حجاج الخضري

ميدان الرميلة

حجاج الخضري (توفي 1805) بطل ثورة مصر المنسية غزا العثمانيون مصر سنة 1517 م، وأنهوا بذلك حقبة الحكم المملوكي التي استمرت نحو قرنين ونصف من عمر الزمان وقد كانت صناعته بيع الخضر فكان اسمه يذكر دائماً مع اسم صناعته، فكان الجبرتي رحمه الله يذكره إذا ذكره بسام (حجاج الخضري).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

كان واحدًا من القيادات الحرفية المصرية في تلك الفترة والذين عرفهم التاريخ باسم "أولاد البلد"، لم يكن حجاج الخضري بن قرية المنوات شهيرًا بما فيه الكفاية لكي يفرد الجبرتي حديثًا عنه في وفيات مشاهير ذاك العام الذي قُتل فيه، لذا فإننا لا نعرف إلا اسمه معرفًا بمهنته التي كان يمارسها وكان شيخًا لطائفتها، وربما ما عرفنا أنه من قرية المنوات التابعة لمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة إلا لأنه فر إليها جزعًا بعد إنتهاء أزمة الولاية عام 1805والتي كان له دورًا بارزًا للغاية في تولية محمد علي باشا السلطة وذلك أثناء صراعه مع أحمد خورشيد باشا، الذي أصر ألا ينزل عن منصبه على غير العادة، وأكد على أنه لا يُعزل بأمر الفلاحين ولا ينزل من القلعة إلا بأمر من السلطنة.[1]

كان حجاج الخضري مشهورًا بالإقدام والشجاعة طويل القامة عظيم الهمة وكان شيخًا على طوائف الخضرية، وهذه الصفات تجعله ليس مجرد شيخًا لطائفة الخضرية ولكن تجعله فتوة من الفتوات، فقد كان صاحب صولة وكلمة بناحية الرميلة، التي تسمت على اسم ميدان الرميلة أو ما عُرف بميدان القلعة المواجه لقلعة صلاح الدين الأيوبي تتبع الآن قسم الخليفة وتُعرف باسم المنشية، وقد عُرف الخضري بمكارم الأخلام، كما ذكر الجبرتي، وهذه الصفات الخَلقية والخُلقية ، التي تمتع بها إلى جانب حجاج الخضري العديد من أولاد البلد في ذلك الوقت مثل إسماعيل جودة وابن شمعة شيخ طائفة الجزارين وعلى رأسهم نقيب الأشراف السيد عمر مكرم الأسيوطي، كانت كفيلة بأن ترجح كفة صراع أولاد البلد من المصريين ضد خورشيد باشا، خاصة وأن فترة الصراع هذه لم تكن قصيرة ولم تكن أحداثها هينة سهلة، فهي ترقى إلى حرب أهلية استغرقت ثلاثة أشهر، بدأت يوم 13 مايو عام 1805 وانتهت في 11 أغسطس ، بنزول أحمد خورشيد إلى بولاق لركوب المراكب إلى الإسكندرية.


نبذة

غزا العثمانيون مصر سنة 1517 م، وأنهوا بذلك حقبة الحكم المملوكي التي استمرت نحو قرنين ونصف من عمر الزمان، أرّخَت لها آثار باقية حتى اليوم، في مصر والأراضي الحجازية واليمن وبلاد الشام وشمال إفريقيا، وشهدت عليها نقوش المساجد والخانقاوات والأسبلة، كما حفر سلاطين المماليك رنوكهم (أختامهم وشاراتهم المميزة) على الجدران والآنية والأزياء، وكذلك أذاقوا المصريين مختلف صنوف العسف والجور، كما مثلوا واحدة من أغرب حالات الحكم في التاريخ، كونهم أرقاء يشتريهم أرقاء مثلهم ويعدونهم لحكم شعب من الأحرار!

اكتفى العثمانيون بوضع فرق عسكرية رمزية -كانت عادة من المرتزقة والمغامرين- واستعانوا بالمماليك الذين كانوا يرسلون لخزائن الباب العالي سنويًّا ما يثبِّت حكمهم من الأموال ومن خيرات البلاد التي كانت تفيض على ضفتي النهر العظيم، في حين يعاني المصريون شظف العيش وتفترسهم المجاعات والأوبئة.

قوتان كبيرتان تنموان

وفي ظل هذا الوضع المعقد نمت قوتان كبيرتان، كان لهما الدور الفاعل في دفع الأحداث. القوة الأولى تتمثل في شيوخ الأزهر وعلمائه ونقباء الطرق الصوفية والأشراف، وهم الممثلون للطليعة المثقفة في المجتمع.

والقوة الثانية تتمثل في شيوخ الحرف والطوائف، والذين كان يعول عليهم كثيرًا في حشد الجموع الغفيرة وتحريكها ميدانيًّا، وبزغ من بينهم نجم شيخ طائفة الخضرية، حجاج الخضري، الذي يعد القائد الميداني الأهم لثورة شديدة الأهمية في تاريخنا الحديث والمعاصر، ترتب عليها تحول مصر الجذري من مجرد ولاية –إيالة- عثمانية تعيش في كهوف العصور الوسطى ويتسلط عليها مجموعة من شذاذ الآفاق الذين جاؤوا بحثًا عن المغامرة وطمعًا في الكسب والثراء، هي ثورة القاهرة عام 1805م، تلك الثورة التي طالها النسيان وطمستها أحداث الزمان وتقلباته، ولم تحظ من كتب التاريخ إلا بأقل القليل من المعالجة والبحث.

منذ جثم العثمانيون على صدر مصر أصبح الدفاع عن البلاد مهمة الأمراء المماليك وأتباعهم، وكذلك مختلف الفرق شبه النظامية التي يرسلها الباب العالي لتثبيت دعائم سلطانه. وتحفل كتب التاريخ بذكر الفظائع التي قام بها هؤلاء الهمج من قتل واغتصاب وسلب ونهب. وظل المصري ينظر إلى الجندي المملوكي ونظيره التركي نظرة خوف ورهبة، حتى شهد بنفسه انكسار المماليك وهزيمتهم وفرارهم من أمام الفرنسيين 1798م، وأدرك المصريون أنهم يستطيعون تحمل مسؤولية القتال، واختبروا أنفسهم في ثورتي القاهرة الأولى والثانية، والتي استطاعوا خلالهما تكبيد المحتل الفرنسي أفدح الخسائر، كما بزغ نجم أبطال عديدين، سيشكلون تاريخ البلاد في مقبل الأيام، وعلى رأسهم حجاج الخضري، شيخ الخضرية، الذي استطاع تحريك الجموع الهادرة، ونجح بفطنته واستعداده الفطري للقيادة في تكوين جيش شعبي يتولى قيادة فصائلة شيوخ الحرف والطوائف، مثل إسماعيل جودة وابن شمعه، وكانت السنوات الثلاث التي قضاها الفرنسيون في مصر (1798 – 1801) بمنزلة فترة الإعداد التي تمكن فيها المصريون من اختبار قدراتهم والتدريب على الدفاع عن بلادهم والانتصار لكرامتهم، دون الحاجة إلى جنود مرتزقة أو بقايا المماليك .

تعقد الموقف في مصر

فور جلاء الفرنسيين أرسل الباب العالي واليًا جديدًا، وتأهب الأمراء المماليك للعودة مرة أخرى لسابق عهدهم، بعدما أصبحوا فريقين متناحرين، يقود الفريق الأول البرديسي الذي أسرع لتقديم فروض الولاء والطاعة للوالي الجديد، وظل الفريق الآخر بقيادة الألفي يتحين الفرصة للانقضاض على الحكم. لكن ما حدث بعد ذلك كان على عكس ما رتب له الجميع.

بدأ حلم تحرير مصر من العثمانيين يحتل عقل وقلب الثوار، الذين حملوا أرواحهم فوق أكفهم من قبل في مواجهة الفرنسيين. وأعلن حجاج الخضري أنه من العبث أن نضحي بأرواحنا كي نسلم البلاد مرة أخرى للأتراك ولوكلائهم من المماليك. لكن الخلاف الذي كان محتدمًا وسط معسكر الطليعة المثقفة، عمر مكرم والشرقاوي والسادات والدواخلي وغيرهم حال دون ذلك. ومما زاد حنق المصريين، أن الجنود الأتراك رجعوا أكثر نهمًا للسلب والنهب؛ كأنهم يريدون تعويض ما فاتهم من مكاسب وغنائم حرموا منها بسبب وجود الفرنسيين.

ولم يكن الثوار، وعلى رأسهم حجاج الخضري، هم من يرغبون وحدهم في كسر شوكة الأتراك، لكنّ مغامرًا ألبانيًّا اسمه محمد علي، جاء ضمن قوات الوالي التركي في حربه مع الفرنسيين، عرف أهمية مصر فشب بداخله حلم امتلاكها وفصلها عن الباب العالي، لتكون طعمة له ولأبنائه من بعده، فتقرب للمشايخ والعلماء وكبار التجار، وكسب ود شيوخ الحرف والطوائف، واستطاع كسب ثقة واحد من أهم قادة المصريين وهو نقيب الأشراف، الذي كان محمد على يقبل يده قائلاً: أبانا الجليل عمر مكرم.

منذ خروج الفرنسيين من مصر 1801م جرت في النهر مياه كثيرة، وتتابع على حكم البلاد أكثر من والٍ، منهم من لم يستمر سوى عدة أشهر ومنهم من لم يمكِّنه الجند من الوصول إلى القلعة، ومنهم من قُتِل في الطريق، مثل علي باشا الطرابلسي، الذي قُتِل ناحية قليوب، ويذهب بعض الروايات إلى تورط محمد علي نفسه في قتله.

كل ذلك والحالة الأمنية في البلاد تزداد تدهورًا، كما يزداد خطر الأمراء المماليك، خاصة الألفي، كما ازداد خطر العربان والمنسر وبات الجميع في خطر شديد، وازداد الشقاق وسط الطليعة المثقفة حتى بلغ الأمر إلى صراعهم على تولي نظارة مسجد ووقف الإمام الشافعي، طمعًا في ما يدره من أموال!

وسط ذلك كله، كان لحجاج الخضري حٌلم خاص بأن يحكم مصر أبناؤها، وعلى الرغم من تجمع مختلف طوائف الشعب -التواقة للتحرر من عسف الأتراك والمماليك وتنسم هواء الحرية- حوله فإن المشايخ والعلماء جابهوا ذلك بالرفض، متعللين بضرورة طاعة الباب العالي (ولي الأمر)!

ولم يكد أحمد باشا خورشيد يصل إلى مصر واليًا عليها بفرمان سلطاني، حتى بدأ القضاء على أية قوة يمكنها أن تهدد وجوده، وأسرع في فرض المزيد من الضرائب الجائرة، وأطلق لجنوده العنان في استخدام مختلف أشكال القوة في تحصيل هذه الضرائب.

إعلان الثورة

ضج الناس بالشكوى ولجؤوا إلى الجامع الأزهر وطلبوا تدخل المشايخ، كما لاذوا بدار السيد عمر مكرم، واستطاع حجاج الخضري وابن شمعه، وشيوخ الطوائف والحرف، تحريك الجموع الغاضبة. وشهدت شوارع مصر غليانًا وغضبًا، وفي نفس الوقت راسل محمد علي قادة الشعب وأخبرهم بتأييده لهم ودعمه لتحركهم ورفضه لما يفعله الوالي، وظل الأمر في شد وجذب، وكلما ازداد الوالي عنادًا ومكابرة، ازداد الشعب تصميمًا على رفض سياساته.

في أثناء هذا جاء فرمان بتولية محمد على حكم جدة، وضرورة مغادرته أرض مصر، فثار علماء الأزهر وأعلنوا تمسكهم به في مصر، نظرًا إلى حسن ظنهم به وبحبه للبلاد، فانقسم الجنود الأتراك في ما بينهم، ووصل الأمر إلى قتال بعضهم بعضًا.

استغل حجاج الخضري هذه اللحظة التاريخية، فأوعز إلى الجموع رفض حكم خورشيد وضرورة عزله. وتطورت الأحداث سريعًا، فقاد حجاج الجموع الهادرة، وحاصروا القلعة ومنعوا عمن فيها المؤن، واشتبكوا مع جنود الوالي في مناوشات، وتبادلوا معهم إطلاق الرصاص، فاشتعلت شرارة الثورة في البلاد، وكان لزامًا على طليعة الشعب -ممثلة في العلماء والمشايخ- أن تنحاز للثورة الشعبية، فعقدوا مجلسًا في بيت القاضي وكتبوا للسلطان يعلمونه برفضهم لمسلك الوالي وفرضه الضرائب وظلمه للناس، ما يستوجب عزله. لم يكد كبير الحجاب ينتهي من قراءة “العرض حال ” وترجمته للسلطان حتى صاح الأخير متوعدا والشرر يتطاير من عينيه صائحا: (كيف يجرؤ هؤلاء على مخالفتنا ، جهزوا حملة عسكرية لتأديب المصريين) نظر رجال الحاشية إلى بعضهم البعض في حيرة، إذ لم يكن بمقدورهم تدبير القوات اللازمة ، لأن الدولة تحارب في جميع الأطراف، فالثوار في اليونان يحرزون النصر تلو الآخر على الجنود الأتراك، والمتمردون في ” البغدان والأفلاق / رومانيا ” كادوا أن ينسلخوا عن سلطة الباب العالي ، وهذا هو الحال في الكثير من الولايات التي انتفضت ضد سلطة العثمانيين.

لجأ رجال السلطان إلى حيلة أخرى، كثيرًا ما جرى استخدامها منذ الفتنة الكبرى وحتى اليوم، وهي الفتاوى. فجعلوا مفتي السلطان يصدر وثيقة بعدم جواز خلع الوالي المرسل من الباب العالي، وبأن المصريين عليهم طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه.

لم تكد رسالة الباب العالي تصل حتى رد علماء مصر بفتوى شُجاعة، فَنَّدوا فيها تعريف ولي الأمر والحالات التي يجب الخروج فيها عليه، كما أعلنوا عدم قبولهم لخورشيد باشا بعد ما فعله من ظلم وجور، وطالبوا السلطان بعزله. واستمرت حرب الفتاوى قائمة بين المصريين والباب العالي، وأخذ حجاج الخضري ومن معه من الثوار يلحون في ضرورة تولي أحد المصريين حكم مصر، والتخلص نهائيًّا من سيطرة العثمانيين، لكن الشقاق الذي كان قائمًا بين الطليعة المثقفة حال دون إجماعهم على شخص واحد، واستغل محمد علي هذا الأمر وأوعز إلى عمر مكرم المناداة به واليًا لمصر، بعدما وعده بالصلاح وتحري العدل وبأنه لن يقطع أمرًا إلا بمشورته، كما ألمح له من طرف خفي إلى أنهم لا طاقة لهم بحرب جيش السلطان.

وازداد الأمر تعقيدًا، وواصل الخضري محاصرته للقلعة واستطاع إحباط محاولة تسلل لتوصيل أسلحة وعتاد للوالي المحاصَر، عبر صنع نقب في أحد أسوار القلعة. وفي نهاية الأمر رضخ السلطان لمطلب المصريين، وأصدر فرمانًا بعزل خورشيد وتولية محمد علي حكم مصر. وتعهد الوالي الجديد أمام الجميع بحسن إدارة الأمور وتحري العدل في مسلكه، ولم يهدأ الثائر وإنما حذر الوالي الجديد من أنه إذا حاد عن طريق الصواب فسوف يعزله الشعب المصري كما عزل من سبقه.

الخُضري ومحمد علي

وظلت العلاقة متوترة بين حجاج الخضري وبين محمد علي، وكان الخضري يؤلب الجموع ضد أية قرارات يراها ضد مصلحة المصريين، أو يشم منها بداية تسلط الوالي الجديد ونزوعه نحو فرض ضرائب جائرة تأسِّيًا بمن سبقوه من الولاة العثمانيين.

وبمرور الوقت، استطاع محمد علي التخلص من الزعامات التي أجلسته على كرسي الحكم الواحد تلو الآخر، مستغلاً ما بينهم من صراعات تارة، وحائكًا للمؤامرات تارة أخرى، وجاء الدور على حجاج الخضري، وأصبح الناس يومًا فوجدوه مشنوقًا على باب حارته، فوقفوا باكين أسفل الجسد المدلى، كأنهم يبكون ضياع حلم حكم مصر بيد المصرين، ذلك الحلم الذي لم يتحقق إلا بعد قرن ونصف من شنق بطل الثورة المنسية، الذي ضنت كتب التاريخ بذكر اسمه، باستثناء صفحتين أو ثلاث في كتاب عبد الرحمن الجبرتي، الذي كان شاهد عيان على قيام وانهيار ثورة 1805 م، وقائدها حجاج الخضري.[2]


مرئيات

محمود سعد يتحدث عن أسرار في حياة حجاج الخضري

بطل ثورة مصر المنسية

المصادر

  1. ^ "حجاج الخضري قائد أهالي الرميلة في حرب 1805 "الأهلية"".
  2. ^ "حجّاج الخُضَري.. بطل ثورة مصر المنسية".