العصر الذهبي للثقافة اليهودية في اسبانيا

الفتوحات 711 - 732


756 - 1039 أمويو قرطبة


1039 - 1085 ملوك الطوائف


1085-1145 المرابطون


1147 - 1238 الموحدون


1238 - 1492 مملكة غرناطة


مقالات ذات صلة

حينما وصل طارق بن زياد إلى إسبانيا الكاثوليكية عام 711، كانت حالة أعضاء الجماعة اليهودية فيها متردية، بل يُقال إن معظمهم تحولوا إلى يهود متخفين. ويبدو أنهم، مع وصول أنباء الفتح العربي، بدأوا يتحسـسون إمكانية تغيير أوضاعهم. ولذا عاونوا الفاتحين المسلمين، كما عاونهم بعض المسيحيين. فقاموا، على سبيل المثال، بثورة في طليطلة ضد القوط واستولوا على حصن المدينة وفتحوا أبوابها للفاتحين. وحاول المسلمون الاستفادة من الجماعة اليهودية، فكانوا بعد فتح أية مدينة يوطنون اليهود فيها لحراسـتها حتى يتفرغ المسلـمون للفتح. وقد كان هذا أمراً مهماً ولا شك للفتح العربي نظراً لقلة جنود المسلمين. ويُقال إن عملية توطين اليهـود تمت في مـدن مهمة، مثل: قرطبة وغرناطة وطليطلة وأشبيلية. وقد ثار السكان المسيحيون في أشبيلية بعد فتحها وفتكوا بأعضاء الجماعة اليهودية، ولكن المسلمين استعادوها بعد ذلك (وقد لعب أعضاء الجماعة اليهودية الدور نفسه بعد أن استعاد المسيحيون إسبانيا، فكان المسيحيون يوطنونهم في المدن المفتوحة أو يتركون أعضاء الجماعة اليهودية ويطردون المسلمين).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طبيعة العصر الذهبي

Image of a cantor reading the Passover story in Al Andalus, from the 14th century Haggadah of Barcelona.

وقد اسـتفاد أعضـاء الجماعـة اليهــودية من الفتـح الإسلامي إذ استـولوا على بعض بيــوت النبـلاء المســيحيين الذين فرُّوا وتركــوا ثرواتهــم، وكانت مثل هذه الثروات تُعدُّ مصدراً أساسياً لرأس المال. بل يُقـال إن الثــورة التجارية التي حــدثت في العالم الإســلامي كانت تعتـمد إلى حدٍّ مـا على تحرير هذه الثروات المجمدة داخل القصور والأديرة. ومع هذا، يجب عدم المبالغة في الدور الذي لعبه أعضاء الجماعة اليهودية، فقد كانوا أقلية صغيرة جداً لا يُعتَد بها، كما أن الجماعة اليهــودية كانت لا تعـرف شـيئاً عن فنون الحرب بالإضافة إلى أن مستواها الثقافي والحضاري كان متدنياً إلى أقصى درجة. ولعل أهم دور لهم هو ما لعبوه بوصفهم كثافة سكانية مهما تكن ضآلتها النسبية، وبوصفهم مصدراً للمعلومات.

وقد استقلت إسبانيا الإسلامية عن الخلافة العباسية بوصول عبد الرحمن الداخل الذي أسس فيها حكم الأسرة الأموية (757 ـ 787) وخلفه ابنه هشام الأول (788 ـ 795) الذي بدأت في عصره عملية الاندماج الحضاري والاجتماعي لليهود ـ فبدأوا يدرسون في مدارس الدولة.غير أنه نشب تَمرُّد بين اليهود في عصر الحكم الأول (796 ـ 822) في مقاطعة الأندلس عام 818 وحدث تمرد آخر في طليطلة عام 828 بالاشتراك مع المسيحيين المستعربين،وقد قُضيَ على هذه التمردات.

وشهد القرنان العاشر والحادي عشر الميلاديان تَشرُّب اليهود الحضارة العربية الإسلامية، وتَحسُّن أحوالهم المعنوية والروحية والمادية، وتعريب أسمائهم ولغتهم ورؤيتهم، وَتأثُّر آدابهم الدنيوية والدينية بالتراث العربي الإسلامي. وقد وصل اليهود في الفترة نفسها إلى مكانة عالية رفيعة، فعملوا في الوظائف الإدارية والمالية حيث كان يعمل بعضهم في وظيفة يهود البلاط، واشتغلوا بالتجارة المحلية والدولية التي كانت تصل حتى حدود الصين أو كانت تدخل إلى أوربا، واحتكروا بعض أنواع التجارة مثل تجارة العبيد (ومنهم العبيد والجواري البيض) الذين كانوا يحضرونهن من بلاد الصقالبة، واشتغلوا بالحرف مثل الصباغة كما اشتغلوا بالزراعة. وقد برز اليهود في وظائف محددة مثل التجارة الدولية والترجمة بسبب وضعهم وثقافتهم، فقد كانوا يجيدون العربية والعبرية وبعض اللغات الأوربية، الأمر الذي حوَّلهم إلى حلقة وصل وجماعة وظيفية وسيطة بين العالمين الإسلامي والمسيحي، وخصوصاً أنهم كانوا ينتقلون بسهولة ويسر بين إسبانيا المسلمة وإسبانيا المسيحية، فكان اليهودي ينشـأ في إسـبانيا المسـيحية مثلاً ثم ينتقل إلى إسبانيا المسلمة أو العكس.

Manuscript page by Maimonides, one of the greatest Jewish scholars of Al Andalus, born in Córdoba. Arabic language in Hebrew letters

وقـد تَركَّز اليهـود في المدن مثل قرطبة وطليطلـة وأشبيلية وسرقسطة. ووصل بعض اليهود إلى أعلى الوظائف الحكومية بما في ذلك أعلى مراتب الوزراء كما هو الحال مع حسداي بن شفروط الذي كان يعمل طبيباً ودبلوماسياً في بلاط عبد الرحمن الثالث (912 ـ 961) والحكم الثاني (961 ـ 972). وقد تحوَّلت الأندلس إلى أهم مراكز اليهودية في العالم. وتمثَّل هذا في قيام عدة حلقات دراسية دينية مستقلة عن العراق (في قرطبة وغرناطة وطليطلة وأشبيلية). وقد أُسِّست هذه الحلقات التلمودية بتشجيع من الطبقات الثرية اليهودية في شبه جزيرة أيبريا التي كانت في حاجة إلى حلقات تصدر فتاوى تتفق مع أوضاعها الجديدة وتنازع العراق (المركز التقليدي للحلقات) في القيادة. كما أن الحلقات كانت محطة أساسية في الشبكات التجارية. وكانت الفتاوى والسلع تعبر من خلال القنوات نفسها. ومن أهم الحلقات، تلك التي أسسها حسداي بن شفروط في قرطبة عاصمة الأمويين والتي عيَّن لها العالم اليهودي الإيطالي موسى بن حانوخ رئيساً.

وقد اندمجت النخبة اليهودية في محيطها العربي تماماً، واستوعبت أعداد كبيرة منها الفلسفات العقلانية والدنيوية التي كانت الأندلس تربة خصبة لها. وتذهب بعض الدراسات إلى أنه، نتيجةً لهذا، فقدت الجماعة اليهودية أية هوية دينية واضحة، وأنه لذلك لم يَعُد هناك من اليهودية (عند استرداد المسيحيين إسبانيا) سوى قشرة رقيقة كان من السهل على النظام المسيحي الجديد أن يقنع أعضاء الجماعة بطرحها جانباً، من خـلال القـسر أحياناً ومن خلال الإغراء أحياناً أخرى، فتنصرت أعداد كبيرة منهم. ولكن يمكن القول أيضاً بأن ما حدث هو أن اليهودية، باعتبارها نسقاً دينياً، اكتسبت أبعاداً حضارية إسلامية كما هو واضح في فلسفة موسى بن ميمون. ولذا، لم يمكنها الاستمرار تحت الحكم المسيحي، ولم تكن لديها فرصة للتكيف لتظهر يهودية جديدة ذات أبعاد كاثوليكية. وحينما ظهرت، أخذت شكل المارانية، أي يهودية المارانو. ولا تزال الكتب الدينية اليهودية تفسر النكبة التي ألمت بالسفارد (يهود شبه جزيرة أيبريا) وطردهم من شبه الجزيرة، بأنه عقاب لهم لتخليهم عن عقيدتهم.

ومع تفكك الخلافة الأموية والحكم المركزي في إسبانيا، انقسمت إسبانيا إلى دويلات وإمارات إسلامية صغيرة فيما يُعرَف بحكم الطوائف (1008). فاستخدم الأمراء كثيراً من اليهود مثل صمويل بن نغريلة وزير أمير غرناطة. وكان اليهود يعملون مستشارين ماليين وسياسيين، وفي البعثات الخارجية للدول، ويهود بلاط، وملتزمي ضرائب.

وبعد استيلائهم على سدة الحكم عام 1086، قام المرابطون بتطهير جهاز الدولة من اليهود، فتدهورت أحوالهم لبعض الوقت، ولكن الأمور عادت إلى نصابها بعد قليل. ومع صعود أسرة الموحدين عام 1146، لم يَعُد اليهود يتمتعون بذلك الوضع الممتاز، ومُنعت اليهودية في الأندلس، كما أخذ الحكم الإسلامي في الانحسار التدريجي بعد ذلك التاريخ.

ويُقال إن العصر الإسلامي في الأندلس كان يمثل العصر الذهبي لليهود إذ ازدهر الفكر اليهودي الديني والفلسفي نتيجة الاحتكاك بالمسلمين العرب. واكتسبت اللغة العبرية أعماقاً جديدة من خلال علاقتها بالعربية، ودخلت عناصر الحياة على الشعر العبري كما هو واضح في أشعار يهودا اللاوي (هاليفي) وموسى بن عزرا. وكتب المؤلفون اليهود موشحات لم تكن تحاكي الموشحات العربية بشكل عام وحسب وإنما قلدت موشحات عربية بعينها دون تعديل أو تحوير. ونشأ فن المقامة في العبرية وتُرجمت مقامات الحريري وكليلة ودمنة، وظهر موسى بن ميمون أهم المفكرين الدينيين اليهود على الإطلاق، الذي كان لفكره العربي الإسلامي اليهودي أعمق الأثر في الفكر اليهودي في كل أنحاء العالم.

ويبدو أن الجماعات اليهودية في الأندلس لم يكن يربطها تنظيم واحد وليس لها منصب مثل رأس الجالوت (المنفى) في بغداد أو الحاخام باشي في الأستانة الذي يشكل ما يشبه القيادة المركزية، وإنما كانت كل جماعة تشكل مجموعة مستقلة يطلق عليها اسم «الجماعة» يترأسها المقدم الذي يشكل حلقة الوصل بين الجماعة والدولة أو الدويلة أو الإمارة. وربما كان انعدام المركزية بين الجماعات اليهودية انعكاساً للوضع السياسي في شبه جزيرة أيبريا، فقد كانت إسبانيا من أكبر دول أوربا ولم تتمتع بالحكم المركزي إلا في فترات قصيرة. وكما رأينا، انحل الحكم الإسلامي إلى حكم أمراء الطوائف الذي كان يشبه الإقطاع الغربي من بعض النواحي. وقد استمرت هذه اللامركزية حتى بعد أن قام المسيحيون باستعادة إسبانيا.


شخصيات هامة

انظر أيضاً

المصادر

  • عبد الوهاب المسيري. "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية". موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.

المراجع

  • Esperanza Alfonso, Islamic culture through Jewish eyes : al-Andalus from the tenth to twelfth century, 2007 ISBN 978-0-415-43732-5
  • Mark Cohen, Under Crescent and Cross: The Jews in the Middle Ages 1995 ISBN 0-691-01082-X
  • Joel Kraemer, "Comparing Crescent and Cross," The Journal of Religion, Vol. 77, No. 3. (Jul., 1997), pp. 449–454. (Book review)


وصلات خارجية