أزمة الصواريخ الكوبية

(تم التحويل من أزمة الكاريبي)
أزمة الصواريخ الكوبية
جزء من الحرب الباردة
Soviet-R-12-nuclear-ballistic missile.jpg
الصاروخ النووي البالستي السوڤيتي المتوسط المدى آر-12 (تسمية الناتو: SS-4) في موسكو
التاريخ16–28 أكتوبر 1962
(الحظر البحري على جزيرة كوبا انتهى في 20 نوفمبر 1962)
الموقع
النتيجة
  • سحب الاتحاد السوڤيتي لصواريخه النووية من كوبا
المتحاربون
 الاتحاد السوڤيتي
 كوبا
بدعم من:
حلف وارسو
 الولايات المتحدة
 إيطاليا
 تركيا
بدعم من:
 ناتو
القادة والزعماء
الضحايا والخسائر
اسقاط 1 طائرة تجسس يو-2
اعطاب 1 طائرة
1 قتيل

أزمة الصواريخ الكوبية كانت مواجهة مابين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي مع كوبا خلال الحرب الباردة. وتسمى تلك الأزمة في روسيا أزمة الكاريبي، قالب:روسية أو Karibskiy krizis، بينما في كوبا تسمى أزمة أكتوبر. وتقارن بحصار برلين كواحدة من أشد المواجهات خلال الحرب الباردة، وتعتبر بأنها أقرب لحظة للوصول إلى الحرب النووية.

كان الخوف مسيطرا على هافانا من أي تدخل عسكري أمريكي لكوبا[1]. وهذا التهديد من الغزو أصبح واقعا في ابريل 1961 عندما نزلت شواطئ كوبا مجموعة من المنفيين الكوبيين من معارضي لحكم كاسترو ومدربين بواسطة السي أي ايه. ولكن سرعان ماأحبط هذا الغزو بواسطة القوات الكوبية، وقد كان كاسترو مقتنعا بأن الأمريكان سيغزون بلده[2]. وبعد هذا الغزو بفترة قصيرة أعلن كاسترو بأن كوبا أضحت دولة اشتراكية، وبدأ بإنشاء علاقات رسمية مع الاتحاد السوڤيتي وبتطوير الجيش الكوبي.

كانت الولايات المتحدة قلقة من تبني أي دولة منهج اشتراكي أو شيوعي، ولكن أن تتحالف دولة من دول أمريكا اللاتينية مع الإتحاد السوڤيتي فهذا شيء مرفوض تماما، نظرا للعداء الروسي الأمريكي والذي يعود تاريخه إلى حقبة مابعد الحرب العالمية الثانية.

في أواخر 1961 تورط كندي بما يسمى عملية النمس (Operation Mongoose) وهي مجموعة من العمليات السرية ضد حكومة كاسترو التي اثبتت فشلها[3]. في فبراير 1962 وبطريقة مكشوفة أعلنت الولايات المتحدة الحظر الإقتصادي الكامل على كوبا.[4]. كما فكرت الولايات المتحدة بهجوم عسكري مباشر. وعرض القائد سلاح الجو (كورتيز ليماي) على كندي خطة بتفجيرات في سبتمبر، في حين يقوم سلاح الطيران بعمليات جوية للتجسس ويتحرش عسكريا منطلقا من قاعدة گوانتانامو البحرية.

وقد لاحظت كوبا وجود إشارات تحضير أمريكية لمواجهة وشيكة وذلك في سبتمبر 1962 مما استوجب قلقها من غزو وشيك، إضافة اصدار قرار مشترك من الكونگرس يجيز استخدام القوة العسكرية في كوبا إذا ما تعرضت مصالح اميركا للتهديد[5]، وإعلان أمريكا عن تمرينات عسكرية بالبحر الكاريبي كان قد خطط لها بالشهر التالي (سميت عملية اورتساك وهو اسم كاسترو مقلوبا).

انتخابات منتصف المدة في 1962 كانت تجري على قدم وساق في الولايات المتحدة وقد أنكر البيت الأبيض الاتهامات أنه يتجاهل الصواريخ السوڤيتية على بعد 90 ميل من فلوريدا. وقد تأكدت تلك التحضيرات للصواريخ حين حصلت طائرة تجسس، من طراز يو-2، تابعة للقوات الجوية الأمريكية على دليل فوتوغرافي واضح لمنشآت صواريخ متوسطة المدى (إس‌إس-4) و صواريخ بالستية وسيطة المدى (آر-14). وفرضت الولايات المتحدة حصاراً عسكرياً لمنع المزيد من الصواريخ من دخول كوبا. وأعلنت أنها لن تسمح بتسليم أسلحة هجومية إلى كوبا وطالبا بتفكيك تلك الأسلحة التي توجد في كوبا وإعادتها إلى الاتحاد السوڤيتي.

بدأت الأزمة في 8 أكتوبر 1962، ووصلت ذروتها في 14 أكتوبر عندما أظهرت صور استطلاع التقطت من طائرة التجسس الأمريكية U-2 عن وجود قواعد صواريخ مبنية في كوبا، وقد انتهت الأزمة بعدها بإسبوعين في 28 أكتوبر عندما توصل كلٌ من الرئيس الأمريكي جون كندي وأمين عام الأمم المتحدة يوثانت إلى اتفاق مع السوڤيت لإزالة الصواريخ الكوبية شريطة أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا والتخلص بسرية من الصواريخ البالستية المسماة بجوپيتر (PGM-19 Jupiter) و ثور (PGM-17 Thor) في تركيا واتفق الطرفان على ابقاء أمر ازالة الصواريخ الأمريكية من تركيا سرا لا يعرفه أحد وبالتالي كسبت الولايات المتحدة نصرا دعائيا بقدرتها على انفاذ ارادتها على السوفيت.

الرئيس كينيدي مجتمعا مع مجلس الوزراء خلال أزمة الصواريخ الكوبية

وفي أول خطاب له عن تلك الأزمة، أطلق كندي بتاريخ 22 أكتوبر 1962 إنذاره الرئيسي:

«ستكون سياسة هذه الأمة إزاء أي صواريخ نووية تنطلق من كوبا ضد أي دولة في النصف الغربي هجوما على الولايات المتحدة، وستكون ردة الفعل الإنتقامية كاملة على الاتحاد السوڤيتي[6]»

وقد شمل هذا الخطاب على خطوط سياسية رئيسية أخرى، بدأت ب:

«لوقف هذا الحشد العدواني، سنحجر وبصرامة على جميع المعدات العسكرية العدائية التي يجري شحنها إلى كوبا. جميع السفن المتجهة إلى موانئ كوبا والقادمة من أي جهة كانت، فإذا وجد أنها تحتوي على شحنات من أسلحة عدوانية فسنعيدها. هذا الحجر سوف يتم توسعته إن اقتضت الضرورة ليشمل أنواع أخرى من البضائع والنقليات. نحن لانريد أن نمنع أي ضرورات انسانية وفي هذا الوقت بالذات كما حاول السوڤيت فعله عندما حاصروا برلين عام 1948.»

أمر بتكثيف الرقابة، وأشاد بالتعاون من وزراء خارجية منظمة البلدان الأمريكية. وقال: "أمرنا الجيش للتحضير لجميع الإحتمالات، وإنا على ثقة من أن مصلحة كل من الشعب الكوبي والفنيين السوڤيت في تلك المواقع، أن يعرفوا الأخطار التي ستصيب جميع الأطراف إذا استمر التهديد." وقد قدم طلب لإجتماع عاجل في منظمة البلدان الأمريكية ومجلس الأمن للنظر في هذا الموضوع[6].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأفعال المبكرة من الولايات المتحدة

كانت الولايات المتحدة قلقة من توسع الشيوعية، واعتبرت أن اصطفاف بلد في أمريكا اللاتينية علناً مع الاتحاد السوڤيتي هو أمر غير مقبول، في ضوء العداوة الأمريكية-السوفيتية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. مثل ذلك الانخراط سيشكل خرقاً مباشراً لـمبدأ مونرو، الذي كان سياسة أمريكية تحد من انخراط الولايات المتحدة في المستعمرات والشئون الأوروبية، وفي المقابل يجب على القوى الأوروبية ألا تنخرط في شئون دول نصف الكرة الغربي.

شعرت الولايات المتحدة بالحرج العلني من فشل غزو خليج الخنازير في أبريل 1961، الذي شـُن في عهد الرئيس جون كندي بقوات دربتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من المنفيين الكوبيين. وبعد ذلك، أخبر الرئيس السابق أيزنهاور كندي أن "فشل خليج الخنازير سوف يشجع السوفيت للقيام بشيء لم يكونوا ليفعلوه من قبل."[7]:10 الغزو المتردد ترك لدى رئيس الوزراء السوفيتي نيكيتا خروشوڤ ومستشاريه بانطباع أن الرئيس كندي غير حاسم، وكما كتب مستشار سوفيتي، أنه "غرٌ، مفكر، غير مؤهل بما فيه الكفاية لاتخاذ القرار في مواقف الأزمات  ... ذكي جداً وضعيف جداً."[7] تواصلت العمليات السرية الأمريكية في 1961 بـ العملية مونگوس الفاشلة.[8]

بالاضافة لذلك، تأكد انطباع خروشوڤ عن ضعف كندي بالرد الناعم للرئيس الأمريكي أثناء أزمة برلين 1961، وخصوصاً تجاه إنشاء سور برلين. فأكد خروشوف، في حديث إلى مسئولين سوفيت في أعقاب الأزمة: "أنا أعرف يقيناً أن كندي لا يملك خلفية قوية، ولا هو، عموماً، يملك شجاعة الصمود لتحدي جاد." كما أخبر ابنه سرگي فيما يخص كوبا، كندي "سوف يثير ضجيجاً، ثم المزيد من الضجيج، ثم يرضخ."[9]

وفي يناير 1962، وصف الجنرال إدوارد لانسديل خططاً للإطاحة بالحكومة الكوبية في تقرير بالغ السرية (أميط اللثام عنه جزئياً في 1989)، موجه للرئيس كندي والمسئولين المنخرطين في العملية مونگوس.[8] عملاء الـCIA أو "مستكشفو الطرق" من قسم الأنشطة الخاصة كانوا سيتسللون إلى كوبا للقيام بأعمال تخريب وتنظيم، منا بث إذاعي مناهض لهاڤانا.[10] وفي فبراير 1962، أطلقت الولايات المتحدة حظراً على كوبا،[11] وقدّم لانسديل جدولاً زمنياً بالغ السرية من 26 صفحة، لتنفيذ الاطاحة بالحكومة الكوبية، متطلباً حدوث عمليات فدائية لتبدأ في أغسطس وسبتمبر، وفي أول أسبوعين من أكتوبر: "ثورة في الشوارع والاطاحة بالنظام الشيوعي."[8]


ميزة الولايات المتحدة النووية

حتى عام 1962 فإن ما تملكه الولايات المتحدة من القنابل والرؤوس الحربية أكثر بثماني مرات مما يملكه الإتحاد السوڤيتي: 27,297 مقابل 3,332[12].

كتب المؤرخ (ميلمان) قبل أن يتم القبض على (أوليج بنكوفسكي) العقيد بالمخابرات السوڤيتية العامة في اليوم الأول من الأزمة، وهو جاسوس لبريطانيا وأمريكا، قائلا: "خلال وقائع محاكمته في ابريل 1963 أظهر بأنه سلم 5,000 علبة أفلام من المعلومات التقنية السوفيتية، هذا عدا سكره الشديد مع عملاء الإستخبارات الغربيين خلال رحلاته العديدة لأوربا الغربية". وقد استنتج السوڤيت بأن الأمريكان قد استحوذوا على معلومات حاسمة جدا عن أسلحتهم وإستخباراتهم، لذلك فالإتحاد السوڤيتي لم يعد يثق بقدرة درعه النووي[13].

قد لا تتناسب مقدرة السوڤيت بالتعامل مع قاذفات القنابل الأمريكية ولكنهم استعاضوا عنها بالصواريخ[14]. وبعد اطلاق القمر الصناعي السوڤيتي سبوتنك، انتقل الأمريكان من القاذفات المأهولة إلى صناعة الصواريخ التي لم يكن لها أولوية للإهتمام، فطوروا الصواريخ العابرة للقارات المسماة اختصارا (ICBMs)[14]. المحاكاة الحاسوبية للعالم جون فون نيومان ساعدت الصواريخ الأمريكية والرؤوس النووية الخفيفة والإقتصادية[14]. فالصاروخ السوڤيتي الثقيل سميوركا R-7 Semyorka (276 طن) ينقل رأس حربي (3طن) أي 3 ميجاطن مسافة 5,800 ميل (9,330 كم)، بالمقابل الصاروخ الأمريكي أطلس Atlas وزنه (130 طنا) ينقل رأسا حربيا (1.5 طن) أي 3.8 ميجاطن مسافة 11,500 ميل (18,510 كم)[14].

بتاريخ 24 أكتوبر 1960 وخلال كارثة نيديلين (Nedelin catastrophe) قتل العديد من علماء الصواريخ السوڤيت مما سبب بتعطيل مشروع الصواريخ البالستية R-16 لمدة سنة. وخلال أزمة الصواريخ الكوبية لم يكن للروس من صواريخ إلا أربعة من R-7 وعدد محدود من R-16 منتشرة في منصات سطحية مكشوفة وسهلة التعرض لهجوم، بينما يمتلك الأمريكان 142 من أطلس و62 من صواريخ تيتان Titan-I البالستية، أغلبها مثبت بصوامع تحت الأرض[14].

أكثر من 100 صاروخ أمريكي بقدرات ضرب موسكو برؤوس نووية كانوا منشورين في إيطاليا وتركيا في 1961.

علاوة على ذلك، ففي يوليو 1960، صار بإمكان الولايات المتحدة اطلاق صواريخ بولاريس عابرة القارات لمسافة 1,000-mile (1,600 km) من غواصاتها المنتشرة بالبحار[14]، بينما إسطول الغواصات السوفيتي لديه حوالي 100 من الصواريخ العابرة في 1 والتي لاتطلق إلا عند خروج الغواصة إلى السطح مما يفقدها خاصية الإختفاء أو الغمر تحت الماء.

قبل حدوث الأزمة بعام، خدع الزعيم السوڤيتي نيكيتا خروشوف كنيدي ببرنامج قنبلة تسار ذات قوة 50 ميغا طن، والذي يعتبر أعظم قوة نووية تفجيرية بالتاريخ[14]، ثم استغل التحالف الكوبي السوڤيتي الجديد لوضع صواريخ نووية ذات مدى يغطي جميع المدن الأمريكية[14]. خلال حملة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1960 أبلغ ألان دالاس رئيس CIA كلا من جون كنيدي ونائبه ليندون جونسون على القدرة النووية للإتحاد السوڤيتي المسماة بالغطاء الصاروخي "وقد كانت قليلة الأهمية قبل أن يثيرها كنيدي خلال حملته الإنتخابية"[15].

وفي عام 1961 نشرت الولايات المتحدة 15 صاروخ جوبيتر بالستي متوسط المدى بمدينة أزمير التركية ومداها 1,500-mile (2,410 km) مستهدفة المدن الغربية للإتحاد السوڤيتي بما فيهم موسكو التي تبعد عنها ب 15 دقيقة ولكن كيندي قلل من أهميتها الإستراتيجية نظرا لأن الغواصات التي تحوي الصواريخ البالستية تعطي نفس الدرجة من التهديد وعلى بعد أيضا.

وقد بادر خروتشوف بالتعبير عن غضبه واعتبر وجود الصواريخ بالأراضي التركية عدوانا شخصيا، لذلك فوجود الصواريخ الكوبية -وهي أول صواريخ توضع خارج الإتحاد السوڤيتي- كانت ردة فعل على وجود الصواريخ النووية الأمريكية بالأراضي التركية.

عملية أنادير

كان الجو السائد سواءا السياسي و العسكري متخوفان من عملية غزو أمريكي محتملة لكوبا، وأدى ذلك لخروتشوف بالموافقة لتزويد كوبا بصواريخ أرض جو وأرض أرض في أبريل 1962، وقد أتبع ذلك بقرار وضع صواريخ نووية -بسيطرة سوڤيتية- في جزيرة كوبا في مايو 1962، ولم ينقض شهر يوليو حتى كان هناك أكثر من 60 سفينة سوڤيتية وصلت كوبا محملة بالتجهيزات العسكرية.

طائرة اليوشن الهجومية قد تم نشرها بطريقة سرية في كوبا

عملية أنادير هو الإسم الرمزي الذي استخدمه السوڤيت لعملية فائقة السرية لنشر الصواريخ البالستية، والقاذفات متوسطة المدى وفوج من المشاة الميكانيكية في كوبا لإنشاء قوة سوڤيتية تكون قادرة على منع أي غزو عسكري أمريكي محتمل[16]. وقد احتوت العملية على حملة خداع عسكرية واسعة لتضليل الإستخبارات الغربية، وذلك بإرسالها كمعدات قطبية للتدريب على الطقس البارد والمتجمد، والعملية سميت بإسم نهر أنادير الموجود بأقصى الشرق من سيبيريا، والصواريخ الباليستية قد تم شحنها بواسطة سفن تجارية.

وقد كان المخطط لنشر 60,000 جندي وثلاث أفواج من صواريخ R-12 وفوجين من صواريخ يوسوفايا R-14. الجنود قد تم نقلهم بواسطة 86 سفينة, وجرى عمل 180 رحلة من موانئ بالتييسك وليبايا وسيفاستوبول وفيودوسيا ونيكولاييف وبوتي وميورمانسك. مابين 17 يونيو و 22 أكتوبر تم نقل 24 منصة إطلاق, و42 من صواريخ R-12 بالإضافة إلى 6 قطع للتدريب، وبعض من 45 من الرؤوس النووية و42 من قاذفات اليوشن وفوج من الطائرات المقاتلة (40 طائرة ميغ 21وفرقتين من الدفاع الجوي السوڤيتي, وأربعة أفواج مشاة ميكانيكية وغيرها من الوحدات العسكرية (قد يصل مجموعها 47,000 جندي).

التقارير الأمريكية المبكرة

أبلغت الإستخبارات الفرنسية مدير السي أي ايه جون ماكون خلال شهر عسله بباريس بأن السوڤيت ينصبون صواريخ في كوبا. وقد أنذر بدوره الرئيس كيندي بأن بعض السفن السوڤيتية تحمل تلك الصواريخ، ولكن كنيدي استنتج بعد نقاش مع كل من أخيه النائب العام روبرت كيندي ووزير الخارجية دين راسك ووزير الدفاع روبرت ماكنمارا بأن السوڤيت لن يفعلوا ذلك. وقد استلمت الحكومة الأمريكية رسائل نفي دبلوماسية متكررة من السوڤيت بأنه لا توجد صواريخ سوفيتية في كوبا ولن يخططوا لوضعها هناك، هذا ولم يكن الروس ميالين بإثارة مواجهة دولية تؤثر على سير الإنتخابات النيابية الأمريكية في نوفمبر[17].

في أواخر أغسطس أظهرت صور لطائرات إستطلاع مجموعة جديدة لمواقع مبنية من صواريخ سام، ولكن في 4 أكتوبر 1962 أبلغ كيندي الكونگرس الأمريكي بأنه لا يوجد صواريخ هجومية في كوبا. وفي نفس اليوم قابل روبرت كيندي السفير السوڤيتي. وفي نفس المقابلة عبر عن قلق أمريكا حيال أي صواريخ نووية في كوبا. وقد طمأنه السفير الروسي بأنها دفاعية وأن الإستحكامات العسكرية هي غير ذات أهمية. وبعدها بأيام أظهرت صور استطلاعية جوية مرة اخرى مباني وأحواض محصنة لغواصات مموهة بأنها قرية لصيادي اسماك. وفي 11 سبتمبر قال السوڤيت علنا بانهم ليسوا بحاجة لوضع أسلحة نووية خارج الإتحاد السوڤيتي بما فيهم كوبا. وبذات اليوم اتصل خروتشوف شخصيا بكيندي وأبلغه بأنه لن توضع أي أسلحة هجومية في كوبا[18].

رحلات U-2 والإكتشاف

صورة استطلاعية لصواريخ نووية سوڤيتية في كوبا. ويرى الشاحنات والخيام للتعبئة والصيانة

وصلت الدفعة الأولى من صواريخ SS-3 باليستية متوسطة المدى في مساء 8 سبتمبر، وتبعتها الدفعة الثانية بتاريخ 16 سبتمبر. وقد أتم السوڤيت بناء 9 مواقع لتلك الصواريخ، 6 لصواريخ SS-4، وثلاث مواقع لصواريخ SS-5 ذات مدى 2,400-mile (3,900 km). الترسانة المخطط لها كانت 40 منصة، ستزداد 70 ٪ في حالة الضربة الأولى. ولاحظ السكان الكوبيين ذلك وأرسلوا مئات التقارير إلى ميامي، وقد اعتبرتها المخابرات الأمريكية انها مزيفة[19].

بتاريخ 8 أكتوبر وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس الكوبي إزفالدو دورتيكوس (1919-1983) خلال خطابه: إذا تعرضنا لهجوم، سندافع عن أنفسنا. وسأقولها مرة أخرى، لدينا ما يكفي من الوسائل لدفاع عن انفسنا، فلدينا أسلحة حاسمة، وإن كنا لانفضل أن نحوز تلك الأسلحة أو استعمالها. هناك العديد من القضايا ليست بذات علاقة مع الصواريخ ولكنها لم تكتشف حتى يوم 14 أكتوبر، عندما أظهرت طائرات ال U-2 بناء لمواقع الصواريخ SS-4 بالقرب من سان كريستوبال بغربي كوبا.

خطط ردة الفعل الأمريكية

إطلع كيندي على الصور في 16 أكتوبر[20]، فاجتمع مع اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن الوطني، وهم 14 شخصا بالإضافة لأخيه روبرت في الساعة 9:00 صباحا، ولم يكن للحكومة أي خطة عمل للرد على مثل هذا التهديد، والسبب هو أن المخابرات الأمريكية كانت مقتنعة بأن السوڤيت لن يضعوا أي صواريخ نووية في الأراضي الكوبية. وقد ناقشت تلك اللجنة خمس خطوات قابلة للتنفيذ:

  1. لن يعملوا أي شيء.
  2. استعمال الضغوط الدبلوماسية لحث الإتحاد السوڤيتي على إزالة صواريخه.
  3. استخدام القصف الجوي لضرب الصواريخ.
  4. غزو عسكري شامل.
  5. حصار بحري لكوبا، وقد أعتمد استخدامه بحظر أكثر تشدد[21].

وقد اتفق جميع الأعضاء بأن الحل الوحيد هو عمل هجوم واسع النطاق وغزو كوبا. واعتقدوا بأن السوڤيت لن يحركوا ساكنا لوقف الغزو الأمريكي لكوبا، ولكن كيندي كان متشككا بذلك قائلا:

«هؤلاء أكثر منا نحن، الذين يستطيعون ترك هذه الأمور تمر بسلام بدون عمل شيء. وبعد كل ما فعلوه فهل يسمحوا لنا بأخذ صواريخهم وقتل خبرائهم ثم يتركوننا دون فعل شيء؟ فإذا لم يفعلوا شيئا بكوبا فبالتاكيد سيفعلونها في برلين[22]»

خلص كيندي بأن الهجوم الجوي سيجعل السوڤيت مقتنعين بأنهم أخذوا الضوء الأخضر لإحتلال برلين. بالإضافة إلى ذلك فإن حلفاء الولايات المتحدة سيكونون مقتنعين أيضا بأنهم خسروا برلين لأن الولايات المتحدة لم تتمكن من وضع حل سلمي للقضية الكوبية.

كنيدي مع وزير دفاعه ماكنمارا

دعم روبرت ماكنماراالحصار البحري بشكل قوي مع امكانيات عسكرية محدودة لإبقاء الأمريكان مسيطرين على الوضع.

وبتاريخ 18 أكتوبر قابل كيندي وزير الخارجية السوڤيتي أندريه جروميكو الذي شدد على أن لايوجد أسلحة هجومية في كوبا وأن الوجود السوڤيتي هو فقط لإصلاح الأراضي والدفاع. ولكن كيندي كان مطلعا وبشكل واسع على القدرات السوڤيتية عن طريق المنشق السوڤيتي (أولغ بنكوفسكي)[23]. وبالتحديد فهو على علم بأن السوڤيت يمضون ببطء في تطوير صواريخ عابرة للقارات لذا سيستفيدون من وضع صواريخ في كوبا ذات مدى متوسط وهي (SS-4 Sandal حسب تسمية الناتو وإسمها الحقيقي هو R-12 Dvina) و (SS-5 Skean حسب تسمية الناتو واسمها الحقيقي هوR-15 Chusovaya) كمقابل لصواريخ PGM-19 Jupiter الموجودة بتركيا وإيطاليا وصواريخ PGM-17 Thor متوسطة المدى بالمملكة المتحدة. لكن توزيع الصواريخ عابرة القارات الأمريكية كان من التنظيم بحيث أن الصواريخ متوسطة المدى مهملة ولا تستخدم إلا كأوراق مساومة.

تمكنت رحلات U-2 التجسسية بتاريخ 19 أكتوبر من تصوير 4 مواقع عمليات. وقد أرسلت الفرقة المدرعة الأولى إلى ولاية جورجيا وتم رفع درجة التأهب في خمس فرق عسكرية إلى الدرجة القصوى. ووزعت القيادة الجوية الاستراتيجية (SAC) قاذفات القنابل B-47 قصيرة المدى على مطارات مدنية، وجعلت قاذفات القنابل بي-52 تحلق عاليا وبشكل مستمر، وكليهما في حالة تأهب قصوى عند الهجوم، النقطة المهمة لطائرات البي 52 هي أنها غير معرضة لخطر الهجوم على قاعدتها. أما تشتيت طائرات B-47 فيجعل مهمة العدو الإفتراضي صعبة جدا لكي يهاجم جميع المطارات التي تحتوي على قاذفات قنابل.

أظهر اجتماع آخر للجنة التنفيذية لمجلس الأمن الوطني بأن عدد ضحايا الضربات الجوية سيكون مابين 10,000 إلى 20,000 شخص. وقد اكتشفت رحلة استطلاع أخرى قاذفات وصواريخ عابرة بالساحل الشمالي لكوبا، مما أعطى كيندي الأوامر بحصار كوبا[24]. وعندما استفسر منه الإعلام عن طبيعة تلك الأسلحة الهجومية قال لهم بأنه حظر تلك التقارير إلى مابعد خطابه للأمة، وقد أبلغ بريطانيا وباقي الحلفاء بنفس الليلة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تنفيذ الحظر

الرئيس كيندي يوقع على وثيقة إعلان منع تسليم أي أسلحة هجومية لكوبا في البيت الابيض، في 23 أكتوبر 1962

الحصار بالأعراف الدولية المعتادة هو منع جميع السفن من الدخول إلى المنطقة المحاصرة، ويعتبر نوع من أنواع الحروب. لذلك فالحظر يكون أكثر انتقائية كما بتلك الحالة، ويكون محدودا للأسلحة الهجومية فقط. بينما الوثائق الرسمية للبحرية الأمريكية تستخدم مصطلح حصار. هنا وثيقة للأدميرال جورج أندرسون آمر البحرية الأمريكية:

«في البداية كانت المشاركة لفرض حصار بحري ضد أي أسلحة هجومية خلال نطاق منظمة البلدان الأمريكية ومعاهدة ريو. وقد يتوسع هذا الحصار ليشمل جميع أنواع البضائع وأيضا النقل الجوي. هذا العمل يدعم الرقابة على كوبا، فمهمة آمر البحرية الأمريكية هي المتابعة عن كثب لما يسمى تنفيذ الحظر[25].»

للتمييز مابين حظر الأسلحة الهجومية مقابل حظر المواد الأخرى، وفي إشارة إلى أن الحصار التقليدي لم يكن هدفه الأساسي. بما أن الحظر يجري بالمياه الدولية فالرئيس كيندي أخذ الموافقة من (منظمة البلدان الأمريكية) للعمل العسكري حسب نصوص معاهدة ريو للدفاع عن نصف الكرة الغربي.

اشتراك أمريكا اللاتينية بالحظر من خلال ابلاغ قائد عمليات جنوب المحيط الأطلسي [COMSOLANT] بإشراك الأرجنتين بمدمرتين حيث ستكون في ترنيداد في 9 نوفمبر، بالإضافة إلى غواصة وكتيبة مشاة بحرية مع توفير رافعة إن تطلب الأمر لها. وابلغ قائد [COMSOLANT] ايضا بإرسال فنزويلا لمدمرتين وغواصة ستكون جاهزة للإبحار في 2 نوفمبر. حكومة ترنيداد وتوباگو عرضت قاعدتها البحرية للإستخدام من قبل دول أمريكا خلال الحظر. ووفرت جمهورية الدومنيكان سفينة حراسة. وأبلغت كولومبيا باستعدادها لتجهيز وحدات وسترسل ضباط عسكريين إلى الولايات المتحدة لمناقشة الإستعدادات. وقد وفر سلاح الطيران الإرجنتيني 3 طائرات إضافية للمشاركة بعمليات الحظر[25].

بالساعة السابعة مساءا ألقى الرئيس كيندي خطابا متلفزا بالإعلان عن اكتشاف الصواريخ.

تفاقم الأزمة

في الساعة 11:24 صباحا وصلت برقية إلى سفيري أمريكا في تركيا والناتو تخبرهم بأن يأخذوا بعين الاعتبار تقديم عرض لسحب الصواريخ من تركيا مقابل الانسحاب من كوبا. وبعد ذلك، في صبيحة 25 أكتوبر كتب أحد الصحفيين في عموده نفس العرض السابق، وقد فسر ذلك بأنه بالون اختبار طرحته إدارة كينيدي لجس النبض.

بالوقت الذي استمرت الأزمة بدون توقف، أفادت وكالة الأنباء تاس هذا المساء عن تبادل الرسائل مابين خروتشوف و بيرتراند راسل، حيث حذر خروشوف من ان "قرصنة" الولايات المتحدة قد تؤدي إلى الحرب. لكن أعقب ذلك برقية في الساعة 9:24 مساءا من خروشوف إلى كنيدي والتي تم استلامها في الساعة 10:52 مساءا والتي ذكر فيها "إذا كنت تقيس الحالة التي وصلت بهذا البرود وبدون فسح المجال للمشاعر، فستعلمون أن الاتحاد السوڤيتي لا يسعه إلا الرفض لمطالب الولايات المتحدة العبثية"، ويرى الإتحاد السوڤيتي أن الحصار هو عمل عدواني وأصدر التعليمات لسفنه بتجاهله.

أصدرت قيادة القوات المشتركة في مساء 23 أكتوبر تعليمات إلى القيادة الجوية الإستراتيجية بالتجهيز لحالة الإستعداد الثانية (DEFCON 2)، ولهذه المرة فقط بتاريخ العسكرية تم تعمد إرسال الرسالة واستقبالها بدون تشفير، لكي يسمحوا للعملاء السوڤيت بإلتقاطها[3]. انشأ سلاح الطيران وبسرعة منظومة رادار للإنذار المبكر ومكونة من ثلاث قواعد رادار للإنذار المبكر لمراقبة قواعد الصواريخ في كوبا وقد تم اعطائها رمز عملية أوراق الخريف (Operation Falling Leaves) وقد كانت نسخ تلك المنظومة الرادارية تجريبية في ذلك الوقت. وكل قاعدة رادار متصلة بخط ساخن مع قيادة الدفاع الجوي لشمال أمريكا أو إختصارا NORAD.

بالساعة 1:45 صباحا رد كيندي على برقية خروتشوف، مبينا بأن الولايات المتحدة قد أجبرت على تلك الخطوة بعد استلامها تأكيدات متكررة من طرفكم بأنه لايوجد صواريخ هجومية في كوبا، وقد تبين أن التطمينات كانت مجرد هراء، والإنتشار "تطلب مني ردة الفعل التي أعلنتها... وأرجو من حكومتكم أن تفعل الخطوات الضرورية للسماح بالعودة إلى الوضع السابق."

صورة لخريطة كشفت مؤخرا واستخدمتها البحرية الأمريكية تبين مواقع من السفن الاميركية والسوڤيتية في ذروة تلك الأزمة

بالساعة 07:15 صباحا حاولت كلا من حاملة الطائرات اسكس Essex و جيرنغ Gearing اعتراض السفينة بوخارست ولكنهم لم يستطيعوا منعها، لكن وإلى حد ما لم تكن بالناقلة أي مواد عسكرية وقد سمح لها بالمرور خلال الحصار. وبالساعة ال5:43 مساءا أمر قائد القوة المحاصرة الحاملة كيندي بإعتراض وتفتيش سفينة الشحن اللبنانية Marcula. وتم العمل بذلك باليوم التالي وفحصت السفينة ثم سمح لها بالمرور إلى كوبا بعد تفتيشها.

بالساعة 5:00 مساءا أعلن دين رسك بأن العمل بنصب الصواريخ الموجودة بكوبا لا يزال يمضي على قدم وساق. وقد تم التحقق من هذا التقرير لاحقا عن طريق تقارير السي أي إيه والتي تقول بأن لا يوجد هناك أي تخفيض بمستوى البناء إطلاقا.

في صباح اليوم التالي، أبلغ كيندي اللجنة التنفيذية بأنه بات متأكدا بأن إزالة الصواريخ من كوبا لن يكون إلا بالغزو، ولكنه سوف يعطي فرصة للإستمرار بالضغط العسكري والدبلوماسي. وقد أعطى الأمر بالموافقة على زيادة رحلات الطيران المنخفض فوق الجزيرة من مرتين باليوم إلى مرة كل ساعتين. وأمر بعمل برنامج مكثف لتأهيل حكومة مدنية جديدة في حال إتمام الغزو.

يبدو أن الأزمة وبشكلها الحالي في طريق مسدود. فالسوڤيت لم يعطوا أي إشارة بالتراجع بل واعطوا تلميحات معاكسة. والأمريكان ليس لديهم سبب للإعتقاد بخلاف ذلك ثم أنهم بالمراحل الأولى من التجهيز بالغزو. إلى جانب ضربة نووية للاتحاد السوڤيتي في حال كانت ردة فعلهم عسكرية.[26]

مفاوضات سرية

بالواحدة ظهرا طلب أحد اعضاء الإستخبارات السوڤيتية من الصحفي الأمريكي في قناة ABC جون سكالي (خلال دعوة غداء)التوسط لدى الحكومة الأمريكية لأن "الحرب على حافة الإندلاع" -على حد قول العميل الروسي- وطلب منه عمل إتصالاته مع أصدقائه ذوو المناصب الرفيعة بالخارجية الأمريكية ليرى إن كانوا يرغبون بالحلول الدبلوماسية. واقترح بان تحتوي الصفقة على أخذ الضمانات من الإتحاد السوڤيتي لإزالة الأسلحة تحت إشراف الأمم المتحدة وأن يعلن كاسترو بعدم دخول مثل تلك الأسلحة بالمستقبل، مقابل إعلان رسمي أمريكي بأنهم لن يغزو كوبا. رد الأمريكان بان طلبوا من الحكومة البرازيلية إيصال رسالة إلى كاسترو بأنهم لايرغبون بغزو الجزيرة في حالة إزالة الصواريخ.

بالساعة 6:00 مساءا استلمت الخارجية الأمريكية رسالة يبدو أنها من خروتشوف شخصيا، وكما وصفها روبرت كيندي بانها طويلة جدا وعاطفية. كرر فيها خروتشوف الخطوط العريضة والتي قيلت لسكالي قبل ذلك، "أقترح: نحن من جانبنا سنعلن أن سفننا المتجهة إلى كوبا لاتحمل أي تسليحات. وانت ستعلن بان الولايات المتحدة لن تغزو كوبا بجيوشها ولن تدعم أي قوة اخرى تحاول التفكير بغزو كوبا. ثم سيختفي أي حضور ضروري لمستشارينا العسكريين في كوبا". بالساعة 6:45 وصلت أخبار عرض العميل السوڤيتي لسكالي والتي فسرت أنها من نتاج خروتشوف نفسه. وقد اعتبرت الوثيقة رسمية ودقيقة، بالرغم من المعلومات الوردت لاحقا بأن العميل الروسي قد عمل من تلقاء نفسه وبدون دعم رسمي. وتم إعطاء الأوامر بدراسة الرسالة دراسة دقيقة وقد استغرق ذلك الليل كله.

استمرار الأزمة

صاروخ S-75 مثبت بقاعدته. وهو الصاروخ الذي ضرب طائرة U-2 فوق كوبا.

كان كاسترو شبه متأكد من أن هناك غزو أمريكي قريب للجزيرة، وأرسل رسالة لخروتشوف ويبدو من أنه يدعوه لتوجيه ضربة استباقية للولايات المتحدة. وقد أمر جميع الأسلحة المضادة للطيران بضرب أي طائرة أمريكية تحلق فوق الجزيرة، حيث أن هناك أوامر سابقة بضرب فقط أي سرب من طائرتين فأكثر. بالساعة 6:00 صباحا يوم 27 أكتوبر أرسل عملاء الCIA مذكرة قالوا فيها من الواضح بأن 3 من 4 مواقع صواريخ في سان كريستوبال وموقعين في ساغو لا غراند يعملان بكامل طاقتهما. وأيضا الجيش الكوبي مستمر بمتابعته للموضوع، ولكنهم تحت أوامر بعدم التشغيل إلا إذا تعرضوا لهجوم.

بالساعة 9:00 صباحا بدأ راديو موسكو بإذاعة رسالة من خروتشوف مناقضة للرسالة التي أرسلت الليلة الماضية، معطية عرضا جديدا وهو إزالة الصواريخ من كوبا بالمقابل إزالة صواريخ جوبيتر من تركيا. فطوال فترة الأزمة أعلنت تركيا وبشكل متكرر عن غضبها إذا تم إزالة صواريخ جوبيتر من أراضيها. فاجتمع أعضاء اللجنة التنفيذية مرة أخرى لمناقشة الوضع المستجد، فاستخلصوا بأن التغيير بالخطاب كان خلال نقاش مابين خروتشوف وباقي أعضاء الحزب بالكرملين[27]. وأبلغهم ماكنامارا بأن هناك باخرة أخرى "غروزني" على بعد 600-mile (1,000 km) خارج الحدود البحرية وسوف يتم اعتراضها. وأخبرهم أيضا بأنهم لم يبينوا للإتحاد السوڤيتي خط الحظر واقترح بتمرير تلك المعلومات خلال يو ثانت بالأمم المتحدة.

طائرة سلاح الجو الأمريكي U-2 "Dragon Lady" وقد تم اسقاط واحدة منها في كوبا.

بالساعة 11:03 صباحا وخلال اجتماع اللجنة وصلت رسالة من خروتشوف. وتقول بعض المقاطع من الرسالة: "إنك منزعج من كوبا. وأنت تقول إن هذا يزعجك لأنها تبعد عن سواحل الولايات المتحدة 90 ميلا فقط عبر البحر. لكن... أنت وضعت صواريخ ذات قوة تدميرية هائلة، من النوع الذي تسميه هجومية في تركيا, وملاصقة لنا تماما... لذلك فأقترح التالي: نحن على استعداد لإزالة الأشياء التي تعتبرها هجومية من كوبا... بالمقابل يعلن ممثليكم بأن الولايات المتحدة سوف تزيل الأشياء النظيرة لها من الأراضي التركية... ثم بعد ذلك، يقوم أشخاص موكلون من مجلس الأمن للأمم المتحدة بتفتيش المواقع لمعرفة مدى استيفاء للوعود التي قطعت." وقد استمرت اللجنة باجتماعها حتى نهاية اليوم.

محرك الطائرة لوكهيد U-2 والتي اسقطت فوق كوبا معروضة بمتحف الثورة في هافانا

بالساعة 12:00 بتوقيت الساحل الشرقي تم ضرب طائرة أمريكية من نوع U-2 فوق الأراضي الكوبية واسقاطها بواسطة صواريخ سوڤيتية S-75 موضوعة بكوبا مما زاد من توتر النقاش مابين الولايات المتحدة والإتحاد السوڤيتي. وقد علم بعد ذلك أن قرار ضرب الطائرة جاء من قائد سوڤيتي لم تحدد هويته وتحت طائل تفويضه الخاص. بعدها أي بحوالي الساعة 3:41 مساءا تعرضت عدة طائرات استطلاع (F-8) كانت بمهمة تصوير استطلاعي على مستوى منخفض لإطلاق نار وأصيبت إحداهم بطلقات 37مم ولكنها استطاعت العودة للقاعدة.

بالرابعة من بعد الظهر اجتمع كيندي مع اللجنة التنفيذية بالبيت الأبيض وأمر بإرسال رسالة فورية ليوثانت يسأله إن كان السوڤيت يرغبون بتعليق العمل بالصواريخ خلال تلك المناقشات المستمرة. وخلال ذلك الإجتماع تم الإعلان بأن طائرة يو-2 قد اسقطت. مع إنه قال قبل ذلك بأنه سوف يصدر أوامر بمهاجمة أي موقع يطلق النيران، ولكنه فضل هنا ترك الموضوع وعدم الرد إلا إذا ماتم هجوم آخر. يتذكر ماكنامارا في مقابلة بعد الأزمة ب 40 عاما قائلا:

«كنا قد ارسلنا طائرة يو-2 لزيادة الإستطلاع وجلب معلومات أكثر عن مدى جاهزية الصواريخ السوڤيتية. وكنا متاكدين بأن إسقاط تلك الطائرة لم يكن عن طريق الكوبيين، فليست لديهم تلك الإمكانيات، أما السوڤيت فلديهم ذلك، وكنا نعلم بأن اسقاطها كان عن طريق صواريخ أرض-جو (سام)، وهذا القرار من جانب السوڤيت يمثل تصعيدا للنزاع، وبالتالي فقد اتفقنا قبل إرسال طائرة يو-2 إن تم اسقاطها فلن نتقابل، لأننا ببساطة سوف نهاجم. لكن، طائرة اليو-2 اسقطت يوم الجمعة [...]. لحسن الحظ كنا قد غيرنا رأينا، فقد اعتقدنا "ربما كان حادثا غير مقصود، فلنصبر ولا نهاجم الآن." علمنا بعد ذلك بأن خروتشوف تمسك بالعقل كما فعلنا، ثم أرسلنا طائرة يو-2 أخرى، فإن تعرضت للضرب، فقناعته التي سنأخذ بها انها ستكون تصعيد متعمد. لذلك فقد أصدر الأوامر لبلييف القائد السوڤيتي في كوبا بمنع جميع البطاريات من اسقاط أي طائرة يو-2.»


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صياغة خطاب الرد

خلال الإجتماع، إقترح كيندي بتبني عرض خروتشوف لإبعاد شبح الصواريخ، لكن اللجنة كانت ضد العرض لأنه يضعف هيبة الناتو، والحكومة التركية كانت قد كررت رفضها لمثل هذا العرض. الشيء الذي يجهله معظم أعضاء تلك اللجنة أن روبرت كيندي قد قابل السفير السوفيتي في واشنطن ليطلع ماإذا كانت تلك النوايا حقيقية أم لا.

وخلال الإجتماع، ظهرت خطة جديدة اقتنع بها كيندي بصعوبة، وتطلب تلك الخطة من الرئيس بتجاهل عرض خروتشوف الأخير والرد على عرضه الأول. وقد كان كيندي مترددا بالبداية، مقتنعا بأن خروتشوف لن يوافق على العرض بسبب عرضه الجديد، لكن ليويلن تومسون (السفير السابق للإتحاد السوڤيتي) قال بأنه قد يعطي الموافقة على ذلك. مستشار البيت الأبيض القانوني تيد سورينسن وروبرت كيندي تركا الإجتماع لصياغة الخطاب وعادا بعد 45 دقيقة مع الخطاب وقد عمل به الرئيس عدة تغييرات قبل عمل الموافقة النهائية لطباعته وإرساله.

بعد انتهاء اجتماع الهيئة، كان هناك اجتماع صغير بالمكتب البيضاوي. ناقشت فيه المجموعة على ضرورة إرسال الرسالة مع لهجة مشددة للسفير الروسي بأنه في حالة عدم سحب الصواريخ، سيكون الرد عسكريا لسحبها. وقد أضاف الوزير دين رسك فقرة بأنه تركيا لن تكون طرفا بالمقايضة، ولكنه سيكون معلوما بأن سحبنا للصواريخ سيصبح طوعيا بعدها مباشرة، وقد وافق الرئيس وتم إرسال الرسالة.

احدى اجتماعات اللجنة التنفيذية خلال أزمة صواريخ كوبا. ويبدو الرئيس كيندي مع وزير الخارجية دين رسك ووزير الدفاع مكنامارا بالبيت الأبيض

اجتمع فومين مرة اخرى مع سكالي. وسأله سكالي: لماذا كانت ردود خروتشوف بالرسالتين مختلفة، فادعى فومين بأنه قد يكون ضعف الإتصالات هو السبب. فرد سكالي عليه بأن كلامه غير موثوق وصرخ قائلا: "بأنها خيانة كريهة الرائحة". واقر له بأن الغزو سيكون بعد عدة ساعات، وعند تلك النقطة قال فومين بأنه يتوقع أن يصل الرد من خروتشوف سريعا إلى الولايات المتحدة. وألح على سكالي إبلاغ وزارة الخارجية بأنه لايقصد بأي خيانة. فرد عليه أنه لا يعتقد بأن سيصدقه أحد، وإن وافق على إيصال الرسالة، فتفرق كليهما إلى طريقه. وقد أرسل سكالى مذكرة فورية إلى اللجنة التنفيذية يبلغهم بما حصل.

كانت هناك قناعة داخل الإدارة الأمريكية بأن تجاهل العرض الثاني والعودة للعرض الأول سيضع خروتشوف في موقف صعب جدا، فالتجهيزات العسكرية مستمرة، وتم استدعاء جميع العاملين بسلاح الطيران للتواجد في قواعدهم تحسبا لأي طارئ. وقد وصف روبرت كيندي هذا المزاج العام: "لم نتخلى عن جميع الأمل الموجود، ولكن ماهو الأمل المتبقي مع خروتشوف ليراجع مقترحاته بالساعات التالية. إنه شيء نأمله ولم نتوقعه. المتوقع هي مواجهة عسكرية ستكون يوم الثلاثاء، وربما غدا..".

في الساعة 8:05 مساءا أُرسل الخطاب الذي تم صياغته هذا اليوم. ومفاده : "كما قرأت رسالتك، فإن الخطوط العريضة لمقترحك مقبولة بشكل عام وهي كما فهمتها: 1) موافقتك على إزالة أنظمة الصواريخ من كوبا تحت إشراف ورقابة الأمم المتحدة، ثم القيام بإشراف أمني لمنع أي إدخال آخر لمثل تلك المنظومات إلى كوبا. 2) نحن ومن جانبنا موافقون إنشاء الترتيبات الكافية من خلال الأمم المتحدة لضمان استمرار وتنفيذ الالتزامات التالية: (أ) إزالة الفورية للحظر الواقع. و (ب) إعطاء الضمان بعدم غزو كوبا". الخطاب قد تم إرساله للصحافة لضمان وصولها بسرعة.

مع إرسال الرسالة كان هناك برنامج عمل على طاولة البحث. لأنه وكما لاحظ روبرت كنيدي كان التوقع بالموافقة ضعيف. في الساعة 9:00 مساءا إجتمعت الهيئة مرة اخرى لمراجعة أحداث اليوم التالي. كانت الخطط الموضوعة هي ضربات جوية على منصات تلك الصواريخ بالإضافة إلى أهداف اقتصادية، كأماكن تخزين النفط. وصرح مكنامارا بأنه سيتعين عليهم تجهيز التالي: حكومة لكوبا، لأننا سنحتاج لذلك. ثانيا خطة عمل للرد السوڤيتي في أوروبا, لأنهم بالتأكيد سوف يفعلون شيئا ما هناك.

في الساعة 12:12 صباح يوم 27 أكتوبر، أبلغت الولايات المتحدة حلفائها بحلف الناتو بان "الوضع يتطور وبسرعة... وقد تجد الولايات المتحدة وخلال فترة قصيرة جدا مضطرة مع حلفائها الغربيين لفعل عمل عسكري ضروري". وقد أضيف إلى هذا القلق تقرير من ال CIA وصل الساعة 6:00 صباحا يفيد بأن جميع منصات الصواريخ في كوبا قد باتت جاهزة للعمل.

في هذا اليوم 27 أكتوبر، ألقت البحرية الأمريكية مجموعة من قنابل الأعماق على الغواصة السوڤيتية (B-59) داخل نطاق الحظر، غير مدركين بأنها مسلحة بطوربيدات ذات رؤوس نووية مع أوامر سمح لها أن تستخدم هذا السلاح إذا ثقبت الغواصة (ثقب في جسم السفينة جراء قنابل الأعماق أو إطلاق نار من السطح)[28].

إنهاء الأزمة

بعد مشاورات مطولة بين السوڤيت والإدارة الأمريكية، وافق كيندي على المطالب المتعلقة بإزالة جميع قواعد الصواريخ الموجودة على الحدود التركية السوڤيتية بالمقابل إزالة خروتشوف لجميع المنصات الموجودة بكوبا.

في الساعة ال 9:00 من صبيحة 28 أكتوبر، وصلت رسالة من خروتشوف كانت قد أذاعها راديو موسكو. صرح فيها خروتشوف التالي:" أصدرت الحكومة السوفيتية إضافة إلى القرارات السابقة بوقف أي أعمال إضافية في بناء قواعد للأسلحة، فقد أصدرت قرار جديد بتفكيك الأسلحة التي توصف بالهجومية وقواعدها وإعادتهم إلى الإتحاد السوڤيتي".

وجاء رد كندي سريعا، وذلك بإصدار بيان فيه دعوة "إلى المساهمة البناءة والهامة في عملية السلام". واستمر فيها قائلا: "أخذت رسالتي إليك بالسابع والعشرين من أكتوبر وردك اليوم بعين الإعتبار بالقيام بمهمة قوية من جانب حكومتينا والتي ينبغي تنفيذها فورا. وستقوم الولايات المتحدة بعمل تقرير في إطار عمل مجلس الأمن بخصوص كوبا على النحو التالي: ستعلن بأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية سوف تحترم حرمة الحدود الكوبية، وسيادتها، وتتعهد بعدم التدخل بالشؤون الداخلية وعدم إقحام أنفسهم وعدم السماح باستخدام الأراضي الأمريكية كجسر لغزو كوبا، وستمنع كل من يخطط لأعمال عدوانية لكوبا سواءا من الأراضي الأمريكية أو أراضي دول مجاورة لكوبا[29].

يعتبر كاسترو من أكبر المستفيدين من معاهدة كندي-خروشوف، فهي من الجانب العملي قد شددت من قبضته داخل كوبا التي لن تهاجمها أمريكا. من جانب آخر كانت كوبا هي المكان الوحيد الذي يستطيع خروتشوف أن يضع صواريخه بها لكي يقايض بها كيندي لإزالة الصواريخ الموجودة بتركيا، لهذا لن يكون للسوڤيت نية اللجوء إلى حرب نووية إن كانوا خارج مرمى نيران الأمريكان. لكن بما أن سحب الصواريخ من تركيا لم يكن له صدى قوي بذلك الوقت، فإن خروتشوف بدأ وكأنه الطرف الخاسر بتلك الأزمة. وأدرك كيندي بأنه ربح الرهان مابين القوتين الجبارتين وظهر خروشوف كأنه ذليل. ولكن لم تكن تلك هي الحالة بشكل عام حيث أن كلا من خروشوف وكيندي حاولا جهدهما لتجنب أزمة رغم الضغط الشعوب على حكوماتهم، واستمر خروشوف بالحكم لمدة عامين بعد ذلك[29].

نتائج الأزمة

أحرجت تلك التسوية خروتشوف والإتحاد السوڤيتي بشكل حاد وذلك أن سحب الولايات المتحدة لصواريخها من تركيا لم يكن له تأثير إعلامي قوي— بل كانت اتفاقية سرية مابين كيندي وخروتشوف. واعتبر الروس بأنه انسحاب من الأوضاع التي بدأوا بها— ولو أنهم تصرفوا بشكل جيد لأصبحت الأمور مغايرة وتسير بالإتجاه المعاكس. وقد تنحى خروتشوف عن الحكم بعدها بسنتين بسبب (وإن كان جزئيا) الإحراج الذي تلقاه المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب من سوء تصرف خروتشوف بتسريع وتيرة الأزمة في البداية وبالآخر يقدم تنازلات للولايات المتحدة. ولكن هذه الأزمة لم تكن الوحيدة التي أسقطت خروتشوف عن الحكم، إنما السبب الرئيسي هو قناعة منافسيه السياسيين مثل ليونيد بريجينيف بعدم قدرته بأخذ زمام الأمور عند الأزمات العالمية.

أما كوبا، فقد حدثت خيانة جزئية من طرف السوڤيت نظرا لأن القرارات بشأن كيفية حل الأزمة قد تمت مابين كيندي وخروتشوف، ولم تعالج المواضيع التي تهم كوبا كوضع جوانتاناموا. مما أدت إلى تدهور بالعلاقات الكوبية السوڤيتية لعدة سنوات[30]. ولكن استفادت كوبا من شرط عدم تعرضها للغزو.

أحد القادة الميدانيين بالجيش الأمريكي لم يكن راضيا عن النتيجة أيضا. إنه الجنرال ليماي الذي أبلغ الرئيس بأن ماحصل هو أكبر هزيمة بالتاريخ الأمريكي، وقد كان يجب علينا أن نبدأ الغزو مباشرة.

أزمة الصواريخ الكوبية حفزت على عمل خط ساخن ومباشر مابين موسكو-واشنطن، الغرض من تلك الخاصية هي تسهيل عمل اتصالات مباشرة مابين قادة الدولتين النوويتين عند حل أي أزمة شبيهة بأزمة أكتوبر 1962.

بعض المعلقون السياسيون (مثل ميلمان 1988 و هيرش 1997) قالوا بأن تلك الأزمة هيئت الأجواء لأمريكا لإستخدام الحلول العسكرية، مثل حرب فيتنام.

المواجهة الأمريكية-الروسية كانت متزامنة مع الحرب الهندية الصينية، التي بدأت وقت الحظر العسكري الأمريكي لكوبا. وتكهن المؤرخون بأن الهجوم الصيني ضد الهند من أجل أراض متنازع عليها كان مقصدها ليتزامن مع الأزمة الكوبية[31].

نقاط تاريخية

خلص المؤرخ والمستشار في عهد كندي أرثر شلسنجر بمقابلة لراديو (National Public Radio) في 16 أكتوبر 2002 بأن كاسترو لم يكن يريد تلك الصواريخ وإنما وافق تحت ضغط سياسي من خروتشوف وبحجة "التضامن الإشتراكي". وأقر أيضا بانه لم يكن مرتاح تماما لفكرة الصواريخ في أراضي كوبا. فالجمعية الوطنية الكوبية للثورة قبلت ذلك لحماية كوبا ضد أي هجوم أمريكي، ولمساعدة حليفهم الرئيسي وهو الإتحاد السوڤيتي[32]. وقد أقر شليزنجر بأن كاسترو بعد قبوله الصواريخ قد غضب من خروتشوف أكثر من كيندي بعد الأزمة، لسحبه الصواريخ بدون أن يقرر النقاش معه في مسألة السحب[33].

أوائل عام 1992 جرى التأكيد على أن القوات السوڤيتية الرئيسية في كوبا وقبل اندلاع الأزمة قد استلمت رؤوس حربية نووية تكتيكية لراجمات الصواريخ وقاذفات القنابل إليوشن IL-28[34]. مع أن الجنرال أناتولي گريبكوڤ أحد أعضاء السوڤيت المسؤولين عن تلك العملية، قال بأن قائدهم وهو الجنرال عيسى بلييف كانت له صلاحية مسبقة لإستخدامها إذا شنت الولايات المتحدة حملة واسعة النطاق لغزو كوبا. وقال بأن تفويض الكرملين لم يوقع عليه ولم يتم ارساله. روايات أخرى تقول بأن بلييف قد أعطي له التفويض لإستخدام الأسلحة النووية التكتيكية ولكن بالحالات القصوى جدا -كغزو الولايات المتحدة للجزيرة وبحيث تكون الإتصالات مقطوعة مع موسكو- ويبدو أن القوات الأمريكية كانت مستعدة للهجوم (بعد عملية اسقاط طائرة ال U-2 ولكن قبل القاء كيندي خطابه التلفزيوني)، وقد ألغى بعدها خروتشوف التفويض الذي أعطاه لبلييف لإستخدام الأسلحة التكتيكية النووية وحتى بالحالات القصوى.

وكان كاسترو يعلم بأن الرؤوس الحربية قد وصلت بالفعل كوبا وقد أوصى بإستخدامها، بالرغم من يقينه بأن ذلك قد يدمر الجزيرة بأكملهاإذا اندلعت حرب نووية[34].

اطلقت مكتبة جون ف كيندي في أكتوبر 1997 مجموعة من التسجيلات توثق الأزمة خلال الفترة من 18 وحتى 29 أكتوبر. تلك التسجيلات قد تم عملها داخل المكتب البيضاوي، وتشمل مذكرات النقاش الشخصية للرئيس كيندي، ومحادثاته مع مستشاريه، والمقابلات مع هيئة الاركان المشتركة واعضاء من اللجنة التنفيذية الخاصة.

يمكن القول إنه لم يتم تمييز أخطر لحظة في الأزمة بها حتى تم عمل مؤتمر هافانا لأزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 2002، وحضره الكثير من قدامى محاربي تلك الأزمة، وقد علم أنه يوم 26 أكتوبر 1962 رمت المدمرة الأمريكية بيل (USS Beale) قنابل أعماق على غواصة كانت مجهولة الهوية لديهم، وقد كانت بالواقع غواصة سوڤيتية ومجهزة بالأسلحة النووية. وقد اندلعت مشادة بين القادة الثلاثة مع الجنرال فاسيلي أرخيبوف الذي عارض قرارهم بإرسال طوربيد نووي لتدمير المدمرة الأمريكية. وهو بذلك له الفضل في تفادي نشوب حرب نووية بتلك اللحظة.

انظر أيضاً

مصادر

  1. ^ Nicolas Rivero. Castro's Cuba. 1962. LOC: 62:10759. page 13.
  2. ^ خطأ في استخدام قالب template:cite web: Parameters url and title must be specified
  3. ^ أ ب Franklin, Jane, [excerpts from The Cuban Missile Crisis - An In-Depth Chronology], http://andromeda.rutgers.edu/~hbf/missile.htm 
  4. ^ خطأ في استخدام قالب template:cite web: Parameters url and title must be specified
  5. ^ Cuban resolution, U.S. Public Law 87-733, S.J. Res. 230
  6. ^ أ ب Kennedy, John F. (أكتوبر 22 1962), خطاب عن أزمة الصواريخ الكوبية, http://edition.cnn.com/SPECIALS/cold.war/episodes/10/documents/kennedy.speech/  خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صالح؛ الاسم "JFK1962" معرف أكثر من مرة بمحتويات مختلفة.
  7. ^ أ ب Absher, Kenneth Michael (2009). "Mind-Sets and Missiles: A First Hand Account of the Cuban Missile Crisis". Strategic Studies Institute, United States Army War College. {{cite journal}}: Cite journal requires |journal= (help)
  8. ^ أ ب ت Franklin, Jane (1997). Cuba and the United States: A Chronological History. Melbourne: Ocean Press. ISBN 1-875284-92-3.
  9. ^ Kempe, Frederick (2011). Berlin 1961. Penguin Group USA.
  10. ^ Rodriguez (October 1989). Shadow Warrior: The CIA Hero of 100 Unknown Battles. John Weisman. Simon & Schuster. ISBN 978-0-671-66721-4.
  11. ^ "Proclamation 3447 - Embargo on All Trade With Cuba" (PDF). 76 Stat. 1446. U.S. Government Printing Office. February 3, 1962. {{cite web}}: External link in |work= (help)
  12. ^ أرشيف المعلومات النووية, المجلس الوطني للدفاع عن الموارد, http://www.nrdc.org/nuclear/nudb/datainx.asp, retrieved on 2006-08-04 
  13. ^ Melman, 1988, p.119
  14. ^ أ ب ت ث ج ح خ د Executive Producer: Philip Nugus (2006). سباق التسلح: قنبلة نووية (television). Military Channel & Nugus/Martin Productions LTD.
  15. ^ Dulles, Allen (3 August 1960), Memorandum for the President [Eisenhower [regarding Kennedy/Johnson campaign briefings]], http://www.thespacereview.com/archive/523.pdf 
  16. ^ Great Russian Encyclopedia. Vol. 1. Bol'shaya Rossiyskaya Enciklopediya. 2005. p. 649.
  17. ^ كينيدي, روبرت. Thirteen Days: A memoir of the Cuban Missile Crisis. W.W. Norton & Company. pp. 3–5. ISBN 0-393-09896-6.
  18. ^ The Cuban Missile Crisis, BBC
  19. ^ Interview with Sidney Graybeal - 29.1.98, George Washington University National Security Archive, http://www.gwu.edu/~nsarchiv/coldwar/interviews/episode-21/graybeal3.html 
  20. ^ Revelations from the Russian Archives
  21. ^ Allison, Graham. Essence of Decision. Pearson Education. pp. 111–116. ISBN 0-321-01349-2.
  22. ^ Kennedy, Robert. Thirteen Days: A memoir of the Cuban Missile Crisis. W.W. Norton & Company. p. 14. ISBN 0-393-09896-6.
  23. ^ Interview with Joe Bulik, George Washington University National Security Archive, oral histories, http://www.gwu.edu/~nsarchiv/coldwar/interviews/episode-21/bulik1.html 
  24. ^ The Cuban Missile Crisis, October 18-29, 1962, audio recordings
  25. ^ أ ب Anderson, George Whelan Jr. (Chief of Naval Operations), "Introduction", The Naval Quarantine of Cuba, 1962, U.S. Naval Historical Center, Report on the Naval Quarantine of Cuba, Operational Archives Branch, Post 46 Command File, Box 10, Washington, DC, http://www.history.navy.mil/faqs/faq90-5.htm  خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صالح؛ الاسم "NHC" معرف أكثر من مرة بمحتويات مختلفة.
  26. ^ Helms, Richard (Deputy Director for Plans, CIA) (19 January 1962), Memorandum for the Director of Central Intelligence: Meeting with the Attorney General of the United States concerning Cuba, George Washington University National Security Archives, http://www.gwu.edu/~nsarchiv/nsa/cuba_mis_cri/620119%20Meeting%20with%20the%20Attorney%20Gen..pdf 
  27. ^ For the Presidents Eyes Only, pg. 300
  28. ^ "أزمة الصواريخ الكوبية, 1962: ظهور الصحافة, 11 أكتوبر 2002, 5:00 PM". جامعة جورج واشنطن. 2002-10-11. Retrieved 2008-10-26.
  29. ^ أ ب Faria p. 103 خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صالح؛ الاسم "Faria" معرف أكثر من مرة بمحتويات مختلفة.
  30. ^ Ramonet, Ignacio, Fidel Castro: My Life. Penguin Books: 2007, p. 278. ISBN 978-0-14-102626-8
  31. ^ Frontier India India-China Section Note alleged connections to Cuban Missile Crisis
  32. ^ Ramonet, Ignacio, ibid, p. 272
  33. ^ في سيرته الذاتية، لم يقارن كاسترو مابين إحساسه تجاه كلا الزعيمين بتلك اللحظة, ولكنه أبدى غضبه الشديد تجاه خروتشوف بسبب عدم الإستشارة معه. أنظرRamonet, Ignacio, Fidel Castro: My Life. Penguin Books: 2007, pp. 284-5. ISBN 978-0-14-102626-8
  34. ^ أ ب Arms Control Association: Arms Control Today

مراجع

  • Allison, Graham and Zelikow, P. Essence of Decision: Explaining the Cuban Missile Crisis; New York: Longman, 1999.
  • Blight, James G., and David A. Welch. On the Brink: Americans and Soviets Reexamine the Cuban Missile Crisis; New York: Hill and Wang, 1989.
  • Chayes, Abram. The Cuban Missile Crisis, International Crisis and the Role of Law; Oxford University Press, 1974; 2nd ed., 1987.
  • Diez Acosta, Tomás, October 1962: The 'Missile' Crisis As Seen From Cuba; Pathfinder Press, New York, 2002.
  • Divine, Robert A. The Cuban Missile Crisis; New York: M. Wiener Pub.,1988.
  • Faria, Miguel, Cuba in Revolution—Escape from a Lost Paradise(2002); Hacienda Publishing, Macon, Georgia, ISBN 0-9641077-3-2. http://www.haciendapub.com
  • Frankel, Max, High Noon in the Cold War; Ballantine Books, 2004; Presidio Press (reprint), 2005; ISBN 0-345-46671-3.
  • Fursenko, Aleksandr, and Naftali, Timothy; One Hell of a Gamble - Khrushchev, Castro and Kennedy 1958-1964; W.W. Norton (New York 1998)
  • Fursenko, Aleksandr; Night Session of the Presidium of the Central Committee, 22-23 October; Naval War College Review, vol. 59, no. 3 (Summer 2006).
  • George, Alice L. (2006). Awaiting Armageddon: How Americans Faced the Cuban Missile Crisis. University of North Carolina Press. ISBN 0807828289.
  • Gonzalez, Servando The Nuclear Deception: Nikita Khrushchev and the Cuban Missile Crisis; IntelliBooks, 2002; ISBN 0-9711391-5-6.
  • Kennedy, Robert F. Thirteen Days: A Memoir of the Cuban Missile Crisis; ISBN 0-393-31834-6.
  • Khrushchev, Sergei, How my father and President Kennedy saved the world; American Heritage magazine, October 2002 issue.
  • May, Ernest R. (editor); Zelikow, Philip D. (editor), The Kennedy Tapes: Inside the White House during the Cuban Missile Crisis; Belknap Press, 1997; ISBN 0-674-17926-9.
  • Polmar, Norman and Gresham, John D. (foreword by Clancy, Tom) DEFCON – 2: Standing on the Brink of Nuclear War During the Cuban Missile Crisis; Wiley, 2006; ISBN 0-471-67022-7.
  • Pope, Ronald R., Soviet Views on the Cuban Missile Crisis: Myth and Reality in Foreign Policy Analysis; University Press of America, 1982.
  • Stern, Sheldon M., Averting the Final Failure: John F. Kennedy and the Secret Cuban Missile Crisis Meetings; Stanford University Press, 2003; ISBN 0-8047-4846-2
  • Stern, Sheldon M. (2005). The Week The World Stood Still: Inside The Secret Cuban Missile Crisis (Stanford Nuclear Age Series). Stanford University Press. ISBN 0804750777.
  • The Cuban Missile Crisis: Declassified (Television Program)

وصلات خارجية