علي بن عيسى الجراح
ʿعلي بن عيسى بن داود الجراح (Dayr Qunna, 859 – بغداد، 1 أغسطس 946)، كان مسئولاً في بلاط الخلافة العباسية في عهد المقتدر.
ينحدر علي بن عيسى من عائلة ذات تاريخ طويل في خدمة الدولة العباسية، وقد ارتقى إلى السلطة في البلاط العباسي، حيث شغل منصب الوزير من عام 913 إلى 917، ومن عام 927 إلى 928، بالإضافة إلى توليه السلطة فعلياً خلال وزارة حميد بن العباس من عام 918 إلى 923.[1][2]
اتسمت مسيرة علي بن عيسى السياسية، التي تزامنت مع التدهور الحاد للدولة العباسية، بالاضطراب، وشهدت صراعاً على السلطة مع منافسه أبي الحسن علي بن الفرات وأنصاره، مما أدى إلى فترات متقطعة من النفي. وعلى عكس بذخ وإسراف ابن الفرات، كان علي بن عيسى متقشفاً ومعارضاً شرساً للفساد، الأمر الذي أكسبه العديد من الأعداء. ومع ذلك، فقد ذُكر لاحقاً بلقب "الوزير الصالح" لما تميز به من كفاءة إدارية ونزاهة.
في عهد المقتدر
كان عليُّ بن عيسى بن الجرَّاح، المشهور اختصارًا بابن الجرَّاح، يُعدُّ شيخ الكُتَّاب، ورجلًا فاضلًا متديِّنًا، شديد الورع والزهد، بل ويُعد من أبرَز وزراء المُقتدر وأحسنهم سيرةً. وقد قال عنه الصُّولي: «وما أعلم أنه وزر لبني العبَّاس وزير يشبه عليُّ بن عيسى في زهده وعفته وحفظه للقرآن». واشتهر كذلك بسخائه وكثرة عطاياه؛ إذ كان دخلُه السنوي من ضياعه يقارب 80 ألف دينار، يُنفق نصفه على الفُقراء والمحتاجين، ويجعل النصف الآخر لنفقته ونفقة عياله وأصحابه.[3] تقلَّد الوزارة للمُقتدر في مُحرَّم سنة 301 هـ / أغسطس 913 م بعد عزل الخاقاني والقبض عليه، غير أن ابن الجرَّاح أحسن معاملته، فخفَّف عنه القيود ووسَّع عليه. وأحسن القيام بأعباء الوزارة؛ فأحكم تنظيم الدواوين والأعمال، وأثبت القواعد، وردَّ المظالم إلى أهلها، وأسقط جملة من المكوس في مكَّة وفارس، وله إنجازات أخرى عديدة في هذا الباب.[4] ولمَّا وقف على ما اعترى ميزانيَّة الدَّولة من خلل، جعل يُتابع الأمور بنفسه، فكان يصل دار الوزارة عند الفجر ولا يغادرها إلا عند صلاة العشاء كلَّ يوم.[5] وقد تكلَّلت سياسته المالية بنتائج إيجابيَّة؛ إذ رتَّب الإلتزامات والنفقات لموظفي الدَّولة وخدمها وحاشيتها وجندها، من غير أن يمدَّ يده إلى بيت مال الخاصَّة كما فعل غيره من الوزراء، حتى بلغ به الأمر أن وعد المُقتدر أنه إن بقي في الوزارة سنةً أخرى حتَّى يحمل إلى بيت مال الخاصَّة مليون دينار.[6] وتذكر المصادر أن سيرته في مدَّة وزارته كانت محمودة، وأنه كان يلزم نهج مُشاورة الخليفة في شؤون الدَّولة كلِّها، فلا ينفرد برأيٍ دونه.[7]
وكان ابن الجرَّاح على علمٍ بأن الخليفة يُكثِر من لقاء ابن الفُرات المسجون، ويستشيره في شؤون الحكم ويستأنس برأيه، فلما نقلت إليه مصادره أن المُقتدر يعتزم إعادته إلى الوزارة بدلًا منه، خشي أن يُنزل به ما نزل بابن الفُرات من نكبة، فسارع يطلب الإعفاء من منصبه، لكن المُقتدر لم يقبل طلبه ولم يرَ موجبًا لذلك. وبعد أشهر من تقدُّمه بالاستعفاء، جرى في أحد الأيام أن كان ابن الجرَّاح نائمًا، فجاءت أم مُوسى الهاشميَّة تُراجعه في نفقة وكسوة حريم الدَّار، فلم يجرؤ حاجبه على إيقاظه، وأخبرها أنه نائمٌ ولا يُستحسن إيقاظه، فعدَّت ذلك إهانةً واستشاطت غضبًا. ولمَّا علم ابن الجرَّاح بما وقع بعد استيقاظه، أرسل حاجبه وابنه للاعتذار إليها، وهو يُدرك مدى نفوذها وتأثيرها، غير أنها لم تقبل اعتذاره، ومضت إلى الخليفة وهو جالس مع أمه السَّيدة شغب تُؤلِّبُه عليه وتُسيء ذكره، فعزله المُقتدر وقبض عليه في الثَّامن من ذو القعدة سنة 304 هـ / 3 مايو 917 م، وولَّى مكانه ابن الفُرات.[8][9]
ثمَّ أُعيد ابن الجرَّاح إلى منصب الوزارة في مُحرَّم سنة 315 هـ / مارس 927 م، وأخذ يعالج الأعمال ليلًا ونهارًا لإصلاح ما تراكم من المفاسد والاختلالات التي خلَّفها الوزراء السابقون، واستعان بطبقة من العُمَّال المهرة. فشرع بإسقاط أسماء من لا يحمل السلاح من الجند، وحذف أرزاق الكُتَّاب الذين يحضرون ولا يعملون، إذ كان ملزمًا بتدبير أرزاق الجند الذين بلغت كُلفتهم السنويَّة 80 ألف دينار، فضلًا عن رجال القائد المتنفِّذ مُؤنس المُظفَّر الذين بلغت نفقاتهم 600 ألف دينار، الأمر الذي زاد في اختلال ميزانيَّة الدولة. ومع أن ابن الجرَّاح امتنع عن تقاضي معاشٍ نظير عمله وزيرًا، إلا أن ما رآه من فساد الأحوال وتدهور الوضع المالي في عهد الخاقاني والخُصيبي هاله أيَّما هول، وزاد الأمر سوءًا اضطراب الجند بعد عودتهم من قتال القرامطة، مما حمل المُقتدر على زيادتهم 240 ألف دينار سنويًّا. هذا إلى جانب تضخُّم نفقات الخدم والحرم، فلم يستطع أن يُنجز ما كان المُقتدر يرجوه منه على الوجه الذي أراد، فقبض عليه الخليفة في منتصف ربيع الأوَّل سنة 316 هـ / أوائل مايو 928 م.[10]
المراجع
- ^ van Berkel et al. 2013, pp. x-xi.
- ^ van Berkel et al. 2013, p. 75.
- ^ ابن الطقطقي(2013)، ص. 267-268.
- ^ ابن الأثير(2005)، ص. 1127.
- ^ ذياب(2003)، ص. 173.
- ^ ذياب(2003)، ص. 175.
- ^ ذياب(2003)، ص. 91.
- ^ رحمة الله(1971)، ج. 2، ص. 761.
- ^ ابن الأثير(2005)، ص. 1134-1135.
- ^ ذياب(2003)، ص. 182-183.
المصادر
- قالب:New Cambridge History of Islam
- قالب:The Life and Times of Ali ibn Isa
- Bowen, Harold (1960). "ʿAlī b. ʿĪsā". In Gibb, H. A. R.; Kramers, J. H.; Lévi-Provençal, E.; Schacht, J.; Lewis, B.; Pellat, Ch. (eds.). The Encyclopaedia of Islam, New Edition, Volume I: A–B. Leiden: E. J. Brill. pp. 386–388. ISBN 90-04-08114-3.
{{cite encyclopedia}}: Invalid|ref=harv(help) - Kennedy, Hugh (2004). The Prophet and the Age of the Caliphates: The Islamic Near East from the 6th to the 11th Century (Second ed.). Harlow: Longman. ISBN 978-0-582-40525-7.
- van Berkel, Maaike; El Cheikh, Nadia Maria; Kennedy, Hugh; Osti, Letizia (2013). Crisis and Continuity at the Abbasid Court: Formal and Informal Politics in the Caliphate of al-Muqtadir (295-320/908-32). Leiden: BRILL. ISBN 978-90-04-25271-4.
| سبقه محمد بن عبيد الله الخاقاني |
الوزير الدولة العباسية 16 أغسطس 913 – 2 يونيو 917 |
تبعه أبو الحسن علي بن الفرات |
| سبقه أبو الحسن علي بن الفرات |
الوزير الفعلي للدولة العباسية الرسمي: حامد بن العباس 22 نوفمبر 918 – 7 أغسطس 923 |
تبعه أبو الحسن علي بن الفرات |
| سبقه أحمد الخصيبي |
الوزير الدولة العباسية 13 أبريل 927 – 6 مايو 928 |
تبعه ابن مقلة |