جفري شوسر

(تم التحويل من جفري تشوسر)
جفري شوسر
Geoffrey Chaucer
شوسر: رسم من كتاب كاسل History of England، حوالي 1902.
شوسر: رسم من كتاب كاسل History of England، حوالي 1902.
الوظيفةمؤلف، شاعر، فيلسوف، بيروقراط، دبلوماسي

جفري شوسر (Geoffrey Chaucer؛ 1343 - 1400) شاعر إنجليزي عاش في القرن 14 في العصور الوسطى. يعرف لعمله المشهور "حكايات كانتربري" (بالإنجليزية: The Canterbury Tales). ومن بين أعماله الأخرى المعروفة: "كتاب الدوقة" (عام 1369)، و "ترويلس وكريسيد" (عام 1385). لقب بأب الشعر الإنجليزي، ويعد من أقدم الشعراء الإنجليز المعروفين.

ولد جفري تشوسر في مدينة لندن عام 1343 لعائلة من الطبقة الوسطى. عمل كمراقب للجمارك بين عامي 1374 إلى 1386. ثم عمل ككاتب لأشغال الملك من 1389 إلى 1391. عين قاضياً في عام 1385، ثم عضواً في البرلمان في عام 1386. كان ينظر إلى أسلوب الحب الأرستقراطي الذي يعرف بـ "حب القصور"، وكان في شعره ينتقد أسلوب المثل الرفيعة. انتقد الكنيسة في عمله المعروف باسم "حكايات كانتربري" وذلك بتصويره للراهب والناسك والداعي للمثول أمام الكنيسة.

في مهام دبلوماسية غادر إلى الفلاندرز وإيطاليا وإسبانيا. وتأثر بكتابهم خاصة دانتي وبترارك. كان ملماً بالكلاسيكية اللاتينية واللاهوت. مؤلفاته النثرية تتضمن "سلوى الفلسفة" ومقالات حول الفلك. كان أول شاعر إنجليزي يقوم باستعمال الوزن الملحمي في شعره، فاستخدم بيتين موزونين مؤلفين من نظم خماسي التفعيل. أما عمله الآخر المشهور فهو "كتاب الدوقة" (بالإنجليزية: The Book of the Duchess) فيه قصيدة تأملية في وفاة زوجة جون جوانت.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

كان رجلاً يتدفق فيه دم إنجلترا المبتهجة وخمرها، رجلاً قادراً على أن يطوي في قلبه الحياة الطبيعية، وأن يرسم وخزها في مرح متسامح، ويصور جميع مراحل المجتمع الإنجليزي، بريشة جد عريضة كريشة هوميروس، وروح شهوانية كروح رابليه.

وكان اسمه، كأكثر مفردات لغته، فرنسي الأصل، ومعناه الإسكاف، وربما كان ينطق شوساير، وللوراثة مداعباتها لأسمائنا، وهي إنما تذكرنا بأن نصوغ أنفسنا طبقاً لهواها..فهو ابن جون تشوسر، خمار لندني. لقد نال حظاً طيباً من العلم بفضل الكتب والحياة معاً، وينضح شعره بمعرفة الرجال والنساء من ناحية والأدب والتاريخ من ناحية أخرى. ولقد سجل اسم "جفري شوسر" رسمياً عام 1375، وليكن في حاشية دوق كلارنس المقبل. وبعد ذلك بعامين رحل ليحارب في فرنسا، وأسر، ثم افتداه إدوارد الثالث. ونحن نجده عام 1367 أحد الأعيان في مجلس الملك، بمعاش مقداره عشرون مارك سنوياً. وكاد إدوارد كثير الرحلة مع حاشيته وأغلب الظن أن تشوسر كان يصحبه مستمتعاً بجمال إنجلترا وتزوج عام 1366 فيليبا، إحدى وصيفات الملكة، وظل على خلاف معها حتى ماتت واستمر ريتشارد الثاني يجري عليه معاشاً، أضاف إليه جون أمير جونت، عشرة جنيهات كل سنة كما حصل على هبات أخرى من الطبقة العليا وهذا يفسر السبب الذي من أجله لم ينتبه تشوسر إلى الثورة الكبرى مع أنه كان خبيراً بالحياة.

وفي التقاليد الحسنة في تلك الأيام التي كلف الناس فيها بالشعر والفصاحة، أن يوفد الأدباء في مهام سياسية في الخارج. فانتدب تشوسر مع آخرين للمفاوضة على عقد اتفاقية تجارية في جنوة عام 1372، كما ذهب عام 1378، بصحبته سير إدوارد بركلي، إلى ميلان. ومن يدري لعله لقي هناك بوكاشيو العليل، أو پترارك الطاعن في السن؟ ومهما يكن من شيء فقد كانت إيطاليا نقطة تحول في إلهامه. ذلك أنه رأى فيها الثقافة أكثر صقلاً وعلماً وبراعة من إنجلترا، وتعلم أن يحتفي بالآداب الكلاسية، وباللاتينية منها على وجه خاص، وتحول عن الثائر الفرنسي الذي صاغ قصائده الأولى، إلى الإيطالي في الأفكار، وقوالب النظم والموضوعات. حتى إذا عاد إلى موطنه، وإلى مشاهده وشخصياته، كان قد أصبح فناناً بارعاً، ومفكراً ناضجاً.

وما من امرئ في إنجلترا وقت ذاك استطاع أن يكسب عيشه من القريض، ونحن نعتقد أن معاش تشوسر قد يسر له السكن والغذاء والكساء، ذلك أن مجموع ما حصل عليه عام 1378، كان قريباً من عشرة آلاف دولار بالحساب النقدي في أيامنا، يضاف إلى ذلك المعاش الذي كانت تحصل عليه زوجته من جون اوف جونت ومن الملك. ومهما يكن من شيء فقد أحس تشوسر الحاجة إلى استكمال دخله بالتعيين في مناصب حكومية مختلفة. فعمل اثني عشر سنة (من عام 1374-1386) "ومراقباً للجمارك والمكوس" واتخذ له في هذه الفترة مسكناً في قلعة "اولدگيت" ودفع في عام 1380، مبلغاً لم يذكر مقداره إلى سيسيليا تشومبين لتتنازل عن ادعائها بأنه أغتصبها. وعين بعد ذلك بخمسة أعوام قاضي الصلح لمقاطعة كنت. وفي عام 1386 سعى حتى انتخب في البرلمان. وكان يقرض شعره في فترات الراحة من العمل.

ووصف نفسه في قصيدته "دار الشهرة" بأنه يعود إلى بيته "بعد أن يسدد ما عليه، وينسى نفسه في كتبه، ويجلس جامداً كالصخر، ويعيش كالناسك في كل شيء إلا الفقر والعفة والطاعة. ويقف ملكاتهِ على تقنية كتبه وأغانيه وأناشيده". ويخبرنا بأنه نظم في شبابه "كثيراً من الأغاني وقصائد التشبيب" ولقد ترجم كتاب بوئثيوس "عزاء الفلسفة". في نثر جيد، وجزءاً من قصيدة گويوم دولوريس "قصة الورد" في نظم بارع. وبدأ فيما يمكن أن يسمى المقطعات الشعرية الهامة "دار الشهرة"، "كتاب الدوقة"، "برلمان الدجاج"، "أسطورة النساء الطيبات"، ولقد سبق وأوضح لنا بأنه لم يكن قادراً على إتمامها. وهذه القصائد جهود تنبئ عن طموح وإن كانت تقليداً صريحاً للأصول الأوربية في الموضوع والشكل جميعاً.


ترويلوس وكريسيد

دأب تشوسر على التقليد بل الترجمة في أحسن قصائده المفردة وهي ترويلوس وكريسيد Troilus and Criseyde، فاستعار من "الفلستراتو" لبوكاشيو 2730 بيتاً وأضاف 5696 بيتاً من مصدر آخر أو صاغها بنفسه. ولم يبذل محاولة ما ليخدع القارئ عن هذه الحقيقة، فهو يذكر مصدره مراراً ويعتذر عن عدم ترجمته بأسره، وبعد هذا التحول من أدب إلى آخر مقبولاً ومفيداً فإن الذين نالوا حظاً من كبيراً من التعليم لم يكونوا يستطيعون وقت ذاك أن يفهموا غير لهجتهم الخاصة. فموضوع القصة حق مشاع كما اعتقد مؤلفو التمثيليات من الإغريق والإنجليز في عهد إليزابيث، والفن إنما يتركز في الشكل.

وتعد ترويلوس التي نظمها تشوسر على الرغم من جميع هذه النقائص، أول قصيدة، قصصية عظيمة في اللغة الإنجليزية. ولقد وصفها سكوت بأنها "طويلة مملة" وأنها كذلك وقال روزيتي "لعلها أجمل قصيدة قصصية على شيء من الطول في اللغة الإنجليزية"، وهذا أيضاً صحيح. ذلك لأن القصائد الطويلة كلها مملة مهما كان جمالها، فالعاطفة من مقومات الشعر فإذا استغرقت 8386 بيتاً، فإنها تصبح نثراً بسرعة انطفاء الرغبة. ولن تحتاج أي سيدة إلى مثل هذه الأبيات الكثيرة لكي تنام، وقلما تردد الحب وتأمل وماطل وأذعن بهذه البلاغة الفاخرة والأخيلة المطربة، والقافية السهلة السلسة. ولا يضارع هذا النهر العظيم الفياض من النظم سوى رتشارد سون في نثره المتدفق كنهر المسيسبي في تصوير الحب، بأناة، تصويراً نفسياً. ومع ذلك فإن الخطابية المجنحة في سرف وصياغة الكلمات التي لا تحد وسعة المعرفة المعترضة لم تستطيع أن تفسد القصيدة. فهي فوق هذا كله حكاية فلسفية تصور كيف خلقت المرأة للحب، وسرعان ما تحب شخصاً ثانياً إذا طالت غيبة الأول عنها. وفيها شخصية واحدة رسمت وكأنها حية تسعى: بندارس الذي كان في الألياذة قائد جيش ليشيا في طروادة ولكنه يصبح هنا شخصية مفرطة داهية ديوثا جريئاً يقود العاشقين إلى الخطيئة وحسبنا هذه الكلمة تعليقاً عليه. أما ترويلوس فهو محارب مشغول بمدافعة اليونان ويحتقر الرجال الذين يتلكأون على الصدور اللينة ويصبحون عبيد الشهوة، وهو يجن بكريسيد حباً من أول نظرة. ولم يفكر بعد ذلك إلا في جمالها ودلالها ورقتها. وبعد أن انتظرت كريسيد في شوق، مدى ستة آلاف بيت من الشعر، من هذا الجندي الحي أن يصرح بحبه، تقع بين ذراعيهن وقد تنفست الصعداء آخر الأمر، وسرعان ما ينسى ترويلوس عالمين في وقت واحد:

مرت منه جميع الهموم الأخرى.
هموم الحصار وهموم خلاص الروح.

وما إن أجهد شوسر نفسه في الحصول على هذا الوجد، حتى يتخطى مسرعاً نعيم العاشقين إلى المأساة التي تنقذ القصيدة من الإملال. فقد هجر والد كريسيد قومه إلى اليونان، فأرسل الطرواديون وقد لاح عليهم الغضب كريسيد إلى هناك في مقابل الأسير أنتينور. وافترق العاشقان البائسان بعد أن قطعا على نفسيهما العهود بالوفاء إلى الأبد. ولما وصلت كريسيد إلى اليونان منحت إلى دياميدس، الذي أوقع أسيرته في شراكه برجولته ووسامته-فاستسلمت في صحيفة واحدة من القصيدة وهو ما كان قد حشد قبل ذلك في كتاب. وفطن ترويلوس إلى ذلك، فبادر إلى الحرب باحثاً عن دياميديس وإذا به يلقى مصرعه برمح اخيل. وختم تشوسر ملحمته الغرامية بابتهال إلى لبثلوث المقدس، بعث بها وقد أنبه ضميره "إلى جوور الأخلاقي لتصححها بسماحتك".

حكايات كانتربري

نص كتاب حكايات كانتربري، بقلم جفري شوسر. انقر على الصورة للمطالعة

وربما يكون قد بدأ "حكايات كانتبري" عام 1387 وكان مشروعاً رائعاً، أن ينظم إلى جمع مختلف من البريطانيين في حانة تابرد في سوث وارك، حيث تعاطى شوسر أقداحاً كثيرة من الجعة-ثم يركب معهم في عطلة الحج إلى ضريح بكت في كانتربري، ويضع على أفواههم الحكايات والأفكار التي جمعها الشاعر من رحلاته طوال نصف قرن. ولقد استعملت هذه الوسائل لجمع القصص بعضها إلى بعض، قبل ذلك مراراً، ولكن هذه الوسيلة أحسنها جميعاً. ولقد حشد بوكاشيو في مجموعته "ديكاميرون" طبقة واحدة فقط من الرجال والنساء، ولم يظهرهم شخصيات مختلفة، أما تشوسر فخلق حانة زاخرة بالشخصيات، بلغت حداً من الواقعية في عدم التجانس، حتى بدت أقرب إلى الحياة الإنجليزية من الأعلام التاريخية الجامدة، إنهم يعيشون ويتحركون كما يتحرك الأحياء بالضبط، إنهم يحبون ويكرهون، ويضحكون ويبكون، نحن لا نسمع وهم

يجسون خلال الطريق الحكايات التي يقصونها فقط، ولكنا نسمع متاعبهم ومشاجراتهم وفلسفاتهم. ومن الذي يعترض على ذكر هذه الأبيات المخضلة بنضارة الربيع مرة أخرى؟

عندما يحل ابريل بشآبيبه

تكون رياح مارس قد نفذت إلى الجذور،

وغسلت كل يوم كرم برحيق أغصانها،

وتكون الزهرة هي الفضيلة التي أثمرت،

وعندما ألهمت الريح القرية بأنفاسها الحلوة

في كل حقل وكل مرج، أيضاً

النباتات الندية، تكون الشمس الفتية

قد سارت نصف مدارها في برج الحمل ،

فترسل بغاث الطير أنغامها،

وهي التي أنفقت الليل بطوله مفتوحة الأعين،..

ثم يذهب الناس المشوقين إلى الحج...

إلى الأضرحة البعيدة، المعروفة في بقاع شتى..

وفي سوثورك في تاباد حيث أقطن

أسعد لأقوم بالحج

إلى كانتربري بغرم خالص كامل،

وجاء إلى المنزل في الليل.

تسعة وعشرون صحبة واحدة،

من أناس مختلفين، التقوا بالصدفة

وألفوا زمراً، وهم جميعاً حجاج،

يتجهون راكبين إلى كانتربري

ثم يقدمهم تشوسر الواحد بعد الآخر في رسومه الطريفة من استهلاله الذي لا يضارع،

وكان بينهم فارس، وهو رجل محترم،

وهو في ذلك الزمان أول من بدأ

الخروج راكباً، فقد كان يحب الفروسية،

والصدق، والشرف، والحرية والتهذيب..

وقد خاض المعارك الدامية،

وحارب من أجل عقيدتنا في ترامسين...

ومع أنه كان جديراً بالاحترام، إلا أنه كان حكيماً، يشبه في هيئته العذراء

ولم يصدر عنه الخبث ولم يقله

في كل حياته، ولم يعرف عنه خلق فظ؟

فلقد كان فارساً كاملاً دقيقاً.

وابن الفارس:

...سيد شاب،

عاشق، وأعزب شهواني..

وقد توله في عشقه، حتى أنه في كثير من الليالي.

لا ينام أكثر مما ينام العندليب.

وحارس يخدم الفارس والسيد، وراهبة بارعة الجمال:

وكانت هناك أيضاً راهبة، رئيسة راهبات،

وفي بسمتها البساطة والخفر،

وقسمها الأعظم هو بالقديس لويس،

وكانت تدعى مدام اجلنتين.

تحسن ترتيل الصلاة،

مفعمة بالغنى الكامل...

وكانت جد محسنة رحيمة

تجهش بالبكاء، إذا رأت فأراً

وقع في مصيدة، فمات أو جرح

ولها جراء صغار، تطعمها

باللحم المقلي أو اللبن وفتات الخبز،

وتبكي بحرارة إن مات أحدها..

وتلف معصمها بسوار من المرجان الصغير

وخرزتين مذهبتين ومزخرفتين باللون الأخضر.

ويتلألأ على صدرها دبوس من الذهب،

منقوش على أوله حرف "ا" متوجاً،

وبعده عبارة "الحب ينتصر على الجميع".

يضاف إلى هؤلاء راهبة أخرى، وثلاثة قسس. وناسك مرح "يجب

الصيد"، وراهب لا يضارع في إخراج الاكتتاب من حوافظ المتقين،

ومع أنه كان أرملاً لا ينتعل حذاءاً،

إلا أنه راضياً في مبادئه. يستطيع أن يحصل على فلس، قبل أن يمضي

ويكلف تشوسر بطالب الفلسفة الشاب أكثر من غيره:

وكان بينهم أيضاً كاتب من أكسفورد،

قطع في دراسة المنطق مرحلة طويلة.

وجواده ضامر مثل الكلب الأعجف،

لقد رأيته غير بدين.

يبدو نحيلاً، غاية في ال تعقل.

تلفه سترة من الخيط،

فلم يكن يحصل على صدقة من الكنيسة،

ولم يكن خبيراً بشؤون الدنيا ليحصل على وظيفة.

فوضع لنفسه على رأس السرير.

عشرين كتاباً مجلدة بالأسود أو الأحمر،

عن أرسطاليس وفلسفته.

وهي عنده أفضل من الثياب النفيسة أو القيثارة الطروب..

وبذل في دراسته فائق عنايته وغاية انتباهه. ولا يلفظ بكلمة لغو.

ولم يكن يسمع إلا متحدثاً عن الفضيلة الأخلاقية. وكان يسره أن يتعلم،

وأن يعلم:

وهناك أيضاً "زوجة باث" وسنتحدث عنها بعد قليل، وراعي كنيسة

فقير "وهو غني بأفكاره وأعماله الدينية" وفلاح، وطحان، على أطراف

أنفه......وتقف دونها خصلة من شعر أحمر كالشعر الخشن على أذني

خنزير، وأحد زبائن حانة أوزميل، أو ناظر ضيعة، أو محضر محكمة:

كان وغداً رقيقاً حنوناً،

ولا يجد الناس خيراً منه.

وهو يجاهد للحصول على ربع نبيذ،

وقرينة حسنة تصبح له حظية

اثني عشر شهراً، ثم تخليه وهي حامل

...ويركب معه بائع غفران طيب..

وجعبته أمامه على حجره،

تمتلئ إلى حافتها بصكوك غفران لا تزال كلها دافئة من روما، وكان هناك تاجر، ورجل قانون، وصاحب أعمال، ونجار ونساج، وصباغ، ومنجد وطباخ وبحار، وكان هناك جفري تشوسر نفسه، يقف جانباً في خجل، بديناً من العسير احتضانه "ويفحص الأرض بنظراته كأنما يفتش عن أرنب" ولم يكن مضيفاً أقلهم شأناً، وه صاحب حانة تابارد، الذي يقسم أنه لم يرفه عن جماعة كبيرة العدد كهذه، والواقع أنه عرض عليهم أن يذهب معهم وأن يكون دليلهم، واقترح لكي يقضوا الرحلة الستة والخمسين ميلاً، أن يروي كل حاج قصتين في الذهاب وأخريتين في الإياب، وأن من يروي أحسن قصة، سيتناول العشاء على حساب الجميع، عندما يعودون إلى الحانة. واتفق الكل على ذلك، واكتمل المشهد المتحرك لهذه الملهاة الإنسانية، وبدأ الحج، وروى الفارس المهذب الحكاية الأولى-كيف أن صديقين حميمين بلاجونوارسيت، رأيا فتاة تجمع الأزهار في بستان فوقع كلاهما في حبها، واختصما من أجلها في مبارزة دامية... لتكون المكافأة السنية لمن ينتصر منهما.

ومن ذا يصدق أن فلما رومنسياً كهذا، يستطيع أن يتحول في بيت واحد، من إطناب الفروسية إلى الإفحاش في قصة الطحان؟ ولكن الطحان كان يحتسي الخمر وتوقع أن عقله ولسانه قد ينفلتان في شراكهم المنصوب. ويعتذر تشوسر عنه وعن نفسه-فيجب عليه أن يسجل كل شيء بإخلاص-ويدعو القارئ المتعفف أن يتجاوزها إلى قصة أخرى "فإن هذا يخدش الحياء؟ والأخلاق والدين". وتبدأ حكاية رئيسة الراهبات بنبرة دينية حلوة، ثم تردد الأسطورة الفاجعة التي تتحدث عن غلام مسيحي، يقال أن يهودياً ذبحه، وكيف أن محافظ المدينة قام بواجبه وقبض على يهودها وعذب عدداً منهم حتى ماتوا. وينتقل تشوسر من هذا الورع الديني في الاستهلاك، إلى حكاية تاجر صكوك الغفران. إلى سخرية لاذعة بباعة متجولين لصكوك الغفران، وأصبح عمر هذا الموضوع قرناً من الزمان، عندما أذاعه لوثر في العالم، ثم تحول في الاستهلاك إلى حكاية زوجة باث، وبلغ شاعرنا الحضيض في أخلاقياته والذروة في قوته. إنه احتجاج معربد على العذرية والعزوبة، أجرى على لسان فاجر مدرب على شئون الزواج، لسان امرأة حصلت على خمسة أزواج، مذ كانت في الثانية عشرة من عمرها، ودفنت أربعة منهم، وتبحث السادس ليخفف من سورة شبابها.

لقد دعانا الله إلى أن ننمو ونتكاثر..

ولم يذكر العدد الذي نبلغه،

الزواج من اثنين أو ثمانية،

فلماذا يتحدث المرء عنه بسوء؟

يا عجباً.. هذا هو الملك الحكيم سيدنا سليمان،

أحسب أنه اتخذ أكثر من زوجة،

كما ترك الله الأمر لي

أن أجدد حياتي كالرجل أكثر من مرة...

وا أسفاً وا أسفاً أن يعد الحب خطيئة!

ولن نورد هنا اعترافاتها الفسيولوجية، ولا ما يناظرها من اعتراف مذكور في حكاية المستدعي The Summoner's Tale، حيث يعكف تشوسر على دراسة تشريح البطن المنتفخة. ويصبح الجو مهيأ عندما نصل إلى گريزلدا المطيعة أبداً، في حكاية أكسفورد The Clerk's Tale، ولم يستطع بوكاشيو أو پترارك أن يرويا هذه الخرافة التي حلم بها رجل ألح الضيق عليه بنفس الجودة التي رواها بها تشوسر.

ولم يعطنا تشوسر غير ثلاث وعشرين من الحكايات الثمانية والخمسين التي وعدنا بها في المقدمة، ولعله شعر مع القارئ أن الخمسمائة صحيفة تكفي، وأن نبع ابتكاره قد جف. بل إننا نجد في هذا التيار المتدفق فقرات كدرة. تتجاوزها العين الناقدة. ومهما يكن من شيء فإن التيار البطيء العميق، يحملنا على صفحته وينشر جواً من النضارة، كان الشاعر قد عاش على طوال الشواطئ الخضراء، لا عند بوابة لندن-ومع ذلك فليس نهر التاميز بعيداً عن العين. وتعد بعض الأناشيد من ناحية الجمال الخارجي تمرينات أدبية جامدة، ومع ذلك فإن الصورة المتحركة تأتي حية بشعور وحديث طبيعيين مباشرين، وقلما توجد مثل هذه الملاحظة الكاشفة السريعة للناس والأخلاق بين دفتي كتاب واحد، ولن يزودنا غير شيكسبير بعد ذلك بمثل هذا الحشد من الصور والتشبيهات والمجازات (ويعتلي بائع صكوك الغفران المنبر ويومئ يميناً وشمالاً بين الجمهور كحمامة على سقف مخزن للحبوب) ولقد أصبحت لهجة شرق ميدلاند التي استعملها تشوسر، لغة إنجلترا الأدبية، وكانت مفرداتها قد كثرت إلى الحد الذي يتيح لها التعبير عن جمال الفكر ومناهجه وهكذا صارت لغة الحديث عند الإنجليز للمرة الأولى وسيلة الفن الأدبي العظيم.

وكانت مادة أدبه، كما هو الحال عند شكسبير، مطروقة من قبل. ذلك أن تشوسر استعار قصصه من كل مكان. حكاية الليل من تيسيد لبوكاشيو، وگريزلدا من مجموعة "ديكاميرون"، وأكثر من عشر حكايات من الخرافات الفرنسية. ويفسر المعنى الأخير ما اتسم به تشوسر من فحش، ومع ذلك، فإن أنكر قصصه لا يعرف له مصدر غير شخصه. وليس من شك في أنه كان يشارك كتاب المسرح في عهد إليزابث، في الاعتقاد بأن الأشخاص الذين تدور عليهم يجب أن يعطوا جرعة فاجرة بين حين وآخر لكي يظلوا أيقاظاً، ولقد جعل تشوسر رجاله ونساءه يتكلمون كأنما يناظرون طبقتهم الاجتماعية وأسلوبهم في الحياة، وهو يكرر، أنهم أكثروا من احتساء الجعة الرخيصة. ومرحه في الغالب غير مريض من القلب، تحفزه الشهوة، لا بد أن تكون ممتلئة حسنة الغذاء لقوم من الإنجليز قبل تزمت الطهريين، ولقد مزج هذا المرح مزجاً بارعاً بكل ما في البديهة الإنجليزية الحديثة من حيلة ودهاء.

وكان تشوسر على علم بأخطاء البشر وذنوبهم، وجرائمهم وحماقاتهم وغرورهم، ولكنه أحب الحياة على الرغم من هذا كله، وصبر على كل امرئ لا يسرف في التبجح وقلما يفضح، وحسبه أن يصف. وأن يسخر من نساء الطبقة الوسطى الدنيا في حكاية زوجة باث، ولكنه أعجب بقوتها الحيوية العارمة. وكان قاسياً غير مهذب مع المرأة، قد تكشف كلماته وانتقاداته اللاذعة عن الزوج الجريح المنتقم بقلمه عن حياء لسانه عن التعبير بالليل. وهو على الرغم من ذلك يتلطف في الحديث عن الحب، ولا يعرف نعمة أعظم منه، ويملأ معرضاً كاملاً بصور النساء الطيبات. ولا يعترف بالفضل الذي يرتكز على الوراثة، ويرى "أن الفاضل إنما هو الذي يقوم بعمل فاضل" بيد أنه لا يثق في تردد العامة، والمغفل عنده هو كل من يربط حظه بالشهرة أو يندمج مع الغوغاء.

رسالة في الأسطرلاب

وكان متحررا إلى حد كبير من خرافات عصره. فعرض بأدعياء اليكاويين، ومع أن الذين سردوا حكاياته ذكروا التنجيم، إلا أن تشوسر نفسه قد استنكره. وكتب إلى ابنه رسالة عن الإسطرلاب، أظهر فيها دراية حسنة بالمعارف الفلكية الشائعة. ولم يكن عالماً متبحراً، وإن كان شغوفاً بإظهار علمه، فحشا صفحاته بفقرات من "بيوشيوس" بل إنه جعل زوجة باث تستشهد "بسنيكا". ويورد مشكلات في الفلسفة وعلوم الدين، ولكنه يهز كتفيه أمامها عجزاً ولعله شعر، بما يشعر به الرجل العلمي، بأن الفيلسوف الفطن لا يتوسل في حياته اليومية بمعارفه عما وراء الطبيعة.

أكان مسيحياً مؤمناً؟ لا يوجد شيء يضارع غلظته وفظاظته في هجائه للرهبان، في الاستهلال وفي تضاعيف حكاية "سومنور"، ولكم صوب نفر من المؤمنين المحافظين للإخوان مثل هذه الطعنات. وهو يثير الريب هنا وهناك، حول بعض العقائد الدينية الجامدة، ولم يكن يستطيع أن يفعل أكثر من لوثر في التوفيق بين العلم الإلهي السابق وبين إرادة الإنسان الحرة، وهو يجعل ترويلوس يشرح النظرية الجبرية، ولكنه يرفضها في الاستهلال له. وهو يؤكد اعتقاده في الجنة والنار، ولكنه يعلق على ذلك في شيء من الطول، بأنهما غايتان لا يعود منهما مسافر يشهد على صدق وجودهما.

وكانت الشرور تقلق باله وبخاصة تلك التي لا تنسجم مع القدرة المطلقة على الخير. ويجعل "اركمسيت" يتساءل عن العدل الإلهي بعبارات جريئة كعبارات عمر الخيام:

أوه أيتها الربة القاسية، يا من تحكمين

هذه الدنيا برباط من كلمتكِ الخالدة،

وكتبتِ في لوح قدّ من صخر

كلامكِ وعظمتكِ الخالدة،

وماذا تكون البشرية في تقديركِ

أكثر من خراف تزدحم في حقل؟

لأن الإنسان يحق عليه الذبح كغيره من الأنغام.

وهو يعيش أيضاً بين السجن والاعتقال،

ويلم به المرض وتنزل عليه المصائب الكبار.

ولم يقترف ذنباً في كثير من الأحيان، يؤاخذ عليه.

وأي حكم في العلم السابق،

بأن الذنب يعذب البراءة؟..

وعندما يموت الحيوان فإنه لا يحس بألم،

ولكن الإنسان بعد أن يموت عليه أن يبكي ويشكو.. وأنا أترك

الجواب عن هذا كله للآلهة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صلاة أو اعتذار شوسر

وحاول تشوسر في سنواته الأخيرة، أن يعوض التقوى التي أفلتت منه في شبابهِ. وألحق بحكايات كانتربري، التي لم تتم "صلاة تشوسر" Chaucer's Retraction، يطلب فيها العفو من الله والناس عن مجونه وانشغاله بغرور الدنيا، وأوصى "عندما تحين منيتي انتحبوا على ذنوبي، واعملوا على انقاذ روحي".

آخر العمر

وتحول في هذه السنوات الأخيرة من الاستمتاع بالحياة إلى كآبة امرئ، يسترجع، وقد اضمحلت صحته وحواسه، ذكريات شهواته الطائشة في صباه. وفي عام 1381 عينه رتشارد الثاني "مسجلاً لأعمالنا في قصرنا وستمنستر" وغيره من القصور الملكية. ويبدو أن صحته قد ساءت بعد ذلك بعشرة أعوام، مع أنه كان قد تجاوز الخمسين بقليل، ومهما يكن من شيء، فقد أثبتت الأعباء التي أنيطت به أنها فوق طاقته، فصرف عن منصبهِ. ولم نجده بعد ذلك يشغل وظيفة ما. ونضبت موارده المالية. وهان قدره حتى طلب إلى الملك ستة شلنات وثماني بنسات(79). وفي عام 1394 منحه رتشارد الثاني معاشاً مقداره عشرون جنيهاً في السنة مدى الحياة. ولم يكن هذا المعاش يكفيه، فطلب إلى الملك أن يمنحه برميلاً كبيراً من الخمور كل سنة، فأجيب إلى سؤالهِ عام 1389. ولما حكم عليه بأن يسدد ديناً قدره أربعة عشر جنيهاً عجز عن الدفع(80). ومات في الخامس والعشرين من أكتوبر عام 1400، ودفن في وستمنستر أبي، وهو أول وأعظم الشعراء الكثيرين الذين نهضوا بعد ذلك بنظم الكلام الموزون .

هوامش

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  • الموسوعة العربية العالمية
  • Skeat, W.W., The Complete Works of Geoffrey Chaucer. Oxford: Clarendon Press, 1899.
  • The Riverside Chaucer, 3rd ed. Houghton-Mifflin, 1987 ISBN 0395290317
  • Chaucer: Life-Records, Martin M. Crow and Clair C. Olsen. (1966)
  • Speirs, John, "Chaucer the Maker", London: Faber and Faber, 1951
  • Ward, Adolphus W. (1907). Chaucer. Edinburgh: R. & R. Clark, Ltd.

انظر أيضاً

وصلات خارجية

الهيئات التعليمية