نقد العقل الخالص

نقد العقل الخالص
Kant-KdrV-1781.png
الصفحة الأولى من طبعة 1781
المؤلفإمانوِل كانط
العنوان الأصليKritik der reinen Vernunft
المترجمنورمان كمپ سميث
البلدألمانيا
اللغةالألمانية
الموضوعالفلسفة
تاريخ النشر
1781
نوع الوسائطمطبوع
الصفحات856 (الطبعة الأولى بالألمانية)[1]

نقد العقل الخالص (ألمانية: Kritik der reinen Vernunft، إنگليزية: Critique of Pure Reason)، هو كتاب من تأليف الفيلسوف الألماني إمانوِل كانط، نُشر لأول مرة عام 1781، ونُشرت الطبعة الثانية عام 1787، ويعتبر من أكثر الأعمال تأثيراً في تاريخ الفلسفة.[2] ويشار إليه أيضاً بأنه "أول أعمال كانط النقدية"، تلاه عام 1788 نقد العقل العملي. في مقدمة الطبعة الأولى يشرح كانط ما يقصده بنقد العقل الخالص: "أنا لا أعني بهذا نقداً للكتب والأنظمة، بل أعني ملكة العقل بشكل عام، فيما يتعلق بكل المعرفة التي بعدها قد تسعى جاهدة "بشكل مستقل عن كل التجارب".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مقدمة

إذا وجد العالم هذا الكتاب عسيراً فقد يكون السبب منهج العمل الذي انتهجه كانت. كتب إلى موسى مندلسون (16 أغسطس 1783) يقول: مع أن الكتاب "ثمرة تأمل شغلني على الأقل اثني عشر عاماً، فإنني أكملته بأقصى سرعة في أربعة أشهر أو خمسة، باذلاً أبلغ العناية بمحتوياته، ولكن دون اهتمام يذكر بالعرض أو بتيسير فهمه للقارئ-وهو قرار لم أندم عليه قط، وإلا فلو تباطأت وحاولت صياغته في شكل أكثر شعبية لما اكتمل العمل إطلاقاً في أغلب الظن". إن الوضوح يقتضي الوقت، ولم يكن كانت واثقاً من أنه يملك الوقت. وق حذف عمداً بعض الأمثلة الموضحة مخافة أن يتضخم كتابه؛ "فهذه ليست ضرورية إلا من وجهة النظر الشعبية، وهذا الكتاب لا يمكن أبداً جعله صالحاً للاستهلاك الشعبي". وهكذا كتب كانت لأهل حرفته، وركن إلى غيره في تبسيطه وتخفيفه ليصلح للهضم. ومع أن كرستيان فون فولف كان قد سبقه في التأليف الفلسفي بالألمانية، إلا أن تلك اللغة لا تزال على جفافها في التعبير عن ظلال التفكير، ولم تكن قد استقرت على مصطلحات فنية في الفلسفة. وكان على كانت في كل خطوة تقريباً أن يخترع ترجمة ألمانية لمصطلح لاتيني، وفي كثير من الحالات حتى اللاتينية كانت تفتقر إلى مصطلحات تفي بالفوارق الدقيقة التي أراد التعبير عنها. وقد أربك قراءه بخلعه المعاني الجديدة على الألفاظ القديمة، وبنسيانه أحياناً تعاريفه الجديدة. والصفحات المائة الأولى واضحة وضوحاً لا بأس به، أما باقي الكتاب فحريق فلسفي لا يبصر فيه القارئ غير الخبير شيئاً من الدخان.

وقد احتاج العنوان نفسه إلى إيضاح. فأنى للقارئ أن يعرف أن "نقد العقل الخالص" معناه تمحيص نقدي حصيف للعقل مستقلاً عن التجربة، و "النقد لم يعن التحليل والعرض فحسب، بل الحكم أيضاً، كما يستفاد من سلف اللفظة اليوناني (بمعنى يحكم). وقد قصد كانت أن يصف الحس، والإدراك الحسي والفكرة والعقل، وأن يقرر لكل منها حدودها واختصاصاتها الصحيحة. ثم أمل أن يبين أن في استطاعة العقل أن يعطييا المعرفة مستقلاً عن أي خبرة مؤيدة، كما هي الحال في معرفتنا أن ستة مضروبة في ستة تساوي ستة وثلاثين، أو أنه لا بد أن يكون للمعلول علة. تلك أمثلة لـ "العقل الخالص"-أعني المعرفة القبلية أو الأولية، أي المعرفة التي لا تتطلب برهاناً من التجربة.يقول: "إن ملكة المعرفة الحاصلة من المبادئ القبلية يمكن أن نسميها العقل الخالص، والبحث العام في قدرتها وحدودها (يؤلف) نقد العقل الخالص". وقد اعتقد كانت بأن بحثاً كهذا سينطوي على مشكلات الميتافيزيقا؛ وكان على ثقة من أنه "ما من مشكلة ميتافيزيقية واحدة لم تحل، أو لم يقدم مفتاح حلها على الأقل" في هذا النقد. وذهب إلى أن الخطر الوحيد الذي يخشاه "ليس خطر تفنيد آرائي بل عدم فهمي".

فما الذي جرى يا ترى إلى خوض هذه المغامرة البطولية؟ قد يظن أن إعلاء حركة التنوير الفرنسية من شأن العقل-وزعم جماعة الفلاسفة أن الإيمان يجب أن يخضع للعقل-وما حاق باللاهوت المسيحي نتيجة لهذا من دمار، كان السبب الذي جعل كانت يصمم على دراسة أصل العقل وعمله وحدوده. وقد لعب ذلك الحافز دوره، كما ورد في مقدمة كانت للطبعة الثانية، ولكن المقدمة ذاتها أوضحت بجلاء أن العدو الذي أسهدفه هو هذه التوكيدة الإيقانية (الدجماطيقية) بكل ألوانها-أي كل مذاهب الفكر التقليدية والمبتدعة على السواء، التي ينشئها عقل لم يخضع للامتحان. وقد لقب كرستيان فون فولف بـ "أعظم الفلاسفة الدجماطيقيين قاطبة" لأنه اضطلع بإثبات عقائد المسيحية، وفلسفة لبنتس بالعقل وحده. وكل المحاولات التي تبذل للبرهنة على صدق الدين أو كذبه بالعقل الخالص هي في نظر كانت صور من الدجماطيقية؛ وقد حكم بـ "دجماطيقية الميتافزيقا" على كل مذهب في العلم أو الفلسفة أو اللاهوت لم يخضع أولاً لامتحان نقدي للعقل ذاته.

وقد اتهم تفكيره هو، حتى عام 1770، بأنه مدان بهذه الدجماطيقية. يقول أن ما أيقظه من هذه التأملات غير الممحصة هو قراءته لهيوم-ربما كتابه "بحث في الفهم البشري" الذي ظهرت ترجمته ألمانيا له في 1755. وكان هيوم قد زعم أن كل تدليل يعتمد على فكرة العلة، وأننا في التجربة الفعلية لا ندرك العلة إدراكاً حسياً بل التعاقب وحده؛ وإذن فكل العلم والفلسفة واللاهوت يرتكز على فكرة-علة ليست غير فرض ذهني لا حقيقة مدركة حسياً. كتب كانت يقول "أعترف بصراحة أن ملاحظة ديفد هيوم هي التي قطعت على سباتي الدجماطيقي منذ سنين طويلة ووجهت أبحاثي في مجال الفلسفة النظرية في اتجاه مختلف كل الاختلاف". فكيف يمكن إنقاذ مفهوم العلة من المكان الوضيع، مكان الفرض غير اليقيني، الذي خلفه فيه هيوم؟ يقول كانت أنه لا سبيل إلى ذلك إلا ببيان أنه قبلي، مستقل عن الخبرة، واحد من تلك المقولات، أو أشكال الفكر، التي وإن كانت ليست بالضرورة فطرية، إلا أنها جزء من التركيب الفطري للعقل . ومن ثم صمم على التغلب على دجماطيقية فولف وارتيابية هيوم جميعاً بنقد-أي بتمحيض نقدي-يصف في الوقت نفسه سلطة العقل ويحددها ويحييها. وهذه المراحل الثلاث-الدجماطيقية، والارتيابية، والنقد-هي في نظر كانت المراحل الثلاث الصاعدة في تطور الفلسفة الحديثة.


الحكم المختلق "البداهة"

إمانوِل كانط، يلقي محاضرة لضباط روس- إ. سويوكينا/ڤ. گراكوڤ، متحف كانط، كالينينگراد.

وفي ولع بالتعاريف، والتمييزات، والتصنيفات، وباستخدام للألفاظ الطويلة اختصاراً للكلام، قسم كانت المعرفة كلها إلى معرفة تجريبية (تعتمد على التجربة) وأخرى ترانسندنتالية (مستقلة عن التجربة ومن ثم متجاوزة لها). وقد وافق على أن المعرفة كلها "تبدأ" بالتجربة، بمعنى أن إحساساً ما لا بد أن يسبق وينبه عمليات الفكر، ولكنه يعتقد أن في اللحظة التي تبدأ فيها التجربة فإن تركيب العقل يشكلها بما تأصل فيه من أشكال "الحدس" (الإدراك الحسي) أو الإدراك العقلي. وأشكال "الحدس" الأصيلة هي الصور المشتركة بين الجميع، والتي تتخذها التجربة في إحساسنا الظاهر كمكان، وفي حساسيتنا الباطنة كزمان.

وبالمثل توجد أشكال فطرية من الإدراك العقلي أو الفكر، مستقلة عن التجربة وهي تشكلها. وقد سماها كانت المقولات، وقسمها بتناسق أولع به وحرص عليه حرصاً شديداً إلى أربع مجموعات ثلاثية: ثلاث مقولات للكم-هي الوحدة والكثرة وجملة الكل؛ وثلاث مقولات للكيف-هي الوجود والسلب وحد التناهي؛ وثلاث مقولات قوائم للإضافة هي الجوهر في مقابل العرض، والسببية في مقابل التلازم، والمشاركة أو التفاعل؛ وثلاث مقولات قوائم للجهة-هي الإمكان في مقابل الاستحالة، والوجود في مقابل العدم، والضرورة في مقابل العرضية. وكل إدراك حسي يندرج تحت واحد أو أكثر من هذه الأشكال أو القوالب الأساسية للفكر. فالإدراك الحسي إحساس تترجمه الأشكال الفطرية للزمان والمكان، والمعرفة إدراك حسي تحوله المقولات إلى حكم أو فكرة. والتجربة ليست قبولاً سلبياً لانطباعات موضوعية على حواسنا، إنما هي حصيلة العقل المؤثر إيجابياً على خامة الإحساس.

وقد حاول كانت أن يعارض ارتيابية هيوم في العلية، وذلك بأن عد علاقة العلة والمعلول شكلاً حقيقياً من أشكال الفكر لا حقيقة موضوعية؛ وهي بهذه الصفة مستقلة عن الخبرة وليست خاضعة لعدم يقينية الأفكار التجريبية. ولكنها مع ذلك جزء ضروري من كل تجربة، لأننا لا نستطيع فهم التجربة بدونها. ومن ثم فإن "إدراك العلة العقلي" ينطوي على صفة الوجوب، التي لا يمكن لأي تجربة أن تعطيها". وقد ظن كانت أنه بـ "خفة القلم" هذه أنقد العلم من ذلك القيد المذل، قيد الاحتمال، الذي قضى عليه به هيوم. بل إنه زعم أن العقل البشري لا الطبيعة-هوالذي ينشئ "قوانين الطبيعة" الشاملة، وذلك بإضفائه على بعض تعميماتنا-كالتعميمات الرياضية-صفات من الشمول والوجوب لا تدرك موضوعها إدراكاً حسياً. "إننا نحن الذين ندخل ذلك الترتيب والانتظام على المظهر الذي نسميه "الطبيعة". وما كنا لنجدهما قط في المظاهر لولا أننا نحن أنفسنا بحكم طبيعة عقلنا، وضعناهما في الأصل هناك" و "قوانين الطبيعة ليست كيانات موضوعية بل مركبات عقلية نافعة في معالجة التجربة".

وكل معرفة تتخذ شكل الصور أو المثل، والمثالي بهذا المعنى على صواب: فالعالم "بالنسبة لنا" ليس إلا أفكارنا. وما دمنا لا نعرف المادة إلا كأفكار وبواسطة الأفكار، فالمادة إذن مستحيلة منطقياً، لأنها تحاول أن ترد المعلوم مباشرة (الأفكار) إلى المجهول أو المعلوم بطريق غير مباشر. ولكن المثالي يخطئ إذا اعتقد أنه لا شيء "موجود" إلا صورنا، لأننا نعلم أن الصور يمكن إحداثها بالأحاسيس، ونحن لا نستطيع تفسير كل الأحاسيس دون أن نفترض، لكثير منها، علة خارجية. وبما أن معرفتنا مقتصرة على الظواهر أو المظاهر-أي على الشكل الذي يتخذه السبب الخارجي "بعد" أن تشكله أساليب إدراكنا الحسي والعقلي-فإننا لا نستطيع أبداً أن نعرف الطبيعة الموضوعية لتلك العلة الخارجية(24)، ولا بد أن تظل بالنسبة لنا شيئاً-في-ذاته، ملغزاً، "نومينا" يدرك عقلياً ولا يدرك حسياً على الإطلاق. فالعالم الخارجي موجود ولكنه في حقيقته المطلقة مجهول لا يمكن معرفته".

والنفس أيضاً حقيقية ولكن لا يمكن معرفتها. ونحن لا ندركها حسياً على الإطلاق بوصفها كياناً مضافاً إلى الحالات العقلية التي ندركها حسياً، وهي الأخرى"نومين" يدرك عقلياً بالضرورة باعتبارها الحقيقة التي من وراء الذات الفردية، والحس الأخلاقي وأشكال العقل وعملياته. والإحساس بالذات يمتزج مع كل حالة عقلية، ويوفر الاستمرارية والهوية الشخصية. والوعي بالذات "وعي الذات الاستبطاني" هو أوثق تجاربنا قاطبة، ولا سبيل إلى إدراكه عقلياً كشيء مادي بأي جهد بطولي من جهود المخيلة(26). ويبدو من المستحيل أن تؤثر نفس لا مادية في جسد مادي، وأن تتأثر به، ولكن لنا أن نعتقد أن الحقيقية المجهولة والكامنة وراء المادة "قد لا تكون مع ذلك شديدة الاختلاف في طبيعتها" من ذلك الشيء-في-ذاته، الباطن، الذيهو النفس.

كتاب نقد العقل الخالص. لقراءة وتحميل الكتاب، اضغط على الصورة.

وليس في استطاعتنا بالعقل الخالص أو النظري أن نثبت (كما حاول فولف) أن نفس الفرد خالدة، أو أن الإرادة حرة، أو أن الله موجود؛ ولكنا أيضاً لا نستطيع بالعقل الخالص أن ندحض هذه المعتقدات (كما خطر لبعض الشكاك أن يفعلوا) فالعقل والمقولات مهيأة للتعامل مع الظواهر أو المظاهر فقط، الظاهرة أو الباطنة، ولا نستطيع تطبيقهما على الشيء-في-ذاته، أي على الحقيقة من وراء الأحاسيس أو النفس التي من وراء الأفكار. فإذا حاولنا إثبات عقائد الدين أو دحضها وقعناً في أغلاط (في البرهان) أو أغاليط (مغالطات) أو نقائض-تناقضات ملازمة. كذلك ينتهي الأمر إلى استحالات كهذه إذا قلنا أن العالم كان له بداية أو لم يكن، أو أن الإرادة الحرة أو غير حرة، أو إن كان واجباً أو كائناً أعلى موجود أو غير موجود. وعبر كانت في بلاغة غير معهودة فيه عن البرهان الغائي. ولكنه خلص إلى أن "قصارى ما يستطيع هذا البرهان إثباته هو "مهندس"... تعوقه دائماً أشد التعويق تكيفية المادة التي يشتغل بها، لا "خالق".. يخضع لفكرته كل شيء".

ومع ذلك كيف نستطيع الرضى بمثل هذه النتيجة المحيرة-وهي أن حرية الإرادة، والخلود، والله، هذه كلها لا يمكن إثباتها أو نفيها بالعقل الخالص، يقول كانت إن في باطننا شيئاً أعمق من العقل، هو شعورنا الذي لا يقبل التفنيد بأن الوعي، والعقل، والنفس، ليست مادية، وأن الإرادة حرة إلى حد ما، وإن يكن على نحو غامض ولا منطقي؛ ونحن لا نستطيع أن نقنع طويلاً بالنظر إلى العالم على أنه تسلسل لا معنى له من التطور والفناء دون مغزى خلقي أو عقل أصيل. فكيف نستطيع تبرير إرادة الإيمان فينا؟ من جهة (كما يقول كانت) بالجدوى الفعلية للإيمان-لأنه يقدم لنا بعض الهداية في تفسير الظواهر، ويوفر لنا شيئاً من السلامة الفلسفية والسلام الديني، يقول:

"إن أشياء العالم يجب النظر إليها" كأنها "تلقت وجودها من عقل أسمى. ففكرة (الله) هي في الحقيقة مدرك عقلي موجه، لا مدرك عقلي مباشر (هي فرض يعين على الكشف والفهم، ولكنها ليست برهاناً)... ففي ميدان اللاهوت يجب أن ننظر إلى كل شيء "كأن" جماع المظاهر كلها (العالم المحسوس ذاته) له أساس واحد، أسمى، كل الاكتفاء، وراء ذاته-هو عقل موجود بذاته، مبتكر، مبدع. لأنه في ضوء هذه الفكرة، فكرة العقل المبدع، نوجه الاستخدام التجريبي "لعقلنا" بحيث نحصل على أقصى امتداد مستطاع له.. والمفهوم المحدد الوحيد الذي يعطينا إياه العقل النظري الخالص عن الله هو، بأدق معنى، مفهوم "ربوبي"؛ أي أن العقل لا يحدد الصحة الموضوعية لمثل هذا المفهوم، إنما هو يعطينا فقط الفكرة عن شيء هو الأساس للوحدة الأسمى والواجبة لكل الحقيقة التجريبية".

ولكن المبرر الأشد إلزاماً للاعتقاد الديني، في رأي كانت، هو أن هذا الاعتقاد لا غنى عنه للأخلاقية و "لولا أن هناك كائناً أصلياً متميزاً عن العالم، ولو كان العالم... بغير خالق، ولو كانت إرادتنا غير حرة، ولو كانت الروح... فانية كالمادة، إذن لفقدت الأفكار والمبادئ الأخلاقية "كل صحتها". وإذا شئنا للصفة الأخلاقية والنظام الاجتماعي إلا يعتمدا كلية على الخوف من القانون، فلا بد لنا من دعم الإيمان الديني، ولو بوصفه مبدأً منظماً، ويجب أن نسلك، كأننا نعرف "أن هناك إلهاً، وأن نفوسنا خالدة، وأن إرادتنا حرة". أضف إلى ذلك، أننا إعانة للفكر والأخلاق-مبررون في تمثيل سبب العالم بلغة تشبيهية لطيفة دقيقة. (بغيرها لا نستطيع تصور أي شيء متصل بهذا السبب) أعني ككائن ذي فهم، ومشاعر سرور واستياء، ورغبات ومشيئات تقابلها".

وهكذا يختتم كتاب "النقد" الشهير، مخلفاً مذاهب الفكر المتعارضة وقد سرى عنها وأثار استياءها. لقد أصبح في وسع الشكاك أن يزعموا أن كانت برد اللاإدرية، وأن يزدروا إرجاعه الله إلى مكانته السابقة مكملاً للشرطة. ووبخه اللاهوتيون المصدومون على تسليمه بهذا القدر الكبير للكفار، واغتبطوا لأن الدين خرج-فيما بدا لهم-حياً من رحلته الخطرة داخل متاهة عقل كانت. وفي 1786 وصف كرال راينهولت هذه الضجة الكبرى فقال:

"لقد حكم الدجماطيقيون على كتاب "نقد العقل الخالص": بأنه محاولة شاك يقوض يقينية المعرفة كلها؛ والشكاك بأنه قطعة من التبجج المستعلي تضطلع بإقامة صورة جديدة من الدجماطيقية على أنقاض مذاهب سابقة؛ وفوق الطبيعيين بأنه حيلة مبيته بدهاء لإزاحة الأسس التاريخية للدين، ولاقاه المذهب الطبيعي دون جدل عنيف؛ والطبيعيون بأنه دعامة جديدة لفلسفة الإيمان المحتضرة؛ وحكم عليه الماديون بأنه إنكار مثالي النزعة لحقيقة المادة؛ والروحانيون بأنه قصر لا مبرر له للمعرفة كلها على العالم المادي مستتر تحت اسم ميدان التجربة...".

وهاجمت مدارس الفكر هذه كلها تقريباً الكتاب فأذاعت بذلك شهرته ولو بتجريحه. وأعلت من قدرة كل العوامل حتى عسر فهمه الذي جعله تحدياً يتعين على كل عقل عصري أن يقبله. وسرعان ما جرت مصطلحات كانت وألفاظه الطويلة على كل لسان مثقف.

ولم يستطع كانت أن يفهم لم عجز نقاده عن فهمه. ألم يعرف كل مصطلح أساسي مراراً وتكراراً؟ (بلى، وما أشد التباين في تعاريفه!) وفي 1783 رد على الهجمات بإعادة صياغة "النقد" فيما خاله صورة أبسط، وسمى رده في تحد "مقدمة لكل ميتافيزيقا مستقبلة قادرة على الظهور كعلم". وزعم في هذا الرد أنه قبل كتابة "نقد العالم الخالص" لم تكن هناك ميتافيزيقا حقيقية على الإطلاق، لأنه ما من مذهب قدم لنفسه بتمحيص ناقد لأداته-وهي العقل. فإذا كان بعض القراء عاجزين عن فهم كتاب "النقد" فقد يكون السبب أنهم ليسوا على مستواه تماماً؛ "وفي هذه الحالة على القارئ أن يستخدم مواهبه العقلية في شيء آخر"، وعلى أي حال "ما من حاجة تدعو كل إنسان لدراسة الميتافيزيقا"(35). لقد كان في الأستاذ العجوز دعابة وكبرياء، وفيه حدة الطبع أيضاً. على أن "المقدمة" باتت كلما أو غلت عسرة عسر كتاب النقد الأصلي.

واتصل الجدل في ظل حكومة فردريك الأكبر المتسامحة. وكان كانت قد كتب في كتابه "نقد العقل الخالص" فقرات بليغة عن شرف العقل، وعن حقه في حرية التعبير(36). وفي 1784، حين كان لا يزال مطمئناً إلى حماية فردريك وتسيدلتس، نشر مقالاً عنوانه (ما التنوير؟). وقد عرف التنوير بأنه حرية الفكر واستقلاله، واتخذ شعراً ونصيحة القول المأثور "تجرأ على أن تعرف". وأبدى أسفه على تخلف التحرر الفكري نتيجة لمحافظة الأغلبية على القديم. "فإذا سألنا هل عائشون في عصر مستنير؟ فالجواب لا"، إنما نحن نعيش في "عصر التنوير" "ثم حيا فردريك باعتباره عنوان حركة التنوير الألماني وحاميها، والملك الوحيد الذي قال لرعاياه "فكروا كما تشاءون".

ولعله كتب هذا الكلام مؤملاً أن خليفة فردريك سيلزم سياسة التسامح. ولكن فردريك وليم الثاني (1786-97) كان أكثر اهتماماً بقوة الدولة منه بحرية العقل. فلما أعدت طبعة ثانية من "نقد العقل الخالص" (1787) عدل كانت بعض فقراته، وحاول التخفيف من حدة هرطقاته بمقدمة طابعها الاعتذار. قال "وجدت من الضروري أن أنفي المعرفة (بالأشياء في ذواتها) لأفسح مجالاً للإيمان... فالنقد وجده يستطيع أن يقطع جذور المادية والقدرية والكفر والإلحان والتعصب والخرافة"(38). وكان محقاً في هذا الحذر. ففي 9 يوليو 1788 أصدر يوهان كرستيان فون فولنر، وزير الإدارة اللوثرية "مرسوماً دينياً" رفض التسامح الديني صراحة باعتباره مسئولاً عن التحلل الخلقي، وهدد بالطرد من منابر الكنائس أو كراسي الجامعات كل الوعاظ أو المدرسين المنحرفين عن المسيحية التقليدية. في هذا الجو الرجعي نشر كانت "نقده" الثاني.

أقسام الكتاب

نقد العقل
Transcendental Doctrine of Elements Transcendental Doctrine of Method
First Part: Transcendental Aesthetic Second Part: Transcendental Logic Discipline of Pure Reason Canon of Pure Reason Architectonic of Pure Reason History of Pure Reason
Transcendental Doctrine of Elements
First Part: Transcendental Aesthetic Second Part: Transcendental Logic
Space Time First Division: Transcendental Analytic Second Division: Transcendental Dialectic
First Division: Transcendental Analytic
Book I: Analytic of Concepts Book II: Analytic of Principles
Clue to the discovery of all pure concepts of the understanding Deductions of the pure concepts of the understanding Schematism System of all principles Phenomena and Noumena
Second Division: Transcendental Dialectic
Transcendental Illusion Pure Reason as the Seat of Transcendental Illusion
Book I: Concept of Pure Reason Book II: Dialectical Inferences of Pure Reason
Book II: Dialectical Inferences of Pure Reason
Paralogisms (Psychology) Antinomies (Cosmology) The Ideal (Theology)

[3]

الاستنتاج الميتافيزيقي
1. Quantity of Judgements
2. Quality
3. Relation
4. Modality

In each of these ‘moments’ of judgment, there are three alternative classifications;(A70/B95).

1. Quantity of Judgements
  • Universal
  • Particular
  • Singular
2. Quality
  • Affirmative
  • Negative
  • Infinite
3. Relation
  • Categorical
  • Hypothetical
  • Disjunctive
4. Modality
  • Problematic
  • Assertoric
  • Apodeictic

These Aristotelian ways of classifying judgments are the basis for his discerning the twelve correlated concepts of the understanding. Kant ultimately distinguishes twelve pure concepts of the understanding divided into four classes of three (A80/B106):

1. Categories of Quantity
  • Unity
  • Plurality
  • Totality
2. Categories of Quality
  • Reality
  • Negation
  • Limitation
3. Categories of Relation
  • Inherence and Subsistence (substance and accident)
  • Causality and Dependence (cause and effect)
  • Community (reciprocity between agent and patient)
4. Categories of Modality
  • Possibility—Impossibility
  • Existence—Non-existence
  • Necessity—Contingency


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الاستنتاج المتعالي
1.Axioms of intuition
2.Anticipations of perception
3.Analogies of experience
4.Postulates of empirical thought in general

المصطلحات والتعبيرات

انظر أيضاً

الهوامش

  1. ^ http://de.wikisource.org/wiki/Seite:Kant_Critik_der_reinen_Vernunft_856.png
  2. ^ Graham Bird (1995). Ted Honderich (ed.). The Oxford Companion to Philosophy. Oxford: Oxford University Press. p. 439. ISBN 0-19-866132-0.
  3. ^ Caygill 1995, p. 146

المصادر

قراءات إضافية

وصلات خارجية

اقرأ نصاً ذا علاقة في

نقد العقل الخالص