في طبيعة الأشياء

طبعة پنگوين كلاسيكس من De rerum natura، تحت عنوان The Nature of Things، ترجمة A. E. Stallings

في طبيعة الأشياء De rerum natura هي قصيدة تلقينية من القرن الأول ق.م. من تأليف الشاعر الروماني والفيلسوف لوكرشس بهدف شرح الفلسفة الإپيقورية للجمهور الروماني. القصيدة مكتوبة في نحو 7,400 dactylic hexameters, is divided into six untitled books, and explores Epicurean physics through richly poetic language and metaphors.[1] يقدم لوكرشس مبادئ الذرية؛ طبيعة العقل والروح؛ وشرح الإحساس والفكر؛ تطور العالم وظواهره؛ ويشرح تنويعة من الظواهر السماوية والأرضية. الكون كما تصفه القصيدة يعمل حسب تلك المبادئ الفيزيائية، بإرشاد من fortuna, "chance"، وليس في ذلك تدخل إلهي من الآلهة الرومانية التقليدية.[2]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الملخص

افتتاحية De rerum natura، نسخة 1483 بقلم جيرولامو دي مايو ده توريس، مهداة إلى الپاپا سكستوس الرابع
المجلد الأول من De rerum natura، من طبعة 1675 التي أصدرها Tanaquil Faber

إذا حاولنا أن نصوغ ما في جدل لكريشيوس من اضطراب حماسي في صورة منطقية، فإن فكرته الأساسية تتمثل في ذلك البيت المشهور:

Tantum religio potint suadere malorum

ما أكثر ما بعثه الدين في قلوب الناس من شرور!

فهو يروي قصة إفجينيا في أوليس، والضحايا البشرية التي يخطئها الحصر، والذبائح التي تقدم قرباناً للآلهة التي يمثلونها في صورة البشر النهمين، ويذكرنا بالأهوال التي تحيط بالسذج والشبان حين يضلون في أجام الآلهة المنتقمة الجبارة، وما يقذفه في قلوبهم الرعد والبرق والموت والجحيم من رعب، وبالأهوال السفلى التي يصورها الفن الإتروري والقصص الشرقية الغامضة الخفية. وهو ينحى باللائمة على بني الإنسان لأنهم يفضلون مراسم التضحية على التعقل الفلسفي ويقول:

"أيها الخلائق البائسون ما بالكم تعزون إلى الآلهة هذه الأعمال الشائنة وهذا الغضب المرير! كم من أحزان يهيئها الناس لأنفسهم (بهذه العقائد) وكم من جراح تثخن بها أجسامنا، ودموع تذرفها أعين أبنائنا! ذلك أن التقوى لا تكون في كثرة توجيه الرأس المقنع إلى الأحجار، ولا في الاقتراب من جميع مذابح القربان، ولا في الركوع والسجود... أمام هياكل يكون في طاقة الإنسان أن ينظر إلى الأشياء جميعها بعقل هادئ مطمئن"(7).

ولا ينكر لكريشيوس وجود الآلهة، ولكنه يقول إنها تقيم بعيدة عنا، سعيدة كل السعادة في عزلتها وبعدها عن أفكار البشر ومتاعبهم، هنالك "وراء أسوار العالم المشتعلة" (extar flammantia moeine mundi) بمنأى عن ضحايانا وصلواتنا، وهي تعيش كما يعيش أتباع أبيقور بعيدة عن الشؤون الدنيوية، فائقة بتأمل الجمال وعمل ما تتطلبه الصداقة والسلام(8). وليست الآلهة في رأيه هي التي خلقت العالم، وليست هي سبب ما يقع فيه من الأحداث، فمن ذا الذي يظلمها ذلك الظلم الصارخ فيتهمها بأنها سبب ما في الحياة على الأرض من تلف، واضطراب، وآلام، ومظالم؟ كلا إن هذا الكون اللانهائي الذي يشمل عدة عوالم مستقل عما سواه، ولا شأن له بغيره، ولا يسيطر عليه قانون خارج عنه؛ فالطبيعة تفعل كل شيء من نفسها. من ذا الذي أوتي من القوة ما يستطيع به أن يتصرف في الأشياء مجتمعة، ويقبض بيده على ذلك العنان القوي عنان الأبدية التي لا قرار لها؟ من ذا الذي يستطيع أن يحرك السموات كلها دفعة واحدة.. ويهز السماء الصافية بالرعد القاصف، ويقذف بالبرق فيزلزل به في كثير من الأحيان هياكل الآلهة، ويرسل الصواعق فيقضي بها على البريء وينجو منها المجرم"(9). إن إله الكون الذي لا إله سواه هو القانون، وأصدق العبادات، والسبيل الوحيد إلى السلام أن يعرف الناس ذلك القانون ويحبوه. إن مخاوف العقل وظلمته لا تبددها أشعة الشمس... بل يبددها النظر في قوانين الطبيعة(11).

وهكذا "يمس" لكريشيوس "برحيق ربات الشعر" مادية دمقريطس الخشنة، ويصرح بأن مبدأه الأساسي المقرر أن لا وجود إلا للذرات والفراغ"(12) أي المادة والفضاء، ثم ينتقل من فوره إلى مبدأ جوهري (وافتراض) من مبادئ العلم الحديث، وهو أن ما في العالم من مادة وحركة لا يتغير أبداً، وألا شيء ينشأ من لا شيء، وأن ليس الإتلاف والتحطيم إلا تغيراً في الشكل، وأن الذرات لا تتحطم، ولا تتبدل، وأنها صلبة، مرنة، عديمة الصوت والرائحة والذوق واللون، وأنها لا حدود لها، يتدخل بعضها في بعض ليتكوّن منها مُركبات وصفات لا حصر لها، وتتحرك حركة لا انقطاع لها، في سكون الأشياء العديمة الحركة البادي للأنظار: "فكثيراً من نرى على سفوح الجبال.. الأغنام ذات الأصواف تزحف حيث يغريها بالزحف الكلأ الذي تتلألأ عليه قطرات الندى، وترى الحملان التي شبعت ورويت تلعب وتتناطح في لعبها برؤوسها. ولكن هذه كلها تنطمس للبعيد عنها حتى لا تستطيع العين أن تميزها، وتبدو لطخة بيضاء على تل أخضر. وتنتشر الجيوش الجرارة في بعض الأحيان في ميادين واسعة؛ وتتحرك حركات تمثل بها الحروب، تسطع دروعهم البرنزية فتضيء ما حولها، وتنعكس على قبة السماء، وتزلزل الأرض وتجلجل تحت أقدام الجند وسنابك الخيل، وتصطدم هذه الأصوات بالجبال فتدفع بها مرة أخرى إلى نجوم السماء. ومع هذا فإن في تلل الجبال مكاناً تبدو منه هذه الجيوش كأنها ساكنة لا تتحرك؛ ولا تعدو أن تكون بقعة صغيرة بيضاء مستقرة فوق السهل"(13).

وتحتوي الذرات على المنيمات minima أو "أصغر الأشياء"، وكل منيمة minimum جسم نهائي صلب، لا يقبل الانقسام، ولعل اختلاف ترتيب هذه الأجزاء هو السبب في اختلاف أحجام الذرات وأشكالها، وهو الاختلاف الذي ينشأ منه تباين الطبيعة تبايناً يسر النفوس وينعشها. والذرات لا تتحرك في خطوط مستقيمة أو منتظمة، بل إن في حركتها انحرافاً أو زيغاً دقيقاً لا يستطاع قياسه، وفيها تلقائية عنصرية تسري في جميع الأشياء وتصل إلى غايتها في إرادة الإنسان الحرة .

لقد كانت كل الأشياء من قبل عماء، ولكن التوزيع التدريجي للذرات المتحركة حسب أحجامها وأشكالها قد أنتج- عن غير قصد- الهواء والنار والماء والتراب ومن هذه كلها نشأت الشمس والقمر والكواكب والنجوم؛ وفي الفضاء اللانهائي تنشأ باستمرار عوالم جديدة وتفتحت عوالم أخرى قديمة، والنجوم نيران مثبتة في حلقة من الأثير (وهو ضباب من ذرات أرق من الذرات السابقة) المحيطة بكل مجموعة كوكبية. وهذا الجدار الكوني الناري هو الذي يكون "أسوار العالم الملتهبة". ثم انفصل جزء من الضباب البدائي عن هذه الكتلة وأخذ يدور وحده وبرد فتكونت منه الأرض. وليست الزلازل ناشئة من صراخ الآلهة بل من تمدد الغازات والمجاري التي تحت الأرض. كما أن الرعد والبرق ليسا صوت الإله وأنفاسه بل هما نتيجتان طبيعيتان لتكاليف السحب واصطدامها بعضها ببعض. وليس المطر مرحمة من جوف بل هو رجوع الرطوبة التي بخرتها الشمس إلى الأرض.

والحياة في رأيه لا تختلف في جوهرها عن غيرها من خصائص المادة، فهي نتيجة الذرات التي لا حياة في كل منها بمفردها. وكما أن الكون قد اتخذ صورته الخاصة به طوعاً لقوانين المادة المتأصلة فيها، فكذلك أخرجت الأرض كل أنواع الكائنات الحية وأعضاءها بطريقة الانتخاب الطبيعي لا بغيرها من الطرق.

لا شيء ينشأ في الجسم ويقصد به أن نستخدمه، ولكن ما ينشأ فيه ينتج بعد وجوده الغرض الذي يستخدم فيه(14).. فلم يكن هدف الذرات هو الذي جعلها ترتب نفسها ترتيباً قائماً على الذكاء والفطنة، بل السبب في ترتيبها هذا أن كثيراً من الذرات منذ الأزل قد تحركت والتقت بطرق مختلفة لا حصر لها، وجربت كل التراكيب المختلفة.. ومن ثم نشأت مبادئ الأشياء العظيمة... وأجيال الكائنات الحية(15). وما أكثر ما حاولت الأرض أن توجده من الهولات، فمنها ما لم تكن له أقدام، ومنها ما لم تكن له يدان أو فم أو وجه أو أطراف ملتصقة بجسمه.. ولكن هذه المحاولات كلها ذهبت أدراج الرياح، فقد ضنت عليها الطبيعة بالنماء، ولم تستطيع هي أن تجد لنفسها الطعام، أو أن تتصل بعضها ببعض اتصالاً مبعثه الحب.. وما من شك في أن كثيراً من الحيوانات قد بادت في ذلك الوقت لأنها عجزت عن الاحتفاظ بأنواعها عن طريق التزاوج والتناسل، وسبب ذلك أن الأنواع التي لم تهبهما الطبيعة صفات "تحميها من أعدائها" كانت تحت رحمة غيرها، وسرعان ما هلكت وانقرضت(16). وليس العقل (Animue) إلا عضواً كالقدمين والعينين، وهو مثلهما أداة أو وظيفة لتلك الروح (Anime) أو النسمة الحيوية، وهي مادة جداً رقيقة تنتشر في الجسم كله، وتبعث الحياة في كل جزء من أجزائه. وعلى الذرات الشديدة الحساسية التي يتكون فيها العقل تسقط الصور أو الأشرطة التي لا ينقطع خروجها من سطوح الأشياء. وهذا هو منشأ الإحساس. وينشأ الذوق والشم والسمع والبصر واللمس من جزيئات تخرج من هذه الأشياء وتقع على اللسان أو الحالق أو الخياشيم أو الاذنيين أو العينيين أو الجلد. والحواس كلها صور اللمس. وهي المحك النهائي للحقائق، فإذا ما ظن أنها أخطأت فليس ذلك إلا نتيجة لسوء التفسير، ولا يصحح خطأ إحدى الحواس إلا حاسة أخرى، ولا يمكن أن يكون العقل محك الحقائق لأن العقل يعتمد على التجارب أي على الإحساس.

وليست النفس شيئاً روحياً، ولا هي خالدة، فهي لا تستطيع تحريك الجسم إلا إذا كانت ذات جسم، وهي تنمو وتشيخ مع الجسم، وتتأثر بما يتأثر به من مرض ودواء وخمر، وتتبدد ذراتها تبدداً ظاهرياً حين يموت، ولو وجدت النفس بغير الجسم لكانت عديمة الإحساس عديمة المعنى؛ وما فائدة النفس بغير أعضاء اللمس والذوق والشم والسمع والبصر؟ والحياة لا توهب لنا لتكون ملكاً خالصاً لنا بل عارية نستعيرها ونحتفظ بها ما دمنا على الانتفاع بها، فإذا ما استنفدنا قوانا وجب علينا أن نغادر مائدة الحياة مغتبطين شاكرين، كما يغادر الضيف الوليمة. وليس الموت نفسه أمراً مخيفاً رهيباً، بل الذي يسبب رهبته هو خوفنا مما نلقاه في الدار الآخرة. ولكن الدار الآخرة لا وجود لها، والجحيم هو جحيم هذه الدنيا، فهو العذاب الناشئ من الجهل والانفعالات والتخاصم والشره؛ والجنة توجد على ظهر هذه الأرض، وهي معابد الحكماء الصافية sapientum templa serena(17).

وليست الفضيلة في خوف الآلهة، ولا في تجنب الملذات وخشيتها، بل هي في تناسق أعمال الحواس والمواهب بإرشاد العقل؛ ومن الناس من يفنون أعمارهم من أجل تمثال يقام لهم، أو شهرة يتحدث بها الناس عنهم، ولكن "ثروة الإنسان الحقة هي أن يعيش عيشة بسيطة وعقله في سلام" (vivere parce Aequo Animo)(18)، وخير من العيش الجامد المعنت في الأبهاء المذهبة "الرقود في جماعات على الكلأ الناعم بجوار غدير تحت أشجار باسقة"(19)، أو سماع الألحان الموسيقية العذبة اللطيفة، أو أن يفقد الإنسان ذاته في حب أطفاله والعناية بهم، والزواج خير ولكن الحب المثير للعواطف جنون، يجرد العقل من صفائه وتدبيره. "فإذا أصابت الإنسان سهام فينوس- سواء أطلق هذه السهام غلام له أعضاء فتاة، أو أطلقتها امرأة يشع الحب من جسمها كله- فإنه ينجذب نحو مصدر الضربة ويتوق إلى الاتحاد معه"(20). ولا يستطيع زواج ولا مجتمع أياً كان نوعه أن يجد قاعدة سليمة يقوم عليها في هذا الغرام الجنوني.

ولما كان لكريشيوس قد وجه عواطفه كلها نحو الفلسفة ولم يجد في قلبه متسعاً للحب، فإنه أبى أن يعود إلى العهد الروائي العاطفي القديم الذي يقول به اليونان الذين كانوا يمجدون الحياة البدائية، وينادون بالعودة إلى الطبيعة، كما مجدها روسو ونادى بالعودة إليها.

نعم لقد كان الناس في ذلك الوقت أصلب عوداً، ولكنهم كانوا يعيشون في الكهوف، ولا يعرفون الناس، ويتناكحون بلا زواج، ويقتل بعضهم بعضاً بغير قانون، ويموت منهم جوعاً بقدر من يموت من المحتضرين بالتخمة(21).

أما الطريقة التي تمت بها الحضارة فيشرحها لكريشيوس في خلاصة موجزة لتاريخ الإنسان الطبيعي يقول فيها إن التنظيم الاجتماعي قد وهب الإنسان القدرة على البقاء بعد أن بادت الحيوانات التي كانت أشد منه قوة وبطشاً. وقد اهتدى إلى النار حين رآها تندلع من احتكاك أوراق الأشجار وأغصانها، وأنشأ من الإشارات والحركات لغة، وتعلم الغناء من الطير، وأنس الحيوان لمنفعته، كما استأنس هو بالزواج والقانون؛ ثم شق الأرض، ونسج الملابس، وصهر المعادن وصنع منها أدواته؛ ثم رصد كواكب السماء، وقاس الزمن وتعلم الملاحة؛ ثم رقى فن القتل، وتغلب على الضعفاء، وشاد المدن، وأقام الدول.

وليس التاريخ إلا موكب الدول والحضارات التي تنشأ وتزدهر ثم تضمحل وتفنى، ولكن كلاً منها تخلف وراءها تراثاً من العادات والأخلاق والفنون تتلقاه عنها الحضارات التي تأتي من بعدها "فهي كالعدائين في سباق يسلم كل منهم مصباح الحياة إلى غيره"(22)

(et quasi cursores vitai lampada tradut) وكل ما ينمو من الأشياء يضمحل: الأعضاء، والكائنات الحية، والأسر، والدول، والأجناس، والكواكب، والنجوم. والذرات وحدها هي التي لا تموت أبداً، وتوجد إلى جانب قوى الخلق والنماء قوى أخرى تعادلها وتوازنها وهي قوى التدمير، وهذه لا تنقطع عن العمل ما بين دفع وجذب وتراخ وانقباض، وحيات وموت. وفي الطبيعة خير وشر، والآلام يلقاها كل كائن حي وإن لم يستحقها، والانحلال يتبع خطى كل تطور، وأرضنا نفسها في طريقها إلى الموت والفناء، وها هي ذي الزلازل تخربها وتدمرها، والأرض تفقد قدرتها على الإنتاج والأمطار والأنهار تقرضها وتفتتها، وتنقل الجبال نفسها آخر الأمر إلى البحار، وسيأتي على عالمنا النجمي كله يوم يفنى فيه كما تفنى هذه الجبال؛ فتهاجم جدران السماء من كل جوانبها وتتصدع ثم تتهدم وتخرب(23). ولكن ساعة الفناء نفسها تكشف عما في العالم من حيوية لا تقهر "ويمتزج بالعويل على الموتى البكاء على الطفل الوليد"(24) وتتكون عوالم جديدة ونجوم وكواكب جديدة، وتنشأ أرض أخرى وحياة غير الحياة الأولى، ويبدأ التطور من جديد.

وإذا ألقينا نظرة عامة على هذه القصيدة التي تعد "أروع نتاج الأدب القديم كله"(25)، فقد نلاحظ لأول وهلة ما فيها من عيوب: كاضطراب موضوعاتها التي حال موت الشاعر في مقتبل العمر دون مراجعتها، وتكرار عباراتها وأبياتها وفقرات منها برمتها، واعتقاده أن الشمس والقمر والنجوم ليست في حقيقتها أكبر مما تبدو للناظر إليها(26)، وعجز النظام الذي تشرحه القصيدة عن أن يفسر كيف تستحيل الذرات الميتة إلى حياة وإدراك، وإغفال الشاعر ما يبعثه الإيمان في المؤمن من نظر ثاقب وطمأنينة وساوى، وإلهام وشاعرية قوية محركة، كما أغفل ما للدين من آثار اجتماعية. ولكن ما أقل هذه الأغلاط وما أضعف شأنها أمام المحاولة الجريئة التي بذلها الشاعر لتفسير العالم والتاريخ والدين والمرض تفسيراً منطقياً معقولاً ، وأمام ما صور به الطبيعة من أنها عالم يسيطر عليه القانون لا يعتري المادة والحركة فيه زيادة أو نقصان. وأمام عظمة الموضوع الذي تحدث عنه ونبل الطريقة التي عرض بها؛ وأمام قوة الخيال المتصلة التي تشعر في كل مكان "بجلال الأشياء" وتسمو برؤى أنبادقليس، وعلم دمقرطيس، ومبادئ أبيقور الأخلاقية، إلى شعر يبلغ من الروعة والجمال أسمى ما بلغه الشعر المعروف في جميع العصور. فها هي ذي لغة كانت لا تزال بعد غير مصقولة ولا ناضجة تكاد في ذلك الوقت أن تكون خلواً من المصطلحات الفلسفية والعلمية، بل خلقها ثم وجه الكلام القديم وجهات جديدة من حيث الوقع والجرس، وصاغ الوزن السداسي صياغة أكسبته حيوية وقوة لم تكن له في أية لغة أخرى من اللغات المعروفة، وسما به بين الفينة والفينة إلى درجة من الرقة والجمال والسلاسة لا تقل من نظائرها في شعر فرجيل. وإن ما في القصائد لكريشيوس من حيوية لا نفارقه في وقت من الأوقات ليدل على أنه قد استمتع بحياته كلها، لم يكد يترك فيها فترة قصيرة أو طويلة من يوم مولده إلى يوم وفاته إلا عاش خلالها على الرغم مما كان يحيط به من آلام متعددة وخيبة مريرة.


وفاة لكريشس

وكيف مات لكريشيوس؟ يقول القديس جيروم Saint Jerome إن "لكريشيوس قد جن على أثر تجرعه دواء يولد الحب، بعد أن كتب عدة كتب. مات منتحراً في الرابعة والأربعين من عمره"(28). وليس لهذه القصيدة ما يؤيدها، ويشك الكثيرون في صحتها، ولسنا نعتقد أن قديساً يستطيع أن يروي رواية عن حياة لكريشيوس منزهة عن الهوى. وقد وجد بعضهم ما يؤيد هذه القصة في قصيدته نفسها؛ ذلك أن منها شواهد على الذهن المكدود غير الطبيعي، فضلاً عن أن موضوعاتها مهوشة غير منظمة، وأنها مقتضبة تنتهي انتهاء فجائياً غير متوقع(29). ولكن الإنسان ليس في حاجة إلى أن يكون لكريشيوس- ولكريشيوس دون غيره- لكي يكون حاد المزاج سريع التهيج، مهوشاً، ولكي يموت.

نهجه

لقد كان لكريشيوس كما كان يوربديز رجلاً من الطراز الحديث، وكان تفكيره وإحساسه يوائمان عصرنا الحاضر أكثر مما يوائمان القرن الأول قبل ميلاد المسيح. وقد تأثر به هوارس وفرجيل في أيام شبابهما، وهما يذكرانه من غير أن يبوحا باسمه في كثير من عباراتهما الجزلة، ولكن الجهود التي كان يبذلها أغسطس لإعادة الدين القديم قد جعلت هذين الشاعرين وهما صنيعتا أغسطس يريان أن ليس من الحكمة أن يعبرا في صراحة عن إعجابهما بلكريشيوس ويعترفا بما في عنقهما له من دين يضاف إلى هذا أن الفلسفة الأبيقورية لن تكن توائم العقل الروماني، كما كانت أعمال الأبيقوريين توائم الذوق الروماني في عصر لكريشيوس ، فقد كانت رومه في حاجة إلى رجل ذي فلسفة ميتافيزيقية يمجد القوى الصوفية الباطنية لا القوانين الطبيعية، والى عالم أخلاقي ينشئ شعباً حربياً كامل الرجولة لا شعباً من أصحاب النزعة الإنسانية المحبين للسلم والهدوء؛ وكانت في حاجة إلى فلسفة سياسية شبيهة بفلسفتي فرجيل وهوراس، تبرر سيطرة روما الإمبراطورية.

ولما بعث الدين من جديد بعد سنكا كاد الناس ينسون لكريشيوس، ولم يبدأ يظهر أثره في الفكر الأوربي إلا بعد أن كشفه بجيو Poggio من جديد في عام 1418 ب.م. وقد أخذ طبيب من مدينة فيرونا Varona يدعى جيرولامو فراكاستورو Girolamo Fracastoro (1483-1553) عن الشاعر نظريته التي يقول فيها إن المريض ينشأ من "بذور" Semina خبيثة تسبح في الهواء، وفي عام 1647 أحيا جاسندي Gassndi الفلسفة الذرية. وكان فلتير يقرأ في طبيعة الأشياء في خشوع ويقول كما قال أوفد Ovid إن ما فيها من أبيات ثورية سيبقى ما بقيت الأرض(30).

وقد خاض لكريشيوس بمفرده أقسى الوقائع في زمانه ونعني بها إحدى وقائع الحرب الأبدية بين الشرق والغرب، بين "القلب الحنون" والإيمان الباعث للسلوى المخفف للأحزان من جهة، والعقل العنيد الجاسي والعلم المادي من جهة أخرى. ولسنا في حاجة إلى القول بأنه أعظم الشعراء الفلاسفة، وأنه هو الذي سما بالأدب اللاتيني ما سما به كاتلس وشيشرون إلى ذروة مجده؛ وبه انتقلت زعامة الأدب نهائياً من بلاد اليونان إلى روما.

القصيدة بعد وفاة صاحبها

تاريخ المخطوطة

Hitting front or religion, the great poem of Lucretius was completely forgotten during the Middle Ages until the discovery in 1417 of a manuscript of the ix th century by the Italian humanist Poggio during excavations in the library of a monastery. This manuscript has long been considered the only ancient copy of this poem to the subsequent discovery of two other manuscripts ix th century (ms oblongus and Quadratus in Leiden ), and in 1750 , the charred remains of a roll papyrus in the Villa of the Papyri in Herculaneum.[3] When Poggio circulates his manuscript, the interest is very strong as evidenced by the many manuscript copies that have made ​​EET, including fifty survived 13 .[4]

رسماً

ألهمت القصيدة بوتيچلي ليرسم لوحته الشهيرة أمثولة الربيع. It is specifically the invocation to Venus, which opens with this poem (I, 1-43), combined with a description of the arrival of spring (V, 737-740):[5] "Spring Venus and comes with him before the winged herald of the goddess, Zephyr, the Zephyr not, Flore their mother preparing a road flower colors and fragrances. '

أعمال لاحقة بنفس العنوان

في مطلع القرن السابع، كتب إيزيدوره من اشبيلية De natura rerum، وكان كتاباً في الفلك والتاريخ الطبيعي وأهداه لملك القوط الغربيين سيسبوت Sisebut. وبعد حوالي قرن، كتب بده Bede كتاباً بنفس العنوان، مبني جزئياً على عمل إيزيدوره ولكن يبدو أنه لم يكن يدري بقصيدة لوكرشس.[6]

الهامش

  1. ^ Greenblatt, Stephen (8 August 2011). "The Answer Man – An ancient poem was rediscovered—and the world swerved". The New Yorker. Condé Nast. LXXXVII (23): 28–33. ISSN 0028-792X.
  2. ^ In particular, De rerum natura 5.107 (fortuna gubernans, "guiding chance" or "fortune at the helm"): see Monica R. Gale, Myth and Poetry in Lucretius (Cambridge University Press, 1994, 1996 reprint), pp. 213, 223–224 online and Lucretius (Oxford University Press, 2007), p. 238 online.
  3. ^ (Greenblatt, p. 57)
  4. ^ (Greenblatt, p. 219)
  5. ^ (Salem, p. 22)
  6. ^ Bede: 'On the Nature of Things' and 'On Times' translated by Calvin B. Kendall, Faith Wallis, p 191

خطأ استشهاد: علامة <ref> بالاسم " Lucretius I.140 " المحددة في <references> لها سمة المجموعة " lower-alpha " والتي لا تظهر في النص السابق.

خطأ استشهاد: علامة <ref> بالاسم " Cicero, QFr 2.10.3 " المحددة في <references> لها سمة المجموعة " lower-alpha " والتي لا تظهر في النص السابق.

المصادر

المراجع

للاستزادة

ترجمات

  • Lucretius. On the Nature of Things: De rerum natura. Anthony M. Esolen, transl. Baltimore: The Johns Hopkins Univ. Pr., 1995. ISBN 0-8018-5055-X
  • Lucretius the Way Things Are: The De Rerum Natura. Rolfe Humphries, transl. Bloomington, Indiana: Indiana University Press, 1968. ISBN 0-253-20125-X.
  • Lucretius. On the Nature of the Universe. R. E. Latham, transl. London: Penguin Books, 1994. ISBN 0-14-044610-9.
  • Lucretius. On the Nature of Things (Loeb Classical Library No. 181). W. H. Rouse, transl., rev. by M. F. Smith. Cambridge, Mass.: Harvard Univ. Pr., 1992, reprint with revisions of the 1924 edition. ISBN 0-674-99200-8.
  • Lucretius. On the Nature of Things (Hackett Classics Series). Martin Ferguson Smith, transl. Indianapolis, Ind.: Hackett Publishing Co., 2001. ISBN 0-87220-587-8. (Review; responses to the review)
  • Lucretius: The Nature of Things (Penguin Classics). A.E. Stallings, trans. London. Penguin Books, 2007. ISBN 978-0-14-044796-5. Verse translation of De Rerum Natura.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تعليقات

  • Brown, P. Michael (ed.). Lucretius, De Rerum Natura III. Warminster: Aris & Phillips, 1997. ISBN 0-85668-694-8 (hb). ISBN 0-85668-695-6 (pb). (Review)
  • Campbell, Gordon. Lucretius on Creation and Evolution: A Commentary on De Rerum Natura Book Five, lines 772-1104. Oxford: Oxford Univ. Pr., 2003. ISBN 0-19-926396-5. (Review)
Sympathetic review of Campbell's book. At page 160, the reviewer concludes the following. "Lucretius on Creation and Evolution offers a bold and sophisticated attempt to come to terms with Lucretius' arguments on evolution in the spirit of the poem's most ambitious commentators. It deserves not only consultation but active perusal. I could not agree more with Campbell's commitment to putting Lucretius and Epicureanism into conversation with the present and with our own attempts to figure out where humans belong in a world of chance and impersonal necessity."
  • Fowler, Don. Lucretius on Atomic Motion: A Commentary on De Rerum Natura, Book Two, Lines 1–332. Oxford: Oxford Univ. Pr., 2002. ISBN 0-19-924358-1. (Review)
  • Gale, Monica R. Lucretius and the Didactic Epic. London: Bristol Classical Pr., 2001. ISBN 1-85399-557-6 (Review)
  • Greenblatt, Stephen, The Swerve: How the World Became Modern, W. W. Norton & Company, 2011, ISBN 978-0-39306447-6
  • Johnson, W.R. Lucretius and the Modern World. London: Duckworth, 2000. ISBN 0-7156-2882-8. (Review)
  • Kennedy, Duncan F. Rethinking Reality: Lucretius and the Textualization of Nature. Ann Arbor: Univ. of Michigan Pr., 2002. ISBN 0-472-11288-0. (Review)
  • Sedley, David. Lucretius and the Transformation of Greek Wisdom. Cambridge: Cambridge Univ. Pr., 1998. ISBN 0-521-57032-8. (Review)

وصلات خارجية

Wikisource
Latin Wikisource has original text related to this article:
Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة بفي طبيعة الأشياء، في معرفة الاقتباس.
الكلمات الدالة: