الكلية العربية (القدس)

الكلية العربية بالقدس أثناء أحد الأحداث الرياضية عام 1942.

الكلية العربية في القدس، كانت مدرسة ثانوية أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين. استمرت الكلية من عام 1918 حتى قيام حرب 1948. أنشأ الادارة البريطانية نظاماً تعليمياً في الأراضي التي كانت تحت الحكم العثماني والذي يتألف من المدارس الابتدائية في البلدات الكبرى والمدرسة الثانوية الداخلية، الكلية العربية الحكومية، في القدس. كان الدور الرئيسي للكلية هو تدريب المعلمين للتدريس في المدارس الابتدائية، والتي كانت تبنى تدريجياً في البلدات والقرى الأصغر.[1] تولى رئاستها لبعض الوقد أحمد سميح خالدي، والد وليد خالدي وطريف خالدي.[2] بحلول وقت زوالها، أصبحت الكلية العربية من أعرق مدرسة للطلاب العرب في فلسطين. استخدمت مباني الكلية كمقرات رئيسية للأمم المتحدة لعدة سنوات بعد الحرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

طلبة الكلية العربية في القدس.

امتازت الكلية العربية داخل جبل المكبر في القدس بكونها المؤسسة التعليمية – التربوية الأعلى في فلسطين دون منازع حتى احتلالها في النكبة الفلسطينية عام 1948. تستخدم عمارتها الحجرية الجميلة اليوم مقراً لمدرسة تابعة للمنظمة الصهيونية العالمية حيث يستقبل فيها طلاب يهود من المهاجرين الجدد بغية تعليمهم عن أرض إسرائيل وشعب إسرائيل ضمن مساعي غسل دماغهم، كما يؤكد الباحث في شؤون القدس خليل توفكجي، لافتاً لمحاولة جهات فلسطينية قبل ثلاثة عقود لاستعادتها. وبذلك نالت الكلية العربية ما تعرضت له مؤسسات فلسطينية كثيرة في الشطر الغربي للقدس المحتلة من تهويد وتزوير وسلب ونهب. تتكون عمارة الكلية من طابقين، في الأول الصفوف والمكتبة والمختبر وغرفة المعلمين والإدارة وصالة الطعام والطابق الثاني لمبيت الطلاب. وكانت تحاط بحدائق وبرك ماء مظللة بالعرائش تلفها مقاعد حجرية تزيدها بهاء على بهاء.

وتخرجت من الكلية العربية أجيال من المثقفين والمربين الفلسطينيين والعرب المبدعين ممن حملوا مصابيح المعرفة في المدارس الفلسطينية لعدة عقود. ولم يكن هناك أفضل من بيت المقدس وقلب أرض الرباط وزهرة المدائن لاحتضانها على جبل المكبر لما تحمله من دلالات رمزية فالقدس قلب نابض يزوّد كل الديار الفلسطينية بالحياة ومركز إشعاع ينيرها بما لديه من مخزونات وطنية، حضارية وتاريخية ومعان دينية كبيرة.


كلية المتفوقين

في بداية طريقها عرفت بدار المعلمين، وطبق خريجوها في المدرسة العمرية في الشطر الغربي للقدس وتم اختيار طلابها من الطلاب المتفوقين فقط، الأول في بلدهم ممن أنهوا الثاني ثانوي في المدن والبلدات الفلسطينية من عكا إلى عسقلان، فكانوا معا لوحة فسيفسائية للوطن الفلسطيني بمدنه وأريافه.

يروي قسم من هؤلاء في مذكراتهم كيف كان يسود جو من المنافسة الشديدة في موسم الامتحانات، فعمد بعضهم للتسلل خلسة في الليل إلى غرف الصف للدراسة بعد الساعات المقررة وقد غطوا الشبابيك بالشراشف لئلا يصل الضوء إلى مدير القسم الداخلي ويتعرضون للإنذار. وذهب بعض الطلاب لاختصار عملية التسلل فاختاروا الدراسة في المرحاض أو يدفن رأسه داخل سريره تحت البطانية فيفتح كتابا على نور الفانوس ويقرأ في ساعات الليل المتأخرة ضمن هذا السباق على التفوق في التعلم والتحصيل. وتقدم طلاب هذه الكلية بعد انتهاء عامين دراسيين لامتحانات "المتريك" وأحيانا كان يستكمل هؤلاء في سنة أخرى ضمن برنامج تدريبي للمعلمين.

وفي 1941 افتتح في الكلية عام ثانوي سادس يحوز الخريجون بعدها على شهادة أكاديمية « الانترميديت « في العلوم والآداب أو شهادة دبلوم الكلية في التربية. ودرس طلاب الكلية العلوم والرياضيات والآداب والفلسفة العربية – الإسلامية والغربية والمنطق واللغة اللاتينية أو اليونانية.

توسعات

ويستدل من مراجعة ملفات هذه الكلية، التي يفترض أن تكون جامعة مرموقة اليوم لو نجت من زلزال النكبة وجرائم الصهيونية، أن دراسة الفلسفة اتسعت في الكلية لتمتد من أرسطو وسقراط إلى ديكارت، أما الفلسفة الإسلامية فشملت الغزالي والفارابي وابن خلدون وغيرهم. أما الأدب الإنگليزي فشمل الروايات الكلاسيكية والرومانسية وغيرها، وفي المرحلة التعليمية الأخيرة تم تدريس النقد الأدبي. قبل نهاية الانتداب، توسعت الكلية بحيث أصبح خريجوها مؤهلين للحصول على درجة البكالوريوس من جامعة لندن. كما حصل الكثيرون منهم على منح دراسية لمتابعة دراساتهم العليا في بريطانيا.

وقد أثرت الكلية طلابها بمعرفة ثقافية واسعة، ولم تكتف بالمنهاج التعليمي فشهدت مسرحيات عالمية لشكسبير وغيره قدمتها فرقة من الطلاب، علاوة على الأناشيد والفعاليات الرياضية والرحلات للتعرف على معالم الوطن من البحر إلى النهر. وقد نشط في تنظيم الرحلات والمشاركة فيها المؤرخ نقولا زيادة الذي تشمل مذكراته الشخصية ما كان يحّث به طلاب الكلية: "تحبون بلادكم بقدر ما تقرأونها بأرجلكم» أو « القدمان أداة لقراءة الوطن ومحبته".

لم تكن الكلية العربية منارة ثقافية فحسب، بل قلعة وطنية، ويفيد بعض خريجي الكلية أن الدكتور جورج حوراني كان يحضر أسطوانات موسيقى كلاسيكية ويعقد حلقة حول الفونوغراف الجاثم في إحدى زوايا صالة الطعام داخل الكلية، وكان يستهل درسه بشرح عن الموسيقى المؤلف وعن التأليف الموسيقي والمصطلحات الفنية قبل الاستماع للموسيقى يتلوها سماع الملاحظات. ويروي الأستاذ الراحل في الجامعة الأمريكية في بيروت محمد يوسف نجم في الكتاب عن الكلية العربية أن الدكتور حوراني كان في أيام أخرى يحمل معه نسخا من كتب إنكليزية فيعرّف طلابه بها ويشجع على قراءتها وكان ذلك يقتضي منه حمل كمية كبيرة من الكتب عبر مسافة طويلة إذ لم تتوفر السيارات للمعلمين وقتها.

مشاهير المدرسين والخريجين

شملت الكلية العربية مكتبة غنية بالكتب العربية والإنگليزية وقسماً للمبيت للطلاب، وبعد الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 انتقلت من مقرها القديم في باب الساهرة إلى مقر جديد في جبل المكبّر. تعاقب على إدارة الكلية العربية أساتذة بارزون منهم: خليل السكاكيني، خليل طوطح وأحمد سامح الخالدي (علم النفس، الجامعة الأمريكية في بيروت)- والد المؤرخ وليد الخالدي- وقد أعطى الكلية طابعاً عربياً بعيداً عن خدمة أهداف السياسات الإنگليزية من وراء إنشائها، كما يؤكد الباحث نافذ أبو حسنة في دراسة عن الكلية.[3]

ودرّس في الكلية العربية كثير من المربين منهم: العلامة إسحق موسى الحسيني (كلية الدراسات الشرقية، جامعة لندنمحمد الحاج مير (تاريخ، جامعة توبنگن، ألمانيا)، جميل علي، درويش المقدادي، سليم كانول، عبد الرحمن بشناق، علي حسن عودة، محمود الغول، مصطفى مراد الدباغ، وصفي العنبتاوي، أحمد طوقان (فيزياء خريج جامعة كمبريدج ورئيس حكومة الأردن لاحقاً)، ضياء الدين الخطيب، سالم حنا خميس، وصفي عرفات من نابلس (رياضيات، جامعة لندن) والشاعر العراقي البارز معروف الرصافي والمؤرخ السوري البارز نقولا زيادة.

كما اشتهرت الكلية بتخرج عدد كبير من المثقفين ممن تركوا بصمات واضحة في الحركة الثقافية العربية وفي مجالات شتى في فلسطين وخارجها. من هؤلاء: حيدر عبد الشافي، عبد المحسن قطان، عبد الحميد شومان، مصطفى مراد الدباغ، حنا أبو حنا، أحمد سعيدان، إحسان عباس، أنيس القاسم، توفيق صايغ، جبرا إبراهيم جبرا (أديب ومترجم خريج جامعة كمبردج، في الأدب الإنگليزي)، خيري حماد، ذوقان الهنداوي، عبد اللطيف الطيباوي، عبد الله الريماوي، عرفان قعوار، محمد يوسف نجم ، ناصر الدين الأسد، عالم الذرة إبراهيم عدوي وهاشم ياغي وآخرون. والتحق بالكلية عدد من طلاب الأردن ومنهم الأميران نايف والأمير عبد الإله.

أما شعار الكلية فقد صممه أستاذ الفنون فيها، جمال بدران، وهو عبارة عن صورة رمزية لنسر يحمل بمخالبه مقلمة وقد نحتها على لوحة رخامية ثبتت في واجهة الكلية التي امتدت على 47 دونما. ويروي الدكتور حنا أبو حنا من حيفا أنه قام في 1977 بمرافقة معلمه الدكتور إسحق موسى الحسيني وزوجته لزيارة مبنى الكلية للمرة الأولى منذ تخرج منها عام 1947 فتنبه منذ وصل لفقدان شعارها المنحوت بالرخام ( نسر يحمل مقلمة) في مدخلها الذي التقطت أمامه صور تخرج الطلاب سنة بعد سنة. ويبدو أن انتزاع الشعار الحجري واستبداله بلافتة تحمل اسم المنظمة الصهيونية العالمية جاء ضمن محاولة طمس هويتها.

المصادر

  1. ^ Caplan, Gerald. Arab and Jew in Jerusalem: Explorations in community mental health. Harvard University Press. p. 179. ISBN 978-0-674-04315-2. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |1= (help)
  2. ^ Deeb, Mary-Jane; King, Mary E. (1996). Hasib Sabbagh: From Palestinian refugee to citizen of the world. Middle East Institute. p. 33. ISBN 978-0-916808-43-3. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |1= (help)
  3. ^ "الكلية العربية في القدس… منارة معرفية وقلعة وطنية". جريدة القدس العربي. 2018-05-14. Retrieved 2018-08-14.