العلاقات الروسية المغربية

العلاقات الروسية المغربية
Map indicating locations of Russia and Morocco

روسيا

المغرب

العلاقات الروسية المغربية هي علاقات خارجية بين المغرب وروسيا. وتقليدياً تتسم العلاقات الثنائية بين البلدين بالجودة. ولروسيا سفارة في الرباط، وقنصلية في الدار البيضاء. وللمغرب سفارة في موسكو. الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي ڤلاديمير پوتين قام بزيارة للمغرب في سبتمبر 2006 لرفع العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين روسيا والمغرب.

إن تاريخ العلاقات الروسية – المغربية قديم، وكانت بدايته في أواخر سنة 1777 حين عرض سلطان المغرب محمد الثالث بن عبد الله، على يكاترينا الثانية امبراطورة روسيا اقامة علاقات تجارية بين البلدين . وفي نوفمبر/تشرين ثاني عام 1897 تم افتتاح قنصلية عامة للامبراطورية الروسية في مدينة طنجة. ووصل رئيس البعثة طنجة في مايو 1898 .

وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي والمغرب في 1 سبتمبر/ايلول عام 1958. في 30 ديسمبر 1991 اعترف المغرب بروسيا الاتحادية.

ومن الاحداث المهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين – زيارة الملك الحسن الثاني الى موسكو في اكتوبر 1966 وتم خلالها التوقيع على اتفاقيات التعاون في مجالات الثقافة والبث الاذاعي والتلفزيوني والاقتصاد و في مجال العلم و التقنية، وايضا تصدير الماكينات و المعدات السوفيتية الى المغرب. وزار ولي العهد المغربي (حاليا ملك المغرب ) موسكو على رأس وفد مغربي في عامي 1982 و 1984.

ومن جانبه زارالمغرب رئيسان لمجلس السوفيت الاعلى ( ليونيد بريجنيف في فبراير/شباط عام 1961 و نيقولاي پودگورني في ابريل/نيسان عام 1969 ) ورئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي ألكسي كوسيگن في اكتوبر/تشرين اول عام 1971.

وتحتل زيارة الملك محمد السادس الى موسكو في الفترة بين 14 -18 اكتوبر/تشرين اول عام 2002 موقعا مهما في تاريخ العلاقات الروسية – المغربية، وخلال مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تم التوقيع على بيان مشترك حول الشراكة الاستراتيجية بين روسيا الاتحادية والمملكة المغربية.

وفي الفترة بين 22 -23 نوفمبر/تشرين ثاني عام 2005 قام وزير الخارجية الروسي سرگي لاڤروڤ اثناء جولته في شمال افريقيا بزيارة المغرب واستقبله الملك محمد السادس. كما التقى رئيس الوزراء ووزير الخارجية والتعاون.

في 7 سبتمبر/ايلول عام 2006 قام الرئيس الروسي ڤلاديمير پوتين بزيارة رسمية الى المغرب ( مدينة الدار البيضاء) التي اجرى خلالها مباحثات انفرادية وبمشاركة الوفد المرافق مع الملك محمد السادس. في نهاية المباحثات وقعت مجموعة وثائق للتعاون في مجالات مختلفة.

وتم في عام 2006 في موسكو لقاء وزيرالخارجية والتعاون محمد بن عيسى ووزير الدولة المغربي الفاسي الفهري مع وزير الخارجية الروسي سرگي لاڤروڤ وسكرتير مجلس الامن الروسي إيگور إيڤانوڤ.

في الفترة بين 27 فبراير/شباط – 1 مارس/اذار عام 2007 قام وفد مغربي ضم في عضويته وزير الداخلية شكيب بن موسى ووزير الخارجية والتعاون المغربي الطيب فاسي فهري ووزير الداخلية فؤاد عالي الهمة.

وقام ياسين المنصوري المدير العام للادارة العامة للدراسات والمستندات بزيارة عمل الى موسكو حيث أجرى مباحثات مع وزير الخارجية الروسي سرگي لاڤروڤ وسكرتير مجلس الامن إيگور إيڤانوڤ.

وتعمل اللجنة الحكومية المختلطة الروسية – المغربية للتعاون في مجال الاقتصاد و في المجال العلمي – التقني و التي عقدت اجتماعها الثالث عام 2008 بمدينة الرباط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العلاقات التجارية - الاقتصادية

وتم تشكيل لجنة روسية – مغربية مشتركة للتعاون الاقتصادي وفي مجال العلم و التقنية. وعقدت اللجنة اجتماعين الاول في مدينة الرباط سنة2004 والثاني في موسكو سنة 2006 .

وحققت العلاقات الثنائية في الاقتصاد والتقنية افضل تطور لها في مجالي الطاقة وصناعة التعدين. وتم بمساهمة الاتحاد السوفيتي وروسيا بناء المحطة الكهرحرارية "جرادة " ومجموعة السدود في منصور الذهبي ومد خطوط كهرباء الضغط العالي لمسافة 200 كم، وتشييد محطة " مولاي يوسف " الكهرومائية. وفي عام 1999 انجزت شركة " إنرگوماش ايكسبورت " الصيانة الكاملة للمحطة الكهرحرارية "جرادة ".

ويعتبر" مجمع الوحدة " ( ساهمت في انشائه شركة تيخنوبروم ايكسبورت ) رمزا للتعاون المثمر بين البلدين، وهو من اضخم مجمعات الطاقة المائية في العالم العربي وافريقيا، واعتمدت روسيا له مبلغ 100 مليون ايكيو يقدم كقرض. وفي عام 1998 باشر المجمع بانتاج الطاقة الكهربائية. ويوفر هذا المجمع 30% من مجموع الطاقة الكهرومائية المنتجة في المغرب.

في ديسمبر/كانون ثاني عام 2004 زار وفد من شركة "زاروبيش فودوستروي " مدينة الرباط .و ترغب هذه الشركة بالاشتراك في المناقصة الخاصة بتزويد المحافظات الشمالية الشرقية للمغرب بالمياه.

وتدخل المغرب ضمن ثلاثة دول ( مع مصر و الجزائر ) رئيسية في مجال التعاون التجاري مع روسيا في افريقيا، وفي عام 2005 احتلت المركز الاول. وتتميز المرحلة الحالية للعلاقات التجارية الاقتصادية بين البلدين بارتفاع ثابت لحجم التبادل التجاري منذ عام 1994 . حيث بلغ حجم التبادل التجاري في عام 2008 مقدار 1346.6 مليون دولار امريكي. وتصدر روسيا الى المغرب بشكل اساسي المواد الخام (النفط والفحم الحجري ) والحبوب اضافة لذلك تصدر الصفائح المعدنية والمواد الكيمياوية والاسمدة والاخشاب. ومنذ سنة 1998 تحتل روسيا المركز الثاني ( بعد الاتحاد الاوربي ) بين مستهلكي المنتجات الزراعية المغربية ( الحمضيات و الطماطم ).

وتطورت باطراد العلاقة بين الشركات الروسية و المغربية. في سنة 2008 جرت اتصالات مكثفة بين الشركة الروسية المساهمة "ماغنيتوغورسكي ميتالورغيتشسكي كومبينات " وشركة " مغرب ستيل " المغربية.

كما تعمل في مجال التنقيب الجيولوجي في المغرب شركة " زاروبيج جيولوجيا " و الشركة المساهمة الروسية " تيسامو غروب ".

في عام 2008 بدأت العمل في السوق المغربية شركة جديدة – شركة "انتيكو " التي تعتزم استثمار اكثر من 325 مليون يورو في بناء 2 مليون متر مكعب من المباني السياحية في المغرب.

أما التعاون في مجال صيد الاسماك فيتم على اساس الاتفاقية الجديدة الموقعة في 7 نوفمبر/تشرين ثاني عام 2006 . وعقدت اللجنة الروسية – المغربية المشتركة ثلاثة اجتماعات كان اخرها في مدينة سانكت بطرسبورغ.

في عام 2005 اجريت مباحثات لزيادة حجم صادرات مصنع الجرارات بمدينة فلاديمير ومصنع بناء الماكينات، حول توريد شركة " يفروخيم " الى المغرب المواد الكيمياوية بصورة مباشرة ( الامونيا والكارباميد ونترات الامونيا ). ومنذ عام 2005 تجري شركة "سيفرستال " مباحثات حول توريد معادن نصف مصنعة الى شركة الميتالورجيا "سوناسيد " المغربية.

في يوليو/تموز عام 2005 زار الرباط وفد للتعريف بالسيارات الروسية من طراز "گاز-31 " و حافلات صغيرة لنقل الركاب من طراز"غازيل ".

وتعمل في المغرب خمس مؤسسات مشتركة مع روسيا مختصة ببناء الموانئ ، واستخراج الجبس ومعالجته، والحفر في الماء، وبيع المعدات الزراعية. وانجزت شركة " ماريوسبيسيا " المشتركة العمل لاعادة بناء مينائين لصيد الاسماك في جنوب البلاد بقيمة 750 الف دولار.

وهناك خطط محددة للتعاون في مجال الجيولوجيا واستخراج الخامات الطبيعية، والري، والتزود بالمياه، والطاقة الذرية والفضاء ( تم في 10 ديسمبر عام 2001 اطلاق قمر صناعي مغربي من قاعدة اطلاق الصواريخ في بايكونور، وتجري مباحثات لاطلاق قمر ثان).

واظهرت القيادة المغربية اهتماما باقامة علاقات طويلة الامد للتعاون في مجال التقنية العسكرية مع روسيا، وخاصة شراء معدات حربية مضادة للدبابات ومدفعية مضادة للطائرات، اضافة الى قطع الغيار للاسلحة الروسية. ولهذا الغرض زار الرباط وفد روسي في شهر يناير/كانون ثاني عام 2005.


التعاون في مجال العلم والثقافة والمعلومات

تم في ابريل/نيسان عام 1998 في الرباط توقيع اتفاق تعاون بين وكالة ايتار – تاس ووكالة الانباء المغربية.

ويعمل في المغرب بعقود 10 اساتذة روس في مجال التعليم المهني. ويدرس في الجامعات و المعاهد الروسية حوالي 2.5 الف طالب مغربي. في مارس/اذار عام 2004 تم توقيع اتفاق بين (معهد اسيا وافريقيا ) التابع لجامعة موسكو وجامعة محمد الخامس المغربية بشأن تعليم الطلاب والمتدربين والباحثين العلميين.

العلاقات في مجال السياحة تحمل طابعا مرحليا، ففي عام 2004 زار المغرب 11.3 الف سائح من روسيا.

ان احسن مثال لتوثيق التعاون في مجال السياحة هو مشروع بناء مجمع سياحي في ضواحي مدينة مراكش ( يبلغ حجم الاستثمارات المالية حوالي 150 مليون يورو ) بمساهمة شركة الاستثمارات المالية الروسية " ميتروبول " و المصرف الاستثماري المتحد.

كان من بين الاحداث المهمة في العلاقات الثنائية اقامة ايام ثقافية للمملكة المغربية في روسيا بمدينتي موسكو وفلاديمير في الفترة من 22 – 28 اكتوبر/تشرين اول عام 2007. وتم لاول مرة بعد الفترة السوفيتية اقامة مهرجان اسبوع الفيلم الروسي في الفترة 23 – 30 نوفمبر/تشرين ثاني عام 2008 في مدينتي الرباط ومراكش كما جرت بنجاح ايام الثقافة الروسية في المغرب.

التاريخ

Russia Morocco composite.jpg

بدأ اهتمام روسيا بافريقيا والمغرب كجزء منها، منذ ايام الامبراطور بطرس الأول و تحدد بتوجهاته نحو توسيع تأثير روسيا على المناطق الجنوبية لسواحل البحر الاسود، التي تأتي خلفها مساحات البحر الابيض المتوسط والمحيط الاطلسي البعيد. حيث اعتمد الامبراطور في ذلك على اعتبارات عسكرية – سياسية وتجارية. ولكن سيادة الامبراطورية العثمانية على الحدود الجنوبية لروسيا حال دون تحقيق ذلك.[1]

الامبراطورة يكاترينا الثانية.

مرت عشرات السنين قبل ان تتمكن روسيا في سنوات حكم يكاتيرينا الثانية من التثبت على السواحل الشمالية للبحر الاسود. حينها وبالذات في الربع الاخير من القرن 18 وبواسطة ممثل السلطان محمد الثالث بن عبد الله بمدينة توسكانيا ( ايطاليا )، تم اقامة اتصالات دائمة بين روسيا والمغرب. وتبادل رئيسا الدولتين الوثائق التي عبروا فيها عن رغبتهم اقامة علاقات صداقة وعلاقات تجارية تضمن معاملة تفضيلية بينهما.

لسنوات طويلة بقيت العلاقات الروسية – المغربية تتم من خلال شخصيات معتمدة من دول اوربا الغربية، وذلك لان الاتصالات خلال البحر البيض المتوسط لم يكن ممكننا بسبب الصراع التقليدي بين روسيا وتركيا. في البدء كان وزير بلجيكا المفوض ليرعى المصالح الروسية في المغرب، بعدها في ( مارس 1882 ) انيطت المهمة بممثل اسبانيا الدبلوماسي. وفي اكتوبر 1897 تمت الموافقة على تأسيس قنصلية في المغرب وتعيين قنصل عام بدرجة وزير مفوض.

إن عدم وجود ممثل مباشر للامبراطرية الروسية في شمال غرب افريقيا لفترة زمنية طويلة يفسر بعدة أسباب:. اولا – بعد المغرب من روسيا الاف الكيلومترات، و ثانيا – لم يكن لروسيا رغبة عارمة في تطوير التبادل التجاري مع المغرب، واكثر من ذلك كانت تخاف من منافستها في السوق الاوربية. في نهاية القرن 19 تأجج الصراع بين الدول الامبريالية الغربية لفرض نفوذها على القارة الافريقية. واصبح المغرب مركزا لهذا الصراع بسبب موقعه الجغرافي والعسكري على خط التقاء اوربا وافريقيا بالقرب من مضيق جبل طارق، وعلى تقاطع الطرق البحرية الدولية. ومع توغل فرنسا وبريطانيا العظمى واسبانيا ودول اخرى في المغرب تفاقم الصراع بينها.

لم يكن لروسيا اية طموحات شخصية في شمال افريقيا وغرب البحر الأبيض المتوسط، ولسنوات طويلة لم تظهر اي نشاط دبلوماسي.ولكن عندما وصلت المجابهة بين الدول الاوربية الغربية ذروتها وهددت بالتحول الى مجابهة عالمية، تغير موقف حكومة الامبراطورية الروسية مما يسمى القضية المغربية. و لكون روسيا دولة عظمى، اصبح دورها منع تأزم العلاقة بين الدول المعنية بالصراع، وعدم السماح لاي منها توطيد مواقعه في المغرب على حساب الاخرين. بالاضافة لذلك اعتمدت القيادة المغربية على روسيا في منع التدخل الاجنبي في شؤونه الداخلية والحفاظ على حريته واستقلاله. وبهدف حل المشاكل المذكورة اعلاه في مدينة طنجة (مركز النشاط العالمي في المغرب ومقر السلك الدبلوماسي) تم تعيين ڤاسيلي باخيراخت الذي عمل لسنوات طويلة بالممثليات الدبلوماسية الروسية في سويسرا والمانيا وايطاليا وبلجيكا والبرتغال.

في مايو عام 1898 وصل باخيراخت الى المغرب، وبدأ نشاط الممثلية الدبلوماسية الروسية نشاطه، الذي اثار الكثير من الاقاويل في اوساط السلك الدبلوماسي والقنصلي، والتي كانت تهدف التقليل من دوره واهميته، على افتراض ارتباطه بفرنسا، الا انها لم تصل الى هدفها المنشود.

احتل التحليل السياسي للوضع في المغرب ركنا هاما في التقارير التي كان يرفعها باخيراخت الى وزارة الخارجية، وحسب تقييمه، فانه يمكن في اي لحظة ان تحدث انتفلضة اونزاع داخلي. ودون النظر الى ذلك قرر باخيراخت التوجه الى مراكش "عاصمة المغرب انذاك " لتقديم اوراق اعتماده الى السلطان عبدالعزيز. ونظرا لاخبار السلطان بقدوم باخيراخت، فانه وعده بان البعثة الدبلوماسية الروسية ستحظى بترحاب حار. وفعلا حظى اول ممثل للدبلوماسية الروسية باستقبال حار. وكانت رحلته منظمة جيدا. وكان دخوله الى المدينة حافلا ومهيبا. واستقبل القنصل الروسي العام والوفد المرافق له من قبل السلطات المحلية وجماهير غفيرة. وعلى شرفهم اصطف حرس الشرف. بعد مرور ثلاثة ايام تمت مراسيم تقديم باخيراخت الى السلطان. وفي اثناء تقديمه اوراق اعتماده القى باخيراخت خطاب قصير الذي اكد فيه ان وجود الممثلية الدبلوماسية الروسية في المغرب هو برهان واضح للنوايا الطيبة للامبراطورالروسي. وفي رده اشار السلطان هو وحكومته سعداء لتوثيق العلاقات مع الامبراطورية الروسية.

مع تعيين باخيراخت اصبحت لروسيا ممثل مباشر في المغرب على قدم المساواة بالدول الاخرى. مما سمح لها سرعة حل مسائل المسائل الجيوسياسية الخاصة بها على ضوء مصالحها. وكلف القنصل العام بالحصول على ثقة السلطان وتقوية العلاقات الرفاقية و العملية مع الممثلين الدبلوماسيين للدول الاخرى في طنجة. وارتبط مستقبل العلاقات الروسية – المغربية بدرجة كبيرة بمدى نجاحه في تنفيذ التكليف.

واعتمدت السلطات المغربية على مساعدة ودعم روسيا العظمى وشكرت نيقولاي الثاني على فتح الممثلية الدبلوماسية الروسية في طنجة. وللتعبير عن امتنانهم لنواياه الطيبة تجاه مملكةالاشراف، لذا قرر السلطان في ابريل/نيسان عام 1901 ارسال بعثة دبلوماسية طارئة الى روسيا البعيدة برئاسة وزير الخارجية سيدي عبد الكريم بن سليمان. واخذا بالاعتبار ارتباط المغرب بدول اوربا الغربية، اوفد السلطان بعثات مماثلة الى باريس ولندن وبرلين.

وفي قرروا الاستفادة من وصول البعثة المغربية لحل مجموعة من المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية: اولا – العمل من اجل ان تنقل البعثة المغربية احسن انطباع عن تواجدهم في روسيا وان يتحدثوا عن عظمة وقوة الامبراطورية الروسية. وثانيا – العمل من اجل اقناع اعضاء الوفد بانه على المغرب تقوية علاقته بفرنسا وعدم الاعتماد على صداقة انكلترا. وثالثا – من الضروري التأكيد على فكرة كون السياسة الروسية خالية من الاطماع، وبفضل قوتها يكون الاتحاد معها مهم جدا، وخير مثال هو تعاظم هيبة فرنسا بعد تقاربها من الامبراطورية الروسية. واخيرا كان لابد من التاكيد في اثناء المباحثات على ان روسيا تقف الى جانب ابقاء الحالة الراهنة للمغرب، اي استقلاله السياسي ووحدة اراضيه.

وصلت البعثة المغربية الى سانكت پطرسبورگ في 20 يوليو/تموز، وفي اليوم التالي طلب رئيس البعثة وزير الخارجية سيدي عبد الكريم بن سليمان عن طريق وزير الخارجية الروسي رسميا مقابلة نيقولاي الثاني، لكي يسلمه رسالة شخصية من السلطان عبدالعزيز، وتمت المقابلة في 24 يوليو/تموز.

واشار نيقولاي الثاني في رسالته الجوابية الى السلطان، بانه استقبل البعثة المغربية بارتياح خاص، لانه يرى في ارسال بعثة رسمية الى روسيا رغبة عبدالعزيز الصادقة في تعزيز علاقات الصداقة بين البلدين، وثمن عاليا توجه السلطان نحو تقريب الدولتين الصديقتين.

السفينة المدرعة الروسية پتروپاڤلوڤسك تدخل ميناء طنجة في نوفمبر 1899.

أثار التواجد الروسي في المغرب ردود فعل بين السكان المحليين بين حب الاطلاع و التعجب. وظهر ذلك للمرة الاولى في نوفمبر/تشرين ثاني عام 1899 عندما دخلت السفينة الروسية المدرعة "بيتروبافلوفسك " ميناء طنجة، حيث عرض قائدها على الراغبين الصعود على ظهر السفينة لمشاهدتها. خلال ثلاثة ايام زار السفينة 300 مغربي، ومعظمهم جاء من المحافظات الداخلية للمغرب. واشار باخيراخت في تقريره الى وزارة الخارجية الى تقييمه الايجابي لهذا العمل وانه انتشرت في المغرب شائعات عن قوة روسيا ورحابة صدر وكرم البحارة الروس، وحسب قوله فان المغاربة اخذهم العجب بالكامل لانه لم يسبق ان دللتهم قيادة اجنبية اخرى. كما أن وجود بعض التتار الذين لهم نفس المعتقد، سهل التحدث معهم وزاد من تعجبهم.

ثلاث سفن من أسطول المحيط الهادي الثاني الروسي تدخل ميناء طنجة في اكتوبر 1904، في طريقها إلى الحرب الروسية اليابانية.
ميناء طنجة عام 1904.

في الفترة بين اكتوبر/تشرين اول – ونوفمبر/تشرين ثاني عام 1904 دخلت ميناء طنجة ثلاثة قطعات حربية من اسطول المحيط الهادئ الثاني ، المتجه الى الشرق الاقصى للمشاركة في الحرب مع اليابان. وقام قادة هذه القطعات بزيارة ممثل السلطان، الذي في اجابته على سؤال كيف يوفق بين قواعد الحياد ووجود الاسطول الحربي الروسي في طنجة، ان المغرب يرتبط بروسيا اتفاقيات، وهم اصدقاء وليس هناك حسب رأيه ما يمنع توقفها وتزويدها بما هو ضروري في موانئ السلطان. اما ما يتعلق بالسكان المحليين وتحسسهم من تواجد السفن الحربية الاجنبية في المياه الاقليمية للمغرب، فحسب تقييم باخيراخت استقبلوا الممثلين الروس بمودة.

مؤتمر الجزيرة الخضراء الدولي، عام 1905.

في عام 1905 نشبت أول أزمة مغربية بسبب المنافسة بين دول اوربا الغربية على مناطق النفوذ في افريقيا ومن ضمنها المغرب. ولاجل حل الخلافات انعقد مؤتمر الجزيرة الخضراء الدولي. في هذا الوقت ضعف تأثير الامبراطورية الروسية بشكل ملموس على الاحداث الدولية ومنها شمال افريقيا نتيجة اندحارها في حربها مع اليابان في اعوام 1904- 1905 . ولكنها تمسكت بموقفها حول استقلال المغرب والمحافظة على وحدة اراضيه، ومساواة حقوق الدول الاجنبية في هذا البلد.

أقر المؤتمر مجموعة قرارات تمس مصالح جميع الدول الممثلة في المغرب. إلا أن توزيع القوى كان لصالح فرنسا، التي حصلت على امكانية توسيع نفوذها. وتم هذا بدرجة كبيرة بدعم من روسيا. خلال 8 سنوات من وجود باخيراخت في طنجة حصلت في البلد تغييرات كثيرة. وحافظ المغرب على كونه دولة مستقلة، الا ان تنفيذ مواد الوثيقة الرئيسية لمؤتمر الجزيرة الخضراء الدولي كلف بها الدبلوماسيين الاجانب، الذين مثلوا مصالح بلدانهم، وفي نفس الوقت كانوا يديرون الامور الداخلية للمغرب. نتيجة ذلك ظهرت ضرورة تغيير القنصلية الروسية العامة الى بعثة دبلوماسية بشكل ملح. وكان هذا ضروريا خاصة وان كل الممثليات الاجنبية قي المغرب كانت تحمل صفة بعثات دبلوماسية، ورؤسائها درجة سفراء فوق العادة ووزراء مفوضين، مثل هذا الوضع لم يكن يعبر عن هيبة الدبلوماسية الروسية في المحافل الدولية. ولكونها كانت على علاقات اتحادية مع كل من فرنسا والمانيا، كان بامكانها ان تكون حلقة الوصل بين الدولتين المتنافستين وشل أفعال ( بقصد او غير قصد ) الدول الاخرى، التي لايهمها اقرار السلام واستقرار المنطقة، في الوقت المناسب.

وتضمن موقف روسيا الأساسي منع منع وقوع امبراطورية الشرفاء تحت تأثير هذه او تلك من الدول المتنافسة. ومع مرور الوقت كان بامكان المانيا او فرنسا وضع يدها على المغرب، وهذا غير ملائم لروسيا، لانه كان سيسمح لالمانيا التوغل الى البحر الابيض المتوسط اولا، وثانيا، عند التأكد من ان المغرب اصبح جزءا من فرنسا، كان عليها من الطبيعي البحث عن امكانيات جديدة لتعويض فقدانه، وهذا ايضا اطلاقا لا يمكن ان يلائم روسيا.

كل هذه الحجج المذكورة اعلاه كانت اساس التوجيهات التي وجهتها وزارة الخارجية الروسية الى بطرس بوتكين الوزير المفوض مدير القنصلية العامة للامبراطورية الروسية في المغرب، الذي حال استلامه مهام عمله (سبتمبر /ايلول عام 1907 )، طرح على مسؤوليه موضوع تحويل القنصلية العامة الى بعثة دبلوماسية ومنحه درجة سفير فوق العادة ووزير مفوض، بالرغم من انه كان يعلم ان هذا الامر يتطلب تخصيص مبالغ اضافية.

ألكسندر أزڤولسكي، وزير خارجية روسيا

في نفس الوقت عندما طرح وزير الخارجية الكساندر ازفولسكي هذا الموضوع على نيقولاي الثاني، اشار الى عدم جدوى تحويل القنصلية العامة في طنجة الى بعثة دبلوماسية مضيفا بأنه عندما يقوم السلك الدبلوماسي بأي فعاليات مقررة في مؤتمر الجزيرة الخضراء لم تظهر أي شكوك أو سوء فهم لصلاحيات الممثلية الروسية لكون المكلف بها وزير مفوض وليس سفير.ولتحاشي صرف مبالغ اضافية اقترح الاكتفاء بمنح بوتكين درجة سفير فوق العادة ووزير مفوض فقط وهو ما تم فعله.

اصبح النشاط الاساسي لبوتكين في المغرب القيام بدور الوسيط في الصراع بين الاطراف المتنافسة . وبدون تضخيم اهمية نشاط السلك الدبلوماسي أكد على أنه بدون تصويت روسيا لصالح فرنسا فإن سياسة التوغل السلمية للاخيرة كانت ستلقى عقبات دائمية. اعتمادا على هذا فان الجانب الفرنسي يعتز كثيرا بالدعم الروسي ويعقد عليه امالا كبيرة في حل المسألة المغربية المستعصية. لهذا السبب فان الحكومة الفرنسية اعترافا منها بنشاط القنصلية العامة لروسيا في المغرب طرحت على وزارة الخارجية للامبراطورية الروسية موضوع تحويلها الى بعثة دبلوماسية مؤكدة ان هذا بدون شك سوف يرفع هيبة روسيا وتتناسب بدرجة كبيرة مكانتها ودورها في السياسة العالمية.

الدار البيضاء

أفسحت قرارات مؤتمر الجزيرة الخضراء المجال امام فرنسا التي لا فقط توغلت بنشاط في المغرب بل احتلت اجزاء من اراضيه مما اثار عدم رضى المانيا. ادت المنافسة الالمانية – الفرنسية في المغرب الى ما يسمى حادث الدار البيضاء ( 1908-1909 ). وقفت روسيا في صراع الدولتين العظيمتين الى جانب فرنسا واستجابة لرغبة فرنسا قررت الحكومة الروسية في مايو/ايار عام 1910 تحويل قنصليتها العامة الى بعثة دبلوماسية الا ان المبالغ المخصصة بقيت على مستواها السابق. مما اثار غضب بوتكين ومع ذلك لم يتمكن من الحصول على مبالغ اضافية. اضافة الى حصول تغير في السياسة العامة للامبراطورية الروسية في المغرب حيث تقرر تبديل وكلاء القناصل الروس بقناصل فرنسيين الذين كان من واجبهم رعاية مصالح المواطنين الروس في هذا البلد. ادت هذه السياسة الى اضعاف دور الدبلوماسية الروسية في المغرب.وفي يوليو - اغسطس 1910 عين السلطان عبد الحفيظ ، الحاج محمد الموكري ذو الاتجاه الفرنسي وزيرا أول وكلفه بوزارة الخارجية والمالية والعلاقات الاجتماعية، كان هذا بداية لاضعاف موقف روسيا في البلد.

في عام 1911 عاشت المغرب أزمة ثانية والتي كان اساسها تضارب مصالح فرنسا والمانيا. وانجز اراضي البلاد في عام 1912 بعد توقيع اتفاقية فاس المتضمن الحماية الفرنسية للمغرب ومعاهدة تقسيم مناطق النفوذ في السلطنة بين فرنسا واسبانيا. ومنذ عام 1912 كانت العلاقات الروسية – المغربية تسير من خلال باريس اومدريد اعتمادا على ذلك كان من الطبيعي ان يغادر ( مارس 1912 ) بوتكين طنجة. وفي فبراير 1913 حولت البعثة الدبلوماسية الروسية الى قنصلية دبلوماسية عامة. ورفض روسيا في فبراير 1914 لنظام الاستسلام في المغرب والذي عمليا لم تستخدمه.

وبسبب الحرب العالمية الأولى وثورة اكتوبر في روسيا والحرب العالمية الثانية انقطعت العلاقة المباشرة بين البلدين لفترة زمنية طويلة والتي اعيدت وتطورت في الخمسينات ولكن بين الاتحاد السوفيتي والمملكة المغربية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  1. ^ "من تاريخ العلاقات الروسية–المغربية (1777–1916)". روسيا اليوم. 2009-09-10. Retrieved 2009-12-08.