عصر جديد للحديد

للحديد(*)

موصل فائق عند درجة الحرارة العالية(1) مستند إلى الحديد.



حالة باردة: موصل فائق جديد يمكن أن يسوّي الخلافات النظرية في الموصلية الفائقة عند درجات الحرارة العالية التي تولّد هنا رفعا مغنطيسيا بوجود النتروجين السائل.


حالة باردة: موصل فائق جديد يمكن أن يسوّي الخلافات النظرية في الموصلية الفائقة عند درجات الحرارة العالية التي تولّد هنا رفعا مغنطيسيا بوجود النتروجين السائل

على مدى أكثر من عشرين عاما، كان عدد الموصلات الفائقة الوحيدة المعروفة، تلك التي تعمل فوق درجة حرارة الهيليوم السائل بكثير، أقل من 12 مركّبا، يستند جميعها تقريبا إلى النحاس. وقد اكتشف العلماء حاليا أول الموصلات الفائقة عند درجات الحرارة العالية المستندة إلى الحديد. ويمكن أن تساعد هذه المواد الجديدة على حل أحد أكبر الألغاز في العلم، وهو كيف تعمل بالضبط الموصلات الفائقة عند درجات الحرارة العالية؟


يجري التيار الكهربائي في الموصلات الفائقة من دون أية مقاومة. ولعقود من الزمن، اعتُقد أن هذه الظاهرة تحصل فقط قريبا من درجة حرارة الصفر المطلق(2). فالبرودة تهدئ اهتزازات الذرات، وهذا يحوّل المادة بطريقة ما بحيث يمكن للإلكترونات أن تتغلب على قواها التنافرية الطبيعية فيما بينها. وتسبب الاهتزازات المعدّلة، المسماة فونونات phonons، تزاوج الإلكترونات، بحيث تتحرك هذه الأزواج بحرية خلال الشبيكة الذرية(3).


ولكن، منذ عام 1986، ابتدأ الفيزيائيون يكتشفون صنفا جديدا من الموصلات الفائقة تعمل عند درجات حرارة أعلى كثيرا من الصفر المطلق، حتى درجات حرارة تصل إلى 160 كلڤن (أي 113- درجة سيلزية). تتألف هذه المواد، المسماة نحاسات cuprates، من طبقات من أكسيد النحاس مقحمة(4) بين مواد أخرى. يتداخل تركيب النحاسات ودرجة الحرارة العالية مع الآليات التي تجعل الموصلات الفائقة التقليدية تعمل، مما يدفع الفيزيائيين إلى أن يحاولوا التوصل إلى تفسيرات جديدة.


واليوم يضطر الباحثون، بسبب اكتشاف مؤاتٍ حدث مصادفة، إلى توسيع أفكارهم حول الموصلية الفائقة. فقــد كان عـالِم المواد الشفافة <H.هوسونو> [من معهد طوكيو للتقانة] وزملاؤه يتطلعون إلى تطوير أداء أكاسيد المواد الشفافة شبه الموصلة، ولكنهم انتهوا إلى اكتشاف أول موصل فائق عند درجات الحرارة العالية مستند إلى الحديد.


إن المادة البلورية التي يُرمز إليها كيميائيا بالرمز LaOFeAs هي طبقات متراصة من الحديد والزرنيخ(5)، حيث تجري الإلكترونات بين مستويات اللانثانوم والأكسجين. وقد أدت الاستعاضة عن نسبة تصل إلى 11 في المئة من الأكسجين بالفلور إلى تحسين المركب، فأصبح موصلا فائقا عند درجة الحرارة 26 كلڤن، وذلك وفق تقرير الفريق بتاريخ 19/3/2008 المنشور في مجلة الجمعية الكيميائية الأمريكية(6). وتقترح الأبحاث اللاحقة التي أجرتها مجموعات أخرى، أن الاستعاضة عن اللانثانوم في المادة LaOFeAs بعناصر الأتربة النادرة الأخرى، مثل السيريوم والسماريوم والنيوديميوم والپراسيوديميوم، تؤدي إلى موصلات فائقة تعمل عند الدرجة 52 كلڤن.


وقد فاجأت الموصلية الفائقة عند درجات الحرارة العالية في مركّبات الحديد هذه ذات الطبقات، الباحثين تماما الذين اعتقدوا أن الطبيعة المغنطيسية للحديد سوف تعطل تزاوج الإلكترونات. وربما كانت الإلكترونات، كما يبدو أن الأمر كذلك في حالة النحاسات، تتزاوج بمساعدة التأرجحات السپينية(7) في الحقول المغنطيسية للذرات التي تشكل الموصل الفائق. ويقول الفيزيائي <K.هاؤول> [من جامعة روتگرز]: «إن بإمكان هذه الموصلات الفائقة المستندة إلى الحديد إعطاءنا إشارات جديدة عن كيفية فهم النحاسات.»


ومن ناحية أخرى، فإن التأرجحات السپينية التي يمكن أن تلصق إلكترونات النحاسات ببعضها ربما لا تكون كافية لتلك الموجودة في المواد المستندة إلى الحديد. وبدلا من ذلك، فإن التأرجحات المدارية(8) - أو التغيرات في مواقع الإلكترونات حول الذرات ـ قد تكون حاسمة أيضا، كما يتوقع الباحث <هاؤول>. ومن حيث الجوهر، فإن المواد المستندة إلى الحديد تعطي للإلكترونات حرية أكبر مما تعطيه النحاسات عندما يتعلق الأمر بكيفية دوران الإلكترونات حول الذرات.


يمكن أن تقوم التأرجحات المدارية بأدوار مهمة أيضا في مواد أخرى فائقة الموصلية غير معتادة، مثل تلك المستندة إلى اليورانيوم أو الكوبالت والتي تعمل عند درجات أقرب إلى الصفر المطلق، بحسب حدس <هاؤول>. ولما كانت الموصلات الفائقة المستندة إلى الحديد تعمل عند درجات حرارة أعلى، فإن البحث في مثل هذه التأرجحات قد يكون أسهل.


ويلاحظ الفيزيائي النظري <D.پاينز> [من جامعة كاليفورنيا، وهو أيضا المدير المؤسس لمعهد المادة التكيفية المركبة(9)] أن الاكتشاف، إضافة إلى أنه يوضح الأسس النظرية للموصلية الفائقة، «يجعلنا نتساءل عما إذا كانت هناك موصلات فائقة أخرى عند درجات الحرارة العالية لم نجدها بعد في أمكنة غير متوقعة، حتى ولو كانت هناك درجات حرارة أعلى يمكن أن تعمل عندها.» ويعتقد <هاؤول> أنه في محاولة رفع درجة الحرارة الحرجة(10), يُفترض أن لا تركز التجارب فقط على الاستعاضة عن العناصر بأخرى، وإنما أيضا على جعل المركبات بشكل طبقات. فهذا، ينبغي أن يحسّن المركبات كما هي الحالة بالضبط بالنسبة إلى النحاسات الفائقة الموصلية.


وكون هذه المواد مستندة إلى الحديد، فإنه يمكن أن يجعلها أيضا أكثر جاذبية تجاريا. إن هشاشة النحاسات، التي هي خزف قصِف brittle جدا، قد أعاقت طويلا التطبيقات، مثل خطوط نقل الكهرباء الفائقة الموصلية. فإذا كان التعامل مع المواد المستندة إلى الحديد وتصنيعها أسهل من تلك المستندة إلى النحاس؛ «فسوف تصبح هذه المواد مهمة جدا،» يضيف <هاؤول>.


<Q.Ch.كوا>، مساهم دائم مستقر في مدينة نيويورك.



(*) A NEW IRON AGE



(1) high-temperature superconductor (2) absolute zero (3) the atomic lattice

(4) sandwiched

(5) arsenic

(6) Journal of the American Chemical Society

(7) spin fluctuations

(8) orbital fluctuations

(9) the Institute for complex adaptive matter

(10) the critical temperature