ثورة المعلومات

ثورة المعلومات information revolution، هي النمو السريع لكمية المعلومات، وهذا ما أدى إلى هذه الحقبة الحالية من تاريخ البشرية التي حلّ فيها امتلاك المعلومات ونشرها محلّ المكننة والتصنيع، باعتبارهما قوة محركة للمجتمع.[1]

وتختلف ثورة المعلومات عن غيرها من الثورات. فالثورتان الزراعية والصناعية تتصلان بأشياء ملموسة، بالأرض والآلة. وعصور الحديد والبرونز والبترول وسواها هي عصور تتصل بالمواد الجديدة، أمَّا المعلومات فليست ملموسة.

أمَّا الثورة الحاسوبية، فهي الظواهر المجتمعية والتقنية التي تواكب التطور السريع في الحواسيب، واتساع خدماتها وقبولها، وخاصَّةً الحواسيب الشخصية. ويُعدُّ أثر هذه الآلات ثورياً لسببين، الأول: أن ظهورها ونجاحها كانا سريعين جداً. والثاني وهو الأهم: أن سرعتها ودقتها أحدثتا تغييراً في طرق معالجة المعلومات وتخزينها ونقلها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نشأة الحاسوب وتطوره

ليس الحاسوب هو أول آلة استخدمت لمعالجة الأرقام، فالمعداد abacus، استخدم منذ خمسة آلاف عام في شرق آسيا، ومازال مستخدماً حتى اليوم. وفي عام 1642 اخترع عالم فرنسي يدعى بليز باسكال Blaise Pascal أول حاسبة ميكانيكية، ثم قام لايبنتز Liebnitz بعد ثلاثة عقود بإدخال تحسينات عليها، فغدت قادرة على إجراء عمليات الضرب والقسمة وحساب الجذور التربيعية للأعداد، ثمَّ توصَّل العالم البريطاني تشارلز بابيج Charles Babbage إلى إمكان معالجة المعلومات باستعمال آلة، إذا ما أمكن تحويل المعلومات إلى أرقام. وابتدع بالفعل لغة (برمجة) مستخدماًَ الأرقام والحروف ورموزاً أخرى، كما ذكر سلسلة من التعليمات لتشغيل الآلة.. وفي منتصف الأربعينيات من القرن العشرين بُني أول حاسوب على أساس من أفكار بابيج. إنَّما قبل ذلك، في أواسط الثلاثينيات، أبدع عالم رياضيات يدعى آلان تورنج Alan Turing فكرة لبناء آلة، عُرفت فيما بعد بآلة تورنج. وهي آلة حاسبة متعددة الأغراض، يمكن تزويدها بتعليمات للعمل مع أي نوع من المعلومات. وأثبت بعد ذلك بقليل كلود شانون Shannon في أطروحته لنيل شهادة الماجستير: «أن الآلة التي تنفذ تعليمات منطقية، يمكن أن تعالج المعلومات».

إلى جانب ما قدَّم تورنج وشانون يمكن أن يضاف إلى الدور الهام الذي قام به عالم الرياضيات الشهير جون فون نويمان John Von Neumann (وهو أمريكي من أصل مجري)، الذي بيَّن أنه بتخزين معلومات في ذاكرة الحاسوب، يمكن الاستغناء عن تغيير الأسلاك. هذا التغيير الذي كان ضرورياً عندما يُطلب من الحاسوب الانتقال من مهمة إلى أخرى.

والحاسوب الأوَّل الذي اعتمد نظام العدِّ الثنائي هوThe Electronic Numerical Integrator Calculator (ENIAC) وتعني المكامل العددي الإلكتروني. يزن هذا الحاسوب ثلاثين طناً، وفيه سبعةَ عشرَ ألفِ صمامٍ. وفي بداية الستينيات من القرن العشرين حلَّتْ الترانزستورات محل الصمامات، وكان ذلك ثورة في صناعة الحواسيب. تبع ذلك سلسلة من التطويرات: من وسائط أولية لتبادل المعلومات (مثل البطاقات المثقبة) إلى وسائط أخرى سهلة الاستعمال، ومن برمجيات غير مرنة إلى برمجيات متطورة؛ ومن الحاسوب الكبير Mainframe، الذي يعتمد الصمَّامات ثم الترانزستورات إلى الحاسوب الصغير Minicomputer، الذي يعتمد الدارات المتكاملة، إلى الحاسوب الصغير Microcomputer، الذي يعتمد على تكامل وسيع النطاق Vlsi (مكوَّن من عدد كبير من مفاتيح أشباه النواقل). تقلَّص حجم الحاسوب وزادت سرعته، فصار يقوم بمليارات العمليات الحسابية في الثانية الواحدة.

وواكب تطوُّر جسم الحاسوب المادي تطوٌّر المهام التي يؤدِّيها الحاسوب. إذ كان عمله في البدء لا يتجاوز عمل آلة حاسبة ضخمة لمعالجة البيانات بغية استخراج قوائم المرتبات وكشوفات الحسابات، ثم تطوَّر ليعالج المعلومات، وتطبيقاتها في بنوك المعلومات ونظم دعم القرار، ثم ارتقى بعد ذلك، بعد تطور أساليب الذكاء الصنعي، إلى معالجة المعارف، من نظم خبيرة ونظم ذكية، وكان لا بدّ من تطور مناسب في البرمجيات ولغاتها لأداء هذه المهام المتطورة.

أمَّا فيما يخصّ جانب الاتصالات، فكانت وسيلة نقل البيانات تعتمد أسلاك النحاس الغليظة، ثم دخلت الألياف الضوئية Fiber Optics الرفيعة جداً، وبسرعة تدفق كبيرة، إلى استخدام الأقمار الصناعية دون أسلاك. ونتيجة لهذه التطورات في مكونات الحاسوب والبرمجيات والاتصالات، برزت الشبكة العالمية (الإنترنت)، التي تربط الإنسان في أي موقع من العالم، بأي موقع آخر. وبها يتمكن من الوصول إلى المعلومات التي يبحث عنها، وبها يستطيع القيام بالصفقات التجارية، والتواصل مع أصدقائه.


ظهور ثورة المعلومات

كان القسم الأعظم من المعلومات إلى وقت قريب، يخزن على الورق، في كتاب أو على صفحات الجرائد أو ما ماثل ذلك. ولكنَّ تفجُّر المعلومات، وما رافق ذلك من عجز الفرد عن قراءة جميع الإنتاج الفكري الذي يتوقع الاستفادة منه واستيعابه، وعجز الطرق والوسائل التقليدية عن سدِّ الحاجات المختلفة للأفراد. يُضاف إلى ذلك العبء المالي الذي يتطلبه ذلك، وعجز الفرد والمؤسسة عن الاضطلاع بهذا العبء. كل ذلك دفع المجتمع البشري إلى البحث عن وسائل أخرى. وجاء في تقرير واينبرغ Weinberg، الذي أعدَّته لجنة الإعلام العلمية في أمريكة، المكوَّنة من مستشاري الرئيس الأمريكي للعلوم، حول مسؤوليات رجال الثقافة والسلطات الحكومية في بثِّ المعلومات، عام 1958 ما يأتي: «إنَّنا لا يمكن أن نسيطر على تفجُّر المعلومات على المدى الطويل، إلا إذا أعددنا بعض العلماء والمهندسين لأن يلقوا بكل ثقلهم، وبعمق، في عمليات غربلة المعلومات وعرضها وتركيبها وتحليلها، أي تناول المعلومات بمضمونها ومعانيها، لا مجرد تناولها بطرق آلية. ولابد أن يقوم أمثال هؤلاء العلماء بابتكار علم جديد، لا مجرد فرز الوثائق».

لم يعد الحصول على المعلومة أمراً يهم الأفراد العاديين والباحثين وحدهم، بل ضرورة ماسَّة لأصحاب القرار، وبات من الضروري الحصول على المعلومة بأقصر زمن ممكن، بسبب النشاط التنافسي المتزايد، والعداء الظاهر والباطن بين الدول، والتبدلات الاقتصادية السريعة.

كان كل ذلك سبباً رئيسياً في الثورة التي طرأت على الحاسوب وعلومه، فصار من الممكن حالياً تسجيل كتاب ضخم أو موسوعة كبيرة تضم عدداً كبيراً من المجلدات على قرص ليزري يزن عدة غرامات، بل ويمكن كذلك الحصول على أي معلومة من هذا الكتاب أو هذه الموسوعة خلال ثوانٍ. كلُّ ذلك إضافة إلى رخص الثمن وإمكان النشر والتعديل والعرض، والتحميل عبر الشبكات الحاسوبية، وإمكان الجمع بين النص والصورة والحركة وعروض الفيديو (الوسائط المتعددة) Multi Media ويمكن بعد ذلك أن الاكتفاء بالاطلاع على هذا الكتاب «الإلكتروني» على شاشة الحاسوب، أو طباعته على الورق. لهذا صار إلى جانب المكتبات التقليدية مكتبات إلكترونية، يمكن أن تضم في خزانة صغيرة بعض الأقراص الليزرية التي تقوم مقام مكتبة ضخمة جداً.

وبالنظر إلى المستقبل: يرى البعض أن ثورة المعلوماتية مازالت في بداياتها، وأننا نمر الآن في مرحلة مثيرة من عصر المعلوماتية، وهي بداية البداية لهذا العصر. ولا يمكن، على وجه اليقين، التنبؤ بمسارها القادم. ولكن من المؤكد أنها ستؤثر في حياة جميع الناس، وستترك بصماتها على الطريقة التي يتواصلون بها، وعلى أساليب عملهم، وتعاملاتهم، وسيطال التأثير كذلك العلاقات الاجتماعية، ومناهج التعليم وأساليبه، والاقتصاد والإدارة وغير ذلك من النشاط البشري.

بدَّلت التقانات الحديثة حياة الناس، وستكون الفوائد والمشكلات القادمة والناشئة عن تطور الاتصالات، على وجه الخصوص، أكثر بكثير من تلك التي ترتبت على ثورة الحاسوب الشخصي. ومازالت هذه الآثار موضع جدل، فهناك من الباحثين من يعدّ ثورة تقانة المعلومات الحالية مدمرة للنسيج الاجتماعي، بل تمثل تهديداً للترتيب المستقر للأشياء.

ويحذر بعضهم من العادات والممارسات غير الاجتماعية نتيجة تعذر ضبط الشبكات والإنترنت خاصة، فهي تعطي عصابات المافيا وجماعات الكراهية حقوق النفاذ ذاتها التي تتمتع بها المنظمات ذات الأهداف الإنسانية، كل ذلك إضافة إلى آثار سلبية أخرى كثيرة. وهناك فريق آخر من الباحثين ينظر إلى الأمر من زاوية أخرى، فيؤكد أن المجتمع المعلوماتي أكثر عدلاً من سواه، لأن الناس فيه سواء، ويرى أن التقانة الرقمية قوة طبيعية تضع الناس جميعاً في منظومة عالمية أكثر توافقاً.

ويرى بعضهم أن ما قدمته الثورة المعلوماتية ليس للجيل الحالي أو للأجيال التي سبقته بل هي لأجيال المستقبل. إن هؤلاء سيدفعون هذه التقانة إلى آفاق رحبة جديدة.

معيار ونمذجة ثورة المعلومات

Modeling the Informational Revolution.
المصدر: Veneris (1984)

انظر أيضا

2

هوامش

  1. ^ موفق دعبول. "الثورة المعلوماتية". الموسوعة العربية. Retrieved 2011-11-23.

المصادر

  • نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات، عالم المعرفة العدد 265، كانون الثاني 2001.
  • بيل گيتس، المعلوماتية عبر الإنترنت (طريق المستقبل)، عالم المعرفة العدد 230، آذار 1998.
  • آلن كنت، ثورة المعلومات (وكالة المطبوعات، الكويت 1979).
  • معجم مصطلحات المعلوماتية (الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية 2000).
  • Bernal, J. D. (1939), The Social Function of Science, George Routledge & Sons Ltd., London.
  • Clark, C. (1940), Conditions of Economic Progress, McMillan and Co, London.
  • Wiener, Norbert (1948), Cybernetics, MIT Press, CA, Mass.
  • Shannon, C. E. and W. Weaver (1949), The Mathematical Theory of Communication, Urbana, Ill., University of Illinois Press.
  • Mills, C. W. (1951),"White Collar: The American Middle Classes", Oxford University Press.
  • Machlup, F. (1962), The Production and Distribution of Knowledge in the United States, Princeton UP.
  • Richta, R., Ed. (1969), Civilization at the Crossroads, ME Sharp, NY
  • Brzezinksi, Z. (1976), Between the Two Ages: America in the Technetronic Era, Penguin
  • Porat, M.-U. (1976), The Information Economy, PhD Diss., Univ. of Stanford. This thesis measured the role of the Information Sector in the US Economy.
  • Marx, K. (1977), Capital, Progress Publishers, Moscow.
  • Ricardo, D. (1978), The Principles of Political Economy and Taxation, Dent, London. (first published in 1817).
  • Daniel Bell (1980), Sociological Journeys: Essays 1960-1980, Heinmann, London.
  • Veneris, Y. (1984), The Informational Revolution, Cybernetics and Urban Modeling, PhD Thesis, submitted to the University of Newcastle upon Tyne, UK (British Library microfilm no. : D55307/85). [1]. This thesis explored trends and theories (general economic and regional), and developed a large scale dynamic simulation model of the transition from an industrial to an informational economy.
  • Veneris, Y. (1990), Modeling the transition from the Industrial to the Informational Revolution, Environment and Planning A 22(3):399-416. (for a brief definition of the Informational Revolution in the economic and urban levels and a systems dynamics computer simulation model.)
  • Fang, Irving E. (1997), A History of Mass Communication: Six Information Revolutions, Focal Press,
  • Grinin, L. (2007), Periodization of History: A theoretic-mathematical analysis. In: History & Mathematics. Moscow: KomKniga/URSS. P.10-38.

وصلات خارجية