دين ضد الدين

بلال فضل [1]
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
دين ضد الدين. انقر على الصورة لمطالعة الكتاب.

اتفق أو اختلف مع المفكر الإيرانى الثورى علي شريعتي ومع الطريقة التى تم إستغلال أفكاره بها من قبل السلطات الإيرانية القمعية، لكن حاول أن تقرأ محاضرته الشهيرة (دين ضد الدين) وأنت تتأمل كيف يتم إستخدام الدين في الإبقاء على شبكة المصالح التى كانت قائمة في عهد مبارك ليكون الإخوان حراسا عليها وجناة لثمارها، مع الحرص على إستمرار نهج مبارك في توسيع حجم الفتات الذى تلقيه السلطة للناس لتخف حدة غضبهم ويواصلوا دفع عجلة الإستقرار التى تجعلهم مستقرين في التعاسة وتجعل أصحاب المصالح مستقرين على عرش مصالحهم.

ينبهنا شريعتي في محاضرته إلى أن الحقائق التاريخية تؤكد أن الدين لم يكن يواجه إلا بالدين، خلافا للتصور الساذج الذى نحمله عن وجود صراع تاريخى دائم بين الدين والإلحاد، يمكن أن نصطدم في القرون المتأخرة التى نمت فيها مظاهر المدنية والفكر والفلسفة بوجود أشخاص ينكرون وجود الخالق أو الآخرة، لكنهم لم يحدث في وقت من الأوقات أن قاموا بتكوين طبقة أو فئة إجتماعية معتد بها. إن أكثر من أضر بدعوة التوحيد التى حملها سيدنا موسى لم يكن فيلسوفا ماديا أو ملحدا دهريا، بل كان بلعم بن باعورا صاحب أعلى مقام دينى في زمانه، ومع ذلك فقد نهض لمعارضة دعوة موسى مستغلا إيمان الناس وثقتهم به. سيدنا عيسى كان من أبرز أسباب معاناته الطويلة «الفريسيين» وهم لم يكونوا ماديين ولا زنادقة ولا دهريين بل كانوا أتباع وأنصار الدين القائم في ذلك الزمن. حتى الذين حاربوا نبينا محمد Mohamed peace be upon him.svg كان شعارهم القضاء على محمد وأتباعه بذريعة إنتهاكهم لحرمة بيت إبراهيم ولأنهم صبأوا عن دين آبائهم وخرقوا الأصول والمقدسات.

يقول شريعتى أن التاريخ يعلمنا أن هناك على الدوام صراعا بين نوعين من الدين: الدين الثورى الذى يدعو إلى الإنقياد المطلق لإرادة الله لكنه في الوقت ذاته يدعو إلى الثورة على كل ما سواه وعدم التسليم للأصنام بمعناها الشامل لكل مايتخذه البشر كآلهة زورا وتزويرا بمعونة جهل الناس وظلم الحاكمين، والدين التبريرى الذى تحمله فئة «تكن العداء للحقيقة والعدالة والحرية والحضارة والرقى وتنشغل بإشباع ولعها وغرائزها المنحرفة في التسلط على رقاب الناس وحرمانهم من أبسط حقوقهم وقد كان أفراد هذه الفئة دائما من المتدينين ولم يكونوا من الزنادقة والكافرين». وفى حين يغذى الدين الثورى أتباعه برؤية نقدية لكل مايحيط بهم ويكسبهم شعورا بالمسئولية تجاه الوضع القائم ليسعوا لتغييره، يقوم الدين التبريرى بترويج مبدأ الرضوخ للأمر الواقع، ويقنع الناس بأن وضعهم الراهن هو الوضع الأمثل الذى يجب أن يرضوا به لأنه المصير المحتوم الذى كتبه الله عليهم، ولذلك فقد ساهم «حكام الملك العضوض» في دعم كل الأفكار القدرية والتبريرية التى تسلب من المسلمين الشعور بالمسئولية وتقتل فيهم روح المبادرة.

يضع شريعتى يده على نقطة مهمة هى أن مناصرى الدين التبريرى دائما يكونون من أصحاب الطبقات الإجتماعية العالية والغنية، وتراهم جميعا مع الهيئة الحاكمة كتفا في كتف، وقد تراهم أحيانا يهيمنون على الهيئة الحاكمة أيضا، هم أولئك الذين عبر عنهم القرآن بـ «الملأ» وهم المترفون الذين يملأون العين ويشغلون المناصب المهمة في مجتمعاتهم، وهم الذين يواجههم دائما الدين الثورى الذى برغم أنه لم يتمكن من أن يسيطر على الحكم دائما، لكنه ظل على الدوام في تاريخنا الإسلامى يواجه دين الطاغوت والمترفين ويدعو الناس إلى التمرد على جبهة الملأ لإقرار العدالة ونشرها، ويسعى دائما لأن ينضج الناس ويكون لهم وجدان دينى يقظ ليس وليدا للجهل ولا الخوف، فيقفون ضد كل من يبرر الجوع ويسببه بإسم الدين، ويصبح شعارهم الدائم قول سيدنا أبي ذر الغفاري أبرز رموز الدين الثورى «عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش

  1. ^ "أبو ذر يواجه مرسى!". صحيفة الشروق المصرية. 2013-01-08.