العلاقات المصرية الأمريكية - الخطوات الأولى في مصر

العلاقات المصرية الأمريكية
الخطوات الأولى في مصر
Egyptian-American Relations.jpg
المؤلفد. علاء الدين عرفات
فنان الغلافياسر عبد القوي
البلدمصر
اللغةعربية
الموضوعالعلاقات الأمريكية المصرية
الناشرالعربي للنشر والتوزيع
الإصدار2001
عدد الصفحات303
ISBN003-319-977

العلاقات المصرية الأمريكية ... الخطوات الأولى في مصر، هو كتاب من تأليف د. علاء الدين عرفات، يتناول فيه تاريخ العلاقات المصرية الأمريكية. نشر عن العربي للنشر والتوزيع، في 2001.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أقسام الكتاب

  • المقدمة
  • التمهيد
  • الفصل الأول: العلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية
    • أولاً: الولايات المتحدة وعرض القضية المصرية على مؤتمر فرساي
    • ثانياً: التمثيل الدبلوماسي بين مصر والولايات المتحدة
    • ثالثاً: المعاهدات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة
    • رابعاً: الولايات المتحدة والامتيازات الأجنبية
    • خامساً: الولايات المتحدة ومؤتمر مونترو 1937
  • الفصل الثاني: العلاقات الاقتصادية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية
    • أولاً: تشجيع التجارة ودراسة السوق
    • ثانياً: الاتفاقات التجارية ومشاكل التعريفة الجمركية بين مصر والولايات المتحدة
    • ثالثاً: التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة
  • الفصل الثالث: العلاقات الثقافية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية
    • أولاً: النشاط التبشيري الأمريكي في مصر
    • ثانياً: النشاط التعليمي والخيري الأمريكي في مصر
    • ثالثاً: الجامعة الأمريكية بالقاهرة والنشاط الثقافي الأمريكي
    • رابعاً: الولايات المتحدة والاهتمام بعلم المصريات.
  • الخاتمة
  • الملحقات
  • المصادر والمراجع



المقدمة

التمهيد

الأوضاع السياسية في مصر أثناء الحرب العالمية الأولى

لقد استهل كرومر كتابه مصر الحديثة بقول نابليون "مصر أهم بلد في العالم، وأهمية مصر لبريطانيا لا ترجع إلى كونها في موقع خطير بالنسبة للمواصلات البريطانية، بل أيضاً بحكم الموارد الهامة التي يمكن أن توفرها لعجلة الحرب".

ومنذ بداية الاحتلال البريطاني لمصر والحكومة البريطانية تحاول أن تحكم قبضتها القوية على مصر سواء بتشجيع الاستثمارات البريطانية في مصر والتي وصلت قيمتها سنة 1911 (44.000.000) جنيه، أو بتعيين البريطانيين في الوظائف المصرية الهامة حيث شغل الإنجليز جميع الوظائف العليا ابتداء من رؤساء الأقسام حتى وكلاء الوزارات، وكانت تسعة أعشار الدرجات الاولى للإنجليز وجميع الوظائف الرئيسية في الجيش والبوليس فكان يشغلها الإنجليز، بالإضافة إلى أن قرابة النصف من ميزانية الموظفين كانت تذهب إلى جيوب الموظفين الإنجليز الذين لم يكن عددهم يزيد عن 15% من موظفي الحكومة من المصريين، وفي نفس الوقت نفصت نسبة الموظفين المصريين في الوظائف الكبيرة من 27.7% سنة 1905 إلى 23.1% سنة 1920.

ورغم السيطرة البريطانية على الشئون المصرية إلا أن الحكومة البريطانية كانت تواجهها مشكلة أساسية بالنسبة لوجودها في مصر تمثلت في الازدواجية بين السلطة التشريعية التي يمثلها السلطان العثماني، والسلطة الفعلية التي تمثلها هي وكانت بريطانيا تنتظر الفرصة لانهاء هذه الازدواجية لصالحها وأتت هذه الفرصة عندما انضمت الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى فرأت بريطانيا في إنضمام الدول العثمانية لألمانيا حجة لها في انهاء الازدواجية في السلطة فأعادت بريطانيا ترتيب أوراقها القديمة حيث أن الدولة العثمانية قدمت لها حلاً لمسألة الازدواجية في السلطة على طبق من الفضة بانضمامها لألمانيا - ورأت بريطانيا بعد ترتيب أوراقها وبعد أن جائتها الفرصة لحل الازدواجية ضرورة السيطرة التامة على مصر، والقضاء على التبعية الإسمية لمصر للدولة العثمانية، ولذلك عملت منذ اليوم الأول لنشوب الحرب العالمية الأولى على جعل مصر أشبه بمستعمرة إنجليزية.

فمنذ الأول من أغسطس أخذت الحاميات الإنجليزية ترسل إلى الإسكندرية وضواحيها لحفر الخنادق واقامة الاستحكامات على السواحل المصرية، ورغم ذلك فقد أعلنت مصر حيادها فعندما قامت الحرب وقبل اعلان إنجلترا الحرب على ألمانيا بيوم واحد اجتمع مجلس الوزراء المصري برئاسة حسين رشدي رئيس الوزراء والقائم قام الخديوي - حيث كان الخديوي عباس حلمي الثاني بالأستانة - في 3 أغسطس 1914 وأوصى بتعليمات يجب مراعاتها في الموانئ المصرية بخصوص سفن المتحاربين في أثناء تلك الحرب بين امبراطور ألمانيا وامبراطور روسيا والحرب بين امبراطورية النمسا والمجر ومملكة الصرب لضمان حياد قناة السويس وبذلك تقرر قواعد الحياد بمصر، ولكن نتيجة لضغط بريطانيا على مصر خضع رشدي واستسلم للضغوط البريطانية وأمضى قرار الخامس من أغسطس 1914 الذي زج بمصر في الميدان الحربي، وجعلها خاضعة للأوامر البريطانية وخرجت مصر من حيادها، وأصحبت رحن اشارة إنگلترا أو غدت جزء من امبراطوريتها، أو كما يقول ألبرت حوراني " أصبحت مصر نتيجة لضغوط الحرب تعامل كمستعمرة" وأصبحت مصر منذ ذلك الحين قاعدة بريطانية هامة بل مركز من أهم مراكز الامبراطورية في مدة الحرب، فالقيادة العامة للقوات البريطانية في الشرق الأوسط تقيم بالقاهرة، ونتيجة لذلك توافقد على مصر سيول من جنود المستعمرات جاء بهم الاستعمار من بلادهم ليكونوا علفاً ووقود المدفعية ولكن ضغط بريطانيا على مصر للزج بها في ميدان الحرب لم يكن ليغير من الوضع السياسي لمصر وكان على بريطانيا أن تتقدم خطوة واحدة لإنهاء هذه الازدواجية، ولكي تخلص مصر لها بدون شريك أسمى ولذلك فكرت الخارجية البريطانية في إيجاد وسيلة للخروج من هذا المأزق، وكان الحل لهذا المأزق إما بإعلان الحماية البريطانية على مصر أو بضم مصر للمستعمرات البريطانية وكان لفكرة ضم مصر للامبراطورية لها من يناصرها في بريطانيا فيؤكد ريتشموند بإن هذا الضم كان له من يناصره في لندن وأن موضوع الضم كان يدور في خلد الساسة البريطانيين فتصبح مصر من مستعمرات بريطانيا، ورأت إنگلترا أن إعلان الحماية أفضل فهي من ناحية وجدت نفسها في وجه المعارضة الشديدة من رجال دار المعتمد البريطاني في مصر كما وجدت أن الحماية نظام مرن تتفاوت معانيه ففي أقصى طرفيه سيطرة قوية، وفي طرفه الآخر لا يختلف كثير عن منطقة النفوذ السياسي، ولكن يتضمن في حالاته جميعاً - فيما بين الطرفين - الدفاع عن البلاد المحمية ومراقبة سياستها الخارجية ومقدار التدخل في الأمور الداخلية للمحمية قابل للمد والجزر حسب الظروف.

وبالفعل أعلنت بريطانيا حمايتها على مصر في 18 ديسمبر 1914 وقد جاء في اعلان حماية الحكومة البريطانية للحكومة المصرية: "يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر إلى حالة الحرب التي سببها عمل تركيا قد وضع بلاد مصر تحت حماية جلالته وأصبحت من الآن فصاعداً من البلاد المشمولة بالحماية البريطانية، وبذلك قد زالت سيادة تركيا على مصر وستتخذ حكومة جلالته كل التدابير اللازمة عن مصر وحماية أهلها ومصالحها"، وانتهت بالفعل سيادة تركيا على مصر وخلصت مصر للحكومة البريطانية وحلت بريطانيا الازدواجية التي ظلت تعاني منها منذ 1882 وأهمية اعلان الحكومة البريطانية - أو بالتحديد تغير وضع مصر السياسي - بالنسبة لمصر أنه حدد الاطار الذي صارت فيه علاقات مصر بالدول الأجنبية أو بعبارة أخرى أن علاقات مصر مع الدول الأخرى سيحددها طرف ثالث هو بريطانيا العظمى بعد انتهاء الازدواجية في السلطة وظل هذا الاطار يحدد علاقات مصر الخارجية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ويؤكد ذلك التبليغ البريطاني الموجه من ملن شيتهام Milen cheetham إلى الأمير حسين كامل في 19 ديسمبر 1914 - حين نصب سلطاناً من قبل الحكومة البريطانية بعد خلع الخديوي عباس حلمي الثاني حيث ذكر التبليغ "أما فيما يختص بالعلاقات الخارجية فترى حكومة جلالته أن المسؤولية الحديثة التي أخذتها بريطانيا العظمى على نفسها تستدعي أن تكون المخابرات من الآن بين حكومة سموهم ووكلاء الدول الأجنبية بواسطة وكيل جلالته في مصر".

ويلاحظ أن هذا البلاغ قد حدد الاطار الذي ستكون عليه علاقة مصر مع الدول الأجنبية من خلال وكيل جلالته (ملك بريطانيا)" في مصر في المستقبل أي أن بريطانيا هي التي ستحدد علاقة مصر الخارجية، واستمر هذا البلاغ معمولاً به حتى الغاء الحماية رسمياً ولكن روح هذا البلاغ ظل يحدد اطار علاقة مصر الخارجية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذا الاطار هو أن مصر دولة محتلة، وأن بريطانيا هي التي تحدد علاقة مصر بالدول الأجنبية ولوضع هذا الاطار في حيز عملي ألغت بريطانيا وزارة الخارجية المصرية وظلت ملغاة إلى أن أعيدت في مارس 1922.

وبدأت بريطانيا بعد اعلان الحماية تصفي آخر الجيوب التركية في مصر وهو قاضي مصر العثماني "ففي ديسمبر 1914 اجتمع مجلس الوزراء أول اجتماع له في عهد الحماية وتقرر فيه الغاء وظيفة قاضي مصر الذي كان يعين من قبل تركيا دليلاً على العلاقة الدينية بين مصر ودولة الخلافة وبذلك انقطع آخر رباط كان يربط مصر بتركيا".

كما خطت بريطانيا خطوة أخرى لكي تنفرد بالسلطة المطلقة في مصر وتركزت هذه الخطوة في استدراج الأجانب إلى الرضا بالغاء امتيازاتهم ريثما تنحصر السلطة كلها في يد المندوب السامي وتتحول مصر إلى مستعمرة بريطانية ولذلك فقد شكلت لجنة في مارس 1917 - من أربعة أعضاء اشترط أن يكون منهم إنجليزي ذو شخصية قانونية في مصر للنظر في أمر اصلاح القضاء في حالة الغاء الامتيازات ولوضع التعديلات التي يستدعي ادخالها في القوانين والنظم القضائية والادارية في البلاد التي يتطلبها الغاء الامتيازات في ظل نظام الحماية وقد رأس هذه اللجنة يوسف وهبه وزير المالية وكان السير برونيات المستشار المالي بالنيابة العنصر الفعال فيها بصفته مستشاراً للقضاء وكان الغرض من هذه اللجنة وضع القوانين والنظم التي تنسجم مع الحماية وسميت هذه اللجنة لجنة الامتيازات "وفي أوائل نوفمبر 1918 كان برونيات قد انتهى من العمل الذي أوكلته إليه لجنة الامتيازات الأجنبية الخاصة بالدستور وسمي مشروع برونيات وهو مشروع قانوني نظامي لمصر ينزل بها إلى مرتبة المستعمرات ويتلخص هذا المشروع في انشاء مجلس نواب مصري يؤلف من المصريين ولكنه استشاري محض ليس له أي سلطة فعلية ولكنه خليط من المصريين والأجانب يؤلف من أعضاء رسميين وهو الوزراء المصريين والمستشاريين الإنجليز ومن في مرتبتهم من الموظفين البريطانيين ثم من أعضاء منتخبين ينتخبون بطريقة كثيرة القيود والشروط منهم 30 مصرياً و15 أجنبياً بحيث تكون الأغلبية فيه للأعضاء الرسميين والأعضاء الأجانب المنتخبين ولو نفذ هذا المشروع لصارت سلطة التشريع في يد شرذمة من الأجانب ولصار المصريون في بلادهم غرباء وفشل مشروع برونيات ولكن بريطانيا ستظل تسيطر على شئون الامتيازات الأجنبية بشكل كبير على مسألة تعين القضاة الأجانب في المحاكم المختلطة، وغير ذلك من أمور الامتيازات الأجنبية إلى أن تلغي الامتيازات ونتيجة للحماية البريطانية جندت بريطانيا القوى البشرية والمادية المصرية لصالح حربها هي وحلفائها فقد أخذت السلطة العسكرية البريطانية تجند فرق العمال المصريين بالبطش وتسميهم المتطوعين وتأخذ من أهل الريف حاصلاتهم ودوابهم وأسباب معيشتهم قسراً بأبخس الأثمان وكلفت المديرين المصريين ومأموري المراكز والعمد بتنفيذ ذلك.

كما احتكرت الحكومة المصرية - سنة 1918 - أهم محصول نقدي في البلاد وهو القطن وحددت سعر شرائه 42 ريال وكانت تشتريه من أصحاب الأقان ب32 ريال وكان سعر القنطار في الخارج أربعة وستين ريال وبلغت خسارة المصريين نتيجة هذا الاحتكار اثنين وثلاثين مليون جنيه وقد اعترف اللورد ملنر في تقريره أن التحكم في أسعار القطن أدى إلى تذمر الفلاح لأنه حرم نتيجة لذلك المزاحمة في الأسواق الأجنبية مع ازدياد ايجار أطيانه ومصادرة حبوبه وحيواناته أثناء الحرب وعلى أية حال فقد فجرت مسألة القطن ومشروع برونيات .. الأزمة السياسية في البلاد، وطرحت على القوى السياسية والوطنية ضرورة العمل فطرح محمد محمود على سعد زغلول التفكير في حالة مصر بعد الحرب وقال بضرورة تاليف جماعة من أصحاب الرأي فجرى ذكر أسماء شعراوي وعبد العزيز فهمي ولطفي السيد وسعد زغلول ومحمد محمود وعدلي يكن ولكن تأجل البحث في هذه المسألة، إلى الوقت المناسب وقد جاء هذا الوقت باعلان الهدنة في 11 فبراير 1918 بين ألمانيا والحلفاء وانتهاء الحرب بانتصار إنگلترا وحلفائهم ثم اعلان الرئيس ولسن لمبادئه الأربعة عشر - الخاصة بتقرير مصير الشعوب - في يناير 1918 واعتراف بريطانيا وفرنسا بهذه المبادئ في تصريحهما للشعوب العربية في أوائل فبراير 1918 فقد تضمنت تصريحها أن بريطانيا العظمى وفرنسا تنويان تحرير الشعوب التي أنقذت من الظلم العثماني تحريرا تاما وأن تنشئ لهم حكومات وطنية تستمد سلطتها من السنن التي يسنونها من تلقاء أنفسهم وإن كانت تلك السياسة خاصة بسوريا والعراق لكن المعتمد البريطاني السير ونجت وضح بأن هذه السياسة سيكون لها صدى في مصر، وكان لذلك أثره في تفجير الحركة الوطنية المصرية فقد أحست مصر في تلك اللحظة بأن الوقت قد جاء، فإن إنگلترا أفهمتها أن اعلان الحماية جاء نظرا لظروف الحرب وأدخلتها بالتالي في حرب لا ناقة فيها ولا جمل قدمت فيها مصر جميع مواردها .. وبدأ الشعب المصري بجميع طبقاته ينظر غيرا من انجلترا بعد تلك التضحيات الكبرى هنا وفي تلك الفترة بدأت الحركة الوطنية تظهر بوضوح بعد أن كتمت أنفاسها حوادث الحرب ، وبدأت مجموعة من المثقفين المصريين وأعضاء الجمعية التشريعية يفكرون في الاستفادة من مبادئ ولسن لنيل الاستقلال حيث يؤكد لطفي السيد "وبدأنا نحن الخمسة سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي ومحمد محمود وأنا لطفي السيد" نفكر في كيفية الاستفادة من المبادئ الأربعة عشر التي أعلنها الرئيس ويلسون" كما قام الملك فؤاد هو الآخر بحركة التفاف حول بريطانيا ببرقية عقب اعلان الهدنة هنأه فيها بالانتصار الذي أحرزه الحلفاء وأشاد بالدور الفعال الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في كسب الحرب ورجا في ختام برقيته أن تكون المطالب المصرية موضوع عناية الرئيس الأمريكي وعطفه وقد رأى ونجت أن هذه البريقية هي نتاج ذهن أذكى بكثير من ذهن السلطان إذ يقول "وأنا ميال للاعتقاد بأنها "برقية" قد تكون من اعداد رشدي باشا بالاشتراك مع محامي إيطالي قدير صديق للسلطان كما إني أميل إلى الاعتقاد بأن لحزب سعد زغلول المتطرف إصبعاً فيها".

وبعد اعلان الهدنة بيومين ذهب سعدزغلول مع إثنين من زملائه السابقين بالجمعية التشريعية عبد العزيز فهمي، وعلي شعراوي لمقابلة ونجت بمقر المعتمد البريطاني وأعلنوا رغبتهم في مصاحبة وفد رسمي إلى لندن لمناقشة مستقبل مصر مع الحكومة البريطانية بهدف الحصول على استقلال مصر التام فنصحهم ونجت بالتريث ولكنه وافق على الكتابة إلى حكومته طالباً تعليماتها".

وعقب انصراف سعد باشا وزميليه من لدن السيد ونجت المندوب السامي تقابل ونجت مع حسين رشدي باشا رئيس مجلس الوزراء وحادثه في شأن حضور سعد باشا وزميليه وتكلمهم معه بشأن الاستقلال وأظهر له دهشته وعجبه من أفراد ثلاثة يتكلمون في أمر أمة بأسرها دون أن يكون لهم ما يخول لهم التكلم باسمها، فلما بلغ سعد باشا وصحبه أقوال السيد ونجت هذا أخذوا يوالون الاجتماع في منازلهم للتشاور في هذا الأمر فرأوا أن يؤلفوا من أنفسهم وفداً يتكلم باسم الأمة ويعبر عن أمانيها واكنوا يجتمعون تارة بمنزل محمد محمود باشا وتارة بمنزل سعد باشا وفيه تم تأليف الوفد (في نوفمبر 1918) على النحو التالي: سعد زغلول باشا (رئيساً) علي شعراوي باشا، عبد العزيز فهمي بك، محمد محمود باشا، أحمد لطفي السيد بك، عبد اللطيف المكباتي بك، محمد علي بك (علويه) وهم سبعة من اعضاء الجمعية التشريعية.

وتكررت مطالب سعد زغلول والوفد يطلب من السلطة العسكرية البريطانية السماح له ولأصحابه بالسفر لأوروبا لعرض مطالب البلاد على مؤتمر الصلح والتمكن من اسماع صوت مصر باعطائها حق تقرير مصريها وكان لرفض بريطانيا السماح لسعد وأصدقائه بالسفر - وتطور الحالة في مصر إلى ثورة في مارس 1919 نتيجة القبض على سعد وثلاثة من أصدقائه ونفيهم إلى جزيرة مالطة مما لا يتسع المجال لذكره بالتفصيل في هذا التمهيد - أن تقدم الوفد للولايات المتحدة والرئيس ولسن لمساعدته في السفر لعرض القضية المصرية ونيل استقلال مصر وفق مبادئ ولسن الأربعة عشر، نتيجة ليأس سعد والوفد من بريطانيا في السماح لهم بالسفر وكانت نتيجة لطلب سعد والوفد مساعدة أمريكا لهم بدأ صفحة تتميز بنوع خاص في العلاقات المصرية الأمريكية يحكمها "العلاقات" وضع مصر الدولي كدولة محتلة من قبل أقوى الامبراطوريات الاستعمارية في ذلك الوقت وهي بريطانيا.

الفصل الأول: العلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية

أولاً: الولايات المتحدة وعرض القضية المصرية على مؤتمر فرساي

في 8 يناير 1918 ألقى الرئيس ولسن Wilson رئيس الولايات المتحدة الأمريكية خطبة في الكونجرس حدد فيها مبادئه الأربعة عشر والتي وصفها بأنها البرنامج الوحيد لإقرار السلام وقد دخلت الحرب سنتها الخيرة فأراد ولسن أن يمهد لألمانيا طريق الاستسلام ولكي يضع للعالم قواعد للسلام.

وكانت أهم مبادئ ولسن العمل من اجل السلام وتخفيض السلاح وتسوية المشاكل الإستعمارية بما يحقق العدالة وحرية التجارة وإنشاء عصبة الامم ورفع الحواجز الإقتصادية بالإضافة إلى مبدأ تقرير امصير وهو من أهم المبادئ السياسية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى ولم يأت هذا المبدأ في النقاط الأربعة عشر صراحة وإنما جاء في التصريحات التي أدلى بها الرئيس أمام الكونجرس الأمريكي وهو بأن الشعوب والأقاليم من يد إلى أخرى أو من دولة إلى اخرى كما لو كانت سلعاً تتساوم بشأنها الدول وأنما تقوم التسويات الإقليمية بين الدول على أساس خير السكان ووفقاً لرغباتهم.

وقد أحدثت مبادئ ولسن ردود فعل قوية في الولايات المتحدة وخارجها ففي الولايات المتحدة أحيت في نفوس بعض الأمركيين مبدأ مونرو ولذا عارضوا سياسة الرئيس ولسن لإنشاء عصبة الأمم بشكل خاص على اعتبار إن ذلك يعد انتهاكاً لمبدأ مونرو وشكلوا جبهة معارضة شديدة تجاه سياسته الخارجية الهادفة لإنشاء تسوية سلمية عادلة طبقاً لمبادئ تقرير المصير تسوية لا تترك أي شيء يمكن أن يكون مركز تلوث لقيام حروب في المستقبل.

وبالنسبة لمصر فقد أثرت مبادئ ولسن في الشعب المصري بشكل فعال ويصف معاصر التغيير الذي حدث في مصر فور إعلان الرئيس ولسن قائلاً "ساد الحزن والكمد والضيق والغيظ والحقد والمخاوف وسوء الظن العام والشامل قبل إعلان ولسن، واشتد الميل إلى التشاؤم لاسيما أن عدوهم القاهر الجبار على وشك أن يخرج منتصراً من أكبر حرب قادها في حياته وسيكون بطبيعة الحال أشد قهراً وضراوة مما مضى ولكن بعد إعلان ولسن أحيت الآمال ثم ألهبت المشاعر فزادت طاقاتها الحيوية وبرزت الروح الإيجابية في قوة ومضاء ومبادئ ثلاثة هي السر في هذا التطور الرائع وكانت هذه المبادئ هي:-

1-حق الشعوب في تقرير مصيرها.
2-تحرير الشعوب العربية الخاضعة لسيادة تركيا ومنحها الاستقلال.
3-قرار إنشاء "عصبة الأمم" وحل المشكلات الدولية بالعدل والإنصاف وهكذا انتقلت الحالة النفسية من النقيض إلى النقيض وعلى أثر تلك المبادئ وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واجتماع الدول في باريس لوضع تسوية للحرب واحساس سعد زغلول أن الوقت قد حان للحصول على الاستقلال المصري تلهمه مبادئ ولسن فطلب من السلطات العسكرية البريطانية (20 نوفمبر 1918) إعطائه جوازات سفر له ولأصحابه للسفر لأوروبا لعرض المطالب المصرية أمام مؤتمر الصلح ولكن بريطانيا رفضت طلب إعطاء الجوازات، وألغت دار الحماية سعد زغلول أنها مستعدة لقبول أي اقتراح يتعلق بكيفية تعديل نظام الحكم في مصر على أن ترفعها هي إلى لندن وعلى ألا تخرج هذه المقترحات عن نطاق الحماية البريطانية في مصر.

وعلى أثر رفض بريطانيا سفر الوفد المصري أدار سعد زغلول وجهة لولسن ومبادئه، فأرسل احتجاجاً للرئيس ولسن مصاغ بلغة مجاملة على منع بريطانيا ل مصر من أسماع صوتها والأفضاء بمطالبها في مؤتمر الصلح، وذلك بمنع الوفد ممثل الأمة من السفر، واستطرد سعد زغلول في برقيته قائلاً: إن السلطات البريطلنية في مصر طلبت إلينا أن نبدي اقتراحاتنا عن طريق إدارة مصر بشرط ألا تخرج عن دائرة الحماية . . . وقال أن مصر لم ولن تقبل هذه الحماية التي ليست إلإ عملاً من الأعمال الحربية وهي مناهضة لأملنا في الاستقلال بل هي مناهضة حتى للاستقلال الذي كسبناه وتمتعنا به من تركيا ولا يمكن أن يرضيكم أن هذه الحرب التي انتهت في ضوء مبادئكم يترتب عليها تضييق دائرة الحقوق التي سبق لنا أن كسبناها بل على العكس يجب أن توسع تطبيقاً لمبادئكم الجديدة التي تقضي باحترام حقوق الشعوب وفي طليعتها حق تقرير المصير ثم تضرع لولسن قائلاً "باسم مصر ذلك البلد الراقي ... نحتج بشدة على كل اعتداء على حقوقه واستقلاله، فمصر تضرع إلى جنابكم أن تهيئوا لها فرصة أن تسمع صوتها بالإحتجاج وبآمالها الشرعية ثم أرسل سعد زغلول رسالة اخرى للرئيس ولسن أخبره فيها أن الوفد المصري ما زال ممنوعاً من مغادرة البلاد ولذلك فالوفد المصري يكرر لسعادتكم رجاءه تسهيل السبل له حتى يتمكن من عرض مطابل بلاده ولم يكلف الرئيس ولسن نفسه عناء الرد على رئيس الوفد المصري فأرسل سعد باشا برقية أخرى بتاريخ 13 يناير 1919 لوزير خارجية الولايات المتحدة مستر لانسنگ Lansing معرباً فيها أن مصر أولى الأمم بالتمتع بنعم المبادئ الجديدة لسياسة العالم وبين يديكم نضع آمالنا القومية ولذمتكم نكل الدفاع عنها حتى لا تضيع حقوقنا بحجة أن خصومنا أقوياء واثقين أن في الإنسانية لحسن الحظ قوة أخرى هي قوة المبادئ لا تستخدم لإذلال الأمم بل لتخليص الإنسانية من رجس البغي وتحرير رقاب الشعوب ونقول ذلك متمسكين بقول الدكتور ولسن "أن من مصلحة أضعف الشعوب مقدسة كمصلحة أقواها" ولم يكن موقف لانسنگ أفضل من موقف ولسن فلم يرد على برقية الوفد المصري وعلى نفس النغمة أرسل سعد زغلول برقيتين بتاريخ اول فبراير و 16 فبراير 1919. لم يرد ولسن على البرقيتين أيضاً والسبب في ذلك أن الرئيس ولسن لم يشأ أن يصطدم بالسياسة البريطانية ويقحم نفسه في تعقيدات المسألة المصرية، كما أن بريطانيا كانت تعد العدة لكسب ولسن لصفها فيما يتعلق بالمسألة المصرية فبعد أن سمح للوفد المصري بالسفر لعرض مطالبه أمام مؤتمر الصلح كان أول شيء فكر فيه سعد باشا عند وصول الوفد إلى مرسيليا في 18 أبريل أن أرسل إلى ولسن برقية يطلب فيها تحديد موعد لمقابلة خاصة للوفد المصري ولم يتلق رداً من ولسن على برقيته ولم يدر يخلد سعد زغلول أن الترتيبات قد أعدت بإحكام لاعتراف أمريكا بالحماية البريطانية على مصر فور وصول الوفد امصري لباريس فجاء في البرقية رقم 449 من الجنرال اللنبي إلى أيرل كيرزون بتاريخ 28 مارس 1919 "أرى من الأهمية القصوى أن يعرف المصريون أن حمايتنا عليهم قد لقيت موافقة الدول وقد فهمت أن ايطاليا والولايات المتحدة لم تعترف بالحماية هل يمكنكم الحصول على هذا الاعتراف او اصدار تصريح ما لا يقبل الجدل وقد احالت الخارجية البريطانية هذه البرقية على الفور إلى مستر بلفور وزير الخارجية وإلى المستر لويد جورج رئيس الوزراء الموجودين في باريس لحضور مؤتمر الصلح. إذن فقد خططت بريطانيا لإعتراف أمريكا بالحماية التي فوجئ الوفد المصري بإعلانها في 19 ابريل أي بعد وصول الوفد إلى مرسيليا بيوم واحدا. ولقد كتب سعد في مذاكراته مؤكداً التدبير البريطاني قائلاً لقد تعمد الإنجليز أن يصدموا الوفد باعتراف ولسن الحماية يوم وصولنا آملاً في أن تتزعزع ثقتنا في انفسنا وما كان بتدبيرهم الإفراج عنا ثم استقبالنا في باريس بهذه الصدمة إلا كتدبير السجان الذي يطلق أسيره ثم يرصد على أبواب السجن من يدهمه ويغتاله ليحيق به الكيد في ساعة الفرح والاستبشار بالخلاص والأمل في المستقبل وأعلن الرئيس ولسن اعترافه بالحماية بصورة رسمية في صورة بلاغ من المعتمد السياسي الأمريكي في القاهرة إلى اللورد اللنبي ، وأراد الرئيس ولسن أن يتحفظ في بلاغه فقال "ومع موافقة الرئيس على هذا الاعتراف فإنه بالضرورة يحتفظ لنفسه بحق المناقشة في المستقبل في تفاصيل ذلك وفي التعديلات التي قد تنتج عن هذا القرار قيما يمس حقوق الولايات المتحدة ويبدو أن الحكومة الأمريكية حاولت التخفيف من أثر تلك الصدمة على المصريين فاستطرد التبليغ قائلاً:"وبهذه المناسبة كلفت أن أقول أن الرئيس الأمريكي والشعب الأمريكي يعطفان كل العطف على أماني الشعب المصري لتوسيع نطاق الحكم الذاتي على أنهما ينظران بعين الأسف إلى كل مجهود يبذل لتخفيف ذلك بالإلتجاء إلى القوة والشدة.

وكان لإعتراف أمريكا الشمالية بالحماية أثر سيئ وصدمة قاسية في مصر لما كان ينتظره المصريون من الأمل على يد مبادئ ولسن لحصول مصر على الاستقلال وبالنسبة لأثر ذلك الإعتراف على الوفد فقد يئس بعض الأعضاء من جدوى البقاء في باريس والسعي للاستقلال وأثروا العودة إلى مصر ومن هؤلاء اسماعيل صدقي ومحمود أو النصر بك وحسن واصف باشا وبالرغم من أن ولسن قد خان مبادئه بالإعتراف بالحماية فلم يكن في وسعه اغضاب انجلترا برفض الاعتراف بحمايتها على مصر للأسباب التالية:

  • (أولاً): لأنه كان بحاجة لمساندتها في الوقوف ضد أطماع فرنسا القوية في أوروبا.
  • (ثانياً): لأن انگلترا كانت حليفه اليابان التي كانت تخشاها الولايات المتحدة وكان اليابانيون إذ ذاك يطالبون بكياو تشاو Kiaw chaw وغيرها في الشرق الأقصى.
  • (ثالثاً): لأن ولسن كان يزداد انعزالاً في المؤتمر فقد عارض مطامع ايطاليا في فيومى Fiume وتسبب ذلك في انسحاب الوفد الإيطالي وعودته إلى بلاده.
  • (رابعاً): لأنه كان في وسع انگلترا أن تغري ولسن على الاعتراف بالحماية البريطانية بأن تدخل في روعه أنها تنوي أن تمنح المصريين قسط من الاستقلال الداخلي وأن المصريين قد أساءوا فهم دعوته وتشجعوا بها على الثورة وتهديد المصالح الأوروبية كما تدل على ذلك عبارات الاعتراف الرسمي الأمريكي بالحماية.

وعلى الرغم من اعتراف ولسن بالحماية لم يكلف سعد زغلول عن إرسال البرقيات إليه فأرسل إليه برقية في 29 ابريل 1919 لكي يسمع مؤتمر الصلح أقواله "سعد" وعرباً فيها أن ثقة الوفد في ولسن لم تتزعزع برغم اعترافه بالحماية وأننا "الوفد" (نستمد رجاءنا في إجابة هذا الطلب من احترامكم ومن ثقتنا في العدالة التامة التي تريدون جعلها أساساً لصلح العالم وأن تدخلكم الأخير نفسه في شأن الحماية البريطانية لم ينزع هذه الثقة) ثم استطرد قائلاً (فهل يمكن بعد هذا أن تحرم مصر وحدها من عدالتكم حرماناً قطعياً وهي التي اعتمدت عليها كثيراً).

وفي 16 مايو أرسل الوفد المصري برقية لمجلس الشيوخ الأمريكي على نفس نغمة البرقية السابقة ثم أرسل الوفد برقية أخرى للرئيس ولسن طالباً فيها مقابلته ذكراً فيها أن ال شعب المصري سيثابر على طلب حريته السياسية ثم استطرد قائلاً (ولا مجال للشك في أنه سيثابر على طلب حريته السياسية وسيفعل ذلك وهو يعتقد اعتقاداً ثابتاً في عدالة قضيته وموافقه من أعماق قلبه على المبادئ التي أعلنتموها سعادتكم فإما ان ينجح "الشعب المصري" بمساعدة أمريكا أو يهلك ضحية ولائه وحسن اعتقاده، ولهذه الأسباب أرجوا أن تسمح سعادتكم لي ولأحد زملائي بمقابلتكم حتى نبين لكم حقيقة الحال في مصر.

ولما أحس الرئيس ولسن بحرج مركزه لم يجد باباً للخروج منه سوى أن يكلف سكرتيره بأن يكتب إلى الوفد في 9 يونيه معتذراً عن تلك المقابلة بضيق وقته على أمل أن يلتقي معهم في المستقبل ولما تلقى الوفد هذه الرسالة كتب للرئيس ولسن برقية أخرى في 19 يونيه 1919 – وفي تلك البرقية اسرف سعد في ثقته في الرئيس ولسن وعدالته ولم يكن هناك ما يبرر تلك الثقة حيث أعربت البرقية: (واعتقادنا انكم تركتم المجال مفتوحاً لإحتمال مقابلتنا في المستقبل، ونحن نرجوكم باحترام أن تسمحوا بذلك بأسرع ما يمكن حتى يسجل لكم التاريخ الفخر في هذه المسألة ككل مسألة مرتبطة بالمؤتمر).

وفي ذلك الوقت كان الوفد المصري قد اتصل بالوفد الأمريكي الذي جاء لباريس لمساعدة الإبرلندين على نيل استقلالهم وعرف منهم الرغبة في تشديد التفكير على الإستعمار بذكر المسألة المصرية بجانب المسألة الإبرلندية فزودوهم بجميع المستندات والبيانات الخاصة بالقضية المصرية فدرسوها واتصلوا بشأنها فيمن يثقون فيه في مجلس الشيوخ الأمريكي، هذا بالإضافة إلى ما أذاعه الصحفيون الأمريكيون في صحفهم بعد ان أوقفوا على حقيقة المسألة المصرية وأثيرت المسألة المصرية في مجلس الشيوخ في 21 يونيه، عندما اقترح أحد الشيوخ الاعتراف بالجمهورية الإيرلندية فبنه أحد الأعضاء واكد السناتور بوراه Borah "بأن مصر لا تقل جدارة لنيل مطالبها عن كثير من البلاد التي أرادت سياسة مؤتمر الصلح أن تغمرها بنعمة الحرية والاستقلال على حساب الغير". وقد ورد اسم مصر ثانية في جلسة مجلس الشيوخ في 25 يونيه حيث اتهم المستر والش – العضو بالمجلس – وفد الصلح الأمريكي في باريس بخيانة المبادئ التي قصد باريس لنصرتها وتأييدها حيث استثنى الأمم التي كانت تحت جكم أصدقائهم من أن تطبق عليها قاعدة حق الشعوب التي كانت تحكمها أعداؤهم ثم جرى ذكر مصر بهذه المناسبة فقال أحد الأعضاء إن معاهدة الصلح لم توضع إلا لخدمة مصالح بريطانيا وعلى أثر ذلك فكر الفود المصري في إرسال وفد لأمريكا لإستثارة الرأي العام في الولايات المتحدة لبحث القضية المصرية وقد قرر أن يرسل بعض أعضائه إيلها ولكن الإنجليز وضعوا العراقيل في سبيل سفرهم ومنعوهم من ذلك فرأى الوفد أن ينوب عنه عبد اللطيف بك أن يؤشر على جواز سفره من قنصلية انگلترا أولاً ولما طلب ذلك من القنصلية طلبت منه أن يحصل على إذن من الحكومة المصرية فعد عبد اللطيف ذلك مراوغة، ورأو الوفد أنه لا فائدة من متابعة السعي سيما وقد فتح أمامه بابا جديد للعمل في الولايات المتحدة وهو تكليف بعض كبار الساسة الأمريكيين بالدفاع عن القضية المصرية وهو المستر فولك Folk ويرجع الفضل في اتصال المستر فولك بالوفد إلى الدكتور حافظ عفيفي بك، وكانت الفكرة متجهة في بداية الأمر بتكليف المستر فرانك والش بالدفاع عن قضية مصر في أمريكا عند عرض معاهدة الصلح على مجلس الشيوخ وكان المستر والش في ذلك الحين يرأس الوفد الأمريكي الذي ذهب إلى باريس وبريطانيا يطالب باستقلال ايرلندا وقد دارات المخابرات بينه وبين الوفد بواسطة الدكتور حافظ عفيفي وكان المستر ولش رأى بعد ذلك لاعتبارات كثيرة أن يكلف غيره بالمهمة، فاقترح المستر فولك عمدة في المسائل الدولية كان من وقت ما مستشاراً قضائياً لوزارة الخارجية الأمريكية وله شأن يذكر في قضايا دولية هامة وتبادل المستر والش المكاتبة مع المستر فولك وانتهى الأمر بقبول فولك تولي القضية المصرية واستمر مستر فولك يعمل للقضية المصرية من أغسطس 1919 حتى مهاية يناير 1921 وقد بدأ عمله، بالقيام بحركة عادية واسعة عن طريق الصحف الأمريكية كما أخذ يجري اتصالات بشان القضية المصرية مع أعضاء مجلس الشيوخ حتى استطاع اقناع المستر لوج رئيس الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ بتأييد القضية المصرية اقناعاً تاماً وصارت أغلبية لجنة الشئون الخارجية تتفق معه في الرأي وقد قدم مستر فولك مذكرة للجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في 15 أغسطس 1919 وبين في تلك المذكرة انتقاداته لمعاهدة فرساى وخصوصاً المادة 147 في القسم السادس في ملحق معاهدة فرساى التي تقضي بأن تكون المسألة المصرية من المسائل البريطانية الداخلية وتخرج عن نطاق اختصاص مجلس جمعية الأمم، وانتقد السياسة البريطانية لإغتصابها مصر والقضاء على كل أثر لحرية المصريين ثم استعرض الوعود البريطانية للجلاء عن مصر ثم أيدا استقلال مصر وعدم أحقية الإنجليز في البقاء في مصر، وأيد عدالة المطالب المصرية، ثم ط الب مجلس الشيوخ بأنه (بالنيابة عن الوفد المصري بصفة مستشاره القضائي أن ينص صراحة في المواد من 147 إلى 154 من القسم السادس من معاهدة فرساى على ان مركز مصر يدخل في اختصاص مجلس جمعية الأمم وأن تسليم مصر لبريطانيا العظمى كغنيمة من غنائم الحرب لا يمكن أن تكون من مسائل بريطانيا الداخلية، وما برحت أمريكا ملجأ للمضطهدين من جميع البلدان وما برحت فيها حرية البحث في شكاوي الاعتداء من الأمور الطبيعية فالقضاء على مصر بالبقاء في أٍسر الاستبعاد البريطاني لا يفيد سوى استمرار حصن المدافع البريطانية . . . أما إذا ضمن للمصريين سماع أمام مجلس جمعية الأمم أو أية محكمة أخرى دولية وبذلك تكون جميعة الأمم قد حققت غرضاً من أسمى الأغراض المقصودة بتألفيها وهي تهيئ سبيل العلاج للأمم الصغيرة وتمكينها من الوصول إلى حقها في تقرير مصيرها القومي بالجائها إلى الحق والقانون دون القوة وكان لمذكرة المستر فولك أثر كبير في لجنة الشئون الخارجية بمحلس الشيوخ الأمريكي إذ حدث إن رفضت اللجنة طلباً مقدماً من مندوبي بلاد الهند يطلبون فيه سماع أقوالهم فاعترض المستر هتشكوك زعيم الحزب الديمقراطي على ذلك قائلاً كيف أن يسمع صوت المصريين ولا يسمع صوا الهنود أن ظلامة الفريقين متماثلة وهم ضد خصم واحد، فردت عليه اللجنة بقولها (أن مصر تعد من الوجهة السياسية غير خاضعة لإنگلترا ولا تركيا بل يجب أن تكون مستقلة وزمامها بيجها فكان لهذا القرار رنة فرح عظيمة طيرها مستر فولك إلى الوفد المصري بباريس الذي طيره بدوره إلى مصر فنشرته الصحف متفائلة جدار وكان لهذا القرار صدى في الوسط الطلابي ولأمريكا بميدان عابدين يوم 31 أغسطس طلبة المدارس العليا والأزهر وهتفوا للحرية ولأمريكا وذهب فريق منهم إلى دار السفارة الأمريكية حيث كان هتافهم للحرية ولأمريكا وذهب فريق منهم إلى دار السفارة الأمريكية حيث كان هتافهم لأمريكا نصيره الحرية وأرسلوا برقيات شكر لرئيس مجلس الشيوخ الأمريكي ورئيس لجنة الشئون الخراجية بالمجلس ولقد أحدث قرار لجنة الشئون الخارجية، هلعاً للأوساط الإنجليزية فجرت المخابرات بين السلطات الإنجليزية والوكالة السياسية الأمريكية بالقاهرة التي رأت أن تجامل انگلترا بإصدار بيان وزعته على الصحف بتكذيب قرار لجنة الشئون الخارجية ةعلى أثر نشر هذا التكذيب اتصل الوفد بوكيله (فولك) يستعلم عن الحقيقية منه فورد جواب مستر وفلك بأن القرار لم ينشر رسمياً وأنه سيعرف الوفد به عند نشره وبالوصول بالقضية المصرية إلى تلك المرحلة رأى الوفد المصري نفسه أنه بحاجة في رجل ذو مواهب فكرية وله قجره في اللغة الإنجليزية للعمل للدعاية للقضية المصرية في أمريكا ووقع الاختيار على مكرم عبيد ولكن مكرم عبيج رأى أن يضمن له الوفد العمل لمدة سنيتن بأمريكا يفتح أثنائها مكتب هناك للدعاية للقضية المصرية بدلاص من أن يترك عمله في مصر لمدة شهرين أو ثلاثة أو أربعة، وقدر الوفد نفقات مكرم عبيد لمدة سنتين ب 2500 ج بأمريكا وهي مصاريف سفر وإقامة ولكن الوفد غير فكرته وقرر ان يعطيه 100 جنيه شهرياً مقابل مصاريفه هناك وأن استغنى عن خدماته قبل سنتين من تاريخ العمل يعطي مكافأة قدرها خمسائة جنيه ولكن مكرم عبيد لم يقنع بهذا إذ أن نفسه الكبيرة أبت عليه إلا أن يطلب لاانضمام إلى هيئة الوفد.

وقد رد الوفد على طلب مكرم عبيد بقوله (أما ضم حضرة وليم عبيد لم نقبله مع توفر حسن الشهادة فيه لعدم معرفته شخصياً من أغلب الأخوان ولأنه اشتراط تحمل الوفد مصاريف مخالف للائحته ولو أن حضرته قبل أن يحضر ويشتغل معنا مدة يمكننا فيها أن نعرفه كما عرفه من شهدوا معه الكفاءة وكرم الأخلاق لبادرنا إلى قبوله)

ويلاحظ أن سبب رفض عضوية مكرم عبيد في الوفد هو اشتراطه تحمل الوفد مصاريف مخالف للائحته واتفق أن الوفد على صواب فلو أن مكرم عبيد طلب العضوية من البداية لما رفض الوفد، ولكن أن يطلب مكرم عبيد مصاريف إقامة ثم يطلب بعد ذلك العضوية فمن الواجب على الوفد أن يرفض ذلك خصوصاً أن ذلك مخالف للائحته علاوة على أن مكرم عبيد لم يكن معروفاً لأغلب أعضاء الوفد وقد رأى الوفد في النهاية تأجيل سقفر مكرم عبيد لأمريكا وجاء ذلك في رسالتى من الوفد إلى عبد الرحمن فهي في 8 ديسمبر 1919 واعتقد أن تأجيل سفر مكرم عبيد جاء نتيجة لسفر محمد محمود إلى أمريكا في أكتوبر من نفس العام بمساعدة مستر فولك والدليل على ذلك أنه عندنا طلب الوفد المصري عودة محمد محمود من أمريكا لمساعدة الوفد في أعماله في باريس طلب بشكل عاجل سفر مكرم عبيد لأمريكا في رسالة من سعد زغلول لعبد الرحمن فهمي في 21/2/1920، وأن كام سفر مكرم عبيد قد تأجل هذه المرة إلى الأبد وعلى أية حال كان سفر محمد محمود لأمريكا بدلاً من مكرم عبيد أفضل بكثير من الناحية العملية لأن محمد محمود كان يعرف مستر فولك جيداً أو على الأقل على علم بطريقته.

وقام محمد محمود بدور فعال في أمريكا حيث نشر الكتاب الأبيض عن المسألة المصرية (ونشر باللغة الإنجليزية) وقد تضمن هذا الكتاب جميع أعمال الوفد في مصر وفي الخارج والمكاتبات التي وردت بينه وبين أعضاء مؤتمر السلام ابتداء من 1 نوفمبر 1918 إلى 14 يوليه 1919 ثم أرسل بعدذ لك محمد محمود "خطاباً لرئيس مجلس الشيوخ بمناسبة سفر لجنة ملنر أوضح فيها المظالم التي وقعت على مصر ثم استطرد قائلاً (أيمكن ان تكون الضحايا التي قدمتها مصر في سبيل تحرير الشعوب مجلبة لعبوديتها أبعد سنوات يبذل فيها كل مرتخص وغال لنصرة الحلفاء يريد العالم أن يصدر قراره بعقاب مصر عاقباً لم ينزل بالمغلوبين على أمرهم، أن مصر تنتظر عطف الشعب الأمريكي وعمل مجلس الشيوخ، ونتيجة لجهود محمد محمود وفولك قدم مستر أون عضو مجلس الشيوخ التحفظ الآتي عند عرض معاهدة فرساة على مجلس الشيوخ لول مرة في شهر نوفمبر 1919 (المفهوم أن حماية بريطانيا على مصر، الحماية التي تعرتف بها ألمانيا ليست وسيلة بواسطتها تنقل سيادة تركيا الآسمية على مصر إلى الشعب المصري ولا تعد حرماناً للشعب المصري من أي حق من حقوقه في الحكم الذاتي وقد وافق على هذا التحفظ 37 عضواً ورفضه 46 عضواً.

ونتيجة لمشاروات واجتماعات كثيرة اجراها مستر فولك مع الخارجية الأمريكية حصل على خطاب من وزير الخارجية الأمريكي مستر (لانسنگ) إلى المستر أون بتاريخ 16 ديسمبر 1919 يقول فيه أن الولايات المتحدة لم تعترف برقابة على الشئون المصرية إلا على النحو الذي ورد في الإعلان الذي أبلغته الحكومة البريطانية للولايات المتحدة في 18 ديسمبر 1914 وأن الولايات المتحدة توقعت أن بريطانيا العظمى سيتفذ التأكيدات التي أعطاها جورج الخامس لسلطان مصر السابق في خطابه الذي نشرته جريدة التايمز في 21 ديسمبر 1914 ويدل التصريح الذي أبلغته الحكومة البريطانية لوزارة الخارجية الأمريكية في 18 ديسمبر 1914 على أن الحماية كانت ضرورة حرب فقط إذ أن السبب الذي ذكر في إعلانها أن تركيا اعتدت على م صر فتحتم على بريطانيا جماية الشعب المصري وأهمية هذا الخطاب بالنسبة للمسألة المصرية أنه يحدد أن الحماية كانت مسألة حرب وبالتالي فبانتهاء الحرب تنتهي الحماية منطقياً. وقدم مستر اون تحفظاً ثانياً عند عرض المعاهدة (فرساى)" على مجلس الشيوخ مرة ثانية في فبراير 1920 هو (تفهم الولايات المتحدة أن الحماية المشار إليها في القسم السادس من المعاهدة ضرورة قضت بها الحرب لحفظ كيان مصر واستقلالها أثناء الحرب، واتفق 53 عضواً على إعطاء أصواتهم للموافقة على هذا التحفظ ويلاحظ أن هذا التحفظ مبني على خطاب مستر لانسبخ لأون في 16 ديسمبر 1919 وناقشت لجنة الشئون الخارجية ذلك التحفظ يوم الاثنين 15 مارس 1920 فألقى المستر أون خطبة في تعضيده وألقى المستر لودج رئيس لجنة الشئون الخارجية – خطبة عظيمة يؤيد بها التحفظ وعارض مستر سترلنج عضو ولاية داكوتا الجنوبية هذا التحفظ بدعوى أنه أعلن وقد نشرت ذلك جريدة واشنطن بوست في 14 مارس أن لجنة ملنر ستشير بإلغاء الحماية ورأى مستر سترلنگ أنه لا يصح في هذه الحالة الموافقة على التحفظ وبالفعل رفضت لجنة الشئون الخارجية تحفظ مستر أون وقد وقع ذلك وقعاً سيئاً على المصريين ثم رفض مجلس الشيوخ معاهدة فرساى في مارس 1920 وقبل عرض تحفظ أون على مجلس الشيوخ طلب الوفد من محمد محمود أن يعود من أمريكا إذا كان في استطاعة مستر فولك أن يسير بالأمور هناك وحده وجاء هذا الطلب بناء على ما ينتظر أن يلقى على الجماعة "الوفد" من عبء المناقشة الخطيرة إذا استدعى الأمر مع لجنة ملنر العائدة قريباً من مصر ولقد لبى محمود باشا الدعوة ورجل من الولايات المتحدة حيث وصل إلى باريس في مارس 1920 وقد تبين الوفد المصري بعد ذلك أن الدعاية في أمريكا لا فائدة منها حيث لم تظهر مساعدة الولايات المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر أثناء مفاوضة الوفد منها للجنة ملنر وقد بين ذلك سعد زغلول في خطاب لمستر فولك من 31 يناير 1920 جاء فيه (ولم نشعر مطلقاً ونحن في مفاوضاتنا مع لجنة ملنر بمساعدة الولايات المتحدة مباشرة أو غير مباشرة وكل عمل في أمريكا ليس له فائدة كبيرة فمجلس الشيوخ أهمل المعاهدة وإذا كنا نحتاج مساعدتك وخبرتك (يقصد مستر فولك) في المستقبل فنأمل ونعتقد أنكم لا تتردون فيها، وهذا فسخ للوكالة بلهجة أدبية وبذلك انتهى عمل مستر فولك للدعاية للقضية المصرية بأمريكا.

ويلاحظ مما تقدم أن الوفد المصري قد أسرف في الاعتماد على الولايات المتحدة لنيل الاستقلال ولم يدرك الوفد كذلك أن موقف الشعب الأمريكي من شئون السياسة الخارجية الأمريكية في هذه السنوات كان يتميز بالرغبة في العودة إلى الأيام الخوالي حيث كانت الولايات المتحدة بمنأى عن سياسات أوروبا والمناطق المجاورة لها ولقد انتصرت تلك السياسة برفض معاهدة فرساى ورفض الانضمام لعصبة الأمم كما أن ولسن لم يكن يستطيع أن يقدم شيئاَ للقضية المصرية حيث أن ذلك سيجعله في موقف التصادم مع السياسة البريطانية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في تنيمة مصالحها في الشرق الأوسط، ولم يفهم الوفد كذلك الدبلوماسية الأمريكية ونظرتها إلى مصر في ذلك الوقت فالدبلوماسية الأمريكية كانت تهتم بتنمية مصالحها الإقتصادية والثقافية في مصر عن طريق بريطانيا العظمى ولم تكن تهتم بالمسألة المصرية بل أنها كانت تعتبر مصر مكان خلف منعزل ولم تخلف الولايات المتحدة عن هذا الاقتناع التقليدي وهو بأن المصالح الثقافية والاقتصادية في هذا الجزء من العالم لا يمكن أن تكون مصانة دون تحرك هذا البلد (الولايات المتحدة) من الخطوط الجانبية إلى ميدان الصراع في المنطقة كما أن بريطانيا لم تكن تسمح بتدخل أي قوة أجنبية في المسألة المصرية وقد أدرك ولسن ذلك من البداية باعترافه تحت ضغط بريطانيا – بالحماية على مصر وبالتالي كان فشل المسألة المصرية في أمريكا ناتج للأسباب الآتية من وجهة نظري:

1-وقوع ولسن ضحية لتآمر لويد جورج في مؤتمر فرساى.
2-موقف الشعب الأمريكي من سياسة الولايات المتحدة في ذلك الوقت.
3-اصطدام مبادئ ولسن مع السياسة البريطانية في مصر.
4-عدم وجود جالية مصرية كبيرة في أمريكا يمكن أن تشكل لوبي (قوة ضغط) قوي للتأثير على السياسة الأمريكية لصالح القضية المصرية.
5-لم يكن لمصر تمثيل دبلوماسي في ذلك الوقت في الولايات المتحدة بحيث يمكن أن يؤثر ما على السياسة الأمريكية.
6-اسراف الوفد المصري وسعد زغلول وثقته بمبادئ ولسن ومساعدة أمريكا لمصر لنيل استقلالها.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثانياً: التمثيل الدبلوماسي بين مصر والولايات المتحدة

أ-بداية التمثيل الدبلوماسي لمصر في الولايات المتحدة في مارس 1922 أبلغت الحكومة البريطانية الدول التي كان لها ممثلون دبلوماسيون في القاهرة بأن الحكومة المصرية فد أصبحت الآن حرة في إعادة وزارة الخارجية ومن ثم فإن لها حق إقامة تمثيل دبلوماسي وقنصلي في الخارج.

صحيح انه كان لمصر وكلاء بالخارج في عصر محمد ع لي أو حتى في عصر اسماعيل إلا أن وجود وكيل للباشا هنا وهناك شيء وبناء هيئة دبلوماسية كاملة شيء مختلف وهي المهمة التي كان على المسئولين المصريين أن يقوموا بها وكان مطلوباً توافر الكوادر العاملة في المفوضيات المصرية في الخارج ويبدو جسامة هذه المهمة من طبيعة العاملين المطلوبين في كل مفوضية فقد كان مطلوباً على رأس كل مفوضيه مندوب فوق العادة وزير مفوض من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة تبعاً لأهمية العاصمة المتواجد فيها وقائم بالأعمال ومستشار بالإضافة إلى سكرتير أول وثان وأخيراً ملحق للمفوضية وعلى الجانب الآخر كان هناك ممثلون قنصليون وقد تألفوا من ثلاث درجات قنصل من الدرجة الأولى وقنصل من الدرجة الثانية ومأمور قنصلية بالإضافة إلى الموظفين الكتابين وكان مطلوباً من المسئولين المصريين شغل كل هذه الوظائف وكانت مهمة صعبة سواء لأن هؤلاء المسئولين يبدأون من فراغ فلم تكن لديهم كوادر مهيئة من قبل لمواجهة مثل هذه الاحتياجات كما لم تتوافر عندهم لمدة عام على الأقل الميزانية المرصودة لبناء الجهاز الدبلوماسي، ولعل ذلك يفسر أمرين أولهما تأخر تعيين الممثليين المصريين في الخارج قد صدرت يوم 24 سبتمبر 1923 أي بعد 19 شهراً كاملة من عودة وزارة الخارجية المصرية إلى الوجود والأمر الثاني ان التمثيل الدبلوماسي بدأ على نطاق ضيق حيث لم يتم فتح سوى أربع مفاوضات في عواصم الدول الكبرى وقتذاك فن وباريس وروما واشنطن وقد وقع اختيار الملك فؤاد على سيف الله يسري ليكون أول وزير مفوض لمصر في واشنطن بالولايات وبعث للرئيس كولدج Calvin Coolidge برسالة من 13 ديسمبر 1923 يخبره بهذا للتعيين قائلاً (عزيزي وصديقي العظيم لمالي من شديد الرغبة في توطيد وتنمية علاقات المحبة التي تربط لحسن الحظ مملكيتنا قد اخترت صاحب السعادة سيف الله يسري باشا الحائز على نيشان النيل من الطبقة الثانية ليكون مندوباً فوق العادة وزيراً مفوضاً من قبلي لدى فخامتكم، وسيف الله يسري شغل منصب وكيل وزارة الخارجية عشية إعلان استقلال مصر وإعادة وزارة الخارجية وفي تقرير تحتفظ به دار المندوب السامي عن سيف الله يسري تتضمن معلومات هامة عنه وهي "ابن اسماعيل يسري باشا الذي شغل أهم مناصب في الحكومة المصرية، وتزوج من الأميرة شويكار الزوجة السابقة للملك فؤاد ثم طلقها ليتزوج من الأميرة زينب ابنة الأمير ابراهيم حلمي الشقيق الأكبر للملك فؤاد، تلقى تعليمه في انگلترا، كان من الصق الأمراء علاقة بدار المندوب السامي خلال الفترة التي أعقبت الحرب وقدم لدار المندوب السامي خلال الفترة التي أعقبت الحرب وقدم لدارالمندوب السامي خدمات سياسية جليلة وليس هناك من سبب يدعونا إلى عدم الثقة به واستمر سيف الله يسري في منصبه من سبتمبر 1923 حتى فبراير 1925 حيث صدرت الأوامر الملكية في 12 فبراير 1925 بتعيين أعضاء السلك الدبلوماسي حيث ترك سيف الله يسري وظيفته في واشنطن ليصبح مندوباً فوق العادة ووزيراً مفوضاً في العاصمة الألمانية وشغل محله محمود سامي باشا وظل في هذا المنصب من فبراير 1925 حتى 1929 وكان قبل تعيينه في هذا المنصب وكيلاً لوزارة المواصلات وقد درس الهندسة بكلية كوبر وهو يحكم تاريخه الوظيفي أبعد ما يكون عن الاشتغال في العمل الدبلوماسي وبسبب سخط الملك عليه استبعد من منصبه وسبب هذا السخط فشله (محمود سامي)، في وضع مكان له في العاصمة الأمريكية، وأنه كان يعتمد التغيب عن واشنطن في أيام الأعياد الرسمية المصرية حتى يتجنب نفقات الاستقبال التي كان ينبغي أن يقيمها في مثل تلك المناسبات وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال هو ما هي العوامل التي تحكم تعيين الوزراء المفوضيين بشكل عام وواشنطن بشكل خاص؟ الواقع أن عاملاً واحداً يحكم هذا التعيين هو اخلاص الوزير المفوض للملك وثقة الملك به، بحيث ما إذا سخط الملك عليه يستبعد هذا الوزير، وأوضح مثال لذلك هو تعيين سيف الله يسري وزيراً مفوضاً لمصر بواشنطن حيث ورد في رسالة الملك فؤاد للرئيس كولدج بتاريخ 13 ديسمبر 1923 ما يفيد ذلك حيث ذكر الملك (وأن ما خبرته من اخلاصه في خدمتى . . . ) وكذلك من تعيين محمود سامي باشا الذي عين كتصفية لحسابات الملك مع الوفد فمحمود سامي كان يعمل وكيلاً لوزارة المواصلات في ابريل 1924 وعندما خلا منصب مدير السكك الحديدية باستقالة مديرها الإنجليزي ورأت الحكومة المصرية تعيين سامي باشا في هذا المنصب وقبل الرجل بشرط احتفاظه بمنصبه كوكيل لوزارة المواصلات الأمر الذي لم يوافق عليه الوزير الوفدي مصطفى النحاس وتفجر الخلاف الذي نتج عنه القرار بإحالة سامي باشا إلى المعاش وأصبح الرجل بهذا أحد ضحايا الوفد ممكن سعى القصر لمكطافأتهم وبخلو منصب سيف الله يسري بنقله إلى ألمانيا تم تعيين محمود سامي وزيراً مفوضاً بواشنطن وكان ذلك تعبير عن المدى الذي ذهب إليه القصر في استخدام السلك الدبلوماسي لتصفية حساباته الثأرية مع الوفد المهم أنه في بداية التمثيل الدبلوماسي لمصر بالولايات المتحدة وبالتحديد سنة 1926 قدم عبد الحميد سعيد أفندي استجوباً لمجلس النواب بإلغاء جميع المفاوضات التي نشـأت بالخارج على أساس أن مصر لم تستفد مطلقاً من المفوضيات ما دامت خاضعة لنفوذ دولة أجنبية، وأ، الوزارء المفوضين مهما كانت ماسة بمصالحنا ثم استطردنا قائلاً (أفلا يرى دولة الوزير (الخارجية) بعد ذلك أن من مصلحة مصر أن تلغي كل هذه المفوضيات فتتوفر لدينا أموال طائلة ونبرهن على أننا جديرون ولسنا بصبية نخدع بالمظاهر غير المنتجة ثم أضاف اناشدكم ضمائركم هل نحن متمتعون بالاستقلال حقاً، هل نحن أحرار في بلادنا، هل لما دستور يحمينا من اعتداء السلطة التنفيذية أقول ل حضراتكم والأسف يملاً الفؤاد أن جيش الاحتلال لا يزال موجود كما أن الممثل البريطاني يتدخل في شئون الدولة كما كان الحال في عهد اللورد كرومر فالحياة النيابية مهددة والقوانين تداس بالأقدام فيحل المجلس ويعقد تبعاً للأهواء إذن فنحن غير مستقلين حقاً وليست هذه المفوضيات ولا أولئك المفوضين هم الذين يوصلونا إلى الاستقلال وانبرى الأعضاء للرد على عبد الحميد سعيد منهم محمود وهبة القاضي بك الذي فند ما قاله عبد الحميد سعيد وأكد أهمية المفوضيات بالنسبة لمصر، ودون الدخول من تفاصيل ذلك الاستجواء فإن وزير الخارجية المصري في ذلك الوقت في رده على الاستجواب ذكر عدم استفادة البلاد من التمثيل بجانب من يهبط ميزانيتها من أموال تنفق عليه إلا أنه قال بعظمة هذا التمثيل وما يعد على البلاد من وارئه من فوائد وبناء عليه قدر المجلس استبقاء بعض المفوضيات وإلغاء البعض الآخر "مثل مدريد" وذلك لاحتمال الاستفادة منها في المستقبل لأهميتها بالنسبة لمصر مثل مفوضية لندن وباريس وروما وبرلين واشنطن ونستطيع أن نستنتج من ذلك أن مفوضية واشنطن أصبحت على نفس درجة مفوضية لندن وباريس حيث أنها لم تبلغ مثلهما من حيث الأهمية على الرغم من قدم العلاقات السياسية بين ال دولتين ومصر وكذلك تاكيد أهمية الولايات المتحدة بالنسبة لمصر، واستمرت المفوضية المصرية بواشنطن تقدم دورها منذ نشاتها (عام 1923) في تقوية العلاقات المصرية في أمريكا في حل مشاكلهم المالية وكذلك حل مشاكل بعض الأمريكيين العامليين في الحكومة المصرية مثل جوزيف بسايلا Joseph pasila الذي طلب استبدال مبلغاً من معاشه الشهري وساعدته المفوضية المصرية بواشنطن بالاتصال بوزارة المالية المصرية بالحصول على استبدال المعاش، وبالإضافة إلى التحري عن المواطنين الأمريكيين الهاربين من أحكام في مصر.

وبالإضافة إلى المفوضية المصرية بواشنطن كان هناك القنصلية المصرية بنيويورك التي أنشئت 1925 مع ثمانية عشر قنصلية أخرى لمصر في الخارج، والقنصلية المصرية بسان فرنسسكو التي أنشئت في العقد التالي.

ب-رفع التمثيل الدبلوماسي الأمريكي بمصر إلى درجة مفوضية: كان للولايات المتحدة تمثيلاً دبلوماسياً في مصر على درجة معتمد دبلوماسي وقنصل عام Diplomatic Agent and Consul General من الفترة 1832-1921 ولكن تغير هذا الوضع بعد تصريح 28 فبراير 1922 الذي بلغته بريطانيا العظمى لممثلي الدول الأجنبية وأعلنت أن أي تدخل في شئون مصر من جانب أية دولة أجنبية تعتبره بريطانيا تهديداً لأمنها. وفي أعقاب تصريح 28 فبراير، الذي أعطى لمصر استقلالاً منقوصاً اعترفت الولايات المتحدة بالحكومة الجديدة بشرط الحفاظ على حقوقها الموجودة في مصر ورفع تمثيل الولايات المتحدة إلى مفوضية، ونتيجة لتصريح 28 فبراير عادت وزارة الخارجية بعد فترة الإلغاء 1914-1922 في 15 مارس 1922، ورفعت الولايات المتحدة درجة تمثيلها إلى درجة مفوضية وكان أول وزير مفوض للولايات المتحدة بمصر الدكتور مورتون هاول Morton Howell والدكتور هاول من دايتون Dayton وكان يعمل طبيياً قبل عمله بالسلك الدبلوماسي ودخل السلك الدبلوماسي من خلال علاقته الحميمة بالرئيس هاردنگ Harding وخلال مدة إقامته بمصر حتى 1927 كان يناوئ السياسة البريطانية في مصر ويعطف على الحركة الوطنية المصرية فقد كان يرى سعد زغلول مثل صموئل ادامز Smuel Adams بالنسبة للمستعمرين الأمريكيين الأوائل أثناء الحرب الثورية عندما حاربت أمريكا الإنجليز وقد وصف سعد زغلول عند عودته من منفاه في 17 سبتمبر 1923 قائلاً (ورجع سعد زغلول لمصر في 17 سبتمبر 1923 وقد قضى سنة وتسعة شهور من نفيه الأخير وهي مدة طويلة لنفي رجل يزيد عمره عن السبعين عاماً ولم يكن متهماً بجرمية سوى أن تكون جريمة الدفاع عن حرية بلده وشعبه من السيطرة والهيمنة الأجنبية! وإذا كان زغلول باشا وأتباعه الوطنين البارعين متهمين بجريمة في الحالات المذكورة إذن فإن المستعمرين الأمريكيون الأوائل متهمين بأكثر من ذلك عندما منعوا دخول صناديق الشاي البريطانية إلى ميناء بوسطن وأعلنوا في النهاية الاستقلال وسفكت دماؤهم للدفاع عن ذلك الاستقلال وليس هناك أمريكي واحد شجاع يعتقد أن ما أرتكبه أجداده خطأ للدفاع عن استقلالنا، ومصر لنفس تلك الأسباب العادلة مرهلة لأن تكون حرة هذا بالإضافة إلى العلاقة الوطيدة التي كانت تربط هاول بالملك فؤاد ويتضح ذلك من خلال الرسائل العديدة المتبادلة بينهما والتي أظهرت مدى تقدير الملك لهاول وربما يكون ذلك كجزء من صراع الملك مع دار المندوب السامي والذي أراد الملك أن يكون هاول كتوازن لذلك الصراع وأن يظهره كورقة يمكن أن يلعب بها لإرادة هذا الصراع. كما حرص الدكتور هاول على تهنئة الحكومة المصرية في المناسبات الخاصة بها مثل عيد جلوس الملك أو تهنئة رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب في المناسبات العامة وهي مواقف تظهر تعاطف الدكتور هاول مع الحكومة المصرية. كما وجد هاول في الامتيازات الأجنبية في مصر عبئاً ثقيلاص للحكومة المصرية واعتبرها عائقاً يعرقل التقدم المصري ودعا مصر إلى تعديلها أو إلغائها كما الغتها تركيا والصين.

كما كان هاول يناوئ السياسة البريطانية في مصر ويعتبر تلك السياسة أمبرالية واتضح ذلك من موقفه من حادثة اغتيال السردار لي ستاك Lee Stak حاكم السودان وتأييده لسعد زغلول واعتباره أن المطالب البريطانية ظالمة وظهر كذلك من موقفه في اجتماع الهيئة الدبلوماسية في القاهرة في 26 نوفمبر 1926 الذي دعا إليه المسيو جايلار الوزير المفوض الفرنسي في القاهرة – للنظر في احتجاج يقدم للحكومة المصرية على الإجراءات المعقدة التي تتبع لتوفير الراحة لرجال هذه الهيئة وتيسير أسباب القيام بعملهم فطالب هاول في هذا الاجتماع بتقديم احتجاج ضد الوضع الخاص للمندوب السامي في القاهرة فقد كان هاول يكره المندوب السامي البريطاني (اللورد لويد) كرهاً شديداً وكان يصفه بأنه ديكتاتور وفضولي في برقية أرسلها لحكومته ذكر أن لويد أعطى لنفسه مميزات الحاكم الحقيقي لمصر وأن الحكومة المصرية لها سلطة أسمية وأكد في أحد خطبه أن الحكومة البريطانية تشعر بالود تجاه الحكومات الدستورية في عصره ومع ذلك فإنه يريد أن يقرر ما هو دستوري وما ليس دستورياً كما كان لهاول زيارات عديدة لبيت الأمة في الوقت الذي كانت العلاقات بين بيت الأمة وقصر الدبوارة أشد خصومة، وكانت لمواقفه المتعاطفة مع الحركة البريطانية المصرية والمناوئة لبريطانيا في مصر استفزاز المندوب السامي البريطاني في مصر مما دعاه إلى مطالبة الحكومة البريطانية بتقديم احتجاج للحكومة الأمريكية بالإضافة إلى تقليب الجالية الأمريكية في مصر عليه وكان نتيجة ذلك كما جاء في تقرير بريطاني أن البرفوسور بريستد (عالم آثار أمريكي) وعدد من الأمريكيين ذوي الاتجاهات الودية نحو بريطانيا يعملون على إبعاد الدكتور هاول، ولا يخفى بريستد عدم ثقته في الرجل فهو لم يبلغه مثلاً بمنحه روكفلر لإنشاء متحف للآثار بمصر.

وقد وصلت نشاطات الدكتور هاول إلى درجة لاتطاق من جانب قصر الدوبارة والذي عدد هذه النشاطات في تقرير طويل بعث به إلى لندن في 29 نوفمبر 1926 وفي هذا التقرير وصفته بأنه يفسد السياسة البريطانية في مصر واستنجد اللورد لويد في آخر التقرير بحكومته أن تبذل ما في وسعها لإبعاد ممثل أمريكا في القاهرة في أقرب وقت أو كما قال بالحرف الواحد (أن إبعاد الدكتور هاول سوف يدعم مركزي هنا إلى حد بعيد مما أرجو أن يحدث دون إبطاء وإني أثق أنه على ضوء ما سبق وعلى ضوء تاريخ الرجل أن تتمكنوا من إتخاذ إجراء عاجل في هذا الموضوع ومع أن الاتصالات البريطانية في العاصمة الأمريكية لإستدعاء هاول قد استمرت سنة شهور كاملة إلا أنها نجحت في نهاية الأمر في دفع حكومة واشنطن على استدعاء الدكتور مورتون هاول من العاصمة المصرية في يونيه 1927 ويعلق اللورد لويد على ذلك قائلاً (لقد تنفس كل شخص هنا بمن فيهم أبناء الجالية الأمريكية الصعداء بخروج الدكتور هاول ولم يحزن لذلك سوى المتطرفون المصريون.

ولقد كان لويد صادقاً في هذا فقد أقام الوطنيون المصريون حفل توديع كبير في الكونتنتال يوم 3 يونيه 1927 للدكتور هاول شارك فيه مصطفى الننحاس وألقيت خطب من كل واصف غالي والنحاس نفسه والدكتور حافظ عفيفي ومكرم عبيد وامتلأت بعبارات التقدير والثناء للوزير الأمريكي الراحل وقد ختم هاول الحفل بكلمة طويلة أنهاها بمقول لشكسبير جاء فيها (أن من يدافع عن قضية عادلة فسلاحه ثلاثة أضعاف سلاح خصمه).

ثم عينت الحكومة الأمريكية جونثرمون فرانكلين Gunther Mon Franklin ليخلف الدكتور ويليام هاول سنة 1928 واستمر في منصبه حتى 1930 ولم يسع جونثر للتودد للحركة الوطنية المصرية بل سعى بالدرجة الأولى للمحافظة على المصالح الأمريكية في مصر خصوصاً الثقافية والإقتصادية، كما نمت العلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة في عهده حيث وقعت مصر مع الولايات المتحدة ميثاق كيلوج-بريان Kelleg-Briand ومعاهدتي التوفيق والتحكيم.

ثم خلف مستر جونثر مستر ويليام جاردين William Jardin في خريف 1930 وقد كان وزيراً للزراعة في إدارة كولدج Coolidge وكان عمره ستون عاماً عند تعيينه وزيراً مفوضاً، وأظهر اتجاه ودياً ومعقولاً تجاه بريطانيا واستمر ويليام جاردين في وظيفته من 1930 حتى 1933 ثم استقال من منصبه وخلفه برث فيش Bert Fish في عام 1933 وهو محامي من فلوريدا وقد وصفته دار المندوب السامي البريطاني انه رجل مبشر بالنجاح وذو شخصية ودية وسلوك وقد كانت العلاقات بينه وبين دار المندوب السامي ودية للغاية.

وقد كان فيش من الأصدقاء الخصوصين للرئيس روزفلت Roosevelt ومن أشد انصاره إخلاصاً وإعجاباً به وقد قدر الرئيس هذا الإخلاص فاختاره لهذا المنصب السامي وساتمر فيش في وظيفته من 1933 حتى سنة 1944 وهي أطول مدة قضاها وزير أمريكي في مصر منذ بداية التمثيل القنصلي لها عام 1832، حتى عام 1970.

ويبقى سؤال أخير قبل اغلاق ملف التمثيل الدبلوماسي وهو ما هي العوامل التي تتحكم في تعيين الوزراء المفوضيين الأمريكيين في مصر، الواقع أن تلك العوامل تتعلق بتقلبات السياسة الأمريكية الداخلية فعند نجاح حوب في الولايات المتحدة بالانتخابات يقوم بتغيير الوزير المفوض بمصر إلى وزير يكون من حزبه ويثق فيه ويقدم كارول سبريگ Carroll sprig العتمد الأمريكي لمصر نموذجاً لذلك فقد تولى منصبه خلفاً للمستر هامبسون گاري Hampson Gary ليس لسبب سوى أنه من الحزب الديمقراطي حزب الرئيس ولسون وكان مفروضاً مع سقوط الرئيس الأمريكي أن يعتزل منصبه ويعود لبلاده لولا الصداقة الحميمة التي كانت تربطه بالسناتور هاردنگ الرئيس الجديد والتي أبقت عليه في منصبه كما تقدم استقالة ويليام جاردين دليلاً آخر ففي حديث لجاردين لجريدة الأهرام عن سبب استقالته ذكر (ينحصر السبب في استقالتي من أنني من حزب غير حزب الحكومة الحالية لأنني من الحزب الديمقراطي والحكومة الحالية من الحزب الجمهوري ولقد بقيت في منصبي بعد توليها الحكم ستة شهور رغم هذا الخلاف الحزبي كما كان تعيين الرئيس وزفلت لصديقه برت فيش دليلاً ثالثاً وهي نفس العوامل التي تحكم تعيين الوزراء المفوضيين المصريين بأمريكا.

ثالثاً: المعاهدات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة

1- ميثاق نبذ الحرب كيلوج-بريان (Kellog Briand treaty)

يرجع الفضل في نشأة ميثاق كيلوج-بريان إلى عدد من الأمريكيين الذين كونوا اللجنة الأمريكية لتجريم الحرب American Committee for out lawary of war التي أنشأها المحامي الشكاجي سالمون أولڤنسون Salmon Olevinson والذي اعتقد بأن الدول بإعلانها تحريم الحرب فسوف لا تلجأ إليها وكانت تلك الفكرة طريفة في تلك الأيام وقد آمن بها عدد كبير من الناس في عام 1920 من بينهم السناتور بورة Borah والفيلسوف جون ديوى John Dewey ومحرر كريستيان سنشري Christian Century تشارلز كلايتون موريسون Charles clayton Morison وكانت لجنة تجريم الحرب لجنة نشطة وخاصة منشؤها الفنون (الذي كان يزور القنصليات الأوربية كل عام ويؤثر اسماع رجال الدولة في القارة والشخصيات الهامة الأخرى بالإضافة إلى جماعة منحة كارينجي للسلام الدولي Carnegie Endowment for internation peace وبشكل خاص رئيسها نيكولاس مورى بتلر Nicholas Murray Butler وأيضاً رئيس جامعة كولومبيا ورئيس قسم الاقتصاد والتاريخ بنفس الجامعة الدكتور جيمس .ت ثوتول James T. Shotwell وكان بتلر يطوف كل صيف مقدماً المنح حيث كان يقدم أكثر من نصف مليون دولار سنوياً للمشروعات ذات القيمة الهامة للسلام كل هذه الجماعات أمدت بريان وزير خارجية فرنسا بالفكرة الأساسية للمثياق الذي أرسله لوزير الخارجية الأمريكي مستر كيلوج في 20 يونيه 1927 كمسودة لاتفاقية ثنائية لمنع الحرب بين الولايات المتحدة وفرنسا ولقد تضمنت مسودة بريان مادتين أساسيتين والمادة الثالثة للتصديق على المعاهدة، وتنص المادة الأولى على أن الدول المتعاقدة يدينون اللجوء للحرب وإعلانها كأداة لسياستهم الوطنية نحو الدول الأخرى، والمادة الثانية تنص على أن تسوية الخلافات التي قد تنشأ بين الولايات وفرنسا سوف لا تحل إلا بالطرق السلمية، ولم يرد مستر ميلوج على مستر بريان إلا في ديسمبر 1927 وعندما رد، رد بطريقة تختلف عما كان يتوقع حيث طالب بانضمام كل الدول الكبرى في العالم لمثياق منع الحرب كأداة لسياستهم الوطنية.

وقدمت فرنسا أثناء مفاوضات المعاهدة تحفظات بشأن الاقتراح الأمريكي القاضي بالانضمام العام للمعاهدة وأن المعاهدة لن تصبح سارية المفعول حتى يحدث الانضمام العام لها من جانب الدول الأخرى ووافقت فرنسا على الاقتراح الأمريكي، وورحبت الدول الأخرى بالتوقيع على الميثاق وفي المفاوضات بين أمريكا وبريطانيا قدمت بريطانيا تحفظاً يتعلق بحرية العمل فيما يختص ببعض المناطق التي لها مصالح خاصة – وكانت تعني مصر، ووافقت الحكومة الأمريكية على هذا التحفظ وقام النحاس باشا بتقديم احتجاج لرئيس الجمهورية الأمريكية في شهر يوليه 1928 إزاء التحفظ البريطاني كما قدم أيضاً ويصا واصف والأستاذ محمود بسيوني بك رئيس مجلس ال شيوخ بالإنابة احتجاجاً إلى ممثلي الدول الموكل إليهم التوقيع على ميثاق كيلوج بريان في باريس، وصيغة الاحتجاجات متطابقة حيث جاء فيهما، (ومن الآن إلى أن يأتي هذا اليوم يرى الممثلون الحقيقيون بمصر من واجبهم أن يلفتوا نظركم إلى نقطة حيوية ته م بلادهم وهي أن الميثاق ضد الحرب (يقصد منع الحرب) يجب أن يقلل من مخاطر الحرب وأن يقضي على عوامل الاضطراب جهد الطاقة، فإذا اعتبرت مصر من المناطق التي تنوي انگلترا الاحتفاظ بنفسها بحرية العمل فيها كاملة كما ورد في الفقرة العاشرة من المستند البريطاني المرسل إلى السفير الأمريكي في لندن فإن هذه الدول تخول لنفسها فيما يختص بحقوقنا بما ليست لها ولا يسعنا حينئذ إلا أن نتج على هذا المساس بحقوق أمة مستقلة منذ زمان طويل وعلى الرغم من الاحتجاجات المصرية وقع الميثاق بالتحفظ البريطاني وذلك في باريس في 27 أغسطس 1928 ووقعت عليها خمسة عشر دولة وقد نص الميثاق على مادتين، المادة الأولى تنص على أن الدول المتعاقدة تدين اللجوء للحرب لحل الخلافات الدولية وإعلان الحرب كأداة للسياسة الوطنية في علاقتهم، والمادة الثانية تنص على كل الخلافات والمنازعات سوف لا تحل إلا بالكرق السلمية ووافق مجلس الشيوخ الأمريكي على المعاهدة في 15 يونيه 1929 بموافقة 85 صوتاً ضد صوتاً واحداً ولاهتمام الحكومة الأمريكية بتعميم الميثاق فاتحت الحكومة المصرية للانضمام إليه وذلك عن طريق ممثلها في القاهرة الذي قدم في 8 أغسطس 1928 لحافظ عفيفي بك وزير الخارجية المصرية (في وزارة محمد محمود باشا) كتاب يوضح حقيقة أمر هذا الميثاق وكيف تطورت مسألته وقد قدم مع هذا الكتاب صورتين من الميثاق أحدهما باللغة الإنجليزية والأخرى بالفرنسية واجتمع مجلس الوزراء المصري في 29 أغسطس 1928 لعرض الميثاق على الوزراء الذين تبادلوا الأراء بشأنه ثم عرضت النسخة على سعادة عبد الحميد بدوي باشا المستشار الملكي للمقابلة بين النصين الافرنجي والعربي ثم اجتمع مجلس الوزراء مرة أخرى لاتخاذ قرار بهذا الشان وفي هذا الاجتماع لم يتخذ الوزراء رأياً بالنسبة للميثاق واعتقد أن الحكومة المصرية كانت مترددة لقبول هذا الميثاق لسببان:

  • أولاً: لأن الوفد كان يعارض هذا الميثاق وذلك بسبب التحفظ البريطاني اتضح ذلك من خلال احتجاجات النحاس باشا وويصا واصف – فخش حزب الأحرار الدستوريين وهو الحزب الحاكم في ذلك الوقت بألا يحظى الميثاق بقبول جماهيري ويتسبب ذلك في انتقادات لحكومة محمد محمود باشا.
  • ثانياً: التحفظ البريطاني الذي يمكن أن يجعل الميثاق بالنسبة لمصر حبراً على ورق وظهر تردد الحكومة من خلال مقال نشرته صحيفة الأهرام في 31 أغسطس 1928 يطالب الحكومة المصرية بالانضمام للمثياق وأن يقرن التوقيع بكتاب إلى ممثل الحكومة الأمريكية بأن مصر توقع هذا المثياق بوصفها دولة مستقلة سيدة نفسها لا ترتبط بأي تصريح أو بلاغ من أية دولة أخرى يقصد التحفظ البريطاني ليست فريقاً مشتركاً، ألا يرى معالية ذلك صوتاً لحقوق مصر وبياناً لرأي مصر في نفسها وفي مركزها وحالتها ولتكون الأمم التي وقعت على ذلك توقيع الميثاق على بينة من الأمر ومن رأي مصر، أما الأخذ برأي بعضهم اننا نرفض توقيع الميثاق حتى نتحاش الاحتكاك بالإنجليز فلا نظنه القول الذي يصح الأخذ به فإن هذا الرفض تفادياً للاحتكاك بعينه وهو فوق ذلك رفض الوقوف في صفوف الدول المستقلة وقد دعيت إليه من دول كثيرة فمن حق مصر أن تزج بنفسها في ذلك الصف فكيف إذا كانت قد دعيت إلى ذلك من 15 دولة كبيرة منها انجلترا على أية حال فقد اجتمع مجلس الوزراء في 3 سبتمبر 1928 لإعادة النظر في المذكرة التي أعدتها وزارة الخارجية المصرية إلى المفوضية الأمركيية رداً على المذكرة الأمريكية وتقرر في هذا الاجتماع قبول المثياق مع عدم التقيد بالتحفظات البريطانية فيما يختص بمصر وأرسل الرد إلى المفوضية الأمريكية وأرسله المستر ونشب Winship القائم بالأعمال الأمريكي إلى حكومته وقد كان التحفظ المصري الذي أرفق بموافقة الحكومة المصرية للانضمام للميثاق ينص على أن (تعلن الحكومة المصرية انضمامها إلى مثياق السلام بالصيغة التي وقع بها في باريس دون أن يفيد هذا الانضمام تسليماً بأي تحفظ أبدى بشأن ذلك الميثاق) (تقصد التحفظ البريطاني) وبالتالي انضمت مصر إلى معاهدة نبذ الحرب أو كما تسمى ميثاق كيلوج بريان في فبراير 1929 ولقد وصل وزير الخارجية الأمريكي كيلوج إلى قمة عملة الدبلوماسي عندما وقع هذا الميثاق والذي تسلم من أجله جائزة نوبل للسلام سنة 1930 ولكن أثبت التاريخ أن الميثاق لم يكن إلا رسالة ميتة للسلام الدولي، فغياب أية عقوبات بالنسبة للدول المعتدية في نصوص المثياق جعل المثياق لا أهمية له أو كما عبر أحد المؤرخين الأمريكيين بأنه عبارة عن قبلة دولية، كما كان اندلاع الحرب بين اليابان والصين 1931-1933 وهما من الدول المنضمة للمثياق سبباً في عدم الثقة بالميثاق وباختصار فإن الميثاق لم يقدم شيئاَ بالنسبة للسياسة الدولية كما أنه لم يفد مصر في شيء إلا في التحفظ البريطاني والرد المصري عليه في شكل تحفظ مصري ولكن الميثاق وضع مصر في مصاف الدول الكبرى وزادت إلى حد كبير العلاقات الودية بين مصر والولايات المتحدة وأكد أن سياسة العزلة التي طالما نادت بها الولايات المتحدة من خلال حفاظها على مبدأ مونرو ماهي إلا وهم كبير صدقة الساسة الأمريكيون أنفسهم.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

2-معاهدتا التوفيق والتحكيم

في أغسطس 1928 سلمت وزارة الخارجية الأمريكية مذكرة باليد للقائم بأعمال المفوضية المصرية بواشنطن مقترحة التفاوض على ابرام معاهدتا توفيق وتحكيم بين مصر والولايات المتحدة وأرفقت مذكرة الخارجية الأمريكية للمفوضية المصرية بواشنطن مسودة المعاهدات المماثلة التي أجرتها الولايات المتحدة مع الدول الأخرى لإبرام تلك الاتفاقيات وقد اقترحت الولايات المتحدة معاهدات التحكيم على 29 دولة وأبرمتها ثمانية دول واقترحت معاهدات التوفيق على 19 دولة وأبرمتها مع خمس دول والواقع أن معاهدات التوفيق والتحكيم هي سياسة أتبعتها الولايات في سياستها الخارجية في تلك الفترة ولكن عندما عرضت المعاهدة على مصر ثارت شكوك بريطانيا نحوها وزادت تلك الشكوك عندما لم تخبر الولايات المتحدة بريطانيا بشان إرسال مسودة المعاهدة لمصر وتحركت الدبلوماسية البريطانية للتأثير على أمريكا بإدخال مادة أو تحفظ للمعاهدة يستثني من أحكام المعاهدة جميع المسائل التي تهم مصالح طرف ثالث وفي هذا صيانة كاملة للمصالح البريطانية في مصر وبالفعل تمكنت الدبلوماسية الأمريكية من احراز ذلك التحفظ قبل دخول مصر المفاوضات مع الولايات المتحدة، حيث هددت الولايات المتحدة بريطانيا بالانسحاب ورفض مثياق كيلوج-بريان الذي كان يعد لتوقيع الدول عليه في نفس الشهر (أغسطس) إذا لم تجب مطالبها على أية حال، لم تتفاوض الحكومة المصرية بشأن المعاهدتين إلا بعد 21 أكتوبر 1928 وخلال الفترة من 16 أغسطس حتى 20 أكتوبر 1928 قام الوفديون بمهاجمة المعاهدة وذلك بسبب التحفظ الذي أشارات به بريطانيا على أمريكا، وفي 20 أكتوبر 1928 أبلغ الوزير الأمريكي بمصر وزير خارجيته أن نائب وزير الخارجية المصري أخبره ان المعاهدتين ما زالتا تحت ال دراسة وأنه (نائب وزير الخارجية المصري) ليس لديه شك انه سيكون من الممكن خلال فترة قصيرة ابرامهما من خلال وزير مصر المفوض بواشنطن، كما أنه يرى أن أحكام المحاكم المختلطة يجب ألا تدخل في مواد تلك المعاهدتين بأية طريقة، وكذلك أن الدبلوماسية البريطانية استطاعت أن تؤثر على حكومة محمد محود باشا وذلك يجعلها تتبنى تحفظها وهو الخاص بالمسائل التي تهم طرف ثالث ووافقت أمريكا على التحفظ المصري الخاص بالمحاكم المختلطة والمسائل المتعلقة بطرف ثالث، وأخبر مستر جونثر Gunther القائم بالأعمال الأمريكي بمصر وزير خارجيته في رسالة بتاريخ 27 ديسمبر 1928 أن هيئة تشريعات الحكومة المصرية أكملت فحصها للمعاهدتين وأن وزير الخارجية المصري أخبره بأنه سوف يخبر الوزير المصري المفوض بواشطن أن يتخذ الخطوات اللازمة مع وزير الخارجية الأمريكي لإبرام تلك المعاهدة. وفي 28 مايو 1929 وافق مجلس الوزراء المصري على عقد المعاهدتين وتفويض وزير مصر المفوض بالتوقيع عليها اسم الحكومة المصرية وتم ذلك في 27 اغسطس 1929 بالنسبة لمعاهدة التوفيق فقد تضمنت أربعة مواد:

  • المادة الأولى: تنص على أن أية منازعات تنشأ بين الحكومة المصرية وحكومة الولايات المتحدة مهما كان نوعها، إذا ما أخفقت الطرق البدلوماسية في تسويتها، ولم يلجأ الطرفان المتعاقدان إلى حكم محكمة مختصة تعرض للتحقيق وعمل تقرير يعرض على قومسيون دولي دائم ويقبل الطرفان أن لا يعلنا الحرب أوبدأ الأعمال العدوانية أثناء هذا التحقيق، وقبل تقديم التقرير.
  • المادة الثانية: تنص على تكوين القومسيون الدولي، وقد نصت المادة أن يؤلف من خمسة أعضاء يعينون كالآتي عضو يختخار من كل بلد بواسطة حكومته وعضو يختار من بلد آخر بمعرفة كل من الحكومتين على ألا يكون من رعايا الدولتين ونفقات القومسيون تدفعها الحكومتان بنسب متساوية وتملأ الخلوات بنفس طريقة التعيين الأصلية.
  • المادة الثالثة: تنص على أنه إذا أخفق الطرفان في تسوية نزاع بالطرق الدبلوماسية ولم يلجأ إلى حكم محكمة مختصة فيحيلانه في الحال على القومسيون الدولي للتحقيق وتقديم تقرير في خلال سنة من التاريخ الذي يعلن فيه ابتداء التحقيق إلا إذا اتفق الطرفان على تقصير المدة أو مدها ويحتفظ كل من الطرفين بحق حرية التصرف في موضوع النزاع بعد تقديم تقرير القومسيون.
  • المادة الرابعة: تتعلق بطريق التصديق على المعاهدة وكان للحكومة المصرية ملاحظات ذكية على المعاهدة تتلخص في الآتي:
    • أولاً: يستحسن تعيين مدة العضوية في قومسيون التوفيق الدائم.
    • ثانياً: يستحسن تحديد الطريقة بتقرير القومسيون ويستحسن أن يضاف إلى ذلك نص يوجب عليه بذل الجهد في فض النزاع لرأي القومسيون.

وأبلغت هذه الملاحظات لوزير مصر المفوض بواشنطن للتفاوض بشانها مع الخارجية الأمريكية فردت الإدارة الأمريكية على الملاحظة الأولى أن نص المادة الثانية ليس به ما يمنع أية حكومة من الحكومتين من تغير ما تنتخبه من أعضاء القومسيون في أي وقت تشاء فلا موجب إذن لوجود هذا النص، لأن تحديد مدة العضوية لأعضاء القومسيون تعطيل وعرقلة للأعمال وبالنسبة للملاحظة الثانية: ترى الحكومة الأمريكية أنه لا ضرورة للنص على تحديد طريقة تعيين العضو الخامس عند عدم الاتفاق على تعيينه وذلك لأن العادة المتبعة على تعيين هذا العضو الخامس هي أن ينتخبه أحد الطرفين ويعرضه على الطرف الآخر فإذا لم يقبله عاد الطرف الذي انتخبه إلى انتخاب غيره وهكذا ينتهي الأمر باتفاق الطرفين عليه وبالنسبة للملاحظة الثالثة: ترى الحكومة الأمريكية أن روح المعاهدة توجب اتفاق الطرفين على عقد القومسيون عند قيام النزاع على أمر من الأمور التي تقضي المعاهدة بإحالتها إليه لأن امتناع احد الطرفين عن طلب الآخر خرقاً للمعاهدة وبذلك لا يكون هناك ضرورة للنص على إعطاء حق لأحد الطرفين بعقد القومسيون بغير اتفاق مع الطف الآخر وعن الملاحظة الرابعة ردت الحكومة الأمريكية بأن هذا أمر محتم على المتعاقدين بغير أن يكون في حاجة للنص عليه في المعاهدة.

واكتفت الحكومة المصرية بما ردت به الحكومة الأمريكية على هذه الملاحظات، وفوض مجلس الوزراء المصري وزير مصر المفوض بواشنطن للتوقيع عليها وتم ذلك في 27 أغسطس 1929 ووافق عليها مجلس الشيوخ الأمريكي في 20 يناير 1930 وأحيلت المعاهدة إلى مجلس النواب المصري الذي وافق عليها في حلستيه المنعقدتين في 26، و27 مايو 1930.

أما معاهدة التحكيم فهي متممة لمعاهدة التوفيق بحيث أنه إذا لم يتم تسوية نزاع عرض على قومسيون توفيق يحال النزاع للتحكيم وقد نصت على ثلاث مواد:

  • المادة الأولى: تنص على أن جميع الخلافات المتعلقة بالمسائل الدولية التي تعني الطرفين المتعاقدين بمقتضى مطالبة بحق لأحدهما قبل الآخر استناداً إلى معاهدة أو غير ذلك والتي يمكن تسويتها بالطرق الدبلوماسية ولم تسو بناء على نتيجته الالتجاء إلى قومسيون توفيق مختص، وتكون بطبيعتها قابلة لحل قضائي باعتبار إمكان صدور قرار في شانها قائم على تطبيق مبادئ القانون أو العدالة تحال إلى محكمة التحكيم الدائمة المنشأة في لاهاي بمقتضى معاهدة 18 اكتوبر 1907 أو إلى محكمة أخرى مختصة تعين في كل حالة باتفاق خاص ممضى على نظام المحكمة ويحدد سلطاتها. ويبين المسألة أو المسائل المتنازع عليها وينظم اجراءات الدعوى، ويكوت عمل الاتفاق الخاص في كل حالة من جانب مصر بالتطبيق لقوانينها الدستورية ومن جانب الولايات المتحدة بواسطة رئيسها بعد أخذ رأي مجلس الشيوخ وموافقته.
  • المادة الثانية: وتنص على انه لا يجوز التمسك بأحكام هذه المعاهدة بأي نزاع يكون موضوعه ...
    • (أ‌)من اختصاص القضاء المحلي لكل من الطرفين.
    • (ب)ماساً بمصلحة الغير.
    • (ج)متعلقاً وماساً بسياسة الولايات المتحدة التقليدية بخصوص المسائل الأمريكية المعروفة بمبدأ بمنرو.
  • المادة الثالثة: تنص على طريقة التصديق على هذه المعاهدة.

ولم تستخدم معاهدة التحكيم بين مصر والولايات المتحدة إلا مرة واحدة في قضية جورج سالم الأمريكي الجنسية ضد الحكومة المصرية، وتتلخص قضية جورج سالم، أنه ادعى بعد وفاة عمه أنه تنازل له دون أخوته عما يملك فاتهمه شركاؤه بالميراث أنه زور عقد التنازل وأبلغوا الأمر للنيابة التي فتشت منرله لضبط الأوراق وقدم لمحكمة الجنح الأهلية في عام 1918 فدفعت بعدم الاختصاص لأنه ايراني أمريكي الجنسية ووقع خلاف حول هذه الجنسية فادعت الحكومة المصرية أنه من أصل عثماني ولم يفقد الجنسية المصرية واستمر النزاع بعضاً من الوقت وأخيراً حكمت المحكمة الأ÷لية بعدم اختصاصها في مارس 1921 ورفعت النيابة يدها عن الأوراق لأن التحقيق فيها صار من اختصاص القنصل دونها وقضى ببراءته وفي يوليه 1923 رفع جورج سالم دعوى على الحكومة المصرية يطالبها يدفع مبلغ 10000 ألف جنيه لأن النيابة حجزت مستنداته فترة طويلة بناء على تهمة التزوير وهذا حرمه من بيع أملاكه التي ورثها وقت ارتفاع الأسعار مما لحق به خسارة مالية فادحة فردت الحكومة المصرية بأن المحاكم المختلطة ممنوعة من النظر والحكم في أعمال الإدارة لأنها استخدمت سيادتها في ضبط تلك الأوراق والعقود إلى أن أوقفت التحقيق عندما تحولت الأوراق والعقود إلى المحكمة وحكمت برفض الدعوى موضوعاً وشكلاً، فقبلت محكمة الاستئناف المختلطة الدعوى ومعنى ذلك أنه يجوز النظر فيها، وحكمت بعدم الزام الحكومة المصرية بدفع التعويض ولكن جورج سالم لم يرضيه هذا الحكم فشكى أمره إلى حكومة واشنطن التي أرسلت مذكرة إلى الحكومة المصرية تعترض فيها على حكم محكمة الاستئناف بأنه مناف لقواعد العدل وباطل وذلك لأن الحكم قضى برفض الاستئناف شكلاً ثم تعرض للموضوع وناقشه وقد رأت الحكومة الأمريكية ان المحكمة مادامت رفضت الاستئناف شكلاً كان يجب عليها ألا تتعرض للموضوع وناقشه وقد رأت الحكومة الأمريكية أن المحكمة المصرية بدفع التعويض الذي يطلبه جورج سالم، وتعرضت تلك ال مسألة إلى أخذ ورد بين وزارة الخارجية المصرية والمفوضية الأمريكية وكان من الاقتراحات التي عرضت في حل الخلافات عرض المسألة على محكمة العدل الدولية في لاهاي بدعوى أن هناك قاعدة دولية تنص على أنه إذا وقع خطأ في إجراء العدالة من محكمة أهلية ضد أجنبي جاز رفع الأمر إلى محكمة لاهاي ولكن وزير الخارجية المصري – حافظ عفيفي بك – عندما عرض عليه ذلك رفض إذ أن هذا يعتبر سابقة خطرة تفتح الباب لكل أجنبي لا يرضيه الحكم القضائي المختلط، أن يطلب الاحتكام في محكمة العدل الدولية بلاهاي، والسبب الثاني أن المحاكم المختلطة ليست محاكم دولية كمل تدل طريقة تأليفها وتعيين قضاتها، ولكن وزير الخارجية المصري ارضاءاً لأمريكا قبل أن تعرض قضية جورج سالم على دائرة أخرى من دوائر المحكمة المختلطة للفصل فيها ولم ترضى الولايات المتخدة بهذا الرأي وفي النهاية اتفقت وزارة الخارجية المصرية في يناير 1930 مع مفوضية الولايات المتحدة بالقاهرة على نص بروتوكول التحكيم المقترح اجراءه في دعوى جورج سالم بناء على اتفاقية التحكيم التي ابرمتها مصر مع أمريكا في 27 أغسطس 1929 ووقعت الحكومة المصرية على بروتوكول التحكيم في 20 يناير 1931 وكانت تلك القضية أول تطبيق عملي لمعاهدة التحكيم بين مصر وأمريكا ونص بروتوكول التحكيم على مقدمة وتسعة مواد . . . .

  • المادة الأولى تنص على أن الحكومتين تقبل قرار المحكمة كتسوية نهائية ولا تقبل الاستئناف.
  • المادة الثانية تنص على أن المحكمة تتألف من ثلاثة أعضاء تختار أحدهم الحكومة المصرية وتختار الثاني حكومة الولايات المتحدة ويختار الثالث الذي يرأس القومسيون بالاتفاق بين الدولتين.
  • المادة الثالثة: تنص على أن الحكومة المصرية ملزمة أن تدفع تعويض للحكومة الأمريكية في حالة قضاء المحكمة بالتعويض.
  • المادة الرابعة: متعلقة بالإجراءات التي تتبعها الحكومتان في تقديم المذكرات، والمدة التي تقدم فيها تلك المذكرات.
  • المادة الخامسة: متعلقة بالإجراءات التي تتبعها الحكومتان في تقديم المذكرات والرد عليها.
  • المادة السادسة: تنص على أن تعين كل حكومة وكيلاً، وكل شخص تريد اختياره كمحامي لتمثيلها في عرض الدعوة على المحكمة.
  • المادة السابعة: تنص على أن تصدر المحكمة قرارها في ظرف شهرين في ختام المناقشة الشفوية في حالة صدور الحكم على الحكومة المصرية أن تدفع التعويضات في غضون تسعين يوماً.
  • المادة الثامنة: متعلقة باللغة المستخدمة في الإجراءات الكتابية، والمناقشة الشفوية وهي الإنجليزية والفرنسية.
  • المادة التاسعة: تنص على أن كل حكومة تتحمل نفقاتها بما فيها التعويض الذي يدفع للحكم الذي تعينه، أما تعويض الحكم الثالث ونفقات التحكيم العامة فتكون مناصفة بين الحكومتين.

وتقرر أن يكون مقر لجنة التحكيم في فينيا، أما محكمة التحكيم التي ستنظر في القضية فرأسها الدكتور سيمور أستاذ الحقوق الدولية وأخذ أعضاء الوفد الأماني في معاهدة فرساى ووزير الحقانية السابق، يساعده المستر فييلسون المندوب الأمريكي في لجنة التحكيم وسعادة عبد الحميد بدوي باشا رئيس قلم قضايا الحكومة، وسيدافع عن وجهة نظر الحكومة الأمريكية المستر هندسن والمستر هنت، بينما تولى الدفاع عن مصر ال مسيو أ. دى جوفر لايراد يلل أستاذ الحقوق الدولية في جامعة باريس والمسية لينيان دى يكفون المستشار الملكي في وزارة الحقانية والأشغال العمومية.

واستمرت محكمة التحكيم تؤجل النطق بالحكم في القضية من 1931 إلى بداية 1934 حتى أصدرت المحكمة حكماً يؤيد وجهة نظر الحكومة المصرية وهو وجوب احترام الحكم النهائي الذي أصدرته المحكمة المختلطة ونظراً للمجهود الذي بذله سعادة بدوي باشا في هذه القضية منحته الحكومة المصرية مكافأة قدرها 1200 جنيهاً على أية حال كانت قضية جورج اختباراً عملياً لمعاهدة التحكيم بين مصر والولايات المتحدة وأكدت جدية الحكم الصادر من المحاكم المختلطة. كما كانت معاهدتا التوفيق والتحكيم صفحة جيدة للعلاقات الودية بين مصر والولايات المتحدة وأسهمت في تنامي العلاقات الودية بين مصر والولايات المتحدة ووضعت مصر في مصاف الدول المستقلة الكبرى الكبرى والدول التي أبرمت معها الولايات المتحدة معاهدات توفيق مثل الصين وألمانيا وبولندا والنمسا والسويد وذلك على سبيل المثال كما دعمت تلك المعاهدات إلى حد ما استقلال سياسة مصر الخارجية عن اشراف بريطانيا. رغم التحفظ الذي وضعته بريطانيا في معاهدة التحكيم الخاص بالمسائل التي تهم طرف ثالث – إلا أن ابرام المعاهدتين أكد استقلال مصر في تكوين علاقاتها الخارجية رغم التحفظ المذكور وتكوين علاقات صداقة وود مع الولايات المتحدة التي يمكن أن تشكل توازن للنفوذ البريطاني في مصر في يوم من الأيام.

3-اقتراح عقد معاهدة تسليم المجرمين

كانت الولايات المتحدة قد أبرمت معاهدة لتسليم المجرمين بينها وبين الدولة العثمانية في 11 أغسطس 1874، وكانت الولايات المتحدة تؤكد دائماً أن تلك الاتفاقية تنفذ على مصر على اعتبار أن مصر تابعة للدولة العثمانية ولكن السلطات المصرية حتى الحرب العالمية الأولى كانت تميل للاعتقاد بأن تلك المعاهدة لاتفذ على مصر حيث لم تخبر بها من لأمبراطورية العثمانية على أية حال لم يغير المصريون نظرتهم لتلك المعاهدة حتى 1931 كما بين ذلك رئيس قسم الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية وبالتالي وجدت الحكومة الأمريكية أنه لا بديل عن ابرام معاهدة تسليم المجرمين مع الحكومة المصرية وأمرت وزيرها المفوض مستر جاردين في 4 يونيه 1931 بإبلاغ الخارجية المصرية عن رغبة الحكومة الأمريكية لابرام تلك المعاهدة في أقرب وقت كما أبلغته بتسليم مسودة المعاهدة الخارجية المصرية وكانت الولايات المتحدة تهدف من تلك المعاهدة أن تتسلم المجرمين ذو المواطنة الأمريكية أو مواطني الدول الأخرى غير أصحاب الامتيازات بمصر.

وكان رد الحكومة المصرية أنها أي حكومة مصرية، ربما لا تتمكن من تسليم الأشخاص الغير خاضعين للقانون الجنائي في مصر بالإضافة إلى أن الحكومة المصرية قدمت اقتراحاً سنة 1932 أن تدخل في المعاهدة الجرائم المعرضة لهاذ التسليم وفضلت صيغة عامة مشترطة تسليم المجرمين في حالة الجرائم المقتضية سنة سجن فأكثر واقترحت أيضاً أن الصياغة الأمريكية للجرائم السياسية (المادة 3) في المعاهدة تستثني بشكل تاك في اعفاءتها الهجوم ضد شخص الملك كذلك اقترحت الحكومة بأن (المادة 11) تنص على تطبيق المعاهدة على كل الأراضي التي تقع تحت سيطرة الأطراف المتعاقدة، ولم تبين الطريقة التي يمكن أن تطبق بها المعاهدة على السودان. بالإضافة إلى ملاحظات شكلية أخرى وعلى أثر تقديم تلك المقترحات قطعت المفاوضات سنة 1932 وذلك لاختلاف وجهات نظر الحكومتين نتيجة لذلك اعتمدت الولايات المتحدة على القنصلية الأمريكية في تسليم الهاربين من عدالة الولايات المتحدة بمصر.

ولم تفكر الولايات المتحدة في التفاوض من أجل المعاهدة إلا بعد توقيع اتفاقية مونترو 1937 والسبب في ذلك كما بينت وثائق الخارجية الأمريكية – أنه طبقاً لتصريح رئيس الوفد الأمريكي في مؤتمر مونترو في 8 مايو 1937 للنحاس باشا الذي ينص على أن (تعلن الولايات المتحدة انتظاراً للتصديق من جانبها على الاتفاقية الموقعة هذا اليوم (8 مايو 1937) فإنها ستوقف السلطان القضائي خارج نطاق تشريعها الوطني لموظفيها الدبلوماسيين وقناصلها في مصر على المواطنين والشركات الأمريكية على السواء. وطبقاً للتصريح المقتبس فإن مرسوم الكونجرس الصادر في 22 مارس 1934 الذي يمنح الموظفين القنصليين الأمركيين السلطة على تسليم المجرمين الهاربين من عدالة الولايات المتحدة سيتوقف فيما يتعلق بمصر اعتباراً من 15 اكتوبر 1937 ولذلك وجدت الولايات المتحدة أنه من أصبح من المرغوب فيه ابرام معاهدة تسليم المجرمين بين الدولتين في أقرب وقت وبالتالي أمرت الخارجية الأمريكية في كتابها رقم 243 بتاريخ 27 يوليه 1937 وزيرها المفوض بمصر مستر فيش المفوض بشان تلك المعاهدة على أساس مسودة المعاهدة المسلمة لسنة 1931 وأرسل فيش Fish الوزير الأمريكي بمصر نسخة من مسودة المسلمة من 1931 لوزير الخارجية المصري وعبر عن أمله بأن تبرم المعاهدة في أقرب وقت ويبدو أن الخارجية الأمريكية كانت قلقة بشأن ابرام المعاهدة وذلك بسبب تأخر الخارجية المصرية في الرد على مذكرة الحكومة الأمريكية المتضمنة مسودة المعاهدة فرتبت المفوضية الأمريكية ميعاد بين مستر الن Allen السكرتير الثالث للمفوضية وعبد الحميد بدوي باشا المستشار القانوني لرئيس الوزارء الذي أسند إليه دراسة مسودة المعاهدة ودرات المناقشات بين مستر الن وبدوي باشا حول الملاحظات التي أبدتها الحكومة المصرية أثناء مفاوضات 1931-1933 وقد بين مستر الن لعبد الحميد بدوي باشا انه ليس في وضع لمناقشة تفاصيل المعاهدة ولكنه يزوره بشكل رئيسي ليعرف منزلة المسائلة (المعاهدة) لديه وبالرغم من ذلك أجاب عن ملاحظات الحكومة المصرية في مفاوضات 31-1933 والتي تبناها بدوي باشا أيضاً في مفاوضات 1937 في حديثه مع الن وبالنسبة للملاحظة المتعلقة بتحديد الجرائم المعرضة للتسليم وتفصيل مصر تسليم المجرمين في حالة الجرائم التي تقتضي سنة سجن أو أكثر رد الن (أن أغلب معاهدات تسليم المجرمين الحديثة مع الولايات المتحدة لا يوجد بها قائمة بالجرائم لكنه اقتراح بأن فترة السجن ليست مقياساً لاختلاف العقوبات بين الدول المختلفة وبالنسبة لملاحظة الحكومة المصرية عن صياغة الجرائم السياسية في المعاهدة واستثنلاء الهجوم على رئيس الدولة أجاب مستر الن أن معاهدتنا مع بريطانيا وهي أيضاً دولة ملكية دستورية مثل مصر لم يتخذ استثناء بشأن الهجوم على رئيس الدولة وبالنسبة لملاحظة الحكومة المصرية عن تطبيق المعاهدة على السودان اقترح مستر الن بأن مصر يمكن أن توقع معاهدة تطبيق على كل الأراضي التي تحت السيطرة المصرية ويفهم طبيعياً أن تلك المعاهدة ستمتد لنفس امتداد السيادة المصرية وفي نهاية اللقاء طلب بدوي باشا من مستر الن نسخة أو اثنتين أو ثلاثة من معاهدات الولايات المتحدة الأخرى لتسليم المجرمين من ضمنها المعاهدة مع بريطانيا واستبشر مستر الن بهذا اللقاء خيراً، وأظهر من خلال تقريره عن اللقاء أن الرد المصري على المعاهدة مرتقب، ولكن الحكومة المصرية لم ترد على طلب الحكومة الأمريكية لعقد معاهدة تسليم المجرمين وفشلت المعاهدة ولم تبين الوثائق الأمريكية سببب فشل المعاهدة كذلك لم تشر الوثائق المصرية أو البريطانية بأي شيء من قريب أو بعيد عن تلك المعاهدة ويبدو أن سبب فشل ابرام المعاهدة هو اختلاف وجهات نظر الحكومتين.

د- اقتراح عقد معاهدة قنصلية

نصت المادة (11) من اتفاقية مونترو على أن (يخضع قناصل الدول لقضاء المحاكم المختلطة مع مراعاة القيود القيود المعترف بها في القانون الدولي ولا يجوز بشكل خاص محكامتهم بسبب أعمال وقعت منهم أثناء تأدية وظيفتهم، ولهم بشرط التبادل أن يقوموا بالأعمال الداحلة في الاختصاصات المعترف بها للقناصل في مواد شهادات الحالة المدين وعقود الزواج والعقود الرسمية الأخرى والتركات والنيابة عن مواطنيهم الغائبين أمام القضاء وأن يتمتعوا بالحصانة الشخصية.

وإلى أن تعقد اتفاقيات قنصلية في خلال ثلاث سنوات من التوقيع على هذا الاتفاق يظل القناصل متمتعين بالحصانة المعترف بها الآن فيما يتعلق بدور القنصلية والضرائب والرسوم الجمركية الخ... وبناء على تلك المادة وجدت الحكومة الأمريكية نفسها في حاجة لإبرام معاهدة قنصلية مع الحكومة المصرية فأمرت الخارجية الأمريكية ممثلها الدبلوماسي بالقاهرة في أكتوبر 1937 بالتفاوض مع الحكومة المصرية لعقد تلك المعاهدة وبناء على ذلك قابل مستر الن السكرتير الثالث للمفوضية الأمريكية بالقاهرة – عبد الحميد بدوي باشا حيث كانت الخارجية الأمريكية ترى في بدوي باشا عند لقائه معه إن كانت دولة أخرى فاتحت مصر بشان المعاهدات القنصلية فرد بدوي باشا أنه لا يعلم شيئاً عن تلك المعاهدات كما أن الحكومة المصرية غير مهتمة بالمفاوضة على أية معاهدات قنصلية جديدة.

وتناقش مستر الن مع بدوي باشا بشأن المادة (11) كمادة ملزمة لمصر لعقد اتفاقيات قنصلية كما فسرتها الولايات المتحدة فرد بدوي باشا بعنف على الن قائلاً (لا على الأقل أن المادة (11) غير ملزمة لنا دراسة أي طلب للمفاوضات على معاهدة قنصلية إذا لم نجد من مصلحتنا أن نفعل ذلك كما أن شرط الثلاث سنوات المذكورة في المادة (11) تطبق فقط على المسائل المالية وفي نهاية الثلاث سنوات ستتوقف كل الامتيازات المالية القنصلية بشكل نهائي وإذا وجدنا أن سيكون من مصلحتنا ابرام المعاهدات اتفاقيات قنصلية ثنائية سنهتم بذلك وإذا لم نجد ذلك فسوف لا نهتم في المفاوضة على المعاهدات القنصلية ثم أنهى بدوي باشا حديثه بقوله (إذا ما اقترحت أية دولة – على قاعدة المساواة التامة – على مصر ابرام معاهدة قنصلية دون إدعاء أن مصر ملزمة لفعل ذلك طبقاً لمعاهدة مونترو فإن مصر ستكون سعيدة جداً بأن نتعهد بالمفاوضات وجاء رد بدوي باشا من وجهة نظري – متناغماً إلى حد كبير مع ما نالته مصر من إلغاء الامتيازات ونظراً لهذا الرد القوي اللهجة تراجعت الحكومة الأمريكية لبعض الوقت في المفاوضة على المعاهدة حيث أرسل مستر موارى Murry رئيس قسم الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية رسالة بتاريخ 3 يناير 1938 لقائم بالأعمال الأمريكي بالقاهرة موريس Morris قال فيها (وبسبب الاتجاه الذي عبر عنه بدوي باشا واعتبار للمشاعر الطبيعية للسلطات المصرية بالنسبة لأي اقتراح ينتقص للتفاوض من حقوق سيادتهم فأننى أرى أنه ليس هناك مبرر لتقديم الاقتراح للحكومة المصرية للتفاوض على معاهدة قنصلية وعندما تأتي الفرصة بنفس الأسلوب الذي سنقترح به على حكومة أخرى سنقترح عقد معاهدة قنصلية مع مصر دون أية إشارة لاتفاقية مونترو وانتظرت الخارجية الأمريكية حتى 13 سبتمبر 1939 لتفاتح الحكومة المصرية من جديد في التفاوض بشأن المعاهدة المذكورة حيث أرسل وزير الخارجية الأمريكي للوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة بمسودة المعاهدة التي تضمنت مقدمة وأربعة عشر مادة وتضمنت المواد من الأولى للرابعة الاستثناءات والاعفاءات والامتيازات التي يمارسها الموظفين القنصلين بشكل متبادل في كلا الدولتين. ونصت المادة الخامسة أحقية الموظفين القنصلين أن يضعوا خارج باب قنصليتهم أسلحة دولتهم بنقش ملائم وكذلك رفع أعلام دولتهم على سيارتهم المستخدمة لممارسة وظائفهم القنصلية وكذلك رفع العلم على أية قارب Hو سفينة مستخدمة في ممارسة الوظيفة القنصلية وكذلك سوف يمنع من الفحص أو التفتيش السك الذي يمارس فيه الوظيفة القنصلية وكذلك الأرشيف الخاص بالقنصلية ونصت المادة السادسة على أحقية القنصلية للتدخل بالطرق الدبلوماسية لحماية مواطنيهم في التمتع بحقوقهم الممنوحة بالمعاهدة أو أي شيء آخر يمكن أن يقدم فيه شكوى لانتهاك تلك الحقوق. ونصت المادة السابعة حتى الثانية عشر عن مهام الموظف القنصلي تجاه رعايا الدولة التي يمثلها والمتعلقة على سبيل المثال بتسجيل عقود البيع والشراء والوصاية وغيرها من المسائل القنصلية الأخرى التي تمنحها المعاهدة لكلا الطرفين المتعاقدين. ونصت المادة الثالثة عشر على أن الأرض التي يمتد إليها تنفيذ هذه الاتفاقية سيكون مفهموماً منها أنها كلا الأراضي والمياه التي يمارس عليها المعنين سيادة أو مطلوبة كسيادة فيما عدا منطقة بنما. والمادة الرابعة عشر تتعلق باجراءات التصديق على المعاهدة كما نصت تلك المادة أن المعاهدة تستمر لمدة عشر سنوات وأنه إذا رغب طرف من الأطراف أن يمنهي المعاهدة أو يعدل أي مادة منها ينذر الطرف الآخر قبل ستة أشهر من انتهاء مدة المعاهدة.

وبناء على أمر الخارجية بتاريخ 13 سبتمبر 1939 سلم مستر فيش الوزير الأمريكي المفوض بمصر لعلي ماهر باشا مسودة المعاهدة وأمر مستر فيش أن يخبر على ماهر أن حكومته الأمريكية تمنح امتياز أحداث تغيرات في مقترحاتها أثناء المفاوضة إذا رغب علي ماهر في ذلك.

وبالرغم من أم المعاهدة وبنودها معقولة ولا تقلل من السيادة المصرية إلا أن الحكومة المصرية لم تنظر فيها ولم تتفاوض بشأنها مع الحكومة الأمريكية وفشلت مقترحات المعاهدة واعتقد أن فشل المعاهدة جاء نتيجة للأسباب الآتية: 1-المناخ الذي كانت تحياه مصر في تلك التفرة حيث نجحت مصر قبل ذلك بقليل في الغاء الامتيازات ولذلك لم تكن ترضى بعودة أي شكل من أشكال الامتيازات ولو في صورة امتيازات متبادلة عن طريق معاهدة قنصلية، وتأكد ذلك من خلال لقاء بدوي باشا مع مستر الن حيث اعتبر الأول أن المادة (11) في معاهدة مونترو غير ملزمة للحكومة المصرية لعقد معاهدة قنصلية بالإضافة إلى بقية حديثه شديد اللهجة والذي اعتقد أنه جاء متناغماً مع المناخ السابق ذكره.

2-رفض الولايات المتحدة عقد معاهدة تجارية مع الحكومة المصرية في نفس العام ورفض الولايات تخفيض التعريفة الجمركية على القطن المصري ولذلك فمن المحتمل أن تكون الحكومة المصرية لم تنظر في هذه المعاهدة بجدية نظر للرفض الأمريكي لابرام معاهدة تجارية مع الحكومة المصرية.

رابعاً: الولايات المتحدة والامتيازات الأجنبية

سأتناول في ذلك المبحث ثلاثة نقاط هي: 1-مطالبة الولايات المتحدة الحكومة المصرية تحقيق مبدأ المساواة في التمثيل في المحاكم المختلطة. 2-موقف الولايات المتحدة من مسألة التعديلات المقترحة لنظام المحاكم المختلطة. 3-الولايات المتحدة وفرض العقوبات الاقتصادية على ايطاليا.

1-مطالبة الولايات المتحدة الحكومة المصرية تحقيق مبدأ المساواة في التمثيل في المحاكم المختلطة

في عام 1869 عقد مؤتمر للدول المتمتعة بالامتيازات بما فيها الولايات ال متحدة في مدينة الاسكندرية بغرض دراسة الاصلاحات القضائية المقترحة لتكوين المحاكم المختلطة. وأرادت بعض الدول أن يكون للحكومات الأجنبية حق اختيار وتعيين القضاء فلما سمع نوبار هذا القول الغريب صاح في وجوه المندوبين بالفرنسية قائلاً :إن ذلك يعد تدخلاً من جانب الدول الأجنبية وأن القضاة تعينهم الحكومة المصرية حيث قال: (Pas d'immixtion des pussances etrangeres; Justice rendue au nome du oduvernment et par des juges nomes par le gouverment) وإزاء تشدد الحكومة المصرية في مسألة تعيين قضاة المحاكم المختلطة فقد نصت المادة الخامسة من لائحة تنظيم المحاكم المختلطة على أن الحكومة هي التي تقوم باختيار هؤلاء القضاة ثم تقوم بعد ذلك بابلاغ ممثل الدولة – التي يختار منها القاضي – في ال قاهرة الذي يراسل حكومته للحصول على موافقتها. ولم تقبل الحكومة الأمريكية دائماً ترشيح الحكومة المصرية للقضاة الأمريكيين وأصرت على أن تعيين القضاة الأمريكيين في المحاكم المختلطة يتم بمعرفتها وقد نجحت في تنفيذ رغبتها في الأعوام 1880-1889-1906-1908 إلا أنها فشلت عام 1911 واستمر هذا الصراع قائماً ونشبت الحرب العالمية الأولى ولم يكن هذا الصراع قد تمت تسويته ففي عام 1919 بحثت دار المندوب السامي عن خلفية للمستشار توك Tuck والذي قرب ميعاد احالته للمعاش ولم تحبذ ترقية أحد من القاضيين الأمريكيين في المحاكم الإبتدائية سواء هورن Horne أو كرابيتس Carbites انما رشحت براون Brown وعليه أرسلت الخارجية البريطانية إلى سفيرها بالولايات المتحدة موضحة لهفة اللنبي بشأن ابلاغ وزارة الخارجية عن رغبة الحكومة المصرية في اعطاء الوظيفة لمن اختارته (مستر براون) وأصرت الولايات المتحدة على أن يشغل القاضي كرابيتس الوظيفة واعتبرت أن من حقها اختيار الأشخاص الذين يمثلونها في المحاكم المختلطة والتي تعد بمثابة محاكم دولية وأبلغت السفارة الأمريكية في لندن بذلك وضغطت بطرق مختلفة أخرى بواسطة ممثليها في مصر ليتم التعيين وأثناء حديث طويل بين مستر هرست Hurst المستشار القضائي وممثل الولايات المتحدة في مصر شرح الأول عدم أحقية الولايات المتحدة في طلبها وبين أن المحاكم المختلطة ليست محاكم دولية كما جاء في مذكرة السفارة الأمريكية إلى الخارجية بل أنها محاكم مصرية وللحكومة المصرية حقها في اختيار قضائها وإدارتها وأن الأحكام تصدر باسم الحكومة المصرية وإزاء اصرار الحكومة المصرية والبريطانية في أن يشغل الوظيفة قاضي أمريكي له الكفاءات العالية والسمعة الحسنة أفادت الخراجية الأمريكية لندن أنها سحبت تأييدها للقاضي كرابيتس وعليه بدأت الاتصالات بين المستشار القضائي وبعض القضاة ف يواشنطن لتسهيل مهمة السفارة البريطانية لاتمام ترشح ستول Stowell في حالة تعنت مصر تجاه تعيين كرابيتس ولكن الحكومة البريطانية اعتبرته هو الآخر غير مناسب وأخيراً وبعد أخذ ورد استمر خمسة أشهر وافقت الحكومة البريطانية على أن يشغل الوظيفة برنتون Brinton بعد اتفاق الأطراف المعنية وصدر مرسوم بتعيين برنتون في 30 اكتوبر 1921 مستشاراً بمحكمة الاستئناف المختلطة.

ويتضح من تعيين برنتون مدى السيطرة البريطانية في مسألة تعيين القضاة الأجانب وهو جزء من السياسة التي اتبعتها بريطانيا بعد قيام الحرب العالمية الأولى للسيطرة على المحاكم المختلطة وذلك بزيادة عدد المستشارين البريطانين في المحاكم المختلطة وتقليل نسبة القاشاة الأجانب في تلك المحاكم وأثارت تلك السياسة القضاة الأمريكيون الذين رأوا اجحافاً في التمثيل في المحاكم المختلطة بحيث نرى برونيات Brunyate المستشار القضائي يرسل لحكومته بعضاً من خطابات قاضي أمريكي بمحكمة مصر المختلطة تفيض بالسب في المستشار القضائي وتبين كيف يعمل على اقصاء أي نفوذ لقاضي أمريكي أو أجنبي. ولقد لفت مورتون هاول نظر حكومته إلى انتهاك مبدأ المساواة في التمثيل في اختيار قضاة المحاكم المختلطة ومدى شلل الحكومة المصرية إزاء ذلك حيث ذكر أنه بالرغم من أن مصر دولة ذات سيادة فإن لها مستشار قضائي بريطاني وانتهزت الولايات المتحدة تعيين القاضي البريطاني بوث Booth القاضي بمحكمة مصر المختلطة وطالبت الولايات المتحدة بتحقيق مبدأ المساواة في التمثيل وخصوصاً وأن الولايات المتحدة أربع مستشارين بمحكمة الاستئناف وثلاثة قضاة بالمحاكم الابتدائية بينما عدد قضاة بريطانيا سبعة وفرنسا وايطاليا لكل منها خمسة بالمحاكم الابتدائية وجرت المساعي لتحقيق تلك الرغبة في 9 ابريل 1926 أرسل الوزير الأمريكي المفوض مستر هاول لوزير الخارجية المصرية زيور باشا خطاباً بين فيه خلو وظيفة بمحكمة مصر المختلطة كان يشغلها بريطاني مستر بوث وأن الاقتراحات تدور حول احلال بريطانية آخر محله وأن يكون المنصب بريطانيا. وطالب مستر هاول المنصب لدولته كما أتى بفقرات من خطاب ممثل بريطانيا في الآستانة السير اليوت Elliot Sir أثناء محادثات انشاء المحاكم المختلطة بخصوص تجنب اعطاء أية رجحان لجنسية على أخرى في اختيار القضاة في كلا من تأليف المحكمة أو في شغل الوظائف الخالية وبناء على نصيحة المستشار القضائي البريطاني رد زيور باشا في 16 مايو 1926 على مذكرة مستر هاول بالرفض وجاء في تفسير زيور للرفض أن على الولايات المتحدة أن تقبل الوضع القائم حيث أنه رضيت به في وقت تنفيذه عند انشاء المحاكم المختلطة، ووافقت على امتداد أجل المحاكم المختلطة سنة 1916 بدون أية اعتراضات، كما أن المبادئ المعلن عنها في خطاب السير هنرى اليوت لم تكن مقبولة مطلقاً من جانب الحكومة المصرية وأن هذا الخطاب لا يعتبر إلا رغبة للحكومة البريطانية والتي لم تصر في ذلك الوقت أن تجعلها اتفاقاً محدداً، كما بين زيور باشا أن المحاكم المختلطة محاكم مصرية وأن المحاكم المصرية وحدها حق اختيار قضائها طبقاً للمادة الخامسة من لائحة ترتيب المحاكم المحتلطة. ونظراً لرد زيور باشا الشديد اللهجة – والتي اعتبرته الخارجية الأمريكية احجافاً بحقوقها في مصر وخاصة مسألة اختيار قضاة المحاكم المختلطة – أمرت الخارجية الأمريكية – وزيرها المفوض بالقاهرة أن يقدم احتجاجاً شفوياً للحكومة المصرية بحيث يضمن هذا الاحتجاج بأنه ليس من قصد الوزير الأمريكي المفوض أو قصد حكومته أن يقترح بأن يكون المنصب الشاغر حالياً يجب أن يشغل بقاضي أمريكي ووجهة نظر الحكومة الأمريكية في أنها ترغب في الاتفاق مع الحكومة المصرية في الرأي بأن تمنح الدول الرئيسية أصحاب الامتيازات حد أدنى من التمثيل في المحاكم المختلطة والحد الأدنى هو قاضي واحد في محكمة الاستئناف وقاضيان في المحاكم الأقل درجة ابتدائية وأنهى وزير الخارجية الأمريكي رسالته باهتمام الخارجية الأمريكية في قراءة تقرير كامل عن نتائج الاحتجاجات غير الرسمية كما أن الخارجية الأمريكية لا ترغب في أن ترسل أي بلاغ مكتوب رسمي أو غير رسمي للحكومة المصرية في هذا الوقت. وكذلك تقديم احتجاج على الفقرة الختامية لمذكرة الحكومة المصرية بتايخ 16 مايو 1926 عن أحقية الحكومة المصري في اختيار قضاة المحاكم المختلطة لذلك فقد ناقش مستر هاول المسألة مع ثروت باشا وزير الخارجية في 28 مارس 1927 وقد هاول احتجاجاً على الفقرة الختامية لمذكرة الحكومة المصرية بتاريخ 17 مايو ووعد ثروت باشا مستر هاول بمناقشة المسألة مع وزير الحقانية ولكن مناقشة ثروت باشا مع هاول لم تخرج عن رد الحكومة المصرية في مذكراتها بتاريخ 16 مايو 1926 ولم تحصل الحكومة الأمريكية على رد في تلك المسألة.

وانتهزت الحكومة الأمريكية مسألة التغييرات المقترحة في نظام المحاكم المختلطة المقدمة من الحكومة المصرية في مذكراتها الدورية بتاريخ 25 ديسمبر 1927، 28 اكتوبر 1928 والتي من بنود تلك التغييرات انشاء دائرة في محكمة الاستئناف المختلطة وذلك لازدياد العمل القضائي بشكل غير ملائم لعدد القضاة فأوقفت الولايات المتحدة موافقتها على تلك التغييرات بتعيين قاضي أمريكي في الدائرة الجديدة المقترحة وذلك لتحقيق مبدأ المساواة في التمثيل بين الدول الرئيسية صاحبة الامتيازات في مصر وبريطانيا وفرنسا وايطاليا والولايات المتحدة حث كانت أوامر وزير الخارجية الأمريكي للوزير الأمريكي المفوض بمصر كالآتي (أن أقصى ما يمكن من وجهة نظري أن تقترح أننا يجب أن نوقف موافقتنا على اصلاح المحاكم المختلطة المتوقع على تعيين قاضي أمريكي إضافي ولكن اعتقد أن وضعنا التقليدي ومقامنا العام يدفعنا للإشارة إلى انتهاك مبدأ المساواة في التمثيل ومن المرغوب فيه اقتراح تكوين وضع والذي يمكن فيه على الأقل أن يكون أكثر قرباً في المساواة بين الدول الرئيسية صاحبة الامتيازات وبالفعل أرسل الوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة رسالة – في 18 ابريل 1929 – لرئيس الوزارء المصري محمد محمود باشا حدد فيها المطالب الأمريكية حيث ذكر (لقد تسلمت الآن من حكومتي ارشادات تأمرني فيها بتقديم احتجاجات إضافية في هذا الموضوع وبشكل خاص أرغب في أن أبين بوضوح أن الفشل في قبول مبدأ محكمة الاستئناف المختلطة والمحاكم الابتدائية سيؤدي حتماً إلى انطباع غير ملائم لحكومتي وأن الحكومة الأمريكية لا تعلق موافقتها النهائية أو رفض مقترحات ما اعتقده الوزير الأمريكي من وجهة نظري أن موافقة حكومتي النهائية ستتوقف على تعيين قضاة أمريكيين إضافيين في المحاكم المختلطة، ويتضح من المذكرة الأمريكية مدى الرغبة الأمريكية في أن تتنافس مع الدول الأوروبية الكبرى ذات النفوذ القوي في مصر مثل بريطانيا وفرنسا وايطاليا من خلال محاولة الولايات المتحدة أن تتساوى مع تلك الدول في التمثيل في المحاكم المحتلطة وهو ما يمكن أن نطاق عليه الصراع التحتي بين الولايات المتحدة وبريطانيا في مصر لتنال الولايات المتحدة جزء من النفوذ الذي تناله بريطانيا أو حتى تتساوى معها في هذا النفوذ من خلال مطالبة الولايات المتحدة بالمساواة في التمثيل في المحاكم المختلطة. ويتضح كذلك من المذكرة الأمريكية مدى المساواة الأمريكية للحكومة المصرية في تعيين قاضي لها في المحاكم المختلطة وجاء رد محمد محمود باشا على الوزير الأمريكي المفوض بأنه سستعطى كل الاعتبارات للرغبات الأمريكية في التمثيل الإضافي إذ عندما تشكل تلك الدائرة المقترح انشاؤها كما أكده محمد محمود للوزير الأمريكي رغبته في أن يرضي المطالب الأمريكية وطبقاً للاحتجاجات الأمريكية أبلغ المستشار القضائي البريطاني الوزير الأمريكي المفوض بان أحد القاضة الحاليين في المحكمة الابتدائية المختلطة سيتقاعد في الخريف ووعد الوزير الأمريكي أن يساعده في تعيين قاضي أمريكي لملء المكان الشاغر كما أبلغ وزير الخارجية المصري في 12 يونيه 1929 الوزير الأمريكي المفوض أنه رداً على احتجاجاته الشخصية المقدمة للوزير المصري فإنه نجح في الموافقة على تعيين قاضي أمريكي آخر ليملأ المكان الشاغر، وأرسلت الخارجية الأمريكية أسماء ثلاثة مرشحين لتختار منهم الحكومة المصرية واحداً وهو اداورد ج. هيل Edward G. Hill وجورج. و. كرتزينجر Goerge. W. Kretzinger وجوليان رايت Julian Wright ولقد اختارت الحكومة المصرية جوليان رايت وأعلن ذلك في الجريدة الرسمية في 2 يناير 1930.

وبعد مرور عام على تعيين مستر رايت طالبت الولايات المتحدة الحكومة المصرية بتطبيق مبدأ المساواة ف يالتمثيل حيث أرسلت مذكرة للحكومة المصرية في 3 مارس 1931 ذكرت فيها خطاب السير اليوت بشأن عدم ترجيح جنسية على أخرى في التمثيل في المحاكم المختلطة وفي رد يحيى باشا وزير الخارجية المصري على المذكرة الأمريكية ذكر أن طلب السير اليوت فقط كحدث عرضي في المفاوضات الطويلة التي نتج عنها تأسيس المحاكم المختلطة وعلاةو على أنه في المعاهدة التي جرت بين بريطانيا العظمى ومصر في 31 يوليه 1875 ل تأسيس المحاكم المختلطة فإن هذا الخطاب المذكور آنفاً لم يدخل في جزء من هذه المعاهدة ولم يذكر فيها.

وإزاء هذا الموقف المتشدد من الحكومة المصرية طلبت الخارجية الأمريكية المساعدة من بريطانيا ولكنها كانت تخشى ألا تعطى تلك المساعدة لو شعرت السلكات البربطانية أن نية الحكومة الأمريكية ألأا تستثني ترجيح التمثيل للقضاة البريطانيين لذلك تآمر الخارجية الأمريكية ممثلها بالقاهرة أن يوضح للمندوب السامي أن الحكومة الأمريكية ليس لديها هذه النية ولكنها معنية بأن يكون التمثيل الأمريكي في المحاكم المختلطة أن يكون مساوياً للدول الرئيسية من أصحاب الامتيازات ما عدا بريطانيا وطبقاً لأوامر الخارجية الأمريكية بعدم اتخاذ أية خطوة دون استشارة السلطات البريطانية ومساعدتها كاعتراف أمريكي بالوضع البريطانية الخاص في مصر، تقابل الوزير الأمريكي المفوض ويليام جاردين مع المندوب السامي السيد پرسى لورين Sir Precy Loraine في 21 نوفمبر 1931 وعبر المندوب السامي عن أمله في مساعدة أمريكا ولكنه عبر للوزير الأمريكي عن أن الحكومة المصرية لا تقبل بعدم الاعتراف بمبدأ المساواة في التمثيل كما أن هناك حجج كثيرة تحبذ الموقف المصري بعدم الاعتراف بمبدأ المساواة في التمثيل كما أنه من غير الملائم الإصرار على تنفيذ هذا المبدأ جيث أنه لو قبل هذا المبدأ فيجب الإذعان بالنتيجة المحتملة بأن الدول الكبرى الأخرى غير الممثلة الآن في المحاكم المختلطة ستقدم ادعاءات من الصعب رفضها كما أن فرنسا وايطاليا ستطالب بخمسة مناصب قضائية كحق لها من الآن فصاعداً ولذلك اتصلت الخارجية الأمريكية بسفيرها في لندن ليحصل على تأييد وزارة الخارجية البريطانية في هذه المسألة – حيث أوضح المندوب السامي البريطاني للوزير الأمريكي بالقاهرة في لقائه معه أن آراءه تعتبر آراء شخصية – وطالب السفير الأمريكي في لندن بتعيين عدد كاف من القضاة الأمريكيين لتأكيد تمثيل الولايات المتحدة برد من بريطانيا ولكن في فبراير 1932 وعد المندوب السامي الوزير الأمريكي المفوض بأن الحكومة البريطانية ستساعد على تعيين قاضي أمريكي في المحاكم المختلطة ولذلك طلبت الخارجية الأمريكية ن وزيرها المفوض بالقاهرة أن يتصل بالخارجية المصرية والمندوب السامي البريطاني بأن هذا الوعد ونصحت الخارجية الأمريكية وزيرها المفوض بأنه وجد معارضة من الخارجية المصرية فعليه أن يترك مذكرة رسمية للحكومة المصرية للرد على مذكرة وزير الخارجية المصري بتاريخ يونيه 1931 وأن يترك نسخة منها للمندوب السامي ولم تحصل الحكومة الأمريكية على شيء من بريطانيا حيث وقفت بريطانيا أمام تطلعات الولايات المتحدة في المحاكم المختلطة.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال ما الذي دعى بريطانيا إلى الوقوف أمام تطلعات الولايات المتحدة المتحدة في المحاكم المختلطة بالرغم من تأكيد الولايات المتحدة لبريطانيا أنها تستثني بريطانيا من مسألة المساواة في التمثيل التي تطالب بها الولايات المتحدة هل هو سعي بريطانيا للسيطرة على المحاكم المختلطة أم خشية بريطانيا من ادعاءات الدول غير الممثلة في المحاكم المختلطة بالمطالبة في التمثيل والخشية نم الادعاءات الفرنسية والإيطالية بالمطالبة بخمسة مناصب قضائية، اعتقد انه لا السعى البريطاني للسيطرة على المحاكم المختلطة ولا خشية بريطانيا من ادعاءات الدول الأخرى هو السبب في وقوف بريطانيا أمام تطلعات الولايات المتحدة واعتقد – من وجهة نظري - أن السبب الحقيقي هو خشية بريطانيا من المنافسة الأمريكية لها حيث أن الولايات المتحدة لم تكن تطالب فقط بالمساواة في التمثيل في المحاكم المختلطة فقط بل كانت تطالب بالتمثيل في هيئة الحجر الصحي بالاسكندرية ونافست بريطانيا في شحن بريطانية، وهو ما سيأتي ذكره فيما بعد، وشعرت بريطانيا بهذه المنافسة واحست الحكومة الأمريكية بذلك ولذلك نجد الحكومة الأمريكية تؤكد للحكومة البريطانية أن الحكومة الأمريكية تستثني بريطانيا العظمى من مسألة المساواة في التمثيل في المحاكم المختلطة وحتى تجعل الصراع بينها وبين بريطانيا صراعاً تحتياً لا يظهر على السطح وكاعتراف للنفوذ البريطاني في مصر ومحاولته التقرب من سعد ورفاقه في الوقت الذي كان في فيه الصراع بين بيت الأمة وقصر الدوبارة قوياً وعنيفاً وصرخة اللورد لويد لحكومته بابعاد هاول عن القاهرة ونشوته عند خروج هاول من القاهرة وتعليقه على خروج هاول من القاهرة وابعاده من منصبه الدبلوماسي بان كل شخص هنا قد تنفس الصعداء بخروج الدكتورهاول كل هذا لم يكن غائباً عن السياسة البريطانية حيث أن ملف الدكتور الدكتور هاول ظل ساخناً وملتهباً بالرغم من اغلاقه ولذلك فقد شعرت بريطانيا بالمنافسة الأمريكية وأن كانت هذه المنافسة منافسة تحتية لا تظهر على السطح إلا قليلاً، وشعرت الحكومة الأمريكية كذلك بخطورة الشعور البريطاني حيث أن ذلك يمكن أن يعطل مصالحها التي تعتمد على بريطانيا في تنفيذها كالتبشير ولذلك حاولت الولايات المتحدة أن تخفف من حدة هذه المنافسة وأن تطمئن بريطانيا في ذات الوقت حيث أكدت للحكومة البريطانية ان الحكومة الأمريكية تستثني بريطانيا من مسألة مطالبتها بالمساواة في التمثيل في المحاكم المختلطة كاعتراف للمركز البريطاني المتميز في مصر ولذلك كله فقد وقفت الحكومة البريطانية أمام تطلعات الحكومة الأمريكية في المحاكم المختلطة حتى تكبت أو على الأقل تخمد هذا التنافس.

ولم ينشب صراع آخر بين الولايات المتحدة والحكومة المصرية بشأن التمثيل في المحاكم المختلطة إلا في يونيه 1936 عندما قدم القاضي الأمريكي كرابيتس استقالته حيث بدأت الخارجية الأمريكية تبحث عن خلف له واقترح القاضي الأمريكي مستر رايت Wright تعيين مستر لوڤرنگ هيل Lovering Hill ، وكان وزير الحقانية المصري يؤيد تعيين مستر هيل ولكنه كان يعارض بشكل قوي أن يطلب من الولايات المتحدة قائمة باسماء المرشحسن للمنصب الشاغر ومن هنا بدأت المشكلة بين مصر والولايات المتحدة وتصر الولايات المتحدة على ذلك واقترح مستر بوث المستشار القضائي كحل توفيقي للخروج من تلك الأزمة – وهي رفض الحكومة المصرية طلب المرشحين بشكل غير رسمي تضم فيها مستر هيل بدلاً من تقديم طلب رسمي وازاء معارضة وزير الحقانية المصري للرغبة الأمريكية في تقديم قائمة بأسماء المرشحين لشغل المنصب الشاغر، ورفض توسط مستر بوث بتقديم طلب غير رسمي للمرشحين يضم اسم مستر هيل. هددت الولايات المتحدة مصر بأنه في المفاوضات المتعلقة بالغاء الامتيازات سيكون موقفها غير مساعد حيث أبلغ وزير الخارجية الأمريكي القائم بالأعمال الأمريكي بمصر أنه في أية مناقشات أخرى بالموضوع فعليه أن يعد بأنه (في المفاوضات المقترحة المتعلقة بالغاء نظام الامتيازات "مؤتمر منترو" فإن اتجاه الحكومة الأمريكية لا يمكن أن يكون مساعداً ولكن يمكن أن يكون متأثراً بشكل ايجابي بأية مظهر ودي يمكن أن تطهره الحكومة المصرية بصدد هذا التعيين الذي نحن بصدده.

ويبدو أن حرص الحكومة المصرية على انجاح مؤتمر مونترو جعلها تستجيب للتهديد والمساوامة الأمريكية وجعلها توافق على المطلب الأمريكي وهونفس الشئ الذي جعل الحكومة البريطانية تؤيد المطلب الأمريكي حيث ان بريطانيا كانت ترغب في انجاح مؤتمر مونترووالغاء الامتيازات كما تعهدت بذلك للحكومة المصرية في معاهدة 1936 وبالفعل طلب وزير الحقانية من القائم بالأعمال الأمريكي مستر تشيلدس Childs (تقرير الحكومة ال مصرية استلام اسماء المرشحين للعمل في وظيفة قاضي في المحاكم المختلطة في المكان ال شاغر باستقالة كرابيتس وفي النهاية زافقت الحكومة المصرية على تعيين مستر كوترزفيل Conersville ليحل محل كرابيتس في 23 مارس 1937.

ويتضح مما تقدم أن الاهتمام الأمريكي بالمطالبة بالمساواة في التمثيل كان يهدف إلى تعيين قاضي أمريكي أو أكثر إذا استطاعت البدلوماسية أن تحقق ذلك ولم تنجح أمريكا إلا ثلاث مرات خلال فترة البحث – من خلال المطابلة بمبدأ المساواة في التمثيل – في تعيين ثلاث قضاة هم برنتون، وجوليان رايت، وكونرزفيل ويلاحظ كذلك ان الولايات المتحدة استغلت الظروف المصرية لتضغط على الحكومة المصرية – في شكل مساومة أو تهديد – في تحقيق مطالبها سواء استغ لال مسألة التعديل المقترح ببمحاكم المختلطة في سنة 1927 – 1928 في تعيين جوليان ريات أو استغلال الاعداد لمؤتمر مونترو لتعيين مستر كونرزفيل ونجحت الولايات المتحدة في المساومة والتهديد إلى حد كبير.

2-موقف الولايات المتحدة من مسألة التعديلات المقترحة لنظام المحاكم المختلطة

قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 10 مارس 1927 برئاسة الملك فؤاد الموافقة على ما يأتي: 1-الترخيص لوزير الحقاينة بوضع مشروع نصوص تشريعية يكون أساساً لاقتراح تقدمه الحكومة إلى الدول يقضي بتوسيع سلطة المحاكم المختلطة في المواد الجنائية بحيث تشمل الجنح المنصوص عليها في قانون الاتجار بالمخدرات والجرائم الآتية: 1-الترخيص لوزير الحقانية بوضع مشروع نصوص تشريعية يكون أساساً لاقتراح تقدمه الحكومة إلى الدول يقضي بتوسيع سلطة المحاكم المختلطة في المواد الجنائية بحيث تشمل الجنح المنصوص عليها في قانون الاتجار بالمخدرات والجرائم الآتية: أ-غش المأكولات والأدوية والأسبخة الكيماوية والطبيعية. ب-بيع مثل هذه المستحضرات أو عرضها للبيع إذا علم بغشها. ج-غش المشتري في كمية البضاعة أو نوعها بطريق الغش في الموازيين أو المكاييل أو البيانات التجارية. د-بيع بضائع تقرر أنه مغشوشة تجارياً أو عرضها للبيع أو استيرادها للقطر المصري. 2-الموافقة على مذكرة من وزارة الحقانية شاملة الاقتراحات الآتية: أ-تعديل المادة 12 من ال قانون المدني الممختلط. ب-الغاء نظام القضاة المحلفين بمحكمة الجنح. ج-جعل عدد المستشارين الجلسات في الاستئناف ثلاثة بدلاً من خمسة مستشارين وذلك في القاضيا التي يكون قد نظرها قاضي واحد في الابتدائي. د-تعديل النصوص الخاصة بتعيين رؤساء محكمة الاستئناف والمحاكم الابتدائية بحيث يشمل التعديل الآتي: 1-بأن تلغى وظائف الرؤساء الفخريين. ب-بأن تعين الحكومة الرئيس الفعلي والوكيل بناء على طلب محكمة الاستئناف مع الاستمرار على طريقة الانتخاب الحالية ويكون تعيينها لمدة ثلاث سنوات. ج-بأن يكون أحدهما أجنبياً والآخر مصرياً بحيث أنه إذا كان ال رئيس أجنبياً يجب أن يكون الوكيل مصرياً والعكس بالعكس. ه-الغاء النص الذي يمنع قضاة المحاكم المختلطة من احراز نياشين من المحاكم المصرية.

وفي 25 ديسمبر 1927 أرسلت الحكومة المصرية للدول ذوات الامتيازات مذكرة دورية تتضمن ستى نقاط لاصلاح نظام المحاكم المختلطة وهي بالترتيب كما جاءت في المذكرة الدورية: 1-تعديل نص المادة 12 من القانون المدني المختلط. 2-توسيع اختصاص المحاكم المختلطة في مواد الجنح بحيث تشمل طوائف أخرى من الجرائم. 3-الغاء نظام القضاة المحلفين بالمحاكم المختلطة. 4-انشاء دائرة بمحكمة الاستئناف المختلطة مكونة من ثلاثة مستشارين للنظر في الاستنافات التي ترفع قضايا المواد المستعجلة. 5-تعديل النصوص الخاصة بتعيين القضاة الذين يختارون لوظائف رؤساء لمحكمة الاستنئاف والمحاكم الابتدائية. 6-الغاء النص الذي من مقتاضه استشناء قضاة المحاكم من أن يكونوا موضوع الانعام عليهم برتب أو نياشين من قبل الحكومة المصرية وطلبت موافقة الدولة صاحبة الامتيازات قبل 31 يناير 1928 حيث سيعقد مؤتمراً دولياً بالقاهرة في فبراير من نفس العام لفحص وجهات نظر الدول المختلفة.

ولقد اتسم موقف الحكومة الأمريكية بالميوعة السياسية الشديدة فهي لم ترفض ولم توافق على مذكرة الحكومة المصرية وكذلك المؤتمر الدولي المزمع عقده حيث جاءت أوامر الخارجية الأمريكية لمستر ونشب Winship القائم بالأعمال الأمريكي بالقاهرة بأن يخبر الحكومة المصرية أن الحكومة الأمريكية ستنظر بعين العطف لهذه الاقتراحات وتعتبرها تصرفاً مفيداً وستظهر نية الحكومة فيما بعد في مسألة عقد مؤتمراً دولياً لمناقشة المسألة وأن الحكومة الأمريكية ستكون سعيدة بارسال مندوبيها إليه وأن التاريخ المحدد للمؤتمر وهو فبراير القادم يبدو أنه تاريخ مبكر جداً لا يسمح للحكمة الأمريكية بدارسة المسألة دراسة ملائمة وارشاد مندوبيها.

وفي لقاء محمود أبو الفتح مع مستر ونشب ليستفسر منه عن مواقف الحكومة الأمريكية ازاء المذكرة المصرية قال ونشب: "أنه لا يستطيع أن يصرح بشئ قبل أن يتلقى رد حكومته ولكنه أكد وينشب أن الحكومة الأمريكية ستهتم بمذكرة الحكومة ال مصرية الاهتمام الواجب وذكر أنه أرسل المذكرة المصرية إلى واشنطن مشفوعة ببعض الملاحظات وأنه يتوقع ان تصل إليها في أواخر هذا الشهر (أي يناير) ولهذا فإنه لا يتوقع وصول رد الحكومة الأمريكية في الموعد الذي حددته الحكومة المصرية (أواخر يناير) لأنه لابد للمستشاريين القضائيين لوزارة الخارجية الأمريكية من بحث المذكرة المصرية ودراستها ثم عرض الأمر على الوزير المختص وزير الخارجية ويقتضي هذا وقتاً طويلاً.

وكان سقوط وزارة ثروت باشا – مقدم المذكرة الدورية المصرية – وتعطيل الدستور وتأجيل البرلمان له أثره بطبيعة الحال على السلك الدبلوماسي الأجنبي حيث لم تقدم أياً من الدول صاحبة الامتيازات رداً على مذكرة الحكومة المصرية وانتهت المذكرة المصرية إلى طريق مسدود.

واعادات وزارة محمود أبو الفتح المسألة مرة أخرى حيث أرسل حافظ عفيفي باشا وزير الخارجية المصرية – مذكرة دورية لمفوضيات الدول الأجنبية بمصر في 28 اكتوبر 1928 وجاء في المذكرة التي أرسلها حافظ عفيفي للوزير الأمريكي المفوض أنه في خطاب ثروت باشا بتاريخ 25 ديسمبر 1927 للقائم بالأعمال الأمريكي ذكرت العقبات التي تمثلها الامتيازات الأجنبية أمام الحكومة المصرية في مسائل التشريع والضرائب ورغبة الحكومة المصرية في ابدال هذا النظام يتفق مع الاجراءات الضرورية لحماية مصالح الأجانب ويجب أن يكون متفقاً مع الأفكار الحديثة وأكثر تناغماً مع سيادة الدولة ومصالحها وتطورها وتقدمها وفي نفس الوقت كانت الحكومة البريطانية تأمل في أن تصل لإنهاء عاجل لتلك الاصلاحات المبينة في الخطاب السالف الذكر والذي يعالج مسألة تعديل المادة 12 من القانون المدني المختلط والترتيبات الأخرى المتعلقة بترتيب المحاكم المختلط وبالتالي اعادت الحكومة المصرية عرض المسألة من جديد ولكن الموافقة الجماعية على النقاط الستة – التي تتضمنها مذكرة الحكومة المصرية للدول ذوات الامتيازات – من جانب الدول الأجنبية صاحبة الامتيازات على عقد مؤتمر دولي لمناقشة النقاط التي تناولتها مذكرة الحكومة المصرية.

وقد اهتمت الخارجية الأمريكية ووزيرها المفوض بالقاهرة بمعرفة ردود الدول الأجنبية على مذكرة الحكومة المصرية بتاريخ ديسمبر 1927 واكتوبر 1928 وقد جاءت تلك الردود متشابهة كما ذكر الوزير المفوض الأمريكي وإن اختلفت في صياغتها فقد طلبت الدول صاحبة الامتيازات بيانات دقيقة عن التغييرات التي تنوي الحكومة المصرية ادخالها على النظام القضائي والقانون الجنائي المختلط وبالرغم من تمسك اللورد لويد بالتحفظات الواردة في تصريح 28 فبراير 1922 – خاصة التحفظ الخاص بحماية المصالح الأجنبية – إلا أن كان يؤيد عقد مؤتمر يتناول المسائل الواردة في المذكرة المصرية واقترح وزير الخارجية الأمريكية على الوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة أن يكون الرد الأمريكي على المذكرة المصرية كالآتي: 1-أن الاقتراح الأول مقبول مبدئياً – القاضي بتعديل نص المادة 12 من القانون المدني المختلط - ولكن يحفظ حق الولايات المتحدة في أن تذكر معارضتها على تشريع من خلال مدى السلطة التي تمنح أو قد تمنح. 2-الموافقة مبدئياً على الاقتراح الثاني – القاضي بتوسيع اختصاص المحاكم المختلطة في مواد الجنح بحيث تشمل طوائف أخرى من الجرائم – ولكن يجب أن يشمل هذا الاقتراح اصلاح القانون الجنائي والاجراءات الجنائية وتوسيع السجون وتوسيع اختصاص الشرطة القضائية. 3-الاقتراح الثالث مقبول. 4-توافق الحكومة الأمريكية على الرغبة في انشاء دائرة اضافية في محكمة الاستئناف ولكن الاقتراح الذي عرضته الحكومة المصرية يمكن أن يكون أفضل لو كمل بتكوين دائرة من خمسة قضاة – الاقتراح المصري كان يقضي بتكوين دائرة اضافية من ثلاثة قضاة – ومن الملائم في هذا الصدد لفت نظر الحكومة المصرية فيما يتعلق باحياء العودة لمبدأ المساواة في التمثيل بين الدول صاحبة الامتيازات الممثلة في المحاكم المختلطة وبشكل محدد الدائرة الجديدة المقترحة. 5-أن الحكومة الأمريكية ليس لديها ملاحظات في النظام الحالي لانتخاب القضاة لمنصب الرئيس ونائب الرئيس للمحاكم المختلطة ولكنها غير قادرة على الاتفاق على الاقتراح القاضي بان الانتخاب لأحد هذه الوظائف لقاضي من جنسية بعينها يكون الزامياً حيث أنها الحكومة الأمريكية تشعر أن المقدرة القضائية البارظة يجب أن تكون الفيصل الوحيد الذي تتم على أساسها الانتخاب لتلك الوظائف. 6-بالنسبة للاقتراح السادس - المتعلق بالموافقة على أن تمنح الحكومة المصرية الأوسمة لقضاة المحاكم المختلطة - فإن الحكومة الأمريكية ترغب في التحفظ على قرارها حتى يتثنى لها الفرصة الملائمة لدراسة الشروط المقترحة لذلك ويلاحظ أن المسودة التي أعدتها الخارجية الأمريكية للرد على المذكرة المصرية وقعت في تناقض غريب ففي الوقت الذي تطالب بتطبيق مبدأ المساواة في التمثيل بين الدول صاحبة الامتياز في الدائرة الاضافية المقترح تكوينها تطالب بان تكون المقدرة القضائية هي الفيصل الوحيد للانتخاب لمنصب الرئيس للمحاكم المختلطة وذلك يتناقض مع مبدأ المساواة في التمثيل التي تطالب به أمريكا ولم تمانع الحكومة الأمريكية في عقد مؤتمر دولي لمناقشة الامتيازات الأجنبية ولكن الحكومة الأمريكية لم تقدم الرد الذي أعدت مسودته الخارجية الأمريكية وساومت الحكومة المصرية على تعيين قاضي أمريكي بالمحاكم المختلطة في مقابل الموافقة على المقترحات المصرية المتعلقة بتعديل نظام المحاكم المختلطة وبالرغم من نجاحها في المساومة بتعيين جوليان رايت Julian wright لم تقدم رداً على مذكرة الحكومة المصرية وأجلت الحكومة المصرةي مسألة التعديلات التي اقترحها لتعديل نظام المحلكم المختلطة وأعرضت عن طلب ردود الدول الأجنبية صاحبة الامتيازات بين محمد محمود وهندرسون لمعالجة النحاس باشا وهندرسون لمالجة المسائل المصرية المعلقة أيضاً ولكن لماذا أهملت الحكومة الأمريكية الرد على المذكرة المصرية، الواقع أن السبب من ذلك يرجع إلى عدم وجود سياسة محددة للولايات المتحدة بالنسبة للمحاكم المختلطة، ويؤكد ذلك حرص الولايات المتحدة على التعرف على وجهات نظر المفاوضات الأجنبية الأخرى بمصر بالنسبة للرد على المذكرة الآنفة الذكر خاصة ايطاليا وفرنسا والتي جاءت المسودة الأمريكية للرد على المذكرة المصرية التي لم تقدمها للحكومة المصرية بنفس معنى مذكرة هاتين الدولتين وتمثل اهتمام الولايات بالنسبة للمحاكم المختلطة في تعيين قاضي امريكي أو أكثر لتحقيق مبادئ المساواة في التمثيل بين الدول الكبرى صاحبة الامتيازات، كما أن مصر بالنسبة للزلايات المتحدة كانت مسألة ثانوية ويؤكد ذلك ويليام جاردين الوزير الأمريكي المفوض بمصر حيث ذكر لحكومته،:"كما أرى هنا ليس هناك اعمال كثيرة يمكنأ، تكون ذات أهمية ضخمة لحكومتي ويبدو لي أنها مصر مسألة ثانوية بشكل تام".

وفي عام 1934 فتحت الحكومة المصرية مرة ثانية مسألة تعديل نظام المحاكم المختلطة حيثأ{سل رئيس الوزراء يحيى باشا في 12 اكتوبر 1934 خطاب دورياً للدول صاحبة الامتيازات في مصر وذلك نتيجة للحملة الصحفية التي تعرضت لها وزارته والتي تركزت على المساوئ التي تجلبها الامتيازات الأجنبية على مصر، ولفت - يحيى باشا - في مذكرته نظر الدول الأجنبية صاحبة الامتيازات بضرورة الموافقة على المذكرة المصرية قبل نهاية شهر اكتوبر 1934 على تعديلات في لائحة ترتيب المحاكم المختلطة - واستخدام اللغة العربية في المحاكم المختلطة.

وقد جاءت مطالب الحكومة المصرية نتيجة للحوادث التي حدثت في فبراير 1934 حيث انسحب القاضي فالكي كاو من الدائرة المدنية لمحكمة مصر المختلطة اتي ستنظر امامها قضية الموظفين الأجانب السابقين والذين كانوا يطالبون بصرف معاشاتهم بالذهب على غثر انسحابه عين القاضي بنيتا رئيساً للدائرة وشكلها من القاضي زكي غالي وهو الأقدم ويليه القاضي برستوت وبذلك جرحت الكرامةالمصرية بعدأن استبعد القاضي المصري من الرئاسة وفي 17 مارس 1934 كتب زكي غالي إلى رئيس المحكمة يطالب بحقة في رئاسة الدائرة مبيناً أنه لن يمثل في اجلسة ما لم يكن رئيساً وأيده باقي القضاة المصريين في خطاب إلى رئيس المحكمة اشتمل على صلاحية القاضاة المصريين للانتخاب لرئاسة الدائرة وهدد القضاة بعدم حضورهم الجلسات إن لم يتحقق هذا الطلب وحول الخطابان إلى مستر فوكس Vaux في الوقت الذي وصلته خطابات مماثلة من رئيس محكمة الاسكندرية والمنصورة يبينان فيها اتباع القضاة المصريين لنفس المنهج وبذلك كان التاييد للموقف بالإجماع وشذ عن هذه القاعدة انطوان كلداني هو سوري الصل ومتزوج من انجليزية.

ودرست الجمعية العامة لمحكمة الاستئناف المختلطة المسألة وقررت أنه في ضوء صياغة دستور المحاكم المختلطة وفي ضوء الممارسة المستمرة لمدة تقرب من 50 عاماً فإن القضاة المصريين لم يكونوا مخولين لرئاسة أي من تلك الجلسات وأضافت الجمعية العامة أن المستوى التعليمي والفكري للقضاة المصريين منخفض، حتىأنه ليس هناك قاضي مصري واحد في تلك المحاكم مؤهل كالأجانب في شغل وظيفة رئاسة الأجانب في شغل وظيفة رئاسة الجلسات وهدد القضاة المصريين بالإضراب لإظهار امتناعهم علىهذا القرار، وفي نفس الوقت كتب المستشار عبد السلام ذهني بك - المستشار بمحكمة الاستئناف المختلطة - أحكاماً باللغة العربية في القضايا التي عهدت إليه المحكمة بدراستها فكانت مفاجأة للمسيو هوربية (Houriet) رئيس الدائرة الثالثة للمحكمة والتي يعمل ذهني بك تحت رئاسة ورفض التوقيع على الأحكام التي كتبها ذهني بك والنطق بها فانبرى ذهني بك للدفاع عن وجهة نظره قائلاً أن اللغة العربية من اللغات الرسمية المقررة أمام المحاكم المختلطة، فطلب هوربيه من ذهني بك استعادة القضايا والأحكام العربية وكتابتها بالفرنسية، فأبى ذهني بك أن يستردها أو يكتب أحكامها باللغة الفرنسية فكانت النتيجة أن مسيو هوربيه لم يعط ذهني بك أية قضايا لدراستها ثانية، فانبرت الصحف المصرية في ادفاع عن استخدامها اللغة العربية في المحاكم المختلطة على أساس انها من اللغات المقررة رسمياً أمام المحاكم المختلطة وهي الفرنسية والإنجليزية وافيطالية والعربية، وكذلك دافعت الصحف عن حق المصريين في رئاسة جلسات المحاكم المختلطة وطالبت الحكومة المصرية بتحقيق هذين المطلبين فاستجاب يحيى باشا كما تقدم وأرسل مذكرة للدول المعنية ذكر فيها أن الحكومة المصرية مضطرة لإنهاء هذا الشذوذ وانتظارا للعمل الذي سيتخذ لتحقيق ذلك فإنها الحكومة المصرية تشعر أن من حق القضاة المصريين رئاسة الجلسات، واستخدام اللغة العربية كذلك يجب أن يعترف به مسبقاً.

واستشار رئيس قسم الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية مستر والاس موارى (Wallace Murray) القاضي الأمريكي مستر برنتون بشان المذكرة المصرية الذي قرر انه طبقاً للمراسيم الحالية فإن القضاة المصريين غير مخولين لرئاسة الجلسات وغن الطريقة الوحيدة لمعالجة المسألة أن تقترح الحكومة المصرية علىالدول تعديلات محددة على نص لائحة ترتيب المحاكم المختلطة على أن يرد في هذا التعديل شرطاً محدداً يمكن القضاة المصريين أن يرأسوا الجلسات، وفيما يتعلق بمسألة استخدام اللغة العربية أوضح اقاضي برنتون أن المراسيم الحالية تنص على استخدام اللغة العربية، والفرنسية والإنجليزية والإيطالية ولذلك قرر مستر مورى أن يكون الرد الأمريكي - على المذكرة المصرية - طبقاً لمقترحات القاضي برنتون ولكنه ذكر للوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة أنه (من خلال عاداتنا الطويلة في معالجة مسألة الامتيازات الأجنبية في مصر فإننا نتجنب دائماً اتخاذ موقف الصدارة ونحن نشعر أن الدول الأخرى مثل بريطانيا وفرنسا وايطاليا واليونان لها مصالح تفوق مصالحنا بكثير بحيث يمكن أن تتخذ الصدارة الملائمة في مثل هذه المسائل وحيث أن فرنسا كانت الدولة الوحيدة التي ردت على المذكرة المصرية، وحيث أن المصريين لم يضغطوا علينا الرد على المذكرة فإننى أميل إلى تأجيل الرد حتى تتخذ الدول العنية باشرة علاً وعندما نشعر بأننا يجب أننا نرسل رداَ ففي هذا الوقت ستأمر المفوضية ستأمر المفوضية الأمريكية بالقاهرة أن تعطي وزير الخارجية المصرية اجابة شفوية طبقاً للخط العام الذي نعتزمه.

وانتظرت الحكومة الأمريكية طبقاً لذلك طلباً من الحكومة المصرية للرد على المذكرة وبالفعل طلبت وزارة الخارجية المصرية في 8 فبراير 1935 من الوزير الأمريكي في مصر رد الحكومة الأمريكية وبالفعل ردت الحكومة الأمريكية على المذكرة وفي ردها لم تمانع في رئاسة المصريين للجلسات ولكنها رات استخدام اللغة العربية ما يمثل عقبة والأمر متوقف على رد مدى استعداد المحاكم المختلطة على التعامل بها.

ونظراً لتحفظات الدول الأجنبية القضائية بالموافقة على رئاسة المصريين للجلسات بشرط تعديل لائحة ترتيب المحاكم المختلطة (وجد أمين أنيس باشا وزير الحقانية أنه يجب تعديل المادة الثالثة من تلك اللائحة التي تنص على أن ينتخب رؤساء الدوائ من القضاة الجانب ويشترك القضاة الوطنيين في انتخابهم بطريقة تؤدي إلى انتخاب المصريين كرؤساء للدوائر وقد افرغ التعديل في مادة 3 مكرر تنص على أن لا يفرق بين القضاة الأجانب والمصريين عند انتخاب رؤساء الدوائر ويحق للقاضي المصري أن يكون رئيس دائرة وقد أرسل انيس باشا هذا التعديل في 10 يوليه 1935 لوزارة الخارجية لتقديمه للدول الأجنبية المعنية فأرسلته الخارجية للدول المختلفة وبدأت تتلقى ردود الدول الجنبية المعنية فأرسلته الخارجية للدول المختلفة وبدأت تتلقى ردود الدول فوافقت بريطانيا والبرتغال على التعديل وأرسلت الخارجية الأمريكية موافقتها على التعديل في 13 يناير 1936 واستقالت وزارة نسيم باشا في 22 يناير 1936 قبل أن تستجمع ردود الدول على مذكرتها - 10 يوليه 1935 - وكان من أسباب استقالتها مشكلة المحاكم المختلطة ولكن تلي ذلك عقد معاهدة 1936 من بريطانيا ومصر في 26 اغسطس 1936 ثم أعقب ذلك دعت الحكومة المصرية الدول صاحبة الامتياز للاشتراك في مؤتمر يعقد في مونترو لالغاء الامتيازات الجنبية وبدأت تعد العدة لترتيب انجاح هذا المؤتمر في الغاء الامتيازات الأجنبية في مصر.

3- مصر والولايات المتحدة والعقوبات الاقتصادية على إيطاليا

تبدأ ارهاصات الحرب العالمية الثانية بالهجوم الايطالي على الحبشة في 13 اكتوبر 1935 وامتد أثر الحرب الايطالية الحبشية إلى مصر ففي اجتماع في بيت نسيم باشا (رئيس الوزراء انذاك) ضم النحاس باشا وثلاثة من وزارء نسيم تحدث النحاس عن الحرب الايطالية الحبشية والخشية من تصاعدها وامتدادها إلى مصر واعتقد الانجليز أن الأمر قد يستدعي تدخلهم في تلك الحرب فنقلوا الجنود عبر الأراضي المصرية بسبب ذلك واحتاطوا للأمر واتفقوا مع الحكومة المصرية على انشاء شبكة من الطرق البرية تخدم اغراضهم الحربية يبلغ طولها 300 ك.م وتنفذ في أقرب وقت وأعدت الترتيبات لنقل مركز قيادة أسطول البحر المتوسط من مالطة إلى الاسكندرية في 18 اكتوبر 1935 وأعلنت عصبة الأمم في اكتوبر 1935 أن ايطاليا دولة معتدية وطالبت من الدول العضاء تطبيق العقوبات الاقتصادية على ايطاليا واستخدمت بريطانيا نفوذها في مصر لتطلب من الحكومة المصرية تنفيذ العقوبات الاقتصادية على ايطاليا وبالرغم من أن مصر ليست عضواً في عصبة الأمم فقد اسيرت الحكومة المصرية السياسية البريطانية ازاء ايطاليا وعمالت على تنفيذ العقوبات التي فرضتها العصبة على ايطاليا حيث أبلغت الحكومة المصرية عصبة الأمم أن مصر وأن لم تكن عضواً في العصبة ستفذ العقوبات المفروضة على ايطاليا.

والذي يهمنا من الحرب الايطالية الحبشية هو الموقف الأمريكي من تطبيق مصر العقوبات الاقتصادية على ايطاليا والذي انطلق من حقوق الامتيازات الأمريكية في مصر ففي برقية من القائم بالأعمال الأمريكي (تشيلدس) Childs لوزير الخارجية الأمريكي في 2 نوفمبر 1935 وضح فيها خطوط السياسة الأمريكية ازاء المسألة حيث ذكر أن صيغة العقوبات التي ستتخذها مصر ضد ايطاليا من المتوقع صدورها خلال الاسبوع أو العشرة أيام التالية وقد علمت (تشيلدس) بشكل سري أن بريطانيا العظمى أعطت الحكومة المصرية ضمانات لحماية الأخيرة من إزعاج الايطالي عندما تطبق مصر العقوبات على ايطاليا وأن العقوبات الاقتصادية التي تطبقها مصر يمكن أن تمتد من خلال النظام المقترح من العصبة على حقوق امتيازات الدول الأخرى، ومن الحكمة لفت انتباه الخارجية للأثر المحتمل على حقوق امتيازات المواطنين الأمريكيين في مصر ويمكن أن تجنب ذلك من وجهة نظري (القائم بالأعمال) (باعلان من الرئيس الأمريكي محذراً المواطنين الأمريكيين الذين لهم معاملات تجارية بين الدولتين المتحاربتين بأن معاملاتهم التجارية تكون على مسئولياتهم الشخصية ويبدو لي أن الإعلان يمكن أن يؤهل الخارجية الأمريكية في تفويض الدبلوماسيين الأمريكيين والموظفين القنصليين في مصر عن التوقف عن الدفاع عن حقوق الامتيازات لصالح المواطنين الأمريكيين في مصر المتورطين في التجارة مع ايطاليا أو اثيوبيا.

وعلى أثر رسالة تشيلدس بدأ رئيس قسم الشرق الدنى بالخارجية الأمريكية مستر مرى Murray بدراسة المسألة وتوصل إلى أن . . . 1-أن مصر ليست عضواً في الأمم المتحدة وبالتالي فهي ليست في وضع لتنفيذ العقوبات ضد ايطاليا. 2-أنه طبقاً للامتيازات الأجنبية التي مازالت سارية المفعول في مصر فإن الأجانب يتمتعون بالإعفاء من القانون المصري وبالتالي تقف الامتيازات عائقاً ضد تطبيق العقوبات. 2-أن الحكومة الأمريكية ستتخذ قرارها طبقاً للظروف المحتملة الآتية: فنحن نعلم أن شركة جنرال موتورز General Motors لها شحنات كبيرة من منتجات السيارات لأفريقيا الشرقية الايطالية ومن الممكن أن تشكل هذه التجارة المربحة اغراء بالاستمرار فيها والتي تمر من خلال مصر وإذا ما تعاونت مصر مع العصبة في فرض العقوبات على الصادرات لايطاليا أو مستعمراتها فنتيجة لذلك سنسعى لمنع الشحن عن طريق الممثلين الأمريكيين – طبقاً لحقوق الامتيازات – ان تتخذ المفوضة الأمريكية بالقاهرة الخكوات اللازمة مع الحكومة المصرية من أجل ايقاف تدخلها في حقوق الامتيازات للمواطنيين الأمريكيين ولقد عبر مستر تشيلدس عن رأيه في تلك المسألة بأن يكون منع التجار الأمريكيين في الإتجار مع ايطاليا في صورة انذار من الرئيس للمواطنين الأمريكين المتورطين في معاملات تجارية مع المتحاربين وأن الخاريجة الأمريكية تأمر الدبلوماسيين الأمريكيين والموظفين القنصليين في مصر بالتوقف عن الدفاع عن حقوق الامتيازات لصالح المواطنين الأمريكيين المتورطين في تجارة مع ايطاليا والحبشة وان تلك الحقوق ستتوقف بشكل مؤقت بتطبيق الحكومة المصرية العقوبات الاقتصادية على ايطاليا وجاءت توصيات الخارجية الأمريكية بشان هذه المسألة للوزير الأمريكي المفوض بمصر مستر فيش مؤيده رأي مستر تشيلدس حيث أوصى القائم بأعمال وزير الخارجية مستر فيليبس Philips مستر فيش بأن مفوضيتك والمكاتب القنصلية في مصر يمكن كقاعدة عامة أن تتوقف عن التدخل لصالح المواطنين الأمريكيين المتورطين في الاتجار مع ايطاليا أو اثيوبيا بشرط ألا تحاول الحكومة المصرية أن تنتهك حقوق هؤلاء المواطنين فيما يتعلق بأعفاءهم من السلطات القضائية المصرية.

ويلاحظ أن الولايات المتحدة لم تتخذ أية موقف معارض للحكومة المصرية في تطبيق العقوبات الاقتصادية على ايطاليا وإنما أيدت الحكومة المصرية بشكل عملي وفي النهاية رفعت العصبة العقوبات الاقتصادية عن ايطاليا في منتصف 1937.

خامساً: الولايات المتحدة ومؤتمر مونترو 1937

أن تدهور الموقف الدولي وازدياد تهديد موسيليني ودول المحور الأخرى جعلت المصريين أكثر قبولاً للاتفاق مع بريطانيا على عقد معاهدة التحالف بين البلدين في اغسطس 1936 وأثناء المفاوضات على تلك المعاهدة اقتراح محمد محمود وحلمي عيسى انهاء المفاوضات إذا رفضت بريطانيا الطب المصري بالغاء الامتيازات، ووافقت بريطانيا على الاقتراح ووعدت بمساعدة مصر في الغاء الامتيازات وفعلاُ بعد أن عقدت المعاهدة نصت المادة 13 منها أن:

1-الوصول على وجه السرعة إلى إلغاء الامتيازات وما يتبع ذلك من حتماً من إلغاء القيود ستكون الحكومة المصرية حرة التي تفيد السيادة المصرية في مسألة سريان التشريع المصري بما في ذلك (التشريع المالي) على الأجانب.

2-أن تمنح الحكومة المصرية مدة انتقالية للمحاكم المختلطة وبعد نهاية تلك المدة ستكون الحكومة المصرية حرة في حل المحاكم المختلطة كما نصت نفس المادة أنه إذا ما وجدت الحكومة المصرية من المستحيل تنفيذ التدابير المتعلقة بالامتيازات الأجنبية فإن الحكومة المصرية تحتفظ بحقوقها غير منقوصة ازاء الامتيازات الأجنبية بما فيها المحاكم المختلطة.

وبناء على ذلك أرسلت الخارجية المصرية في 16 يناير 1937 خطاباً دورياً لدعوة الدول صاحبة الامتيازات في مصر لمؤتمر يعقد في مونترو في ابريل 1937 للاتفاق على الغاء الامتيازات الأجنبية وقد ذكرت المذكرة أن مصر البلد الوحيد الذي يتمتع فيه الأجانب بالامتيازات وأن هذا النظام (الامتيازات) يتناقض مع مبادئ القانون وإنها تعوق تقدم وتطور البلد (مصر) وتعد انتهاكاً واضحاً لسيادة الدولة وكرامة الوطن وأن ذلك الوضع الشاذ يجب أن ينتهي بالغاء الامتيازات وأن الحكومة المصرية ستطبق على الأجانب المبادئ العامة المقبولة في التشريع الحديث وبشكل خاص فيما يتعلق بالتشريع المالي وسوف لا يكون هناك تميز ضد الأجانب ولا الشركات الأجنبية بالإضافة إلى منح فترة انتقالية للمحاكم المختلطة بعد انتهائها تؤول فيها السلطات القضائية للمحاكم المختلطة إلى المحاكم الأهلية كما أرسل واصف بطرس غالي (وزير الخارجية) في 3 فبراير 1937 مذكرة ملحقة لمذكرة 16 يناير للدول صاحبة الامتيازات متعلقة بالمبادئ الرئيسية التي ستتخذ قاعدة للنظام الانتقالي التي ترغب الحكومة المصرية الموافقة على تأسيسه وهي كالآتي:

1-أن القضايا التجارية والمدنية للأجانب من نفس الجنسية والتي من اختصاص المحاكم القنصلية الآن ستنتقل للمحاكم المختلطة.

2-أن السلطات القضائية التي تمارسها المحاكم القنصلية على قضايا الجنح ستنتقل بشكل كامل للمحاكم المختلطة وبسبب هذا النقل فإن الحكومة المصرية ستعلن قانون عقوبات جديد وقانون اجراءات جنائية وستخبر بنصه الدول.

3-أن مسائل قضايا الأحوال الشخصية التي تدخل ضمن السلطات القضائية للمحاكم القنصلية ستنتقل للمحاكم المختلطة.

4-وسيراعي زيادة الموظفين التي يمكن أن تكون ضرورية لمواجهة زيادة التوسع في الاختصاص.

5-أن تغيير جنسية طرف من الأطراف المتنازعة أثناء نظر القضية سوف لا تغير اختصاص المحكمة في النظر للقضية.

وقد ردت الخارجية الأمريكية في فبراير 1937 على مذكراتي الخارجية المصرية بأن حكومة الولايات المتحدة ستكون سعيدة أن تمثل في المؤتمر المقترح وانها تأمل في المستقبل القريب في ابلاغ الحكومة المصرية عن أعضاء الوفد الأمريكي) وفيما يتعلق بمذكرة 3 فبراير المبينة وجهة نظر الحكومة المصرية فيما يتعلق بالنظام الانتقالي للمحاكم المختلطة. فإن الخارجية الأمريكية أمرت الوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة أن أن يكرر الأهمية التي تعلقها حكومة من أن تستلم في أقرب نص القانون الجديد المقترح للعقوبات وقانون الاجراءات التجارية وأيضاً التفاصيل الأخرى للمقترحات التي تنوي الحكومة المصرية تقديمها من المؤتمر المرتقب.

وفي نفس الوقت بدأت المشاورات بين الخارجية الأمريكية والبريطانية بشان المؤتمر وخاصة ان العلاقات الأمريكية البريطانية في تلك الفترة كانت تتميز بالتعاون الذي أمتد في النهاية لتعاون جدي لحل المشاكل ذات الاهتمام المشترك وجاءت نتيجة التشاور الأمريكي لبريطانيا في رسالة السفير البريطاني واشنطن للخارجية الأمريكية ذكر فيها (أن الولايات المتحدة ستدرك أن هناك رغبة قوية في مصر لالغاء الامتيازات من طرف واحد علاوة على أن الحكومة المصرية واثقة بأن لها الحق الشرعي التام في عمل ذلك حيث أنه ليس هناك شك في أن الحكومة المصرية تملك الحق الشرعي لانهاء المحاكم المختلطة بانذار في خلال سنة وحيث أن الحكومة المصرية ملتزمة في معاهدتها (معاهدة 1936) مع الممكلة المتحدة بألا تحاول أن تلغي الامتيازات أو المحاكم المختلطة إلا بعد الفشل النهائي لمؤتمر الامتيازات وتشعر حكومة صاحب الجلالة أن مسئوليتها أن تبين بشكل خاص ودون تأجيل لحكومة الولايات المتحدة [أن الحكومة المصرية لن تعجز في خلق الوضع الشرعي الكامل لالغاء الامتيازات من طرف واحد وفي تلك اللحظة فإن حكومة صاحب الجلالة تشعر أن حكومات الدول الأجنبية صاحبة الامتيازات سيقدمون بشكل مؤيد استجابة جديدة بالثناء للحكومة المصرية، لمعالجة المسألة بالمفاوضة وعلى أن يعطي نظام انتقالي معطياً ضمانات للأجانب ومنح فترة ضرورية للانتقال من نظام الامتيازات إلى نظام اللامتيازات ويبدو أن رسالة السفير البريطاني أقلقت الخارجية الأمريكية وخصوصاً انها تتضمن التهديد المصري بالغاء الامتيازات من طرق واحد، وتأييد بريطانيا لهذه السياسة الغاء الامتيازات فكتبت الخارجية الأمريكية لسفيرها في بريطانيا بنگهام Bingham بأنها (الحكومة الأمريكية) ترغب من أن تتجنب في أن تكون في موضع تظهر فيه أنها معوقة للمؤتمر المرتقب.

ولهذا السبب أيضاً حثت الخارجية الأمريكية وفدها الذي سيشترك في المؤتمر بالتعاون مع الوفد البريطاني في المؤتمر حيث ذكر رئيس قسم الشرق الأدنى للوزير الأمريكي المفوض فيش أنه لا يمكن أن يكون مفيد لوفدنا بأن يخبر الخبراء البريطانيين مثل بسلى Besly وبكت Beket ببعض أفكارنا وأعتقد أنه لن تكون مقترحاتنا غير مقبولة لبريطانيا وأنه بالتبادل الصريح لوجهات النظر يمكن أن نكون قادرين لاقناعهم (الوفد البريطاني) بأن يتمسكوا بأفكارنا، ومن فضلك تناقش مع الممثلين البريطانين في المسائل المتعلقة بمصالحنا المتبادلة التي نعتبرها مناسبة ومفيدة.

وبالتشاور مع بريطانيا كان على الحكومة الأمريكية أن تعد نصائحها للوفد المريكي وتحدد له خطوط العمل الذي سيسير عليها وبالفعل أرسلت الخارجية الأمريكية خطتها في 30 مارس 1937 للوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة والتي تحددت فيما يأتي:

1-أن نظام الامتيازات لم بعد يطابق روح العصر ولذلك فيمكن انهاء ذلك النظام طبقاً لضمانات مؤقتة وذلك طبقاً للسياسة التي تتبنها الحكومة الأمريكية لتأسيس علاقات مع الدول الأجنبية على أسس ودية طبقاً للقانون الدولي الحديث دون طلب الحكومة الأمريكية امتيازات خاصة أو حظوة للمواطنين أو الشركات الأمريكية.

2-وفي معالجة المشاكل التي شتعرض في المؤتمر أرغب أن تتخذ موقفاً مؤيداً تجاه أماني الحكومة المصرية، وفي نفس الوقت ستسعى الحكومة الأمريكية بالطبع – لتحصل على ضمانات وتاكيدات يمكن أن نعتبرها جوهرية للحماية التامة للمصالح الأمريكية وخصوصاً الإصلاح المقترح للمحاكم المختلطة ومن رأي – وزير الخارجية الأمريكي – أن الوفد الأمريكي يجب أن يتجنب اتخاذ موقف الصدارة في مناقشة المشكلات المختلفة التي ستطرح في المؤتمر وأن هذه السياسة متفقة بشكل تام مع الاتجاه الذي اتخذته الحكومة الأمريكية بشكل تام فيما يتعلق بالمسائل المصرية ومتفقة كذلك مع ضائلة المصالح الأمريكية في مصر.

3-واعتقد أن جهداً سيبذل في المؤتمر للشرط على استخدام اللغة الإنجليزية كأحد اللغات الرسمية للمؤتمر فإنك الوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة يجب أن تعطي ذلك الاقتراح تأييدك الكامل.

4-أن الحكومة الأمريكية تفوضط (الوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة) بأن تصرح بأن الولايات المتحدة ستأجل حقها في حرمة إقامة المواطنين الأمريكيين حتى ياتي وقت تنفيذ الاتفاق المقترح (اتفاق ومنترو) على أن تقدم دول الامتيازات الأخرى تأجيلاً أو تنازلاً كاملاً لهذا الحق وفي حالة طلب الوفد المصري هذا التصريح كتابة فأنت مفوض أن تقدم ذلك التصريح المكتوب.

6-ومن المفترض أن الحكومة المصرية ستقترح الغاء المرسوم الخديوي الصادر بتاريخ 31 يناير 1889 وقانون 11 نوفمبر 1911 المانح سلطات تشريعية للجمعية العامة لمحكمة الاستئناف المختلطة فأنت مفوض بأن توضح أن حكومتك لن تعارض هذا الالغاء بشرط أن توافق بشرط أن توافق دول الامتيازات الأخرى على ذلك الالغاء.

7-وفي حالة عرض الغاء أو تأجيل حقوق الامتيازات الأخرى التي نشئت بالعادة والعرف ولم تنشأ من خلال المعاهدات فأنت موفض بأن تصرح بأن رغبة الولايات المتحدة من ارجاء ممارسة تلك الحقوق انتظاراً لتنفيذا الاتفاق مونترو بشرط أن ترجئ تلك الحقوق أو تلغى من جانب الدول الأخرى صاحبة الامتيازات.

8-وقد علمت الحكومة الأمريكية نية الحكومة المصرية أن تقترح أن توقع الدول المشتركة ملحقاً بالاتفاقية وستشكل جزءاً متمماً لها وأن رغبة الحكومة المصرية أن ينفذ المقترح (لائحة التنظيم القضائي) في 15 اكتوبر 1937 سواء نفذت أو صدق عليها وللوصول لهذه الغاية اقترح وزير الخارجية الأمريكي أن نوقع على البروتوكول الخاص الذي يقضي بأن لائحة التنظيم القضائي ستنفذ مؤقتاً ابتداء من 15 اكتوبر 1937 انتظاراً للتصديق على الاتفاقية ولكن الحكومة الأمريكية لا تستطيع تفويضك على التوقيع على تلك اللائحة لأن ذلك سيكون متناقضاً مع الدستور الأمريكي ومع ذلك فإن الحكومة الأمريكية. قلقة لتجنب أن تظهر بأن تكون عائقاً في هذه المسألة أو تعطي مبرر للدول الأخرى الغير مقيدة بشكل مماثل بالقيود الدستورية على أن تصر على تأجيل التوقيع وأن يعرض ذلك نتيجة المؤتمر للخطورة وطبقاً لذلك فأنت مفوض أن تبلغ الوفد المصري – بشرط أن تتخذ دول الأمتيازات الأخرى نفس العمل – بأن الحكومة الأمريكية مستعدة لتأجيل ممارسة السلطات القضائية للقنصل الأمريكي والموظفين الدبلوماسيين على المواطنيين الأمريكيين وإذا طلب منك ضمانات مكتوبة لهذه المسألة من الوفد المصري فيمكن أن تعطي ضمانات مكتوباً طبقاً لذلك، ويتضح من الخطة الأمريكية المتعلقة بسياستها في مؤتمر مونترو:

1- أن الولايات المتحدة تجنبت اتخاذ موقف الصدارة وذلك بسبب ضآلة المصالح الأمريكية في مصر ولا أدل على ذلك من تعداد الأمريكيين في مصر سنة 1937 حيث بلغ 790 نسمة كما كانت الدبلوماسية الأمريكية تنظر لمصر كمنطقة ثانوية ولذلك تراها تسعى في ذلك الوقت لإرضاء الطموحات الوطنية المصرية وفي نفس الوقت اقرار المحافظة على القوة العسكرية البريطانية التي تعتمد عليها أمريكا في المحافظة على مصالحها الثقافية والتجارية في مصر وهذا يدلك على أن أمريكا في علاقتها مع مصر تأثرت بالوجود البريطاني في مصر.

2- أن الولايات المتحدة لم تكن لديها سياسة محددة بالنسبة لمؤتمر الامتيازات والدليل على ذلك أنها أوقفت موافقتها أو رفضها لشئ على موافقة أو رفض دول الامتيازات الأخرى على نفس الشئ كما بينت مذكرة وزير الخارجية الأمريكية لوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة ذلك، على أية حال اشتركت اثنتا عشرة دولة في مؤتمر مونترو لالغاء الامتيازات هم الولايات المتحدة، بلجيكا وبريطانيا وايرلندا والأملاك البريطانية فيما وراء البحار والدنمارك واسپانيا وفرنسا واليونان وايطاليا والنرويج وهولندا والسويد والبرتغال.

وضم الوفد المصري في المؤتمر مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء رئيساً وعضوية كلاً من الدكتور أحمد ماهر الذي بدأ يعرف بتروتسكي Tortsky المصري وواصف بطرس غالي وزير الخارجية المصري ومكرم عبيد باشا وزير المالية، ورئيس أقلام قضايا الحكومة، وعثمان محرم وزير الأشغال.

وضم الوفد الأمريكي مستر برت فيش Bert Fish رئيساً والمستر پول آلنگ Paul H. Alling مساعد رئيس قسم الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية مستشاراً، ومستر فرنسيس كولت دى ولف Francis Cott De Wolf من قسم المعاهدات بالخارجية الأمريكية مستشاراً قانونياً، ومستر لوسيل سنيدر Lucille Synder من قسم الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية سكرتيراً. ووصل الوفد الأمريكي مونترو يوم الأحد 11 ابريل وحضر افتتاح المؤتمر في 12 ابريل 1937 حيث خطب النحاس باشا في المجتمعين ثم تحدث المسيو دى تيسان De Tessan رئيس الوفد الفرنسي فاقترح انتخاب النحاس باشا رئيساً للمؤتمر، ونال هذا الاقتراح تصفيق وموافقة كل الحاضرين ثم انتخب المسيو اگنيدس Aghnids سكرتيراً عاماً للمؤتمر ثم اقترح النحاس باشا أن يعين المسيو ج. موتا G.Motta رئيس الوفد اليوناني رئيساً شرفياً للمؤتمر وخطب برت فيش رئيس الوفد الأمريكي رداً على خطبة النحاس باشا مؤكداً أن الحكومة الأمريكية ليس لها مصلحة وظنية بحتة في تعديل نظام الامتيازات ولا في تحديد فترة الانتقال وستضع نصب عينيها المصالح المتبادلة بين الدول المعنية وفي جملتها مصالح الحكومة المصرية نفسها وفيما يتعلق بالمحاكم المختلطة تعلق الحكومة الأمريكية أهمية على الضمان الناشئ عن عمل إدارة مختصة بشؤون القضاء هو ما امتازت به المحاكم المختلطة المصرية منذ نشأتها.

وقد أيد الوفد الأمريكي المطالب المصرية في المؤتمر بأن تكون الفترة الانتقالية لإنهاء عمل المحاكم المختلطة، 12 عاماً تبدأ من 15 اكتوبر 1937 وتنتهي في 14 اكتوبر 1949 حيث كان الوفد الفرنسي يعارض ذلك وطلب فترة انتقالية 18 عاماً.

وكان قلق الرعايا الفرنسيين على مستقبلهم بعد الفترة الانتقالية والتي تبدو أقصر مما كانوا يتوقعون هو السبب في طلب الوفد الفرنسي بفترة 18 سنة فعارض المستر برت فيش هذا المطلب وقال أنه يرى في اقتراح الحكومة المصرية دليلاً على حسن الإدارة والرغبة في الاتفاق ويرى أن الاثنى عشر سنة كافية للانتقال، ولكنه قال إن الموعد المعين لبدأ مدة الانتقال 15 اكتوبر موعد غير ملائم لأنه مبكر جداً بحيث لا يتثنى معه لمجلس الشيوخ الأمريكي مناقشة الاتفاق قبل بدأ فترة الانتقال والسبب في اتخاذ برت فيش هذا الموقف المؤيد كما بين هو نفسه في تقريره عن المؤتمر (واتخذت هذا العمل لأنني أخبرت بشكل موثوق فيه بأن هذه أحد النقاط التي سوف لا يعطي فيها الوفد المصري أية تنازلات حيث أنه (الوفد المصري) وعد البرلمان بأنه سوف لا يوافق على مدة أطول من ذلك كما أن الأثنىعشر عاماً تدخل ضمان العشر او الخمس عشرة سنة التي فوضتنى الخارجية الأمريكية بالموافقة عليها.

كما قدمت الولايات المتحدة اقتراحاً في 19 ابريل للنحاس باشا لتعديل المادة 13 من مشروع الاتفاق المتعلقة باللجوء إلى محكمة العدل الدولية عند الاختلاف في تفسير مواد المعاهدة أما التعديل الذي اقترحه الوفد الأمريكي فهو يقضي بأن لا يعرض الخلاف المذكور على محكمة العدل الدولية إذا تعذر حله بالطرق السياسية إلا إذا كانت جميع الدول التي ينشأ بينها الخلاف من الدول الموقعة على بروتوكول 16 ديسمبر 1920 الخاص بنظام هذه المحكمة أما إذا كانت إحدى الدول التي ينشأ بينها الخلاف يعرض على محكمة التحكيم التي أنشئت وفقاً لاتفاقية لاهاي في 18 اكتوبر 1907، والسبب في اقتراح الولايات المتحدة، أنها ليست عضواً في محكمة العدل الدولية، بينما توجد بين الولايات المتحدة ومصر معاهدة تحكيم تقضي بالتحكيم بينهما وفقاً لاتفاقية 18 اكتوبر 1907 وقد أيد المندوبون المصريون هذا الاقتراح وأصبحت المادة 13 بعد تعديلها كالآتي (وكل خلاف ينشأ بين الدول المتعاقدة بشان تفسير أو تطبيق أحكام هذا الاتفاق ولا يتثنى لهم تسويته بالطرق الدبلوماسية يعرض بناء على طلب إحدى الدول على محكمة العدل الدولية الدائمة على أنه إذا وجد في الوقت الحاضر بين إحدى الدول المتعاقدة وبين حضرة صاحب الجلالة ملك مصر معاهدة تحكيم تعين محكمة أخرى فتحل هذه المحكمة في مدة هذا الاتفاق محل محكمة العدل الدولية الدائمة في تطبيق هذه المادة حتى لو انتهى العمل بمعاهدة التحكيم في أغراضها الأخرى.

وقد اقترح الوفد الأمريكي كذلك أثناء المفاوضات أن يزور القناصل والمحامون، مواطنيهم، عند اعتقالهم رهن المحاكمة، وهذا الاقتراح ليس له وجه من أوجه الامتيازات ولكنه حق تقدمه جميع البلدان وقد قبل المندوبون المصريون هذا الاقتراح لأنه يهمهم أن تحصل مصر على التسهيلات نفسها التي تقدم في هذا الصدد في جميع البلدان.

كما قدمت الولايات المتحدة اقتراحاص للجنة التنظيم القضائي (إحدى لجان المؤتمر) لتعديل المادة الخاصة بالسجون وقد وافقت اللجنة على التعديل الأمريكي وهذا نصه (يكون للنائب العمومي حق الرقابة على السجون والمنشآت الخاصة بالاعتقال التي يعتقل فيها الأجانب ويكون له حرية الدخول إلى هذه الأماكن وغيرها من الأماكن التي يعتقل فيها الأجانب وللنائب العام أن يلفت نظر وزير الحقانية إلى كل ما يراه مخالفاً للنظام ويبلغه كل ما يقضي عليه واجب الرقابة تبليغه ولكل اجنبي يعتقل احتياطياً الحق في تبليغ قنصله ومحاميه بواسطة النيابة أمر اعتقاله طبقاً للمبادئ الدولية المعمول بها ويكون للقنصل وللمحامي الحق في زيارته تبعاً للاجراءات التي توافق عليها النيابة.

أما فيما يتعلق بالتاريخ المقترح في تنفيذ الاتفاق فإن الولايات المتحدة لا تستطيع تنفيذ الاتفاق قبل أن تحصل أولاً على مشورة مجلس الشيوخ وموافقته وسيكون مستحيلاً كما ذكر وزير الخارجية لمستر فيش الحصول على موافقة مجلس الشيوخ خلال الجلسة للكونجرس، وأنه سيقضي عام على الأٌقل قبل الآن أن ينفذ هذا الاتفاق فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فاقترحت الولايات المتحدة حلاً يحقق رغبة الحكومة المصرية في تنفيذ النظام الجديد ف يوقت قريب ويحقق في الوقت نفسه الشروط الدستورية في الولايات المتحدة وهي أن تعطي الولايات المتحدة للحكومة المصرية الضمانات الآتية: والتي أرسلت لرئيس الوفد المصري النحاس باشا في 8 مايو 1937.

1-تعلن حكومة الولايات المتحدة انتظاراً للتصديق من جانبها للاتفاقية الموقعة هذا اليوم (8 مايو 1937) أنها ستتوقف عن ممارسة حقها في المعارضة على الضرائب التي تفرضها الحكومة المصرية على المواطنين الأمريكين والشركات الأمريكية في مصر بشرط أن تكون تلك الضرائب لا تختلف أو تكون أعلى من تلك المفروضة والتي يدفعها المواطنون المصريون والشركات المصرية ويشترط أيضاً بأن تلك الضرائب ستطبق على الأجانب والشركات الأجنبية على قاعدة المساواة التامة.

-تعلن حكومة الولايات المتحدة انتظاراً للتصديق من جانبها على الاتفاقية الموقعة هذا اليوم بأنها ستتوقف عن ممارسة حقها في المعارضة على تفتيش محل اقامة مواطنيها في مصر بشرط أن يحضع الأجانب الآخرين لذلك. 3-تعلن حكومة الولايات المتحدة انتظاراً للتصديق من جانبها على الاتفاقية الموقعة هذا اليوم بانها سترجئ استخدام السلطات القضائية لموظفيها القنصلين والدبلوماسين على المواطنين الأمريكيين والشركات الأمريكية على السوء بشرط أن ترجئ الدول الأخرى صاحبة الامتيازات استخدام نفس السلطات. 4-تعلن الحكومة الأمريكية بانها سوف لا تقدم معارضة لإلغاء المرسوم الخديوي بتاريخ 31 يناير 1889 وقاونو 11 نوفمبر 1911 المانح سلطات تشريعية لتلك المحكمة على السواء بشرط موافقة دول الامتيازات الأخرى على ذلك الإلغاء وفي نفس الوقت أرسل النحاس باشا خطاباً لرئيس الوفد الأمريكي في 8 مايو 1937 أكد فيه أن المؤسسات الأمريكية الطبية والخيرية والتعليمية سيسمح لها بمواصلة نشاطها بحرية حتى تنتهي الاتفاقات المحددة لوضعهم أو حتى انتهاء الفترة الانتقالية بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة كانت من الدول التي احتفظت لقنصليتها بسلطة الفصل ف يقضايا الأحوال الشخصية الخاصة برعاياها المقيمين في مصر إلى أن يحل أجل القضاء المختلط في 15 اكتوبر 1949.

وقد وقعت جميع الدول المشتركة ف يالمؤتمر على اتفاقية مونترو في 8 مايو 1937 على أن تدخل الاتفاقية في دور التنفيذ في 15 اكتوبر 1937 وفي شهر اكتوبر سجلت سكرتيره عصبة الأمم الاتفاق الخاص بالغاء الامتيازات في مصر واتفاق التنظيم القضائي الملحق والبروتوكول وتصريح الحكومة المصرية.

وقد أعقب نجاح مصر في مؤتمر مونترو دخول مصر في عصبة الأمم حيث اجتمعت الجمعية العامة لعصبة الأمم يوم 26 مايو 1937 في جنيف ووافقت باجماع الأراء على قبول مصر من العصبة وعين علي الشمسي مندوباً لمصر العصبة.

كما نتج عن مؤتمر مونترو وتغير وضع الأجنبي ولم تعد جنسية الأدنبي امتيازاً بل أصبحت عائقاً كما منحت مصر الحرية المالية لفرض الضرائب على الأرباح التجارية والمهنية وكنتيجة لاتفاقية مونترو أيضاً وضعت مصر تعديلات معينة على القانون الجنائي وعينت الحكومة المصرية لذلك لجنة لوضع الترتيبات اللازمة كان نتيجة ذلك اعلان قانون العقوبات 937 للاستخدام في كلا من المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية ويطبق على كل المقيمين في مصر وهذا القانون مبني على أساس قانون 1904 الصادر للمحاكم الأهلية مع تعديلاته طفيفة كانت تبدو ضرورية والنتيجة الأهم لالغاء الامتيازات هو بدأ سياسية أمريكية أكثر عداء لبريطانيا والتي رغبت في ازاحة بريطانيا عن وضع السيطرة في مصر وذلك بتأسيس بناء قوى للعلاقات المصرية الأمريكية غير ملوث بالاندماج في السياسة الاستعمارية والامير بالية البريطانية .. وأثناء سنوات الحرب العالمية الثانية هدأت السياسة العدائية ضد السيطرة البريطانية على مصر وذلك لإدراك الخارجية الأمريكية ضرورة المحافظة على التعاون الغربي للدفاع عن مصر والتي كانت حتى معركة العلمين (1942) مهددة من دول المحور وأيضاً رغبة الخارجية الأمريكية للانسجام مع الحلفاء وباندلاع الحرب العالمية الثانية تبدأ صفحة جديدة في العلاقات المصرية الأمريكية أظهرت فيها الولايات المتحدة اهتماماً أكثر بمصر والشرق الأوسط بشكل عام.

الفصل الثاني: العلاقات الاقتصادية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية

أولاً: تشجيع التجارة ودراسة السوق

إن تشجيع التجارة ودراسة السوق هدف تسعى إليه الدول لتوطيد علاقتها الإقتصادية مع الدول الأخرى، وهو ماقامت به الولايات المتحدة ومصر لتوثيق عري العلاقات الإقتصادية بينهما وإن كانت دراسة السوق وتشجيع التجارة بين البلدين قد جاءت في أغلب الأحيان من جانب التجار والشركات من كلا البلدين ولم تأت من جانب القنوات الحكومية الرسمية، بل إن الحكومتين كانتا تتنصلان من المسئولية المترتبة على ذلك وخصوصاً المركز المالي للتجارة والشركات المعنية أما الجهود المبذولة لتشجيع ودراسة السوق من كلا الجانين فهي كالآتي: أ-مصر وتشجيع التجارة ودراسة السوق منذ بداية التمثيل الدبلوماسي والقنصلي لمصر بالولايات المتحدة وهي تخطوا خطوات جادة لتشجيع التجارة مع الولايات المتحدة ففي عام 1924 سعى القنصل المصري بنيويورك لدى الهيئات التجارية والبيوت المالية الأمريكية وذلك لإيجاج روابط متينة وعلاقات ودية مع التجار المصريين، فأيدت تلك الهيئات استعداداً للقيام بما يشجع المصريين في هذا العام تقدم جورج د. هرست Goerge D. Hirst وهو مواطن أمريكي يعمل بالدعاية بمشروع لوزير مصر المفوض بواشنطن وقنصل مصر بنيويورك لإنشاء مكتب استعلامات مصري بنيويورك وهي فكرة تحمس لها كثيراً الوزير المصري المفوض بواشنطن والقنصل المصري بنيويورك وكان المشروع يهدف إلى نشر معلومات وأخبار عن مصر الحديثة وإيجاد جو ملائم لنشر أي فكرة سياسية أو اقتصادية يرغب في نشرها بين الشعب الأمريكي ولتحقيق ذلك اقتراح هيئة مكتب له علاقة مباشرة بالحكومة المصرية وتحت اشراف سفيرها في واشنطن أو قنصلها في نيويورك ويكون للمكتب الإختصاصات الآتية: أ-الشئون المالية والإقتصادية ب-الشئون الزراعية ج-الشئون السياسية والحكومية د-الشئون التي تهم السياح ه-عموميات

ويعمل المكتب بإدارة وإرشاد مستر جورج د. هرست ويساعده في العمل كافة موظفي الهيئة المذكورة وما ينضم إليهم من الأخصائيين في الشئون الإقتصادية والمالية ورجل ثقة في المسائل المصرية، وتطلب الهيئة المقترحة 25 ألف ريال أجر لها في العام، ويتكون المكتب من مجلس استشاري لمد المكتب بالمعلومات اللازمة ولإرشاده يما يقوم من الأعمال ويتكون من رؤساء الهيئات السياسية والقنصلية المصرية في الولايات المتحدة ومن كبار رجال الجالية المصرية بنيويورك ويجتمع المجلس في أوقات معينة للمناقشة في أعمال المكتب وسياسته وليكون حلقة اتصال بين وجهة النظر الرسمية وهيئة المكتب التنفيذية وبالنسبة لوسائل النشر والإعلان فقد اقترح المشروه تسعة وسائل للنشر والإعلان فقد اقترح المشروع تسعة وسائل للنشر والإعلان عن نفسه هي: 1-جرائد يومية كبرى ععدها خمسون ونفوذها عظيم في الدوائر السياسية والتجارية. 2-مكتب أخبار ويرى المكتب المقترح ضرورة الإشتراك في هيئة نشر أخبار في القاهرة لتمده بالأنبار رأساً فيوزعها على الجرائد الأمريكية. 3-جرائد مصورة. 4-النقابات والتي تمتلك 35 ألف جريدة صغيرة. 5-المجلات. 6-جرائد زراعية ويقرؤها المزارعون وسكان القرى بالولايات المتحدة. 7-نشرات اقتصادية وتجارية ومالية، وأهميتها غير خافية لما ينتظر للعلاقات المالية زيادة حركة البواخر بين مصر والولايات في المستقبل الباهر. 8-النشرات حيث أنه من المزمع إنشاء نشرة أو مكتب تتضمن معلومات عن الشئون السياسية والزراعية والمالية المصرية. 9-طرق اخرى كعرض صور في السينما وإلقاء المحاضرات واستخدام أجهزة الراديو والمدارس والكليات والكنائس وعلى الرغم من أهمية المشروع والإستفادة التي يمكن أن تستفيدها الحكومة المصرية منها إلا ان الخارجية المصرية رفضت هذا المشروع وأمرت بحفظه ولم توضخ السبب الذي من أجله رفض المشروع كما إنني لا أرى سبباً واضحاً يجعل الخارجية ترفض المشروع اللهمإلا السمعة الطيبة التي احتفظت بها الحكومة المصرية في التلكئ لتوطيد علاقتها مع الدول الأخرى.

وانطلاقاً من تشجيع مصلحة التجارة والصناعة للصناعات المصرية ورواجها في الخارج فقد قررت أن تبعث في عام 1924 عينات من المصنوعات ال مصرية للعرض في دور القنصليات المصرية بالخارج لكي يطلع عليها التجار الأجانب ولكي تكون سبباً في انماء وانتشار المعروضات المصرية ودعاية لتوثيق عري العلاقات التجارية بين مصر والبلدان الأخرى، وكانت خطة المصلحة المذكورة أن تقيم معارض دائمة للمصنوعات المصرية بدور القنصليات امصرية بالخارج، وقد قام القنصل المصري بنيويورك بدراسة هذه الخطة وكانت اجابته على الخارجية بشأن هذا المشروع مخيبة لأمل المصلحة المذكورة وإن كانت اجابته متناغمة تماماً مع ظروف القنصلية المصرية بنيويورك ومساحتها الضئيلة حيث ذكر القنصل تشغل مكاناً لا يزيد عن غرفتين متوسطي الحجم في الدور الثالث وإحداهما مخصصة للأعمال الإدارية والأخرى للخزينة الحديدية وعليه فلا يوجد أي مكان خالي في غرفتي القنصلية يعرض فيها ما يرد مصر من الأدوات والمصنوعات المصرية المراد عرضها، كما اقترح القنصل البضائع المصرية التي يمكن أن تعرض وتلقى رواجاً هناك كالمنسوجات وأنواع السجاد المختلفة والأكلمة والمصنوعات الجلدية والمصنوعات النحاسية وأدوات الحلي والزينة وكان رد الخارجية على مقترحات القنصل تأجيل إنشاء معرض قنصليته بنيويورك حتى يتسنى لها إيجاد الاعتماد المالي اللازم لذلك وعندئذ إذ يكون من المفيد إنشاء المعرض في نقطة مركزية مهمة بمدينة نيويورك أو في بعض النوافذ الزجاجية بإحدى النحلات التجارية الكبرى والواقع أن الحكومة المصرية كان يجب عليها قبل اقتراح هذا المشروع المفيد أن تدرس جيداً إمكانيات كل قنصلية على حدة أو أن تعد الإعتماد المالي اللازم للقنصليات ذات الإمكانيات الضئيلة كقنصلية نيويورك لتنفيذ هذا المشروع ولذلك فاتسم هذا المشروع بالتسرع وعدم الدراسة الجيدة لأبعاده والمختلفة وبالتالي فقد كان الفشل هو النتيجة المنتظرة له.

وفي غطاء تشجيع التجارة بين مصر والولايات المتحدة قام عريان بطرس – وهو مواطن مصري متخرج من مدرسة التجارة – بمصر ومعهد (الكسندر هاملتون) الإقتصادي بنيويورك ويعمل – بالتجارة بدور كبير لتشجيع التجارة بين البلدين حيث أنه طلب في عام 1924 من الخارجية المصرية خطابات توصية إلى وزير مصر المفوض بواشنطن والقتصل المصري بنيويورك وذلك من أجل تقديم المساعدة التي يتطلبها عمله لترويج المصنوعات المصرية ولإيجاد شبه رابطة أو علاقة أدبية مع الولايات المتحدة حيث أنه سيسافر للولايات المتحدة من أجل هذه الغاية في أول اكتوبر 1924 حاملاً معه عينات كثيرة مع مختلف المصنوعات المصرية من نحاس وحلويات وشنط جلدية وخلافه مما قد يروج في سوق الولايات المتحدة وبالفعل سلمت مصلحة التجارة والصناعة كتبي توصية لقنصل مصر بنيويورك ووزير مصر المفوض بواشنطن وذلك لتقديمه إلى البيوت التجراية الأمريكية كما قدم عريان بطرس – في عام 1925 – طلب لقنصل مصر بنيويورك حيث كان يقيم بها حينئذ يعرض فيه على القنصل أن يكون وكيلاً لتصريف مصنوعات المدرسة الصناعية الإلهامية وغيرها من المدارس الصناعية التابعة للحكومة لتصريف مصنوعاتها بالولايات المتحدة ورات إدارة أوقاف الحلمية بمصر – التابعة لها المدرسة الإلهامية – أنها تقبل مع السرور أن ترسل شيئاً كثيراً من مصنوعات المدرسة إلى عريان بطرس ولكنها حددت طريقتين لذلك . . .

الطريقة الأولى: أن تكون الحكومة المصرية وسيطة في التعامل معه بمعنى أن يكون ما يرسل إليه من المصنوعات تقدم فاتورة بثمنها ومصاريف شحنها لمصلحة التجارة والصناعة لصرف قيمتها من خزينة المالية المصرية إلينا وأن ما يرسل إليه لا يكون قابلاً لإعادته للمدرسة ثانية.

الطريقة الثانية: أن ترسل إليها رسومات من المصنوعات الموجودة بالمدرسة موضحاً على كل رسم ثمن ما هو مرسوم به والرسم الذي يلطلب منه يحول ثمنه ومصاريف شحنه لإدارة الوقف وبعد استلام الثمن تقوم إدارة أوقاف الحلمية بشحنها إليه وبناء على رد إدارة وقف الحلمية ردت الخارجية المصرية على طلب عريان بطرس بأن قبول الحكومة على مسئوليتها ضمان عريان بطرس فيما يرسل إليه غير ميسور الأخذ به من قبل الحكومة المصرية وإذا كان في مقدوره أن يقدم ضمان مالي أو خلافه يمكن اعتماده حتى يتثنى لأصحاب المصنوعات التعامل معه فنرجو أن يفيدنا بذلك وانتهت المسألة عند هذا الحد ولم ترسل لعريان بطرس أي مصنوعات من المدرسة الإلهامية وانتهى مشروعه بالفشل للموقف السلبي للحكومة المصرية ورفضها بأن تطون وسيطة بين إدارة الوقف وعريان بطرس وبالتالي فقد خسرت الفرصة لتريوح البضائع المصرية بأمريكا من قبل تاجر مصري محترف ودارس لإحتياجات السوق الأمريكي بحكم دراسته وعمله وإقامته بالولايات المتحدة.

كما اهتمت المفوضية المصرية بواشنطن عام 1925 بناء على طلب الخارجية المصرية بتنمية صادرات الأرز للولايات المتحدة والبحث عن أحسن الوسائل لتطوير هذه الصادرات وقد جاء ذلك نتيجة لإهتمام الحكومة المصرية بتنمية صادراتها للدول الأجنبية ومحاولتها معالجة نقص صادراتها – للدول الأجنبية – من البضائع المصرية مثل السنامكي والتي خسرت مصر مركزها الممتاز في تجارة هذا الصنف فقد كانت تصدر للولايات المتحدة في 1914 (42.2%) من إجمالي وارداتها من هذا الصنف بينما صدرت الهند 34.7% وانگلترا 18.1% ونتيجة لطلب بعض التجار بأمريكا عينات من السنامكي طلبت المفاوضة المصرية بواشنطن من وزارة الخارجية مخابرة قسم البساتين – بوزارة الزراعة – بإرسال عينات منه لعرضها في الأسواق الأمريكية وردت الخارجية المصرية بتأجيل إرسال هذه العينات إلى الموسم القادم (1931) حتى يتمكن قسم البساتين من إنتاج عينات أكثر انطباقاً للشروط المطلوبة وحتى يمكن الدعاية لهذا الصنف بأمريكا.

كما حاولت الحكومة المصرية من خلال اشتراكها في المعارض التي تقيمها الولايات المتحدة من تشجيع تجارتها مع الولايات المتحدة بعرض بضائعها في الأسواق الأمريكية حيث أن المعرض يعد إدارة للتعارف بين العارض وكل من له صلة بالمعرض سواء كان تاجراً أم منتجاً أو وسيطاً وقد اشتركت الحكومة المصرية في معرض فيلادفيا الدولي عام 1926 كما اشتركت مصر في المؤتمر الذي اعتقد بمدينة نيواورليانس وقد عقد هذا المؤتمر في 6 يوليه 1928 والأغراض التي يهدف إليها هي تحديد الرض المنزوعة قطناً وزيادة إنتاج المحاصيل الزراعية الأخرى مع مراعاة الإقتصاد في نفقات الإنتاج وحضر هذا المؤتمر القنصل المصري بتلك المدينة كما اهتمت الحكومة المصرية بأعمال مؤتمر التجارة الخارجية في أمريكا الذي انعقد سنة 1930 والذي دعت إليه الحكومة المصرية ولكنها رأت متابعة أعمال المؤتمر دون الإشتراك فيه والواقع أن الحكومة المصرية أخطأت كثيراً في عدم اشتراكها في هذا المؤتمر حيث وضعت فيه الأسس لتشجيع التجارة، كما اشتركت الحكومة المصرية في معرض شيكاجو الدولي الذي عقد سنة 1933 وقد شيد المصري بالمعرض على الطراز الفرعوني على أرض مساحتها 25 ألف قد ووضعت مصلحة التجارة والصناعة كراسة للدعاية لمصر وخصص قسم لمعروضات جمعية تنشيط السياحة المصرية واشتركت الحكومة المصرية كذلك في مؤتمر البترول الذي انعقد في أول يوليو 1934 بمدينة تولسا وقدرت الحكومة المصرية ندب أحد موظفي المفوضية المصرية بواشنطن ليمثل مصر في هذا المؤتمر.

كما قامت الحكومة المصرية بمحاولة لزيادة الروابط الإقتصادية بين البلدين وذلك بمحاولة الإستفادة من خبرتهم في بعض الصناعات وصحيح أن الحكومة المصرية لم تطلب الإستفادة من الخبرة الأمريكية بشكل خاص حيث أنها كانت تضع إعلاناً يوزع على بعض القنصليات والمفوضيات المصرية بالخارج لطلب خبير في تخصص ما ولكن إدراج اسم أمريكا في إعلان للحكومة المصرية يوضح مدى الإهتمام المصري بتحسين وتشجيع الروابط الإقتصادية، ففي عام 1926 طلبت الخارجية المصرية – من خلال إعلان وزع على المفوضيات والقنصليات الأجنبية بالخارج – موظف ذور خبرة عالية في علم الأحياء المائية للإشراف على شئون صيد السماك في جميع انحاء القطر المصري ووضع الخطط والتدريب الفني بتربية الأسماك وزيادة انتشارها في البحار والبحيرات الداخلية وذلك لمدة ثلاث سنوات بمرتب قدره 900 جنيه سنوياً ولم تتقدم الولايات المتحدة بمرشح لهذه الوظيفة على الرغم من اتخاذ وزير مصر المفوض بواشنطن الخطوات اللازمة للإعلان عن الوظيفة في الولايات المتحدة وفاز بالوظيفة مستر ر. س. وينبني Mr. R.S. Winpenny وهو موظف بريطاني كما استفادت الحكومة المصرية من تعيين مستر (روزنيفلد) المهندس الزراعي الأمريكي صاحب الشهرة العالمية في شئون قصب السكر كخبير للبحث عن الآفات التي تصيب قصب السكر بالقطر المصري والإرشاد إلى الطرق والأنظمة المؤدية إلى علاج حالة قصب السكر كما اختارت الحكومة المصرية في سنة 1928 الكونيل هيوكوبر أحد كبار المهندسين الأمريكيين عضواً في لجنة الخبراء لدراسة مشروع توسيع سد أسوان على النيل ومستر هيوكوبر صاحب مشروع كيوكوك في وداي المسيسبي وله مشاريع أخرى في البرازيل وكندا وتشيلي والمجر والمكسيك وقد حاولت الحكومة المصرية الإستفادة من الخبرة الأمريكية حين رغبت في انشاء بوصة للبصل في الإسكندرية 1928 حيث قامت القنصلية المصرية بنيويورك ونيو أورليانس بالتعاون مه مصلحة التجارة الأمريكية – بإعداد تقرير من نظام العمل في بورصة المدينتان وكذلك حاولت الحكومة المصرية الإستفادة من الخبرة الأمريكية حين رغبت في وضع مشروع لرصف شوارع مدينة الإسكندرية 1927 حيث أرسلت وزارة الخارجية الأمريكية إلى المفوضية المصرية بواشنطن قائمة تضم ثلاثة أشخاص لإنتخاب أحدهم للقيام بالمأمورية المطلوبة أما بالنسبة لمسألة دراسة مصر للسوق الأمريكية فلم تلق اهتماماً كبيراً نظراً لأن البضائع المصرية التي كانت تستوردها الولايات المتحدة من مصر بضائع تكاد تكون ثابتة ومعروفة منذ فترة طويلة وهي القطن وبذرته والبصل وخام المنجنيز إلا أنه كانت هناك محاولات لدراسة السوق الأمريكية فقد طلبت القنصلية المصرية بنيويورك في عام 1927 من وزارة التجارة الأمريكية معلومات عن المنتجات المصرية التي تباع في الأسواق الأمريكية والمحلات التي تبيع هذه الأصناف وبالفعل وفاتها وزارة النجارة الأمريكية بالمعلومات اللازمة كما طلبت المفوضية المصرية بواشنطن بأسماء وعناوين المحلات التي تضع الماركات التجارية والتي طلبتها منها شركة The Standrd Patent Agency والتي كان مقرها شارع قصر النيل بالقاهرة وأرسلت المفوضية المصرية للشركة المذكورة قائمة بعناوين وأسماء المحلات الأمريكية الصانعة للماركات التجارية بالولايات المتحدة كما طلبت مصلحة التجارة والصناعة المصرية من قنصلية مصر بنيويورك والمفوضية المصرية بواشنطن أسماء وعناوين البيوت الأمريكية المشهورة في صناعة الجوربات الحرير للرجال والنساء والأطفال وأرسل القنصل المصري بنيويورك والوزير المصري المفوض بواشنطن أسماء وعناوين المحلات الأمريكية التي تشتهر بصنع هذه الجواربات ويلاحظ أنه في المسائل التي تخص السؤال من جانب بعض الشركات عن بعض المصانع الأمريكية الشهيرة في صناعة بضاعة ما أو في مسألة دراسة بعض الأفراد والشركات المصرية السوق الأمريكية كانت الحكومة المصرية تتنصل من المسئولية المترتبة على ذلك وخصوصاً الحالة المالية للشركة التي تطلب ذلك مما يدل على أن الحكومة المصرية لم تكن شديدة الحماس لدراسة السوق الأمريكية.

ب-الولايات المتحدة الأمريكية وتشجيع التجارة ودراسة السوق كما قامت الولايات المتحدة بالإهتمام بنفس القدر الذي اهتمت به الحكومة المصرية بدراسة السوق المصري والإهتمام بمطالب الشركات الأمريكية التي ترغب في إيجاد سوق تجاري لها بمصر، ففي عام 1924 تحمست الحكومة الأمريكية لمشروع قدمته شركة The Houde Hold Utilities, inc, Manfactures of Household specialties لقنصل المملكة المصرية بنيويورك لإدخال الراديو في القطر المصري ويبدو أن الحكومة المصرية قد رفضت هذا المشروع حيث أننى لم أعثر على إجابة الحكومة المصرية على هذا الطلب في ملفات الخارجية المصرية.

كما تقدمت شركة Radio Circular Co, inc – بطلب للحكومة المصرية تطلب فيه أسماء وتجار ومستوردى الآت الراديو بالقطر المصري وأرسلت الحكومة المصرية لهذه الشركة قائمة بأسماء مستوردى الآت الراديو بالقطر المصري مع تحفظ وضعته الحكومة المصرية بعدم مسئوليتها عن المركز المالي للشركات التي تضمها القائمة كما أرسلت شركة كلين Kleen Product Co. نماذج من مصنوعاتها عن طريق القنصلية المصرية بنيويورك ليطلع عليها الجمهور المصري لكن تكون مصر سوقاً لبضائعها.

كما طلبت شركة Continental Overseas Copration وكلاء يمثلونها بمصر فيما تصدره من السيارات الآلات الزراعية وبالفعل أرسلت الحكومة المصرية للقنصلية المصرية قائمة بأسماء مستوردى هذه الأصناف لتختار منهم الشركة المذكورة وكيلاص لها مع ملاحظة أبدتها الحكومة المصرية وهي "أن الحكومة المصرية غير مسئولة عن المركز المالي والتجاري لهؤلاء المستوردين أو عما ينجم من المعاملة مع أي واحد منهم". وذلك لتتنصل من المسئولية المترتبة على تعامل هذه الشركة مع الوكيل مع الذي يمكن أن تختاره. ونفس هذا الطلب طلبته شركة Hollow Baltimore Company. من الحكومة المصرية.

كما اهتمت الحكومة الأمريكية بدراسة حالة القطن المصري حيث أرسلت في عالم 1931 المستر ب. ك. نوريس P.K. Norris من مصلحة الزراعة الأمريكية لدراسة حالة القطن المصري وعلاقته بمركز القطن العالمي ولم تكن هذه أول مرة تقوم بها الحكومة الأمريكية بدراسة حالة القطن المصري فقد قام الدكتور جورج كارول سميث Dr. George Croll Smith. والمستر أدوارد آدمز Edward Admis أصحاب كبرى مصانع القطن بأمريكا بزيارة لمصر لعرض مصنوعاتها في الأسواق المصرية ودراسة حالة القطن المصري لمعرفة ما إذا كان من القطن المصري لمعرفة ما إذا كان الممكن شراءه لاستعماله في مصانعهم.

كما اهتمت الحكومة الامريكية بدراسة فرص الإستثمار التي توفرها الحكومة المصرية كمحاولة منها لإقتسام الحلوى المصرية الوطنية مع بريطانيا العظمى وهو الأمر الذي فشلت إلى حد كبير وتم ذلك من خلال الطلبات والاستفسارات الأمريكية عن فرص هذا الإستثمار فعلى سبيل طلبت الحكومة الأمريكية سنة 1924 ايضاحات وبيانات عن تشييد البناء الجديد لمحطة الإسكندرية والقوائم والشروط الخاصة بمناقصات أعمال المحطة ولم تحظ الولايات المتحدة بالفوز بهذه المناقصة وكنوع من توثيق الروابط التجارية بين البلدين أرسلت غرفة التجارة الأمريكية الممثلة لجميع الغرف التجارية بالولايات المتحدة للقنصلية المصرية بنيويورك – في عام 927 – عن كريقة استقبال الوفود التجارية أو من يأمون هذه البلاد لإستقصاء عظمة الصناعة أو انتشار التجارة كما قدمت الحكومة الأمريكية استفسارات عن النظم الموضوعية للبحث عن المناجم واستغلالها في مصر والقوانين الخاصة بذلك.

كما قدم أحد التجار الأمريكيين المقيمين بمدينة الإسكندرية لمصلحة التجارة لإقامة مصنع للغزل والنسيج بالإسكندرية برأسمال امريكي ويتضمن الطلب النقطتين الآتيتين: 1-إعطاء الشركة 100 ألف متر مربع من أرض الحكومة بالإسكندرية بشروط مناسبة لإقامة المعامل والمخازن عليها. 2-إعفاء الشركة من دفع الرسوم الجمرية عن الآلات والمهمات التي تستوردها – خاصة – لصناعتها وذلك لمدة معينة.

ولم تبد وزارة المالية اهتماماً بالطلب فحفظته في 14 ديسمبر 1927 وهو الأمر الذي جعل حسن ياسين أحد أعضاء مجلس النواب يلوم الحكومة المصرية في عدم جديتها في في هذا الطلب حيث ذكر أنه كان يجب أن تحل الحكومة هذا الطلب محل الإعتبار وأن تساعد على إنشاء هذه المصانع فلقد أبدى هذا المجلس رغبات في إنشائها، كما لام الأثرياء والمترفين المصريين عن تأخرهم في إنشاء هذه المصانع الهامة.

كما قدمت إحدى الشركات الأمريكية الهامة في سنة 1931 بتقديم عرض لوزارة المواصلات لإنشاء مواصلات تليفونية بين مصر والعواصم الأوروبية الكبرى وكان عطاؤها مرتفعاً الأمر الذي جعل الشركة ترسل مندوباً عنها لمباحثة وزارة المواصلات في أمر تخفيض العطاء ولكن الحكومة المصرية رفضت العطاء لأن الحكومة المصرية لم يكن في نيتها مطلقاً التخلي عن أية مصلحة من المصالح العامة بل إن الحكومة تسعى دائماً لإنتهاز كل فرصة لتضع تحت رقابتها كل ما يتعلق بالمصالح العامة مما تتولاه الشركات وعلى الرغم من ذلك فقد أبرمت عقد مع شركة ماركوني البريطانية لإنشاء مخابرات تليفونية بين مصر وأوروبا وهذا يؤكد مدى النفوذ البريطاني في الإستثمارات البريطانية وسد الأبواب أمام أي دولة تحاول أن تشاركها في الأكلة المصرية الدسمة وعلى الرغم من ذلك فقد ساهم رأس مال أمريكي في الشركات التي أنشأها بنك مصر مثل شركة مصر للحرير الصناعي والمساهمة في شركة النيل للحلج سنة 1935 فقد امتلك الجزء الأكبر من أسهم هذه الشركة شركة اندرسون وكلايتون بأمريكا وبلغ رأس مال الشركة 250.000 ونتيجة لإستحواذ الشركات البريطانية لأغلب المشاريع المصرية فقد شعرت الحكومة الأمريكية أن هناك تمايز ضد الشركات الأمريكية ولذلك دافعت عن انتهاك مبدأ المساواة في الفرص وسياسة الباب المفتوح وهي العقيدة الراسخة التي أسهم في تكوينها الأباء المؤسسين لأمريكا.

وظهر تمايز ضد الشركات الأمريكية في تقييد المناقصات لبناء سد جبل الأولياء بالسودان على شركات بريطانية حيث سمحت الحكومة المصرية لسبع شركات بريطانية فقط بإرسال عطاءتهم.

وأثار هذا التمايز الخارجية الأمريكية والتي أمرت وزيرها المفوض بالقاهرة أن يوضح – في الوقت الملائم – للسلطات المصرية المعنية – بطريقة غير رسمية – أنه بينما لا تنوي الحكومة الأمريكية أن تقدم احتجاج رسمي في المرحلة الحالية فأنها ترغب في ان تفهم الحكومة المصرية بوضوح أنها أي الحكومة الأمريكية تنظر بإزدراء للترتيبات التي منعت الشركات الأمريكية من التمتع بالمساواة في الفرص في مصر كتلك الممنوحة للشركات الأجنبية الأخرى.

وفي مقابلة الوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة مع محمود حلمي عيسى باشا القائم بأعمال وزير الخارجية أوضح الوزير الأمريكي موقف حكومته من المسألة وكان رد محمود حلمي باشا بأن الإتفاق الحالي بين مصر وبريطانيا فيما يتعلق في منح العقد لبناء سد جبل الأولياء لشركات بريطانية لا يعد تقليل من شان العقود الأخرى المماثلة وأن العمل سيتم في السودان وبريطانيا لها السيطرة هناك كما أن الحكومة المصرية توافق بشكل تام على المساواة بين كل الأجانب والمصالح الإقتصادية الأجنبية في مصر وإنها ليس لديها رغبة في وضع أية ترتيبات تمنع الشركات الأمريكية من التمتع بالفرص على قدم المساواة مع الدول الأجنبية الأخرى وفي رد حلمي عيسى باشا ما يؤكد مدى السيطرة البريطانية على فرص الإستثمار في مصر، ويلاحظ بالنسبة لمسألة تشجيع التجارة، أن كلا الدولتين كانتا تتصلان من المسئولية تداه الشركات التي تود أن تجعل سوقاً في البلدين ويعكس هذا أن الدولتين لم تكن لديهم نية كبيرة لتوثيق عرى العلاقات الإقتصادية بينهما ويعكس كذلك ضئالة المصالح بين البلدين ولا يعمس بطبيعة الحال انعدام هذه المصالح بشكل مطلق والسبب في ثبوط همة البلدين لتوثيق عرى العلاقات الإقتصادية بينهما وهووجود طرف ثالث في العلاقات المصرية الأمريكية يحكم ويحدد مسار العلاقات ويقف كحاجز فولاذي لوقف وحجز أي تطور أو نمو او تقدم تحرزه كلا الدولتين في علاقاتهما وهذا الحاجز الفولاذي القوي هو بريطانيا العظمى التي احتفظت لفترة طويلة بسمعو حسنة كقاطعة طريق ذات كفاءة عالية لوقف أي تطور في العلاقات المصرية الأمريكية.

ثانياً: الاتفاقات التجارية ومشاكل التعريفة الجمركية بين مصر والولايات المتحدة

1-الإتفاقات التجارية: إذا نظرنا إلى المعاهدات والإتفاقيات التجارية بين مصر والولايات المتحدة نجد أن الولايات المتحدة قد اتفقنا الحافز القوي لعقدها أو الدخول في مفاوضات بخصوصها وكل ما كان يهمهما هو الحصول على حق معاملة الدول الأكثر رعايا لتتمتع بالمزايا التي تحصل عليه أي دولة دون أن تجهد نفسها في الدخول في مفاوضات تلك المعاهدات. ولذا نجدها ف ياتفاقية 1830 مع الدولة العثمانية التي أعطت التجار الأمريكيين حق المتاجرة بحرية في جميع أنحاء الدولة العثمانية تصر على الحصول على ذلك الحق، والتي بمقتضاها تمكنت من جعل السلطان يوافق على تطبيق بنود التعريفة الجمركية السارية مع فرنسا أي نسبة 3% من القيمة على الصادرات والواردات وعندما انتهت الإتقافية التدارية بين تركيا وفرنسا عام 1832 وحاول الباب العالي إجبار الولايات ال متحدة على قبول تعريفة جمركية نسبتها 15% من القيمة أصرت على حقها في بقاء النسبة 3% ونجحت في ذلك وعندما حاول محمد على زيادة التعريفة الجمركية أصرت الولايات المتحدة على تنفيذ إتفاقية 1830 وما تضمنها من امتيازات على الرغم من سعي محمد علي الحثيث لتوطيد علاقته التجارية معها ومحاولته الحثيثة كذلك لم يمنع الولايات المتحدة من الإصرار على تنفيذ بنود إتفاقية 1830.

وعندما عقدت الإتفاقية التجارية البريطانية التركية المعروفة بإسم بالطة ليمان في 6 أغسطس 1738 وحصل بمقتضاها البريطانيون على رسوم جمركية 5% على الواردات و12% على الصادرات، امتد أثر هذه الإتفاقية إلى الولايات المتحدة باعتبار تمتعها بحق الدولة الأكثر رعايا وعندما طلب نوبار باشا في 12 ابريل 1874 من الولايات المتحدة الدخول في مفاوضات من أجل عقد معاهدة تجارية وتكرر هذا الطلب عام 1881 لم تعن الولايات المتحدة حتى بالرد على هذين الطلبين، إذ أصرت في قرارة نفسها على استمرار تمتعها بحق الدولة الأكثر رعايا.

حقيقة أن الولايات المتحدة وقعت إتفاقية مع مصر عام 1884 تشبه تلك الإتفاقية التي وقعتها مصر مع اليونان مدتها سبع سنوات إلا أنها (الولايات المتحدة) أصرت على أن يكون الحق المذكور (حق الدولة الأكثر رعايا) هو البند الأول في تلك الإتفافية، وعلى ذلك نجد الولايات المتحدة عندما ينتهي أجل هذه الإتفاقية تصر على الإحتفاظ بهذا الحق وتماطل في عقد أي إتفاقيات جديدة وكان على الحكومة المصرية أن تنتظر حتى انتهاء أجل الإتفاق التجاري بينها وبين ايطاليا الذي ينتهي في 16 فبراير 1930 حتى تستطيع وضع نظام جمركي جديد تنظم على أساسه التجارة بينها وبين الدول وفقاً لإتفاقيات تجارية بينها وبين الدول الأخرى ولذلك كلما انتهت إتفاقية جمركية مع دولة من الدول كانت الحكومة المصرية تجددها مدة قصيرة بحيث تنتهي مع انتهاء مدة لإتفاقية المعقودة مع ايطاليا فكل الإتفاقيات بين مصر وجميع الدول بسبب تلك التجديدات تنتهي في 16 فبراير 1930 وقبل انتهاء هذا الميعاد ووفقاً لرغبة البرلمان – استقدمت الحكومة المصرية بعض الخبراء لفحص حالة النظام الجمركي القائم بوضع النظام الذي يرونه مناسباً وموافقاً لحالة التطور العام والأنظمة المعمول بها في الدول الأخرى وذلك بأن جعلوا الضريبة الجمركية نوعية وكانت قبل ذلك قيمية أي نسبة قيمة الأشياء التي تحصل عنها التعريفة الجمركية وصدر قانون التعريفة الجمركية بعد دراسة البرلمان في فبراير 1930 وكان أهم مواد هذا القانون – والتي تتعلق بعقد معاهدات تجارية مع الدول الأجنبية – هي المادة 6 التي تنص على أن للحكومة المصرية الحق في أن تبرم مع الحكومات الأجنبية اتفاقيات (جمركية) بأن تبادل الإتفاق بمعاملة الدولة الأكثر رعايا لمدة لا تتجاوز عام مع تبادل تثبيت الرسوم أو بدون تثبيت الرسوم والمادة 2 التي تنص على أنه علاوة على الرسوم الواردة بالتعريفة المنوه عنها في المادة السابقة تفرض ضريبة إضافية معادلة لمقدار تلك الرسوم على البضائع التي أصلها من بلاد لم تكن قد أبرمت مع الحكومة المصرية إتفاقات جمركية وتحصل هذه الضريبة بنفس الشروط المتبعة في تحصيل رسوم الجمرك وتستحق هذه الضريبة مهما كان المصدر الأصلي للبضاعة في كافة البضائع الواردة عن طريق بلاد لم تكن قد أبرمت مع الحكومة المصرية إتفاقاً جمركياً ومع ذلك ففي أثناء السنة الأولى من تاريخ سريان التعريفة الجديدة يرخص لوزير المالية في أن يمنح بقرار وزاري إعفاءات مؤقتة من الضريبة المنوه عنها من قبل سواء بوجه عام أو بوجه خاص لبلاد معينة.

وقد كان لصدور قانون التعريفة الجمركية أثر كبير على رواج التجارة ونمو الصناعة داخل البلاد بالإضافة إلى حماية الصناعة والبضائع المصرية من المنافسة الأجنبية.

وكان لصدور قانون التعريفة أثر كبير على الولايات المتحدة فقد كان لها إتفاقية تجارية في مصر سنة 1884 كما سبق الإشارة تفرض تعريفة 8% من قيمة السلع المستوردة، و1% على جميع السلع المصدرة وصدور قانون التعريفة الجمركية تحتم على الولايات المتحدة أن تعقد إتفاقيات تجارية مع الحكومة المصرية.

أ-الإتفاقية التجارية المؤقتة 1930 لقد انشغلت الحكومة الأمريكية بنية الحكومة المصرية بتغيير تعريفتها الجمركية سنة 1930 عند انتهاء أجل الإتفاقية الإيطالية المصرية، وبدأت تعد للأمر عدته وكان من رأي الخارجية الأمريكية أن يتحقق الوزير الأمريكي المفوض من أراء الوزراء الأجانب المفوضين في مصر وأراء حكوماتهم ويبلغ الخارجية الأمريكية بذلك.

ويلاحظ أن موقف الحكومة الأمريكية موقف سلبي ولكنه في نفس الوقت متفق مع السياسة الأمريكية والتي كانت تتجنب موقف الصدارة في القضايا المصرية على أساس ضئالة المصالح الأمريكية في مصر وهي النغمة التي ظلت تعزف عليها الولايات المتحدة طوال فترة بين الحربين، ولذلك فإنها كانت تنتظر معرفة ردود أفعال الدول واحتجاجتهم على قانون التعريفة الجمركية وتستفيد منها في النهاية دون أن تتخذ موقف صدارة يمكن أن يؤثر على مصالحها الضئيلة في مصر، وضع وجهة نظره عن المسألة حيث ذكر لحكومته في برقية بتاريخ 16 أغسطس 1929، "أن زملاءه يشعرون بانه سوف لا يكون من الحكمة خلق نزاع في مسألة التعريفة الجمركية في ضوء الوضع العام في مصر، وفي ضوء المقترحات الأكثر أهمية الداعية للعمل على إصلاح نظام الإمتيازات، كما ظهر في المحادثات الحالية بين مصر وبريطانيا واعتقد أن هذا الموقف صحيح بدرجة جوهرية كان ذلك هو الموقف الأمريكي قبل صدور قانون التعريفة الجمركية، طبقاً للمادة السادسة من قانون التعريفة الجمركية، أرسلت الحكومةالمصرية مذكرة دورية لممثلي الدول الأجنبية بمصر وذلك من أجل إبرام معاهدات تجارية مع الدول على أساس معاملات الدولة الأكثر رعايا واقترحت الحكومة المصرية عقد معاهدات تجارية مؤقتة في الحال على أساس حق معاملة الدولة الأكثر رعايا وذلك انتظاراً لإجراء مفاوضات من أجل عقد معاهدات تجارية دائمة وعلى أن تكون للحكومة المصرية حق في أن تجبي رسوم مضاعفة على البضائع التي تأتي من الدول التي لا تبرم تلك المعاهدات المؤقتة وفي مذكرة الخارجية المصرية للوزير المفوض الأمريكي ذكرت أن الحكومة المصرية ترغب في عقد اتفاقية مؤقتة مع الولايات المتحدة بشروط تبادل حق الدولة الأكثر رعيا كما طلبت الخارجية المصرية من الخارجية الأمريكية أن تخبرها أن تخبر بشكل سريع عما تتخذ الخارجية الأمريكية بشان ذلك.

وجاء رد الخارجية الأمريكية على المذكرة المصرية متناغماً مع أراء الوزارء الأجانب المفوضيين الذي استفسر عنها من قبل القائم بالأعمال الأمريكي بمصر حيث قررت الخارجية الأمريكية بأنها ترغب في عقد اتفاقية تجارية مؤقتة على أساس حقوق الدول الأكثر رعاية وفوضت الحكومة الأمريكية الوزير الأمريكي المفوض بمصر مستر جونثر لإبرام اتفاقية تجارية مؤقتة مع الحكومة المصرية تنتهي في 16 فبراير 1931 وبدأ الوزير الأمريكي في مصر يتفاوض مع الحكومة المصرية لإبرام لبمعاهدة حيث وجدت الحكومة الأمريكية أنه لا مفر من عقد معاهدات تجارية مؤقتة مع الحكومة المصرية إذا أرادات أن تستمر في علاقتها التجارية مع مصر ولكي تتجنب دفع رسوم جمركية مضاعفة على بضائعها، كما نص على ذلك قانون التعريفة الجمركية، وبالتالي فقد بدات المفاوضات على أساس أنه لا مفر من المعاهدة التجارية المؤقتة إلا بالمعاهدة التجارية المؤقتة، وأثناء محادثات المعاهدة استفسر الوزير الأمريكي المفوض مستر جونثر من أحد أعضا دار المندوب السامي عن حقيقة عما إذا كانت الحكومة ال مصرية مستعدة لإبرام اتفاقية تجارية مع روسيا على أساس حق الدولة الأكثر رعاية فاكد المندوب السامي البريطاني لمستر جونثر أنه لا يستلم طلب بهذا الشان من الحكومة الروسية، وقد جاء هذا الاستفسار أساساً من شركة فالكوم للبترول Company Vacum Oil الذي يأتي معظم وارداتها لمصر من منتجات في روسيا وذلك لخشية هذه الشركة من أن عدم إبرام معاهدة تجارية مع روسيا سيؤدي إلى دفع هذه الشركة ضريبة عالية على وارداتها من البترول من روسيا، كما فاتح السفير السوفيتي في أنقرة Angora القائم بالأعمال المصرية في تلك المدينة عن تطبيق التعريفة الجمركية على البضائع الروسية وذكر للسفير المصري اهتمام شركة فالكوم الأمريكية فرد نائب وزير الخارجية على استفسار السفير الروسي في أنقرة موضحاً انه ليس هناك شيء يمكن أن يفعل بهذا الشأن، حيث أنه ليس هناك علاقات رسمية (دبلوماسية) بين مصر وروسيا وأن مصر لا ترغب في تأسيس تلك العلاقات وخلاف استفسار شركة فالكوم بشأن المعاهدة لم تثور أثناء مناقشات المعاهدة مع الحكومة المصرية أية مشكلة وانتهت المناقشات بإبرام اتفاقية تجارية مؤقتة بين مصر والولايات المتحدة في 24 مايو 1930 وقد نصت الإتفاقية على أن الحكومة المصرية تقبل أن تطبق بدون شروط معاملة الدولة الأكثر رعايا على جميع الحاصلات والمصنوعات المنتجة أصلاً في الولايات المتحدة والتي تستورد إلى مصر لنستهلك فيه أو تصدر منها أو تعبرها إلى بلاد أخرى وتطبق بصفة مؤقتة التعريفة الجمركية الممتازة على الوارد من هذه المنتجات إلى مصر عن طريق بلاد لم تعقد اتفاقات تجارية، وهذه المعاملة تقوم على شرط المعاملات التامة بالمثل مع الإستثناءمن جانب مصر للمعاملة الخاصة بالحاصلات السودانية التي قد تطبق على حاصلات بعض البلاد المتاخمة بمقنضى إتفاقات محلية خاصة بها ومن جانب الولايات المتحدة للمعاملات التي تمنحها في المستقبل لتجارة كوبا أو لتجارة قناة بنما وكذا المعاملة أو الممتلكات او لتجارة الولايات المتحدة مع إحدى البلاد المتاخمة أو الممتلكات أو لتجارة هذه الأرض او ممتلكات بعضها مع بعض ولا ينطبق هذا الإتفاق على الموانع أو القيود الموضوعة لإعتبارات صحية أو التي ترمي إلى وقاية حياة الإنسان أو الحيوان والنبات كما أنه لا يسري أيضاً على اللوائح الخاصة بتنفيذ قوانين البوليس والإيرادات ويجوز أن ينتهي هذا الإتفاق بتراضي الطرفين كما يجوز لكل منهما أن ينقضه على أن يخطر الطرف الآخر قبل ذلك بثلاثة شهور، ومع ذلك إذا وجد أحد الطرفين بسبب تشريع في المستقبل أنه في حاله لا تمكنه من تنفيذ نصوص هذا الإتفاق فإن الإلتزامات المترتبة عليه تسقط بناء على ذلك.

وبذلك قد تم عقد إتفاق تجاري بين مصر والولايات المتحدة في 24 مايو 1930.

وانطلاقاً من مبدأ حماية الصناعة والمنتجات الوطنية المصرية فقد أصرت الحكومة المصرية رسوماً جديدة على القمح والدقيق في 9 فبراير 1931 ورسماً جمركياً متزايداً على الكبريت في 11 فبراير 1931 يبلغ 15 دولاراً كما أدخلت الحكومة المصرية بعض التعديلات في 200 مادة رئيسية من مواد تعريفة 1930 وقد تأثرت بضائع أمريكية بهذه الزيادة على رسوم التعريفة مثل اللبن المعلب والجاف والفاوطه المعلبة والمحفوظة والورنيش والدهان والمنتجات القطنية التي تباع بالقطعة والأسماك والنعال ووالأحذية والمعدات والآلات والنشا وصادرات هذه البضائع جميعاً تقدر بحوالي مليون دولار سنوياً بالإضافة لرسوم الضريبة على كل من الجازولين التي زادت من 160 قرش إلى 360 قرش والكيروسين من لاشئ إلى 44 قرش لكل طن متري وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة اعترفت بأنها سوف تتأثر بشكل أقل من الدول الأوروبية الأخرى من جراء هذه التغييرات في رسوم التعريفة وأنه ليس هناك تميز واضح إزاءها في تطبيق قانون التعريفة إلا أنها أجرت مناقشة لهذه المسألة مع دار المندوب السامي ومفوضيات فرنسا وايطاليا وبلجيكا، ونتيجة لتناقش الوزير الأمريكي المفوض مع وزير ايطاليا المفوض شعر الوزير الأمريكي أن هناك رغبة قوية من جانب ايطاليا لعمل مشترك مع الولايات المتحدة لمناقشة حق مصر في تغيير فئات الرسوم الجمركية، ليس طبقاً للعادة والعرف ولكن طبقاً للتحفظات التي أبدتها فرنسا وايطاليا عندما أعطوا موافقتهما على عقد الإتفاقات التجارية المؤقتة وهو أن جداول الرسوم يجب ألا تزيد أثناء مدة الإتفاقات.

وكان من رأي الخارجية الأمريكية بأنه ليس من المرغوب فيه في هذا الوقت تقديم احتجاجات رسمية للحكومةالمصرية فيهما يتعلق بفئات الرسوم الجديدة ولبت من وزيرها المفوض بالقاهرة أن يؤكد ذلك لوزير الخارجية المصرية حيث طلبت منه أن يطلب لقاء غير رسمي مع وزير الخارجية المصرية وأن يخبره أنه بينما الحكومة الأمريكية مفعمة بالمشاعر الودية مع الحكومة المصرية فهي لا تعتزم في هذا الوقت في الإحتجاج على الزيادة الحالية كما أمرت الخارجية الأمريكية وزيرها المفوض بالقاهرة في 23 مارس 1931 أن يقدم رسالة لوزير الخارجية المصري عن موافقة الحكومة الأمريكية على جباية ضريبة الكبريت من مواطنيها وإن الحكومة الأمريكية ستكون في موقف إعطاء الإهتمام لإمكانية طرح تحفظاتها لمرسوم وقانون 11 فبراير 1931 عندما تتثنى لها الفرصة لدراسة النصوص الرسمية التي أعلنت فيها ونتيجة لإصرار الحكومة المصرية على حماية إنتاجها بإصدارها تعريفات جمركية عالية على بعض البضائع الأجنبية المصدرة إليها، وجدت الخارجية الأمريكية أنها لامفر من ذل ك إلا بعقد معاهدة تجارية دائمة مع الحكومة المصرية لوضع أسس متينة للتبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة ولذلك تجدها توافق على مقترحات وزيرها المفوض بالقاهرة وهي ضرورة المناقشة مع وزير ايطاليا وفرنسا وبلجيكا المفوض بالقاهرة فيما يتعلق بإبرام إتفاقات تجارية دائمة مع الحكومة المصرية كما فرضت الحكومة الأمريكية وزيرها المفوض بالقاهرة في إجراء محادثات غير رسمية بشأن إتفاقيات تجارية دائمة مع الحكومة المصرية ولكنها حذرته من أن هذه المحادثات ستكون ببساطة لتبادل وجهات النظر بالطرق الممكنة للعمل التي ربما تتخذها الدول الأجنبية المعنية من أجل حماية مصالحهم التقليدية في مصر وإنه لا يجب أن يبين أمام هذه الحكومة أي طريقة عمل محددة دون الحصول على موافقة وتعليمات الخارجية الأمريكية مسبقاً ومع ذلك لم تجر الولايات المتحدة أي محادثات لإبرام إتفاقيات تجارية دائمة إلا في عام 1936 ويبدو – من وجهة نظري – أن زيادة ال رسوم الجمركية في سنة 1931 هو الدافع الذي جعل الحكومة الأمريكية تشعر بالرغبة في عقد إتفاقية تجارية دائمة مع مصر مكا كانت زيادة الولايات المتحدة للضريبة المفروضة على القطن المصري طويل التيلة دافعاً أكثر إلحاحاً على الحكومة المصرية لمحاولة عقد معاهدة تجارية مع الولايات لضمان تصدير أهم منتج من المنتجات المصرية للولايات المتحدة الأمريكية.

ب-محاولة الحكومة المصرية عقد معاهدة تجارية مع الولايات المتحدة أصدر الكونجرس تفويضاً للرئيس في سنة 1934 لإبرام معاهدات جمركية متبادلة طبقاً لها تزيد أو تقل الرسوم إلى 50% وطبقاً لهذه الرسوم ونتيجة له أبرمت الولايات المتحدة أكثر من 20 معاهدة تجارية قبل الهجوم على بارل هربر Pearl Harbor حتى يتثنى للولايات المتحدة خفض القيود التجارية الشديدة على تجارتها الخارجية وبالرغم من ذلك لم تحاول الولايات المتحدة أن تناقش إتفاقية تجارية مع الحكومة المصرية.

وفي عام 1936 جرت محادثات لعقد معاهدات تجارية بين البلدين بناء على طلب الوزير المصري المفوض بواشنطن حيث أظهر للحكومة الأمريكية رغبة حكومته في عقد إتفاقية تجارية بين البلدين كما أتصل الوزير المصري المفوض بواشنطن بالمستر فرانسيس ب. ساير Francais. B. Sayre مساعد وزير الخارجية الأمريكية ليناقشه في مسألة المعاهدة التجارية بين البلدين وكان حديث مستر ساير للوزير المصري جافاً حيث أوضح مستر ساير للوزير المصري أنه من الضروري تجنب إعطاء أي انطباع بـأن الإتفاقية مع مصر من المحتمل إكمالها في المستقبل القريب حيث أنه لا يرغب لشعب وحكومة البلدين اكتساب انطباعاً متناقضاً بشان المعاهدة ويبدو أن الوزير تم بين بين الوزير المصري كان متلهفاً لإبرام تلك الإتفاقية وأتضح ذلك من خلال اللقاء الذي تم بين الوزير المصري ورئيس قسم المعاهدات التجارية بالخارجية الأمريكية مستر جرادى Grady حيث طلب الوزير المصري الذي كان يستعد لترك أمريكا إلى مصر في أجازة – أن يحصل بشكل غير رسمي بقائمة الأشياء التي يمكن أن تطلب من مصر في المعاهدة ليعرضها على حكومته وقال أنه من المهم أن يحصل على ذلك حيث أن الحكومة المصرية ترغب في عقد معاهدات مع عديد من الدول وأكد مستر جرادى أنه لن يحدث ما هي مصالحنا التي يمكن أن تكون في المعاهدة من خلال الإحصائيات التجارية بين البلدين للأربع أو الخمس سنوات الماضية وكان لتلهف الوزير المصري وقعه السيئ على مستر جاردى الذي تهكم وسخر من الوزير ال مصري في مذكرته للخارجية الأمريكية حيث ذكر أن الوزير المصري يرغب في أن يعود إلى بلده بأي شيء للإشارة على أنه بدأ المفاوضات هنا كما أكد كذلك (مستر جرادى) أن الوزير ال مصري سوف لا يستطيع أن يشير لحكومته بانه حتى المفاوضات المبدئية بدأن ورفضت الحكومة الأمريكية إبرام معاهدات تجارية مع الحكومة المصرية وكان رفض الخارجية الأمريكية إبرام المعاهدات التجارية يرجع للأسباب الآتية: 1-نتيجة لإضطراب الأوضاع الداخلية في مصر نتيجة لموت الملك فؤاد والإنتخابات والتغييرات المتوقعة في مجلس الوزراء. 2-عدم استقلال السياسة الإقتصادية المصرية وذلك بسبب الوضع الخاص لبريطانيا في مصر الأمر الذي يجعلها غير قادرة على اتباع سياسة اقتصادية دولية مستقلة بشكل تام. ولا أدل على ذلك من أن الإنجليز حينذاك هم الذين يرسمون السياسة المالية والإقتصادية للبلاد (مصر) ويتولون تنفيذها مباشرة بل ـنهم كانوا يرسمون وينفذون غير ذلك من السياسات الإجتماعية ذات الأثر المباشر في حياة مصر الإقتصادية كما استحوذت بريطانيا على 37.8% من تجارة مصر الخارجية في عام 1936. 3-ليس هناك فوائد مساوية يمكن أن تقدمها الحكومة المصرية للولايات المتحدة في مقابل تخفيض الرسم على القطن المصري طويل التيلة الذي يشكل المحصول الرئيسي للصادرات المصرية للولايات المتحدة والمصدر الرئيسي للثروة في مصر وهو السبب في دخول الحكومة ال مصرية في مفاوضات مع الولايات المتحدة لإبرام معاهدة تجارية بين البلدين. 4-عدم توقع الولايات المتحدة من أن تتخذ الحكومة المصرية قيوداً على الصادرات المتبادلة بين ال بلدين أو تلجأ لإجراءات يمكن أن تضر التجارة الأمريكية في مصر، ولم تنجح الحكومة المصرية في عقد معاهدة تجارية مع الولايات المتحدة في عام 1936.

ونتيجة لطلب الحكومة المصرية سنة 1938 تخفيض نسبة التعريفة الجمركية للولايات المتحدة على القطن المصري طويل التيلة التي فرضها الحكومة الأمريكية سنة 1930 لحماية انتاجها الوطني من منافسة القطن المصري طويل التيلة أكد مستر هوكينس Hawkins رئيس قسم المعاهدات التجارية بالخارجية الأمريكية للقائم بالأعمال المصري بواشنطن أن تخفيض الرسم على القطن طويل ال تيلة يأتي من خلال طريقة واحدة هي عقد معاهدة تجارية بين البلدين على أساس معاملة الدولة الأكثر رعاية وأن أمريكا ترغب في مناقشة تلك الإتفاقية مع القائم بالأعمال المصري بالتفصيل وبالتالي فقد أضاءت للحكومة الأمريكية الضوء الأخضر للحكومة المصرية لإبرام معاهدة تجارية مع الحكومة المصرية وبناء على ذلك دخلت الحكومة المصرية في محادثات لإبرام معاهدة تجارية مع الولايات المتحدة من خلال الوزير المصري المفوض بواشنطن الذي اتصل في يناير 1939 برئيس قسم الشرف الأدنى بالخارجية الأمريكية مستر موراى Murray للتحقق ما إذا كانت المطالب المصرية لتخفيض الضريبة على القطن المصري الطويل التيلة أعطيت عناية إيجابية من خلال أية إتفاقية تجارية دائمة مع مصر وذكر الوزير المصري لمستر مورى الهبوط الحاد الذي أصاب التجارة بين مصر والولايات المتحدة نتيجة للتعريفة الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على البضائع المصرية وخصوصاً القطن طويل التيلة والبصل والمنجنيز.

وكانت الحكومة المصرية متلهفة لإبرام معاهدة تجارية مع الولايات المتحدة نتيجة لضغط مصدري القطن المصريين فقد جاء في محادثة بين مستر ثرنون ل. فيلبس Vernon. L. Phelps من قسم المعاهدات التجارية بالخارجية الأمريكية ومستر فرنسيس ساير نائب وزير الخارجية الأمريكية والوزير المصري المفوض بواشنطن أن قال مستر ساير للوزير المصري "إن مصلحة الحكومة المصرية ألا تضغط لإبرام إتفاقية تجارية بشكل سريع في هذا الوقت" فرد الوزير المصري عليه "أن حكومته تلقى ضغوطاً كبيرة من مصدري القطن للحصول على أنصاف من الولايات المتحدة ونتيجة لإلحاح الوزير الصمري في عقد المعاهدة هينت الحكومة الأمريكية لجنة فرعية من قسم المعاهدات التجارية لدراسة إمكانية عقد إتفاقية تجارية مع مصر. كما قرر مستر هوكينس رئيس قسم الإتفاقات التجارية بالخارجية أن تبدأ محادثات تمهيدية مع الوزير المصري لحين إعطاء لجنة المعاهدات التجارية موافقتها على إجراء مفوضات لعقد إتفاقية تجارية مع مصر وحدد مستر هوكينس طبيعة المحادثات مع الوزير المصري بأنها ستكون على الإمتيازات التي يمكن أن يتضمنها افتفاق التجاري بين البلدين

وقدمت الخارجية الأمريكية في المحادثات التمهيدية مع الوزير المصري مذكرة بالإمتيازات التي ترغب في إدخالها ف يالإتفاقية التجارية مع مصر ف يحالة موافقة اللجنة المنبثقة من قسم المعاهدات التجارية يبدأ مفاوضات رسمية نصت على قبول الولايات المتحدة تخفيض الرسم على القطن الطويل التيلة 50% وهو أقصى تخفيض يمنحه القانون، بالإضافة إلى الحناء والسنامك ولباب الورق التي ستعطيها الولايات المتحدة امتيازا في المعاهدة وفي مقابل منح الإمتيازات السابقة فمن الضروري طبقاً الجمركية على المنتجات الأمريكية وهي الطباق Tabacco والأسماك كما ستنظر الولايات المتحدة إلى تخفيضات مقابلة بالتساوي في رسوم الواردات المصرية على المنتجات التي تتضمنها القائمة (أ) من قوائم التعريفة الجمركية الأمريكية، وستعطي الولايات المتحدة ضمانات ضد الزيادة في الرسوم الحالية التي تضمنها القائمة (ب) من قوائم التعريفة الجمركية، وقد بلغت الواردات إلى مصر من الولايات المتحدة من البضائع التي تتضمنها القائمة (أ)، (ب) 6.905.00 جنيهاً عام 1937 ومثلت 63.5% من إجمالي الواردات إلى مصر من الولايات المتحدة في ذلك العام، أما واردات الولايات المتحدة من مصر فهي القطن طويل التيلة، السجاير، خام السنامك، الحناء، لباب الورق وتبلغ تلك المنتجات 7.370.839 ومثلت 55.4 من إجمالي واردات الولايات المتحدة من مصر في ذلك العام وفي النهاية ذكرت الخارجية الأمريكية للوزير المصري المفوض بواشنطن أنه في حالة موافقة الحكومة المصرية على وجهات النظر الأمريكية فإن إعلان الحكومة الأمريكية الرغبة في التفاوض من أجل إبرام المعاهدة التجارية مع مصر ستكون مسألة وقت وستكون الولايات المتحدة حينئذ في وضع ملائم لبدء المفاوضات الثنائية مع الحكومة المصرية.

وبالفعل ناقشت لجنة التجارة الخارجية المصرية المفترحات الأمريكية وبعد دراستها جيدة وجدت اللجنة أن لجنة اتفاقية الأمريكية اتخذت قاعدة المناقشات مع الوزير المصري على أساس إحصائيات عام 1937 ورغبت لجنة التجارة الخارجية المصرية في اتخاذ إحصائيات عام 1938 حيث أن ذلك سيكون ملائم للحكومة المصرية كما بينت اللجنة المصرية تهتم فقط بتخفيض 50% من التعريفة المفروضة على القطن طويل التيلة وبذرته ولذلك فإنها تميل على إعطاء إمتيازات معنية معينة في القائمة (أ) بشكل متبادل مقابل التخفيض المقترح على ضريبة القطن طويل التيلة وبذرته.

ووجدت الخارجية الأمريكية أن حذف كل بنود القائمة (ب) ما يضر بمصالحها وهو الإقتراح الذي لجنة التجارة الخارجية المصرية ولذلك رفضت حذف كل بنود القائمة (ب) واقترحت تعديل للقائمتين (أ)، (ب) وذلك في حالة وصول القرار النهائي من اللجنة المنبثقة من لجنة المعاهدات التجارية الأمريكية – لإجراء مفاضاوت نهائية مع الحكومة المصرية لإبرام المعاهدة أما بالنسبة لتخفيض الضريبة المفروضة على القطن طويل التيلة فقد تراجعت الحكومة الأمريكية في قرارها بتخفيض الضريبة إلى 50% نتيجة للمصاعب والمشاكل التي يتعرض لها القطن وانتظاراً لقرار المؤتمر المزمع عقده في واشنطن في سبتمبر من نفس العام (1939) وبناء على ذلك فإن الحكومة الأمريكية أبلغت الوزير المصري المفوض بأنها تأسف إذا ما وجدت نفسها غير قادرة على إعطاء هذه الإمتيازات للقطن طويل التيلة بالرغم من ذلك فقد وافقت الحكومة الأمريكية على إتخاذ إحصائيات عام 1938 بدلاً من إحصائيات عام 1937 كأساس للمحادثات التمهيدية مع الوزير المصري المفوض.

ونتيجة لنشوب الحرب العالمية الثانية فقد جاء رد الحكومة الأمريكية في مسألة بدء المفاوضات الرسمية لعقد المعاهدة التجارية مع مصر مخيباً للأمال المصرية والتي كان ينتظرها (من عقد المعاهدة) تجار ومصدري القطن في القطر المصري وكذلك مخيباً للآمال الحكومة المصرية حيث ذكرت الخارجية الأمريكية للوزير المصري المفوض بواشنطن أن الحكومة الأمريكية نظراً للتقلبات الحالية الناشئة عن الحرب في أوروبا وغياب أي خطط متعلقة بمؤتمر القطن فإنه من المستحيل أن نصيغ مقترحات في هذا الوقت متعلقة بالمعاهدة ولا يمكن أن نتنبأ بالوقت الذي سيكون من الممكن أن نفعل ذلك.

وفي لقاء ضم الوزير المصري المفوض بواشنطن ووزير الخارجية الأمريكية مستر كوردل هول Cordell Hull أكد الأخير للوزير المصري أنه في الظروف العادية سنكون مهتمين بمناقشة إمكانية عقد معاهدة تجارية مع الحكومة المصرية ولكن الحرب في أوروبا نتج عنها اضطراب وتجنيد كامل لأغلب الأوجه المالية والتجارية من جانب المتحاربين، كما أن دول أخرى عديدة في أوروبا تسعى لحماية إقتصادها الداخلي، وأن ذلك التطور له آثار في خطورة الشحن الذي أثر بشكل حاسم في الإهتمام المرضي من جانب الولايات المتحدة لعقد اتفاقات تجارية مع الدول الأ×رى فيما وارء البحار كما أكد مستر هنري جرادى Mr. Henry Grady مساعد وزير الخارجية الأمريكية للوزير المصري المفوض بواشنطن استحالة عقد معاهدة تجارية مع مصر الآن، وأنه عندما تستقر مسألة تجديد القانون: (قانون الإتفاقات التجارية) وعندما تكون سجلات أعمالنا واضحة إنتظاراً للإتفاقات التجارية فإن الحكومة الأمريكية يمكن أن تعالج المسألة مرة ثانية.

وفشلت فكرة عقد معاهدة تجارية مع الولايات المتحدة ويمكن إجمال أسباب فشل المعاهدة من وجهة نظري في الآتي: 1-إحساس الولايات المتحدة بانها سوف لا تأخذ تعويضاً مساوياً لتخفيض الضريبة على القطن المصري طويل التيلة (بنسبة 50%). 2-نشوب الحرب العالمية الثانية واضطراب الأوضاع في أوروبا وأمريكا. 3-عد إحساس الولايات المتحدة بأهمية عقد معاهدة تجارية مع مصر وذلك لضآلة عام 1938 ونسبة صادرات مصر للولايات المتحدة 2.4% في عام 1938. 4-إحساس الولايات المتحدة أن مصر عاجزة عن إتخاذ سياسة إقتصادية مستقلة وذلك بسبب المركز الممتاز لبريطانيا في مصر.

2-مشاكل التعريفة الجمركية بين مصر والولايات المتحدة: كانت الرغبة في المشاركة في التجارة المصرية إحدى البواعث التي دفعت الولايات المتحدة لإبرام إتفاقية 1830 بين الولايات المتحدة وتركيا، تلك الإتفاقية التي منححت التجارة الأمريكية حق المتاجرة بحرية في جميع أرجاء الإمبراطورية العثمانية وبالرغم من أنها لم تضع أي جدول دقيق للتعريفة الجمركية إلا أن البند الأول منها يشير إلى حق الولايات المتحدة في أن تعامل معاملة الدولة الأكثر رعاية.

وكان حق الدولة الأكثر رعايا الذي حفظت عليه الولايات المتحدة وأصرت عليه في علاقاتها مع مصر له أثر في تورط الدولتين في مشاكل كثيرة متعلقة بالتعريفة الجمركية وبعض الضرائب التي تفرضها الحكومة المصرية مثل ضريبة السيارات وضريبة الخفر ... إلخ ويمكن إيجاز المشاكل الجمركية ومشاكل الضريبة بين البلدين في النقاط التالية: أ-الضرائب على البترول كانت إحتياجات مصر السنوية من منتجات البترول تقدر في فترة ما بين الحربين بحوالي 75.000 طن سنوياً وتستورد الحكومة المصرية زيوت التشحيم التي لاتنتج في مصر ولا في أي دولة من دول الشرق الأوسط من الولايات المتحدة وبريطانيا وبلجيكا وكانت شركة شل Local Shell Company وشركة سكوني فاكوم Socony-Vacum تقوم بتسويق هذه المنتجات في مصر.

وقد افتتحت الشركة الأخيرة – وهي شركة أمريكية – فرع لها في مصر لبيع البترول وخاصة الكيروسين منذ عام 1898 وكان هذا الفرع يخدم كذلك الأقطار العربية، وخاصة أقطار المشرق العربي وقد أفرز هذا الفرع العديد من المشاكل معه الحكومة المصرية سواء من حيث استخدام الطرق المصرية لشاحنات البترول الأمريكية أو ضرائب التخزين في الموانئ المصرية أو تخزين البترول في الموانئ المصرية كما حدث في عام 1926 عندما اشتكت شركة فاكوم للبترول للحكومة المصرية لسماحها لشركة يونانية للبترول لتخزين منتجاتها في قوارب عائمة في ميناء الإسكندرية وذلك بدل من استخدام خزانات للبترول على أرصفة الميناء وتضامنت الشركة الأمريكية مع شركتي أ.ل منتاشف A.L. Mantacheff Company وشركة البترول الآسيوية Asiatic Petroleum Company (Egypt) Ltd في الشكوى للحكومة المصرية وذلك يلفت نظر الحكومة المصرية للأمور الآتية: أولاً: توضيح الظلم الواقع على الشركات التي أنفقت مبالغ ضخمة لضمان الأمن التام للصالح العام في الوقت الذي يسمح فيه للشركات الأخرى بتجاهل الأمن العام. ثانياً: أننا سنكون مضطرين "الشركات المتضامنة في الشكوى" إذا سمح لهذه الطريقة بان تستمر وحدث نتيجة لذلك تدمير لممتلكاتنا – بالزام الحكومة المصرية المسئولية التامة في ذلك.

ولم تكن الخطوة الناجمة عن تخزين البترول هي السبب الحقيقي لشكوى الشركة الأمريكية – وإنما من وجهة نظري – التنافس الحاد بين تلك الشركة والشركات الأخرى وصغار مستوردي البترول في مصر والذين يخزونون البترول في قوارب عائمة ونظراً لضائلة تكلفة تخزينهم للبترول يبيعون منتجات البترول بسعر أٌقل بكثير من الشركات الأمريكية وهو ما أكده القائم بالأعمال الأمريكي بالقاهرة مستر نورث وينشب North Winship لوزير الخارجية الأمريكية حيث ذكر أن الإمتيازات التي سمح بها لعديد من صغار التجار بتخزين البترول في مراكب عائمة في ميناء الإسكندرية جعلت من الممكن لتلك الشركات الصغيرة أن تبيع منتجاتها بسعر أقل من الشركات الكبرى.

وبعد دراسة الحكومة المصرية للشكوى المقدمة من شركات البترول قدم ثروت باشا وزير الخارجية المصرية رده للقائم بالأعمال الأمريكي مستر جونسون Johnson وجاء الرد المصري في صيغة اعتذار حيث ذكر ثروت باشا لمستر جونسون بأن استخدام المخازن جاء نتيجة النقص في الأراضي حيث أن تلك المؤسسات التي تستخدم قوارب عائمة لا تجد مكاناً لبناء خزانات جديدة وأن استخدام الخزانات العائمة لايمكن أن يمنح بدون قيود شديدة على التجارة، وخسائر في المصالح العامة بميناء الإسكندرية وأن إستخدام المخازن العائمة "القوارب العائمة" يمكن أن يعتبر استخدام مؤقت وأن ذلك لايشكل خطر على الشركات الأمريكية.

ولم يقنع هذا الرد شركة فاكوم الأمر الذي جعلها تقدم احتجاج شديد اللهجة للحكومة المصرية بينت فيه أنه لحماية أملاكها بالإسكندرية ومصالح الأمن العام فنحن مضطرين أن نتحج بشدة إزاء التسامح المستمر المسموح به بالقوارب العائمة في ميناء الإسكندرية، نظر لطبيعتها الخطيرة ولأنها تعفي مستخدميها من تنفيذ مراسيم الحكومة المصرية فيما يتعلق بتخزين البترول ونظر كذلك للتمايز إزاء الشركات الأخرى ونطلب على الأقل بأن بمنع فوراً تخزين في قوارب عائمة ونتيجة لتشدد شركة فاكوم وإلحاحها على الوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة مستر هاول لوضع نهاية لهذه المسألة وجد الأخير أنه لابد من تدخل بريطانيا لإنهاء ذلك الوضع حيث طلب القائم بأعمال المندوب السامي هندرسون Hendrson التدخل لإيجاد حل لذلك المأزق فدعا الأخير ممثلي شركات البترول في مصر والموظفين المعنين بشئون البترول بوزارة الداخلية المصرية لمناقشة المسألة وكانت نتيجة تلك المناقشة بأن قرر بألا تعطي رخص بموجب رخص تسمح لهما بالتخزين في قوارب عائمة ستمنحان فرصة لتؤجر من الحكومة المصرية رصيف ملائماً حتى تقيم عليه مخزن طبقاً للمراسيم السائدة للحكومة المصرية واشترط بأن لاتقدم رخص لهم "الشركتان" إلا بعد إجلالهم، وانتهت المسألة عند هذا الحد.

وفي عام 1931 قامت مصلحة المناجم والمحاجر المصرية بعمل مقارنة بين أسعار منتجات البترول في البلاد المختلفة مع نظائرها في مصر ولما كانت الضرائب الجمركية على اختلاف أنواعها تعد عاملاً على تحديد هذه الأسعار ومن ثم فقد طلبت المصلحة من الحكومة الأمريكية – وغيرها من الدول – أن تمدها ببيان الضرائب الجمركية بجميع أنواعها المفروضة على البترول ومنتجاته في الولايات المتحدة سواء ما كان وارد لها من الخارج أو مصنوع فيها من خام أجنبي أو من خامها الوطني في هذا الوقت وكان رد مصلحة الجمارك الأمريكية على مصلحة المحجر المصرية بأن جميع منتجات البترول معافاة من الرسوم الجمركية.

ب-الولايات المتحدة وضريبة السيارات في عام 1930 قامت وزارة الداخلية المصرية بتعديل القرار الصادر في 16 يوليو 1913 الخاص بلائحة السيارات ونشرت التعديل الوقائع المصرية عام 1930، وأهم ما في هذا التعديل المادة 3 والتي تنص على "يقدم صاحب السيارة طلب الحصول على الرخصة إلى المحافظة والمديرية التي يريد تسيير سيارته عادة فيها" والمادة 12 تنص على أن تكون الرسوم السنوية لفحص السيارات ومراقبتها كما يأتي: عن السيارة الملاكي ذات أربع عجلات أو أكثر ثلاثة جنيهات وعن سيارة أخرى بأربع عجلات جنيهان وعن عربة بمقطورة بأقل من أربع عجلات جنيهاً واحداً، وكذلك المادة 12 مكرر التي تنص على أنه يجوز إعطاء رخص خصوصية تسمى رخص تجارية إلى الأشخاص الذين يمارسون تجارة أو صناعة السيارات وذلك مقابل عشرون جنيهاً في السنة مقابل كل رخصة.

والسبب في إصدار تلك الضريبة هي الزيادة الهائلة في عدد السيارات والتي بلغ عددها سنة 1934 (28620) سيارة منها 17072 سيارة يمتلكها المصريون و11548 سيارة يمتلكها الأجانب وبلغ عدد الموتوسيكلات 2692 يملك المصريون نصفها والأجانب النص الآخر.

ولكن السبب الحقيقي لصدور هذه الضريبة من وجهة نظري هو منافسة السيارات للسكك الحديدية المصرية الأمر الذي يؤدي إلى نقص الإيرادات العامة و الدليل على ذلك أن السطات المصرية كانت ترفض أحياناً منح تراخيص لشركات النقل البر أو تحصر هذه الشركات في دائرة ضيقة.

ولإتمام هذا القانون أصدر مجلس الوزراء قراراً صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 29 فبراير نص على أنه سوف لاتمنح رخص أو اجازات جديدة للسيارات أو الشاحنات إلا طبقاً لإحتياجات المرور لكل مديرية او محافظة وأن القرارات فيما يتعلق بالرخص والأجازات الجديدة أو إعادة تجديدها ستعطي المجلس المعين بتاريخ 31 ديسمبر بقرار من مجلس الوزراء "واحتجت المفوضية الأمريكية على هذا القرار لأن هذا القرار سيقلل من عدد السيارات التي يستوردها المستورديين الأمريكيين لبيعها في مصر نتيجة لإرتفاع قيمة الضرائب وبالتالي سيتعرض المستوردون لخسائر فادحة وهو عبر عنه وليام جاردين الوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة في احتجاجة لوزير الخارجية المصرية حيث ذكر بأن ذلك سيبب ضرراً خطيراً للمستوردين الأمريكيين الذين يستوردون الآلات المهمة لمحركات الشاحنات والتي تدفع استحقاقاتها للجمارك المصرية عن طيب خاطر ويجدون المستوردين أنفسهم الآن معوقون بالقوانين الإدارية المصرية من إحراز انتشار تلك المركبات على الطرق المصرية.

وفي لقاء ضم صدقي باشا رئيس الوزراء ومستر وليك جاردين الوزيرالأمريكي المفوض بالقاهرة ومستر مريام Mr. Merriam السكرتير الثالث للمفوضية الأمريكية ذكر مستر جاردين لصدقي باشا إلى أنه أثناء الشهور الأولى من عام 1932 أصدرت الحكومة المصرية 47 رخصة فقط للشاحنات والسيارات بالمقارنة ب240 رخصة كانت قد صدرت عام 1931 الأمر الذي جعل كل تجار السيارات والشاحنات الأمريكيين يشتكون من البطء في العمل لأنهم غير قادرين على أ ن يحصلوا على رخص لتشغيل سياراتهم وشاحناتهم، كما أن مصانع السيارات الأمريكية اشتكت أيضاً من أن تجارتهم متجمدة عملياً حيث أنه ليس هناك تاجر سيشتري صفقة جديدة من السيارات حتى يضمن الحصول على رخصة من الحكومة المصرية والتي طبقاً للقيود الحالية من المستحيل ضمانها.

وأوضح صدقي باشا للوزير الأمريكي أن تلك الأزمة نابعة من السياسة التي تتبعها الحكومة المصرية ومن المحتمل لنفس السبب أن زادت حكومتهم التعريفة على القطن والبصل والمنجنيز الخام والتي أضرت الحكومة المصرية كثيراً وأكد صدقي باشا ان تلك السياسة التي تتبعها الحكومة المصرية فيمنح الرخص والإجازات "التصريحات" لتسيير المركبات ليست موجهة بأي طريقة نحوأية حكومة وخاصة الحكومات الصانعة للسيارات وتسعى الحكومة المصرية ببساطة أن تجد وسائل عملية للحصول على دخل لمواجهة متطلبات الحكومة.

ونتيجة لمقاومة الدلو صاحبة الإمتيازات لهذه الضريبة قررت الحكومة المصرية طبقاً لقرار وزير المواصلات تأجيل الإجراءات السابقة حتى ظهور بيان آخر، وذلك بالتفاوض مع الدول صاحبة الإمتيازات بشأن هذه الضريبة وفي التفاوض مع الدول صاحبة هذه الإمتيازات اتخذت الحكومة البريطانية موقفاً مؤيداً للدول صاحبة الإمتيازات حيث علقت موافقتها على القانون بموافقة الدول الآخرى صاحبة الإمتيازات حيث ذكرت بأنها ستكون سعيدة لإعطاء موافقتها على تطبيق جدول الضرائب المقترح للسيارات بشرط موافقة الدول الأخرى صاحبة الإمتيازات.

كما وافقت حكومة الولايات المتحدة على وجهة نظر الحكومة المصرية فيما يختص بضريبة السيارات ولكن هذه الموافقة كانت مفيدة ببعض التحفظات مثل عدم سريان الضريبة على الماضي، وتنظيم الوسائل المؤدية إلى تنفيذها ونتيجة لتأخير تنفيذ القانون تساءلت جريدة الأهرام بتهكم في 5 أغسطس 1934 في مقال بعنوان "قانون ضريبة السيارات ومتى ينفذ؟" ذكرت فيه "كان يجب أن يكون قانون السيارات الجديد قد نفذ في بداية الشهر الماضي وهو الآن لم ينفذ ولا شيء يدل على أنه سيبدأ الجديد قد نفذ في بداية الشهر الماضي وهو الآن لم ينفذ ولا شيء يدل على أ نه يبدأ بالعمل بمقتضاه في هذين اليومين أو هذين الأسبوعين وإذا سألت عن السبب قيل لك أن اللجنة المؤلفة من وزارة الداخلية لتنظيم الإجراءات الواجب إتخاذها لأجل تنفيذ هذا القانون مازالت تؤدي هذه المهمة مع أن إجراءات اللازمة يمكن إجرءها في وقت قصير، معلوم أن بعض الدول اعترضت على هذا القانون وأبدت بعض الدول ملاحظات بشأنه ويقال أن هذا الإعتراض لايحول دون تنفيذه وإنما قد يؤدي إلى إدخال بعض التعديل عليه بعد حين وليكن كذلك القانون بات واجب التنفيذ وتأخير العمل به لم يعد يوافق المصلحة العامة ويلاحظ أن الوثائق الأمريكية أو البريطانية أو المصرية لم تذكر شيئاً عن هذه الضريبة بعد ذلك (بعد سنة 1934) ولكن نتيجة لمؤتمر مونتورتحررت مصر في شئونها المالية وخصوصاً في مسألة الضرائب ولم تصبح الحكومة المصرية مضطرة لأن تستشير الدول الأجنبية في أي من الضرائب التي تعترض عليه.

ج-الولايات المتحدة وضريبة الحفز ضريبة الخفر ضريبة قديمة كانت تفرضها مصر على الأجانب ولكن رعايا الدول الأجنبية توافقوا عن دفع هذه الضريبة متحصنين بحقوق إمتيازاتهم وذلك بعد انتهاء العمليات العسكرية الخاصة بالحرب العالمية الأولى وناشدت الحكومة المصرية أعضاء السلك الدبلوماسي على مساعدتها في جباية هذه الضريبة والجدير بالذكر أن موتون هاول نصح الأمريكيين بدفع هذه الضريبة واعتبر أن أي شخص يرفض الإذعان لها جاحداً محترف وأعادت الحكومة المصرية دراسة مسألة فرض هذه الضريبة من جديد على الأجانب وقررت أنه من الأفضل تطبيقها على المباني والأراضي التابعة لها أو الخاضعة لضريبة الأملاك العامة أو ضريبة الأطيان وحددت الحكومة المصرية قيمة هذه الضريبة ب20% من القيمة السنوية للضريبة وأكد حافظ عفيفي باشا في رسالته للقائم بالأعمال الأمريكي بأن الحكومة سوف لاتطلب أي ضريبة اخرى للإشراف (على الحراسة) حيث أنه بالرجوع إلى هذه الضريبة وجد أنها تؤخذ أجراً كاملاً للإشراف وفي حالة رفض الحكومة الأمريكية دفع هذه الضريبة أو عدم الرغبة في دفعها أكد حافظ عفيفي باشا للوزير الأمريكي بأنه من الضروري بأن تفهم الحكومة الأمريكية بأن تعظظ قوات الخفر أو تعين حرس خاص لأملاكها في ال مواقع المعينة وتتحمل وزارة المالية نفقته وفي هذه الحالة سوف لايطلب من دافع هذه الضريبة بأية جزء من هذه النفقة المذكورة وقررت الحكومة المصرية تنفيذ هذا القانون على الأجانب المشمولين بالإمتيازات في 8 يناير 1930.

وكان موقف الحكومة الأمريكية من ضريبة الخفر موقفاً سلبياً حيث أنها اوقفت موافقتها على موافقة الدول الأحرى صاحبة الإمتيازات حيث أمر وزير الخارجية الأمريكية الوزير الأمريكي المفوض بمصر ان يبلغ الحكومة المصرية بأنه إذا أو عندما توافق الدول الأخرى صاحبة الإمتيازات على جباية هذه الضريبة من رعاياها فأحبر "الوزير الأمريكي المفوض بمصر الحكومة المصرية حينئذ بموافقة الحكومة الأمريكية على جبايتها من مواطنينها المقيمين بمصر.

أي أن الحكومة الأمريكية علقت موافقتها على الدول الأجنبية الآخرى صاحبة الإمتيازات وهي السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة في مصر والتي كان مؤداها تجنب إتخاذ موقف الصدارة في القضايا المصرية.

ثالثاً: التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة

لقد حكمت العلاقات التجارية بين مصر والولايات المتحدة اتفاقية 1884 الموقعة بين البلدين هي تشبه الإتفاقية اتي وقعتها مصر مع اليونان والتي مدتها سبع سنوات، والتي أصرت فيها الولايات المتحدة بأن يكون لها حق الدول الأكثر رعاية هو البند الأول من تلك الإتفاقية وعند انتهاء مدة هذه الإتفاقية تصر الولايات المتحدة الإحتفاظ بهذا الحق وتماطل في عقد أية اتفاقيات جديدة حتى 1930 حيث عقدت إتفاقية تجارية مؤقتة بين البلدين سنة 1930، وبالتالي فإن حق الدولة الأكثر رعاية هو الأساس في التبادل التداري بين البلدين.

وكانت أهم الصادرات المصرية للولايات المتحدة هي القطن والبصل والحناء والمنجنيز وهام السنامك والجلود الخام أو المواد الخام التي تدخل في الصناعة وكانت الولايات المتحدة تأتي في المرتبة بين الدول التي تستورد القطن من مصر بعد بريطانيا، وتبلغ قيمة هذه المنتجات في عام 1937 (7.370.839) جنيهاً ومثلت 55.4% من إجمالي واردات الولايات المتحدة من مصر.

وأهم صادرات الولايات المتحدة لمصر منتجات البترول والسيارات، وقد ظلت الولايات المتحدة تأتي في المرتبة الأولى بالنسبة للدول المصدرة للسيارات لمصر – وكذلك دقيق القمح والفواكه بالإضافة إلى بضائع أخرى أٌقل أهمية وتبلغ قيمة هذه المنتجات في عام 1937 (6.905.000) جنيهاً ومثلت 63.5% من إجمالي الواردات إلى مصر من الولايات المتحدة.

في عرض للتبادل التجاري بين مصر والولايات ال متحدة سأقتصر في اختيار عدد من السنوات ذات الدلالة ف بإرتفاع أو انحفاض التبادل التجاري بين البلدين وقد اخترت كنموذج لذلك سنوات 1919، وسنة 1926 وهي السنة التي صدر قبلها تصريح 28 فبراير 1922 لتوضيح أثر تغيير وضع مصر السياسي على التبادل التجتاري بين البلدين، والفترة من 1929-1932 لتوضيح أثر الكساد العالمي في التبادل التجاري بين البلدين والفترة من 1933-1937.

ففي عام 1919 زادت تجارة مصر الخارجية سبعة أضعاف ما كانت عليه 1889 حيث كانت واردات مصر 1889 (70.509.61) جنيهاً سنة 1919 (47.409.717) وبلغت قيمة صادرات مصر 20.66.449 جنيهاً 1889 وبلغت 1919 (75.888.321) جنيهاً.

وفي نفس الوقت زادت قيمة تجارة الولايات المتحدة مع مصر إلى أكثر من أحد عشر ضعفاً ما كانت عليه 1889 أو مثلت حوالي 9% من تجارة مصر الخارجية ويوضح الجدول الآتي قيمة التجارة بالآف مع الولايات المتحدة بالمقارنة بالدول الأخرى.

جدول رقم (1):

"نصيب تجارة مصر مع الولايات المتحدة بالألف بالمقارنة مع الدول الأخرى"
السنة الدولة 1889 1894 1899 1904 1909 1914 1919
البلاد الإنجليزية 362 344 379 340 3035 325 361
مستعمراتها 84 65 60 59 52 68 121
أمريكا 8 5 20 14 25 46 91
النمسا والمجر 94 81 64 71 64 52 -
بلجيكا 11 40 55 36 31 39 4

ولقد أتى البصل والقطن في مقدمة صادرات مصر وللولايات المتحدة عام 1919 وأتى البترول ومنتجاته والسيارات في مقدمة صادرات الولايات المتحدة لمصر عام 1919.

وفي عام 1926 بلغت قيمة صادرات مصر 42.7 مليون جنيه وكانت قيمة صادرات مصر والولايات المتحدة ما يعادل 5.584.000 مليون جنيه مقابل 8.411.000 مليون جنيه عام 1925 أي قلت نسبة صادرات مصر للولايات المتحدة من 14% عام 1925 إلى 13% عام 1926.

وكانت أهم البضائع التي صدرتها مصر للولايات المتحدة هي القطن وتأتي الولايات ال متحدة في المرتبة الثانية في استيراد القطن من مصر بعد بريطانيا فقد صدر إليها من القطن 1926 (1.044.000) قنطار قيمتها 5.301.000 أي أن الولايات المتحدة استوردت 15.3% من القطن المصري كما يبلغ نسبة القطن من واردات الولايات المتحدة من مصر نسبة 94.9% من إجمالي واردات الولايات المتحدة من مصر في عام 1926، وكذلك البصل وقد بلغ قيمة ما صدرته مصر عام 1925 135.000 طن قيمتها 710.000 جنيه استوردت منها الولايات المتحدة 2.76.00 كجم قيمتها 103.000 وقد أتى ترتيب الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بعد بريطانيا وايطاليا في استيراد البصل، وقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية في هذا العام كما كانت في 1925 أولى الدول التي استوردت أكبر مقدار من البصل إذا بلغ ما تصدر إليها منه مصر 1926 (1.514.000) كجم قيمتها 141.000جنيه.

وقد كانت قيمة واردات مصر 51.9 مليون 1926 حصلت الولايات المتحدة 2.474.000من إجمالي هذه الواردات مقابل 2.116.000 في عام 1925 أي أن نسبة صادرات الولايات المتحدة لمصر تقدر ب5% من إجمالي واردات مصر.

وقد كانت أهم البضائع التي صدرتها الولايات المتحدة لمصر هي دقيق القمح والذرة وقد بلغ الوارد منهما من الولايات المتحدة 41.346.000 كجم قيمتها 665.000جنيه، وكذلك الفحم الحجري وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بين الدول المصدرة للفحم الحجري لمصر حيث بغ ما صدرته الولايات المتحدة لمصر 152.000 طن قيمتها 360.000 جنيه بالإضافة إلى السيارات وقد بلغ عدد السيارات التي استوردتها مصر في عام 1926 (476) سيارة قيمتها 747.000 جنيه وقد كانت الولايات ال متحدة كعادتها أولى الدول التي استوردت منها مصر أكبر عدد من السيارات إذا بلغ ما تصدر إلينا منها 2421 سيارة قيمتها 62.000 أي أن الولايات المتحدة صدرت لمصر 50.8% من إجمالي الواردات المصرية من السيارات 1926، بالإضافة إ لى منتجات البترول فقد استوردت مصر من الولايات المتحدة 12.000 صندوق بنزين وكادت أن تتلاشى في ذلك العام صادرات الولايات ال متحدة لمصر من الكيروسين الصب إذا بلغ قيمة ما صدرته لمصر في ذلك العام 19 طن مقابل 11.105 طن عام 1925.

وكان الميزان التجاري بين مصر والولايات المتحدة عام 1926 في صالح مصر بمقدار 3.110.000 جنيه، وفي الفترة من 1924-1928 كانت نسبة واردات مصر من الولايات المتحدة 4.3% ونسبة صادرات مصر للولايات المتحدة 12.6% لصالح الولايات المتحدة بمقدار +4.550.

مما يؤكد أن تصريح 28 فبراير 1922 وتغيير وضع مصر السياسي لم يؤثر على حركة التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة أو أن تأثيره كان بالسالب على هذا التبادل مما يؤكد أنه بالفعل استقلال أسمى ومن طرف واحد.

وخلال الفترة من 1929-1932 وهي فترة الكسادر العالمي كان معدل الصادرات والواردات بين مصر والولايات المتحدة كالآتي:

جدول رقم (2):

"معدل الصادرات والواردات بين مصر والولايات المتحدة"
السنة نسبة واردات مصر من الولايات المتحدة نسبة صادرات مصر للولايات المتحدة واعادة التصدير الميزان التجاري
1929 5% 19.3% (*) +4.698
1930 4.7% 6% (*)-249.00
1931 4.4% 2.5% 676.000
1932 3.2% 4.8% +462.000

(*) + في صالح الولايات المتحدة (*) – في صالح مصر

ويلاحظ من الجدول السابق: أن نسبة واردات مصر من الولايات المتحدة قد انخفضت من 5% في عام 1929 إلى 3.2% 1932 أي انخفضت نسبة الواردات 36% وانخفضت نسبة صادرات الولايات المتحدة لمصر من 13.9% إلى 4.8 أي انخفضت الصادرات حوالي 65.5%.

2-كان الميزان التجاري في صالح الولايات المتحدة 1929، 1932 وفي صالح سنة 1930، 1931.

والرسم البياني رقم1 يوضح انخفاض تجارة مصر مع الولايات المتحدة في الفترة من 1929-1932، والذي يتضح منه مدى الهبوط الحاد في التجارة بين مصر والولايات المتحدة.

والسبب في هذا الهبوط هو الكساء العالمي الذي أصاب العالم كله في ذلك الوقت وتأثرت به تجارة مصر الخارجية، وهو سبب عام عانت منه الولايات المتحدة في تجارتها سواء مع مصر أو مع الدول الأخرى، وكذلك عانت منه مصر في تجارتها الخارجية مع الدول الأخرى ولا أدل على ذلك من انخفاض نصيب انگلترا من تجارة مصر الخارجية فقد كان نصيب انجلترا من واردات مصر عام 1920 (36.7%) ووصلت في عام 1929 (21.1) ونصيب انگلترا من الصادرات 1920 (42.5%) ووصلت عام 1929 إلى 35.8% كما يتضح من الجدول الآتي:

جدول رقم (3):

"يبين نصيب انگلترا في تجارة مصر الخارجية في المائة"
السنة نصيب انگلترا من الواردات في % نصيب انگلترا من الصادرات %
1929 21.1% 35.8%
1930 20.5% 35.3%
1931 22.5% 36.4%
1932 24.1% 35%

كما يبين انخفضت تجارة مصر الخارجية في تلك الفترة أيضاً فانخفضت الصادرات من 52.4 مليون 1929 إلى 26 مليون جنيه 1932 وانخفضت الواردات من 55.3 مليون جنيه 1929 إلى 27.3 جنيه أي انخفضت الواردات 49.6% وانخفضت الصادرات 49.4%.

ويتضح من ذلك أن سنوات الكساد العالمي كانت سبباً في هبوط التجارة بين البلدين ولكن هناك سبب آخر لهبوط التجارة بين البلدين وهو السبب الحقيقي لهذا الهبوط – حيث أن الكساد ازمة عانى منها الجميع. في التجارة بين البلدين وهو صدور قانون تعريفة سموت-هولى Smoot-Hawley Tarriff الذي فرض ضريبة بالسنتات لكل رطل من القطن طويل التيلة، وكذلك فرض ضريبة عالية على البصل والمنجنيز المصري وهذه البضائع تشكل أغلب صادرات مصر الولايات المتحدة حيث مثل القطن وحده 93% من صادرات مصر للولايات المتحدة وذلك هو السبب الرئيسي في هبوط التجارة بين البلدين خلال تلك الفترة حيث أنه حتى لو لم يكن هناك كساد عالمي فإن التجارة بين البلدين كانت ستتأثر تأثيراً كبيراً بسبب هذه التعريفة وتأثيرها السيء على صاردات مصر والولايات المتحدة.

وفي الفترة 1933-1938 تذبذب الميزان التجاري بين مصر والولايات المتحدة كما يتضح من الجدول التالي:

جدول رقم (4):

"نصيب الولايات المتحدة من تجارة مصر الخارجية في المائة"
السنة نسبة واردات مصر من الولايات المتحدة نسبة صادرات مصر للولايات المتحدة واعادة التصدير الميزان التجاري
1933 3.2% 4.4% +408.000
1934 4.1% 3.9% +21.000
1935 5.2% 4.0% -300.000
1936 5.7% 4.0% +329.000
1937 5.6% 4.% -487.0
1938 6.6% 2.4% -1.740

(*) + في صالح الولايات المتحدة – في صالح مصر.

ويلاحظ من الجدول السابق: 1-أن نسبة واردات مصر من الولايات المتحدة قد زادت من 3.2% عام 1933 إلى 6.6% عام 1938 أي زادت الواردات للولايات المتحدة 106.3% كما زادت نسبة الواردات 1.6% عما كانت عليه 1926 حيث كانت نسبة الواردات مصر للولايات المتحدة 5% وبعد ذلك تقدماً كبيراً في التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة وتتوج هذا التقدم بأن أصبحت الولايات المتحدة من الدول الرئيسية التي تصدر إلى مصر حيث جاء ترتيبها الخامس ما بين الدول التي تستورد منها مصر بضائعها خلال تلك الفترة بعد بريطانيا وفرنسا والمانيا واليابان.

2-أن نسبة صادرات مصر من الولايات المتحدة قد انخفضت من 4.4% 1923 إلى 2.4% 1938 أي انخفضت نسبة الصاردات المصرية للولايات إلى 45.4% وهذا يؤكد ان صادرات مصر للولايات المتحدة في هبوط حاد ويؤكد ذلم نسبة صاردات مصر للولايات المتحدة فقد كانت نسبة الصادرات في عام 1925 (14%) ثم هبطت في عام 1926 إلى 13% ثم ارتفعت في عام 1929 إلى 13.9% أي أن مصر استعادت ما كانت عليه في عام 1925، ثم هبطت إلى 4.8% في عام 1932 واستمرت في الهبوط حتى وصلت إلى 2.4% في عام 1938 وهو هبوط حاد في صادرات مصر للولايات المتحدة وبعبارة أخرى يمكن القول أن نسبة الهبوط من مصر والولايات المتحدة قد انخفضت 75.5% في الفترة من (1929-1938).

والسبب في هذا الهبوط توضحه وثيقة مرسلة من الوزير المصري المفوض بواشنطن لوزارة الخارجية الأمريكية حيث ذكر بأن هذا الهبوط الحاد للصادرات المصرية للولايات المتحدة جاء نتيجة للضرائب القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة على القطن والبصل والمنجنيز، حيث أن هذه المنتجات الثلاث هي الصادرات المصرية الرئيسية للولايات المتحدة وفي الحقيقة فهم يمثلون الصادرات المصرية الرئيسية بشكل عام، فقد كانت صادرات مصر للولايات المتحدة من القطن خلال الفترة من (1925-1929) 6.543.617 جنيهاً بينما هبطت إلى 994.660 جنيه 1937، وفي عام 1929 كانت صادرات مصر للولايات المتحدة من المنجنيز 96.797 جنيهاً، ولم يعد يظهر هذا المنتج في الإحصاءات التجارية بين مصر والولايات المتحدة، وسجل البصل 166.842 جنيهاً من صادرات مصر للولايات المتحدة ثم هبطت قيمته من الصادرات المصرية للولايات المتحدة في 1937 إلى 14.819 جنيهاً.

وهذا الهبوط الحاد في صادرات مصر الرئيسية للولايات المتحدة كفيل بهبوط صادرتها للولايات المتحدة.

3-إن الميزان التجاري كان في صالح الولايات المتحدة في عام 1929، 1932، 1933، 1934، 1936 وطان في صالح مصر في عام 1930، 1930، 1935، 1937، 1938 أي أن الولايات ومصر تبادلا الميزان التجاري بنسب متساوية خلال الفترة من 1929، 1938، خمس مرات لصالح الولايات المتحدة وخمس مرات لصالح مصر ويوضح الرسم البياني رقم 2 انخفاض صادرات مصر للولايات المتحدة وازدياد واردات مصر من الولايات المتحدة في الفترة من 1933-1938 وبعد عرض التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة سأتعرض لأهم المحاصيل التي تؤثر في التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة وكان لها وضع الصدارة في تلك العلاقات الإقتصادية بين البلدين وهي القطن والبصل والسجائر.

1-القطن في العلاقات المصرية الأمريكية: إن الأهمية المتميزة لتفوق القطن في التجارة العالمية تأتي من أن الإحتياجات الرئيسية للإنسان هي المأوى والطعام والملبس وتتميز تجارة القطن العالمية بأنها: 1-تاتي في معظمها من ثلاث أقطار هي الولايات المتحدة ومصر والمكسيك التي تنتج معظم القطن الخام الداخل في التجارة العالمية وتصدر الولايات المتحدة حوالي نصف ذلك المعدل. 2-أن حوالي نصف محصول القطن الأمريكي تستهلكه المصانع الأمريكية وما يتبقى يدصر إلى غرب أوروبا واليابان. 3-وأن الغرض الرئيسي للإنتاج الصناعي من الولايات المتحدة ياتي بغرض الأسواق المحلية حيث تبلغ نسبة ما تصدره الولايات المتحدة 10% من إنتاجها الصناعي وتأتي الأهمية القصوى للقطن في التجارة العالمية للأسباب الآتية: 1-أن حوالي نصف محصول القطن الأمريكي تستهلكه المصانع الأمريكية وما يتبقى يصدر إلى غرب أوروبا واليابان. 2-وأن الغرض الرئيسي للإنتاج الصناعي من الولايات المتحدة يأتي بغرض الأسواق المحلية حيث تبلغ نسبة ما تصدره الولايات المتحدة 10% من إنتاجها الصناعي وتأتي الأهمية القصوى للقطن في التجارة العالمية للأسباب الآتية: 1-لا يقتصر استهلاك القطن سواء في الملابس أو الطب أو المجالات الصناعية الأخرى. 2-طبيعة صناعة الأقطان تحتم عدم الإعتماد على نوع معين من القطن دون النوع الآخر، فأمريكا الدولة الأولى في غنتاج القكن تستورد أنواع معينة من الأقطان المصرية الطويلة التيلة. 3-يمتاز القطن بقابلية للخزن لفترة طويلة من الزمن دون أن تتأثر طبيعته الصناعية.

أما بالنسبة لأهمية القطن لمصر فقد كانت مصر تأتي في المرتبة الخامسة بين دول العالم المنتجة للقطن ونسبة إنتاج مصر من الإنتاج العالمي 6.3% من الإنتاج العالمي، ولكن المركز الذي تمثله مصر بالنسبة لإنتاج القطن في العالم لا يأتي من كمية الإنتاج أو مساحة الأراضي قطناً فحسب، بل يأتي من مركز القطن المصري بين أقطان العالم من حيث النوع والجودة، إذ تعتبر مصر أول دولة في العالم تنتج الأقطان الطويلة التيلة فقد كانت مصر تنتج من القطن الذي طول تيلته بين 1.36 بوصة، 1.25 بوصة ما يبلغ 43.5% من مجموعة الإنتاج العالمي وقد اعترف الخبراء الأجانب في صناعة غزل ونسج القطن بجودة القطن المصري وأهميته بالنسبة للتجارة العالمية وطوال الفترة من (1919-1939) كان القطن يمثل في المتوسط 82% من مجموع الصادرات المصرية كما أصبحت مصر المنطقة الثانية بعد الولايات المتحدة التي تمون العالم بأجود الأقطان.

والجدول التالي يوضح قيمة صادرات القطن وبذرته بالمقارنة بصادرات مصر في الفترة من 1918-1938.

جدول رقم (5):

"قيمة صادرات القطن المصري وبذرته بالمقارنة بصادرات مصر"
السنة قيمة صادرات مصر بالمليون قيمة صادرات القطن وبذرته بالمليون
1918 45.375 40.691.542
1921 36.414 30.798.474
1924 65.912 60.152.906
1928 55.011 45.138
1931 25.660 19.688
1934 31.048 24.787
1937 38.665 29.002
1938 29.342 21.189

هذا بالنسبة لأهمية القطن بالنسبة لمصر، أما أهمية القطن بالنسبة للولايات المتحدة، فقد أصبح القطن المحصول الزراعي الوحيد الذي يؤثر في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة فإذا ارتفعت أسعار القطن العالمية نجد النشاط الإقتصادي يظهر واضحاً وإذا انخفضت الأسعار فإن البؤس والكساد يخيم على الحقول الجنوبية، وقد قدر عدد العاملين في حقول القطن بالولايات المتحدة 3 مليوم عامل ويشغل القطن 62% من الحقول في الولاياتالمتحدة ويكون 6% من الدخل القومي الناتج من الغلة الزراعية ويكون أهم مادة زراعية تدخل في التجارة الخارجية ولأهمية القطن في الولايات المتحدة يسمى بملك المحصولات.

هذا عن أهمية القطن بالنسبة للتجارة العالمية، وأهميته بالنسبة لمصر والولايات المتحدة كأساس لتوضيح أهمية القطن في العلاقات المصرية الأمريكية وترتبط تجارة القطن بين مصر والولايات المتحدة بعدة نقاط هي: أ-ضبط سعر القطن. ب-العلاقة بين سعر القطن المصري والقطن الأمريكي. ج-أزمة شحن القطن المصري للولايات المتحدة والوفد التجاري الأمريكي. د-صادرات مصر من القطن للولايات المتحدة والتعريفة الجمركية للولايات المتحدة على القطن المصري.

أ-ضبط سعر القطن المقصود بضبط سعر القطن هو محاولة مصر والولايات المتحدة وغيرهما من الدول المنتجة للقطن وضع سياسة ما للوصول بسعر للقطن لايترتب عليها خسائر كبيرة للفلاحين، وأحياناً تكون هذه السياسة من جانب أحد الدول المنتجة للقطن دون ارتباط الدول الأخرى بهذه السياسة وتنفيذها، كصرف إعانة تصدير او دخول الحكومة مشترية في سوق القطن أو تحديد الأراضي المنزرعة قطناً.

وقد حدث أن زادت اسعار القطن في مسوم 1919-1920 نتيجة تكوين شركات المطاط الأمريكية وحاجاتها إلى القطن طويل التيلة لاستعمال في صناعة الإطارات ثم هبطت الأسعار مرة أخرى عام 1921 مما جعل تجار القطن المصريين يمطرون كبير أمناء ببرقيات يطلبون فيها أن تتدخل الحكومة مشترية في سوق القطن وهبطت الأسعار كذلك 1923 الأمر الذي جعل مجلس الوزراء المصري يوافق على دخول الحكومة مشترية في سوق القطن وفتح الإعتماد اللازم لذلك هذا بالنسبة للخطوات التي الحكومة المصرية المعالجة مسألة انخفاض سعر القطن أما المحاولا التي اتخذها الحكومة المصرية نتيجة لمحاولة الحكومة الأمريكية التعاون معها لضبط أسعار القطن ففي عام 1930 ونتيجة لهبوط أسعار القطن من (5.176) في عام 1929 إلى 4.72 جنيهاً عرضت بعض الدول وعلى رأسها الولاييات المتحدة أن تتوقف مصر عن زراعة القطن لمدة سنة ولو يوافق صدقي باشا إلا في انقاص المساحة المنزرعة قطناً تدريجياً.

ونتيجة لإنخفاض أسعار القطن 1931 من 4.72 إلى 2.510 جنيه قدم وزير الخارجية المصرية مذكرة شفوية إلى وزير أمريكا المفوض بمصر مستر ويليام جاردين أبدى فيها الأول استعداد الحكومة المصرية لمعاونة الحكومة الأمريكية لمعالجة التدهور في أسعار القطن، واقترحت المذكرة المصرية للخروج من هذا المأزق هو جعل العرض متناسباً مع الطلب المنخفض للقطن وانه لايمكن الوصول إلى هذه النتيجة إلا بإنقاص الإنتاج مدة عدة سنوات تحدد، وبالتالي فستعود الموازنة التي قد اختلت بين العرض والطلب.

ونتيجة لتقديم تلك المذكرة قابل نستر جاردين رئيس الوزراء المصري وانتهز الأخير الفرصة لمناقشته في مسألة دعوة مؤتمر دولي يضم ممثلين من الدول الرئيسية المنتجة للقطن لتحديد سياسة قطنية مشتركة، في ضوء المذكرة الشفوية للحكومة المصرية، كما بين رئيس الوزراء المصري للوزير الأمريكي أن الحكومة المصري لم تبلغ هذا المقترح لأي دولة انتظاراً لرأي الولايات المتحدة، لأنها أهم الدول المنتجة للقطن، وأن عدم اشتراكها في المؤتمر المقترح سيجعل التداول فيه أمر تافهاً، واتفق رئيس الوزراء مع الوزير الأمريكي على وجهة نظر للاشتراك في المؤتمر ومن بينها روسيا.

وأشارت السلطات الأمريكية المعنية بدراسة الإقتراح المصري ولكنها حذرت الوزير الأمريكي المفوض أن يوقف بحرس تشجيع المصريين على الإعتقاد بأن الحكومة الأمريكية في وضع لإعطاء دراسة إيجابية للاقتراحات الحالية للحكومة المصرية انتظاراً لاستلام أراء السلطات الأمريكية المعنية والسبب في هذا التحذير من وجهة نظري ربما يرجع إلى خشية الولايات ال متحدة من رفض الولايات الأمريكية التي تزرع القطن قرارات المؤتمر المقترح حيث أن مجموعة قليلة من الولايات الجنوبية الشرقية في أمريكا الشمالية تستحوذ على الإحتكار الحقيقي لمحصول ال قطن فتقريباً 3/4 المحصول العالمي تنتج في المنطقة الشهيرة بحزام القطن Cotton Belt بالولايات المتحدة وهي تضم كارولينا Carolinas وجورجيا Georgia والاباما Albama والمسيسبي Mississippi ولوزيانا Lousiana وأوركانساس Arkansa وتكساس Texas وأوكلاهوما Oklahoma وأجزاؤ نم ڤيرجينيا Virginia وتينيس Tennesse وفلوريدا Florida وهي منطقة تضم 700 ميل مربع وهؤلاء المزارعون لا يعرفون زراعة اخرى غير زراعة القطن وسيكون حملهم على زراعة أخرى غير زراعة القطن أو انقاص المساحة المنزرعة قطناً بالنسبة لهم إذا ما قرر المؤتمر ذلك أمراً صعباً.

وبعد دراسة الحكومة الأمريكية للمذكرة المصرية وجدت أنها سوف لاتكون في موقف يتيح تطبيق البرنامج المباشر لتحديد الإنتاج أو تحديد وضبط صادرات القطن ولذلك فإنها سوف لاتتمكن من الإشتراك في المؤتمر المقترح ولكن الحكومة الأمريكية رأت أن الطريقة المفيدة هو الدخول في مناقشات غير رسمية بين ممثل للحكومة ال مصرية والمجلس الزراعي الأمريكي American Broad farm لصياغة طرق التعاون. حيث أن المجلس الزراعي سيكون سعيد من مناقشة هذه المسألة مع أي ممثل ترسله الحكومة المصرية لواشنطن، اقترحت الحكومة ال مصرية إرسال عضويين لواشنطن للمناقشة مع مندوبي المجلس الزراعي الأمريكي وطلبت من الحكومة الأمريكية تحديد ميعاد المناقشات، فكان رد الحكومة الأمريكية بأن المناقشة يمكن أن تتم في أي وقت على شرط إبلاغ الحكومة الأمريكية مقدماً بميعاد وصول المندوبين المصريين لواشنطن.

وفي نفس الوقت أصدر الملك فؤاد في 27 سبتمبر 1931 مرسومين بقانونين أحدهما خاص بتعديل أحكام القانون رقم 20 لسنة 1930 الخاص بتحديد زراعة القطن السكلاريدس، والثاني خاص بانقاص المساحة التي تزرع قطناً من 1931-1932 بحيث لاتزيد المساحة المنزرعة قطناً عن 30% من الأراضي التي في حيازة الفلاح، وأمر الملك بأن يظل العمل بهذا القانون في مواسم 1931-1932 وكان صدور هذا القانون لغرضيين أولهما: حفظ التناسب بين العرض والطلب وثانيهما – عدم التشبث بزراعة خاسرة والإستمرار في تحمل نفقاتها المرهقة.

ولكن تقييد مساحة زراعة القطن، غير مجدي لأن التحكم في أسعار القطن هي أمريكا أكبر الدول المنتجة، وكل ما يجري في أسواقها من زيادة أو نقصان في الثمن يؤثر على الأسواق الأخرى بدليل انه لم يحدث أنه لم يحدث تغيير بذكر في الأسعار رغم تحديد المساحة بل انخفضت الأسعار في 1932 إلى 2.016 ريالاً بالرغم من انقاص المساحة المنزرعة قطناً في مصر إلى الثلث كما أن تدخل الحكومات في الأسواق لرفع أسعار الأقطان يحرمها من القوة الدافعة للطلب .. . حيث أنه من المحال الغاء قانون العرض والمطلب.

كما اهتمت الحكومة المصرية بقانون بانكهيد Bankhead Bill الأمريكي وهو المشروع الذي يقضي بأن يقوم المزارعون بتقليع 25% من المساحات المنزرعة قطناً وتقوم الحكومة الأمريكية بتعويضهم عن هذه الخسارة، وبالتالي الوصول إلى نتيجة هامة هي انقاص المحصول، وفي نفس الوقت ارضاء من أهل الجنوب حيث أن هذا المشروع جاء نتيجة لفشل الرئيس الأمريكي في الإتفاق مع مزراعي الولايات المتحدة الجنوبية على انقاص المساحة المنزرعة قطناً واستمر سريان هذا القانون في موسم 1934-1935، ونص القانون كذلك بأنه إذغ وجد رئيس الجمهورية ضرورة استمراره فسينفذ في موسم 35-1936 ولم تبلغ الحكومة الأمريكية من الحكومة المصرية بالإشتراك معها في تنفيذ سياسة انقاض محصول القطن كما طبقته نتيجة لمشروع بانكهيد واكتفت الحكومة المصرية بمعرفة تفاصيل هذا القانون من خلال وزيرها المفوض بواشنطن. كما اشتكت الحكومة المصرية نتيجة لسياسة التي اتبعتها الحكومة الأمريكية في عام 1939 والتي تقضي باعطاء اعانة تصدير محصول القطن الجديد، وذلك لخشية الحكومة المصرية من أن تطبق ذلك الإجراء يمكن أن يوقع اضطراب في أسعار القطن في الأسواق.

وجاء رد وزير الزراعة الأمريكي على هذه الشكوى مرن كما يصفه وزير مصر المفوض بواشنطن لوزير الخارجية المصري حيث ذكر بأن رد وزير الزراعة الأمريكية مرن لا يتقيد بسياسة معينة إلا أنه يؤكد (وزير الزراعة الأمريكي) عدم تفكير وزارة الزراعة الأمريكية في تخفيض اثمان القطن واستعدادها للتعاون مع الحكومة المثرية على تفريج أزمته ويبدو أن وزير مصر المفوض قد تشكك في مرونة إجابة وزير الزراعة الأمريكي، ولذلك نجد في رسالة لوزير الخارجية المصري يذكر أنه: على أننا (وزير مصر المفوض بواشنطن) نكرر ما سبق ذكرناه من حاجه مصر إلى تنويع موارد ثروتها وعدم الإعتماد الكلي على القطن في توفير رخائها وكانت هذه آخر محاولة لضبط سعر القطن خلال فترة البحث.

ب-العلاقة بين سعر القطن المصري وسعر القطن الأمريكي العلاقة بين سعر القطن المصري والأمريكي هو تحديد عامل الإرتباط الذي يؤثر على سعر القطن المصري وعامل الإرتباط هذا يأتي دائماً في جانب القطن الأمريكي فهو الذي يحدد سعر القطن المصري سواء كان منخفضاً أو مرتفعاً وسأعرض أولاً لبعض السنوات التي انخفض فيه سعر القطن في مصر ثم أثر القطن الأمريكي في ذلك ثم استعرض أسباب ارتباط القطن المصري بالقطن الأمريكي.

ففي عام 1921 انحفضت أسعار القطن عما كانت عليه في عام 1920 من 178 ريالاً للقنطار إلى 18 ريالاً للقنطار كما حصل تغيير بين بداية موسم 1921-1922 حيث صعدت الأثمان من 5 ريالاً في 2 سبتمبر إلى 56 ريالاً في 30 منه، 57 ريال في 7 اكتوبر والسبب في ذلك يرجع إلى اقبال أصحاب المغازل الأمريكية على شراء القطن المصري لخشيتهم من سوء حالة القطن الأمريكي، ولكن لما قلت مشتريات أمريكا نزلت الأسعار بسرعة هائلة حتى وصلت 4.5 ريال في 30 ديسمبر 1921.

والسبب في ذلك يرجع إلى أن الإقتصاد المصري كان دائماً مرتبطاً بالأحداث الدولية وبوجه خاص الولايات المتحدة أكبر منتجة للقطن في العالم ونتيجة للهبوط اتحاد في أسعار القطن صدر قرار بتحديد مساحة الأراضي المنزرعة قطناً إلى ثلث المساحة وتدخل الدولة مشترية في سوق منيا البصل، ولقد ظهر أنه لا تحديد المساحة ولا تدخل الدولة في الأسواق يمكن أن تعطي نتائج مريضة وذلك لأن المحصول المصري يمثل نسبة ضئيلة من الإنتاج العالمي وشهد عام 1926 هبوطاً آخر في أسعار القطن حيث وصلت أسعاره إلى 30 دولار فعادت الحكومة المصرية لسياستها في تحديد مساحة الأراضي المنزرعة قطناً إلى ثلث المساحة المنزرعة في موسم 1927، 1928/1929، وانتهى عام 1926 نتيجة لهبوط أسعار القطن بعجز في الميزان التجاري يقدر ب9 مليون جنيه.

وقد جاء في تقرير 4 مايو 1927 الذي اعتاد مستر Todd رئيس الإدارة القطنية بليفربول كتابته عن القطن أن أسعار القطن في صعود مستمر خصوصاً ما كان منها خاصاً بالقطر المصري ويظهر أن العامل الأكبر في هذا الصعود الفيضان العظيم في نهر المسيسبي مما يؤكد الإرتباط الشديد بين القطن المصري والقطن الأمريكي فمجرد فاجعة الفيضان في المسيسبي تجعل أسعار القطن المصري في صعود مستمر، كما تعرض سعر القطن في عام 1930 إلى هبوط شديد حتى قت نسبته في الصادرات المصرية من 47.718.000 جنيهاً ستة 1928 إلى 15.753 سنة 1931 والسبب في تلك الأزمة التي ترعضت لها بورصة نيويورك من هبوط أسعار الأسهم وهبوط أسعار القطن نتيجة لذلك، ونظراً لأن تطور الإقتصاد المصري في السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى مرتبط التطورات في لندن وأمريكا فإن ارتباط مصر بالإسترليني أدت بمصر في فترات متعاقبة للتضخم والإنكماش التي نالتها بريطانيا وحيث أن الأوضاع في لندن وأمريكا مسئولة عن سعر القطن الأمريكي الذي يعتمد عليه سعر القطن المصري وحيث إن سعر القطن الأمريكي ذا تأثير واضح في مختلف الأسواق بحيث نجد القطن المصري كان في مختلف تقلباته أسعار القطن الأمريكي.

إذن فالعامل الرئيسي الذي يحدد سعر القطن المصري هو القطن الأمريكي والسبب في ذلك الكمية القليلة جداص التي يساهم بها ا لمحصول المصري بالمقارنة بالمحصول الأمريكي الأمر الذي لم يجعل للقطن المصري نفوذ على الإطلاق واستمرار اعتماد سعر القطن المصري على كمية الإنتاج الأمريكي من القطن بحيث إن أية تقلبات في عسر القطن في أمريكا تؤدي إلى تقلبات مشابهة في مصر والنقطة الوحيدة التي تسيطر عليها مصر هي أفضلية القطن ال مصري على الأمريكي.

ولقد قام البروفسور برشياني بدراسة الإرتباط بين القطن الأمريكي والمصري في الفترة من 1880-1913 ويمكن تلخيص نتائجه بان سعر القطن الأمريكي هو أهم العوامل التي تؤثر في تحديد سعر القطن المصري وقد قدر برشياني درجة تأثيره ب60% وقام الدكتور جمال الدين محمد سعيد بدراسة للعلاقة بين أسعار القطن السكلاريدس في فترة خمسة عشرة سنة تبدأ 1922 وتنتهي في عام 1936 حيث كا ن السكلاريدس في أوج عظمته في عام 1922، ويمثل 75% من الأراضي المزروعة في عام 1936، فوجد أن كل تغير في أسعار القطن الأمريكي يصحبها تغيير في نفس الإتجاه في أسعار السكلاريدس المصري في 13 حالة من 15 حالة وقد كان معادل الإرتباط بين الظاهرتين -08..

والعامل الحاسم في معامل الإرتباط هي كمية المحصول بين البلدين والجدول التالي يوضح إنتاج القطن في الدول الرئيسية المنجة للقطن والنسبة المئوية للإنتاج العالمي.

جدول (6):

"يوضح الدول الرئيسية المنتجة للقطن والنسبة المئوية من الإنتاج العالمي"
الدولة الإنتاج بآلاف البالات النسبة المئوية للإنتاج العالمي
الولايات المتحدة 12787 34.4%
الهند وباكستان 4984 16.8%
روسيا 3430 11.5%
مصر 1874 6.2%
الصين 1872 5.9%
البرازيل 1931 6.5%
المكسيك 291 1.%
أقطار أخرى 3565 8.6%

ج-أزمة شحن القطن الأمريكي والوفد التجاري الأمريكي: كانت طريقة شحن القطن تتم بالإتفاق بين تجار تصدير الأقطان ووكلاء شركات الملاحة الإنجليزية وذلك بالإتفاق مع تلك الشركات على شحن الأقطان للموانئ الإنجليزية والأمريكية بأجرة مدة الموسم كله ويحرر عقد بينهم بناء على ذلك وكانت أجرة الشحن للموانئ الإنجليزية 12 شلناً عن البالتين، 18 شلناً للموانئ الأمريكية عن كل بالتين، ثم ارتفعت أجرة الشحن بعد الحرب العالمية الولى إلى 120 شلناً، 180 شلناً للموانئ الإنجليزية والأمريكية على التوالي، وفي شهر يوليو 1920 سعى مجلس شركة الملاحة في الولايات المتحدة – الذي يعتبر من ضمن مصالح الحكومة الأمريكية وكل تعاقد معه يعد كأنه معقود مع الحكومة الأمريكية نفسها – من خلال قنصل الولايات المتحدة بالإسكندرية في مزاحمة شركة الملاحة الإنجليزية لشحن الأقطان المصرية المصدرة للخارج وتقرر إجراء مناقصة بين الطرفين عن أجور الشحن لموسم 1920-1921 وكلف الطرفان بعرض فئاتهما لأجرة الشحن فلما علمت الشركات الإنجليزية بالفئات الأمريكية وكانت منخفضة جداً، قدمت هي أيضاً فئت منخفضة حيث جعلتها ستين شلناً عن البالتين للموانئ الإنجليزية وتسعين شلناً للموانئ الأمريكية.

وأخبرت بذلك الشركات الأمريكية وأعطى لها ميعاد للرد، ولما تأخر الرد اعتبر أنها طفت عن المزاحمة وتعاقدت لجنة شركة المحاصيل وتعاقدت لجنة شركة المحاصيل المصرية مع الشركات الإنجليزية على فئاتها، ولكن مجلس الشركات الأمريكية أكد أنه لم يكف عن المزاجمة في عام 1921، وإنما كان بعض وكلاء المجلس الموجودين في لندن قيل لهم أن العقد سيحرر ويوقع في لندن نفسها وانتهز وكلاء الشركات الإنجليزية الفرصة وتعاقدوا مع تجار الصادرات في مصر فلم يسع الشركات الأمريكية وقد تم الأمر بهذه الصورة إلا الإنسحاب.

وفي شهر مايو 1921 أعلن قنصل الولايات المتحدة بأن لجنة شركة المحاصيل ستنظر قريباً في مسألة أجور الشحن في الموسم المقبل وطلب من الطرفين – الشركات الإنجليزية والأمريكية أن قدما فئاتهما للشحن داخل مظاريف مختومة وعند فتح المظاريف وجد أن الشركات الإنجليزية قدمت ستين شلناً لموانئ الولايات المتحدة وأربعين شلناً للموانئ الإنجليزية، وقدمت الشركة الأمريكية 40 شلناً لموانئ الولايات المتحدة و25 شلناً للموانئ الإنجليزية وقد حضر جلسة افتتاح ال مظاريف 16 عضواً من لجنة شركة المحاصيل فقرر 15 عضواً منهم إعطاء الشحن للموانئ الأمريكية لمجلس الشركات الأمريكية ولكن العضو السادس عشر امتنع وهدد بانسحاب شركته من شركة المحاصيل إذا شحن قطن للموانئ الأمريكية على بواخر أمريكية ولأن القرار يجب أن يكون باجماع الأصوات أجلت اللجنة قرارها على أمل أن يتفق مؤتمر الشركات الأمريكية مع الشركات الإنجليزية ولما كان وكلاء شركات الملاحة الإنجليزية متحدين في المصلحة مع تجار الصادرات فقد أجرى معهم التهديد بمنع تفريغ الأقطان المشحونة على بواخر عنبر إنجليزية ونتيجة لهذا التهديد حرر العقد بين الطرفين – الشركات الإنجليزية وتجار الصادرات – على شحن القطن للموانئ الأمريكية بأربعين شلناً للبالتين، 30 شلناً للموانئ الإنجليزية ووقع جميع التجار العقد ماعدا خمسة تجار، ولأن القرار بإجماع الأصوات فقد عارض بعض التجار في تنفيذ العقد وسعوا إلى فسخه وطالبت النقابة الزراعية المصرية تدخل الحكومة لإنهاء إجحاف الشركات الإنجليزية ونتيجة لطرق التهديد التي استعملها وكلاء شركة الملاحة الإنجليزية استأذن مجلس شركات الملاحة الأمريكية حكومته أن يعلنوا للوكلاء المذكورين وتجار الصادرات بأنه إذا شرع في تنفيذ العقد المحرر بينهما بالوسيلة التي استخدمت بغير عدل ولا إنصاف فلن يسمح في العام ال قادم بدخول القطن للولايات المتحدة إذا كان مشحوناً على باخرة تابعة لمؤتمر ليفربول عملاً بقانون جونس الصادر 1920، ومؤداه حماية المصالح الأمريكية إزاء من لاتجد حكومة الولايات المتحدة أن تمنع بواخر الأمم المتسببة في هذه المعاملة غير العادلة من الدخول في الموانئ الأمريكية ولذلك فإن تجار تصدير الأقطان الذين تعاقدوا مع الشركات الإنجليزية لا يستطيعون أن يصدروا قطناً لأمريكا مادامو مرتبطين مع هذه ا لشركات وإذا أصرت الحكومة الأمريكية على تنفيذ هذا القانون فستتعرض الأقطان المصرية وزراعتها لضرر كبير إذ تكون الأسواق الأمريكية مغلقة أمامها فتحتكرها الأسواق الإنجليزية وتتحكم في الأسواق كما تشاء وقد أدى تهديد الولايات المتحدة بتطبيق قانون جونس إلى تراجع الشركات الإنجليزية ووصولها إلى حل مع الشركات الأمريكية فقد كان تطبيق قانون جونس سيؤدي إلى عواقب وخيمة لاتقتصر نتائجها على شحن القطن المصري فقط بل على وكلاء الشركات الإنجليزية وفي النهاية قبل وكلاء الملاحة البريطانية التنازل لوزارة البحرية الأمريكية عن نصف القطن المشحون راساً من الإسكندرية إلى الولايات المتحدة ونتيجة لذلك خرجت الولايات المتحدة من تنافسها مع الشركات الإنجليزية بجزء من الحلوى الوطنية أو شاركت بريطانيا في هذه الحلوى الوطنية المصرية، أو شاركت بريطانيا في هذه الحلوى الوطنية المصرية، ولكن كان النزاع الذي حدث بين شركات الملاحة الأمريكية والإنجليزية على شحن القطن أثره في اعتزال القنصل الأمريكي بالإسكندرية من منصبه وسفره للولايات المتحدة حيث جعل همه في المدة التي قضاها بها نشر الدعوة لإيجاد بنك أمريكي بمصر ولذلك أعادته الحكومة الأمريكية إلى منصبه في الإسكندرية وشفعت تينه بإرسال وفد تجاري أمريكي للبحث فيما يقوي الروابط التجارية بين البلدين وكان مهمة الوفد، دراسة حالة مصر الإقتصادية ثم رفع تقرير بذلك إلى الدوائر المالية الأمريكية ومهمة الوفد تشبه إلى حد كبير المهمة التي أرسلت من أجلها الإدارة الأمريكية ويليام هودجسون William Hodgson أحد أعضاء السفارة الأمريكية في استانبول إلى مصر عام 1833 لدراسة امكانية تقوية الروابط التجارية بين البلدين.

وعلى أثر معرفة الدوائر الصحفية المصرية بنبأ هذا الوفد الأمريكي بدأت الصحف المصرية تنشر المقالات الداعية لتشجيع العلاقات الإقتصادية بين البلدين، ولتكون تلك المقالات تحت أعين الوفد الأمريكي المنتظر وصوله وكانت هذه المقالات تحمل مشاريع لإنشاء بنك أمريكي بمصر وأن يكون هذا البنك شركة أمريكية مركزها الأساسي مدينة نيويورك ومركزها العمومي الإسكندرية برأسمال قدره خمسة ملايين جنيه مصري ويكون ضمن مجلس إدارته بالإسكندرية مسشتارون مصريون كما يجب أن يكون وكيله ورئيس قلم الكمبيالات والإستعلامات من المصريين، بالإضافة إلى نشر مشروع بنك الفلاح Preasant's Bank ومؤداه أن تؤسس هذا البنك شركة مصرية مساهمة برأسمال قدره مليون جنيه يغطي قيمة نصف أسهمه بنك مصر من سنداته، والنصف الآخر يغطيه البنك الأمريكي ويكون مركز هذا البنك مدينة القاهرة ويكون له فروع في كل مراكز القطر و غرضه ترقية الأحوال الزراعية ونشرت الصحف كذلك مشروع شركة مصر للحليج والتخزين العمومي The Miser Cirner & Warehouse وتؤسس هذه لاشركة على نفس الطريقة المؤلفة بها شركة بنك الفلاح.

ووصل الوفد التجاري الأمريكي في صباح يوم الجمعة 9 مارس 1923 وقد قوبل في ميناء الإسكندرية مقابلة رسمية من كبار المشتغلين بالأعمال الإقتصادية ورؤساء الغرف التجارية وعلى رأسهم عثمان بك رفقي وكيل مصلحة التجارة والصناعة مندوباً عن وزارة المالية، وسفير أمريكا بالقاهرة ورؤساء الغرف التجارية الأجنبية وأقيمت للوفد حفلة شاي في المعرض الدائم لمصلحة التجارة والصناعة، وتقرر أن يسافر بعض رجال الوفد الأمريكي إلى فلسطين، والآخرون يعودون عن طريق الإسكندرية إلى أمريكا.

ولم تشر الوثائق الأمريكية، أو الوثائق المصرية إلى أي شيء عن الوفد التجاري الأمريكي ولم تنشر الصحف أي شيء عن تقرير الوفد الأمريكي، ولم تؤثر زيارة هذا الوفد لمصر على تحسين العلاقات التجارية بين البلدين إذ أنه في نفس العام فرضت أمريكا ضريبة على القطن المصري طويل التيلة صحيح أنها الغتها فيما بعد ولكنها عادت ففرضت ضريبة أخرى 1930 على القطن المصري طويل التيلة.

كما أنه لم تزد صادرات مصر للولايات المتحدة في تلك السنة نتيجة لزيارة هذا الوفد الأمريكي، وفي النهاية يمكن أن نقول – من وجهة نظري – أن الوفد الأمريكي كان وفد استطلاع معلومات فقط.

د-صادرات مصر من القطن للولايات المتحدة والتعريفة الجمركية للولايات المتحدة على القطن المصري كان ترتيب الولايات المتحدة يأتي في المرتبة من بين الدول المستوردة للقطن وبذرته بعد بريطانيا، وخلال الفترة من 1922-1929 كان مقداره ما صدرته مصر للولايات المتحدة من القطن كالآتي:

جدول رقم (7):

جدول رقم (8):

"يمثل صادرات مصر للولايات المتحدة من القطن بالآف القنطارات في الفترة من 1930-1938"
العام كمية القطن المصدرة للولايات المتحدة بالآف القنطارات القمية بالآف الجنيهات
1930 373.000 1.690
1931 186.500 514
1932 405.000 1.142
1933 375.30 1.077
1934 358.400 1.087
1935 270.600 911
1936 261.100 971
1937 257.750 995
1938 166.000 523(*)

ويلاحظ من الجدول أن كمية القطن المصدر للولايات المتحدة قد هبطت هبوط هبوطاً كبيراً خلال الفترة من 1929-1938، وكان معدل الهبوط 129.9% والسبب في ذلك الضريبة التي فرضتها الولايات ال متحدة على القطن طويل التيلة في عام 1930 لحماية انتاجها من القطن طويل التيلة من ال منافسة التي يواجهها من أقطان الدولة الأخرى الطويلة التيلة.

هذا عن صادرات مصر الولايات المتحدة من القطن، أما عن التعريفة الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على ال قطن المصري، فقد بدأت الولايات بفرض تعريفة على القطن المصري في عام 1921 مقدارها 33 مليماً على رطل من القطن ومن الجدير بالذكر أن المصانع الأمريكية التي تصنع اطارات الكاوتشوك اعترضت على هذه الضريبة كما قامت النقابة الزراعية المصرية العامة بالسعي لدى أصحاب مغازل أمريكا الشمالية للاستعانة بهم لإلغاء هذه الضريبة وبالفعل ألغتها الحكومة الأمريكية في سبتمبر 1922 وذلك نتيجة لضغوط أصحاب المصانع الأمريكية لصناعة اطارات السيارات.

وفي يونيه 1929 جاء الرئيس هوڤر Hover لجلسة خاصة في الكونجرس لدراسة الوضع الزراعي واقترح الرئيس في هذه الجلسة اصدار تعريفه جمركية جديدة وقد جاءت دعوة الرئيس هوڤر استجابة إلى مطالب كبار الملاك الأمركيين لحماية انتاجهم من المنافسة والتي سارت جهودهم في ذلك في خطين متوازنين الأول المطالبة بزيادة الرسوم على الواردات التي لها مثيل مما ينتجه المزارعون والثاني: المطالبة بتحفيض رسوم التصدير على ما يصدر من هذا الإنتاج.

وبناء على تلك الدعوة أصدر الكونجرس في عام 1930 قانون تعريفة هولي - سموت Hawley-Smoot والتي عارضتها 38 دولة وأظهرت تلك ال معارضة لحكومة واشنطن وأعلن 1028 اقتصادي أمريكي من 179 كلية أمريكية معارضتهم للتعريفة وحذروا الرئيس من اتخاذ الدول الأخرى رسوماً انتقايمة ضد البضاءع الأمريكية وضرب هوفر عرض الحائط بنصائح مستشاريه الإقتصاديين وأصر على تنفيذ رسوم تعريفة سموت هولى وفي هذه التعريفة فرضت الولايات المتحدة رسماً قدره 7 سنتات على كل رطل من القطن طويل التيلة الذي لا يقل طول اليافه عن قيراط وثمن قيراط 1 1/8.

وأزعج صدور هذه الضريبة الحكومة المصرية والتي بدأت تتحرك لرفع هذه الضريبة العالية حيث أن أغلب القطن المصري للولايات المتحدة قطن طويل التيلة ويشكل نسبة كبيرة من صاردات مصر للولايات ال متحدة حيث يشكل القطن وبذرته أكثر من 93% من صاردات مصر والولايات المتحدة حيث تشتري الولايات المتحدة 150 ألف بالة من القطن المصري تستهلك صناعة اطارات السيارات نحو 90 ألف بالة منها ونتيجة لهذه الضريبة أرسل رئيس بورصة البضائع بالإسكندرية جول خلاط برقية إلى وزير أمريكا المفوض بالقاهرة لفت فيه نظر الوزير الأمريكية إلى ما تحدثه الضريبة من سوء التأثير في مصر من جهة وفي الصناعات الأمريكية التي تعتمد على القطن المصري من جهة أخرى.

وقدمت الحكومة المصرية مذكرة للحكومة الأمريكية اعترضت فيها بشكل عام على زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على الصادرات المصرية لأمريكا بالقطن – البصل – المنجنيز وذكرت الحكومة المصرية بأن الرسوم الجديدة غير ملائمة لنمو العلاقات التجارية بين البلدين وفي نفس الوقت أرسلت الخارجية المصرية لمفوضيتها بواشنطن تستعلم منها عن أنواع الصناعات التي يستخدم القطن المصري فيها بأمريكا ونسبة ما تستهلكه كل صناعة من ال قطن المصري والأثر المنتظر لفرض الضريبة الأمريكية في استعمال القطن المصري واهتم مجلس النواب المصري بمسألة الضريبة حيث قدم أحد النواب سؤالاً إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية عن جدية الحكومة المصرية في مساعيها لإقناع حكومة الولايات المتحدة للعدول عن هذه الضريبة خصوصاُ أن صاردات مصر للولايات المتحدة من القطن هبطت من 750 ألف قنطار إلى 75 ألف قنطار نتيجة لهذه الضريبة وطالب العضو الحكومة المصرية أن تتخذ إجراءات انتقامية ضد صادرات الولايات المتحدة إلى مصر حيث ذكر أن حكومة لها مطلق الحرية في فرض الضرائب ولكن إذا زادت الضريبة عن الحد المعقول وجب على الدولة التي زيدت الضرائب على حاصلاتها أن تقابل المثل وهي قاعدة اقتصادية يطلق عليها droits represille كما طلب كذلك سير بدراوي باشا وزير المالية باتخاذ اجراءات انتقامية ضد الواردات الأمريكية إلى مصر.

كما قامت المفوضية المصرية بواشنطن 1938 بمساعي كبيرة لدى الخارجية الأمريكية من أجل تخفيض هذه التعريفة حيث قدمت المفوضية المصرية مذكرة الخارجية الأمريكية ذكرت فيها أن الولايات المتحدة كانت من أكبر الدول المشترين للقطن المصري بعد بريطانيا وأنه بعد صدور قانون سموت هولى 1930 انخفضت صادرات القطن المصري للولايات المتحدة بشكل كبير حيث إن الولايات المتحدة استوردت من مصر في عام 1929 (1.277.100) قنطار ثم انخفضت واردات الولايات المتحدة من مصر إلى (373.00) قنطار 1930 ثم وصلت واردتها إلى 257.750 قنطار 1937 نتيجة لصدور قانون سموت هولى، أي أن نسبة صادرات مصر للولايات ال متحدة من القطن قد اتخفضت خلال الفترة من 1929 – 1937 إلى 79.82% نتيجة لصدور هذا القانون، (وطلبت المفوضية المصرية تخفيض الضريبة الأمريكية على القطن حتى تزيد وتتقدم ثمرة العلاقات الطبية بين البلدين وردت الخارجية الأمريكية على المذكرة المصرية بأن تخفيض الرسم طويل التيلة يتم من خلال معاهدة تجارية على أساس معاملة الدولة الأكثر رعاية وبالفعل دخلت الحكومة المصرية في مناقشات تمهيدية لعقد اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة وذلك للوصول إلى تخفيض الضريبة المفروضة على القطن طويل التيلة (وكذلك البصل والمنجنيز) وأثناء المناقشة التمهيدية للمعاهدة ذكر الوزير المصري المفوض بواشنطن في مذكرة لوزارة الخارجية الأمريكية أن متوسط صادرات مصر للولايات المتحدة من القطن خلال الفترة من (1925-1929)، كانت 6.543.617 جنيهاً ثم هبطت قيمة هذه الصادرات إلى 994.660 جنيهاً في عام 1937 وأن السبب في هذا الهبوط الحاد أن مصر ليس لديها محصول آخر للتصدير للولايات المتحدة، يمكن أن يعوض هذا الهبوط في تجارتها مع تلك الدولة، وأن الحكومة المصرية لن ترفع أيا من رسومها الجمركية التي يمكن أن تؤثر بشكل خاص على الصادرات الأمريكية لمصر.

واهتمت المفوضية المصرية بواشنطن في مناقشتها للاتفاقية التجارية مع السلطات الأمريكية على شيء واحد فقط هو تخفيض التعريفة على القطن الطويل التيلة بمقدار 50% من قيمة هذه التعريفة دون التركيز على اتفاقية تجارية تضع ضمن بنودها مسألة تنظيم التعريفة الجمركية بين البلدين ولكن كان لنشوب الحرب العالمية الثانية وتدهور الأحوال في أوروبا وأمريكا أثره في اعتذار الحكومة الأمريكية في عقد معاهدة تجارية مع مصر في لذلك الوقت، مما أدى إلى فشل الحكومة المصرية في تخفيض الضريبة الأمريكية على القطن المصري طويل التيلة.

2-البصل والسجائر وحماية البضائع الوطنية كانت مصر ثالث دولة في العالم تقريباً من حيث كمية انتاج البصل بعد الولايات المتحدة واسبانيا وثاني الدول المصدرة له بعد اسبانيا إلى وقت قريب، إذ أن الولايات المتحدى تستهلك انتاجها محلياً، ولكن مصر تحتل المرتبة الأولى من حيث جودة النوع، والبصل محصول نقدي Cash Crop فهو يشارك القطن في ذلك، ولمصر ميزة انتاج محصولين من البصل شتوي وصيفي وهذه ميزة هامة في التسويق إذ تتمكن من استمرار عرضه في الأسواق الخارجية طوال العام وشغل البصل 1.6% من إجمالي صاردات مصر من البقول والتي تبلغ 2% من إجمالي صاردات مصر في الفترة من 1924-1928، ويصددر من المحصول المصري كل عام 55% إلى 60% من الإنتاج وكانت الدول التي تصدر إليها مصر انتاجها من البصل ايطاليا والمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وهولندا.

وكان البصل يمثل المحصول الثاني بعد القطن من صادرات مصر للولايات المتحدة كما يتضح من الجدول الآتي:

جدول رقم (9):

"صادرات مصر للولايات المتحدة من البصل بالآف الأطنان 1922-1928"
السنة 1922 1923 1924 1925 1926 1927 1928
صادرات مصر للولايات المتحدة 7.784 14.451 4.794 21.316 16.882 21.750 19.144(*)

ويلاحظ من الجدول السابق أن صادرات مصر من البصل في تزايد مستمر إلا في 1928 فقد هبطت الصادرات من 21.570 طناً 1927 إلى 19.114 طناً وذلك نتيجة للإشاعة التي انتشرت في تلك السنة عن نية أمريكا لزيادة الضرائب الجمركية على البصل المصري وذلك نتيجة لضغط بعض المزارعين في الولايات المتحدة على حكومة هوڤر Hoover لزيادة الضرائب على البضائع الأجنبية التي تستوردها الولايات المتحدة ويكون لها مثيل في الولايات المتحدة، وذلك لحماية المنتجات الوطنية الأميريكية واستجابت حكومة هوڤر في النهاية وزادت الضريبة على البصل حيث أصبحت 2.5 سنت عن كل رطل ونفذ هذا الرسم ابتداء من 17 يونيه 1930 وتحركت الحكومة المصرية لإلغاء هذه الضريبة أو تخفيضها فقد قام القائم بالأعمال المصري بواشنطن بالمناقشة مع مدير إدارة الشئون التجارية للشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية والمستشار الإقتصادي لوزارة الخارجية الأمريكية وطلب منهما النظر في إمكان تطبيق التعريفة الفصلية لأن تطبيق هذا المبدأ يوافق بين مصلحة الولايات المتحدة ومصر وأن هذه التعرفية الفصلية معمول بها في استراليا وقال أن البصل المصري حين يعرض للبيع في الأسواق الأمريكية تكون هذه الأسواق خالية من المحصول المحلي وهذا هو المعنى للتعريفة الفصلية وقد ترك القائم بأعمال المفوضية المصرية إلى مدير الشئون التجارية والمستشار الإقتصادي لوزراة الخارجية الأمريكية مذكرة تعرب فيها عن وجهة نظر الحكومة المصرية في هذا الشأن وقد وعد بتقديم هذه المذكرة إلى البرلمان الأمريكي لأنه هو السلطة المختصة بالمسائل الجمركية.

كما قدمت الحكومة المصرية مذكرة للحكومة الأمريكية ذكرت فيها (أن محصول البصل المصري ينزل السوق الأمريكي في أوائل فبراير من كل عام وفي هذا الوقت لايكون في أمريكا محصول جديد ينافسه المحصول المصري إلا ما كان في الولايات الغربية ونفقات الإنتاج فيها مضافة إلى أجرة شحنة إلى ساحل الأطلنطي Atlantic تزيد كثيراً عن ثمن البصل المصري فمعنى ذلك أن البصل المصري لاينافس البصل الأمريكي وأن الرسم (2.5 سنت عن كل رطل) الذي نفذ في 17 يونيه 1930 رسم فادح لأنه يزيد على 100% من أصل قيمة البصل المصري كما يثمن للتصدير في الإسكندرية، ولذلك فقد أصبح يخشى من نفور المستهلك المصري من شراء البضائع الأمريكية ولاشك أن ذلك سيؤثر على العلاقات الودية التى تربط البلدين نتيجة لاضطراب العلاقات التجارية التي تربط البلدين . . وعليه تعرب الحكومة المصرية عن رجائها في أن تخفض الحكومة الأمريكية رسم البصل إلى المستوى التي كانت عليه قبل التعديل الأخير.

كما اقترحت المفوضية المصرية بواشنطن على الحكومة المصرية بأن تلفت تجار البصل وكبار مصدريين البصل إن الإتفاق مع أحد كبار المحامين في الولايات المتحدة للدفاع عن وجهة نظر الحكومة المصرية أمام الحكومة الأمريكية ولما عرض هذا الإقتراح على كبار مصدري البصل بالإسكندرية صرحوا بأنه ليس هناك فائدة من هذا العمل كما دلت عليه التجارب السابقة ونظراً للانخفاض الحاد لصادرات مصر للولايات من البصل – والتي انخفضت من 166.842 جنيه في عام 1927 إلى 14.819 جنيهاً في عام 1937 أي انخفضت نسبة صادرات مصر للولايات المتحدة مت البصل إلى 91.12% - فقد دخلت الحكومة المصرية في مناقشات تمهيدية مع الحكومة الأمريكية لعقد اتفاقية تجارية بين البلدين في يناير 1939 واستمرت مناقشات هذه المعاهدة من يناير إلى ديسمبر 1939 وكان الهدف الرئيسي من دخول الحكومة المصرية من مناقشات تمهيدية مع الحكومة الأمريكية لعقد الإتفاقية التجارية هو تخفيض التعريفة الجمركية على ال بضائع المصرية المصدرة للولايات (القطن، والبصل، والمنجنيز) ولكن كان لنشوب الحرب العالمية الثانية واعتذار الحكومة الأمريكية للحكومة المصرية عن عقد الإتفاقية فشل الحكومة المصرية في تخفيض التعريفة الجمركية الأمريكية على البصل وغيرها من المحاصيل المصرية التي تصدر للولايات المتحدة وكان من الواجب على الحكومة المصرية أن تفرض تعريفة جمركية انتقامية على بضائع الولايات المتحدة المصدرة لمصر أسوة بعمل الولايات المتحدة ضد البضائع المصرية.

أما بالنسبة للسجائر المصرية: فقد بدأت هذه الصناعة في مصر منذ أواخر القرن الماضي ويقال أن السبب في ظهورها في مصر حينذاك هو تقرير الحكومة العثمانية في عام 1875 احتكار الصناعة لنفسها مما حمل المشتغلين بها في تركيا على الهجرة إلى مص روالإشتعال يها وأصبحت هذه الصناعة من الصناعات الرئيسية في مصر وقد كانت هذه الصناعة توظف 5000عامل وتنتج سنوياً 6 مليون كيلوجرام من السجائر وتسهم بحصة لابأس بها في الصادرات المصرية كما يتضح من الجدول التالي:

جدول رقم (10):

"صادرات مصر من السجائر 1928-1938"
السنة المقدار بالطن القيمة بالجنيه
1928 249 -
1930 276 312.279
1932 262 25.500
1934 263 202.500
1936 239 162.300
41938 286 174.071(3)

ونظراً لجودة السجائر المصرية فقد قامت بعض مصانع السجائر الأمريكية بضاعة بعض أنواع السجائر عليها اسم سجائر مصرية وطبعت ذلك على العلب.

وطبقاً للمادة الخامسة من قرار وزارة المالية رقم 73 لسنة 1931 التي تنص على أنه إذا ثبت على أحد المصدرين أنه – يضع أو يساعد على وضع سجائر في الخارج مع استعمال كلمات ورسومات وماركات على السجائر أو عليها يفهم منها أن المقصود الإيهام بأنها سجائر مصرية فلمصلحة الجمارك الحق في عدم منحه الدروباك على جميع السجائر التي يصدرها للخارج وبناء على ذلك فقد طلبت مصلحة الجمارك من وزارة الخارجية المصرية معلومات عما يباع في الأسواق الأمريكية من السجائر باسم سجائر مصرية في علب بدون طوابع مقلد مع إرسال عينات منها لكي تتخذ المصلحة الإجراءات اللازمة نحو أصحاب هذه المصانع وأرفقت المصلحة في طلبها للخارجية بياناً بالمحلات الأمريكية التي اشتهرت بتقليد السجاير المصرية وتبيعها على أنها مصرية وهي محلات باتشرى Batschari بنيويورك وديميترينو Dimirtrino بنيويورك وزفيريز Zafiris بنيويورك وخورى Khoury ببوسطن Boston وبوتر بتلو Butuer Buttler بنيويورك وستفانون بروس Stefanon Bros بفيلادفيا Philadelphia.

وكمحاولة من الحكومة المصرية لحماية السجاير المصرية من التقليد والمنافسة الغير شريفة أرسلت القنصلية المصرية بنيويورك وسان فرانسسكو للاستعلام منهما من المعلومات التي قدمتها لها مصلحة الجمارك بحيث أنه لو ثبت صحتها تحرم المحلات التي تقلد السجائر المصرية من الدروباك Drawback وقد ردت القنصلية المصرية بنيويورك على الخارجية أنه بعد البحث اتضح للقنصلية المصرية بنيويورك أن انتشار السجائر المصرية في الولايات المتحدة محدودة وأن الشركات اتي ذمرتها مصلحة الجمارك ليست ذات أهمية كبيرة تستطيع بها التأثير على سوق السجائر المصرية .

أما قنصلية سان فرانسسكو فردت في ديسمبر 1931 على الخارجية بأنه بالبحث في أسواق سان فرانسسكو وجد أن كل السجائر التي يقال أنها مصرية والمباعة في أسواقها مطبوع على عليها أنها من دخان مستورد من مصر، ومصنوع في الولايات المتحدة أما الطوابع الملصقة على علب السجائر الأمريكية وهي عبارة عن مقدار رسوم الضرائب التي تجبيها الولايات المتحدة على ما يستهلك من الدخان وبالتالي نفت نيويورك من أهمية المصانع الأمريكية التي تقلد السجائر المصرية وعدم تأثير ذلم التقليد على السجائر المصرية.

ويبدو أن الحكومة المصرية لم تكلل جهودها بالنجاح في حماية السجائر المصرية من التقليد في الخارج حيث لاحظ المندوبون المصريون في معرض باريس 1938 أن بعض السجائر التي ترد إلى ايطاليا من بلاد أخرى غير مصر يكتب عليها ما يفيد أنها سجائر مصرية وقد وجه هؤلاء المندوبون نظر مدير المعهد الفاشستى للتجارة الخارجية إلى ما في هذا من تعطيل رواج السجائر المصرية الحقيقة فوعدهم بمخاطبة الحكومة الإيطالية في هذا الشأن.

الفصل الثالث: العلاقات الثقافية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية

أولاً: النشاط التبشيري الأمريكي في مصر

في الأناجيل التي يتداولها المسيحيون وردت إشارة واضحة بتكليف معتنقي هذه العقيدة في كل أنحاء العالم بنشر تعليم الإنجيل والدعوة إلى ما جاء به، أي دعوة الناس إلى اعتناق المسيحية وتعليمهم أصول هذه العقيدة وشرائعها فقد جاء في انجيل متى (فإذا هبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والأبن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم إلى انقضاء الدهر)، وجاء في انجيل مرقص على لسان المسيح قوله (اذهبوا إلى العالم واكرزوا بالإنجيل للخليفة كلها ومن آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن) من هذه الأصول استمدت المسيحية مبررات ومقومات الدعوة إلى ما جاء في الإنجيل وأطلق على هذا النشاط مصطلح التبشير Evangelism.

ومعظم الأديان في الواقع تقوم على التبشير ولكن التسميات تختلف من تبشير وكرازة ودعوة ونشر، والأهمية النسبية تختلف أيضاً فيختلف الإهتمام بالتبشير بين الأديان الثلاثة فالتبشير هو حجر الزاوية في الإسلام والمسيحية ويتضاءل الإهتمام بالتبشير أو يختفي في اليهودية.

ولفهم النشاط التبشيري الأمريكي يجب أن نضعه في إطاره الصحيح فالتبشير حركة دينية اجتماعية تهدف إلى الدعوة إلى الدين الذي يعتنقه المبشر الأمريكي البروتستانتية وفي اعتقاد ونية أي مبشر أن الله سيجزيه على هذا العمل مقاماً رفيعاً بين أقرانه يوم القيامة تماماً مثلما فعل المسلمون عندما غزو مصر والشام وفتحوها فهذه حركة تبشيرية كبرى قصد بها المسلمون هداية غيرهم من معتنقي الأديان الأخرى إلى الدين الحنيف وفي اعتقادهم (المسلمين) أن الله سيجزيهم على هذا العمل مثلما يظن المبشرون المسيحي على حد سواء.

ومنذ انتقال الإرسالية الأمريكية من سوريا إلى مصر والتي وصلتها في 15 نوفمبر 1854 وهي تتلقى المساعدات من الحكومة المصرية في أشكال مختلفة مثل إعفاء الإرسالية الأمريكية من بعض الرسوم أو منح الإرسالية قطعاً من الأرض لبناء منشأت الإرسالية الأمريكية عليها من مستشفيات ومدارس كما امد الإحتلال الإنجليزي المبشرين بشكل عام – نوعاً من المساعدة على التبشير لدرجة أن بفور وزير الخارجية البريطانية كان يعتبر المبشرين في نظر الإستعمار هم عيونه التي تقوم بإطلاع الدول الغربية على النواحي التي تهمها معرفتها عن عقائد المسلمين وآرائهم والثقافات التي يتأثرون بها.

وينقسم العمل التبشيري سواء كان أمريكياً إو غيره إلى ثلاثة أنواع: 1-التبشير بين الجماعات: وهذا يحدث بالمدارس والمستشفيات وفي الندوات الدينيية. 2-التبشير مع الفرد الواحد: وهذا يحتاج إلى مثابرة وصبر واستعداد للترحاب بالضيف وإطهار كل إمكانيات الود والصداقة حتى يأنس إليه الفرد ويثق به وهنا يصبح آلة مسخرة يكفيها المبشر كما يشاء ويصل بها إلى النصراينة طواعية واختياراً. 3-العمل التبشيري الصامت وذلك بتوزيع الكتاب المقدس والنشرات الدينية والصور والأيقونات.

وفي بداية العمل التبشيري الأمريكي بمصر اتجه المبشرون الأمريكيون إلى تنصير المسلمين ولما وجدوا صعوبة شديدة في ذلك وهوما أدركه تشارلز روجر Charls. R. Watsoon حين قال (إن التغلغل لعقل المسلمين مثل دخول حجرى مظلمة وهنا اتجه المبشرون الأمريكيون إلى الأقباط لتحويلهم من الأرثوذكسية إلى البروتستانتية وكان هذا الحل الذي وجدته الإرسالية الأمريكية للخروج من فشلها الذريع في تحويل المسلمين إلى النصرانية ولضمان مورد مالي لتكملة جهودهم في محاولة لتنصير المسلمين مرة ثانية، وفي لذك استعان المبشرون الأمريكيون ببعض الأقباط المتحولين للبروتستانتية في عملهم التبشيري الذي امتد في شتى قرى ومدن مصر ففي الشرقية خدم العمل الإنجيلي عبد المسيح حنا الله وهو قبطي متحول للبروتستانتية وقام بالخدمة بشبرا والقس صموئيل جرجس (1920-1924) وأبان خدمته تم إرساء حجر الأساس للمبنى الحالي لكنيسة شبرا والذي تم تدشينها في 28/9/1923 وخدم بالزقازيق القس حنا مقار والذي بجهوده تم شراء قطعة أرض في عام 1929 وعليها تم بناء المبنى الحالي لكنيسة الزقازيق في عام 1935 وظل حنا مقار يخدم هذه الكنيسة حتى وفاته 1961 وكانت هناك ثلاثة طرق اتخذتها الإرسالية الأمريكية للوصول للسكان الأقباط في المدن والقرى وهي: 1-القيام برحلات تبشيرية تجوالية. 2-التجوال لبيع الكتاب المقدس. 3-العمل التعليمي عن طريق المدارس.

ففي كل عام كان المبشرون الأمريكيون يقومون برحلات عديدة في أماكن مختلفة لتكوين علاقات شخصية مع السكان ولحث الأقباط الأميين للاستفسار عن الموضوعات الدينية ولتقديم الكتب المقدسة والآداب المسيحية للبيع وبذلك يسهل تحويل الأقباط إلى البروتستانتية وذلك لأن وصول المسيحية للإسلام في مصر تكمن من خلال تبشير الأقباط وانعاش الكنيسة الوطنية وهو العمل الذي ركزت عليه طويلاً الإرسالية الأمريكية للكنيسة المشيخية المتحدة لشمال أمريكا The American Mission of threeunited Presbyterians وهي الإرسالية التي كانت تتولى أمر التبشير في مصر – من أجل كسب الأقباط للإنجيلية المسيحية ولتحقيق هذا الهدف قامت تلك الكنيسة استقلت كتيسة وطنية (مصرية) بروتستانتية قوية وعندما اشتد عود هذه الكنيسة استقلت عن الكنيسة الأم الكنيسة المشيخية وقد تم الإستقلال على عدة مراحل بدأ في عام 1908 حيث بدأ الإستقلال المالي الإداري وتم الإستقلال المالي والإداري في عام 1926 وأصبحت الكنيسة القبطية الإنجيلية كنيسة مستقلة ولكنها كانت عضواً في المحفل العام للكنيسة المشيخية الأمريكية وفي عام 1958 انهت الكنيسة الإنجيلية علاقتها بالمحفل العام الأمريكي وأصبح سنودس النيل الإنجيلي هو المحفل العام للكنيسة القبطية الإنجيلية.

وعلى الرغم من فشل المبشرين الأمريكيين في بداية الأمر للعمل بين المسلمين واتجاههم نحو الأقباط إلا أنهم لم ييأسوا في تبشير المسلمين وظهر ذلك من خلال أعمال مؤتمر حلوان التبشيري الذي عقد في 1924 ومؤتمر القدس الذي عقد في نفس العام حيث دعا المؤتمرون إلى ضرورة تبشير المسلمين وذلك من خلال توحيد جهود كافة المبشرين العاملين في مصر وأشار مؤتمر القدس إلى نقطتين هامتين تتعلقان بأساليب التبشير أولهما خطأ المبشرين إذ كانوا يستغرقون من قبل فن نقد الإسلام وإظهار ضعفه أكثر مما يكشفون عن قوة المسيحية وثانيهما أن التبشير أكثر فاعيلة وحسماً بين الأطفال لأن تعليم الديانة الإسلامية وترسيخها يتم بين المسلمين في سن مبكرة جداً لذلك وجب أن يكون التبشير من خلال التعليم هو النشاط الأساسي للمبشرين في البلاد الإسلامية ونادي مؤتمر حلوان بتكوين قيادة قوية من المبشرين والقساوسة والمدرسين لتعبئة كل القوى المسيحية في مصر لهداية المحدمين (المسلمين).

ووضع مؤتمر حلوان خطة للعمل لتنصير المسلمين وحدد الفئات التي يجب أن يعمل بها المبشرين وهي . .

1-شيوخ وطلاب الأزهر: وذلك من خلال الإتصال بطلاب الأزهر وزيارتهم في منازلهم أو تأسيس أماكن بجوار الأزهر للمبشرين الذين يجب أن يظهروا حفاوتهم وودهم وتشجيعهم للمناقشات الحرة مع الأزهريين.

2-المثقفين: وذلك بإعطائهم عدد كبيراً من الآداب المسيحية بالعربية والإنجليزية. 3-العمل بين الناسء: ولما كان من الصعب الإتصال بالنساء، فيمكن الإتصال بهم من خلال جمعيات الخريجات، ومركز رعياة الطفولة التي تصل إليه أفقر الأمهات.

وحدد المؤتمر حلوان الوسائل التي يمكن أن يعمل من خلالها المبشر للتنصير وهي: 1-العمل التبشيري الطبي. 2-العمل التعليمي. 3-العمل التبشيري المباشر من خلال زيارات المنازل والصلات الإجتماعية والمناقشات العامة التي يمكن أن تكون مثمرة.

والخطة التي نادى بها مؤتمر حلوان اتبعتها الإرسالية الأمريكية في مصر بالتفصيل لتنصير المسلمين، وبالفعل اتجه المبشرون الأمريكيون نحو الأزهر على اعتبار أن الأزهر معقل الإسلام وأن الصباني الأزهري إذا اتفق ذلك يكون عوناً للمبشرين على زيادة التغلغل في العالم الإسلامي وأشهر حادثة تبشير أمريكية في الأزهر كانت 1928 وهي حاثة القس الأمريكي زويمر وكان هذا القس وقتها كبيراً المبشرين الأمريكيين في مصر وسوريا وفلسطين والمسئول عن تحرير مجلة العالم الإسلامي وواحداً من أقطاب كافة مؤتمرات التبشير التي انعقدت منذ 1910 وعرفت كتاباته بالتعصب والتعسف ضد الإسلام، وكان لدى زويمر تصريح من وزراة الأوقاف المصرية بدخول المساجد واصطحاب العلماء، وهواة الآثار، وقد استغل هذا التصريح في دخول الأزهر وتوزيع بعض رسائل التبشير في عام 1926، الأمر الذي دعا مدير المساجد وقتها الشيخ عبد الوهاب خلاف إلى استدعاء زويمر وإنذاره بسحب التصريح منه وانتهت هذه الحادثة بسلام ولكن في ضحى ابريل 1928 ذهب زويمر إلى الأزهر ومعه ثلاثة أجانب من بينهم امرأة فتتبعه مراقبوا الجامع لعلمهم بنشاطه التبشيري ودخل حلقة درس الشيخ سرور الزنكلوني أثناء شرحه لسورة براءة ووزع على الطلبة في اسستار ثلاثة رسائل ثيل أنها تتضمن تفسيرات مسيحية لآية الكرسي ولآسماء الله الحسنى ثم ترك الحلقة إلى غيرها وأهاج هذا الأمر نحو من ثلاثة آلاف أزهري كانوا موجودين وقتها وحرقوا الرسائل واستفزتهم جرأة الرجل الذي يقوم بالتبشير في صحن أكبر جامع إسلامي، وعم السخط حتى كاد أن يفلت الزمام، لولا روح الضبط التي أشاعها العلماء وسرى خبر الحادث وبلغ الإستياء مبلغه وأوفد العلماء منهم من قابل مصطفى النحاس رئيس الوزراء طالباً إليه وقف أعمال التبشير في مصر، ووقف توزيع رسائل المبشرين في الشوارع ووسائل المواصلات والمنتديات ونتيجة لذلك سحبت الوزراة تصريح القس زويمر الأمر الذي اضطره أن يصرح باستعداده للإعتذار للأزهر، ولكن الحادث استمر يشغل الرأي العام فترة طويلة وجلب الحادث معه سخطاً شديداً ضد التبشير وقد شارك الأقباط في حملة السخط هذه إلى جانب المسلمين فقد كتب كليم أبو سيف معلقاً على حادثة زويمر ومهاجماً دعوى الإنجليز في حماية الأقليات في مصر ومنوها لحكمة المسلمين وضبطهم للنفس حيث ذكر أنه (لو حدث مثل حادث زويمر في أية كنيسة لاستغلته بريطانيا لتأييد دعواها عن تعصب المسلمين) ثم استطرد قائلاً (لا تعتقدوا المسلمين أن الأقباط في مصر أقل استنكاراً لهذا الحادث منكم، فهم أحرص ما يكونون على الألفة والإخاء بينهم وبينكم ولقد أتى موقف كليم أبو سيف من موقف الأقباك العام المعادي لنشاط الإرساليات التبشيرية في مصر والتي حاولت أن تبشر الأقباط كذلك، وتحولهم عن الأرثوذكسية كما حاولت أن تحول المسلمين إلى المسيحية فخشية الأقباط والكنيسة القبطية من فقد رعاياها لصالح الإرساليات الأجنبية والأمريكية بشكل خاص هو الذي جعل الأقباط يؤيدون المسلمين في معادتهم للمبشرين انطلاقاً من المصلحة المشتركة واستفزت هذه الحادثة الصحافة المصرية فنشرت صحيفة البلاغ مقالاً لعباس العقاد سخر فيه من القس زويمر، حيث قال لم تدخل الأمريكيات الحديثة في شيء إلا احالته من الجد إلى الهزل ومن الوقار إلى الصبيانية فقد دخلت في الفن فإذا التمثيل تهريجاً . . . ودخلت في الدين فإذا الدكتور زويمر وأمثاله أضحوكة للتسلية وتراجيديا تنقلب إلى الكوميديا تارة وإلى الميلودراما تارة أخرى ثم سخر من أمريكا التي كانت مجهولة يوم ظهور المسيحية (ثم يجئ الأمريكيون إلى وطن المسيح في الشرق لينقذوا دينه ويجردوا يقينه وبأية وسيلة بهذه الوسائل الفردية التي أزهر فيها السيد زويمر براعة في المحاكاة تدلك على أنه من قراء طرازان ومن ال عارفين جد المعرفة بطبائع القردة والنسانيس الصغيرة . . . . فلو أن مسلماً دخل الكنيسة الكبرى في روما أو في لندن ليسخر بالمسيحية ويدعو للإسلام لما كان على يقيت من العودة إلى حيث أتى ولكنك أنت تقتحم الأزهر بين المسلمين لتسخر بدينهم وتعتدي هلى حرماتهم ثم تمضي بسلام لايمسك سوء ولاتخسر فيه شيئاً غير وريقاتك التي طرحتها هنا وهناك فما أدل هذا على حاجة الأجانب إلى الحماية؟ وما أدل هذا على تحفز المصريين المتعصبين للعدوان.

كما تقدم النواب محمد لطيف، وعبد الحميد سعيد، وخليل أبو رحاب من مجلس النواب بأسئلة لرئيس مجلس الوزراء اتفقت كلها على (مطالبة رئيس الحكومة ببيان ما اتخذته الحكومة حيال هذا الأمر الهام أو ما ستتخذه أن لم تكن اتخذت شيئاً للآن، وهل يرى معالي وزير الأوقاف منع صرف تذاكر تبيح للأجانب دخول المساجد أو على الأقل للمبشرين ومن ليس ثوبهم، حفظاً لكرامة الدين الإسلامي وخفاً من حدوث فتن في المستقبل وخصوصاً أن للمسألة سابقة في عام (1926).

فأجاب رئيس الوزراء أن الحكومة اهتمت بحادثة زويمر الإهتمام الجدير بها وأخذت من فورها الإجراءات اللازكة لمنع تكرار مثل هذا الحادث في المستقبل، ومنها أن وزارة الأوقاف استردت منه رخصة دخوله المعاهد الدينية الإسلامية وقد شفع رئيس الوزراء تصريحه بكتابة اعتذار عام عن هذا الحادث.

وعلى الرغم من اللغط الذي نتج عن حادثة القس زويمر إلا أنه يجب النظر إليها على أنها حادثة فردية وتجاوزاً من بعض المبشرين في التعاطي مع القضايا التبشرية بشكل عام والمشاعر الإسلامية بشكل خاص، ولايمكن النظر إليها على أنها تمثل ظاهرة في تعاطي المبشرين في مصر مع المقدسات الإسلامية (الأزهر مثلاً) وازدياد تغلغلهم حتى في الأزهر (حادثة القس زويمر)، فإن وضع تلك المسألة في سياقها الطبيعي مفيد لتوضيح مدى النجاح الضئيل التي حققته البعثة التبشيرية الأمريكية في مصر للوصول للمسلمين والأقباط على حد سواء.

وفي نفس الوقت قامت ناظرة أمريكية لإحدى المدارس الإسكندرية بالحاق صبية قاصرة بمستشفى شبين القناطر وأغوت الفتاة عن أهلها وعن دينها ورفضت (الناظرة) تحت مظلة الإمتيازات الأجنبية التي تحمي هذا النشاط أن تسلم الفتاة لأهلها وأثير هذا الموضوع أيضاً في مجلس النواب بسؤال وجهه إلى الحكومة الدكتور محجوب ثابت الذي نبه إلى أن حركات التبشير تعمل تحت ستار المدارس والمستشفات وطلب إلى الأجانب وجوب مراعاة واجب الضيافة وأن ترعى جمعياتهم في مدارسهم ومستشفياتهم ما ينص عليه دستور مصر من حماية الدولة لحرية الأديان، وكان رد رئيس الوزراء (أنه بالنسبة لحادث شبين القناطر فإن أخا الصبية حصل على حكم شرعي بضمها وأن الدولة ستقوم بتنفيذ هذا الحكم بحضور مندوب القنصلية البريطانية التابعة لها المستشفى).

وفي نفس العام نقلت صحيفة الأهرام في بعض أعداد شهر أكتوبر عن خطاب لإحدى المراسلات القته في الإحتماع السنوي لجمعية المبشرين بالسويس تحدثت فيه عن أهمية تبشير وتعليم أبناء المصريين بتربيتهم في مدارس الإرسالية الأمريكية أسوة بما يفعل أقباط مصر بمنع أبناء طائفتهم عن الإلتحاق بهذه المدارس).

وفي عام 1930 وقعت حادثتان أثارتا مشكلة على درجة كبيرة من الخطورة الأولى حدثت في شهر فبراير عندما ألقى قبطي من مذهب الروم الكاثوليك محاضرة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة تعرض فيها للإسلام والرسول، وكانت الحادثة الثانية عندما تعرض كامل منصور – وهو شاب مسلم تحول عن الإسلام واعتنق المسيحية – للنبي في محاضرة ألقاها بالإرسالية الأمريكية بالأبكية وقد نشرت الصحف بالتفصيل هاتين الحادثتين وطالبت الحكومة بمنع نشاط هؤلاء المبشرين وعلى أثر ذلك قامت سلسلة من المظاهرات وخصوصاً في الإسكندرية والتي كاد أن يتحول فيها الأمر إلى حرب أهلية بين المسلمين والمبشرين مما دعا رئيس وزارء بريطانيا رمزي ماكدونالد إلى اتهام اسماعيل صدقي رئيس الوزراء المصري بأن حكومته تعده مسئولاً عن حمايته أرواح الأجانب وممتلكاتهم في مصر ومن سخريات القدر أن ماكدونالد صرح بأن حكومته أصدرت المنصرين أوامرها إلى رادتين حربيتين بالتوجه إلى الإسكندرية للمحافظة على أرواح الأجانب المنصرين وأرواحهم من الخطر وفي عام 1932 أخذت الصحف تنشر أخبار متنوعة عن الحوداث التبشيرية والتي كثرت في هذا العام بالشكل الذي يمكن أن نطلق عليه عام التبشير ففي يونيه 1932 نشر طالب مسلم من طلبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة في إحدى الصحف بلاغاً تقدم به للشرطة عن ضغط الإرسالية الأمريكية داخل هذه الجامعة لإجباره على التحول عن الإسلام، فهاجمت صحيفة السياسة الجامعة الأمريكية وقالت أنها كانت تقوم بعمليات تنصير في غاية الخطورة لبعض الطلاب المسلمين وقد اعترف عميدها بذلك في عام 1920 عندما قرر أن التبشير كان يتم بين الطلاب المسلمين وأنه كان يشترط حضورهم للكنيسة يومياً، وحضور قصول دراسة الكتاب المقدس لمدة أسبوعين من كل شهر.

وتزايدت خطورة المشكلة التبشيرية عندما فضح الشاب الفلسطيني عبد القادر موسى كاظم الحسيني – الذي كان طالباً نابهاً بالجامعة الأمريكية – الدور التبشيري لتلك المؤسسة بشكل علنى وبصورة بالغة الجرأة ففي يوم احتفال الجامعة السنوي بتسليم شهاداتها للمتخرجين الذي كان عبد القادر واحداً منهم – ولما بدا الحفل بتسليم الشهادات نودى على عبد القادر واحداً منهم – ولما بدا الحفل بتسليم الشهادات نودى على عبد القادر لتسلم شهاداته ولكنه ما أن تسلمها حتى مزقها على مرأى من الجميع وصاح في وجه رئيس الجامعة قائلاً (أني لست في حاجة إلى شهادة معهدكم الذي هو معهد تبشيري واستعماري) ثم ألقى الطالب: عبد القادر خطبة قصيرة حمل فيها على التبشير والإستعمار وختمها بالهتاف لفلسطين وشعبها وأصاب رئيس الجامعة الذهول من هول المفاجأة كما ذهل المحتفلون الذين لم يلبثوا أن صفقوا للطالب الفلسطيني وهتفوا بحياته وهو يغادر مكان الإحتفال قبل انتهائه، وكانت هذه الحادثة هي البداية الحقيقية لفضح نشاط الجامعة الأمريكية التبشيري بالقاهرة.

والواقع أنه يجب النظر إلى هذا الحادث ليس فقط في دلالاته التبشيرية التي أفصح عنها الطالب الفلسطيني (عبد القادر) ولكن يجب النظر إليها أيضاً في ضور تطور القضية الفلسكينية ودعم الغرب الإستعماري وأمريكا للقوى الصهيونية، وهو الأمر الذي جعل الطالب الفلسطيني يربط في خطبته بين الإستعمار والتبشير وهتافه لفلسطين، وحيث أن قضية التبشير المعنية الجامعة الأمريكية لا تربط بفلسطين بل بمصر وحيث أن مقر الجامعة بالقاهرة وليس في فلسطين، فإن ذلك يؤكد وجهة نظرنا أن المسألة خاصة بتطور القضية الفلسطينية بشكل عام وقد أتى التبشير عرضاً ليفضح الطالب الإستعمار الغربي ويلفت النظر إلى المسألة الفلسطينية.

والواقع أن هذا الحادث قد استفز الرأي العام المصري فهاجمت صحيفة البلاغ – الصحيفة الوفدية – الجامعة بتوضيح الخلفية التبشيرية لتشارلز واطسن Charles Watson رئيس الجامعة الأمريكية وقالت أن الجامعة مكان يتعلم فيها المبشرون كيف يهاجمون الإسلام ووصفت مقررات الجامعة في علم النفس والإجتماع وعلم الأخلاق كغطاء لذلك، وأن الجامعة بهذا تسعى لنشر البغضاء لسوء الفهم واضطرام الحروب وأنها تنظر للإسلام كدين للبرابرة والذي يعلم الحروب واللصوصية، وأن الشرق سوف لايتقدم ولا يصبح سعيداً إلا بترك هذا الدين، ونشرت صحيفة السياية كذلك معارضتها في 31 مايو حيث عرضت ملخصاً لكتاب مشاكل الأديان Problem of Religion تأليف ديورانت دراك Durant Drak الذي كان يدرس في الجامعة والذي يسئ للإسلام ورسوله، ونشرت الجهاد (الجريدة الوفدية) في 2 يونيه – مقالاً عن كتاب دراك وأكدت أن الجامعة الأمريكية خسرت أكثر من نشر تلك الكتب ونشر ذلك النوع من التعليم بين الطلاب، وانها تحتاج الآن وفي المستقبل جهوداً جبارة من أجل إرجاء الثقة الثديمة للمسلمين وحتى للمسيحين غير البروتستانت، وأنه ثبت أن غرض هؤلاء الأمريكين الأثرياء الذين أنشأوا الجامعة، لم يكن للأغراض العلمية فقط وإنما في الحقيقة لإفساد العقائد وتدمير الإيمان وتحويل الشباب الصغار عن أديانهم بمختلف الطرق، والوسائل كما طالبت السياسة في 5 يونيه بإنشاء مدرسة للدراست الإسلامية طبقاً للأفكار التقدمية للسيخ محمد عبده) كما نشر شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري نداء للمسلمين قال فيه (أنه في الوقت الذي استنكر فيه هذه الأعمال أشد الإستنكار من غير أن أتعرض إلى الحوادث التي بين يدي القضاء اوده نظر الآباء المسلمين ومن في حكمهم إلى أنهم مسئولون أمام الله عمن تحت ولايتهم من التلاميذ وغيرهم وواجب عليهم شرعاً حمايتهم من هذه الأخطار عن مظنات هذه الأعمال) كما نشر فليني فهمي باشا بيان باسم الأقباك المصريين مستنكراً تلك الحوادث قال فيه (فحرصاً على سلامة تلك الروابط المقدسة لم أجد بداً من كتابة هذه السطور جهراً فيها بأنه إذا كان المسلمون المصريون قد استنكروا أعمال أولئك المبشرين فالأقباط المصريون أشد استنكاراً لتلك الأ‘مال ولايقل أسفهم منها عن أسف أخوانهم فالأقباط المصريون أشد استنكاراً لتلك الأعمال ولا يقل أسفهم عن أسف أخوانهم الأقباط ولا تنقص رغبة هؤلاء إلى الحكومة في العمل على منع أسبابها بصورة نهائية حامسة).

وفي نفس الوقت نشرت جريدة كرستيان جرافيك (إن المسيحين بانجلترا سيراقبون مركز الإرساليات في مصر بعين القلق وانشغال البال) وكانت نتيجة الحملة الصحفية على الجامعة الأمريكية ونشاطها التبشيري هبوط المقيدين بكلية الآداب والعلوم في 1932، 1933 من 388 إلى 266 طالباً.

ويعتقد أدوارد فرمان جوست بأن الهدف من الحملة الصحافية على الجامعة الأمريكية هو احراج حكومة صدقي واستشهد على ذلك بحديث لمستر مكلانهن MeClenahan عميد كلية الآداب والعلوم ومستر جوردون مريام Merriam Gordon السكرتير الثالث للمفوضية الأمريكية بالقاهرة حيث قالا انه (يعتقد أن 25% من الحملات الصحفية ضد الجامعة تهدف إلى تعويق الحكومة وأن الصحافة الوفدية تأمل في اتهام الحكومة بعدم مقدرتها على حماية الإسلام وأكدت هذا الرأي البلاغ في 31 مايو 1932 حيث ذكرت (منذ ثلاثة شهور . . . أكد صدقي باشا أمام البرلمان أنه يعد بأنه سوف لإيثار أي هجوم ضد الإسلام من جانب المؤسسات الأجنبية، وأعلن أنه في حالة أي هدوم أكثر على الإسلام سوف يتدخل من خلال السلطات الحكومية، والآن هناك هجوم . . . فماذا ستفعل الحكومة؟!

وهذا الرأي سليم في مجمله ولكن نسبة 25% هذه نسبة كبيرة إذ أن ساعة الصفر للهياج والثورة لأي شعب شرقي – بشكل خاص – هي ساعة المساس بمسألة الأديان والأقلال من شأن دين جماعة، والدليل على ذلك أن العقاد وهو الكاتب الوفدي قد هاجم المبشرين الأمريكية في صحيفة البلاغ سنة 1928 أثناء حادثة زويمر فماذا كان يقصد على هو احراج حكمة النحاس الوفدية أم الدفاع عن الإسلام؟!

وأقلقت كذلك الحملة الصحفية الحكومية البريطانية والتي اعتقدت أن الملك يشجع الحركة المناهضة للمبشرين في مصر كما كان للأزهر دور كبير إزاء تلك الأحداث التبشيرية فقد طالب الشيخ الظواهري من الحكومة سن تشريع لمنع نشاط المبشرين في مصر كما أصدر فتوى في سبتمبر 1933 وبشدة المسلمين الذين يلحقون أبنائهم بمدارس الأرساليات الأجنبية، ونتيجة لهذه الفتوى تناقص عدد الدارسين المسلمين بمدارس الأرساليات التبشيرية وتعترف وثائق الأرساليات التبشيرية بإنخفاض في عدد الملتحقين من أبناء المسلمين المصرين بمدارس الأرساليات الأمريكية بدرجة ملحوظة ولقد قلقت دار المندوب السامي البريطاني من بيان شيخ الأزهر ، فقد قابل السكرتير الشرقي لدار المندوب السامي مستر سمارت Smart، وزير الداخلية المصري ولفت نظره إلى خطأ ذلك البيان المناهض للمبشرين من شيخ الأزهر فرد وزير الداخلية بأن شيخ الأزهر كان مدفوعاً لعمل ذلك البيان لإتهام المعارضة له بأنه يفعل شيئاً إزاء المبشرين، وأكد وزير الداخلية لمستر سمارت أن هذا البيان لن يكون له تأثير قوي وسوف لا يتبع ببيان آخر وفي منتصف يونيه 1933 أعلن الشيخ مصطفى المراغي عن تأليف جمعية لمقاومة التبشير وسرعان ما انضم إلى عضوية الجمعية لفيف من رجال الدين الإسلامي والمفكرين، والمثقفين من شباب الأزهر فكان من أعضاءء الجميعة الدكتور حسين هيكل، وعبد الحميد سعيد رئيس جمعيات الشبان المسلمين، ومحب الدين الخطيب رئيس تحرير مجلة الزهراء الشهرية ومجلة الفتح الأسبوعية والشيخ محمد الخضر حسين والشيخ حسن البنا. وتكونت لهذه الجمعية فروع ولجان في المدن والقرى وتصدت هذه اللجان لمن يسمون أنفسهم بالمبشرين ونتيجة لذلك طالب النائب أحمد والي الجندي من وزير الأشغال سحب التصاريح المجانية للمبشرين وركز على أعضاء بعثة الكلية الأمريكية (الجامعة الأمريكية وثارت مناقشة حادة بين الوزير وبعض النواب الذين اعتبروا أعضاء البعثة مبشرين بينما اعتبرهم الوزير مدرسين المهم أن الوزير وعد بدراسة المسألة ولم تنشر الصحف أحداثاً ذات بال عن المبرين سواء كانوا أمريكيين أو غيرهم وفي نهاية عام 1939 كان عدد أعضاء الكنيسة الكنيسة الإنجيلية المصرية 20 ألف عضو ولم تشر الوثائق أو الكتب التي تناولت التبشير عن عدد المسلمين المصريين المتحولين للمسيحية خلال فترة الدراسة ولكن يمكن حساب عدد المتحولين للمسيحية بشكل قياسي كالآتي ففي عام 1904 أي بعد 50 عاماً تقريباً من وصول الأرسالية الأمريكية إلى مصر تم تعميد 100 مسلم فقط أي أنه يمكن القول انه كل 50 عاماً يتم تعميد 100 مسلم أي أنه يتم تعميد أثنين من المسلمين وقياساً على ذلك فيمكن القول أن عدد المتحولين من الإسلام للمسيحية في الفترة من 1919-1939 حوالي أربعين وهو رقم خاضع للخطأ والصواب ويعتمد بشكل تام على مدى صحة أو خطأ أو مبالغة الأرسالية الأمريكية في عدد المتحولين للإسلام عام 1904.

وهو أيضاً رقم ضئيل ويدل على الفشل الذريع للإرسلية التبشيرية الأمريكية في مصر في العمل وسط المسلمين.

تبقى كلمة أخيرة بالنسبة للنشاط التبشيري الأمريكي في مصر وهي متعلقة بمطالبة المبشرين الأمريكيين بمبدأ الحرية الدينية في مصر.

مطالبة المبشرين الأمريكيين بمبدأ الحرية الدينية: لقد جاءت فكرة مطالبة المبشرين الأمريكيين بالمطالبة بمبدأ الحرية الدينية في مصر من فكرة بسيطة وهي اعتقادهم أن خشية المسلم من التحول للمسيحية تنبع من فقدان مبدأ الحرية الدينية بالإضافة إلى أنه ليس هناك طريقة للتسجيل للمتحول من الإسلام للمسيحية وأن الشكل الوحيد المعترف به هو التسجيل من المسيحية للإسلام ولهذا فإن المتحول من الإسلام فقط يتعرض للإضطهاد الإجتماعي ولكنه أيضاً يتعرض لعدم الشرعية القانونية فهو لايستطيع أن يطالب بالميراث من أقربائه المسلمين كما أن زوجته عادة تنفصل عنه، وإذا كانت المتحولة أمرأة فسيكون حالها أسوأ فإذا لم تكن متزوجة فإن حياتها تكون مطلوبة من والدها أو الوصي عليها وإذا كانت متزوجة فتكون مطلوبة من زوجها وتكون معرضة لكافة أنواع الضغوط من طافة المجتمع الإسلامي كما كان لإعلان دستور مصر بأن الإسلام هو دين الدولة سبباً آخر في مطالبة المبشرين الأمريكيين في طلب الحرية الدينية ولذلك شكل المبشرون الأمريكيون ضغوطاً قوية على السياسة الخارجية الأمريكية للمطالبة بهذا الأمر وخصوصاً أن الدين يتدخل كعامل قوي في تكوين السياسة الخارجية الأمريكية.

ويبدو أن الأحداث التي تلت حادثة القس زويمر هي التي دفعت كافة الإرساليات التبشيرية العاملة في مصر إلى التضامن مع الطلب الأمريكي فقد أرسل المجلس التبشيري العالمي المصري Council Egypt inter-Mission والذي يمثل عديداً من الطوائف البروتستانتية الأمريكية والأوروبية – خطاباً في 24 مارس 1930 للوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة مستر جونثر مطالباً فيه بمبدأ الحرية الجينية وأرسل جونثر هذا الطلب لوزير الخارجية الأمريكي والذي أرسله بدوره للسفير الأمريكي في لندن مستر داوس Daws مبلغاً السفير انتهاز أقرب فرصة لإجراء تحقيقات شفوية مع السلطات البريطانية المعنية لإتخاذ خطوات لصيانة الحريات الدينية في مصر وذلك من خلال الترتيبات الجديدة التي تعد الآن بين بريطانيا ومصر ومناقشات النحاس هندرسون 1930 وبالفعل حدث موظف أمريكي بالسفارة الأمريكية في لندن مع موظف من 12، 13 من الدستور المصري اللتين تنصان على على الحرية الدينية متناقضتان مع الشريعة الإسلامية فأوضح الموظف البريطاني بأن وزارة الخارجية سعيدة بمعرفة وجهة نظر الخارجية الأمريكية وأنه يدرك جيداً الصعوبات التي تواده البعثات التبشيرية في عملها والتي تماثل الصعوبات التي تواجه البعثات البريطانية وأشار الموظف البريطاني إلى أنه الموقف كما تتبناه الخارجية البريطانية هو أن الدستور المصري في المادتين 12، 13 ينص على على حرية الأديان بشرط ألا يتناقض ذلك مع النظام العام والأخلاق الحميدة وأن الحكومة المصرية تعتمد على الشريعة الإسلامية أكثر من اعتمادها على الدستور، وقدم حلاً للموظف الأمريكي مؤداه التطور التدريجي حيث ذكر أن التطورات ستؤدي إلى اتجاهات ايجابية لقضية البعثات التبشيرية، وأن التدخل الأجنبي – بشكل خاص في مسألة الأديان، ربما يؤدي إلى معارضة أكيدة، وأكد للموظف الأمريكي بأنه ليس هناك أية اقتراح لإقحام مسألة الحرية الدينية في مصر في الإتفاقية السياسية بين مصر وبريطانيا مثل المفاوضات الجارية الآن، وقال أنه لن تتخذ أية خطوات في المفاوضات الجارية لحماية الحريات الدينية عن الموجودة في الدستور المصري.

كما أخبر المندوب السامي البريطاني الوزير الأمريكي المفوض أن مسألة الحرية الدينية لايمكن أن يلمح إليها رسمياً وأضاف أن هناك عديداً من الموضوعات من المستحيل أن يتبناها الوفد المصري في المفوضات الجارية الآن.

وفشلت الحكومة الأمريكية في استغلال المناقشات التي دارت بين النحاس باشا وهندرسون 1913 لوضع ضمانات لحرية الأديان وانتهزت الحكومة الأمريكية مفاضوات 1936 بين مصر وبريطانيا للمطالبة بمسألة حرية الأديان ولكن تفحم هذه المسألة في المعاهدة التي ينتظر توقيعها بين مصر وبريطانيا فقدم المجلس التبشيري العالمي المصي ثلاثة اقتراحات لحماية الحريات الدينية في مصر أن يطلب من الحكومة المصرية أن تضع قانوناً مشابهاً للمادتين 23، 24 من قانون الأرث الفلسطيني اللتين تعطيان الحرية في الأحوال الشخصية وتعفيان من أية عقوبات بسبب تغير الدين أو الجنسية (ب) أن حماية الأقليات مصانة من خلال اعلن تصريح 28 فبراير 1922 ويجب أن يتنازل عنها من خلال المعاهدة (1936) (ج) يجب أن تصدر الحكومة المصرية تصريحاً فيما يتعلق بحرية الأديان، مشابهاً للمادتين 15، 6 من تصريح المملكة العراقية وطالب الوزير الأمريكي المفوض مستر فيش أن تفاتح الخارجية الأمريكية الخارجية البريطانية بشكل غير رسمي في طلب ما إذا كانت اتخذت أية خطوات لحماية حرية الأديان في مصر خلال الترتيبات الجديدة التي وضعت بين مصر وبريطانيا في معاهدة 1936، كما طلب مستر فيش حكومته أن تعبر عن الأمل للحكومة البريطانية بمنح الإهتمام المؤيد للإقتراحات التي قدمها مجلس التبشير العالمي خاصة فيما يتعلق باقتراح اصدار تصريح مشابه لما أصدرته العراق حين انضمامها لعصبة الأمم، وأوضح المندوب السامي البريطاني مايلز لامبسون لمستر فيش الوزير الأمريكي المفوض أن الحكومة البريطانية توافق على الإقتراح بان تصدر الحكومة المصرية اختيارياً – تصريحاً مشابهاً لما أصدرته العراق قبل انضمامها لعضوية عصبة الأمم أخبر مستر لامبسون مستر فيش أنه فاتح وزير الخارجية المصرية في هذه المسألة وأن الوزير المصري متفق معه تماماً في الرأي بأن الممثلين المصريين في جنيڤ سيعدون لمؤتمر مونترو – ونتيجة للخطابات المتبادلة – بتاريخ 8 مايو 1937 بين النحاس باشا رئيس الوفد المصري في المؤتمر وبرت فيش رئيس الوفد الأمريكي في المؤتمر وعدت للولايات المتحدة على شرط ألا يكون ذلك متعارضاً مع النظام والأخلاق العامة وتتضمن ذلك كملحق لمعاهدة مونترو وطلبت الحكومة المصرية من الحكومة الأمريكية قائمة بالمعاهد والمؤسسات الأمريكية بمصر، العلمية والتعليمية والطبية والخيرية وغيرها وأرسلت الحكومة الأمريكية في نهاية عام 1937 قائمة بمؤسستها في مصر التي تريد ان تضمن لما حرية النشاط ف يمصر وضمت خمساً وأربعين مؤسسة بين علمية وأثرية وتعليمية وطبية وخيرية.

ثانياً: النشاط التعليمي والخيري الأمريكي في مصر

ا-النشاط التعليمي للإرسالية الأمريكية إزاء فشل المبشرين الأمريكيين في نشر مذهبهم البرسبتيري نظراً لمقاومة الطوائف الإسلامية والمسيحية المحلية فإنهم حاولوا نشاطهم إلى مجالت الطب والتعليم دون أن يخلوا عن هدفهم الأساسي وهو التبشير فحينما جاء المبشرون الأمريكيون إلى مصر وجدوا نظام التعليم الحكومي قاصراً ويقوم على النظم القديمة ومع بداية القرن التاسع عشر انتشرت المدارس الحديثة وأقبل عليها المصريون وكانت أكثر هذه المدارس الفرنسية وقد وجد المبشرون على الإقتراب من المسلمين بطريقة غير مباشرة وقد وجدوا أن التعليم أفضل هذه الطرق غير المباشرة ومن أجل ذلك لايجب ألا نستغرب إذ كانت أكثر مدارس البنين والبنات والمدارس الأمريكية خاصة لاتزال مرتبطة بالإرساليات ومع أن الإرساليات التبشيرية تحاول النفوذ إلى الطوائف المسيحية كأن يكتسب البروتستانت نقراً من الأرثوذكس فإن المقصود الأول بالتبشير عن طريق التعليم هم المسلمون وخصوصاً بعد أن تبدلت الأحوال والعقليات بعد الحرب العالمية الأولى، وهكذا كان تاريخ الأعمال التبشيرية في البلاد الإسلامية إلى حد كبير تاريخ للتعليم الأجنبي والسبب في تركيز المبشرين الأمريكيين على التبشير من خلال المدرسة هي أن المدرسة مكان يجتمع فيه المشرفون على المدرسة بأولياء الأمور وتكون المدرسة هي المركز الذي يمكن أن يتصل عن طريقه هؤلاء الناس بالجمهور وينشرون فيه المذهب البروتستانتي . . . . ويؤكد ذلك ما ذكره مستر واطسن إذ يقول (وكانت المدرسة هي المدخل الوحيد وبمجرد هذا المدخل وتنشأ جالية بروتستانتية صغيرة كانت المدرسة تترك للأهالي أو تهمل كليةً). ويتبين من هذه العبارة أن فتح المدارس الأمريكية بمصر حيثما بدا لم يمكن لأغراض تعليمية تربوية فحسب وأنما كان أساساً أغراض الإرسالية الدينية في مصر ويسير العمل التبشيري بالمدارس حسب تدرج المراحل التعليمية ففي مرحلة التعليم الثانوي والجامعي يأخذ التبشير أسلوب المناقشة والبحث العلمي ويحاول المبشر أن يعتمد كثيراً على الكتب الإنجليزية والفرنسية ونظراً لأن الطلبة ليسوا على شيء من المعرفة والفقه التبشيري فقد اختارت تلاميذ مدارسها من الطبقة الفقيرة والتي تمثل الطبقة العريضة في المجتمع حتى يسهل التأثير فيها لسذاجتها ولانخفاض المستوى الإقتصادي لإفرادها ولما كان الغرض من التعليم الأمريكي هو نشر المذهب البروتستانتي فقد كان الترغيب بشتى الوسائل هو السبيل إلى ذلك من أجل ذلك كانت المدارس الأمريكية تنتشر في الريف والصعيد وبمصروفات ضئيلة، وقدمت الإرسالية الإرسالية المنح للتلاميذ، والمجانية للفقراء والمتفوقين ولكن بعض هذه المدارس وبخاصة مدارس البنات الأمريكية رفعت مصروفاتها وحددت نطاق مجانيتها بحيث أصبح طبقات أولياء الأمور من مستوى اجتماعي معين يستطيع أن يتحمل نفقات بناتهم في هذه المدارس.

واهتمت الإرسالية الأمريكية بعدى أمرو حتى تحسن من أدائها التربوي وتجذب أولياء أمورالطلاب على ادخال أبنائهم وبناتهم بمدارسها فقد اهتمت الإرسالية بالإشراف التام على مدارسها واهتمت بأعداد المعلمين والمعلمات فقد اختيرت كلية أسيوط الأمريكية لمهمة أعداد المعلمين وكليتا البنات بأسيوط، والقاهرة لإعداد المعلمات وقد تخرج من كلية البنات بالقاهرة عام 1922 خمس عشرة معلمة فمن بالتدريس في مدرسة الإرسالية خاصة مدرسة الخياط بأسيوط وفي عام 1929 – وفي إطار خطة الإرسالية الأمريكية لأعداد المعلمين والمعلمات – افتتحت مركزاً لتدريب المعلمين على أحدث الطرق التربوية كان مركزها المدارس الأمريكية في طنطا وأسيوط أما بالنسبة للإشراف على مدارس الإرسالية فقد كانت الإرسالية تشرف إشرافاً مباشراً على مدارسها التي بمراكز الإرسالية الرئيسية غير أن مسئولية انشاء مدارس بالمدن والقرى التي توجد بها مراكز الإرسالية كانت تقع على عاتق الأهالي البروتستانت فلم تكن الإرسالية تعطي أية مساعدة للمدارس الموجودة بها ولكن كان أحد أفراد الكنيسة البروتستانت يتبرع بتمويل المدرسة إلى جانب المصاريف التي يدفعها التلاميذ وعلى ذلك كانت هذه المدارس مدارس خاصة يشرف عليها الذين انشاؤها وكثيراً منها حمل اسم الإرسالية الأمريكية، وظل الحال هكذا حتى عام 1904 حينما حاول مجلس الكنيسة synode القيام برسم خطة لإدارة هذه المدارس وقد عقد مؤتمر تعليمي بأسيوط 1912 استمر من 9-2 يناير واتخذ قراراً بالتفتيش والإشراف على المدارس وتكوين لجنة تعليمية من مجلس الكنيسة لتوجيه هذه المدارس على أن تكون لجنة لتوجيه كل مدرسة ومدها بالأساتذة والتفتيش عليها، وأرسال التقرير إلى اللجنة الرئيسية بالوجه البحري في الفترة الواقعة بين 1904-1929، غير أنه بعد عام 1926 اضطرت الإرسالية إلى إغلاق أربع مدارس كما أخطرت في عام 1928 إلى إغلاق خمسة مدارس أخرى ولذلك تكونت لجنة مدارس الدلتا، وكان عمل اللجنة تنظيم العمل والبرامج والإشراف على الإمتحانات وتعيين المدرسين، أما في الوجه القبلي فقد كان هناك عدة مدارس تعتمد على الإرسالية وفي عام 1929 لم يكن بالوجه القبلي سوى مدارس أولية في مديريات الأقصر وبني سويف والفيوم تخضع لإشراف الإرسالية باستثناء كلية أسيوط وتطورت الأمور بعد ذلك من حيث الإشراف على المدارس الأمريكية بحيث تكونت لجنة من سبعة أعضاء تعينهم الإرسالية وتضم هذه اللجنة مديري المدارس الأمريكية الكبيرة ولهذه اللجنة الرأي الأخير فيما يتعلق بالمباني والمعدات وتعيين وفصل المدرسين ودفع المرتبات، والإمتحانات غيرأنها فيما يختص بالسياسة العامة للمدارس من حيث إنشائها وإغلاقها ونوع التعليم كان لابد لها من الحصول على موافقة إدارة الإرسالية العامة في فلادلفيا وقد تكونت سبع لجان فرعية للإشراف على المدارس الأمريكية تشتمل كل منها على ما يأتي: 1-عضوين لمدارس الدلتا للإشراف عليها 2-عضوين لمدارس الأزبكية للبنات 3-لجنة لإدارة مدرسة البنات تنقسم إلى قسمين أ-قسم يختص بمناهج مدارس البنات وتشمل أربعة أعضاء ب- قسم يختص بمناهج مدارس البنات وتشمل ثلاثة أعضاء 4-ثلاثة أعضاء لمجارس الخياط 5-أربعة أعضاء للمدارس الأهلية بالأرياف 6-عضوين لامتحانات مدارس البنين الإبتدائية 7-ثلاثة أعضاء عن The daily vocation Bible school ونظراً لأهمية كلية أسيوط فقد كان لها لجنة خاصة لإدارتها وأن كانت تخضع للجنة العامة التي سبق ذكرها واستمرت الإرسالية تشرف على مدارسها ومؤسساتها المختلفة حتى أول سبتمبر 1962 حيث تنازلت الإرسالية الأمريكية عن مدارسها ومؤسساتها المختلفة إلى سنودس النيل الإنجيلي وأصبحت مدارس الإرسالية مدارس مصرية يديرها مصريون كما تمصرت أسماء المدارس وأصبحت خاضعة للسياسة التربوية التي تنظمها وزارة التربية والتعليم.

كما اهتمت الإرسالية بالأنشطة التربوية المختلفة في مدارسها كالإهتمام بالموسيقى فقد كانت كليتا البنات الأمريكية بالقاهرة وأسيوط تعطيان اهتماماً خاصاً بالموسيقى وكانت تقدمان منهاجاً في الموسيقى تحصل الطالبة بعد اجتيازه والتدريب عليه دبلوما في الموسيقى. كما اهتمت المدارس الأمريكية بالجمعيات الأدبية التي يشترك فيها الطلبة لتقديم انتاجهم من الشعر والنثر والقصة القصيرة ويشرف عليها مديران أحدهما مصري للإشراف على الإنتاج باللغة الإنجليزية كما اهتمت المدارس الأمريكية بتزويد مكتبات الفصول والمكتبات العامة المدرسية بنوعيات من الكتب الدينية بمختلف اللغات التي تدعو للمذهب البروتستانتي وتؤيد النشاط الديني للإرساليات بالإضافة للإهتمام بالأنشطة الرياضية المختلفة كما اهتمت الإرسالية الأمريكية في مدارسها بتنمية صفة الإعتماد على الذات بين تلاميذها من خلال اشراك التلاميذ في الإشراف المدرسي فهي تعطي تلاميذها حرية أكثر من أي نوع آخر من أنواع التعليم فلكل فصل رئيس ووكيل وأمين صندوق ينتخبهم تلاميذ الفصل وتتألف من رؤساء الفصول جميعاً مجلس الطلاب Student Council والذي له رئيسان ووكيلان وأمين صندوق وهؤلاء جميعاً يتم اختيارهم بالإنتخاب ويشتمل المجلس على لجان خاصة فلجنة السلوك تتولى ملاحظة سلوك تلاميذ الفصل بها الفصل وتساعد التلاميذ الجدد على تكوين صداقات مع التلاميذ، ولجنة البرامج التي يقوم بها الفصل في المناسبات المختلفة ولجنة الفصل تتولى نظافة الفصل، ولجنة الحديث تحاول المساعدة في تحسين اللغة وتجنب الأخطاء فيها وضمان التحدث باللغة الإنجليزية داخل الفصل وخارجه.

كما اهتمت الإرسالية بتقويم سلوك الطلاب فإن الطالب الذي يخطئ يعطي علامة سوداء Black Mark فإذا كان في القسم الإبتدائي تخصم درجة من السلوك لكل علامة سوداء وكل خمس علامات سوداء أو أكثر يحتجز التلميذ بالمدرسة في ذلك الأسبوع وفترة الحجز في أثناء الغذاء ظهراً وإذا وضع للتلميذ علامة سوداء لايمكن إزالتها وإذا كان التلميذ حسن السلوك طوال العام يمنح نجمة ذهبية Gold star وبالنسبة لتطور عدد المدارس الأمريكية فيمثلها الجدول التالي: جدول (1):

ويلاحظ من الجدول أن عدد المدارس عام 1880 (44) مدرسة زادت إلى 196 مدرسة عام 1914 أي زادت المدارس إلى 345% وفي 1923 كان هناك 195 مدرسة منها 145 مدرسة للبنين، 50 مدرسة للبنات أي أن عدد مدارس البنين ثلاثة أضعاف مدارس البنات وذلك بسبب إهمال تعليم المرأة في ذلك الوقت وهذا مايؤكد عدد التلاميذ بالمقارنة بعدد التلميذات فقد كان عدد البنين 10674 وعدد البنات 5937 أي كان عدد التلاميذ ضعف عدد التلميذات تقريباً، ويلاحظ أن عدد المدرسات كان في تزايد فقد كان هناك 87 مدرسة ووصلت إلى 257 مدرسة عام 1923 أي أن نسبة الزيادة 37.43% وهي نسبة كبيرة ولكن الزيادة الكبرى لعدد المدرسات كانت 1914 حيث زادت نسبة المدرسات من 1880-1914 إلى 392.6% ويمثل العام الدراسي 27/1928 تراجعاً كبيراُ في فن عدد المدارس الأمريكية كما يتضح من الجدول الآتي: جدول رقم (2): ويتضح من الجدول الساق أنه بالرغم من الإنخفاض الكبير في عدد المدارس الأمريكية حيث كانت 216 مدرسة في العام الدراسي 24/1925 ثم هبطت إلى 78 مدرسة في العام الدراسي 27/1928 أي انخفضت عدد المدارس الأمريكية بنسبة 63.88% في العام الدراسي 27/1928 وعلى الرغم من ذلك فإن انخفاض عدد المدارس الأمريكية لم يكن كبيراً بالنسبة لعدد المدارس الأجنبية الأخرى حيث كانت نسبة المدارس الأمريكية لم يكن كبيراً بالنسبة للمدارس الأجنبية الأخرى حيث كانت نسبة المدارس الأجنبية في مصر 12ز24% بينما شكلت فرنسا 43ز79% وبريطانيا 11ز61% وايطاليا 14ز28% ثم تعرضت المدارس الأمريكية لإنخفاض آخر في العام الدراسي 33/34 فمن 78 مدرسة في العام الدراسي 27/1928 إلى 37 مدرسة في العام الدراسي 33-134 أي وصلت نسبة الإنخفاض 52.56%.

ويبدو أن انخفاض عدد المدارس الأمريكية يرجع للحوداث التبشيرية الأمريكية في مصر ونمو الشعور المصري المعادي للتبشير حيث انخفضت عدد المدارس الأمريكية في عام 1928 وهو العام التي وقعت فيه حادثة القس زويمر ثم انخفضت المدارس الأمريكية في العام الدراسي 33/34 وهو العام الذي تلى حادثة الطالب عبد القادر الحسيني وهجوم الصحافة المصرية على الجامعة الأمريكية والمدارس الأمريكية كأداة من أدوات التبشير الأمريكية في مصر. وحافظت المدارس الأمريكية على عددها (37) مدرسة حتى عام 1952.

ونستطيع تقسيم الأمريكية إلى . . . (1) المدارس الأمريكية بالقاهرة وسنأخذ مثالاً على ذلك كلية رمسيس للبنات بالقاهرة (2) (2) المدارس الأمريكية بالإسكندرية وسنأخذ مثالا على ذلك مدرسة شوتس (3) المدارس الأمريكية بأسيوط وسنأخذ مثالاً على ذلك كلية أسيوط للبنين (4) المدارس الأمريكية بالأقاليم وسنأخذ مثالاً على لذك المدرسة الأمريكية بالزقاويق

1- كلية رمسيس للبنات نظراً لزيادة عدد الطالبات بمدرسة البنات بالأزبكية وعدم قدرة القسم الداخلي على استيعاب المتقدمات له، إذ أن القسم كان يستوعب 80 طالبة فقط فقد فكرت الأرسالية في عام 1904 في إقامة كلية جديدة للبنات بشارع رمسيس حالياً وأعدت الرسومات الهندسية للمشروع لكن التنفيذ كان يحتاج إلى مبلغ كبير من المال، فجمعت تبراعات من المصريين بلغت حوالي 6 آلاف دورلاً.

وفي عام 1907 قدمت منحة قدرها 18.000 دولار من جون روكلفر مكنت المبشرين من تأسيس الكلية وقج وضع حجر الأساس لمبنى الكلية في 25 فبراير 1908 وبدأت الدراسة بها في أول ديسمبر 1909 وافتتحت الكلية رسمياً في 28 مارس 1910 ورأس حفل الإفتتاح محمد باشا صدقي محافظ القاهرة وكان ضيف الشرف الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت وحضر الإحتفال 145000 مدعو وقد تخرجت أول دفعة من الكلية عام 1912، ولقد بدأت الكلية في مبنى من دور واحد، مبنى ايلاكايل 1909 وأقيم الدور الثاني عام 1930 والدور الثالث 1946 وبنيت كنيسة الكلية (قاعة ديلز) 1932 وأقيم مبنى المكتبة (مكتبة الدكتور هيلبن مارتن) عام 1947، وتعاقبت على إدارة الكلية ايلاكايل 1900-1912، والد اتشسون 1912-1932، والدكتورة هيلين مارتن 1923-1956، وقد تخرجت من هذه الكلية المئات من الشخصيات النسائية التي تعمل في مختلف المجالات منهن الدكتورة سهير القلماوي، أول فتاة مصرية تدخل الجامعة وكانت أستاذة بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكانت رئيسة للهيئة المصرية العامة للكتاب والسيدة ماري أسعد مساعد أمين العام لمجلس الكنائس العالمي، وعايده دندي رئيسة اليونسيف في كينيا وغيرهن.

وكان لهذه الكلية جميعة للخريجات Alumma وهي جمعية ذات نشاط كبير ومن بين أعضائها من يقدمن نشاطاً اجتماعياً ونسائياً كبيراً بمجهود كبير في توسيع المكتبة وتأثيث الكلية، وتركزت جهود الجمعية في المركز الإجتماعي بقرية أم خنان ولقد بدأت الكلية بمساحة قدرها ثلاثة أفدنة ثم زادت مساحة الكلية إلى عشرة أفدنة وزاد عدد أبنيتها من واحد إلى خمسة، وقد بلغ عدد الخريجات من الكلية في الفترة من (1912-1959) ب97 خريجة حصلن على دبلوم الكلية وكانت للأحداث التي نتجت عن التبشير والحملة الصحفية على المبشرين الأمريكيين في الثلاثينيات أثر هبوط عدد طالبات الكلية 10% عام 1934 كما كانت الكلية تحتفل كل عام بتوزيع الشهادات على المتخرجات من تلميذاتها وكان يحضر هذا الحفل بعض الشعراء المصريين ونجوم المجتمع المصري.

2- مدرسة شوتس بالإسكندرية تولت الإرسالية الأمريكية في مصر إقامة هذه المدرسة عام 1924 بمنطقة شوتس برمل الإسكندرية، بهدف تقديم نوع من الثقافة الأمريكية لأبناء أعضاء الإرسالية وأبناء السفراء والقناصل والخبراء الأجانب المقيمين في مصر والسودان والحبشة والكاميرون وغير ذلك، من دول أفريقيا والشرق الأوسط وكانت المدرسة ملك الإرسالية الأمريكية بمصر، واشتمل بنائها على أربعة طوابق وكان بها قسم داخلي وقسم خاص للمكتبة، وبناء مخصص لهيئة التدريس، كما تتوفر بها الملاعب المختلفة المزودة بحمام للسباحة والحق بالمدرسة كنيسة انجيلية، ويلتحق التلاميذ بهذه المدرسة عند بلوغهم السادسة من العمر ومدة الدراسة بها 12 سنة، من السنة الأولى حتى الثامنة يطلق عليها المرحلة الأولى، ومن السنة التاسعة حتى الثانية عشر تسمى بالمرحلة العليا، وأتاحت هذه المدرسة لخريجها الفرصة للإلتحاق بأحدى الكليات الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حالة انتقال التلميذ مع أسرته إلى موطنه أمريكا أثناء العام الدراسي يسمح له باستكمال دراسته في أي مدرسة أخرى بالولايات المتحدة دون أن تعترضه أية عقبات، وذلك لأ، المناهج الدراسية والكتب هي نفسها المستخدمة في مدارس أمريكا والتدريس في المدرسة باللغة الإنجليزية لجميع المناهج المقررة والمدرسة تتيح التعليم بها بالمصروفات وبلغت قيمة المصروغات المدرسية 30 درولا لكل تلميذ وقد بلغ عدد تلاميذ المدرسة في عام 1926-29 طالباً وطالبة في المدرسة العليا High Schoot و30 تلميذاً وتلميذه في المرحلة الأولى وكان العام الدراسي يبدأ من يوم الإثنين الأول من شهر سبتمبر وتنتهي الدراسة في الأسبوع الأول من شهر يوينه من كل عام، وفي عام 1940 نقلت مدرسة شوتس إلى مقر كلية أسيوط الأمريكية نظراً لظروف الحرب العالمية الثانية واستمرت في أسيوط حتى عادت إلى مقرها بالإسكندرية في العام الدراسي 1956/1957.


3-كلية أسيوط افتتجت كلية أسيوط في عام 1856 وهي القلب الخافق للإرسالية الأمريكية ومركز نشاطها في الوجه القبلي وذلك لأ، المبشرين الأمريكيون اختاروا من البداية أسيوط لتكون مركزهم الرئيسي.

وفي 1900 سافر الدكتور ج.ر. الكساندر رئيس كلية أسيوط إلى الولايات المتحدة الأمريكية في إجازة، وكانت الإرسالية قد كلبت الترخيص له بجمع تبرعات من أجل تجهيز الكلية على أحسن مستوى وفي بتسبرج وجدت جماعة مهتمة بهذا المشروع ضمت كلا من دكتور مكلوركن ج.بوربر. دكتور صموئيل يونج، جون فراز، وليم سوبر، وقد جمعوا مبلغاً كافياً لشراء قطعة أرض تقام عليها مباني جديدة للكلية، وفعلاً كانت كافية لشراء 24 فداناً، وإقامة المبنى الرئيسي للكلية، قاعة الكسندر ALEXANDER HALL وقاعة سوبر للعلوم، ثم ورد فيما تبرع من دون روكلفر قدره 55 ألف دولار استخدمت في بناء قاعة جوهانستون JOHANSTON HALL وهي مخصصة لسكن الطلاب بالقسم الداخلي ومبنى الإجتماع سوسيتي وتم إرساء حجر الأساس لهذه المباني الجديدة في 11 فبراير 1907، وفي عام 1924 تم بناء قاعة خليل KHALIL HALL وتبرع بإقامتها خليل ابراهيم الذي قضى بخدمة الكلية 47 عاماً وتضم الكلية كذلك قاعة ماكورماك MACORMAK HALL وبنيت على نفقة مستر ماكورماك من شيكاجو، وتتكون من ثلاثة أدوار مخصصة هي الأخرى لإقامة الطلاب، وفي ال قسم الغربي منها مساكن لبعض أعضاء هيئة التدريس وعائلاتهم، وأنشئت قاعة مكلانهن مبنى قسم الأحياء BIOLOGY HALL التي بنيت عام 1928 باسم الدكتور روبرت ستيوارت مكلانهن الذي خدم بالكلية من 1879-1918.

وتضم الكلية مكتبة عام 1875، وفي عام 1934 في عهد الدكتور نشارلي رسل مدير الكلية أقيم للمكتبة بناء خاص بها حيث تعرف الآن بمكتبة تارجت Tagret Library نسبة إلى روش تاجرت الثري الأمريكي الذي تبرع ببناء مبنى المكتبة، والذي صمم ليكون على أحداث طراز المكتبات العالمية، وخصص الدور الثالث من المكتبة ليكون متحفاً اقليمياً لآثار أسيوط، ويوجد بالمكتبة 23 ألف كتاب منها 19 ألف باللغة العربية و14 ألف مجلد باللغات الأجنبية، وذلك بخلاف الدرويات، وكانت هذه المكتبة تعتبر ثالث مكتبة في القطر المصري وقتئذ، وكان يقوم بالإشراف عليها الدكتور طوسن يعاونه موظف مصري يدعى يوسف اسكندر استمر يعمل بالمكتبة حتى منتصف العقد الخامس من القرن العشرين.

وقد كان هناك بالكلية قسم خاص بالتحسين الزراعي وتجارب الألبان وتربية الماشية وقد قام القسم الزراعي بالكلية بتجارب لتحسين أنواع الخضروات ولزيادة كمية اللبان واستحضرت عام 1928 أبقار Jersy من أمريكا تنتج ثلاثة أضعاف ما تنتجه الأبقار المصرية وأصبح هذا القسم يفي نفسه بنفسه بل أصبح يعد دخلاً للكلية.


وبالنسبة لميزانية الكلية فقد بلغت 150 ألف دولار عام 1930 جاءت من مصروفات التلاميذ وبلغت 59%، و29% اعانات خارجية وداخل الكلية من مشروعاتها، 12% مرتبات رجال الإرسالية وهي ترد من الخارج من المجلس العام للإرسالية بأمريكا وبالنسبة لإدارة الكلية، فهي تتكون من لجنة من 6 أساتذة من الرمسلين الأمريكيين ينضم إليهم مصريان من خريجي الكلية واستمر نظام الإدارة بهذه الصورة حتى عام 1955.


وأنشئت رابطة لخريجة كلية أسيوط 1925 واتخذت مقراً لها كلية الأمريكان بأسيوط، وكان من أهم أهداف الرابطة: 1-خدمة الأعضاء بتوثيق الروابط بين خريجي الكلية 2-تشجيع نشر الثقافة بمنح الجوائز للمتفوقين 3-مساعدة الطلبة الفقراء حتى يستكملوا دراستهم الجامعية 4-تقديم الخدمات للكلية لمساعدتها على تحقيق رسالتها وتحمل كلية أسيوط الآن اسم مدرسة العروبة الثانوية للبنين


4-المدرسة الأمريكية بالزقازيق تعتبر هذه المدرسة كبرى مدارس الإرسالية بالوده البحري، وقد بدأت المدرسة بعدد 22 تلميذ، 4 من البروستانت، خمس من المسلمين، 13 من الأقباط ووصل عدد تلاميذها 352 تلميذ سنة 1904 وفي العام الدراسي 1923-1924 أصبح عدد تلاميذ المدرسة 285 تلميذ نصفهم من المسلمين، وقد عمل بالمدرسة القس أ.ل. جودفرى والسيد و.و. نولين وفي عام 1929 تولت إرسالية مصر العمومية إدارة هذه المدرسة بدلاً من الإرسالية الأمريكية حيث لم تستطع الأخيرة تدبير المرسلين الذين يستطيعون الإقامة في الزقازيق، وإدارة المدرسة وتبقى بعد ذلك محاولة الدولة للإشراف على التعليم الأجنبي في مصر ومنه الأمريكي وذلك بسبب الحوادث التبشيرية التي وقعت بمدارس الإرساليات وعلى الأخص المدارس الأمريكية، ثم تقييم سلبيات وايجابيات النشاط التعليمي بمصر.

منذ دخول التعليم الأجنبي بمصر والدولة تحاول أن تراقب وتشرف عليه فقد تقديم رياض باشا في عام 1872 بمشروع قانون لتنظيم المدارس الأجنبية أو المدارس الحرة على وجه العموم واخضاعها لهيئة الدولة وهكذا بدأت أول محاولة من الدولة لإخضاع التعليم الأجنبي للإشراف الحكومي عن طريق هذا المشروع وكان هذا المشروع يهدف إلى تنظيم صلة المدارس الأجنبية بديوان المدارس وأن تخضع المدارس الأجنبية والحرة لإشراف نظارة المعارف، ولم يدخل مشروع رياض باشا إلى حيز التنفيذ وظلت لائحته مشروعاً.

وفي عام 1881، حاول الشيخ محمد عبده أن يضع المدارس الأجنبية تحت إِشراف نظارة المعراف، ولكن أحداث الثورة العرابية المتلاحقة حلات دون تنفيذه.

وفي إطار خطة الحكومة المصرية للإشراف على المدارس الأجنبية صدر القانون رقم 40 لعام 1934 وهو أول قانون للدولة للإشراف على المدارس غير الحكومية، وسوف نذكر المواد التي تهمنا من هذا القانون لنرى إلى أي مدى أثر هذا القانون على المدارس الأجنبية بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص فالمادة الأولى حددت المدارس الحرة التي ستكون خاضعة لرقابة وتفتيش وزارة المعارف العمومية بالمدارس غير الأميرية التي تعد لاتتبع مناهج الوزراة فإن الشروط التي تنص عليها القانون حددت مدى إشراف الدولة على جزء من المدارس، وحددت المادة الثالثة الشروط الواجب توافرها في مدير المدرسة أو من يعمل بها ولكنها لم تشترط أن يكون مصري الجنسية، كما لايوجد شرط في القانون يحدد نسبة هيئة التدريس من المصريين الذين يعملون في هذه المدارس بالنسبة لغيرهم من الأجانب كما نص القانون أيضاً في المادة الحادية عشرة أنه يجب على المدارس الحرة أن تكفل للتلاميذ المصريين الحصول على مستوى علمي معادل لمستوى زملائهم في المدارس الأميرية في اللغة العربية، وتاريخ وجغرافيا مصر، والتربية الوطنية، وتكون هذه المقررات موضوعاً لإمتحان يعقد بإشراف وزارة المعارف.

وبالتالي فقد حتم القانون تفتيش واشراف وزارة المعارف على كل المدارس التي يتقدم طلابها للامتحانات الحكومية وكانعلى مدارس الإرسالية الأمريكية المنتشرة بمصر والتي لم تستوف الشروط الواردة في القانون، أما أن تقوم بتنفيذ الإصلاحات التي طلبتها الوزارة أو تغلق أبوابها، مما اضطر الإرسالية الأمريكية أن تغلق كثيراً من المدارس التي لم تستوف الشروط وكان نتيجة ذلك اخنفاض المدارس الأمريكية إلى 37 مدرسة فقط بعد أن كانت 78 مدرسة في العام الدراسي 1927-1928 أي انخفضت المدارس الأمريكية إلى 52.56%.

أما بالنسبة لتقييم سلبيات وايجابيات دور الإرسالية التعليمية، فإن عمل الإرسالية لم يكن كله سلبياَ وتنصرياً واستعماراً، كما يدعى كثيراً من الكتاب، ولكن الإرسالية في عملها التبشيري من خلال المدارس قد قدمت سلبيات وايجابيات للمجتمع المصري، وأهم الايجابيات التي قدمتها الإرسالية الأمريكية للمجتمع المصري هي: 1-اهتمت الإرسالية الأمريكية - مع المؤسسات التعليمية الخرى بمصر - بتثقيف وتعليم المرأة وذلك لإدراكها أن المرأة المصرية لاتتمتع بمكانة المرأة الغربية وأن كان هدف الإرسالية الرئيسي من تعليم المرأة بث التعاليم المسيحية للأسرة المصرية.

2-اهتمت الإرسالية الأمريكية بتعليم المكفوفين وافتتحت لهم فصولاً في عدد من مدارسها المختلفة وأن كان الأزهر يقدم هذه الخدمة قبل الإرسالية فإن الإرسالية الأمريكية في تعليمها للمكفوفين قدمت لهم أساليب تربوية حديثة ومعدات وأجهزة لم تكن متوفرة للأزهر وذلك لجذب المكفوفين إلى هذه الدروس وبث تعاليم المسيحية بينهم.

3-اهتمت الإرسالية الأمريكية برعاية الطفولة فأقامت الكثير من المؤسات الإجتماعية التي تهتم بتربية الأطفال، التربية النفسية السليمة، وأن كان هدف الإرسالية التأثير على الأطفال منذ نعومة أظافرهم حتى يشبوا أكثر انتماء للإرسالية وأيماناً فأنها خدمة للمجتمع المصري لم تكن متوفرة له حينذاك.

4-قدمت الإرسالية الأمريكية عدداً من الشباب المصري والفتيات المصريات الذين يجيدون اللغات الأجنبية كتابة ومحادثة وعلى درجة رفيعة من التعليم.

-أما بالنسبة للجوانب السلبية للإرسالية الأمريكية في مصر فهي: 1-ساعات الإرسالية الأمريكية من خلال مدارسها - هي والإرساليات الأجنبية الأخرى - على تنوع الثقافة في مصر، وكان لذلك أثره السلبي خصوصاً إذا تعددت الثقافات في الأسرة الواحدة من عربية اسلامية وأمريكية وانجليزية وغيرها وبالتالي يصبح المجتمع المصري وكأنه جاليات أجنبية مختلفة ويؤدي في النهاية إلى تجزئة المجتمع المصري، وعدم خلق ثقافة مشتركة تساعد المواطنين جميعاً على الالتفاف حولها. 2-أهملت الإرسالية الأمريكية تدريس اللغة العربية في مدارسها مما أُثر في نظر طلابها المتأففة من الثقافة العربية، مما يؤدي في النهاية إلى أنفصالهم عن القضايا المصرية واهتمامهم بتفوق الدولة التي تعلموا في مدارسها. 3-قامت الإرسالية الأمريكية من خلال التعليم بسلخ عد من الأقباط والمسلمين إلى المذهب البروتستانتي بطرق ملتوية في مجتمع لايقبل بسهولة تغيير دين فرد من أفراده مما ساعد على حدوث بلبلة في المجتمع المصري وخصوصاً في الثلاثينات من هذا القرن.

2- النشاط الخيري للإرسالية الأمريكية: تبقى نقطة واحدة لإغلاق ملف النشاط التبشيري وهي النشاط الخيري للإرسالية الأمريكية وتتمثل في المستشفيات والملاجئ الأمريكية في مصر، وقد كان الهدف الأول من عمل الإرسالية الطبي هو التبشير، ويصرح بذلك أحد هؤلاء المبشرون إذ يقول يجب ألا تنسى الإرساليات الطبية لحظة واحدة أن هدفها الأول التي جاءت من أجله وهو التبشير وقد استغلت الإرسالية الأمريكية سوء الأحوال الصحية في مصر للتبشير ويكفي في ذلك أن نشير إلى ما أورده لورد كرومر في تقريره عن سنة 1903 من أن الوظيفة الأساسية للحكومة في مسائل الصحة العامة هي الوقاية من الأوبئة وليش علاج الأشخاص الذين يشكون الأمراض العادية وكانت العملية التبشيرية تقوم في المستشفى بطرق تدريجية فكانت الصلاة تقام قبل كل عملية وفي كل جناح من أجنحة المستشفى وفي حجرات الإنتظار لمرض العيدات الخارجية يتبادل كلاً من الأطباء والمبشرين أداء الخدمة المسيحية من خلال خطب قصيرة بالإضافة للجهود التي تبذلها المستشفى من أجل الوصول للمريض الذي حضر لمرة واحدة، وذلك بالقيام برحلات تجوالية في العديد من القرى والمدن التي يسهل الوصول اليها والتي أتى منها مريض للمستشفى قبل ذلك، ويؤدي إلى عديد من اللقاءات للتبشير الفردي وبجانب المستشفيات كان هناك مدرسة الأحد، وهي فرع من المستشفى يجمعون فيه الصبية من اشوارع يوم الأحد بطريقة مغرية وجذابة كأن يقدم المفوضون بهذا العمل نقوداً أو صور للصبية ويعدونهم بأن من يحضر للمدرسة بأخذ أضعاف هذا، وبديهي أن الأطفال يخدعون بأقل شيء فلا يتوانون عن المضي إلى المدرسة، وتلقى عليهم رئيسه المستشفى مع أعوانهم قطعة من الأنجيل بأساليب شيقة ويحفظونهم التراتيل الدينية ويعدونهم بأن الصبي الذي يواظب على الحضور كل يوم أحد يهدي في أخر العام هدية نفيسة كنقود أو دمية جميلة وغيرها من لعب الأطفال وهكذا كانوا يحاولون غرس الدين المسيحي غرساً في نفوس أولئك الصغار.

وكان للإرسالية الأمريكية عدد من المستشفيات، منها المستشفى الأمريكي بطنطا التي افتتحت 1903 وكان بها عدد من الأسرة بالإضافة إلى إلى العيادة الخارجية وقد عملت بالمستشفى منذ افتتاحها مس لولا هارفي ابنه الدكتور وليم هارفي كمشرفة على المستشفى، وفي تقرير الإرسالية عام 1924 تبين أنه تردد على المستشفى للعلاج 1506 حالة، وأجريت 717 عملية معظمها عمليات كبيرة، ويتعاقب على خدمة المستشفى الأطباء المراسلون الآتية أسماؤهم الدكتور جرانت 1914-1934، الدكتور مور 1916-1944 الدكتور هارى هتشيسون 1921-1954 والذي توفى في 17 ديسمبر 1974.

وقد وصف القنصل الأمريكي / مستر بول فلتشر في عام 1938 مستشفى طنطا بأنها من أفضل المستشفيات في القطر المصري.

وكان لمستشفى طنطا عيادة خارجية خاضعة لإشراف المستشفى ولكن نتيجة لعدم الإمكانيات وقلة الأطباء المقيمين بها أغلقت في يناير 1937.

وانتشرت الخدمات الطبية كجزء من نشاط الإرسالية ومدخل لها لتحقيق رساليتها في أنحاء القطر المصري فأٌقام سنودس النيل الإنجيلي عام 1937 المستشفى بالقاهرة، وتبع ذلك انتشار العيادات الخارجية في القاهرة لتغطي معظم الأحياء في الفجالة، شبرا، الحسينية، باب الشعرية، الدرب الأحمر، مصر الجديدة واستمرت هذه العيادات تقدم الخدمة الطبية حتى أوائل الستينات.

كما كان للإرسالية الأمريكية مستشفى كبرى بأسيوط والتي تدعى مستشفى أسيوط الأمريكي التي تعد أقدم مستشفيات الإرسالية الأمريكية بمصر إذ يرجع تاريخ انشاؤها نوفمبر 1891، وجاء في تقرير الإرسالية في الفترة في 1922-1924 بأن المستشفى استمرت في تقديم خدماتها للمواطنين وللقرى المجاروة أكثر من ثلاثين سنة وقد حصل على الرعاية الطبية من تلك الفترة 34306 حالة منهم 2927 مقيم بالمستشفى 581.000 زيارات منزلية للعلاج والباقون يترددون على العيادات الخارجية بالمستشفى وكان أكثر من نصف من تمتعوا بالرعاية الطبية من المسلمين وقد خدم بهذا المستشفى الدكتور هارى فتلى والذي خدم فيها الفترة من 1906-1934، والدكتور أندرو جرانت والدكتور مور الذي خدم حتى 1920 والدكتور لسلى اسكارين وهذا المستشفى يحمل الآن اسم مستشفى الإيمان العام (منذ عام 1968).

وبالإضافة للمستشفيات والعيادات الخارجية الأمريكية التي انتشرت في كل أنحاء القطر، كان هناك عدد من الملاجئ الأمريكية والتي أولتها الحكومة المصرية عناية خاصة من خلال الإعفاءات الجمركية التي منحتها الحكومة المصرية لأدوات ومعدات هذه الملاجئ لإطعام الفقراء وأبوابهم ثم تبشيرهم أو على الأقل لن تبقيهم مسلمين كأبائهم.

وكان للإرسالية الأمريكية عدد من الملاجئ منها ملجأ ليليان تراشر Miss Lilan Trasher والتي أنشأته ليليان عام 1910 لليتامى والأرامل ومن التقطتهم من الشوارع والطرقات ممن لايعرفون لهم أباً ولا أماً والأطفال الذين فقدوا نعمة البصر، والأرامل اللاتى تركن أطفالهن بدون عائل أو سند ولمتكتفي السيدة تراشر بتوفير الغذاء والكساء فقط ولكنها حولت هذا الملجأ إلأى مؤسسة تربوية ضخمة، فهناك المدرسة الإبتدائية ودار الحضانة، ويتعلم الأولاد داخل الملجأ الحرف والصناعات التي تناسبهم، وبعد حياة داخل الملجأ تقوم بها المبشرات بالتأثير على البنات والأولاد وأغرائهم بالدين المسيحي وحملهم على الخروج من دين الإسلام ونتيجة للأعمال التبشيرية التي قام بها الملجأ في الثلاثينات أبعدت الحكومة المصرية عدداً من الأطفال المسلمين من الملجأ.

كما كان للإرسالية ملجأ بقليوب أسسته الإرسالية الهولندية 1900 ثم أصبح تحت إدارة الإرسالية الأمريكية بعد أن عرضت الإرسالية الهولندية على الإرسالية الأمريكية 1908 أن تتولى رعاية هذا الملجأ من حيث تدبير شئونه المختلفة، وفي عام 1923-1924 كان بالملجأ خمسون طفلاً يتلقون الرعاية النفسية والإجتماعية والتربوية، وفي عام 1927 أقيم بالملجأ بعض الوحدات الإنتاجية الصغيرة كان أحداها لصناعة السجاد والأخرى لصناعة الأحذية مما ساعد الشباب على كسب عيشه والإعتماد على نفسه، وكان أطفال الملجأ يتلقون تعليهم بعد المدرسة الإبتدائية في مدارس الإرسالية التي تؤهلهم للتعليم العالي وقد أغلق هذا الملجأ عام 1950 بالإضافة إلى ملجأ سوهاج الذي أٍسع ميخائيل صليب أحد أتباع الإرسالية الأمريكية والذي كان موظفاً بمؤسسة ليليان تراشر بأسيوط، وبدأ هذا الملجأ في منزل بالإيجار في يوليو 1927 وقد بدأ بطفلين وفيما بعد أقيم الملجأ على مساحة 1650م2 على شاطئ النيل شمالي سوهاج وكان للإرسالية أيضاً ملجأ فولر الذي أنشئ في منقطة فم الخليج بالقاهرة 1906 بجهود مرجريت سميث، وهي مبشرة أمريكية قامت بجمع تبرعات من أمريكا لإقامة الملجأ بالقاهرة عام 1872 وعاونها جون فولر وزوجته وفي عام 1915 تم شراء مبنى المستشفى النمساوي وليكون مقراً للملجأ، وأطلق عليه ملجأ فولكر تكريماً لجون (1922-1924) أن الملجأ كان يقدم الرعاية الإجتماعية والتدريب المهني والتربية لخمسين فتاة تم اختيارهن من بين العائلات الفقيرة، وكانت جميع نفقات الملجأ تعتمد على الهيئات ومن خلال الإعداد المهني والخدمات التربوية التي تقدم للفتيات يتم تلقينهن التعاليم المسيحية حتى يكن دعاه لها في المستقبل.


ثالثاً: الجامعة الأمريكية بالقاهرة والنشاط الثقافي الأمريكي

1-الجامعة الأمريكية بالقاهرة:

ترجع قصة إنشاء الجامعة الأمريكية إلى عام 1870 عندما ظهرت فكرة إنشاء كلية أسيوط كمركز لتدريب الدعاة البروتستانت، ففكرة الإرسالية عام 1872 في إنشاء كلية القاهرة تناظر كلية أسيوط وتكون الكليتان نواة للجامعة الأمريكية، وقد قررت التكاليف المبدئية لإنشاء الجامعة مليون دولار أمريكي وتقرر كذلك أن يكون هناك هيئة أمناء Broad of Trust في أمريكا تشمل أربعة أو خمسة أعضاء وتكون الهيئة مسئولة عن الجامعة الأمريكية وفي ذات الوقت يكون بمصر هيئة مديرين Broad of Mangers تتكون من أعضاء من الأمريكيين والإنجليز، يعملون تحت رئاسة مدير الجامعة والذي يشترط فيه أن يتمتع بخبرة إدارية، وشخصية اجتماعية فضلاً عن حصوله على مؤهلات علمية عالية ولكن لم تنشأ الجامعة في ذلك العام، وبعد 33 عاماً من هذه الفكرة طالبت مجلة الهلال في إحدى مقالاتها في اقتراح للجامعة الأمريكية ببيروت أن تنشأ لها فرعاً في مصر وعينت الإرسالية الأمريكية لجنة في نفس العام لترعى فكرة إنشاء كلية القاهرة، على أن تنشأ كلية أيضاً بالإسكندرية، وهكذا تتكون الجامعة المقترحة من كلية أسيوط وكلية القاهرة وكلية الإسكندرية ولكن لم تتم هذه الفكرة أيضاً وفي عام 1909 تطورت هذه الفكرة حينما بدت الحاجة إلى جامعة مسيحية بالقاهرة، بها كلية وقسم للخريجين، وقسم مهن، واقترح لتنفيذ هذه الفكرة أن ترتبط جميع مدارس الإرسالية بالجامعة المقترحة على أن تصبح المدرسة الأمريكية بالقاهرة مدرسة اعدادية وتضم مدرسة اللاهوت إلى الجامعة لكي تصبح أحد فروع الجامعة، ويكون كل ذلك تحت إشراف الإرسالية، وقدرت المساحة اللازمة للمشروع بخمسين فداناً وقدرت التكاليف بمليونين من الدولارات ولم تنجح هذه الفكرة هي الآخرى، وفي عام 1909 درس تشارلز روجر واطسن والدكتور صمويل زويمر Smuel Zwemer والدكتور ت. ه. ب. سايلر T.H.P. Sailer والبروفسور ر. س. مكلانهن Prof. R. S. Mcckenhan بدراسة أوضاع التعليم في مصر، وخرجوا بنتيجة هامة، هي الحاجة لإنشاء جامعة مسيحية كبيرة بمصر وكانت حجتهم في ذلك أن مصر أصبحت ذات نهضة فكرية علمانية ولذلك فإن وجود جامعة مسيحية أمر ضروري لتكون عاملاً لإنتشار الإنجيلية ليس فقط في مصر بل في الأراضي المجاورة لها أيضاً وأفريقيا الإستوائية وبالفعل قدمت الإرسالية الأمريكية توصية بإنشاء هذه المؤسسة إلى مجلس الإرساليات الأجنبية بالكنيسة المشيخة بالولايات المتحدة الأمريكية Broad of Foreign Mission of United Presbytery Church of the united state وفي العام التالي وافقت الجمعية العمومية للكنيسة الأبوية General Assembly of the Parent Church على تلك الوصية وتم اختيار مجلس وصاية على أساس ديني يتولى أعمال المارقبة والتنظيم وتقرر عقد أول اجتماع له في 30 نوفمبر 1914، وفي يونيه 1914 رأى اللورد كتثنير وكيل قنصل عام بريطانيا في مصر – نظراً للمعارضة القوية من المسلمين أن تؤجل افتتاح المؤسسة الجديدة قبل عام 1912 عندما اختار واطسن موقعاً قريباً من ميدان الإسماعيلية، وكان هذا الموقع قصراً للخديو اسماعيل ثم منحه لأحمد خيري باشا ناظر المعارف 1870 وهو مبنى كبير ذو حجرات كثيرة، وبعد موت خيري باشا اشتراه يوناني يدعى جانكليس الذي حوله إلى مصنع للسجائر بعد ذلك استأجرت الجامعة الأهلية القصر من جانكليس، وفكر واطسن في شراء هذا القصر ليكون مقراً للجامعة الأمريكية، لكنه لم يستطع شراء القصر قبل ربيع 1919 عندما قبضت الحكومة البريطانية على سعد زغلول ونفته، وانخفضت نتيجة لذلك أسعار الأرض الأمر الذي جعل جانكليس أن يقلل السعر الذي كان قد طلبه من قبل من مستر واطسن ثمناً لقصره، ثم تم شراء القصر بشكل نهائي في نهاية عام 1919 والذي أصبح مقراً للجامعة الأمريكية بالقاهرة، وأصبحت الجامعة تابعة للهيئة التعليمية لولاية كولومبيا Disteict of Columbia وتكونت هيئة مديرين تتكون من أمريكيين وانجليزين تحت رئاسة مدير الجامعة بالقاهرة والواقع أنه لم يكن هناك غرابة في أن تنشئ الكنيسة المشيخية الجامعة الأمريكية، فإن هذه الكنيسة لها نشاط ملحوظ في التعليم وإنشاء المدارس والجامعات مثل جامعة هارڤرد Harvard وجامعة ييل Yale وبرنستون وبوسطن وجامعات أخرى كثيرة.

وكانت الدوافع لإنشاء الجامعة الأمريكية باستثناء الأهداف التبشيرية هي: أ-ادراك الأمريكيين أن القاهرة تمثل مركزاً استراتيجياً هاماً في العالم العربي وأن لها مركز الصدارة في العالم الإسلامي. ب-منافسة جامعة الأزهر في اعداد قيادات دينية منظمة بثقافة بلادهم، واستخدام الجامعة كمركز لنشر الثقافة الأمريكية في مصر والبلاد المجاورة. ج-تعتبر القاهرة مركز الصحافة العربية ويصدر فيها سنوياً أكثر من مليون نسخة من المجلات والجرائد وأن عدد سكانها كبير إذ ما قورن بما في البلاد العربية، ولذا فإن القاهرة يمكن أن تكون مركزاً هاماً للثقافة الأمريكية التي تتمثل في الجامعة الأمريكية.

ولقد خشيت بريطانيا من تغلغل نفوذ الإرسالية الأمريكية التي نجحت في إنشاء الجامعة الأمريكية في مصر، وكان مصدر خوف الإدارة البريطانية هو أن تتمكن الإرسالية الأمريكية عن طريق الجامعة الأمريكية التي تساندها وتدعمها الموارد المالية الضخمة من المجلس العام للإرسالية الأمريكية ومن كنائس أمريكا، من جذب الطلاب المصريين إلى نوع من التعليم يؤدي إلى اتجاه مصر وشبابها نحو ثقافة معينة قد لا تتفق مع السياسة البريطانية في مصر، ونتيجة لذلك ساعدت الإدارة البريطانية في مصر على صدور المرسوم الخاص بإنشاء الجامعة المصرية الحكومية في 11 مارس 1925 وقبل الدخول في تفاصيل الأقسام التي تضمها الجامعة الأمريكية، يجب التنويه عن دور تشارلز روجر واطسن Charled R. Waston في نشأة الجامعة الأمريكية، فقد كان الدكتور واطسن متحسماً لفكرة انشاء جامعة مسيحية بالقاهرة، لتكون جعامة لنشر الإنجيلية بين المصريين، وظهر ذلك من خلال زيارته لمصر عام 1912 حيث درس شئون التعليم في مصر وادراك الحاجة لإنشاء جامعة مسيحية بالقاهرة، فأوصى مجلس الإرساليات الأجنبية بالكنيسة المشيخية المتحدة بالولايات المتحجة لإنشاء هذه الجامعة، كما أنه في إطار تحمسه لإنشاء الجامعة قابل كتشنر 1914 لمحاولة اقناعه بإقامة هذه الجامعة كما بذل جهوداً في الفترة من 1919 حتى 1920 في اقناع رجال المال الأمريكيين للتبرع لإنشاء الجامعة حتى تجمع 218000 جورلاً للجامعة في 1919، كما بذل الدكتور واطسن جهداً في اختيار مكان الجامعة واختبار مدرسيها، سواء المدرسين المصريين مثل أمير بقطر أو الأمريكيين مثل البروفسور مكلانهن R.S.Mcclenhan الذي كان مدير كلية أسيوط وأصبح بعد اختيار واطسن له عميداً لكلية الآداب والعلوم بالجامعة الأمريكية أما بالنسبة لتمويل الجامعة الأمريكية، فإ، الجامعة تعتمد على إنشاء مؤسسات الجامعة المختلفة، أما الآن فقد أصبح تمويل الجامعة يعتمد على مصروفات الدارسين من ناحية، ومن وكالة التنيمة الدولية من ناحية أخرى أما عن أقسام الجامعة الأمريكية فهي كالآتي: 1-كلية التربية أنشئت 1926 والدراسة بها مسائية في التربية، وعلم النفس للمشتغلين بالتربية والتعليم أو الذين يعدون أنفسهم لإتخاذ التعليم مهنة لهم ويتاح لطلابها نيل درجة البكالوريس في التربية إذا فازوا بالنجاح ثلاث سنوات أو خمس سنوات أو ست سنوات طبقاً لمؤهلاتهم ودراستهم السابقة، والمواد التي تدرس بكلية التربية، هي مواد فنية خاصة بالتربية وعلم النفس، وأخرى عامة ثقافية مثل العلوم الطبيعية والعلوم الإجتماعية، والفلسفة وآداب اللغة والإنسانيات، أما المواد الأولى فيقدم الطالب فيها بحثاً على شكل رسالة في السنة النهائية وكان للكلية مجلة بدأت أول أعدادها 1928 تعرف بمجلة التربية الحديثة كما أعلن على غلاف المجلة أنها كانت أول مجلة باللغة العربية تناقش التربية الحديثة وتعالج المشاكل التربوية بالشرق الآدنى.

2-كلية الآداب والعلوم

أنشئت هذه الكلية 1920، والدراسة فيها صباحية ومسائية، وتعد طلابها لنيل درجة البكالوريس في الآداب وبكالوريس في العلوم وتخصص السنتان الآولى والثانية في كلية الآداب والعلوم لدراسة مواد التربية الحرة بالإضافة إلى اللغة العربية والإنجليزية وآدابها، وعلم الأحياء والطبيعة والتاريخ، والعلوم الإجتماعية، والفلسفة والآداب، وبعد أن يتم الطالب بنجاح هذه الدراسات ويلم بطبيعتها واتجاهاتها يقضي السنتين الآخرتين في دراسة مستفيضة في المادة التي يختارها، من المواد الدراسية الآتية الإقتصاد، الأعمال الإدارية، التربية، التاريخ، الصحافة، الفلسفة، علم النفس، على الإجتماع والأجناس البشرية، والتدبير المنزلي، الكيمياء، آداب اللغة، الإنسانيات، الرياضيات، الطبيعة، العلوم السياسية، العلوم الإجتماعية، ويشمل المنهج مواد ثقافية عامة وأخرى خاصة بالمادة الدراسية التي يتخصص فيها الطالب وتشمل الأولى مادة أو مادتين في العلوم الطبيعية والإجتماعية والفلسفة وآداب اللغة والإنسانيات أما الثانية فتتألف من الإقتصاد والأعمال الإدارية والعلوم الإجتماعية، بالإضافة إلى أن الطالب يعد رسالة في السنة النهائية.

3-مدرسة الدراسات الشرقية ومدرسة لنكولن فتحت مدرسة الدراسات الشرقية "School of Orintel Studies" S.O.S في عام 1921 ونظراً لزيادة نشاطات S.O.S فقد وجد مستر واطسن ومستر مكلانهن، أنه يجب توسيع مبانيها وطلبوا من الأمريكيين أن يمولوا هذا المشروع فوجدوا سيدتين من بتسبروگ Pitsburgh السيدة ديڤيد. ل. جيلسبى Mrs. David. L. Gillespie وابنتها مابل Mabel، اللتان ورثتا مزرعة ويبحثان عن عمل خيري ملائم يتبرعن له، ولذلك فعندما سمعنا بمشروع مستر واطسن تبرعنا بمبلغ 65.00 دولار لإنشاء مبنى جديد ل S.O.S والذي افتتح 1932، وحضرت الإفتتاح، المانحة السيدة جيلسبى وعديد من هيئة أمناء الجامعة الأمريكية، وزير التعليم المصري واثنان من ألمع المستشرقين الأوروبين هما سير دينسيون روس Sir, Denison Ross وجوليوس ريختر Julius Richter. وتتوفر في هذه المدرسة وسائل تعليمية خاصة، ومواد دراسة في لغات وحضارة الشرق الأوسط، وأغلب طلاب هذه المدرسة من الأجانب المهتمين بالشرق الأوسط ويدرس بهذه الكلية المواد الآتية: دراسات لغوية عملية، دراسات لغوية اكاديمية، دراسات لغوية راقية، دراسات اسلامية، وتدريس اللغات الإنجليزية، والفارسية، والعبرية والأرمينية والحشية والقبطية واللهجة النوبية المحلية واللغة السريانية. ونظراً لتميز المدرسة عن المدارس الأخرى للدراسات الشرقية فقد وصف جوردون. ب. مريام Gordon. P. Merriam القنصل الأمريكي – في رسالة له لوزارة الخارجية الأمريكية – المدرسة بأنها متميزة بشكل سار عن البرنامج العربي الصارم للمدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية بباريس Ecole National de languages oriental vivant at paris أما مدرسة لنكولن فهي مدرسة ثانوية للبنين الحقت بالجامعة ليلتحق خريجوها بالجامعة الأمريكية، كما تمد كلية البنات بالقاهرة الجامعة بالطالبات.

4-قسم الخدمة العامة لقد نظم قسم الخدمة العامة وبندل كليلاند Wendell Cleland أحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة – في بداية العام الدراسي 1924-1925 ثم اتسعت مركز هذا القسم نتيجة لجهود بعض أساتذة الجامعة، حيث أنشئ مركز للخدمة الإجتماعية Social Welfare Center بحي السيدة زينب في عام 1926 بالإضافة إلى إنشاء قاعة ايوارت التذكارية Ewart Memorial في فبراير 1927 وقد وضع تصميم هذه القاعة جون ديامنت John Diament وهو من الطراز المملوكي في العمارة وتسع هذه القاعة 1205 شخص، وكانت أكبر قاعة من نوعها في القاهرة في ذلك الوقت، وقد تكلف انشاءها 100.000 دولار وقد حضر احتفال وضع أساسها رئيس الوزراء المصري نسيم باشا ممثلاً عن الملك فؤاد وقسم الخدمة العامة يقدم دراسات مالية لمن لايرغب في الحصول على درجات جامعية، وبه برامج ثقافية تشمل المحاضرات العامة والأفلام الثقافية والندوات العلمية، وينقسم قسم الخدمة العامة إلى قسمين أساسيين: أ-قسم ثقافي ويشتمل على محاضرات عامة، مناقشات، برنامج سينمائي للبالغين والطلبة والأطفال. ب-قسم دراسي ويشتمل على علم الإجتماع، وعلم النفس واللغة الإنجليزية والفلسفة الإجتماعية.

أما بالنسبة لحياة الطلاب داخل الحرم الجامعي، فقد كان الطلاب يتمتعون بقليل من الحرية فكان على كل طالب أن يأتي للحرم الجامعي في ساعة مبكرة من الصباح ويبقى حتى بعد الظهر، صم سمح لطلاب الفرق العليا فيما بعد أن يأتوا إلى الحرم الجامعي ويذهبون حيثما يشاءون، كما كان الطلاب يأخذون وجبة الغذاء اجبارياً في مبنى صغير بجوار الجامعة، ثم أصبحت هذه الوجبة بعد ذلك اختيارية، وكان لايسمح بالتدخين أو الماضغة أو التحدث بصوت عال في الحرم، بالإضافة إلى حتمية قيام الطلاب عند دخول المدرس قاعة الدرس ولايجلسون إلا عندما يأخذون إشارة بذلك. كما اهتمت الجامعة بامتاع الطلاب داخل الحرم الجامعي بالإهتمام بالأنشطة المختلفة مثل الإهتمام بالنشاط الصحفي فأصدرت الجامعة صحيفة الجامعة لتنمية المواهب الصحفية لطلابها، كما أصدر طلاب قسم الصحافة الصحيفة الأولى للجامعة باسم A. U. C. Review في أبريل 1924 وكانت تحتوي على أربع صفحات وتتضمن مقالات عن شخصيات الجامعة الأمريكية بالقاهرة (A. U. C) وكانت صحيفة باللغة الإنجليزية، وبعد عام أضيف قسم عربي لها، كما اهتمت الجامعة بالأنشطة الرياضية المختلفة مثل كرة السلة والتنس ومسابقات العدو ولقد اهتم طلاب الجامعة بتقوية الروابط بينهم بعد التخرج ولذلك أسسوا في عام 1926 جمعية للخريجين Alumni ولكن هذه الجمعية لم تكن أكثر من منظمة اجتماعية مفككة ولذلك فقد دعا بعض طلاب الدفعة الأولى للجامعة في عام 1928 ادموند الكسندر Edmund Alexander وعبد القادر نعمان وادموند عبد النور، الإهتمام بجمعية الخريجين، واجتمعوا بالجامعة الأمريكية لهذا الغرض ونطموا أمسيات جماعية وكتبوا قائمة بالطلاب القدامى، وانتهى الأمر بتأسيس جمعية خريجي الجامعة الأمريكية على أسس سليمة في عام 1931، وكان سكرتيرها الدائم عبد القادر نعمان ولقد اهتمت الجامعة الأمريكية بتعليم الفتاة المصرية وكان ألمع من درست في الجامعة من الفتيات ايفا حبيب المصري والتي بدأت الدراسة بالجامعة في عام 1928 ةالتي حصلت على منحة دراسية بكلية سميث Smith Collge بعد تخرجها وكان لنجاح هذه الفتاة، وتشجيع هدى شعراوي وزعماء الحركة النسائية للتعليم المشترك، أثر كبير في تشجيع الفتيات المصريات على دخول الجامعة واللاتى وصل عددهن إلى خمسين طالبة في عام 1934 وكانوا يشكلن 10% من مجموع الطلاب وكان أغلبهن من المسيحيات الحاصلات على كلية رمسيس للبنات أما بالنسبة لعدد طلاب الجامعة فقد وصلوا إلى 363 طالباً في عام 1930 أما بالنسبة لرئيس الجامعة وتبعيتها فقد ظل تشارلز يرأس الجامعة منذ نشأتها حتى عام 1945 حيث توفى بعد ذلك بثلاثة أعوام أما بالنسبة لتبعية الجامعة فقد ظلت الجامعة تباعة للإرسالية الأمريكية حتى عام 1922 حين تقرر أن تكون الجامعة مستقلة عن الإرسالية ومنذ ذلك التاريخ أصبح لها كيانها الخاص ويلاحظ أن الجامعة خلال تطورها التاريخي كانت تتخلص من قناعها الديني وتلبس أقنعة عصرية، مع الإحتفاظ في نفس الوقت بهدفها الأساسي "التبشير" واتضح ذلك في الخلاف الحاد بين سنودس النيل الإنجيلي والجامعة الأمريكية في عام 1939 بسبب إقامة بعض الحفلات الغنائية بقاعة ايوارت بالجامعة، فانزعج السنودس لذلك وعين لجنة من أعضائه برئاسة القس معوض حنا، والتي عقدت اجتماعاً في مايو 1939 مع تشارلز واطسن، والدكتور مكلانهن، ولم يتمكن أي من الطرفين من اقناع الطرف الآخر بوجهة نظره، ولذلك أعرب السنودس عن أسفه لخيبة انتظاره وانتظار الهيئات المسيحية الوطنية في هذه الجامعة التي كان الجميع يرجون منها أن تكون عاملاً قوياً في رفع راية المسيح، وحصناً منيعاً للمسيحية، وقد بعث السنودس بتقرير موجز عما دار في لقاء الجنة وتشارلز واطسن ومكلانهن إلى المحفل العام عما دار في لقاء لجنته وتشارلز واطسن ومكلانهن إلىالمحفل العام، وبورد (مركز) الإرساليات الخارجية للكنيسة المشيخية المتحدة ومجلس وكلاء الجامعة في فيلادلفيا ومجلس إدارة الجامعة بمصر وقد شرح تشارلز واطسن وجهة نظر الجامعة في بيان بعث به لصحيفة الهدى جاء فيه (أن قاعة ايوارت والقاعة الشرقية بالجامعة لا تعد من الأبينة الكنسية ولكنهما شيدتا لتلقي فيهما محاضرات عامة، وتقام بهما حفلات موسيقية ومسرحية سينمائية، وتقام بهما بعض المأتم والأفراح، بالإضافة إلى استغلالهما في الأنشطة الدينية، وتوجد بالجامعة لجنة تدرس العروض التي ترد إليها في استغلال القاعتين كما أن قرارات الجامعة لاتخضع أية هيئة كنسية أو إرسالية ما في مصر لكنها تخضع لقوانين مقاطعة كولومبيا وبذلك انفصلت الجامعة عن كل المؤسسات الدينية الكنسية دون أن تنفصل عن هدفها الرئيسي في مصر وهو التبشير، والذي عالجت الجزء الخاص بها في التبشير في النقطة المبحث الخاص بالنشاط التبشيري الأمريكي بمصر.

2-النشاط الثقافي الأمريكي في مصر

لاتقتصر السياسة الخارجية لبلدما على مجرد برنامج لتأمين قوة وسلامة بلدما على ضوء موارد وأعمال ونوايا بلدان أخرى/ بل هناك كذلك الأنشطة الثقافية لبدما في بلد آخر والتي تشكل جزءاص مهماً في السياسة ال خاريجة لأية دولة والتي تشمل بالنسبة للولايات المتحدة سلاح دعاية أو علاقات عامة ولذلك تحاول الحكومة الأمريكية منذ بداية علاقتها الدبلوماسية بمصر أن تنمي أنشطتها الثقافية بمصر من خلال عدة وسائل منها دعوة الحكومة المصرية للإشتراك في المؤتمر الزراعي المقرر عقده في شهر اكتوبر 1924 بولاية ميسورى Missouri ومن الجدير بالذكر أن الحكومة المصرية اعتذرت عن حضور هذا المؤتمر، ولم تبين في خطابها للحكومة الأمريكية السبب في الإعتذار عن حضور المؤتمر، وإنما اقتصرت في إجابتها على شكر الحكومة الأمريكية على دعوتها الودية والإعتذار عن المؤتمر المذكور، حيث ذكرت: La Gouvernment vous prie de vouloire bien transmettre su government American L, Expression des se remerciement pour sour son aimable invitation, et de ses regrets de ne pouvoir se Fair representer au Congres d, ont il s, agit)

كما دعت جمعية الأطباء الحربية بالولايات المتحدة الأمريكية Associatin of Millitary Surgeons of the Unites State الحكومة المصرية لإرسال مندوب عن القسم الطبي للجيش للإشتراك في المؤتمر الذي سيعقد بمدينة سان انطونيو بمقاطعة تكساس Texas في الفترة من 13-15 نوفمبر 1924، وقد رأت الحكومة المصرية حفظ المسألة لأن دعوة الحكومة وصلتها بعد انتهاء ميعاد دعوة الجمعية المذكورة للحكومة المصرية في عام 1925 لحضور اجتماعها السنوي المقرر عقده في 8، 9، 10 اكتوبر 1925 وقد أشار الدكتور مورتن هاول في دعوته للحكومة المصرية أن هذه الدعوة صادرة من الجمعية وليس من حكومة الولايات المتحدة وأنه ليس للجمعية علاقة رسمية بحكومة الولايات المتحدة فاستطلعت وزارة الخارجية في أمر هذه الدعوة فرأت الأولى قبولها ورشحت الأميرالاى ب. ه. ل. ويلسون B. H. L. Wilson حكيمباشى الجيش، واليوزباشى محمد سعيد أفندي من القسم الطبي بالجيش لتمثيل الحكومة المصرية في هذا المؤتمر، ولكن مجلس الوزراء المصري قرر في جلسة المنعقدة في 13 يونيه 1925 عدم قبول الدعوة للإشتراك في الإجتماع المذكور وتكررت دعوة نفس الجمعية للحكومة المصرية في 1927 لحضور مؤتمرها الذي سيعقد في شهر اكتوبر من نفس العام في مدينة بنسلفانيا وتكرر كذلك اشارة الوزير الأمريكي المفوض بأن الجمعية ليس لها صلة بالحكومة الأمريكية، واعتذرت وزارة الحربية والبحرية عن هذه الدعوة لأنها رأت أنه ليس في الأمر مايدعو للإشتراك في هذا الإجتماع ودعت نفس الجمعية الحكومية المصرية لإجتماعها الذي عقد في 4-6 اكتوبر 1928 ببلتيمور لإجتماعها في مدينة الذي عقد في أيام 26، 27، 28 سبتمبر 1929 ولإجتماعها السنوي الثامن والثلاثين الذي عقد في 2-4 اكتوبر 1930 ولإجتماعها السنوي التاسع والثلاثين في مدينة أورليان الجديدة الذي عقد من 3-5 اكتوبر 1935 ولإجتماعها السنوي الذي عقد في واشنطن في الفترة من 7 إلى 15 مايو 1939 وبلغت كل هذه الدعوات ست دعوات في الفترة من 1928-1939 وفي كل مرة كانت وزارة الحربية المصرية تذكر أن الجمعية قدمت نفس هذه الدعوة في عام 1925، 1926، 1927، وأنها لاترى ضرورة الإشتراك في مؤتمرات هذه الجمعية لأنها ليس لها صلة بالحكومة الأمريكية،

كما نبه مورتون هاول الحكومة المصرية إلى ذلك في دعوته لها ل حضور اجتماعات هذه الجمعية كما وجهت الحكومة الأمريكية الدعوة للحكومة المصرية بأن ترسل مندوبين عنها لحضور المؤتمر الدولي الرابع لعلم النبات Botanical Congres Fourth International الذي عقد في جامعة كورنيل Cornell بنيويروك من 16 إلى 23 اغسطس 1926 وقد أشار الدكتور مورتون هاول في دعوته للحكومة المصرية إلى أنه (ولو أن ذلك المؤتمر لايعقد تحت رعاية واشراف الحكومة الأمريكية، إلا أن وزارة الزراعة الأمريكية تبذل مساعيها لإنجاحه، وقد وافقت الحكومة الأمريكية على الدعوة الموجهة إلى احكومة المصرية وغيرها من الحكومات) واستطلعت وزارة الخارجية (المصرية) وزارة الزراعة (المصرية) في امر الإشتراك في هذا المؤتمر فرأت الأخيرة الإشتراك فيه واقترحت أن يمثل الحكومة المصرية فيه محمد كامل بك المفتش الأول للوجه القبلي بوزارة الزراعة، ومستر ج. تمبلتون الإخصائي بقسم النبات، وتوفيق فهمي افندي رئيس فرع الفطريات بوازارة الزراعة، وعبد الفتاح عسل افندي قنصل مصر بنيويورك، إلا أن مجلس الوزراء قرر في جسلته المنعقدة في يوليو 1926 عدم الإشتراك في المؤتمر وفي نفس العام (1936) وجهت اللجنة المنظمة لأعمال المؤتمر الدولي لمكافحة المخدرات World Conference on Naroctic Education الذي تقرر عقده بمدينة فيلادلفيا من 5 يوليو إلى 9 يوليو، الدعوة لوزير مصر المفوض بواشنطن حضور أعمال المؤتمر بالنيابة عن الحكومة المصرية، وبناء على ذلك رفعت وزراة الخاريجة المصرية في مذكرة إلى مجلس الوزراء طالبت فيها الموافقة على اشتراك الحكومة المصرية في ذلك المؤتمر وندب وزير مصر المفوض بواشنطن لتمثيل الحكوةم المصرية فيه وقد وافق مجلس الوزراء على مذكرة الخارجية في جلسته المنعقدة في 10 مايو 1926 غير أن وزارة الخارجية المصرية تلقت برقية من محمود سامي باشا الوزير المفوض بواشنطن في 13 يونيه 1926 جاء فيها (أن وزارة الداخلية الأمريكية أبلغته تلفونياً أنه ليس للمؤتمر المذكور صفة رسمية) وقد أشار محمود باشا أن المؤتمر المذكور لن يشترك فيها أحد من رؤساء الهيئات التمثيلية السياسية الأجنبية، واقترح – في حالة ما إذا رأت الوزراة ضرورة تمثيل مصر في المؤتمر – أن يوفد اسماعيل كمال بك سكرتير ثان المفوضة لإداء هذه المهمة)، الأمر الذي جعل وزير الخارجية ثروت باشا أن يقدم مذكرة لمجلس الوزراء ذكر فيها (وحيث أن الدعوة الرسمية لم ترد من الحكومة الأمريكية فبناء عليه اتشرف بإعادة عرض الموضوع على مجلس الوزراء لإعادة النر في المسألة واصدار القرار الذي يراه (مجلس الوزراء) في ندب سامي باشا في ذلك المؤتمر رسمياً أو العدول عن الإشتراك فيه للأسباب المتقدمة الذكر) وقد قرر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 27 يونيه 1926 العدول عن قراره الصادر بجلسة المنعقدة في 10 مايو 1926 وعدم الإشتراك في المؤتمر ويبدو أن سبب عدم اشتراك الحكومة المصرية في المؤتمر أن المؤتمر ليس له صفة رسمية بدليل موافقة مجلس الوزراء في البداية على الإشتراك في المؤتمر في جلسته المنعقد في 10 مايو 1926 ثم عدول مجلس الوزراء عن الإشتراك في المؤتمر عندما أبلغت الحكومة الأمريكية وزير مصر المفوض بأن المؤتمر ليس له صفة رسمية.

وفي 29 اغسطس 1926 وجهت نفس اللجنة دعوة لمصلحة الصحة العمومية المصرية باسم سكرتيرها العام مستر R. Hopson هبسون يدعوها فيها للإشتراك في المؤتمر الدولي لمكافحة المخدرات ولكن المصلحة المذكورة رفضت الإشتراك في المؤتمر ولكنها طلبت من وزير مصر المفوض بواشنطن بيانات مفصلة عن هذا الموضوع، وعن طلبات المؤتمر من الهيئات المنضمة إليه وكتابة تقرير عن أعمال المؤتمر (الدولي لمكافحة المخدرات) الذي عقد في فيلادلفيا في ال فترة من 5 إلى 10 يوليو 1926، وقد علم وزير مصر المفوض بعد البحث (أن شخصية الداعي مستر هبسون) محل شكوك وأن مسعاه لهذا المؤتمر لغرض شخصي هو الربح المادي، وقد بدت الصورة الحقيقية لمشروعه عندما أردنا أن نحصل منه على ما اسموه مؤتمر يوليو قد تركو وليس هناك مركز للهيئة الدولة التي يدعي وجودها وإنما يرسل مطبوعاته من محل إقامته في كاليفورنيا والنتيجة أن المؤتمر الذي دعا إليه لم يحضره أحد سوى النفر القليل من أصدقائه، وليس هناك أي هيئة دولية تكونت لمصلحة الصحة بمصر الإشتراك فيها وفي نفس العام (1926) دعا اتحاد المستشفيات الأمريكية American Association Hospital الحكومة المصرية لحضور الإجتماع الذي سيعقده الإتحاد المشار إليه في مدينة اتلانتيك سيتي Atlantic city في الفترة من 27 سبتمبر إلى أول اكتوبر 1926، وقد رأت مصلحة الصحة العمومية أنه لا ضرورة لإشتراك الحكومة المصرية في اجتماع هذا الإتحاد وخصوصاً أن الحكومة الأمريكية ليس لها علاقة رسمية به، ولكنها طلبت من وزير مصر المفوض بواشنطن بيانات عن هذا الإتحاد ليكون للمصلحة علم تام بغاياته وقوانينه.

وتكررت دعوة الإتحاد للحكومة المصرية في عام 1927 لحضور اجتماعه السنوي التاسع والعشرين المزمع عقده في الفترة من 10 إلى 14 اكتوبر في مدينة مينا بولس Minanepolis من أعمال مقاطعة مينوسوتا Minneosota وقد رفضت مصلحة الصحة العمومية الإشتراك في الإجتماع المذكور لأن الحكومة الأمريكية ليس لها علاقة رسمية به.

كما وجه مستر أرشيبالد وزنانت Archibald whisnant سكرتير مؤتمر الغابات بأمريكا pacific logging Congress دعوة للحكومة المصرية للإشتراك في أعمال الدور السابع عشر للمؤتمر المذكور المقرر عقده في الفترة من 27 إلى 30 اكتوبر 1926، ولكن الحكومة المصرية اعتذرت عن الإشتراك في هذا المؤتمر كما وجهت مفوضة الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة دعوة – باسم حكومتها للحكومة المصرية لإيفاد مندوب أو أكثر لحضور المؤتمر الدولي للطيران المدني International Conferenve on civil Aeronautics المقرر عقده في واشنطن في 12، 13، 14 ديسمبر 1928 وقد أشارت المفوضية الأمريكية في رسالتها للحكومة المصرية إلى (أنه من المرغوب فيه أن يضع كل مندوب يحضر المؤتمر بياناً عن ناحية من نواحي انتشار الطيران من بلاده ويقدم صوراً منه لترسل إلى واشنطن في أقرب وقت ممكن) وكانت وزارة المواصلات المصرية قد أخبرت الخارجية المصرية أنه لايوجد لديها من يستطاع انتدابه لحضور هذا المؤتمر واقترحت انتدابه (وزير مصر المفوض بواشنطن) ليمثل الحكومة المصرية في هذا المؤتمر، نظراً لأن رد وزارة المواصلات جاء بعد انتهاء ميعاد المؤتمر فلم تشترك الحكومة المصرية في المؤتمر، بالرغم من أنه المؤتمر الرسمي الوحيد الذي دعت إليه الحكومة الأمريكية الحكومة المصرية حيث ان كل الدعوات السابقة التي قدمت للحكومة المصرية كانت غير رسمية وتأتي من أفراد أو جمعيات وبالرغم من ذلك فقد اشتركت الحكومة المصرية في هذا المؤتمر عام 1934 حيث مثل مصر الأستاذ جرجس عوض الله.

كما وجهت الحكومة الأمريكية دعوة للحكومة المصرية للإشتراك في المؤتمر الدولي الأول للمستشفيات المقرر عدقه بمدينة اتلانتك في الفترة من 12-21 يونيه 1929 وقد وافق مجلس الوزراء المصري على الدعوة في جلسته المنعقدة في 22 ابريل 1929، وقد ناقش المؤتمر في جلسته الثانية موضوع وظائف المستشفيات الأساسية، وناقش في جلسته الثانية موضوع وجوه الإقتصاد والإدارة عند تصميم المستشفيات وناقش في جلسة الثالثة موضوع الوجوه الإقتصادية والإدارة عند تصميم المستشفيات وناقش في الجلسة الرابعة موضوع ميادين العمل بالمستشفيات العمومية والخصوصية، وناقش في الجلسة الخامسة موضوع المستشفيات العمومية والخصوصية، وناقش في الجلسة السادسة موضوع المستشفيات لذوي العاهات والأمراض المزمنة وناقش في الجلسة السابعة موضوع جمعيات المستشفيات الأهلية وإيجاد جمعية مستشفيات دولية، وقد اشترك في المؤتمر ست وثلاثون دولة بخلاف كندا والولايات المتحدة.

كما حضر الحكومة المصرية الإجتماع الثالث للمؤتمر الأهلي للسلامة في الشوارع والطرق الذي انعقد في مدينة واشنطن في الفترة من 27-29 مايو 1930، وهو مؤتمر نظمه الرئيس هوفر وقت أ، كان وزيراً للتجارة 1924 ونظراً لأهمية هذا المؤتمر بالنسبة لأمريكا فقد كان دعا وزير التجارة الأمريكي، السفارات والمفوضات إلى ارسال مندوبين عنها لحضور جلسات المؤتمر دون الإشتراك فيه وبناء على ذلك انتدبت المفوضة المصرية بواشنطن أحمد ممدوح مرسي أفندي السكرتير الثاني للمفوضية المصرية بواشنطن لهذا الغرض وفي نفس العام دعت الحكومة الأمريكية الحكومة المصرية لحضور الدور السادس للجمعية الدائمة لمؤتمرات لاطرق المشتركة الذي سيعقد بواشنطن في الأسبوع الثاني من شهر اكتوبر 1930 وذلك للنظر في المسائل المتعلقة بانتشار واستخدام الطرق الرئيسية وقد اعتذرت الحكومة المصرية لحضور مؤتمر هذه الجمعية بدعوى الإقتصاد في النفقات مما جعل وزير مصر المفوض بواشنطن ينتقد الحكومة على ذلك حيث ذكر في مذكرة له لوزير الخارجية المصرية (أنه مع احترامي واذعاني لأوامر الوزراة آسف عظيم الآسف على حرمان هذا المؤتمر من ممثل مصري بدعوى الإقتصاد في النفقات إذ أن انعقاده في مدينة واشنطن لن يكلف الحكومة شيئاً وأريد أن أرجو من سعادتكم لفت نظر السلطات المختصة بإلحاج إلى أن تمثيل مصر في أي مؤتمر ولو كان تمثيلاً صورياً له أثر دولي بعيد الشأن، فقد كان حضوري في مؤتمر القانون الدولي المنعقد في أوائل هذا الشهر بمثابة إثبات لشخصية مصر الدولية ودليل على نضوجها الدولي ولا أبالغ في ا لقول مطلقاً إذا صرحت لسعادتكم أني كنت من الأعضاء وكلهم كما تعلمون من أقطاب القانون الدولي موضوع حفاوة خاصة لم ينلها الكثير من زملائي الأووبيين ولذا فأكرر أسفي إذن على عدم السماح لي بحضور جلسات المؤتمر) ونظراً للحالو المالية كذلك اعتذرت الحكومة المصرية عن دعوة الحكومة الأمريكية في الإشتراك في المؤتمر الرياضي الدولي الأول الذي عقد في مدينة لوس انجليس Los Angelos في الفترة من 23-29 يوليو 1832، وفي ذلك المؤتمر جرت مبارة بين الولايات المتحدة وبريطانيا في مدينة سان فرانسسكو وقد علقت اعلانات ذكر فيها أنباء المبارة وعدد المستعمرات البريطانية وذكر من بينها مصر فلما رأى ذلك القائم بأعمال القنصلية المصرية بسان فرنسسكو، فؤاد عبد الله، طلب موعداً من عمدة المدينة واحتج على ذكر مصر بين المستعمرات البريطانية في تلك الإعلانات وبين أن مصر دولة مستقلة وحكومتها ملكية، وليست جزء من الإمبراطورية البريطانية، فأبدى العمدة شديد أسفه له وذكر أنه لم يطلع على الإعلانات وأن الغلطة لم تكن مقصودة وأنه يجل الشعب المصري ومليكه المستقل، واستدعى مراقبي المدينة Supervisor Milles وأمرهم بتغير الإعلانات في الحال وحذف اسم مصر من قائمة المستعمرات البريطانية وقد انتهى الحادث بفضل ما ابداه عمدة المدينة من جميل الشعور نحو مصر المستقلة (من الناحية الأسمية).

كما وجد الملحق التجاري بمفوضة الولايات المتحدة الأمريكية بمصر دعوة إلى وزارة الأشغال العمومية الإشتراك في المؤتمر الدولي لهندسة السيارات The International Automotive Engerineering Congress المقرر عقده بمدينة شيكاجو في الفترة من 28 اغسطس إلى 4 سبتمبر 1933 وقد اعتذرت الحكومة المصرية عن الدعوة واكتفت بالحصول على نتائج أعمال المؤتمر ومطبوعاته كما اشتركت الحكومة المصرية في المؤتمر الدولي الأول لميكانيكة التربة وهندسة الأساسات الذي عقدته جامعة هارڤارد عام 1936 حيث أوفدت الجامعة المصرية كلاً من الدكتور وليم سليم حنا رئيس معمل أبحاث الأساسات بكلية الهندسة والمسيو تشوناريف الإختصاصي بنفس المعمل لتمثيلها في ذلك المؤتمر واشترك في المؤتمر إحدى وعشرون دولة وقد قدم معمل الهندسة بمصر سبعة أبحاث نوه بها رئيس المؤتمر في مناسبات متعددة وبين أهميتها ولذلك فقد خصص لمندوبي مصر محاضرة من محاضرات المؤتمر التاسعة في رسالة المدير الجامعة المصرية جاء فيها أن (ادارة المؤتمر قد قدرت كل التقدير الأبحاث القيمة التي قدمها مندوبو مصر الذي نجحوا في إبراز أبحاث لاتقتصر فائدتها العملية العظيمة، بل هي ذات أهمية عامة بارزة وقد رجا من أن تحافظ كلية الهندسة على المستوى العالي الذي وصلت إليه.

ولم تقتصر الأنشطة الثقافية الأمريكية على دعوة مصر للمؤتمرات العلمية فقد كان لها أنشطة ثقافية أخرى بمصر مثل البعثة الفلكية التي أرسلها معهد سميثسونيان The Field Expedition of the Smithsonian Institution للقيام ببعض الأرصاد والبحوث الفلكية في جبل سانت كاترين في سيناء سنة 1933 واستمرت هذه البعثة في العمل في سانت كاترين حتى 1937 وكان هدف البعثة القيام بأبحاث خاصة بأشعة الشمس وإقامة مرصد فلكي في ذلك الجبل ومن الجدير بالذكر انه لم تنشر أعمال البعثة ونتائجها في الوثائق الرسمية الأمريكية أو المصرية أو الإنجليزية، وقد قدمت الحكومة المصرية تسهيلات كثيرة لهذه البعثة منذ وصولها حتى مغادرتها مصر 1937 سواء من خلال إعفائها من الرسوم الجمركية أو معداتها أو منع تفتيش آلاتها في الموانئ المصرية.

++++ وفي أثناء تواجد الدكتور محمد شاهين وكيل وزارة الداخلية للشئون الصحية بأمريكا مدعواً من معهد روكلفر لزيارة منشأته اتفق مع المجمع الأهلي وهو ضمن منشأت معهد روكلفر لمكافحة امراض العيون على ارسال فتيات مصريات يتعلمن طريقة الدعاية لمكافحة تلك الأمراض، على أن تتولى هيئة المجمع الإتفاق عليهن حتى اتمام دراستهن وقد عرض هذا الأمر على الهيئات العليا (المصرية) فوافقت عليه وقد كانت تلك المسألة ثالث مسألة من نوعها يقدمها معهد روكلفر فقد سبق أن عرض المعهد تدريب اثنين من المهندسين على اعمال الهندسة الصحية فأوفدتها مصلحة الصحة بالإتفاق مع وزارة المعارف، مكا قبل قبل المعهد قبول طبيبين مصريين آخرين للتخصص على نفقته في الصحة العامة هذا فضلاً عن وجود الأنسة زاهية متولي إحدى خريجات بعثة تعليم المكفوفين لإستكمال دراستها في ذلك الفن في أمريكا موفدة من وزارة المعارف والواقع أن نسبة المبعوثين للولايات المتحدة الأمريكية للتعليم كانت ضئيلة جداً فقد كانت خمسة وخمسون طالباً خلال الفترة من 1920-1939 وهي نسبة ضئيلة جداً إذا ما قورنت بالمجموع الكلي للبعثات التعليمية لخارج كما يتضح من ال جدول الآتي:

جدول رقم (3): يوضح عدد الطلاب المصريين المبعوثين لأمريكا بالمقارنة بالمجموع الكلي لعدد طلاب البعثات المصرية بالدول الأجنبية الآخرى.

السنة عدد الطلاب المبعوثين للولايات المتحدة المجموع الكلي لكل الدول الأجنبية
1923-1920 27 371
1925 1 234
1926 2 189
1927 4 154
1928 2 100
129 2 167
1930 2 116
1931 1 71
1932 1 28
1933 3 66
1934 2 70
1935 5 91
1936 - 121
1937 - 139
1938 3 -
1939 6 80(*)

يلاحظ ان عدد البعثات للولايات المتحدة ازداد في ا لفترة من 1920-1923 ثم تعرض للهبوط التدريجي بالرغم من تشجيع علي ماهر على ابفاد البعثات لأوروبا وأمريكا كما اهتم بعض الباحثين بترجمة بعض الكتب عن تاريخ مصر للغة الإنجليزية مثل الدكتورة ماريس بوجز Dr. Mayis Boggs التي قامت بأعداد ترجمة لكتاب تاريخ مصر لمرتضى بن الكهفيفي الذي ترجمة للفرنسية مستر ڤاير عام 1966 Vattier وترجمة للإنجليزية مستر ج. ديڤيز 1672 Davies كما اهتمت الحكومة الأمريكية كجزء من نشاطها الثقافي بمصر – بدراسة شئون التعليم بمصر، حيث أرسلت مستر لويس. ب. أڤري Lewis. B. Avery لزيارة مدارس رياض الأطفال بالقاهرة لبحث ودراسة طرق التعليم الأطفال وتربيتهم واهتمت الحكومة الأمريكية كذلك بضم الخبرة العلمية المصرية في الجمعيات العلمية الأمريكية حيث طلبت الجمعية النسائية الجغرافية The society of woman Geographres بواشنطن من الحكومة المصرية – في عام 1927 – انتخاب سيدتين لتكونا عضوتين مراسلتين في الجمعية وقد وقع اختيار الحكومة المصرية على كلاً من سنية محمد على مدرسة الجغرافيا بمدرسة المعلمات الثانوية لحلوان، ولبيبة أحمد مدرسة الجغرافيا بمدرسة المعلمات الأولية الراقية ببولاق لهذه العضوية.

وفي إطار النشاط الثقافي الأمريكي بمصر طالبت الولايات المتحدة من الحكومة المصرية جمع الوثائق المتعلقة بأمريكا في عصر محمد علي اسماعيل في أرشيف يسمى الأرشيف الأمريكي وبالفعل تم لها ما أرادت للولايات المتحدة أرشيف خاص – بدار الوثائق الأمريكية خلال فترة محمد على واسماعيل كما اشتركت الولايات المتحدة في مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ نشاته وكانت مشاركتها كبيرة جداً بالنسبة للدول الأجنبية الأخرى في مصر كما يتضح من الجدول التالي: جدول رقم (4) يوضح عدد الأعضاء الأمريكيين المشتركين بمجمع اللغة العربية بالمقارنة لالدول الأجنبية الأخرى(*)

عدد الأعضاء
الإنجليز ستة أعضاء
الأمريكيين1 ستة أعضاء
الألمان ثلاثة أعضاء
الفرنسيين ستة أعضاء
الإيطاليين عضوان

وكان من الأمريكيين الذين اشتركوا في المجمع الأستاذ مارتن سبرنجلنج Martin Sprengling من جامعة شيكاگو والأستاذ تشارلز ماري Charles Marry من جامعة بل والأستاذ ريتشارد گوتيل Richard Gothiel من جامعة كولومبيا والأستاذ هنري ولڤسون Henry Wolfson من جامعة هارڤارد والأستاذ وليام پوپر William Ppoer من جامعة كاليفورنيا والأستاذ دنكان ماكدونالد Duncan Macdonald.

ويلاحظ أن الحكومة الأمريكية حاولت أن تنمي نشاطها الثقافي بمصر ولكن الظروف لم تكن تسمح بأكثر مما حاولته الحكومة الأمريكية لتنمية نشاطها الثقافي في تلك الفترة.

رابعاً: الولايات المتحدة والاهتمام بعلم المصريات

1-حفائر بعثات الآثار الأمريكية بمصر

اهتم العلماء الأمريكيون منذ القرن 19 بعلم المصريات وقدموا كضوفاً هامة بالنسبة لهذا العلم مثل اكتشافهم قبر الملكة (تي) في مدافن طيبة وقد اثنى على هذا الكشف السير جورست واعتبره أهم ما اكتشف 1906 ولقد تشكل اهتمام الولايات المتحدة بعلم الصمريات من خلال الحفائر التي أجرتها في مصر متاحف وجامعات أمريكية مختلفة، وومن خلال الدراسات التي فدمها العلماء الأمريكيون في علم المصريات.

أما بالنسبة للحفائر التي قامت بها البعثات الأمريكية في مصر، فقد قامت بعثة جامعة بنسلڤانيا عام 1918 بكشوف أثرية هامة في منطقة دندرة وميت رهينة "منف" وأهم النتائج التي توصلت إليها البثعة من خلا هذا الكشوف أن مقابر دندرة كانت في أول الأمر متجمعة في مكان واحد وأن القديمة منها كانت تهدم وتندثر ثم يبنى مكانها قبور جديدة، وما تمتاز بها مقابر دندرة المصاطب الكبيرة المبينة بالطوب والقبور القديمة وهي من هصر الدولة المصرية القديمة والدولة الوسطى، أما المصاطب فيمتد تاريخها من الأسرة الثالثة إلى الأسرة الحادية عشر أي من عام 2200 ق.م إلى 2000ق.م أما بالنسبة لمنف فقد تمكنت البعثة من اكتشاف الجناح الشرقي من قصر الملك مرنبتاح وفي عام 1920 ومن خلال مساعدة البروفسور فرنيس. ب. و. كلسي Farancis. P. W. Kelsey من جامعة متشگان ومستر برنارد جرنفيل Bernard. P. Grenfell من جامعة اكسفورد – تمكنت جامعة اكسفورد – تمكنت جامعة ويسكونسن Wisconsin الأمريكية من ترميم عدد من أوراق البردي وطبعت نتائج هذا العمل في كتاب البروفسور ميشل روزتوفتزف Michaael Rostovtzeff "المقاطعات الكبيرة في مصر في القرن الثالث ق.م" وهو الكتاب السادس من دراسات جامعة ويسكونسن في العلوم الإجتماعية والتاريخية وفي نفس العام تمكنت بعثة أمريكية برئاسة عالم الآثار الأمريكي الشهير مستر وينلوك Winlock من اكتشاف قبر أمير ووزير مصري اسمه مهنكوتر في طيبة ويبدو أن هذا المير كان مغرماً بالملاحة لأن البعثة الأمريكية وجدت في مقبرته اثنى عشر مركباً بالشراع وبعضها تسير بالمجاديف، ولقد اقتسمت البعثة الآثار التي اكتشفتها، مع المتحف المصري.

وفي عام 1922 قام أحد السياح الأمريكيين بسياحة على ضفاف النيل استغرقت خمسة أسابيع لإكتشاف الفخار المصري القديم فاكتشف عدة خطابات غرامية مكتوبة على الأحجار وفي العام التالي قام عالم الآثار الأمريكي مستر فرث باكتشاف هام في سقارة إذا اكتشف بجوار الهرم المدرج معبدين، يرجع تاريخهما إلى عهد الأسرة الرابعة وهما أقدم بناء بالحجارة واكتشف مستر فرث كذلك بقايا هرم الملك زوسر المدرج كما اكتشفت بعثة أمريكية عملت بجوار أهرام الجيزة في الفترة من 1902-1925 مقبرة كبيرة في مارس 1925 للملكة هتب هرس، يرجع تاريخها إلى حكم الملك سنفرو أول ملوك الأسرة الرابعة ووالد الملك خوفو مؤسس الهرم الأكبر، ووجد بجانب مقبرتها قبور الملكات الثلاث اللاتي تزوج بهن الملك خوفو وقبر ملكة رابعة تدعى نفرت كبرى بنات الملك سنفرو، بالإضافة لإكتشاف قطع من الأثاث الأثري الثمين كما قامت بعثة أمريكية تابعة لجامعة ميتشگان تكونت من ج. ل. ستاركى J. L. Starkeyو س. يڤيان S. Yeivin ومستر و. و. كوالى O. W. Qualley و ر. ا. بوك R. E. Boak ومستر ج. وينرايت Mr. G. Wainwright بالحفر في منطقة كوم أوشيم واكتشفت البعثة عدد من المنازل التي يرجع تاريخها إلى القرن الربع والخامس الميلادي، ومعبداً خاصاً بالآله سرابيس وعدداً كبيراً من الاوستراكا Ostraka قطع الشقاف ويرجع تاريخها للقرن الثاني والثلاث الميلادي، واكتشفت البثعة كذلك قطعة بردى نادرة جداً منقوش عليها العمود الأخير "23 سطر" من مقالة الكيدامس Alcidams للشاعر اليوناني الشهير هوميرس، وجزء من مخطوطة الإلياذة تحتوي على عدد الأعمدة تبدأ من السطر 308 من الكتاب الأول، بالإضافة إلى اكتشاف مجموعة من العرائض ذات حالة جيدة مرسلة إلى ستراتجوى Strategoi وأبستراتجو Epistrategoi مصر ويرجع تاريخ تلك العرائض من عصر انطوانيوس بيوس إلى عصر كراكلا Caracalla بالإضافة إلى اكتشاف عديد من الوثائق الديمقوطيقية Demotic.

كما اكتشفت بعثة جامعة هارڤارد بالإشتراك مع بعثة متحف بوسطن في عام 1925 مقبرتين من عهد الأسرة السادسة يرجع تاريخها إلى 2625 ق.م وهما لكاهنين من كهنة الأهرام، الأول اسمه قعار والثاني ايدو وللمقبرة الأولى مدخلان تعلوهما نقوش تمثل الأقارب الرسمية التي كان هذا الكاهن حائزا عليها وهو رئيس بساتين بيبي الأول، ومحافظ مدينة هرم خوفو، ومحافظ مدينة هرم منقرع . . الخ، والمقبرة الثانية من طراز جديد جمع بين التماثيل والأعمدة والنقوش البارزة كما اكتشفت نفس البعثة العام مدفن يظن أنه مدفن الملك سنفرو بانى هرم ميدوم.

كما اكتشفت في نفس العام بعثة أمريكية أخرى، كانت تنقب عن الآثار في هرم سقارة المدرج، برئاسة مستر فرث، الهيكل الذي بنى تذكاراً ليوبيل السنة الثلاثين بجلوس الملك زوسر على العرش، كما اكتشفت تمثالاً حجرياً لنفس الملك، كما اكتشفت في عام 1926 صفاً من الأعمدة الجميلة طوله 255 قدماً، وبلغ عدد هذه الأعمدة 48 عموداً وهي من الحجر الجيري الأبيض وأقام هذا الصف من الأعمدة المهندس أمحوتب أشهر مهندسي مصر القديمة والذي آلهة المصريون وعبدوه كمحام للعلماء والكتبة.

كما اشترك متحف المتروبو ليتان مع مستر كارتر الذي اكتشف مقبرة توت عنخ آمون – في صيانة وتصوير وترميم وحفظ ونقل آثار توت عنخ آمون بالإضافة إلى شراء المتحف لبعض آثار ذلك الملك ويقدم توماس هوفنگ الدليل على اشتراك المتحف مع مستر كارتر، حيث أن مستر هوفنگ كان قد أطلع كل أوراق المتحف ومستنداته بحكم رئاسته للمتحف في شراء آثار الملك الفرعوني التي سرقها اللورد كارنارفون، أو كارتر أو الأثنان معاً.

وقد عثرت بعثة متحف مترو بوليتان على عمق يتراوح بين 15، 20م تحت سطح الأرض على عدد تماثيل أبى الهول مصنوعة من حجر الجرانيت، والحجر الجيري، وكانت الملكة حتشبسوت وضعت تلك التماثيل بالدير البحري، وقد حطم الملك تحتمس الثالث الذي خلفها جميع تلك التماثيل ووراها تحت الثرى، وقامت البعثة بإعادة تركيب تمثالين منهما وأعادتهما إلى حالتهما الأصلية تقريباً وهما تمثالان مصنوعان حجر الجرانيت الأحمر ويبلغ ارتفاعهما 245 سم تقريباً.

كما قامت جامعة متشگان في عام 1929-1930 بالبحث والتنقيب عن الآثار في مدينة كوم أوشيم بالفيوم حيث قامت بتنظيف معبد بنفيروس وبنسوس وما حوله من المنازل من الأتربة وكان المعبد مشيداً فوق أساسات من الحجر الدبش الغير منحوت، وكان جزءاً من الأساسات ترتكز على الحجر الطبيعي، أما الجزء الآخر فكان مشيداً على جدران من الطوب اللبن، ويختلف ارتفاع الأساسات الحجرية بين 23، 31، 50، 4 أمتار، وأهم كشف سجلته البعثة عدم استحدام الخشب في تشيد المنازل التي كشفتها البعثة خصوصاً المنازل ذات المساحة الصغيرة من منازل القرن الثاني، وقد عثرت البعثة حفائرها في موسم 1930-1931 في القسم الجنوبي الشرقي من المدينة، وقد عثرت البعثة على بقايا مساكن أوائل القرن الأول واكتشفت العديد من أوراق البردي ذات الأهمية التاريخية الكبيرة واستأنفت نفس البعثة عملها في مسوم 1931-1932 في موقع مدينة سكنتا يونمسوس "ديمة حالياً" شمالي بحيرة قارون، حيث كشفت البعثة عديد من المنازل القديمة وعدد من أوراق البردي بعضها مكتوب بالإغريقية والبعض الآخر بالديموطيقية.

كما قامت بعثة جامعة بنسلڤانيا باكتشافات أثرية ذات قيمة كبيرة في مدينة ميدوم بالفيوم أهمها اكتشاف قبر أمير جديد وجد في مصطبة شمالي الأهرام وربما يكون هذا الأمير هو ابن الملك سنفرو، وهو اكتشاف هام لأنه قد أضاف اسماً جديد إلى العائلة الملكية التي حكمت من بداية الأسرة الرابعة، كما اكتشفت البعثة عدداً من المقابر التي يرجع تاريخها إلى أواخر الأسرة الثالثة وأوائل الأسرة الرابعة وتعتبر المعلومات التي اكتشفتها هذه البعثة ذات أهمية قصوى لأنها تزيح الستار عن تاريخ ميدوم القديم كما اكتشفت بعثة هارڤار بوسطن 1932 مظلة سرير الملكة حتب حرس زوجة الملك سنفرو، وهي مظلة من الخشب المغطى بالذهب، وكانت هذه المظلة "غرفة نقالي للنوم" والتي كانت تنتقل من قصر إلى قصر كلما انتقل البلاط، وشكل المظلة في مجموعة يشهد بما كان للصناع المصريون في عهد الملك سنفرو من مهراة وذوق فني كما شاركت متاحف الولايات المتحدة وبعض علماء الآثار الأمريكيون البعثات الإنجليزية في الحفائر التي جرت في منطقة تل العمارنة، مثل جامعة برنستون في موسم 1930-1936 والذي قدم الدعم المالي للبعثة وفي موسم حفر 1935-1936 قدمت معونة الحفر من متحف نيويورك وبروكلين ومن مستر هاربارد Hubbard من سان ديجو San Diego، ومتحف بوسطن ما قامت بعثة المتروبوليتان للفنون بنيويورك بالحفر في جهة الشت وهي موقع أهرام الفلكيين الأوليين من ملوك الأسرة الثانية عشر، وهما أمنحتب الأول وسنوسرت الأول، وقامت البعثة بتنظيف الجانب الشمالي من هرم سنسورت الأول، كما عثرت البعثة على مصطبة ضخمة لشخص يدع سنوسرت عنخ رئيس كهنة الإله بتاح "منف"، ويغطي الجزء الأكبر من جدران المصطبة حوالي 296 عموداً من النصوص الهيروغليفية والتي تؤلف احسن مجموعة من نصوص الأسرة الثانية عشر الخاصة بالتعاويز الدينية المعروفة :بنصوص الأهرام".

كما اكتشفت بعثة متحف المتروبوليتان في الضفة الغربية لطيبة والكوم الأحمر في عام 1934 معبد مهدم يرجع تاريخه إلى عصر الرعامصة وقد حددت البعثة تاريخ المعبد إلى ما بعد حكم رمسيس الثالث واعتقدت البعثة أ ن رمسيس الخامس والسادس ضلع في نباء المعبد أيضاً كما عثرت البعثة على مقبرة ذات حجرتين لم تعبث بهما أيدي اللصوص، يرجع تاريخها إلى ما قبل بناء طريق تحتمس الثالث عشر مباشرة وعثر في الحجرتين على مجموعة جيدة من الأشياء التي توضع مع الموتى، ذات قيمة أثرية كبيرة لأن تاريخها معروف تماماً، كما اكتشفت البعثة قطع من لوح الجرانيت الأحمر للملك حسخموى أحد ملوك الأسرة الثانية بالإضافة إلى كشف البعثة على مقبرتين مزخرفتين من الدولة الوسطى.

كما قامت بعثة جامعة هارڤارد باكتشاف معبد في منطقة سرابيت الخادم في عام 1934 كما اكتشفت البعثة عدد مدهش من قطع الآثار المصرية الصغيرة التي تم فحصها وتسجيلها، كما عثرت على منجمين مصريين عظيمين للفيروز منهما منجم يمكن استغلاله، كما عثرت على أجزاء من ثلاثة نصوص ترجع تاريخها إلى عصر ما قبل الحضارة السنائية في أحد المناجم، كما عثر على بقية نص آخر في معبد بالإضافة لإكتشاف البعثة على عديد من النقوش منها الكتابة السينائية ومنذ عام 1936 خفضت بعض المعاهد الأثرية الأمريكية نشاطها لظروف مادية مثل المعهد الشرقي بجامعة شيكاگو Oriental Intitute of the University of Chicago.

ومن الجدير بالذكر أن البعثات الأمريكية التي كانت تعمل في مصر 1935 كانت كالآتي: 1-بعثة متحف المتروبوليتان بنيويورك، وكانت تحت إشراف مستر لانسنج وكانت تعمل في بلدة هيرا كومبوليس "الكوم الأحمر" جنوبي أسيوط. 2-جمعية استكشاف مصر وكانت هذه الجمعية تعمل في مصر تحت إشراف مستر بندليرى وقامت بالحفر في أرمنت. 3-بعثة جامعة هارڤارد-بوسطن والتي كانت تعمل في مصر تحت إشراف مستر رايزنر وأجرت هذه البعثة حفائرها بالقرب من أهرامات الجيزة. ونتيجة لقلة الدعم المالي لبعض المعاهد الأثرية الأمريكية فقد اقتصر الإهتمام الأمريكي في علم المصريات في الفترة التالية على بعض الدراسات الخاصة بعلم المصريات والكشوف الأثرية الأمريكية مثل المجلدان اللذين أصدرتهما جامعة برنستون عن ال بردي، المجلد الأول من تأليف البروفسور أ. س. جونسون A. C. Johnson بعنوان دراسات جامعة برنستون في علم البردي، والمجلد الثاني من تأليف الدكتور Wallace بعنوان الضرائب في مصر الرومانية.

كما ناقش بعض الباحثون الأمريكيون رسائل دكتوراه في علم المصريات مثل الباحث تشارلز ف. نيمس Charles. F. Nims الذي بحث في رسالته لنيل درجة الدكتوراه في عام 1937 مجموعة الأوراق البردية التي تخص جامعة ميتشگان Michigan.

بالإضافة إلى بعض الكشوف الأثرية التي أجراها الأمريكيون في الفترة الأخيرة من قلة دعمهم المالي والتي بدأت منذ عام 1936 مثل الكشف الذي سجله مستر و – مدير بعثات متحف بنسلفانيا – الذي أتيح له في عام 1938 دراسة مجموعة نفيسة من الجعارين التي أهداها الملك فؤاد للمتحف المصري بالقاهرة، والذي اكتشف عن طريقها رسالة عن فتح بئر كنعانية في عصر مرنتباح الأول، بالإضافة إلى اكتشافه النظام الهجائي على ال متون الجعلية والتي كانت غامضة في ذلك الوقت.

وفي النهاية فقد كان الولايات المتحدة حتى نهاية 1937 ثلاث بعثات أثرية تعمل في مصر هي: 1-بعثة جامعة هاڤارد – بوسطن وكانت تعمل في منطقة الأهرامات. 2-بعثة متحف متروبوليتان للفنون. 3-بعثة جامعة شيكاگو والتي تعمل كانت تعمل بالأقصر.

وتبقى نقطتان قبل إغلاق ملف الإهتمام الأمريكي بعلم المصريات هما: 1-موقف الولايات المتحدة من تعديل قانون الآثار. 2-منحة روكلفر لإنشاء متحف للأثار بالقاهرة.

3-الولايات المتحدة وتعديل قانون الآثار:

بعثت مصلحة الآثار في 10 اكتوبر 1922 إلى جميع بعثات التنقيب عن الآثار في مصر بأن المصلحة تنوي تعديل المادة 11 من قانون الآثار رقم 14 الصادر عام 1912، وأنها (المصلحة) ترغب في العديول عن سياسة تقسيم الآثار مناصفة بينها وبين البعثة المكتشفة للآثار وأن الحكومة المصرية ستكون حرة في أن تقدم للمكتشف الأِياء التي لاتحتاج إليها مجموعتها الآثرية وأن هذا التعديل سينفذ في موسم حفر 1923-1924.

ويتضح هدف الحكومة المصرية من إجراء هذا التعديل في قانون الآثار من رسالة مستر لاكو مدير مصلحة الآثار لمدير متحف المتروبوليتان للفنون في أول ابريل 1925 حيث ذكر أن هدف الحكومة المصرية من هذا التعديل . . 1-أن تكون الحكومة المصرية الحرية في تكوين مجموعاتها الوطنية من الآثار بشكل يتلاءم والمصالح العلمية بشكل عام وتكوين مجموعة آثرية تمثل الحضارة المصرية بشكل عام. 2-تمييز المساعي التي تبذلها الجمعيات العلمية في كشف ودراسة وطبع الوثائق المتعلقة بالتاريخ والحضارة المصرية. 3-تسهيل دراسة تاريخ مصر في جامعات الدول الأجنبية.

وبدأت تحركات الولايات امتحدة بعد علمها بنية الحكومة المصرية في تعديل قانون الآثار، لأن هذا التعديل سيحرمها من الآثار التي تحصل عليها البعثات الأمريكية العاملة في مصر، فأرسلت الولايات المتحدة لسفارتها في لندن وباريس للتشاور مع حكومتي البلدين في الإشتراك مع الحكومة الأمريكية لتوجيه احتجاج امريكي بريطاني فرنسي مشترك للحكومة المصرية لمنع صدور القانون الجديد للآثار، كما أرسلت لوزيرها المفوض بالقاهرة دكتور هاول مسودة مذكرة بشأن القانون الجديد والتي فوضته في تقديمها للحكومة المصرية في حالة إذا لم تتطور الأمور بشكل يجعل من المرغوب فيه إجراء تعديلات على القانون المقترح وتضمنت مسودة المذكرة الآتي: 1-أهمية المصالخ الأثرية الأمريكية في مصر، وأنه طبقاً للمادة 11 من القانون رقم 14 الصادر 1912 كانت البعثات تقتسم القطع التي اكتشفتها مع مصلحة الآثار، ونتيجة لذلك أسست الدول أقسام الآثار المصرية من القطع الهامة التي كانت تأتي من أعمال البعثات. وتضمنت مسودة المذكرة الأمريكية أيضاً مطالبة الحكومة المصرية بضمانات متعلقة بتفسير المادة العاشرة في الصيغة الجديدة لرخصة الحفر عن الآثار والتي تنص على أن كل القطع الأثرية التي تكتشف خلال مدة الحفر ستنتقل بشكل كامل لمصلحة الآثار ما عدا تلك القطع التي ستقرر المصلحة – باختيارها – أعطاها رخصة الحفر وطالبت الحكومة الأمريكية في مسودة مذكرتها إدحال الصيغة الآتية على المادة العاشرة (تعلن الحكومة المصرية للحاجة العلمية يتطلب أن تحتفظ مصلحة الآثار بحرية لنفسها بكل القطع الأثرية التي تمتلكها الآن ولكن نفس هذه المصلحة العلمية تقتضي بشكل متساو بأن المصلحة ستمنح إلى حد كبير كل القطع الآثرية التي تمتلكها، وأن مصلحة الآثار تحتفظ بأي من القطع الأثرية من أجل بيعها بطريقة يمكن أن تكون جائرة في كل الأحوال بالمكتشفين وأن المصلحة ترغب فقط في أن تحتفظ بتلك القطع لتكون جزءاً من الأملاك العامة المصرية، وفي نفس الوقت لاترغب في ان تحتفظ بنفسها بنسخ طبق الأصل من المواد المكتشفة أو القطع الآثرية التي لها نظائر في مجموعاتها الوطنية وليس للمصلحة الحرية في أن تشتريها من المكتشفين وبنفس الطريقة ليس لها رغبة في أن تحتفظ بمنحه نسخ اكتشفها مكتشف آخر، وفي تلك الأحوال تكون الحكومة المصرية مضطرة منطقياً في أن تعطي المكتشفين آخر، وفي تلك الأحوال تكون الحكومة المصرية مضطرة منطقياً في أن تعطي المكتشفين كل القطع الآثرية التي لاتحتاجها، ويقتضي ذلك ضمناً ان الحكومة المصرية ستعطي كل القطع التي لاترغب في الإحتفاظ بها سواء كانت تلك القطع أكثر او أقل من نصف الآثار المكتشفة أن الحكومة المصرية ستعطي المكتشفون قطع من الطراز الأول إذا كانت تلك الحكومة تمتلك نسخة مشابهة لها في مجموعاتها الآثرية الوطنية.

كما أمرت الخارجية الأمريكية وزيرها المفوض بالقاهرة أن يقدم لزيمله الفرنسي والبريطاني بنسخة من المذكرة التي تنوي الحكومة الأمريكية تقديمها للحكومة المصرية.

وفي 25 فبراير 1926 قصد السفير الأمريكي في باريس إلى مقر وزارة الخارجية البريطانية ليحدد طلب العمل المشترك بين بريطانيا وأمريكا في الإحتجاج على تعديل قانون الآثار وكان على مكتب الوزير البريطاني مذكرة من رئيس القسم المصري بالوزارة تقول لانريد عملاً مشتركاً في مصر أن لنا وضعاً متميزاً في القاهرة، ويتخلص الوزير البريطاني من إعلان رد صريح للسفير الأمريكي بعدم اشتراك بلاده مع الولايات المتحدة في الإحتجاج به سيفعل إذا سمح المناخ السياسي في مصر.

ونظراً لرفض بريطانيا الإشتراك مع أمريكا فقد حاول مارتن هاول أن يقوم بعمل فردي مستقل عن الدول الأجنبية الأخرى المعنية بقانون الآثار، وذلك بعد أن استشار حكومته حيث ذكر مارتن هاول لوزير خارجيته أنه نظر لعدم تعهد الدول الأجنبية حتى الآن بعمل مشترك مع الولايات المتحدة أرى أنه من المعقول الآن أقدم بشكل مستقل على الحصول على تقرير مفسر للمادة العاشرة وأن هذا الإجراء سيتجنب ضرورة عرض ذلك الموضوع رسيماً أمام مجلس الوزراء المصري وسيكون هذا الإجراء مرضياً لمتحف المتروبوليتان للفنون.

ونتيجة لذلك أصبحت الحكومة الأمريكية في حالة يأس بشان العمل المشترك مع بريطانيا وفرنسا في الإحتجاج على قانون الآثار ولذلك قدمت مذكرة مستقلة في 17 ابريل 1926 لوزارة الخارجية المصرية وصيغة المذكرة هي نفس صيغة مسودة المذكرة التي أرسلتها الخارجية الأمريكية لمارتن هاول وفوضته بتقديمها للحكومة المصرية إذ لم تتطور الأمور بشكل يجعل من المرغوب فيه إجراء تعديلات على القانون المقترح كما ناقش الوزير الأمريكي المسألة مع وزير الأشغال العمومية كما قام بتقديم مذكرة أخرى لزيور باشا وزير الخارجية أشار فيها إلى المذكرة التي قدمتها الحكومة المصرية للخارجية المصرية وردت الحكومة المصرية على مذكرة الحكومة الأمريكية بأنها ليس لديها معارضة في أن تضيف للمادة العاشرة تفسيراً، ولكنها تفسيراً مقترحاً لتفسير المادة العاشرة وهو (أن الحكومة المصرية ليس لديها الرغبة في شراء القطع الأثرية لاتي يكتشفها المكتشفين ولا أن تحتفظ بقطع رخصة الحفر عن الآثار كل القطع التي لاتحتاجها لمجموعاتها الوطنية أو المحلية مهما كانت أهمية تلك القطع وأنه يجب أن يفهم بوضوح أن مصلحة الآثار سيكون لها الحرية التامة في تكوين تلك المجموعة الوطنية وتقررفي النهاية وتختار القطع الآثرية.

ويلاحظ أن تفسير الحكومة المصرية للمادة العاشرة جعل لها حرية الإختيار في منح أو عدم منح صاحب رخصة الحفر قطعاً أثرية، بينما تفسير الحكومة الأمريكية يجعل المحك الوحيد لمنح القطع الآثرية وهو وجود نظائر لتلك القطع في المجموعة الوطنية للحكومة المصرية وفي النهاية نجح اللورد لويد المندوب السامي البريطاني والدكتور هاول الوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة في الضغط على زيور باشا في عدم تعديل قانون الآثار ثم بعلن زيور باشا بعد ذلك بأن مصر ستهدي دون مقابل كل ما هي في غنى عنه من الآثار التي ستكشتف ولا وتحتاج إليها مصر في مجموعاتها الوطنية وذلك بغض النظر عن أهمية الآثار وقال زوير أن مصلحة الآثار ستحتفظ بشكل كامب بحريتها في اختيار القطع التي تهديها ويبرق وينلوك Winlock عالم الآثار الأمريكي إلى متحف المتروبوليتان قائلاً (لا أستطيع بالتأكبد تحسين هذه الشروط. هذا اعتراف بحقوق القائمين على التنقيب وإنى راضي تماماً عن ذلك ويتعطل صدور القانون.

وتتلخص وزارة الشغال المصرية من مشكلة تعديل قانون الآثار الذي ثار في عام 1924، 1925، 1926 – بأن تصدر في مايو 1928 قراراً بمنع تصجير الآثار المصرية إلا بتصديق من الوزير بعض فحص القطعة الآثرية بمعرفة رجال مصلحة الآثار وموافقة مدير المصلحة، ويستمر قانون الآثار رقم 14 لسنة 1912 بدون تعديل حتى 31 اكتوبر 1951 بصدور القانون رقم 215 لحماية الآثار.

3-منحة جون روكفلر لإنشاء متحف للآثار بالقاهرة في يناير 1925 في وزارة زيور باشا – أرسل عالم الآثار الأمريكية بريستد إلى الملك فؤاد مذكرة عن الحالة المؤسفة للمتحف المصري بالقاهرة قال فيها أن المتحف ليس مكاناً آمناً للآثار وأن سقف المتحف يسمح بتسلل مياه الأمطار، والبدروم تدخله مياه الفيضان، مما اتلف كثيراً من الآثار، ولايتوفر للمتحف العدد الكافي من الآمناء العارفين بعلوم الآثار، ثم عرض على الملك فؤاد منحة جون. د. روكلفر John. D. Rockeffeller لإقامة متحف جديد للآثار بالقاهرة يتكلف خمسة ملايين دولار، ومعهد لإبحاث الآثار يتكلف 400 ألف دولار ومبلغ أربعة ملايين دولار يخصص ريعها لصيانه المتحف، والمعهد، وبذلك تبلغ منحة روكفلر لمصر عشرة ملايين دولار، أي مليونين من الجنيهات المصرية بحساب ذلك الوقت وكان من شروط هذه الهبة تعاون الحكومة المصرية مع الولايات المتحدة والدول الغربية الآخرى إدارة المتحف وأرفق بريستد رسماً وخرائط للمعهد ومذكرة بالشروط المفصلة للمنحة وهي: 1-تؤلف لجنة دولية لها سلطة مطلقة وتتكون اللجنة من أثنين مصريين وأثنين أمريكيين وأثنين فرنسيين، وأُنين بريطانيين وتقوم اللجنة بإدارة المتحف الجديد. 2-تتولى اللجنة إدارة المتحف خلال الأعوام الثلاثين حتى تعد مصر جيل من العلماء المصرين يتولى مسئولية المتحف. 3-تؤول لمصر ملكية المتحف والمعهد بعد ثلاثين عام. 4-لاتتدخل اللجنة في اختصاصات المدير الفرنسي لمصلحة الآثار. 5-تبقى الآثار ملكاً للحكومة المصرية. 6-تتولى اللجنة إدارة محتويات المتحف من الآثار الحالية والآثار التي تكتشف في المستقبل وشكل مستر روكفلر – بصفة مؤقتة هيئة امناء للمشروع مكونة من بريستد ومستر ايفريت ميكي، ومستر ريموند فودي.

وأحال الملك فؤاد المشروع إلى زيور باشا رئيس الوزراء، ورأى مجلس الوزراء عند عرض المشروع عليه إدخال التعديلات الآتية على المشروع. 1-أن تعين الحكومة المصرية أعضاء اللجنة الدولية وكذلك نائب رئيس اللجنة. 2-ضرورة موافقة مصلحة الآثار على نظام تعيين الموظفين (تعين موظفي اللجنة). 3-أن تعطي الأولوية للمصريين في التعيين في المتحف ومعهد الأبحاث. 4-أن يوافق البرلمان المصري على المشروع.

واقترح كذلك قلم قضايا الحكومة عند عرض المشروع عليه أن يضع قلم قضايا الحكومة مشروع عقد ويعرضه على الحكومة المصرية ويوصيها بقبوله، وقد وضع قلم قضايا الحكومة مشروع العقد وارسال نص المشروع إلى نيويورك لكي يوافق عليه مستر روكفلر وهيئة أمناء المشروع بأمريكا، وقد بين رئيس مجلس الوزراء في مذكرة إلى روكفلر العقد الجديد دون تغير أية كلمة منه، وقدم العقد رسمياً للحكومة المصرية في أول ابريل 1926، ولم ترد الحكومة المصرية على مستر روكفلر ولذلك يرسل بريستد برسالة بتاريخ 8 ابريل 1926 لرئيس الوزراء المصري يسحب فيها عرض المشروع ذكر فيها (أرسل المشروع الذي وضعه قلم قضايا الحكومة إلى نيويورك حيث دؤسه مستر روكفلر وهيئة الأمناء درساً دقسقاً وقبلوه كله في النهاية دون تغير أية كلمة، ثم وقعوه واعادوه للقاهرة وقدم رسمياً لدولتكم في أول ابريل الحالي (1926) وبما أنه لم يتصل بي منذ ذلك التاريخ أنكم أوصيتم مجلس الوزراء بهذا العقد الجديد أو أن الحكومة المصرية قبلته ووقعته واعادته إلى فلا استطع سوى أن استنتج من هذا ومن الأحاديث التي جرت لي مع دولتكم ومع رئيس قلم قضايا الحكومة، أن الحكومة المصرية لاتستطيع أن تجد سبيلاً لقبول هبة روكفلر البالغة عشرة ملايين دولار، وأنى أسافر اليوم إلى نيويورك وسأعرض على مستر روكفلر ماهر ظاهر من عدم استطاعة الحكومة المصرية من قبول هبته.

وفي 27 ابريل 1926 أرسل المستر روكفلر خطاباً للملك فؤاد لسحب اقتراح المشروع جاء فيه (أنه قد اتخذت التدابير اللازمة لتنفيذ هذا المشروع كما اقترحت الحكومة المصرية بحيث تطابق روح العلم وبروح حسن النية الصادقة نحو الشعب المصري . . . ولكن من بواعث أسفي الشديد أنه ظهر يستحيل وضع تدابير يمكن قبولها وتكفل تماماً نجاح المشروع مع أن جميع التغييرات التي طلب مندوبو جلالتكم أحداثها في صيغة الإتفاق الأصلي وهي التغيرات التي كتب دولة رئيس الوزراء أنه سيوصي بقبول الهبة على قاعدتها، وقبلت تلك التغييرات، ففي هذه الأحوال ولكن لاتقع الحكومة المصرية في ارتباك أعلن الآن سحب الإقتراح الذي كنت قد تشرفت بعرضه على جلالتكم والحكومة المصرية مع أسفي على عدم بلوغ الغاية المنشودة). وفي نفس اليوم أرسل الأمناء الثلاثة للمشروع بريستد، وافريت ميكي، ومستر ريموند فوديك خطاباً لرئيس الوزراء زيور باشا معتذرين فيه عن سحب عرض المشروع جاء فيه (بما أن الحكومة المصرية لم تفعل إلى الآن شيئاً يؤخذ منه أنها قبلت اقتراح ارتباك . . . مع أسف هيئة الأمناء على عدم تحقيق مقترحات المستر روكلفر ونشكر دولتكم والحكومة المصرية على الرعياة والمجاملة اللتين قوبل بها المشروع.

وقد استعجب الرأي العام الأمريكي من رفض الحكومة المصرية الهبة حيث نشرت جريدة التايمز في 10 ابريل 1926 برقية لمرسلها في نيويورك أن الرأي العام الأمريكي يكاد لايصدق أن الحكومة المصرية تتردد في قبول الهبة أو ترتاب في نيات الواهب أو مستشاريه ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا اتخذت موقف الحذر من مشروع المتحف، إذا اعتذر وزير الخارجية البريطانية لسفير الولايات المتحدة في لندن عن تقديم مساعدة للمشروع حيث ذكر (في ظل المناخ السائد في مصر فإن تأييد بريطانيا سيزيد من شكوك المصريين في المشروع وأن بريطانيا تعطف على بريستد ومشروعه وقد انتقدت صحيفة البلاغ ضياع الهبة والتي اعتبرتها خسارة علمية ومالية كبيرة وقالت أن الهبة لم تأت في ميعادها حيث أنها كان يجب أن تؤجل إلى ان تتزلى حكومة مصر وزارة تمثل شعبها أما الوزارة الحاضرة فهي كما يعلم مستر روكلفر ووكلاؤه لاتضمر الرغبة في خدمة مصر ولاتملك الحق في قبول الهبة باسم المصريين ومن المفهوم أن انتقاد البلاغ لوزارة زيور باشا تأتي يهدف التقليل من الوزارة الزيورية على حساب حزب الوفد ولم يقصد بها المصلحة الوطنية الحقه إذا أن المصلحة الوطنية فر رفض المشروع لا في قبوله لأن المشروع عبارة عن سيطرة أجنبية متعددة الجنسيات على أهم مورد ثقافي في مصر أو هو عبارة عن إدارة أوروبية أمريكية مشتركة على الآثار المصرية.

كما قدم الدكتور محمد أمين نور استجواباً لريس الوزراء بعرض جميع المكاتبات التي دارت بشأن هبة المستر روكلفر وسبب رفض الحكومة المصرية لها فرد رئيس مجلس النواب عليه بأن نتيجة الإستجواب تستدعي عرض مسألة الثقة بالوزارة فتنازل العضو عن الإستجواب وجعله سؤالاً، وألح على المجلس في معرفة الأسباب التي أدت إلى رفض الهبة، فرد الرئيس بأن المكاتبات الخاصة به تحت تصرف كل من يريد الإطلاع عليها من الأعضاء فألح الدكتور محمد أمين نور في معرفة أسباب رفض الهبة فرد عليه رئيس مجلس الوزراء أن المستر روكفلر سحب عرض الهبة وليس لدي الوزراة معلومات أزيد مما هو ثابت في الأوراق المشار إليها أما عن أسباب رفض منحة روكفلر فيشير أمير بقطر إلى أنها أصابع الإمتيازات الأجنبية والتي وصفها بأنها تشبه حجر الرحى الملتف حول الرقبة والخوف من التعقيدات الدولية نتيجة للجنة الدولية التي ستقوم بإدارة الهبة كما يقدم الدكتور رأفت غنيمي الشيخ رأياً آخر لعدم قبول الهبة وهو أن المصريين لم يتقبلوا هذه الهبة بسبب استيائهم من موقف الولايات المتحدة الرسمي المتعاطف مع أعدائهم الإنجليز كما ذكر مستر أوريل دان أن رفض المصريين الخبة جاء نتيجة لتشكك المصريون في تلك الهبة.

ويمكن القول أن السبب الرئيسي في فشل مشروع هبة روكفلر – من وجهة نظري – وسبب سحب روكفلر للمشروع هو الخشية من التطورات الخطيرة التي كانت تمر بها المسائل الخاصة بالآثار المتثلة في اقتراح تعديل القانون رقم 4 سنة 1912 بالإضافة إلى أنه يبدو ان حكومة زيور باشا خشت من انتقاد حزب الوفد لها أن هي قبلت المشروع وتظهر حكومة زيور بمظهر غير وطني بالإضافة إلى تشكك المصريين في المشروع.

وفي النهاية يمكن القول أن العلاقات الثقافة بين مصر والولايات المتحدة هي حجر الزاوية في العلاقات بين البلدين في فترة مابين الحربين حيث أن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بمصر كان ثقافياً وتعليمياً وتجارياً ولم تشكل العلاقات السياسية إلا اهتماماً ضئيلاً بالنسبة للولايات المتحدة ولكن بالرغم من ذلك كانت العلاقات الثقافية بين البلدين ضعيفة إلى حد ما في تلك الفترة نظر لوضع مصر السياسي كدولة محتلة ونظراً لتراث السياسة الأمريكية في تلك الفترة المتمثل في مبدأ مونرو والمحافظة على الحياد الأمريكي ولكن هذه طبيعة العصر وهي التي فرضت ضعف العلاقات بين البلدين وكما يقول مستر هوينكر ومن عجيب أن نرى مسرحية أولى جيدة، فالأشجار لاتزهر جميعاً صبيحة عيد الميلاد.

الخاتمة

كانت العلاقات المصرية الأمريكية خلال فترة ما بين الحربين إلى حد كبير علاقات تتسم بطبيعة شكلت إطار هذه العلاقة وهذه الطبيعة هي أن مصر دولة محتلة هذا من ناحبة ومن ناحية أخرى غياب المصالح الأمريكية بشكل عام في الشرق الأوسط ومصر بشكل خاص، ولذلك فقد اتسمت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة بطابع النشاط ولم تتسم بطابع ما يمكن أن نطلق عليه علاقات والفرق بين نشاط وعلاقة دولة ما بدولة آخرى هو أن النشاط يعد المرحلة الأولى لقيام علاقة ما بين بلدين وتتسم أنشطة دولة ما في دولة أخرى بتشجيع أو عدم تشجيع الدولة لهذا النشاط ولذلط فعندما درست مثلاً العلاقات الثقافية بين مصر والولايات المتحدة أطلقت على المباحث الخاصة بها أنشطة، مثل ا لنشاط التعليمي والخيري . . ألخ.

ويستدعي الوصول إلى نتائج علمية سليمة جمع تراكمات النتائج الفردية لكل مبحث على حدة ثم جمع تلك التراكمات لكل فصل على حدة في نتائج كلية وهي النتائج التي توصلت إليها الدراسة في النهاية، بالنسبة للعلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة فقد تبين من دراسة الموقف الأمريكي من عرض قضية مصر على مؤتمر فرساى أن الولايات المتحدة لم تكن تعطي لمصر كبير اهتمام واعتبرت الخارجية المريكية أن مصر بالنسبة لها مكان ثانوي، أو كجزيرة في المحيط المتجمد الشمالي.

أما بالنسبة للمعاهدات الثنائية بين مصر والولايات المتحدة فيلاحظ أن الولايات المتحدة كانت سابقة لعقد مثل تلك المعاهدات مع الحكومة المصرية فقد عرضت أربع معاهدات – خلال فترة البحث – بين مصر والولايات المتحدة عقدت الحكومة المصرية اثنين منهما فقط هما معاهدة نبذ الحرب ومعاهدتا التوفيق والتحكيم، ويلاحظ كذلك أن بريطانيا كانت تضع أنفها المزكوم دائماً في هذه المعاهدات بقصد تقييد وضع مصر على أساس اعتبارها منطقة نفوذ خاصة بها، ولكن كان لعقد هذه المعاهدات نتيجة أساسية هي . . . أولاً: جعلت مصر إلى حد كبير تتنصل من إشراف بريطانيا على سياستها الخارجية. ثانياً: وضعت مصر في مصاف الدول المستقلة الكبرى التي عقدت مثل تلك المعاهدات مع الحكومة الأمريكية. ثالثاً: وهو الأهم، أن عقد مثل تلك المعاهدات وضح بجلاء أن مبدأ مونرو وسياسة العزلة وعدم التدخل والإشتراك في شئون العالم الخارجية من جانب حكومة الولايات المتحدة ما هو إلا وهم كبير صدقة الساسة الأمريكيون وإلا فما ال داعي لعقد الولايات المتحدة لهذه الإتفاقات إذا كانت تحافز بالفعل على سياسة العزلة ومبدأ مونرو.

أما بالنسبة للموقف الأمريكي من المحاكم المختلطة والإمتيازات الأجنبية فقد اتسم الموقف الأمريكي بالتردد والإرتباك وسياسة خطوة للأمام وخطوة للخلف، ولكن على الرغم من ذلك فقد كان جل اهتمام الولايات المتحدة في علاقتها السياسية مع مصر يتركز بشكل رئيسي في المحاكم المختلطة حيث حاولت الولايات المتحدة أن تتساوى بالرءوس الأخرى صاحبة الإمتيازات في مصر، مما سبب إزعاجاً كبيراً لبريطانيا في مصر وسبب التراجع هو أن الولايات المتحدة لم تستطيع أن تنافس بريطانيا في وجودها في مصر، كما أن الوقت لم يكن قد حان بعد لظهور سياسة الإحلال والتجديد الأمريكية وهي سياسة اتبعتها الولايات المتحدة في أن تحل محل الدول الإستعمارية القديمة في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثامية بعد أن شعرت تلك الدول الإستعمارية بدوار شديد رجعت على أثره إلى بلاده ولم تعد لمنطقة الشرق الأوسط ثانية. والسبب الآخر لتراجع الولايات المتحدة أنها لم تكن لديها مصالح في مصر بشكل يمكن أن يجعلها تتشابك بالأيدي مع بريطانيا في الوقت الذي كانت تقوم فيه بريطانيا بدور هام للولايات المتحدة في مصر وهو حماية وصيانة المصالح الأمريكية الضئيلة في مصر.

ويمكن القول أن العلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة كانت ضعيفة إلى حد كبير لوجود طرف ثالث في هذه العلاقة وهو بريطانيا العظمى التي احتفظت بسمعة طيبة كقاطعة طريق لنمو وتطور هذه العلاقة كما اتسمت العلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة خلال فترة ما بين الحربين بسياسة جس النبض ودراسة الموقف ومحاولة الولايات المتحدة لإزاحة أكتاف الدول الأخرى ذات النفوذ في مصر حتى تمثل دوراً في تلك المنطقة ولتكون أمريكا الرجل الأول First man في تشكيل سياسة المنطقة (وهو ما حدث بعد ذلك).

أما بالنسبة للعلاقات الإقتصادية بين مصر والولايات المتحدة فقد اتسمت تلك العلاقة من جانب الولايات المتحدة بالامبالاة حيث أن الولايات المتحدة لم تحاول أن تزيد أنشطتها الإقتصادية بمصر وظلت خلال فترة ما بين الحربين تسعى دائماً في الحصول على حق الدولة الأولى بالرعاية ولذلك نجدها تماطل في عقد معاهدة تجارية مع مصر حتى عام 1930 حين عقدت معها تجارية مؤقتة لمدة عام وجاءت موافقة الولايات المتحدة لعقد هذه المعاهدة ليس عن نية ورعبة في عقدها ولكن عن اضطرار حيث أنها إن لم تعقد الولايات المتحدة هذه المعاهدة فكانت ستدفع ضريبة مضاعفة على بضائعها للحكومة المصرية ولذلك فإنها تصر في تلك المعاهدة أن يكون حق الدولة الأكثر رعاية هو أول بنودها، ولذلك أيضاً نجدها تماطل في عقد معاهدة تجارية دائمة مع الحكومة المصرية عندما طلبت الحكومة المصرية منها لذلك في عام 1936، (1938-1939) ويؤكد هذا ضالة المصالح الإقتصادية الأمريكية في مصر.

ولكن ماهو السبب في لامبالاة الولايات ا لمتحدة في علاقتها الإقتصادية مع مصر هل هو احتكار بريطانيا لتجارة مصر الخارجية بالطبع، فالولايات المتحدة على سبيل المثال كانت الدولة الأولى التي تصدر لمصر السيارات ولم تحاول بريطانيا أن تزيح الولايات المتحدة اعتقد أن الدافع الحقيقي يكمن في احساس الولايات المتحدة أن مصر لاتستطيع أن تتبع سياسة اقتصادية مستقلة نظراً للوضع البريطاني الممتاز في مصر، وليس هو احتكار بريطانيا لتجارة مصر وهو السبب الذي جعل الولايات المتحدة ترفض عقد معاهدة تجارية مع الحكومة المصرية في عامي 1936، 1939.

ولنضع القلم قليلاً لمحاولة تقييم العلاقات السياسية والإقتصادية بين البلدين، فإذا أردنا أن نرسم بياني للعلاقات السياسية والإقتصادية. فستكون العلاقات السياسية خلال الفترة من 1919-1929 ممثلة في خط رأسي متصاعد، وخلال الفترة من 1930-1935 ستكون ممثلة في خط أفقي، وخلال الفترة من 1936-1939 ستكون ممثلة في خط رأسي متصاعد.

وستكون العلاقات الإقتصادية خلال الفترة من 1919 إلى 1928 في خط رأسي متصاعد، والفترة من 1929-1932 ستكون ممثلة بخط ينحدر انحداراً شديداً والفترة من 1933-1938 ستكون بخط متذبذب يعلو ويهبط إلى أن يصبح خطاً أفقياً.

أما بالنسبة للعلاقات الثقافية بين مصر والولايات المتحدةـ فقد شكلت العلاقات حجر الزاوية في العلاقات المصرية الأمريكية خلال تلك الفترة، ولنبدأ بتقييم نشاط الإرسالية الأمريكية التبشيري في مصر، والواقع لقد فشلت الإرسالية فشلاً ذريعاً في تحويل المسلمين إلى المسيحية ولذلك اتجهوا للعمل بين الأقباط لتحويلهم إلى البروتستانية أما بالنسبة لتقييم النشاط التعليمي الأمريكي في مصر فقد نجحت الولايات المتحدة في نشاطها التعليمي والخيري الأمريكي في مصر فسيمثل الفترة من 1919-1925 خطاً رأسياً متصاعد وسيمثل الفترة 1919-1926 خطاً منحدراً في هبوط شديد حتى يصبح أفقياً.

أما النسبة لتقييم الإهتمام الأمريكي بعلم المصريات فيمكن أن نمثله بخط رأسي متصاعد منذ 1919 حتى 1936، ويمثل بخط أفقي خلال الفترة من 1936-1939.

وفي النهاية يمكن القول أن العلاقات المصرية الأمريكية خلال تلك الفترة بشكل عام علاقات ثقافية واقتصادية أكثر منها علاقات سياسية ذلك أن الوجود البريطاني في مصر لم يجعل العلاقات بين مصر والولايات المتحدة تأخذ شكلاً مباشراً خاصة في النواحي السياسية وإذا أردنا أن نرتب هذه العلاقات حسب أهميتها فهي علاقات ثقافية اقتصادية سياسية.

الملحقات

ملحق رقم (1) الحكومة المصرية وزارة الخارجية

مرسوم

بإصدار معاهدة نبذ الحرب الموقعة بباريس في 27 اغسطس سنة 1928

نحن فؤاد الأول ملك مصر

بناء على ما عرضه علينا وزير الخارجية وموافقة رأي مجلس الوزارء، رسمنا بما هو آت: مادة 1- يعمل بمعاهدة نبذ الحرب الممضاة بباريس في 27 اغسطس سنة 1928- الملحقة بهذا المرسوم – التي ووفق عليها بالمرسوم بقانون رقم 21 لسنة 1929 وانضمت إليها الحكومة المصرية بالوثيقة المودعة في واشنطن في 23 فبراير سنة 1929 ودخلت في دور التنفيذ في يوليه سنة 1929.

مادة 2- على وزير الخارجية تنفيذ مرسومنا هذا، صدر بسراي المنتزة في 26 جمادى الأولى 1348 (29 اكتوبر سنة 1929) وزير الخارجية أحمد مدحت يكن

فؤاد

بأمر حضرة صاحب الجلالة رئيس مجلس الوزراء عدلي يكن

أن رئيس الريخ الألماني، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وحضرة صاحب الحلالة ملك البلجيكين، ورئيس الجمهورية الفرنسية، وحضرة صاحب الجلالة ملك بريطانيا العظمى وابرلندا والأراضي البريطانية فيما وراء البحار وامبراطور الهند، وحضرة صاحب الجلالة ملك ايطاليا، وحضرة صاحب الجلالة امبراطور اليابان، ورئيس جمهورية بولندا، ورئيس الجمهورية التشيكوسلوفاكية.

نظراً لما يشعرون به من الواجب الملقى على عاتقهم لزيادة خير الإنسانية. ونظراً إلى ايقانهم بأن الوقت قد آن للعمل على نبذ الحرب نبذاً صريحاً باعتبارها أداة لسياسة قومية توصلاً لدوام بقاء العلاقات السلمية والودية القائمة الآن بين شعوبهم.

ونظراً إلى أنهم يرجون أن جميع الدول الآخرى – محتذية مثالهم – لاتلبث أن تشترك في هذه الجهود الإنسانية وأن تلك الدول بانضمامها إلى هذه المعاهدة بمجرد العمل بها تمهد لشعوبها سبيل الإستفادة بما احتوته نصوصها من المزايا فتجتمع بذلك كلمة شعوب العالم المتمدين على نبذ الحرب باعتبارها أداة لسياستها القومية نبذاً عاماً.

لقد قرروا ابرام معاهدة وعينوا لهذا الغرض المفوضين الآتية أسماؤهم: عن رئيس الريخ الألماني جناب الدكتور جوستاف ستريسمان وزير الخارجية. عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية: المحترم فرانك. كيلوج وزير الدولة عن حضرة صاحب الجلالة ملك البلجيكين الميسو بول هايمانس وزير الخارجية ووزير الدولة عن رئيس الجمهورية الفرنسية المسيو أرستيد بريان وزير الخارجية عن حضرة صاحب الجلالة ملك بريطانيا العظمى وايرلندا والأراضي البريطانية فيما وراء البحار وامبراطور الهند. عن بريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية وجميع أجزاء الإمبراطورية البريطانية التي ليست عضواً بصفة فردية في عصبة الأمم: المحترم كثيراً لورد كوشندن قونشلير دوقية الانكستر ووزير الخارجية بالنيابة عن دومنيون كندا: المحترم كثيراً ويليام ماكنزى كنج الوزير الول ووزير الشئون الخارجية عن كومنولث استراليا المحترم الكساندر جون ماكلاكلان العضو بالمجلس التنفيذي الإتحادي عن دومنيون زيلندا الجديدة المحترم سير كرستوفر جيمس بار مندوب زيلندا الجديدة السامي في بريطانيا العظمى. عن اتحاد جنوب افريقيا المحترم جاكوبس استيفانيس مندوب اتحاد جنوب افريقيا السامي في بريطانيا العظمى. عن دولة ايرلندا الحرة المستر ويليام توماس كوسجريف رئيس المجلس التنفيذي عن الهند المحترم كثيراً لورد كوشندن قونسلير دوقية لانكستر ووزير الخارجية بالنيابة عن حضرة صاحب الجلالة ملك ايطاليا. الكونت جايتانو مانزونى سفيره فوق العادة والمفوض في باريس عن حضرة صاحب الجلالة امبراطور اليابان الكونت أوشيدا المستشار الخاص عن رئيس جمهورية بولونيا المسيو أ. زالسكى وزير الخارجية عن رئيس الجمهورية التشيكوسلوفاكية جناب الدكتور ادواربنيس وزير الخارجية.

وبعد أن تبادل هؤلاء المفوضون وثائق تفويضهم التام وتبينوا صحتها اتفقوا فيما بينهم على المواد الآتية:

مادة 1- يصرح المتعاقدون في علانية باسم شعوبهم بأنهم يستنكرون الإلتجاء إلى الحرب لتسوية الخلافات الدولية وبأنهم ينبذونهم كأداة للسياسة القومية في علاقتهم بعضهم ببعض.

مادة 2- يوافق المتعاقدون على أن تسوية او حل جميع الخلافات أو المنازعات التي يمكن أن تقوم بينهم أياً كان نوعها أو منشؤها يجب ألا يعمل له أبداً إلا بالوسائل السلمية.

مادة 3- يصدق المتعاقدون المذكورون في الديباجة على هذه المعاهدة وفقاً لمقتضيات دساتيرهم وتصبح المعاهدة نافذة بينهم متى أودعت جميع وثائق التصديق في وشجتون.

وعندما تصبح هذه المعاهدة معمولاً بها على الوجه المشار إليه في الفقرة السابقة تبقى معروضة لانضمام باقي دول العالم إليها طوال الزمان اللازم لذلك وتودع الوثسقة الدالة على انضمام دل دولة في وشنجتون وبمجرد هذا الإيداع تصبح المعاهدة نافذة بين هذه الدولة وبين الدول الأخرى المتعاقدة

ومن اختصاص حكومة الولايات المتحدة أن تقدم إلى كل من الحكومات المبينة في الديباجة ولكل حكومة تنضم إلى هذه المعاهدة فيما بعد صورة طبق الأصل من المعاهدة المشار إليها ومن وثيقة من وثائق التصديق أو الانضمام ومن اختصاص حكومة الولايات المتحدة كذلك أن تخطر تلغرافياً تلك الحكومة بكل وثيقة من وثائق التصديق او الانضمام بمجرد إيداعها.

واثباتاً لما تقجم أمضى المفوضون هذه المعاهدة المحررة باللغتين الفرنسية والإنجليزية على أن يكون للتعيين مفعول واحد، ووضعوا عليها أختامهم بباريس في 27 اغسطس سنة 1928.

(ختم) جوستاف ستريسمان "فرانك ب. كيلوج "بول هيمانس "أرىستيد بريان "كوشندن "و. ل. ماكنزى كنج "أ. ج. ماكلاكلان "ك. ج. بار "وليام. ت. ماك كوسجير "كوشندن "ج. مانزونى "أوشدا "أوغست زالسكى "دكتور ادوار بنيس صورة طبق الأصل الموقع عليه وزير حكومة الولايات المتحدة الأمريكية توقيع – فرانك كيلوج المصدر: الوقائع المصرية العدد الصادر 7 نوفمبر لعام 1929

ملحق رقم (2)

وزارة الخارجية معاهدتا التوفيق والتحكيم بين المملكة المصرية وجمهوريات الولايات المتحدة الأمريكية نص معاهدة التحكيم(*) أن حضرة صاحب الجلالة ملك مصر ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية حيث قد صحت عزيمتها على الحيلولة بقدر مافي استطاعتها دون أي انقطاع للعلاقات السلمية القائمة الآن لحسن الحظ بين الأمتين.

ورغبة منهمت في توكيد تمسكهما بسياسة اخضاع ماقد ينشأ بينهما من الخلافات القابلة لحل قضائي إلى قرار بعيد عن التحيز.

ولشدة ميلهما في أن يقيما الدليل على أنهما يعملها لاينبذان الحرب كأداة للسياسة الدولية في علاقتهما المشتركة فحسب بل يعجلان الوقت الذي تبلغ الكمال فيه الاتفاقات الدولية الخاصة بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية بحيث تبعد ابدياً احتمال نشوب الحرب بين دول العالم.

قد قررا عقد معاهدة تحكيم وعينا لذلك الغرض مندوبيهما المفوضين من لدن حضرة صاحب الجلالة ملك مصر: حضرة صاحب السعادة محمود سامي باشا المندوب فوق العادة والوزير المفوض لدى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الحائزة على نيشان النيل من الطبقة الثانية. من لدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية: هنرى ل. ستسمون وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية. اللذين بعد أن تبادلا وثائق تفويضهما وتبينا صحتها اتفقا على المواد الآتية: مادة 1- جميع الخلافات المتعلقة بالمسائل الدولية – التي تعني الطرفين المتعاقدين بمقتضى مطالبة بحق لاحدهما قبل الآخر استناداً إلى معاهدة أو غير ذلك والتي لايمكن تسويتها بالطرق الدبلوماسية ولم تسو بناء على نتيجة الالتحاء إلى قوميسون توفيق مختص وتكون بطبيعتها قابلة لحل قضائي باعتبار مكان قرار في شأنها قائم على تطبيق مبادئ القانون أو العدالة – تحال إلى محكمة التحكيم الدائمة المنشأة في لاهاى بمقتضى معاهدة 18 اكتوبر سنة 1907 أو إلى محكمة أخرى مختصة تعين في كل حالة باتفاق خاص ممضي بنص – إذا اقتضى الحال – على نظام هذه المحكمة. ويحدد سلطاتها. ويبين المسألة أو المسائل المتنازع عليها. وينظم اجراءات الدعوى.

ويكون عمل الإتفاق الخاص في كل حالة – من جانب مصر بالتطبيق لقوانينها الدستورية – ومن جانب الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة رئيسها بعد أخذ رأي مجلس الشيوخ وموافقته.

مادة 2- لايجوز التمسك بأحكام هذه المعاهدة فيما يتعلق بأي نزاع موضوعه. (أ‌)من اختصاص القضاء المحل لكل من الطرفين المتعاقدين. (ب)ماساً بمصلحة الغير. (ج)متعلقاً أو ماساً بساسية الولايات المتحدة التقليدية بخصوص المسائل الأمريكية المعروفة باسم (مبدأ منرو)

مادة 3- يصدق على هذه المعاهدة بمعرفة مصر طبقاً لقوانينها الدستورية وبمعرفة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بعد أخذ رأي مجلس الشيوخ وبموافقته.

ويتبادل التصديقان بوشنجتون في أقرب ما يمكن وتسري المعاهدة من تاريخ هذا التبادل وتبقى بعد ذلك معمولاً بها باستمرار إلا إذا أبطلت بإخطار كتابي يرسله أحد الطرفين إلى الآخر قبل تاريخ الإبطال بسنة.

وتأييداً لما تقدم قد وقع المندوبان هذه المعاهدة من نسختين ووضعا عليهما ختميهما. تحرير في واشنجتون في 27 اغسطس سنة تسع وعشرين وتسعمائة وألف أمضاء: م.سامي وختم: هنرى ل. ستسمون

معاهدة التوفيق

نص معاهدة التوفيق: (*) إن حضرة صاحب الجلالة ملك مصر ورئيس الولايات المتحدة رغبة منهما في توثيق عرى الصداقة التي تربطهما وفي العمل على تقدم قضية السلم العام قد قرار لهذا الغرض ولذلك عينا مندوبيهما المفوضين. من لدن حضرة صاحب الجلالة ملك مصر:

حضرة صاحب السعادة محمود سامي باشا المندوب فوق العادة والوزير المفوض لدى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الحائز على نيشان النيل من الطبقة الثانية.

من لدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. هنرى ل. ستمسون وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية. اللذين بعد أن تبادلا وثائق تفويضهما وتبينا صحتها اتفقا على المواد الآتية:

مادة 1- أن أية منازعات تنشأ بين حكومة مصر وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية مهما كان نوعهما – إذا ما أخفقت الطرق الدبلوماسية المعتادة في تسويتها ولم يلجأ الطرفان المتعاقدان إلى حكم محكمة مختصة – تعرض للتحقيق وعمل تقرير على قومسيون دولي دائم يؤلف بالطريقة المقررة في المادة الثانية ويقبل الطرفان أن لا يعلنا الحرب أو يبدأ الأعمال العدائية أثناء هذا التحقيق وقبل تقديم التقرير.

مادة 2- يؤلف القومسيون الدولي من خمسة أعضاء يعينون كالآتي: عضو يختار من كل بلد بواسطة حكومته. عضواً يختار من بلد آخر بمعرفة كل من الحكومتين. والعضو الخامس يكون اختياره بالإتفاق بين الحكومتين على أن لايكون من رعايا أحد البلدين. ونفقات القومسيون تدفعها الحكومتان بنسب متساوية.

ويعين القومسيون الدولي في غضون الستة شهور التالية لتبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة وتملأ الخلوات فيه طبقاً لطريقة التعيين الأصلية.

مادة 3- في حالة ما إذا أخفق الطرفان المتعاقدانت في تسوية نزاع بالطرق الدبلوماسية ولم يلجأ إلى حكم محكمة مختصة فيحيلانه في الحال على القومسيون الدولي للتحقيق وتقديم تقرير. غير أنه يجوز للقومسيون الدولي من تلقاء نفسه وباجماع رأيه أن يتقدم بخدماته لذلك الغرض وفي هذه الحالة يخطر الحكومتين بذلك ويطلب معاونتهما في التحقيق. يقبل الطرفان المتعاقدان أن يمدا القومسيون الدولي الدائم بجميع الوسائل والتسهيلات اللازمة لتحقيقه وتقريره.

ويتم وضع تقرير القومسيون في غضون سنة من التاريخ الذي يعلن فيه ابتداء التحقيق إلا إذا اتفق الطرفان المتعاقدان على تقصير هذه المدة أو مدها ويعمل التقرير من ثلاث نسخ تقد إحداهما لكل من الحكومتين ويحتفظ القومسيون بالثالثة في ملفاته.

يحتفظ كل من الطرفين بحق حرية التصرف في موضوع النزاع بعد تقديم تقرير القومسيون.

مادة 4- يصدق على هذه المعاهدة بمعرفة مصر طبقاً لقوانينها الدستورية وبمعرفة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بعد أخذ رأي مجلس الشيوخ.

ويتبادل التصديقان بواشنجتون في أقرب ما يمكن وتسري المعاهدة من تاريخ هذا التبادل وتبقى بعد ذلك معمولاً بها باستمرار إلا إذا أبطلت بإخطار كتابي يرسله الطرفين قبل تاريخ الإبطال بسنة. وتأييد لما تقدم قد وقع المندوبان هذه المعاهدة من نسختين ووضعا عليهما ختميهما.

(*) المصدر: الوقائع المصرية مجلد عام 1929.

المصادر والمراجع

انظر أيضاً