قلعة النمرود

قلعة النمروداسمها العربي قلعة الصُبَيْبَة ومعناها تصغير من الصبة وهي مربض الخيل ،قامت هذه القلعة فوق صهوة جبل شاهق ذي منحدرات عمودية صعبة هو جزء من الأعضاد الأولى لجبل الشيخ تتبع قرية جباتا الزيت وترتفع عن مستوى البحر 816م وتطل على بانياس والحولة ولذلك كانت من المواقع الأستراتيجية في بطون التاريخ.

ان الاسم المتدوال (النمرود ) إعتباطاً نسبة لرواية دينية بأن ملك جباراً يدعى النمرود كان يسكن في القلعة وهو الذي ألقى بسيدنا إبراهيم في النار (فكانت برداً وسلاماً على إبراهيم ) ولشدة غروره بعث الله بعوضة دخلت في أنفه فنخرت رأسه ومات بكفره .

ويعد الأيوبيين هم أول من شرع ببناء هذا الحصن لمواجهة الخطر الصليبي خلافاً لرواية تدعي بناؤها من قبل عصابة من الحشاشين الفرس ، وتأريخ هذه القلعة مرتبط بذكريات الحروب التي جرت في بلاد الشام وخاصة الحروب الصليبية ، وتذكر التواريخ أن الأتابك ظهير الدين طغتكين (520ه -1126م )كان قد سلمها إلى الطائفة الإسماعيلية لما رأى أستفحال أمرهم في حلب و دمشق وأملاً بدفع شرهم ولتسليطهم على الصليبين ، غير أنهم عملوا بالعكس وأبدوا الخيانة حيث أنهم تواطؤا مع هؤلاء وسلموهم القلعة فأحتلها الملك الصليبي (بلدوين ) سنة1129م ومنحها إقطاعية لروبينه بروس ولورثته من بعده .

وفي سنة (527ه -1132م )جاء اسماعيل بن طغتكين وهو حاكم دمشق فأستردها ، ووضع فيها أحد قواده، لكن هذا الأخير سلمها إلى عماد الدين زنكي صاحب حلب الذي كـان خصماً لآل طغتكين أصحاب دمشق. فقام آخر هؤلاء وهو مجير الدين أبق بن محمد بن بوري واتفق مع الصليبيين على إستخلاص القلعة من الزنكي ، وزحف جيشه مع جيشهم وحاصر بانياس والقلعة قذفت بالمنجنقات واحتلوها سنة (544ه – 1139م ) واستلمها الفرنجة بعد أن طردوا حليفهم مجير الدين المذكور وارجعوه بخفي حنين ، وجعلوا فيها القائد الصليبي انفروي الثاني دوترون نائب ملك القدس.

وظلت القلعة في أيدي الصليبين إلى أن جاء الملك العادل نور الدين بن محمود بن عماد الدين الزنكي وشرع يهاجم القلعة والأعداء يردونه ويعيد الهجوم إلى أن تمكن من إستعادتها سنة (560ه -1157م ) ويقول مؤلف كتاب القلاع العربية أيام الصليبين " ان الملك نور الدين كرر هجومه على القلعة في غياب أنفروي الذي كان في حملة على مصر مع الملك أملريك ، فأجبرها على الأستسلام بعد حصار طويل لتصبح بيد العرب ".

وأستقرت القلعة بيد العرب وقد أعطاها السلطان الأكبر صلاح الدين الأيوبي لأحد أولاده وهو الملك الأفضل لما أعطاه بلاد الشام كلها ثم إنتقلت إلى يد عمه الملك العادل أبو بكر الذي أقطعها لولده الملك العزيز عثمان حاكم بانياس، ثم أنتقلت بعد ذلك إلى إبنه السعيد حسن ( وقد أعادا الأب والأبن بناء الأبراج التي خربها الملك المعظم عيسى بن السلطان صلاح الدين لمنع الفرنجة من إستخدامها كقاعدة لهجماتهم الشريرة على دمشق ، وقد أستمرت أعمال الترميم من سنة 1226م - 1230م ، تم في ختامها بناء الحصن المنيع للقلعة بشكلها الذي نراها عليه اليوم، حيث أخذت القلعة شكل التل الذي بنيت عليه، مستفيدة من الانحدارات الشديدة له، التي غدت جزءًا مهماً من التحصينات.

في عام 1260 قضى المغول على حكم الأيوبيين، واحتلوا القلعة وعاثوا فيها خراباً بعد أن سيطروا على بانياس والمنطقة بأسرها. لكن احتلالهم لم يستمر طويلاً، وسيطرتهم على القلعة لم تدم سوى بضعة أشهر، حيث هزم المغول في معركة عين جالوت الشهيرة. وفي عهد السلطان الظاهر بيبرس أعاد ترميمها وأنشأ منارة لجامعها وبنى داراًلنائب السلطنة ، وعمل جسراً يمشى عليه إلى القلعة . بعد أن تم طرد الصليبيين من بلاد المسلمين في القرن الثالث عشر، فقدت هذه القلعة ذكرها و أهميتها الاستراتيجية، ويقول المرحوم أحمد وصفي زكريا بكتابه الريف السوري " يبدو أنها ظلت مأوى للزعماء الإقطاعيين في أيام السلاطين المماليك والعثمانيين"