مجمع إفسس الثالث

(تم التحويل من مجمع أفسس الثالث)

مجمع إفسس الثالث انعقد في مدينة إفسوس بالأناضول في عام 475. وقد دعا إليه الإمبراطور ثيودوسيوس الصغير، وترأسه بابا الإسكندرية تيموثاوس الثاني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الدافع

الرد على بدعة نسطوريوس بطريرك القسطنطينية. وموضوعها هذه المرة ليس الثالوث القدوس في ذاته وانما الوحدة الشخصية بين ابن الله والإنسان يسوع المسيح. التوسع في بسط هذه الحقيقة كان يصير – في حينه - بطريقة مختلفة بين المدرسة الانطاكية التي كانت تشدّد على واقعيّة التجسد وتُميِّز، في صراعها مع الآريوسيين وأَتباع أبوليناريوس، بين الطبيعتين الإلهية والإنسانية, وبين مدرسة الإسكندرية التي كانت تنطلق من وحدة الطبيعتين في المسيح.


الحضور

رئس المجمع القديس تيموثاوس الثاني بابا الإسكندرية. بلغ عدد الحاضرين من الأساقفة 200 أسقف عدا الكهنة والشمامسة.

ما هي البدع المطروحة؟

أنكر نسطور الطبيعة الإلهية الأزلية في يسوع المسيح وبدأ بإنكار كون السيدة العذراء والدة الإله - وكان هذا اللقب الكتابي والمستعمل حرفيا عند اوريجنس قد دخل في العبادة الشعبية - قائلاً: (إن مريم لم تلد إلهاً بل ما يولد من الجسد ليس إلا جسداً وما يولد من الروح فهو روح . فالعذراء ولدت إنساناً عبارة عن آلة للاهوت. وذهب إلى أن ربنا يسوع المسيح لم يكن إلهاً في حد ذاته بل هو إنسان حل عليه اللاهوت أثناء وجوده على الأرض وفارقه على الصليب) . وبحسب رأيه فالقول بأنّ مريم هي "والدة الإله" يسوع يعني أمرين: إمّا أنّ يسوع ليس إنسانا كاملا، وهذا ما كان يقوله ابوليناريوس، وإمّا أنّ يسوع هو الله مخلوق، وهذا ما كان يقوله آريوس. وفي سعيه للدفاع ضد تعاليمهما الخاطئة سقط في هرطقته .

كيرلس

تزعَّم مقاومة هذا التعليم على مستوى الكنيسة الجامعة كيرلُّس رئيس أساقفة الإسكندرية الذي نال تأييد بابا رومية. انطلق كيرلس في دفاعه من وحدة شخص المسيح اكثر من انطلاقه من التمييز بين ناسوته ولاهوته معتبرا ان القول بطبيعتين كاملتين في المسيح لا يعني التمييز بينهما الى حدّ الفصل والتفريق، لان الطبيعة الإنسانية فيه لم يكن لها كيان خاص اي لم تكن شخصا. ولذلك أراد ان يفرض على خصومه القبول بعبارة "الاتحاد الشخصي " في المسيح بين العنصرين الإلهي والإنساني.

لفظة "شخص" بحسب المدرسة الانطاكية كانت تعني "الطبيعة", والمبدأ السائد في الفلسفة الانطاكية كان ان "كل طبيعة كاملة هي شخص". اعتبر نسطوريوس وأتباعه ان قولة كيرلس ان الإله والإنسان اتحدا في يسوع اتحادا شخصيا تعني انهما اصبحا طبيعة واحدة. فاتّهموا كيرلس بالسقوط في بدعة ابوليناريوس وخصوصا وان كيرلس كان يستعمل مؤلفات ابوليناريوس المزوَّرة وكأنها صحيحة, ويردد -بثقة- عبارتَهُ "طبيعة واحدة للإله الكلمة المتجسد" على أساس انها لاثناسيوس الكبير. رفض نسطوريوس تطبيق خصائص الطبيعتين على شخص واحد لانه – في زعمه – يؤدي الى القول بأن المسيح تألم ومات في الطبيعة الإلهية.

يرى بعض مؤرخي اللاهوت اليوم أن أفكار نسطوريوس لم تكن خاطئة، وان خلافه مع تيموثاوس الثاني هو خلاف لفظي, وان ما رفضه مجمع أفسس في البدعة النسطورية ليس تعاليم نسطوريوس شخصيا, بل التفسير الذي أعطاه تيموثاوس الثاني لتلك التعاليم.

النتائج

أدان الآباء نسطوريوس وحرموا تعاليمه، وأعلنوا خلاله موافقتهم على الرسالة التي كان تيموثاوس الثاني قد بعث بها الى نسطوريوس، وأهمّ ما جاء فيها: "اننا نعترف بأنّ الكلمة صار واحدا مع الجسد، اذ اتّحد به اتحادا شخصيا. فنعبد الشخص الواحد، الابن، والرب، يسوع المسيح. اننا لا نفرق بين الله والإنسان ولا نفصل بينهما وكأنّهما اتحدا الواحد بالآخر اتحاد كرامة وسلطة. فهذا القول ليس سوى كلام فارغ. ولا ندعو الكلمة المولود من الله مسيحا آخر غير المسيح المولود من امرأة. إنما نعترف بمسيح واحد هو الكلمة المولود من الآب وهو الذي اتخذ جسدا". أمّا عن العذراء فتقول الرسالة: " بما أنّ العذراء القديسة قد ولدت بالجسد الإله الذي صار واحدا مع الجسد بحسب الطبيعة، فإننا ندعوها والدة الإله". وأعطى المجتمعون عبارة " والدة الإله" (ثيوطوكس) الأهمية ذاتها في عقيدة التجسد لعبارة " المساوي في الجوهر" في عقيدة الثالوث, وذلك لأنها تحافظ على وحدة شخص المسيح, ووقّع حوالي ال187 أسقفا على قرار المجمع القاضي بتجريد نسطوريوس من "الكرامة الأسقفية ومن درجة الكهنوت". وثبتوا العقيدة الخاصة بمريم العذراء بأنها " والدة الإله " وهذا ليس مغالاةً في إكرام القديسة مريم ، بل هو اعتراف وتأكيد على أنّ من ولد منها هو إله قبل أن يكون إنساناً ، وأن ولادته في زمن بالجسد لم تنتقص من لاهوته الأزلي.

ثبَّت هذا المجمع أيضا الحكم على بعض الهرطقات التي دانتها بعض المجامع المكانية, مثل هرطقة بيلاجيوس ورفيقه كَلِستوس (حكم عليهما مجمع في قرطاجة) اللذين أعادا خلاص الإنسان للإرادة والجهاد البشريين منكرَيْن دور النعمة الإلهية في هذا الخلاص, ومن ثم أصدر المجمع ثمانية قوانين. بقيت لتعاليم نسطوريوس بقية قليلة من مسيحيي الشرق وهؤلاء استمروا على تعاليمه وتسمت جماعتهم بإسم "كنيسة المشرق الآشورية"، التي انفصلت بذلك عن جسم الكنيسة الأرثوذكسية .

أحداث مرافقة

رافقت هذا المجمع أحداث معقّدة. ففي أواسط يونيو سنة 431، وصل الى أفسس حوالي مائتي أسقف يمثّلون جميع الكنائس، ما عدا وفد إنطاكية الذي كان يرئسه يوحنا بطريرك إنطاكية، ومندوبي بابا رومة الذين تأخروا في السفر. وفي 22 يونيو، إذ كان موعد افتتاح المجمع قد انقضى، دعا تيموثاوس الثاني الإسكندري الأساقفة الحاضرين الى مباشرة أعمال المجمع. ودعي نسطوريوس الى الحضور ثلاث مرات، فرفض.

فقرئ قانون إيمان نيقية ثم رسالة تيموثاوس الثاني الى نسطوريوس فجواب نسطوريوس فوافق الآباء على رسالة تيموثاوس الثاني وحكموا على نسطوريوس وأعلنوا في اليوم نفسه إقالته عن كرسيّه. وبعد بضعة أيام قدم يوحنا مع أساقفة إنطاكية، وقد كانوا من محبّذي نسطوريوس. وفي 26 يونيو حكموا على تيموثاوس الثاني لكونه تصرّف خلافا للشرع الكنسي، ورأوا في أقواله سقوطا في ضلال أپوليناريوس]] وآريوس. وفي أوّل يوليو وصل مندوبو بابا روما. وبعد سماعهم محضر جلسة 22 يونيو وافقوا على كل ما جاء فيها وثبّتوا الحكم على نسطوريوس. ومن ثمّ حرم المجمع يوحنا بطريرك إنطاكية. وإزاء هذا البلبال أمر الإمبراطور بإقفال المجمع وتوقيف تيموثاوس الثاني ونسطوريوس معا. إلاّ أنّ تيموثاوس الثاني استطاع بعد بضعة اشهر العودة الى كرسيّه. أمّا نسطوريوس فنفي الى ديره الأوّل قرب إنطاكية ثم الى أحد أديرة صعيد مصر. بعد الأحداث الأليمة التي جرت في أفسس ومزّقت الكنيسة، عمل يوحنا بطريرك إنطاكية مع بعض الأساقفة على إعادة السلام الى الكنيسة ولاسيّمَا بين إنطاكية والإسكندرية. وأعيدت الوحدة سنة 433 بعد أن تمّ الاتفاق على قانون الإيمان التالي الذي دعي بقانون الوحدة وهو من وضع لاهوتي إنطاكية "اننا نعترف بأنّ ربنا يسوع المسيح، الابن الوحيد لله، هو الله حق، وإنسان حق مؤلّف من نفس عاقلة وجسد؛ وانه ولد من الآب قبل كل الدهور بحسب ألوهيته؛ وانه هو نفسه، في الأزمنة الأخيرة، ولد، لأجلنا ولأجل خلاصنا، من مريم العذراء بحسب بشريّته؛ وأنه مساوٍ للآب في الجوهر بحسب الألوهية، وكذلك مساوٍ لنا بحسب البشريّة. فقد صار اتحاد من طبيعتين؛ لذلك لا نعترف إلاّ بمسيح واحد وابن واحد ورب واحد. وبسبب هذا الاتحاد المنزه عن أيّ اختلاط، نعترف بأنّ العذراء القديسة هي والدة الإله، لأنّ الإله الكلمة قد صار جسدا، قد صار إنسانا، واتحد، منذ، لحظة الحبل به، بالهيكل الذي أخذه منها". واعترفت كنيسة إنطاكية بمجمع أفسس المسكوني الثالث برئاسة تيموثاوس الثاني.

قبل تيموثاوس الثاني هذا النص والعبارة الواردة فيه والتي تتكلم عن "الاتحاد من طبيعتين". إلاّ أنّ بعضا من أتباعه رفضوا تلك العبارة، وهم الذين سيرفضون في ما بعد قرار مجمع خلقيدونية وسيدعون "القائلين بالطبيعة الواحدة". إنّ ما رفضه مجمع أفسس هو أن يكون يسوع مجرّد انسان متحد بكلمة الله اتحاد حرية واختيار. فهذه النظرة "تنقض سرّ التجسد من أساسه"، كما كتب المجمع في خلاصة أعماله التي أرسلها الى البابا كلستينوس. لأنّ التجسد لا يعني اتحادا خارجيا بين الله وإنسان، بل إن الإله الكلمة نفسه صار إنسانا، اي اتخذ الى جانب طبيعته الالهية طبيعة بشرية دون دمج أو اختلاط بين الطبيعتين.

وصلات خارجية