ريتشارد الثاني من إنگلترة

ريتشارد الثاني
ملوك إنجلترا; لورد ايرلندا (more...)
Portrait at كنيسة وستمنستر, c. 1390
Portrait at كنيسة وستمنستر, c. 1390
الحكم 22 يونيو1377 -
29 سبتمبر1399
(22 years)
التتويج 16 يوليو1377
سلفه إدوارد الثالث
Regent John of Gaunt, Duke of Lancaster (de facto)
خليفته هنري الرابع
Consort Anne of Bohemia (1382–1394)
ايزابيل من فالوا (1396–1400)
الألقاب والأنماط
الملك ريتشارد الثاني
أمير ويلز
البيت الملكي بيت بلانتاجانت
الأب ادوارد, الأمير الأسود
الأم جون من كنت
وُلد (1367-01-06)6 يناير 1367
Bordeaux, Principality of Aquitaine
توفي 14 فبراير 1400(1400-02-14) (aged 33)
Pontefract Castle, غرب يوركشاير
المدفن كنيسة وستمنستر, لندن

رتشارد الثاني (6 يناير 1367 - ح. 14 فبراير 1400) كان ملك إنگلترة من 1377 حتى اطيح به في 1399. ورتشارد، ابن إدوارد، الأمير الأسود، وُلِد أثناء حكم جده, إدوارد الثالث. وفي سن الرابعة, أصبح رتشارد الثاني في خط الأحقية بالعرش عندما توفي أخوه الأكبر إدوارد من أنگولم, وأصبح الوريث الشرعي عندما توفي والده في 1376. وبوفاة إدوارد الثالث في العام التالي، ارتقى رتشارد العرش في عمر العاشرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة


أصدر "البرلمان الصالح" في ذلك العام قرارات ببعض الإصلاحات، وزج في السجن باثنين من المجرمين وأمر بطرد أليس بروز من البلاط، وأخذ على الأساقفة عهداً بأن يحرموها من حظيرة الدين إذا عادت إلى البلاط مرة أخرى. ولما انتهت الدورة البرلمانية أغفل إدوارد قراراته، وأعاد جون جونت إلى سابق سلطانه وأليس برز إلى فراش الملك، ولم يجرؤ أحد من الأساقفة على أن يوجه إليها التأنيب أو اللوم. ثم رضي الملك العنيد آخر الأمر أن يموت (1377)، وخلفه على العرش ابن للأمير الأسود وتسمى باسم ريشارد الثاني، وكان غلاماً في الحادية عشرة من عمره. وكانت البلاد حين تولى الحكم تضطرب فيها عوامل الفوضى الاقتصادية والسياسية وتختمر فيها أسباب الثورة الدينية.


ثورة الفلاحين الكبرى 1381

Richard II watches Wat Tyler's death and addresses the peasants in the background: taken from the Gruuthuse manuscript of Froissart's Chroniques (c. 1475).

كان عدد سكان إنجلترا وويلز في عام 1307 يقدر تقديراً غير موثوق به بثلاثة ملايين من الأهلين، أي أنه قد ارتفع ارتفاعاً بطيئاً من 2.500.000 وهو ما كان يطن أنه عدد السكان سنة 1066 وهذان الرقمان يوحيان بأنه قد حدث تقدم بطئ أيضاً في الفنون الزراعية والصناعية-وتحديد قوي لعدد السكان بسبب القحط، والمرض والحروب-في جزيرة زراعية ضيقة الرقعة، لا ينتظر منها بمواردها الخاصة أن تعول عدداً كبيراً من الأهلين. وأكبر الظن أن ثلاث أرباع السكان كانوا من الزراع، وأن نصف هؤلاء السكان كانوا من أرقاء الأرض، وكانت إنجلترا من هذه الناحية متأخرة عن فرنسا بقرن من الزمان.

وكانت الفروق بين الطبقات أشد منها في أرض القارة الأوربية وبدا أن الحياة كانت ترتكز على نقطتين الأعيان الطيبين الراحمين أو المتغطرسين من جهة، والخدمات يؤديها الزراع يغلي في صدورهم الغضب أو يحدوهم الرجاء من جهة أخرى. وكان الأعيان سادة كل ما هو لهم والكثير مما يتجاوزوه، إذا استثنينا من ذلك ما عليهم للملك من واجبات محددة وكان لأدواق لانكستر، ونورفوك، وبكنجهام ضياع تنافي ضياع التاج، ولم يكن آل نيفيل وبيرسي قد فقدوا من ثروتهم إلا القليل الذي لا يكاد يذكر، وكان السيد الإقطاعي يحتم على الفرسان الذين يدينون له بالولاء وعلى أتباع هؤلاء أن يخدموه ويدافعون عنه، ويلبسوا ثياب زينته الخاصة.غير أنه كان في وسع الإنسان أن يرقى من طبقة إلى طبقة، وكان في مقدور ابنة تاجر ثري أن تحظى بزوج نبيل ولقب من ألقاب الشرف، ولو أن نشوس قد عاد إلى الحياة بعد موته لدهش إذ رأى أن حفيدته قد أصبحت دوقة وتصنعت الطبقات الوسطى ما استطاعت أن تتصنعه من عادات الأشراف، فبدأ أفرادها يخاطب بعضهم بعضاً في إنجلترا بلفظ سيد وفي فرنسا بلفظ Monsieur، وسرعان ما أصبح كل رجل في كلا البلدين سيداً كما أصبحت كل امرأة سيدة .

وكان تقدم الصناعة أسرع من تقدم الزراعة، فلم يحل عام 1300 حتى كادت جميع مناجم الفحم في إنجلترا تستغل، وحتى كان الحديد، والفضة، والرصاص، والقصدير يستخرج من باطن الأرض، وحتى كان تصدير المعادن من أهم الصادرات إلى البلدان الأجنبية، وكان من الأقوال التي تجري على الألسنة أن "قيمة المملكة في باطن الأرض أعظم منها في ظاهرها". وبدأت صناعة الصوف في ذلك القرن تزيد من ثراء إنجلترا فأخذ كبار الملاك ينتزعون الأرض شيئاً فشيئاً من المستأجرين وأرقاء الأرض الذين كانوا يستخدمونها في الزراعة ويحيلون أجزاء واسعة منها إلى مراعٍ لتربية الضأن إلا إن بيع الصوف كان يدر عليهم من المال أكثر مما يدره حرث الأرض، وأتى على تجار الصوف حين من الدهر كانوا فيه أغنى التجار في إنجلترا، وكان في مقدورهم أن يقدموا للملك إدوارد الثالث أموالاً طائلة في صورة ضرائب وقروض، ومع ذلك فقد عمل الملك على خرابهم. ذلك أن إدوارد الثالث قد ساءه أن يرى الصوف الغفل يخرج من إنجلترا ليغذي صناعة النسيج في فلاندرز، فأغرى النساجين بالمجيء إلى بريطانيا (1311 وما بعدها)، وعمل الإنجليز بناء على إرشادهم على إقامة صناعة النسيج فيها، ثم حرم تصدير الصوف واستيراد معظم الأقمشة الأجنبية، ولم ينته القرن الرابع عشر حتى أصبحت صناعة النسيج لا تجارة الصوف أهم مصادر الثروة السائلة في إنجلترا وحتى وصلت إلى مرحلة قريبة من الصناعات الرأسمالية.

وكانت الصناعة الجديدة تتطلب التعاون التام بين عدة حرف-النسيج، والتقصير، والتمشيط، والصباغة، والصق، لم يكن في وسع نقابات الحرف القديمة أن تنظم ما يحتاج إليه الإنتاج الاقتصادي من تعاون، فعمل أصحاب المشروعات الكبرى على جميع الأخصائيين المختلفين من العمال في منظمة واحدة، يشرفون عليها ويمدونها بالمال. على أنه لم يقم في هذه البلاد نظام للمصانع كالذي كان قائماً في فلورنس وفلاندرز، بل ظل معظم العمل يتم في حوانيت صغيرة على يد معلم كبير، وصبيانه، وعدد قليل من البائعين المتجولين، أو يتم في مصانع ريفية صغيرة تدار بقوة الماء، أو في بيوت ريفية حيث كانت الأصابع الدائبة الكادحة تدير الأنوال إذا أتاحت لها أعمالها المنزلية الرتيبة فسحة من الوقت. وقاومت نقابات الحرف النظام الجديد بالإضراب ولكن تفوقه في الإنتاج تغلب على كل ضروب المقاومة، وأصبح العمال الذين ينافسون الصناعات الجديدة في بيع نتائج كدحهم وحذقهم تحت رحمة الذين يمدون هذه الصناعات برؤوس الأموال وبالمدربين، وازدادت سيطرتها عليهم شيئاً فشيئاً وأصبح الكادحون في المدن "لا يدخرون شيئاً لغدهم..وملابسهم رثة، وبيوتهم قذرة..يجدون كفايتهم من العيش في أوقات الرخاء، ولكنهم لا يجدون ما يقيم أودهم في أيام الشدة". وكان جميع الذكور من سكان المدن في إنجلترا معرضين لأن يجندوا للعمل في الأعمال العامة، ولكن كان في وسع الأغنياء منهم أن يشتروا أنفسهم بالمال. وكان الأهلون بوجه عام يعيشون في فقر مدقع، وإن لم يبلغ فقرهم في أغلب الظن من الشدة ما كان عليه في أوائل القرن التاسع عشر، وكان المتسولون في البلاد كثيرون، وقد نظموا أنفسهم تنظيماً يقصد به حماية مهنتهم وحكمها، وكانت الكنائس، والأديرة، ونقابات الحرف تقدم قليلاً من الصدقات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

وفاجأ البلاد-وهذه حلها-الوباء المعروف في الموت الأسود، ولم يكن هذا الوباء كارثة حلت بها فحسب، بل كاد يكون ثورة اقتصادية. ذلك أن سكان إنجلترا كانوا يعيشون في جو يصلح للزراعة والإنبات ولكنه يضر بالصحة فقد كانت الحقول خضراء طوال أيام السنة، ولكن الأهلين كانوا يقاسون آلام النقرس، والروماتزم، والربو، وعرق النسا، وذات الرئة، والاستسقاء، وأمراض العين والجلد. وكانت الطبقات كلها تتخم معدتها بالطعام (إن وجدته) وتدفئ أجسامها بالمشروبات الكحولية. وقد وصفهم رتشارد رول في عام 1340 بقوله: "قلما يصل الآن أحد منهم إلى سن الأربعين، وأقل من تلك القلة من يصل إلى سن الخمسين". وكانت النظم الصحية العامة بدائية، فكانت روائع المدابغ العامة، وحظائر الخنازير، والمراحيض تفسد الهواء، وكان الأثرياء وحدهم هم الذين يحصلون على الماء الجاري من أنابيب تمتد إلى بيوتهم، أما كثرة السكان فكانوا ينقلونه من القنوات المغطاة أو من الآبار، وكان أثمن من أن يضيعوه في الاستحمام كل أسبوع. ولهذا كله كانت الطبقات الدنيا ضحايا سهلة للأوبئة التي كانت تفتك بالأهلين من حين إلى حين من ذلك أن الطاعون الدملي انتقل في عام 1349 من نورماندي إلى إنجلترا وويلز ثم انتقل بعد عام من ذلك الوقت إلى اسكتلندة وايرلندة، ثم عاد إلى إنجلترا في أعوام 1361، 1368، 1375، 1382، 1390، 1438، 1464، وقضى في هذه السنين كلها على ثلث سكان البلاد، وهلك فيه ما يقرب من نصف رجال الدين، ولعل بعض المساوئ التي شكت منها الكنيسة الإنجليزية فيما بعد ترجع إلى اضطرارها إلى حشد رجال في خدمتها حشداً سريعاً، وكانت تنقصهم الكفايات التي ينتجها التدريب والخلق القويم، وكان لهذه الظروف أسوأ الأثر في الفن، وتوقف بناء الكنائس أو كاد نحو جيل من الرومان، وفسدت الأخلاق، وانحلت روابط الأسر، وطغت العلاقات الجنسية على القيود التي حاول نظام الزواج أن يقيدها بها مراعاة لمصلحة النظام الاجتماعي، ولم تجد القوانين مشرفين ينفذونها، وكثيراً ما يتجاهلونها.

وتعاون الطاعون مع الحرب للتعجيل باضمحلال النظام الإقطاعي، فقد هجر كثيرون من الزراع الأراضي التي كانوا يستأجرونها ونزحوا إلى المدن بعد أن فقدوا أبناءهم وغيرهم ممن كانوا يساعدونهم في فلاحتها، واضطر الملاك إلى أن يستأجروا عمالاً أحراراً، يؤدون لهم ضعفي ما كانوا يؤدونه قبل من الأجور، وأن يغروا عندهم مستأجرين بشروط خير من الشروط السابقة، وأن يستبدلوا بالمال الخدمات الإقطاعية. وإذ كان الملاك أنفسهم قد اضطروا إلى ابتياع كل ما يشترونه بأثمان عالية، فقد اضطروا إلى أن يطلبوا إلى الحكومة أن تتدخل لتثبيت موازنة الأجور. واستجاب المجلس الملكي إلى هذا الطلب بأمر أهم ما جاء فيه:

لما كان قسم كبير من أفراد الشعب وبخاصة طبقة العمال والخدم قد ماتوا أخيراً بسبب الوباء...ولما كان الكثيرون يرفضون العمل إلا في نظير أجور باهظة، بل إن بعضهم يفضلون التوسل والتعطل على العمل لكسب أقواتهم، فقد نظرنا نحن فيما قد يحدث فيما بعد من اضطراب مخزن من نقص في الأيدي العاملة وبخاصة بين العمال والفلاحين، وبعد مناقشة هذه المسائل، اتفقنا مع كبار رجال الدين وأعيان البلاد، ورجال العلم واستعنا بهم وتبادلنا وإياهم المشورة أمرنا بما هو آت:

1- كل شخص صحيح الجسم تقل سنة عن ستين عاماً، وليست له (وسيلة) للعيش، وإذا طلب إليه (شخص آخر أن يعمل) يجب عليه أن يقوم بخدمة من يطلب ذلك إليه، وإلا زج به في السجن حتى يقدم من يضمن قيامه بالعمل.
2- إذا غادر الخدمة عامل أو خادم قبل الوقت المتفق عليه، حكم عليه بالسجن.
3- لا يعطى الخادم إلا الأجور القديمة لا أكثر منها.
4- إذا تقاضى صانع أو عامل أجراً يزيد على ما كان يتقاضاه عادة زج به في السجن.
5- يجب أن تباع مواد الطعام بأسعار معقولة.
6- ليس لإنسان أن يعطى شيئاً لمتسول يستطيع العمل.

لكن العمال وأصحاب الأعمال أهملوا هذا القرار إهمالاً واسعاً اضطر معه البرلمان أن يصدر (في التاسع من فبراير سنة 1351 ("قانون العمال" الذي ينص على ألا تزيد الأجور على ما كانت عليه في عام 1346، والذي حدد أثمان عدد كبير من السلع والخدمات وقرر وجوب استخدام الآلات. ثم صدر قانون آخر في عام 1360 ينص على جواز إرغام الزراع الذين يتركون الأرض التي تعاقدوا على زراعتها أو استئجارها قبل انتهاء الموعد المحدد للعقود أو الإيجار على العودة إليها، كما ينص على أن لقضاء الصلح إذا شاءوا أن يسموا هؤلاء المخالفين على جباههم. واتخذت فيما بين عامي 1377، 1381 إجراءات أخرى مختلفة في قسوتها، ولكن الأجور ارتفعت على الرغم من هذه القوانين والقرارات، غير أن الأحقاد التي ولدتها هذه الأعمال في صدور العمال ورجال الحكم أثارت النزاع بين الطبقات وكانت سلاحاً جديداً في أيدي دعاة الفتنة.

وكان للثورة التي تأجج لهيبها على أثر هذه الحوادث أكثر من عشرة مصادر، فقد أخذ الزراع الذين كانوا لا يزالون من أرقاء الأرض يطالبون بحريتهم، وطالب المستأجرون بأن يحددوا إيجار الأرض بأربعة بنسات (1.67 دولار) للفدان الواحد في السنة. وكانت بعض البلدان لا تزال خاضعة للسادة الإقطاعيين، وكانت هذه تتوق إلى أن تتمتع بالحكم الذاتي، وكان العمال في البيئات المحررة يكرهون الأقلية الغنية من التجار، كما كان التجار المتنقلون يتذمرون من فقرهم وعدم اطمئنانهم على مصادر رزقهم. وكان الزراع في الريف، والعمال في المدن، بل كان قساوسة الأبرشيات أنفسهم-كانوا هؤلاء جميعاً ينددون بسوء الحكم في السنين الأخيرة من عهد إدوارد الثالث، والسنين الأولى من عهد رتشارد الثاني، ويتساءلون لم توالت الهزائم على الجيوش الإنجليز بعد عام 1369، ولم تجن الضرائب الفادحة لتميل هذه الهزائم نفسها. وكان أشد حقدهم ينصب على سدبري كبير الأساقفة وعلى روبرت هاليز وهما كبيرا وزراء الملك الشاب وجون جونت ويتهمونهم بأنهم أنصار الفساد والعجز في دوائر الحكومة وأجدر من يجب أن توجه إليهم التهم.

ولم يكن لواعظ اللورد (أتباع ويكلف) إلا أقل صلة بهذه الحركة، ولكن نصيبهم كان هو تهيئة الأذهان للثورة، فقد كان جون بول زعيمها الفعلي يكرر أقوال ويكلف ويحبذها، وكان وات تيلر يطالب كما كان يطالب ويكلف بالاستيلاء على أملاك الكنيسة. وكان بول، "قس كنت المجنون" (كما كان يلقبه فرواسار)، يعلم الشيوعية لجماعة المصلين معه، وقد صدر قرار بحرمانه من حظيرة الدين في عام 1366. فأصبح بعدئذ واعظاً جائلاً يندد بالمال الحرام الذي جمعه الأحبار والأعيان، ويطالب بعودة رجال الدين إلى الفقر الذي يدعو إليها الإنجيل ويسخر من الباباوات المتنافسين الذين كانوا بانشقاقهم يقتسمون ثياب المسيح. وتعزو إليه الرواية المتواترة ذلك البيت المشهور:

حيث كان آدم يحفر وكانت حواء تقيس
من كان وقتئذ السيد العظيم


أي حيث كان آدم يحفر الأرض وحواء تعمل على النول، هل كان في الجنة أقوام مقسمون طبقات، وكان فرواسار ينقا الآراء المعزوة إلى بول في طول يد على شدة عطفه عليها، وإن كان في الوقت نفسه محباً لطبقة الأشراف البريطانيين:

أصدقائي الأعزاء إن الأمور لا تستطيع أن تسير في إنجلترا سيراً حسناً حتى يصبح كل شيء مشاعاً، وحتى لا يكون في البلاد سادة ولا أتباع، وحتى لا يكون الملاك سادة إلا بقدر ما نكون نحن، ألا ما أسوأ ما يعاملوننا به. ولأي سبب يتحكمون فينا ويسترقوننا هذا الاستراق؟ ألسنا جميعاً أبناء آدم وحواء؟ وأي شيء يستطيعون أن يظهروه لنا ليسودوا به علينا؟...إنهم ليسموننا عبيداً، وإذا لم نقم بخدمتهم ضربونا بالسياط. فلنذهب إلى الملك ونحتج إليه، فهو شاب وفي مقدورنا أن نحصل منه على جواب فيه الخير لنا، فإذا لم نحصل عليه فلنعمل بأنفسنا لإصلاح أمورنا.

وقبض على "بول" ثلاث مرات وكان في السجن عندما اندلعت الثورة. وبلغ السخط مداه بضريبة الرؤوس التي فرضت عام 1380، وأشرفت الحكومة على الإفلاس، وكادت تخسر جواهر الملك المخزونة، وألحت الحرب في فرنسا مطالبة بأموال جديدة. ففرضت على الشعب ضريبة مقدارها 100.000 جنيه تجبى من كل نفس تناهز الخامسة عشرة من العمر. واتخذت عناصر الثورة المفرقة بهذه الضريبة الجديدة. وتنكب آلاف الناس طريق الحياة، وكانت حصيلة الضريبة أقل من المطلوب بكثير..وأرسلت الحكومة مندوبين آخرين للكشف عن الممتنعين عن دفع الضريبة فجمع العامة قواهم متحدين إياهم، ورجموا عملاء الملك إلى خارج مدينة برنتود عام (1381)، وحدث مثل ذلك في مدن فوينج دكورنجهام وسنت الينز. وعقدت اجتماعات شعبية للاحتجاج على الضريبة في لندن، وأرسل المجتمعون إلى الثائرين في الريف يشجعونهم ويدعونهم أن ينضموا إلى الثائرين في العاصمة وبذلك يرغمون الملك على ألا يكون هناك رقيق في إنجلترا.

ولقي فريق من الجباة عند دخولهم مدينة كنت مقاومة عارمة، وفي السادس من يونية سنة 1381، حطم جماعة من الغوغاء غياهب السجن في دوشستر، وأطلقوا سراح المسجونين، ونهبوا القلعة. وانتخبوا الثوار في اليوم التالي وات تيلر قائداً لهم. ولا يعرف شيء عن ماضيه قبل ذلك، ومن الواضح أنه كان جندياً مسرحاً، لأنه نظم الجمع المشتت للقيام بعمل موحد، واكتسب طاعته السريعة لأوامره.

وفي الثامن من يونية هاجم الجمع الهائج دور المبغضين إليه من الإقطاعيين والمحامين وموظفي الحكومة، وقد تسلح بالقسى والسهام والهراوات والفؤوس والسيوف، وتلقى مدداً من المتطوعين من جميع قرى كنت تقريباً. وفي اليوم العاشر دخل هذا الجمع مدينة كانتر بري فرحب به أهلها ونهب قصر سدبري كبير الأساقفة، وفتح أبواب السجن، وانتهب دور الأغنياء. وهكذا انظم سكان الجانب الشرقي من كنت بأسره إلى الثورة، وأخذت المدن تنضوي تحت لواء الثورة، واحدة بعد أخرى، وبادر الموظفون المحليون إلى الفرار من وجه العاصمة.. ولجأ الأغنياء إلى مناطق أخرى من إنجلترا، أو اختبئوا في أماكن بعيدة عن طريق الثائرين، أو تجنبوا الأخطار الأخرى بتقديم المساعدة بصورة ما إلى الثورة. وفي اليوم التالي وجه تيلر جيشه إلى لندن. فلما بلغ مدلستون أفرج عن "جون بول" فانظم إلى فريق الفرسان وأخذ يقدم إليه عظاته كل يوم وقال الآن يبدأ حكم الديمقراطية الذي طالما حلم به ودافع عنه، وتزول جميع الفوارق الاجتماعية، ولن يكون هناك بع الآن أغنياء وفقراء، إقطاعيون وعبيد، بل يكون كل إنسان ملكاً في ذاته(61).

ونشبت في الوقت نفسه ثورات مماثلة في نورفولك وسفولك وبيفرلي وبردجوتر وكمبردج واسكس ويدلسكس وستسكس وهرتفورد وسومرست وجز الشعب في يوري سانت ادموند رأس كبير الرهبان وهو الذي حافظ بصلابته على حقول الدير الإقطاعية على المدينة. وقتل المتمرد لشستر عدداً من التجار الفلورنسيين، وظناً منهم أنهم يقطعون الطريق على التجارة البريطانية. وأتلفوا ما وقع تحت أيديهم من الأضابير والعقود أو الوثائق التي تسجل الملكية الإقطاعية أو العبودية، وهكذا أحرق الأهالي في كمبردج وثائق الجامعة، وألقوا في مدينة ولدام كل وثيقة في محفوظات الدير طعمة للنيران.

وفي الحادي عشر من يونية أشرف جيش الثوار الذي نصفه من إسكس وهرتفورد على الضواحي الشمالية لمدينة لندن، وفي الثاني عشر بلغ ثوار كنت مدينة سوزوارك، على الشاطئ الثاني من التيمز مباشرة. ولم يبدأ أنصار الملك مقاومة منظمة واختبأ رتشارد الثاني وسدبري وهيلز في الحصن. وبعث تيلر إلى الملك يطلب مقابلته ورفض طلبه. وأغلق وليام ولورث عمدة لندن أبواب المدينة، ولكن الثوار في داخلها أعادوا فتحها. وفي الثالث عشر رحب الشعب بقوات كنت التي دخلت العاصمة فانظم إليها آلاف العمال. وأمسك تيلر بزمام جموعه في حزم، ولكنه هدأ من ثورتها بأن سمح لها أن تحاصر قصر جون اف جونت. فلم يسرق منه شيء، وقتلت الجماهير شخصاً من المتمردين حاول أن يسرق كأساً من الفضة. بيد أن كل شيء قد دمر، وألقي بالأثاث الفاخر من النوافذ، ومزقت الستائر النفيسة خرقاً، وسحقت الجواهر سحقاً، وأتت النيران على القصر كله، وتناست الجموع بعض المتمردين الذين استبد بهم الطرب وسكروا حتى غابوا عن الوعي في أقبية فذهبوا طعمة للنيران. ثم تحول الجيش بعد ذلك إلى تمبل، وهي قلعة رجال القانون في إنجلترا، وتذكر الفلاحون أن هؤلاء الفقهاء هم الذين صاغوا صكوك عبوديتهم، أو صادروا ممتلكاتهم في مقابل الضرائب، فوضعوا هناك أيضاً محرقة تلتهم الوثائق، وأشعلوا النيران في المباني حتى أتت عليها. وقوض السجن في نيوجيت كما دمر الأسطول. وانظم المسجونون السعداء إلى الغوغاء، وألح التعب على الجموع من الجهود المضنية التي بذلتها لتجمع انتقام قرن كامل في يوم واحد فرقدت في ظاهر المدينة ونامت.

وفي المساء رأى مجلس الملك أن يسمح له بالحديث مع تيلر وهو خير من الرفض على كل حال. وأرسل دعوة إلى تيلر وأتباعه لمقابلة رتشارد في الصباح التالي في ضاحية شمالية تُعرف بـ"مايل اند". وبعد بزوغ الفجر من اليوم الرابع عشر من يونية، ركب الملك، وكان في الرابعة عشرة من عمره، إنقاذاً لحياته، فخرج من القلعة يصحبه جميع مستشاريه ما عدا سدبري وهيلز الذين خافا أن تتعرض حياتهما للخطر. وشقت الجماعة الصغيرة طريقها وسط الجماهير المعادية إلى مايل اند، حيث تجمع الثائرون من اسكس، وتبعهم فريق من جيش كنت على رأسه تيلر الذي أدهشه استعداد رتشارد للاستجابة لجميع المطالب. وهي أن تلغى العبودية في كل أنحاء إنجلترا، وتزول جميع الأعباء والخدمات الإقطاعية، وتحدد قيمة إيجار العقار كما طلب المؤجرون، ويعلن عفو عن جميع الذين اشتركوا في الثورة. وبادر ثلاثون من الكتاب في صياغة مواثيق الحرية والعفو لجميع المناطق التي ثار أهلوها. وبيد أن الملك رفض مطلباً واحداً، وهو أن يسلم للشعب وزراءه وغيرهم من الخونة. وأجاب رتشارد بأن جميع الأشخاص المتهمين بإساءة استعمال السلطة سيحاكمون طبقاً للإجراءات التي ينظمها القانون، ويعاقبون إذا ثبت أدانتهم.

ولما لم يقنع تيلر بهذه الإجابة، ركب في فرقة مختارة من رجاله واتجهوا مسرعين إلى القلعة فوجدوا سدبري يرتل القداس في الكنيسة. فسحبوه إلى الفناء وبسطوه على الأرض ورقبته على كتلة من الخشب. ولم يكن جلاده حاذقاً، ففصل رأسه عن جسده بثماني ضربات من الفأس. ثم جز المتمردون رأس هيلز واثنين آخرين. وثبتوا على رأس كبير الأساقفة تاجه بمسمار نفذ من الجمجمة، ووضعوا الرؤوس على أسنة الرماح، وساروا بها في أنحاء المدينة، ثم علقوها على باب جسر لندن وانقضى ما بقي من ذلك النهار في سفك الدماء. وطالب تجار لندن، الذين أبو المنافسة الفلمنكية الجماهير أن تقتل كل فلمنكي تجده في العاصمة. وكان يقدم إلى المشكوك في جنسيته الخبز والجبن، ويطلب إليه أن يسميهما، فإن نطق اسميهما بلهجة فلمنكية دفع حياته ثمناً لذلك. وقتل في ذلك اليوم نيف ومائة وخمسون من التجار وأصحاب المصارف الغرباء في مدينة لندن وسقط كثير من رجال القانون الإنجليز، وجباة الضرائب وأنصار جون أف جونت بضربات الفؤوس في ثورة انتقامية لا تميز بين مذنب وبرئ. وقتل الصبيان في مختلف المهن والصناعات معلميهم والمدينون دائنيهم. وحتى إذا جاء منتصف الليل انسحب المنتصرون لينعموا بالراحة مرة أخرى بعد أن أشبعوا نهمهم.

وأبلغ الملك بهذه الأحداث فعاد أدراجه إلى مايل اند، ولم يتجه إلى البرج، بل إلى جناح والدته بالقرب من كنيسة سانت بول وقفل في الوقت نفسه عدد كبير من فرق اسكس وهرتفورد راجعين إلى ديارهم، ابتهاجاً بالمواثيق التي سجلت حريتهم. وفي الخامس عشر من يونية بعث الملك رسالة مهذبة، إلى فلول الثوار، يطلب إليهم في ظاهرة شمثفيلد خارج الدرجيت. ووافق تيلر على ذلك ولما كان رتشارد يخاف على حياته فقد قام بالاعتراف وتناول الأسرار المقدسة قبل الموعد المضروب، ثم ركب في حاشية تتألف من مائتي رجل أخفوا سيوفهم تحت أرديتهم غير العسكرية. وتوجه تيلر إلى شمنفيلد ولم يكن معه غير رفيق واحد يحرسه. وتقدم بمطالب جديدة غير معروفة على التحقيق ويبدو أنها كانت تتضمن مصادرة أملاك الكنيسة وتوزيع دخلها على الشعب. وأعقب ذلك نزاع، فقد وصف أحد حاشية الملك، تيلر بأنه لص فأمر تيلر مساعده، بقته فوقف العمدة ولورث في الطريق فما كان من تيلر إلا أن طعن ولورث الذي أنقذه الدرع المستور تحت عباءته وطعن ولورث بخنجره تيلر وأنفذ أحد سراة رتشارد سيفه في تيلر مرتين فعاد تيلر إلى رجاله صائحاً الخيانة، وسقط ميتاً عند أقدامهم فذهلوا من هذه الخيانة المفضوحة وأعدوا سهامهم وتأهبوا لإطلاقها. ومع أن عددهم كان قد أخذ في النقصان إلا أنهم ظلوا قوة لا يستهان بها وقد أحصاهم فروسافرت بعشرين ألف رجل من المحتمل أنهم كانوا يستطيعون الإحداق بحاشية الملك. ولكن رتشارد خرج إليهم في شجاعة وهو يصيح "أيها السادة، أتقتلون مليككم؟ سأكون رئيسكم وقائدكم، وستنالون مني ما تطلبون. وليس عليكم إلا أن تتبعوني إلى الحقول بعيداً " ومضى غير واثق أوعوا كلامه؟ أيتركونه حياً؟ وتردد الثوار. ثم اتبعوه واختلط معظم الحرس الملكي بهم.

أما ولورث فقد ركض بفرسه عائداً إلى المدينة، وأصدر أوامره إلى شيوخ النواحي الأربع والعشرين أن ينضموا إليه بكل القوات المسلحة التي يستطيعون حشدها. وكان كثيرون من المواطنين الذين عطفوا على الثورة أول الأمر قد أخذوا يحسون القلق من جراء أعمال القتال والتخريب، وشعر كل امرئ، يمتلك عقاراً أن أملاكه وحياته في خطر، وهكذا وجد العمدة لفوره جيشاً تحت إمرته يتألف من سبعة آلاف رجل كأنما انشقت عنهم الأرض. فعاد بهم إلى شمثفيلد، وهناك لحق بهم الملك وأحاط به، وعرض عليه أن يعمل السيف في الثائرين. فأبى رتشارد، فهم الذين وهبوا له الحياة عندما كان تحت رحمتهم، وهو لا يريد أن يبدو أقل منهم كرماً وقد أعلن إليهم أنهم أصبحوا أحراراً يستطيعون أن يرحلوا بسلام. وسرعان ما انقشع الذين بقوا من ثوار اسكس وهرتفورد، واختفى عصاة لندن في ديارهم، ولم تبق إلا ثلة كنت فاعترض رجال ولورث المسلحون، طريقهم إلى داخل المدينة ولكن رتشارد أمر أن لا يمسهم أحد بسوء، فتركوا المدينة آمنين، ثم اضطرب نظامهم ثانية على طول طريق كنت القديم. وعاد الملك إلى والدته، التي رحبت به ودموع الفرحة بسلامته في عينيها. وقالت: "آه، يا بني الصحيح، كم تحملت من الألم والعذاب من أجلك اليوم. "فأجاب الصبي": حقاً يا سيدتي أنني أحس ذلك جيداً، ولكن عليك الآن أن تبتهجي وتحمدي الله، لأنني اليوم استعدت ميراثي وكان مفقوداً، واستعدت ملك إنجلترا أيضاً(63).

وأصدر رتشارد في اليوم نفسه وهو الخامس عشر من يونية-وربما كان ذلك بتأثير العمدة الذي أنقذه-قراراً، ينفي من لندن، كل امرئ لم يقض فيها السنة الماضية بأسرها وإلا تعرض للموت صبراً. وأخذ ولورث وجنوده يفتشون في الطرقات والمساكن عن الغرباء، وقبضوا على كثيرين وقتلوا البعض. وكان بينهم رجل يدعى ستروا، اعترف، تحت وطأة التعذيب من غير شك، أن رجال كنت رسموا خطتهم لينصبوا تيلر ملكاً. وجاء في الوقت نفسه وفد من ثواراسكس إلى ولتام وطلبوا من الملك تصديقاً رسمياً للوعود التي قطعها على نفسه في الرابع عشر من يونية. فأجاب رتشارد بأن هذه الوعود قد صدرت بالإكراه، وليس في نيته أن يبقي عليها، وأخبرهم بنقيض ما توقعوا "لا تزالون أوغاداً، وستظلون أوغاداً"، وتوعد بالانتقام الرهيب من كل رجل يظل على عصيانه المسلح(64). ودعا المندوبون الناخبون أتباعهم أن بعثوا الثورة من جديد، فاستجاب البعض بيد أن رجال ولورث أبادوهم في مذبحة هائلة في الثامن والعشرين من يونية.

وألغى الملك المغيظ الحانق في الثاني من يولية جميع المواثيق وعهود الأمان التي أصدرها إبان الثورة، ومهد الطريق إلى تحقيق قضائي عن هوية زعماء الفتنة وأعمالهم. فقبض على المئات، وحوكموا، وقتل مائة وعشرة أو اكثر. واعتقل جون بول في كوفنتري، فاعترف جريئاً بدوره القيادي في الثورة، ورفض أن يطلب العفو من الملك. فشنق، وسحل، وقطعت جثته أربعة، ووضعت رأسه مع رأس تيلر وجاك سترو في مكان رأسي سديري وهيلز لتزين جسر لندن. وفي الثالث عشر من نوفمبر عرض رتشارد على البرلمان تقريراً عن أعماله، وقال، إذا كان المجتمعون من الأساقفة والأعيان والعامة يرغبون في تحرير رقيق الأرض، فإنه يرغب في ذلك أيضاً. ولكن كان جلهم من أصحاب الأراضي، الذين لا يستطيعون أن يقبلوا حق الملك في تجريدهم من أملاكهم، وكانت نتيجة التصويت وجوب الإبقاء على جميع العلاقات الإقطاعية"(65). وعاد الفلاحون المنهزمون إلى محاريثهم، والعمال المنحوسون إلى مغازلهم.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أول أزمة 1386–88

Robert de Vere fleeing Radcot Bridge (Froissart).

الوفاة

Richard being taken into custody by the Earl of Northumberland (Froissart).

"أقسم عليك بالله أن تدعنا نفترش الأرض ونروي القصص الفاجعة عن وفيات الملوك."

يقول هولنشد "كان رتشارد الثاني حسن الهيئة والطويلة والفطرة، إذا لم يؤثر فيها لؤم الذين حوله وخبث سيرتهم. كان متلافاً، طموحاً، مستسلماً للذات الجسمية. ولقد أحب الكتب، وأعان تشوسر وفرواسارت. وأبدى شجاعة وحضور بديهية، وقام بأعمال حكيمة في الثورة الكبيرة، ولكنه بعد تلك الأزمة المنهكة، تورط في ترف منهك، وترك دفة الحكم إلى وزراء مبددين، فقامت في وجه هؤلاء الرجال معارضة قوية، يتزعمها توماس دوق گلوستر، ورتشارد إرل أروندل وهنري بولنجيروك، حفيد إدوارد الثالث. وسيطر هذا الفريق على "برلمان لا يرحم" برلمان عام 1388، الذي حكم بخيانة عشرة من رجال رتشارد وأعدمهم، فجمع الملك عام 1390 ، وكان لا يزال شاباً في الثالثة والعشرين، أزمة الأمور في يديه، وحكم البلاد حكماً دستورياً مدى سبع سنوات- أو بعبارة أخرى، حكم متمشياً مع القوانين، والتقاليد، ومنسجماً مع نواب مختارين من الأمة.

وحرم بموت زوجته الملكة آن البوهيمية الموطن (1394) ناصحاً معتدلاً رشيداً وتزوج عام 1396 إيزابل، ابنه شارل السادس، أملاً أن يوطد من وراء ذلك السلام مع فرنسا، وكانت لا تزال صبية في السابعة من عمرها، فأنفق الملك موارده على الحظايا والمقربين من الرجال والنساء وأحضرت الملكة الجديدة معها إلى لندن حاشية فرنسية. وجلب هؤلاء معهم أنماطاً فرنسية من الأخلاق وربما جلبوا أيضاً نظريات فرنسية عن الملكية المطلقة. ولما أرسل برلمان عام 1397 إلى رتشارد قراراً بالشكوى من تبذير بلاطه، أجاب متعاظماً أن الحكم في مثل هذه الأمور ليس من اختصاص البرلمان. ولب اسم العضو الذي اقترح الشكوى، فأذعن البرلمان وحكم على صاحب الاقتراح بالإعدام، ولكن رتشارد عفى عنه.

وسرعان ما ترك گلوستر وأروندل لندن وظن الملك أنهما يتآمران على خلعه، فأمر باعتقالهما وشنق أروندل، وقتل جلوستر خنقاً (1397).

ومات جون أوف گونت عام 1399، فخلف إقطاعاً عامراً، فصادر رتشارد أملاكه لحاجته إلى تمويل حملة يوفدها إلى ايرلندا، فذعرت الطبقة الأرستقراطية من هذا الصنيع. وانتهز ابن دوق جنت، المنفى المجرد من ميراثه، فرصة انشغال الملك بإعادة الأمن إلى نصابه في ايرلنده، ونزل إلى البر في يورك على رأس جيش صغير، سرعان ما زاد عدده، بانضمام النبلاء الأقوياء له. ووجد رتشارد عند عودته إلى إنجلترا قواته قد نقصت إلى أقصى حد، وأصدقاءه يفرون منه خائفين، فسلم شخصه وملكه إلى بولنجبروك، الذي توج على عرش إنجلترا باسم هنري الرابع (1399) وهكذا انتهت الأسرة البلانتاجينية التي بدأت بالملك هنري الثاني عام 11، وبدأت الأسرة اللانكسترية التي تنتهي بالملك هنري السادس عام 1461. ومات رتشارد الثاني سجيناً في بونيتفراكت (1400)، بالغاً من العمر ثلاثاً وثلاثين سنة، وربما كان السبب في موته أنه أصيب، كما يهذب إلى ذلك هولنشد وشكسبير، بنزلة برد في سجنهِ، ولعله قتل غيلة على يد أعوان الملك الجديد.

ثقافة ورعاية البلاط

Richard venerating the Virgin and Child, accompanied by his patron saints: Edmund the Martyr, Edward the Confessor, and John the Baptist (l. to r.)
Edward the Confessor's mythical arms (l.) and Richard's white hart (r.)


المصادر

المراجع

السجلات

  • (1993) Chronicles of the Revolution, 1397-1400: The Reign of Richard II, ed. Chris Given-Wilson. Manchester: Manchester University Press. ISBN 0719035260.
  • Froissart, Jean (1978). Chronicles, ed. Geoffrey Brereton. London: Penguin. ISBN 0140442006.
  • (1977) Historia Vitae et Regni Ricardi Secundi, ed. George B. Stow. Philadelphia: University of Pennsylvania Press. ISBN 181227718X.
  • Knighton, Henry (1995). Knighton's Chronicle 1337-1396, ed. G. H. Martin. Oxford: Clarendon Press. ISBN 0198205031.
  • Walsingham, Thomas (1862-4). Historia Anglicana 2 vols., ed. H. T. Riley. London: Longman, Roberts, and Green

مراجع ثانوية

  • Allmand, Christopher (1988). The Hundred Years War: England and France at War c.1300-c.1450. Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0521319234.
  • Bennett, Michael J. (1999). Richard II and the Revolution of 1399. Stroud: Sutton Publishing. ISBN 0750922834.
  • Castor, Helen (2000). The King, the Crown, and the Duchy of Lancaster: Public Authority and Private Power, 1399-1461. Oxford: Oxford University Press. pp. pp. 8-21. ISBN 0198206224. {{cite book}}: |pages= has extra text (help)
  • Dodd, Gwilym (ed.) (2000). The Reign of Richard II. Stroud: Tempus. ISBN 0752417975. {{cite book}}: |first= has generic name (help)
  • Gillespie, James (ed.); Goodman (ed.), Anthony (1997). The Age of Richard II. Stroud: Sutton Publishing. ISBN 0750914521. {{cite book}}: |first= has generic name (help)
  • Gillespie, James (1998). Richard II: The Art of Kingship. Oxford: Clarendon Press. ISBN 0198201893. {{cite book}}: Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Goodman, Anthony (1971). The Loyal Conspiracy: The Lords Appellant under Richard II. London: Routledge. ISBN 0710070748.
  • Goodman, Anthony (1992). John of Gaunt: The Exercise of Princely Power in Fourteenth-Century Europe. Burnt Mill, Harlow, Essex: Longman. ISBN 0582098130.
  • Harriss, Gerald (2005). Shaping the Nation: England, 1360-1461. Oxford: Oxford University Press. ISBN 0198228163.
  • Hilton, Rodney (1973). Bond Men Made Free: Medieval Peasant Movements and the English Rising of 1381. London: Temple Smith. ISBN 0851170390.
  • Jones, Michael (ed.) (2000). The New Cambridge Medieval History, vol. 6: c. 1300 - c. 1415. Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0521362903. {{cite book}}: |first= has generic name (help)
  • Keen, Maurice (1973). England in the Late Middle Ages. London: Mathuen. ISBN 0416759904.
  • McKisack, May (1959). The Fourteenth Century: 1307–1399. Oxford: Oxford University Press. ISBN 0-19-821712-9.
  • Mortimer, Ian (2007). The Fears of King Henry IV: The Life of England's Self-Made King. London: Jonathan Cape. ISBN 9780224073004.
  • Saul, Nigel (1997). Richard II. New Haven: Yale University Press. ISBN 0-300-07003-9.
  • Saul, Nigel (2005). The Three Richards: Richard I, Richard II and Richard III. London: Hambledon. ISBN 1852852860.
  • Steel, Anthony (1941). Richard II. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Tuck, Anthony (1985). Crown and Nobility 1272-1461: Political Conflict in Late Medieval England. London: Fontana. ISBN 0006860842.
  • Tuck, Anthony (2004). "Richard II (1367–1400)". Oxford Dictionary of National Biography. Oxford: Oxford University Press. doi:10.1093/ref:odnb/23499. {{cite encyclopedia}}: |access-date= requires |url= (help)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصلات خارجية

ريتشارد الثاني من إنگلترة
وُلِد: 6 يناير 1367 توفي: 14 فبراير 1400
ألقاب ملكية
سبقه
ادوارد الثالث
ملك إنگلترة
1377 - 1399
تبعه
هنري الرابع
English royalty
سبقه
ادوارد, الأمير الأسود
ورثة العرش الإنجليزي
as heir apparent

8 June 1376 - 22 June1377
تبعه
Philippa Plantagenet, 5th Countess of Ulster
Peerage of Ireland
سبقه
ادوارد الثالث
Lord of Ireland
1377 - 1399
تبعه
هنري الرابع
نبيل إنگليزي
سبقه
ادوارد, الأمير الأسود
أمير ويلز
1376 - 1377
شاغر
اللقب حمله بعد ذلك
هنري الثاني من إنگلترة
Duke of Cornwall
1376 - 1377
ألقاب المطالبة
سبقه
ادوراد الثالث
English Claimant to France
1377 - 1399
تبعه
هنري الرابع