عبدالله بن حسن بن حسين آل الشيخ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اسمه وأسرته

هو سماحة الشيخ، عبدالله بن حسن بن حسين بن علي بن حسين بن محمد بن عبدالوهاب ، أبو محمد. من آل مشرف: الأسرة النجدية الكبيرة، من الوهبة من قبيلة بني تميم. ويُعرَفُ المتأخرون من أسرته بآل الشيخ، نسبة إلى الإمام الجليل الشيخ، محمد بن عبدالوهاب(ت1206هـ) إمام الدعوة الإصلاحية في نجد. جدُّه الأعلى: الشيخ، حسين بن محمد بن عبدالوهاب(ت 1224هـ). قاضي الدرعية بعد والده، والمقدَّم في الإمامة والتدريس والفتوى. وجدُّه، علي بن حسين بن محمد (ت 1257هـ) القاضي العالم الفقيه له عدد من الفتاوى والنصائح. أما والده: فهو العالم الكبير الشيخ، حَسن بن حُسين بن علي (ت 1341هـ) كان قاضياً في الرياض وسدير والأفلاج، فاضلا ورعاً معروفاً بالفقه وحُسن السَّمت.


مولده ونشأته

ولد في مدينة الرياض في الثاني عشر من شهر محرم عام 1287هـ وحفظ القرآن في العاشرة من عمره، ثم شرع في طلب العلم، فتردد على حلقات علماء أجلاء أشهرهم والده الشيخ حسن بن حسين.

تعليمه وشيوخه

وفي الوقت الذي انشغل الناس فيه بالفتن وصرفتهم عن مجالس العلماء، شغل نفسه بتحصيل العلم وإدراك الفضائل، فأقبل عليه بهمة عالية وجد ومثابرة. درس على الشيخ حمد بن فارس علوم النحو واللغة، وكان نحوياً وفرضياً وفلكياً وفقيهاً متخصصاً، ومن شيوخه الشيخ عبدالله بن راشد بن جلعود، قرأ عليه علم الفرائض، وكان متخصصاً فيه، والشيخ محمد بن محمود الذي درس عليه الفقه وأصوله، والشيخ إسحاق بن عبدالرحمن الذي درس عليه التوحيد والعقائد والتفسير وغيرها. ودرس على الشيخ عبدالله بن عبداللطيف التوحيد والعقائد والحديث والتفسير، وعلى الشيخ سعد بن عتيق الفقه والحديث ومصطلحه وأسماء الرجال والتفسير وأصوله، فأجازه فيما تجوز له روايته من كتب التفسير والحديث، ولازمه ملازمة تامة، كما درس على الشيخ أحمد بن عيسى، والشيخ عبدالله بن سعد ال خرجي ال عائذ، والشيخ حسين بن حسن –أخيه الأكبر-، والشيخ سليمان الندوي، رئيس علماء الهند في زمنه، والشيخ ثناء الله بن الهندي، الملقب بأسد الهند، والشيخ عبدالله الغزنوي، والشيخ المقرئ علي بن داود وغيرهم.

أعماله

حاز الشيخ عبدالله منذ صغر سنه وشبابه على تقدير الناس وثقتهم فتولى إمامة مسجد الإمام عبدالرحمن الفيصل – مسجد الديوانية – عام 1302هـ ولم يتجاوز عمره الخامسة عشر، وظل إماماً لهذا المسجد حتى عام 1329هـ، حيث انتقل إماماً لمسجد ((الظهيرة)) والتف حول المسجد عدد كبير من طلاب العلم، ولكن ما لبث الإمام عبدالرحمن الفيصل أن طلب من الشيخ ومن والده عودته لإمامة مسجد الديوانية، استجابة لطلب أهل المنطقة وإلحاحهم وشدة رغبتهم في عودته، فاستجاب لهذا، وباشر إمامة المسجد والتدريس فيه، فانتفع منه خلق كثير من طلبة العلم والمصلين. ولما أحذ الملك عبدالعزيز – رحمه الله – في تحضير البادية وتوطينهم ببناء القرى لهم وإسكانهم فيها، فبعث نخبة من العلماء الذين يحسنون تثقيف أهل البادية، وتوجيههم إلى جهة الخير في معاشهم ومعادهم، ودنياهم وآخرتهم. وكانت هجرة ((الأرطاوية)) من أكبر القرى والمجمعات التي أنشأها الملك عبدالعزيز لتحضير البادية وتوطين أهلها، ويسكنها ما يزيد على عشرين ألفاً من المجاهدين، وكان يرأسها فيصل الدويش، رئيس عشائر مطير، فاختار لها الملك عبدالعزيز الشيخ عبدالله، لإدراكه ورجاحة عقله وحنكته وعلمه، فمكث عاماً ونصف، يرشدهم في أمور دينهم، ويسكِّن من روعهم، وخفف من حدتهم وغلظتهم، ورفع جهلهم، وظل يعظهم بالحكمة والموعظة الحسنة حتى ألفوه وأحبوه، وحينما غادرهم بعد طلبه الملك عبدالعزيز تأثروا لفراقه وحزنوا حزناً شديداً. بعد أن أنجز رسالته في هجرة الأرطاوية بنجاح، أعاده الملك عبدالعزيز إليه وعينه قاضياً وإماماً للجيش ومستشاراً له، فصحبه في رحلاته إلى القصيم وحائل، ثم بعثه مع ابنه فيصل إلى عسير عام 1340هـ ونصحه أن يستشير عبدالله ولا يخرج عن رأيه فعاد الملك فيصل ومعه الشيخ عبدالله إلى الرياض ظافراً ومنتصراً. وفي عام 1343هـ صحب الملك عبدالعزيز إلى الحجاز، وظل معه إماماً للجيش حتى يوم ((الرغامة)) المشهور في حصار جدة، فكان في طليعة الجيش، وإماماً له وموجهاً ومفتياً ومستشاراً للملك عبدالعزيز وصحبه في أداء مناسك الحج سنيناً عديدة. وفي عام 1344هـ عينه الملك عبدالعزيز إماماً وخطيباً ومدرساً ومرشداً في الحرم المكي، ثم اختاره رئيساً للقضاة عام 1346هـ خلفاً للشيخ عبدالله بن بليهد وأسند إليه رئاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعيين الأئمة والمؤذنين والمرشدين والموجهين والمدرسين في المسجد الحرام، كما تولى مراقبة ما يرد إلى البلاد من المطبوعات والكتب التي توزع على طلبة العلم على نفقة الملك عبدالعزيز.

حلقاته العلمية وطلبته

تولى الشيخ عبدالله أعمالاً عديدة وأعباء متنوعة بين القضاء ورئاسته والوعظ والإرشاد والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أنها لم تشغله عن حلقاته التعليمية، والتف طلاب العلم حوله فأفاد وأجاد وانتفع منه خلق كثير في الرياض والحجاز، وكانت داره المطلة على الحرم المكي والمعروفة ((الداودية)) عامرة بطلاب العلم ورواده، وكان حريصاً على إيصال العلم بشتى الوسائل، ويحث طلابه على البحث والمراجعة والحفظ، وخصص لحلقته مكاناً بارزاً معروفاً في الحرم خلف موقع الإمام. كان يتفقد طلبة العلم ويبحث أحوالهم بحث الوالد الحنون ويوجههم ويرشدهم ويساعدهم بما يحتاجون له من كتب العلم والنفقات الضرورية من ماله، ويتوسط لهم عند الملك لإجراء رواتب حتى يتفرغوا للدراسة. تخرج على يده علماء كبار شغلوا مناصب رفيعة بين القضاء والتدريس والوعظ والإرشاد والإفتاء وغيرها وهم كثيرون يصعب حصرهم منهم: أخوه الشيخ عمر بن حسن، وابناه الشيخ عبدالعزيز والشيخ حسن بن عبدالله، والشيخ عبدالرحمن بن عقلا، والشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري، والشيخ محمد بن عثمان الشاوي، والشيخ عبدالله بن فواز، والشيخ الفقيه علي الهندي، والشيخ سعيد التكروني المدني، والشيخ عبدالرحمن بن داود، والشيخ محمود الشويل، والشيخ محمد عبدالظاهر أبوالسمح أحد أئمة الحرم المكي، والشيخ حسين عزي، والشيخ سليمان أباضة المصري، والشيخ محمد حبيب، والشيخ صالح بن صغير، والشيخ ناصر بن عبدالعزيز بن حسن، والشيخ عبدالعزيز بن سوداء، والشيخ علي بن زيد، والشيخ إبراهيم بن حسين، والشيخ عبدالرحمن بن حسين، والشيخ محمد بن عبدالعزيز بن عتيق، والشيخ عبدالله بن إسماعيل، والشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل الشيخ، والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن حسن آل الشيخ، والشيخ سليمان المشعلي، وغيرهم.

منهجه التعليمي

كان على علم ومعرفة واسعة، أتاحت له أن يختط منهجاً في التعليم، يكاد يتفرد به بين علماء زمانه، يقوم على المراجعة والتوثيق وأسلوب توصيل المعلومة واستيعابها، فكان إذا تناول مسألة لا يتركها حتى يراجع ما ورد عنها، ولا يملّ التطويل حتى يتبين الصواب، إذا قرأ كتاباً ملأ حواشيه بتعليقات جمعت ما ورد عنها من أقوال في كثير من الكتب، حتى تكتمل المعرفة والإحاطة، كان منصفاً في البحث عن الآراء غير متعصب لقوله أو قول أحد شيوخه بهدف ظهور الحق سواء عنه أو عن غيره.

خُلقه وصفاته

أجمع الذين عاصروه منذ صباه من رفاقه وشيوخه وزملائه وتلاميذه أو الذين رافقوه في الغزوات والحروب والأسفار والوفود واللجان، أنه كان يمتلك الصفات والأخلاق والمقومات التي تؤهله لتولي أي مسئولية أو مباشرة أمر من الأمور، وأجمعوا على أنه كان مستقيماً عفيفاً، صادقاً منذ صباه، أميناً شجاعاً ذكيّاً عابداً زاهداّ مترفعاّ عن صغائر الأمور، عالماّ فقيهاّ حكيماّ آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر سليم العقيدة صابراً. وصفه الملك عبدالعزيز حينما أرسله مع ابنه الأمير فيصل في الجيش المتوجه إلى عسير بأنه ذا رأي صائب ممن عركتهم التجارب، ووصفه الشيخ محمد بن عثمان بن صالح القاضي بأنه العالِم المحقق المدقق. ترجم له عمر بن عبدالجبار فأثنى عليه بسعة الإطلاع، ووصفه بالمكانة المرموقة والمهابة والوقار، وأنه منذ أن نشأ حتى أرهقته الشيخوخة قائم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كان كثير الخشوع، غزير الدمع، كثير البحث والمطالعة، سهل التسليم والرجوع للحق حتى لو صدر من طلبته، كثير النصح للملك والأمراء والوزراء والعلماء وغيرهم، ذكر ابنه الشيخ حسن أنه نصحه يوماً قائلاً: اسمع يا بني لا تحاول يوماً أن تنتصر لنفسك، فإن كنت على حق فسيدافع الله عنك وإن لم تكن عليه فليكن حديثهم عنك دافعاً لك إلى العودة إلى الحق الذي لا أرتضي لك مجاوزته. وقال لي يوماً: أوصيك بصلة الرحم، فصلتها خير لك من دنياك، وكان كثيراً ما يستشهد بالأحاديث النبوية التي تحث على صلة الرحم، ويردد قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((ليس الواصل بالمكافئ)). نصح أحد مرافقيه الذي كان يمشي خلفه، فأخذ بيمينه وقال له: هكذا ينبغي أن تكون مع من هو أكبر منك علماً أو سناً: لتترك شماله لحاجته ولا تمش خلفه، بل تكون في موقف المصلي المنفرد مع إمامه.

مواقف مشهودة

كانت له مواقف مشهودة تدل على شجاعته وإخلاصه، وسعة فهمه ودقة ملاحظته زادت من ثقة الملك عبدالعزيز وتمسكه به، وهي مواقف كثيرة، ولكن من أشهرها أنه عندما دخل الملك عبدالعزيز مكة المكرمة وجد فيها بعض المظاهر المخالفة للعقيدة، وبعض البدع التي تتنافى مع التوحيد، فأشار عليه الشيخ بإزالتها ولكن الملك عبدالعزيز رأى التريث بعض الوقت حتى تستقر الأمور وتطمئن النفوس ثم تزال شيئاً فشيئاً حتى لا يحدث شيء من التشويش وعدم الفهم، لكن الشيخ لم يقتنع وأصر على رأيه بأن هذه الأمور لا تحتمل التأجيل وأن الله الا بد أن ينصر دينه وأوليائه ويرد كيد الكائدين، فما كان من الملك عبدالعزيز إلا أن يكبر موقف الشيخ ويشاطره رأيه عن قناعة تامة. موقف آخر يدل على صدق الشيخ ونصحه لولاة الأمر، كما يعبر عن اعتزازه وحرصه على مكانة العلماء وسماحتهم، حدث هذا الموقف عندما دعا الملك عبدالعزيز العلماء إلى اجتماع في جده وعند اكتمال حضورهم بادرهم بأنه يريد أن يتكلم في أمر لا يسمح فيه لأحد أن يناقشه أو يعترض عليه، وقبل أن يبدأ الكلام بادر الشيخ عبدالله بمغادرة المكان مما أثار استغراب الملك عبدالعزيز فسأله عن دافع رجوعه فأخبره أنه لا يجد مبرراً للبقاء لأن مهمة العلماء إبداء الرأي والمشورة وبيان الحكم الشرعي فالنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم عندها تدارك الملك عبدالعزيز فأيد الشيخ في موقفه مع الإكبار والتقدير.

وفاته

انقطع في آخر حياته للعبادة والتدريس والإشراف على طباعة كتب العقيدة ونشرها وتوزيعها، واستناب ابنه عبدالعزيز حينما بلغ التسعين من عمره، وأصيب بانفكاك في مفصل الورك نتيجة عثرته في ماء، فكان يتحرك في عربة ويرابط في الحرم بين الصلاتين ثم يعود إلى منزله المجاور للحرم. اشتدت عليه الأمراض وتوالت حتى وافته منيته صباح السبت السابع من رجب عام 1378 هـ صُلِّي عليه في المسجد الحرام وكان الملك سعود – رحمه الله – في مقدمة المصلين عليه والمشيعين لجثمانه إلى مقبرة العدل في مكة المكرمة، وشارك في تشيعه جمع غفير من أهل مكة وما حولها، وصُلِّي عليه صلاة الغائب في مساجد المملكة، ونعته الصحف السعودية ورثاه العلماء والكتاب بمقالات ومَراثٍ عددت مآثره وفضائله وأعماله، تعزى المسلمين بفقده نظماً ونثراً.

أولاده

خلف الشيخ عبدالله خمسة أبناء هم خير خلف لخير سلف، نشأوا على نهج والدهم وهم: سماحة الشيخ محمد - رحمه الله – وسماحة الشيخ عبدالعزيز – رحمه الله – وسماحة الشيخ حسن – رحمه الله – والشيخ إبراهيم والشيخ أحمد، تولوا أرفع المناصب وزراء وخطباء في المسجد الحرام وغيرها من مناصب الدولة والقضاء.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المراجع

1- من أعلام القضاء/ الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ - مجلة العدل – العدد التاسع عشر – محمد بن عبدالله المقرن - رجب 1424هـ .

2- الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ حياته وجهوده - سلسلة السير والآثار العلمية العدد 9 - الوليد بن عبدالرحمن آل فريان - 1426هـ.