ابن الزبير الأسدي
أبو كثير، عبد الله بن الزَّبِير ـ بفتح الزاي ـ بن الأشْيَم. وينتهي نسبه إلى أسد بن خُزيمة، ويُعرف بإسم ابن الزَّبِيْـر الأَسدي (توفي نحو 75هـ/ نحو 694م) وهو شاعر أهل الكوفة، اشتهر بالمدح والهجاء معاً في العصر الأموي، خلال الحكم السفياني وما رافق أواخره من اضطراب سياسي أدى إلى انتقال السلطة إلى الفرع المرواني. وكلاهما لقي معارضة قوية من الزُّبيريين الذين يتزعمهم عبد الله بن الزُّبَـير بن العوام، الذي بويـع لـه بالخلافة سنة 64هـ وجعل قاعدته المدينة ثم مكة، وأخوه مصعب الذي كان عضده الأقوى في تثبيت ملكه في الحجاز والعراق.
نشأ ابن الزَّبير الأسدي في الكوفة، ولكن المصادر لا تمد بشيء عن هذه النشأة، ولا يُعرف من أسرته الأدنَيْن سوى أبيه «الزَّبير بن الأشْيَم» الذي كان شاعراً، وأثبت له أبو الفرج في «الأغاني» قصيدة قصيرة في الشكوى والصبر، وابنه «الزَّبير بن عبد الله» الذي كان شاعراً أيضاً، وأورد له صاحب الأغاني أيضاً بعض الأبيات.
كان ابن الزَّبير هذا شاعراً معروفاً في الأوساط السياسية والاجتماعية في عصره، وكان يتخذ المدح والهجاء أداتين للكسب وللوصول إلى ما يطمح إليه من مآرب، وهو يتنقل بين الكوفة ودمشق ومكة والمدينة. ولذا كان الناس يخافون شرّه، ولاسيما الخلفاء والولاة والأمراء، ويحسبون حسابه، لما يرونه من سرعة غضبه، وكثرة تقلبه بين الرضا والسخط، وبين المدح والهجاء وكأنه في ذلك قرين الشاعر المخضرم الحطيئة.
كان ابن الزبير الأسدي في أول أمره » من شيعة بني أمية وذوي الهوى فيهم، والتعصب والنصرة على عدوّهم » - على حد قول صاحب الأغاني - فلما غلب مصعب بن الزبير على العراق أُتي به أسيراً فذكّره مصعب ببعض مواقفه وأشعاره في تأييد بني أمية، فأقر واعتذر إليه، فعفا عنه مصعب وأكرمه أحسن إكرام. فمدحه ابن الزَّبير وأكثر في مدحه، وانقطع إليه. ولم يزل معه حتى قتل مصعب سنة 71هـ.
ثم عاد ابن الزبير إلى الأمويين، وكان في جيش المهلَّب بن أبي صُفرة في حرب الخوارج، كغيره من الناس، الذين توعدهم الحَجَّاج بالقتل - في خطبته المشهورة - إذا لم يلحقوا بالمهلب، ثم اتصل بالخليفة عبد الملك بن مروان، وبالحجاج واليه على العراق، ولقي منهما حفاوة وإكراماً، خشية لسانه من جهة، وتقديراً لمواقفه السابقة في تأييد الأمويين من جهة أخرى.
ولم تطل حياته بعد ذلك، فقد أرسل في بعثٍ إلى الريّ ومات هناك بعد أن كُفّ بصره بمدة قصيرة. وقيل كفّ بصره قبل ذلك بزمن.
وفي حياته الأولى قدم دمشق وامتدح معاوية، وابنه يزيد، ومعاوية بن يزيد، كما اتصل بعبد الرحمن بن أم الحكم والي الكوفة لخاله معاوية بن أبي سفيان، فكان يمدحه إذا رضي عنه، ويهجوه إذا سخط عليه. وله أخبار مع الخليفة عبد الله بن الزُّبير بن العوام وكثيراً ما خلط الناس بينهما. وقد أتاه الأسدي مرّة طلباً للعطاء فلم يعطه شيئاً فقال له الأسدي: «لعن الله ناقـةً حملتني إليك». فقال ابـن الزُّبيـر: «إنّ، وراكبها» أي: نعم ولعن راكبها.
وممن اتصل بهم ابن الزَّبير الأسدي: أسماء بن خارجة الفزاري (ت66هـ) سيد قومه في الكوفة، والجواد المقدم عند الخلفاء، وله على ابن الزَّبير أياد كثيرة، وكان قد هجاه ثم مدحه.
لابن الزَّبير الأسدي شعر كثير وصل إلينا بعضه، وقد جمعه وحققه يحيى الجبوري، وشعره هذا يتصف بجودة المعاني، وشدة العاطفة وسلامة اللغة، وهو وثيقة تاريخية لأحداث عصره، وقد أعانه على ذلك انشغاله بالمديح والهجاء، من صلته برجالات عصره الكبار في مختلف البلاد، ولاسيما أن ابن الزَّبير نفسه كان رجل سياسة وصاحب أهواء ونزوات، يمدح طمعاً وولاء وخوفاً وامتناناً ويهجو غضباً وانتقاماً وتقلباً وجحوداً.
ومن شعره قوله يمدح بشر بن مروان لما ولي الكوفة:
ألـم تـَرَني والحمـد لله أننـي برئت وداواني بمعروفه بِشــْرُ رعى ما رعى مروان مِنّي قبله فصحّت له مني النصيحة والشكر فليس البحور بالتي تخبروننـي ولكن أبو مروان بشرٌ هو البحـر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المصادر
محمود فاخوري
للاستزادة
- أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني (القاهرة، دار الكتب المصرية).
- ابن عساكر، تهذيب تاريخ دمشق، عبد القادر بدران، الجزء الرابع (بيروت، 1979م).
- عبد القادر البغدادي، خزانة الأدب (بيروت، طبعة مصورة عن طبعة بولاق).
- شعر عبد الله بن الزَّبير الأسدي، جمع وتحقيق يحيى الجبوري (بغداد، 1974م).