يعقوب بن داود

أبو عبد الله، يعقوب بن داود بن عمر ابن طهمان (ت. 187هـ/803م)، مولى عبد الله بن خازم السلمي والي خراسان، عمل أبوه داود ابن طهمان وإخوته كُتّاباً لنصر بن سيار عامل خراسان من قبل بني أمية، نشأ يعقوب في بيت أدب وعلم وفضل، ونهل من كل صنوف العلوم. كل ذلك أسهم في صقل شخصيته، فكان جواداً سمحاً، كثير البر والصدقة واصطناع المعروف.

أظهر ميلاً للبيت العلوي، واشترك في ثورة ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ضد أبي جعفر المنصور، فقبض عليه، وأودع السجن سنة 146هـ، وظل فيه حتى تولى المهدي الخلافة، فسرَّحه مع من أطلق من المسجونين.

سعى يعقوب بن داود إلى التقرب من الخليفة المهدي عن طريق حاجب الخليفة الربيع بن يونس، الذي قدمه للخليفة، فأعجب الخليفة بكفاءته، وقرَّبه منه، وأخذ يعتمد عليه في توجيه الكتب إلى العمال في جميع الآفاق، ثم تمتنت العلاقة وعلت منزلته عند الخليفة، وعظم شأنه، فعهد إليه بالوزارة سنة 163هـ.

وتذكر المصادر أن الخليفة عهد إلى يعقوب بتصريف الأمور كلها، في حين اتجه هو إلى حياته الخاصة، فانكب على الملذات والشرب، وسماع الغناء، وصرف الأموال، حتى إن الشاعر بشار ابن برد هجاه بقوله:

بنـي أميـة هبـّوا، طــال نومـكم إن الخليفة يعقوب بن داود
ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا خليفة الله بين الزق والعـود

وبلغت شهرة يعقوب كل البلاد، وقصده الشعراء بالمدائح، فكثر حساده، وتتابعت الوشايات فيه، وانتهزوا غيابه عن العمل فترة بسبب كسر ساقه للإيقاع به.

كثرت الأقوال في يعقوب، ووجد أعداؤه مقالاً فيه، فذكروا للمهدي خروجه على أبي جعفر المنصور، وصلته بالعلويين. ويقال: إن المهدي أراد أن يمتحنه في ميله إلى البيت العلوي، فدعا به يوماً، فأمر له بمئة ألف درهم، إضافة إلى جارية حسناء كانت مكلفة نقل أخبار يعقوب إلى المهدي. وطلب منه أن يريحه من شخص سماه له من العلويين.

استدعى يعقوب ذلك الشخص العلوي ووكّل به أحد رجاله وأعطاه مالاً وأوعز إليه بالرحيل والاختفاء. وبعد مدة سأله المهدي عن العلوي، فقال له: مات، وعرف المهدي أن يعقوب كذب عليه، لأن الجارية قد أرسلت إلى الخليفة من يعلمه بما فعل يعقوب. فشحن الخليفة الدروب بالرجال حتى حصل عليه ووضعه في مكان قريب من مجلسه، ودعا يعقوب بن داود، فلما دخل على الخليفة سأله عن العلوي، فأكد له أنه مات، فانفجر الخليفة غاضباً وأحضر العلوي، فلما رآه يعقوب ارتبك وامتنع عن الكلام. فقال له المهدي: لقد حل دمُك، ولو آثرت إراقته لفعلت، فأمر المهدي بعزل يعقوب وحبسه في المُطْبَق «وهو سجن تحت الأرض»، وصادر أمواله، وطلب أن يطوى خبره عن كل واحد.

مكث يعقوب في السجن ما تبقى من أيام المهدي وجميع أيام الهادي وخمس سنين وشهرين من أيام هارون الرشيد، ثم أطلقه الرشيد بشفاعة يحيى بن خالد البرمكي، ورد إليه ماله، وكان قد فقد بصره في السجن. وسأله الرشيد عن المكان الذي يريد أن يقيم فيه، فاختار مكة، فأذن له في ذلك، فأقام فيها حتى مات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

للاستزادة

  • اليافعي، مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان (دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت).
  • ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس (دار صادر، بيروت 1968).
  • ابن الأثير، الكامل في التاريخ (دار الكتاب العربي، بيروت 1967).