ثلاثية سأهبك مدينة أخري (رواية)

ثلاثية سأهبك مدينة أخري
غلاف كتاب اثلاثية سأهبك مدينة أخري.GIF
المؤلفأحمد إبراهيم الفقيه
اللغةعربية
الناشردار (رياض الريس
الإصدار1991

ثلاثية سأهبك مدينة أخري (سأهبك مدينة أخرى – هذه تخوم مملكتي – نفق تضيئه امرأة واحدة ) رواية شهيرة للكاتب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه. وقد حصلت هذه الرواية الثلاثية على شهرة واسعة وفازت بجائزة الإبداع التي يقدمها معرض الكتاب العربي ببيروت لأفضل عمل إبداعي ..وأستلم الكاتب الجائزة من الرئيس عمر كرامي …وترجمت الرواية إلى عدد من لغات العالم لتضع اسم ليبيا على خارطة الأدب العالمي …وقد صنفها إتحاد الكتاب العرب من ضمن أفضل مائة رواية عربية ..وترجمت الثلاثية إلى العديد من لغات العالم وحظيت باهتمام كبير في الأوساط الأدبية العالمية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أحداث الرواية

لقراءة الرواية، اضغط على الصورة

تمتاز الرواية بالسرد الممتع والسلس ..المليء بالأحداث المترابطة ..المشوقة ,,التي ترغمك على عدم ترك الكتب الثلاثة حتى تلتهما كوجبة لذيذة من البداية للنهاية …وتحصل خلال ذلك على متعة لا نظير لها تماثل متعتك بالنظر إلى لوحة جميلة تحمل من المشاعر والملامح والأفكار ما تحمل من جمال وفن وذوق …ولا تشعر خلال قراءتك لها بأي ملل أو سأم …وتجد في الرواية انسيابية تامة وشفافية مطلقة …رواية تجعلك بعمقها ..تحلل وتفكر وتستنتج وتتعاطف ..وتحب .. وأحيانا ..تبكي.

وظهرت في هذه الثلاثية قدرة الفقيه في السرد الروائي الحديث .. وتمكن الكاتب من شدنا لشخصية خليل الإمام وبحثه عن الزمن الذي لا يأتي تارة في الغوص في استرجاع ذكريات رحلته لأوربا للحصول على الدكتوراه في رواية (سأهبك مدينة أخرى )وتارة أخرى في الحلم باليوتوبيا والمدينة الفاضلة المثالية في رواية ( هذه تخوم مملكتي ) وتارة ثالثة بالحلم بقصة حب مختلفة في رواية ( نفق تضيئه امرأة واحدة ) .

في الجزء الأول من الثلاثية نقرا في نفسية خليل الإمام ذلك الرجل الشرقي الذي ذهب للغرب بمفاهيم وأفكار وقيم معينة …ثم هناك يظهر الجانب الخفي من شخصيته ..الجزء المخبئ خلف قناع فرضه عليه المجتمع …ونرى في سرد مشوق ماذا يحدث عندما ظهرت شخصية هذا الرجل على حقيقتها ونرى خلال هذه الأحداث الصراع وأوجه الخلاف بين الشرق المحافظ والغرب الذي يصل لحد الانحلال غالبا …

وتمتلئ الرواية بجمل عميقة تغوص في النفس البشرية وتحللها وتكتشف مواطن القبح والجمال ..الخير والشر ..الضعف والقوة ..مثل ..

((تسطع في قلب الظلام أضواء مدينة بعيدة . وأستعيد مع تراتيل الموج ذكرى تلك الأيام التي

حاولت أن أمحوها من تاريخي . فإذا بها تطفو على سطح الذاكرة ، حلقة من حلقات زمن بهيج تقوض وانتهى . أملأ صدري من هواء البحر وأنا أحس بشيء من الارتياح لأنني منحت ذاكرتي مدينة أخرى تهرب إليها ، من قسوة المدن التي تطاردها رياح الصحراء))

وهنا يصف البطل ليندا ..المرأة الغربية التي أحبها بدفء وعاطفة العربي ..وحرارته

((السوية . وما أن جاءت ليندا ، حتى أذابت هذا الإحساس . كشطت كل الأتربة التي

تراكمت فوق الأنسجة والخلايا ، وطردت الأشباح التي تنوح في خرائب الروح . عاطفة ساخنة ،تبخرت معها الهواجس والتحفظات ، وتهاوت تلك الأسوار التى نقيمها حول أنفسنا لكى لا ينتهك الآخرون شيئاً ثميناً نطوى عليه صدورنا ، ونحتفظ به لأنفسنا ، ونقيم حوله المتاريس والتحصينات خوفاً عليه من الأذى . تحررت من ميراث الخوف الغريزي وخرجت من أصدافي إليها . نبع من الماء والضوء تغتسل فيه الروح عارية بمثل ما يغتسل الجسد . معها رأيت لندن في ضوء جديد ، مدينة أخرى غير تلك المدينة التى جئتها غريباً وبقيت خلال إقامتى بها غريباً .

أرى وجودي يتلاشى في حضورها الشامخ فأحس نحوها بمشاعر غامضة من الخوف والرهبةوالكراهية اً والإعجاب . مع ليندا صارت لندن أكثر إنسانية ودفئ

،، ومعها تعلمت حكمة صرت أرددها لنفسى وللآخرين

. « حاذر أن تدخل مدينة كبيرة دون أن تكون مسلحاً بامرأة تحبها «

وفي موضع اخر يصف النفس البشرية بـ ((كم هو ضعيف هذا الكائن الذى اسمه الإنسان ، هذه الكتلة من الأعصاب والمشاعر والأوعية الدموية ، والتي تبدو أحياناً قوية تملك مفاتيح الكون . ما أسهل ما يصيبها العطب وتتحول فجأة وبرغم ما فيها من نبض وحياة ، إلى حزمة من الأحطاب الجافة))

وهنا يصف بجمال وداعه لحبيبته ..

((ها قد اختفت ساندرا ولا أعتقد أنني سأراها بعد اليوم . لا شك أن العالم لن يكون على صورته الأولى . سوف تغدو النجوم أكثر شحوباً ، والورود أقل أريجاً ، والليل أكثر قسوة ، والشبح الذى خرج باكياً مطروداً من غرفتي ، سوف يعود لإحياء لياليه الموحشة . ولكن من يصاحب شهر زاد جدير بأن يجد بعض العزاء . لأصرف وقتى كله لها ، ولأرافقها بأكثر مما رافقها شهريار في لياليها . إننى أمنحها ليلى ونهاري . ولا أجلس مثله صامتاً ، وإنما أناقشها وأحاول أن أعرف المعاني الخفية التى تخبئها وراء المعاني الظاهرة))

نقدي الوحيد للرواية كان ..الوصف الجريء للمشاهد الجنسية المثيرة …ربما لو قلل الكاتب من هذه الجراءة في القصة واكتفى بالتلميح لكانت القصة اكثر جمالا وارتقاء ..

وفي الجزء الثاني من الثلاثية …نرى أن الأحداث تدور في مدينة وهمية مستوحاة من عوالم مسحورة من ألف ليلة وليلة …وذلك عند عودة الدكتور خليل من الغرب ..وفي هذا الجزء نرى التحولات النفسية والصدمة الحضارية للبطل عند الرجوع إلى عالم مناقض للعالم الذي رجع منه …وهذا عكس رحلته الأولى من الشرق للغرب تماما …ونرى أيضا فيه الصراعات النفسية للبطل ورغبته في التغيير …

وفي تيه بين الزمن الماضي والزمن الذي لا يأتي يقول ..

((وبين الزمن الهارب والزمن الذى يرفض المجيء منطقة صفراء . مفازة صحراوية يغطيها الحصى وتحرقها شمس الظهيرة . وأنا نائم في سريري يلفنى الظلام أرقب نفسي أركض وسط الخلاء ألاحقُ ظِلَّ طائر أسود يعبر الفضاء فوق رأسي ، أريد أن أحتمي به من شراسة الشمس التى تشتعل في قبة الكون . نائم في غرفة نومى ، ولكن الطائر يقودنى إلى حلقات من النساء والرجال الذين يرقصون فوق الرمل . بشر ينصبون خيامهم ويقيمون عرساً في الصحراء . يضربون الطبول ويعزفون موسيقى القرب المصنوعة من جلود سوداء . نساء يزغردن ورجال يطلقون صيحات الابتهاج . أفرح بانبجاسهم المفاجئ وسط العراء . أتقلب في سريري وأركض نحوهم أصافحهم وأعانقهم فاكتشف أنهم جميعاً بشر من دخان . يعود شطري الراكض في الضوء إلى شطري النائم في الظلام . أستيقظ مملوءاً بالفزع وعنف الشمس))

في وصف لمعانة البطل النفسية. .

((ولا أدرى ما الذى حدث بعد ذلك حتى بدأت أقدامى تسوخ في الأرض ، ويتحول النوم إلى مفازة رملية تسكنها الأشباح وتحرقها الشمس . ولا أعرف من أى الشقوق انبثقت هذه الأجنحة السوداء تغطيني وتغطى سقف الكون ، ولماذا تأتى كائنات الليل تطرق بابى دون بقية الأبواب . ولم أعد أريد شيئاً سوى أن أرحل إلى مكان غير هذا المكان وزمان غير هذا الزمان ، أحمل اسماً غير اسمي ووجهاً غير وجهي وأرى وجوهاً غير هذه الوجوه وبشراً غيرهؤلاء البشر))

وفي وصف لمدينته المسحورة يقول خليل الإمام ..

((مدينة لا تحتاج إلى حاكم يشرف على جيوشها ومخابراتها أو يهتم بتنصيب وزرائها وقضاتها أو يتحكم من مكانه العالي في إدارة الصراع الذى ينشب بين الفئات المتناحرة على الرزق والنفوذ ويطارد أعداء المجتمع من مخربين ومجرمين وخارجين على القانون وطاعة السلطان))

والجزء الثالث للثلاثية تدور أحداثه في مدينة طرابلس بليبيا وما حدث للبطل من خلل في علاقته بالمجتمع ..وصعوبة التأقلم من جديد معه …وعيش البطل في قصة حب يريد لها أن تكون مختلفة جدا ..

ويصف بروعة لقائه الأول لحبيبته التي تشبه أميرة أسطورية في ليالي ألف ليلة وليلة .. . ))

وما أن رأيتها . . حتى تسمرت أنظر إليها مصاباً بصعقة الاندهاش والذهول . سقط فكى الأسفل فوق صدري ، وأنا أدير عيني في وجهها غير مصدق ما أرى . لا أدرى كم مر من الوقت حتى استعدت وعيي وقدرتي على الحركة . فأغمضت عينى ونفضت رأسي كأنني أنفض عنها حلماً غريباً من أحلام اليقظة . إذ لا يمكن لهذا المشهد إلا أن يكون حلماً . فتحت عيني وأنا على يقين بأن الحلم قد اختفى ، وأن المرأة التى قالت صباح الخير ، قد تبخرت لأنها لم تكن إلا وهماً . ولكن المرأة كانت هناك ، تحتضن فوق صدرها حزمة من الأغصان والأزهار ، تماماً كما كنت أراها ونحن تتجول فوق جبال عقد المرجان))

((لماذا أحسست حين رأيتها بأنها المرأة التى تصورت أننى عشت عمراً أنتظر ظهورها ، وأهيئ نفسي لاستقبالها ، وأزرع حقولاً من العشب في قلبى لتكون منتزهاً لها . طال غيابها ، وانقضى الجزء الجميل من العمر دون إشارة منها ، أو علامة توحى بقدومها . تيبست أعشاب القلب وأنا أنتظر زمناً لا يأتى ، وأعلق بصري بشرفات ونوافذ ظلت مغلقة لا تعد بأية مسرات . فأعدت ترتيب حياتي ، وحددت علاقتي بالكون على أساس أنها امرأة لا وجود لها . رأيتها فارتعشت . جاء الألم كماشة تعصر صدرى . ها هى تظهر بعد أن فات الأوان . أمطار تأتى بعد موعدها .مات الزرع وانتهت مواسمه ، فلن تنتج إلا العوسج والصبار والحنظل))

بهذا الأسلوب الشيق في السرد ..يأخذك أحمد الفقيه من شرح لسيرة البطل خليل الأمام من الطفولة الى ذكريات الدراسة في أدنبرة إلي العودة للشرق والصراعات في نفسه بين هذا الشرق والغرب الذي عاد منه للتو ..والتخبط والانهيار والصدمة التي أصابته ..ثم التقائه بحب عمره وصعوبة العيش مع هذا الحب لظروف كثيرة أولها وليس أخرها هو ارتباطه بزوجة وأسرة وبيت …وتضحياته بكل شيء لكي يفوز بهذا الحب ولكن في النهاية ..ينتصر المجتمع ويتغلب على خليل الإمام …

ونعيش مع الفقيه وبطله قصة من ألف ليلة وليلة رواية مليئة بالحب والأحلام والمشاعر والخوف والصراعات النفسية والألم والأمل .[1]


انظر أيضاً

المصادر