقم دليل على صدقه بل هذا ممتنع بالاتفاق ، لا سيما على القول بإمتناع تكليف ما لا يطاق ، فإن هذا من أعظم تكليف ما لا يطاق ، فكيف يمكن الإنسان أن يثبت إدعاء علي للخلافة بمثل حكاية ذكرت عنه في أثناء المائة الرابعة لما كثر الكذابون عليه ، وصار لهم دولة تقبل منهم ما يقولون سواء كان صدقاً أو كذباً ، وليس عندهم من يطالبهم بصحة النقل ، وهذا الجواب عمدتنا في نفس الأمر ، وفيما بيننا وبين الله تعالى ).

أقوال العلماء و الأدباء في نهج البلاغة

  • قال الأديب أحمد حسن الزّيات المصري :

" و لا نعلم بعد رسول الله فيمن سلف و خلف أفصح من علي في المنطق ، و لا أبلّ منه ريقاً في الخطابة ، كان حكيماً تتفجر الحكمة من بيانه ، و خطيباً تتدفّق البلاغة على لسانه ، و واعظاً ملء السمع و القلب ، و مترسلاً بعيد غور الحجة ، و متكلماً يضع لسانه حيث يشاء ، و هو بالإجماع أخطب المسلمين و إمام المنشئين ، و خُطبه في الحثّ على الجهاد و رسائله إلى معاوية و وصف الطاووس و الخفاش و الدنيا ، و عهده للأشتر النخعي إن صحَّ تعدّ من معجزات اللسان العربي و بدائع العقل البشري ، و ما نظن ذلك قد تهيأ له إلا لشدة خلاطه الرسول و مرانه منذ الحداثة على الكتابة له و الخطابة في سبيله " .

  • قال الأستاذ الهنداوي :

" لا تكاد نرى كتاباً انفرد بقطعات مختلفة يجمعها سلك واحد من الشخصية الواحدة و الأسلوب الواحد ، كما نراه في نهج البلاغة ، لذلك نقرر و نكرر أن النهج لا يمكن أن يكون إلا لشخص واحد نفخ فيه نفس واحد " .

  • قال الإمام محمد عبده :

" جمع الكتاب ـ أي نهج البلاغة ـ ما يمكن أن يعرض الكاتب و الخاطب من أغراض الكلام ، فيه الترغيب ، و التنفير ، و السياسات ، و الجدليات ، و الحقوق و أصول المدنية و قواعد العدالة ، و النصائح و المواعظ ، فلا يطلب الطالب طلبه إلا و يرى فيه أفضلها ، و لا تختلج فكرة إلا وجد فيه أكملها " .

  • قال الفاضل الآلوسي :

" هذا كتاب نهج البلاغة قد استودع من خطب الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ما هو قبس من نور الكلام الإلهي و شمس تضيء بفصاحة المنطق النبوي " .

  • يقول ابن نباتة: حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلاّ سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ عليّ بن أبي طالب.
  • قال ابن أبي الحديد: ويكفي هذا الكتاب الّذي نحن شارحوه دلالة على أنّه لا يُجارى في الفصاحة، ولا يُبارى في البلاغة، وحسبك أنّه لم يدوّن لأحد من فصحاء الصحابة العُشـر، ولا نصف العُشـر ممّا دُوّن له، وكفاك في هذا الباب ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب البيان والتبيين وفي غيره من كتبه .
  • ويقـول الشـيخ محمّـد عبـده: وليس في أهل هذه اللغة إلاّ قائل بأنّ كلام الإمام عليّ بن أبي طالب هو أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيّه، وأغزره مادّة، وأرفعه أُسلوباً، وأجمعه لجلائل المعاني .
  • ويقول الدكتور زكي نجيب محمود: ونجول في أنظارنا في هذه المختارات من أقوال الإمام عليّ، الّتي اختارها الشريف الرضي (970 م ـ 1016) وأطلق عليها: نهج البلاغة، لنقف ذاهلين أمام روعة العبارة وعمق المعنى..

فإذا حاولنا أن نصنّف هذه الأقوال تحت رؤوس عامّة تجمعها، وجدناها تدور ـ على الأغلب ـ حول موضوعات رئيسية ثلاثة، هي نفسها الموضوعات الرئيسية الّتي ترتد إليها محاولات الفلاسفة، قديمهم وحديثهم على السواء، ألا وهي: الله والعالم والإنسان.

وإذاً فالرجل ـ وإن لم يتعمّدها ـ فيلسوف بمادّته وإن خالف الفلاسفة في أنَّ هؤلاء قد غلب عليهم أن يقيموا لفكرتهم نسقاً على صورة مبدأ ونتائجه، وأمّا هو فقد نثر القول نثراً في دواعيه وظروفه.

  • ويقول الكاتب لبيب بيضـون ـ الكاتب السوري المعروف ـ في تصنيفه للنهج : لا يشكّ أديب أو مؤرّخ أو عالم ديني أو اجتماعي في ما لنهج البلاغة من قيمة جلّى، وإنّه في مصافِ الكتب المعدودة، والّتي تعتبر من أُمّهات الكتب...
  • قال الخليل بن أحمد : إنّ نهج البلاغة هو أعظم كتاب أدبي وديني وأخلاقي واجتماعي بعد القرآن والحديث النبوي الشريف، وهو أحد المصادر الأربعة الّتي لا غنىً للأديب العربي عنها، وهي: القرآن الكريم، و نهج البلاغة، و البيان والتبيين للجاحظ، و الكامل للمبرّد.
  • و قال صبحي الصالح في مقدّمته للنهج : منذ أن تصدّى الشريف الرضي لجمع ما تفرّق من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ووسمه نهج البلاغة أقبل العلماء والأُدباء على ذلك الكتاب بين ناسخ له يحفظ نصّـه في لوح صـدره، وشارح له ينسم الناس عن تفسيراته وتعليقاته.
  • * قال العلامة السيد محسن الأمين ( ) :

" و من التحامل على أمير المؤمنين على بن أبى طالب التماس الوجوه و الطرق و الوسائل لإنكار نسبة نهج البلاغة إليه ، و أنه من تأليف السيد الرضي " . اختلف الناس في كتاب " نهج البلاغة " المجموع من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، هل هو من جمعه أم جمع أخيه الرضي ؟ .

وقد قيل : إنه ليس من كلام علي رضي الله عنه ، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه .ا.هـ.

وقال القنوجي في أبجد العلوم (3/67) عند ترجمة الشريف المرتضي :

وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة ، المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب ، هل هو جَمَعَه ، أم جَمْعُ أخيه الرضي ؟ وقد قيل : إنه ليس من كلام علي، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه .ا.هـ.

- وقال محب الدين الخطيب في تعليقه على " المنتقى من منهاج السنة " ( ص 20) :

وهذان الأخوان تطوعا للزيادة على خطب أمير سيدنا علي بكل ما هو طارئ عليها وغريب منها ؛ من التعريض بإخوانه الصحابة ، وهو بريء عند الله عز وجل من كل ذلك ، وسيبرأ إليه من مقترفي هذا الإثم .ا.هـ.

- وقال أيضا ( ص 508) :

ومن المقطوع به أن أخاه علي بن الحسين المرتضى المتوفي سنة (426 هـ) شاركه في الزيادات التي دُسَّت في النهج ، ولا سيما الجُمل التي لها مساس بأحباب علي وأولياء النبي صلى الله عليه وسلم كقول الأخوين أو أحدهما : لقد تقمصها فلان ، وما خرج من هذه الحمأة .ا.هـ.

- وقد رجح الشيخ صالح الفوزان في " البيان لأخطاء بعض الكتاب " ( ص 72) أن الكتاب من وضع الاثنين فقال :

والذي يظهر لي أنه من وضع الاثنين ... ومما يدل على أن كتاب " نهج البلاغة " إما من وضع المرتضى أو له فيه مشاركة قوية ما فيه من الاعتزاليات في الصفات ، والمرتضى كما ذُكر في ترجمته من كبار المعتزلة .ا.هـ.

آراءُ علماءِ أهلِ السنةِ في كتابِ " نهج البلاغة " :

تكلم علماء أهل السنة على كتاب " نهج البلاغة " بأدلة ظاهرة واضحة ساطعة بما لا يدع مجالا للشك أن الكتاب يستحيل أن ينسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وإليك بعضا من أقوالهم .

- قال الخطيب البغدادي في الجامع (2/161) :

ونظير ما ذكرناه آنفا أحاديث الملاحم ، وما يكون من الحوادث ، فإن أكثرها موضوع ، وجُلها مصنوع ، كالكتاب المنسوب إلى دانيال ، والخُطب المروية عن علي بن أبي الخطاب .ا.هـ.

- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (8/55 – 56) :

وأيضا ؛ فأكثر الخطب التي ينقلها صاحب "نهج البلاغة "كذب على علي ، وعليٌّ رضي الله عنه أجلُّ وأعلى قدرا من أن يتكلم بذلك الكلام ، ولكن هؤلاء وضعوا أكاذيب وظنوا أنها مدح ، فلا هي صدق ولا هي مدح ، ومن قال إن كلام علي وغيره من البشر فوق كلام المخلوق فقد أخطأ ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فوق كلامه ، وكلاهما مخلوق ...

وأيضا ؛ فالمعاني الصحيحة التي توجد في كلام علي موجودة في كلام غيره ، لكن صاحب نهج البلاغة وأمثاله أخذوا كثيرا من كلام الناس فجعلوه من كلام علي ، ومنه ما يحكى عن علي أنه تكلم به ، ومنه ما هو كلام حق يليق به أن يتكلم به ولكن هو في نفس الأمر من كلام غيره .

ولهذا يوجد في كلام البيان والتبيين للجاحظ وغيره من الكتب كلام منقول عن غير علي وصاحب نهج البلاغة يجعله عن علي ، وهذه الخطب المنقولة في كتاب نهج البلاغة لو كانت كلها عن علي من كلامه لكانت موجودة قبل هذا المصنف منقولة عن علي بالأسانيد وبغيرها ، فإذا عرف من له خبرة بالمنقولات أن كثيرا منها بل أكثرها لا يعرف قبل هذا علم أن هذا كذب ، وإلا فليبيِّن الناقل لها في أي كتاب ذكر ذلك ، ومن الذي نقله عن علي ، وما إسناده ، وإلا فالدعوى المجردة لا يعجز عنها أحد ، ومن كان له خبرة بمعرفة طريقة أهل الحديث ومعرفة الآثار والمنقول بالأسانيد وتبين صدقها من كذبها ؛ علم أن هؤلاء الذين ينقلون مثل هذا عن علي من أبعد الناس عن المنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها .ا.هـ.

- وقال الإمام الذهبي في الميزان (3/124) :

ومن طالع كتابه " نهج البلاغة " ؛ جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، ففيه السب الصراح والحطُّ على السيدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة ، وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرىن ، جزم بأن الكتاب أكثره باطل .ا.هـ.

- وجاء في كتاب مختصر التحفة الإثنى عشرية ( ص 36) :

ومن مكائدهم – أي الرافضة – أنهم ينسبون إلى الأمير من الروايات ما هو بريء منه ويحرفون عنه ، فمن ذلك " نهج البلاغة " الذي ألفه الرضي وقيل أخوه المرتضى ، فقد وقع فيه تحريف كثير وأسقط كثيرا من العبارات حتى لا يكون به مستمسك لأهل السنة ، مع أن ذلك أمر ظاهر ، بل مثل الشمس زاهر .ا.هـ.

- وقال الشيخ الفوزان في " البيان " ( ص72) :

ثم نقل ابن حجر في لسان الميزان كلام الذهبي مقررا له .

فهؤلاء الأئمة : شيخ الإسلام ، والإمام الذهبي ، والحافظ ابن حجر ؛ كلهم يجزمون بكذب نسبة ما في هذا الكتاب أو أكثره إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأنه من وضع مؤلفه .ا.هـ.

- وقال الدكتور زيد العيص في كتاب " الخميني والوجه الآخر في ضوء الكتاب والسنة " (ص 164) بعد أن نقل كلام العلماء في تكذيب نسبة الكتاب إلى علي رضي الله عنه :

ونعم ما قاله هؤلاء العلماء رحمهم الله ، فإن الناظر في محتويات هذا الكتاب ، وفي مضمون خُطبه يجزم بأنه مكذوب على علي إلا كلمات يسيرة وردت عنه ، ويتأكد هذا الحكم بالأمور التالية : ... وذكر ثلاثة أمور .ا.هـ.

- وقال الشيخ الدكتور ناصر القفاري في " أصول الشيعة " (1/389) :

فتراهم مثلا يحكمون بصحة كتاب نهج البلاغة ، حتى قال أحد شيوخهم المعاصرين – وهو الهادي كاشف الغطاء في مدارك نهج البلاغة - : إن الشيعة على كثرة فرقهم واختلافها متفقون متسالمون على أن ما في نهج البلاغة هو من كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه اعتمادا على رواية الشريف ودرايته ووثاقته .. حتى كاد أن يكون إنكار نسبته ليه رضي الله عنه عندهم من إنكار الضروريات وجحد البديهيات اللهم إلا شاذا منهم . وأن جميع ما فيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم .

مع أن كتاب النهج مطعون في سنده ومتنه ، فقد جُمع بعد أمير المؤمنين بثلاثة قرون ونصف بلا سند ، وقد نسبت الشيعة تأليف نهج البلاغة إلى الشريف الرضي ، وهو غير مقبول عند المحدثين لو أسند خصوصا فيما يوافق بدعته فكيف إذا لم يسند كما فعل في النهج ، وأما المتهم – عند المحدثين – بوضع النهج فهو أخوه علي .ا.هـ.

فرية وضع الكتاب

ولقد عزّ على بعض " الناس "! من المتقدّمين أن يكون نهج البلاغة أُنموذجاً من كلام عليّ رضي الله عنه ، وصورة مصغّرة من منهجه العام في الدين والسياسة والإدارة العامّة للدولة، ممّا أراد تطبيقه عندما آلت الخلافة إليه، فتوجّهوا بسهام الشكّ نحوه زاعمين: " إنّه ليس كلام عليّ، وإنّما الّذي جمعه ونسبه إليه هو الّذي وضـعه " .

وقد تصدّى عدد من الكتّاب والأُدباء والباحثين إلى ردّ مزاعم هذه الفرية وإقامة البرهان على زيف هذه المزاعم وكذب هذه الادّعاءات.

وكان في طليعة من تصدّى لتفنيد هذه الشبهة أديب عصره عزّ الدين ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي في شرحه للـنهج ، ونروي في ما يلي فقرات ممّا كتبه هذا الأديب:

" إنّ كثيراً من أرباب الهوى يقولون: إنّ كثيراً من نهج البلاغة كلام محدَث، صـنعه قوم من فصحاء الشـيعة، وربّما عزوا بعضـه إلى الرضي أبي الحسن وغيره، وهؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم، فضلّوا عن النهج الواضح...

وأنا أُوضّح لك بكلام مختصـر ما في هذا الخاطر من الغلط، فأقول: لا يخلو إمّا أن يكون كلّ نهج البلاغة مصنوعاً منحولا، أو بعضـه.

والأوّل باطل بالضرورة ; لأنّا نعلم بالتواتر صحّة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه ، وقد نقل المحدِّثون كلّهم أو جُلّهم والمؤرّخون كثيراً منه، وليسوا من الشـيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك.

والثاني يدلّ عليه ما قلناه ; لأنّ مَن قد أنس بالكلام والخطابة، وشدا طرفاً من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب، لا بُدّ أن يفرّق بين الكلام الركيك والفصيح والأفصـح، وبين الأصيل والمولّد، وإذا وقف على كرّاس واحد يتضمّن كلاماً لجماعة من الخطباء، أو لاثنين منهم فقط، فلا بُدّ أن يفرّق بين الكلامين ويميّز بين الطريقتين.

ألا ترى أنّا مع معرفتنا بالشعر ونقده، لو تصفّحنا ديوان أبي تمّام، فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصـيدة واحدة لغيره لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمّام ونفَسـه وطريقـته ومذهـبه في القريض...

وأنت إذا تأمّلت نهج البلاغة وجدته كلّه ماءً واحداً، ونفَساً واحداً، وأُسلوباً واحداً، كالجسم البسيط الّذي ليس بعض من أبعاضـه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية، وكالقرآن العزيز، أوّله كأوسـطه، وأوسـطه كآخره... فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضـح ضلال من زعم أنّ هذا الكتاب أو بعضـه منحـول إلى أمير المؤمنين على بن أبى طالب " .

قال الكاتب المصري محمّـد عبـد الغني حسن: " ولن نعيد هنا القول في ما لوى به بعض المتعنّتين أشـداقهم من أنّ نهج البلاغة هو من كلام الشريف الرضي نفسه وأنّه ليس للإمام عليّ كرّم الله وجهه ; فتلك قضية أحسن الدفاع فيها: ابن أبي الحديد في القديم، كما أحسن الدفاع عنها في زماننا هذا: الشيخ محمّـد محيي الدين عبـد الحميد " .

أمّا الشيخ محمّـد عبـده فقد قال في بداية تعليقاته مؤكّداً بأنّ: " ذلك الكتاب الجليل هو جملة ما اختاره الشـريف الرضـي (رحمه الله) من كلام سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.. جمع متفرّقه وسمّاه بهذا الاسـم: (نهج البلاغة).

ولا أعلم اسـماً أليَق بالدلالة على معناه منه، وليس في وسـعي أن أصـف هذا الكتاب بأزيد ممّا دلّ عليه اسـمه... " .

وقد حقّق ودقّق الدكتور صـبري إبراهيم، من جامعة عين شمس (جامعة قطر) صحّة ونسبة هذا الكتاب لجامعه الشريف الرضي، كما حقّق ودقّق سـند الخُطب والأقوال للإمام أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه .[7]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر والمراجع

  1. ^ نهجنا في الحياة من المهد حتى الممات - ميرزا آل عصفور
  2. ^ الوصية الإلهية للإمام الخميني - دار المنار - بيروت
  3. ^ فهرس كتاب نهج البلاغة - طبعة مصر- تحقيق محمد عبده
  4. ^ ابن تيمية في منهاج السنة النبوية(7/86)
  5. ^ شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (8/55 – 56)
  6. ^ الإمام الذهبي في الميزان (3/124)
  7. ^ تصحيح القراءة في نهج البلاغة للشيخ خالد البغدادى ص 25-38

هذا الكتاب مصدره الشريف الرضي

وصلات خارجية