تاريخ التعليم في المملكة المتحدة

تاريخ التعليم في إنگلترة يمكن إرجاعه إلى الإستيطان الأنگلوسكسوني لإنگلترة، أو حتى إلى عهد الاحتلال الروماني. أثناء مدارس العصور الوسطى والتي تأسست لتدريس قواعد اللغة اللاتنية، وكانت فترة التدريب هي الطريقة الأساسية للدخول في ممارسة المهنة. تأسست جامعة أوكسفورد، في أعقاب تأسيس جامعة كمبريدج. تأسس نظام الإصلاحي "لمدارس قواعد اللغة المجانية" في عهد الملك إدوارد السادس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جامعات إنجلترا - القرنان 12-13

نشأت أكسفورد، كما نشأت بسبورس المماثلة لها في إسمها، لتكوين معبراً للماشية؛ ذلك بأن نهر التايمز يضيق عند هذه النقطة ويقل غوره. وبنى حصن عندها في 912، ونشأت سوق، وعقد الملكان كنوت Cnut وهرلد Harold جمعيات هناك قبل أن تنشأ الجامعة بزمن طويل. ويبدو إن مدارس نشأت في أكسفورد في أيام كنوت، ولكننا لا نسمع بوجود مدرسة كتدرائية بها. ونسمع حوالي عام 117 عن وجود (أستاذ في أكسن‌فورد)، Oxenford. وفي عام 1133 جاء من باريس ربرت بلن Robert Pullen، وهو رجل من رجال الدين، وأخذ يحاضر في اللاهوت في أكسفورد(52). وخطت المدرسة خطوات لا يعرف التاريخ عنها شيئاً الآن، أضحت بعدها مدرسة أكسفورد في القرن الثاني عشر مدرسة عامة أي جامعة -(و لا يعرف أحد متى تم ذلك) (53). وفي عام 1209، كما يقدر ذلك أحد كتاب ذلك العصر، كان في أكسفورد ثلاث آلاف طال ومدرس(54). وكان فيها كما كان في جامعة باريس أربع كليات: كلية الفنون، وكلية اللاهوت، وكلية الطب، وكلية قانون الكنيسة. أما تدريس القانون المدني فقد أغلقته الجماعات في إنجلترا واستقر في دور المحاكم في لندن -وكانت دار لنكولن، وجراى، والمعبد الداخلي Inner Temple، والمعبد الأوسط Middle Temple في القرن الرابع عشر وليدة البيوت أو الحجرات التي كان القضاة وأساتذة القانون في القرن الثاني عشر يستقبلون فيها الطلاب ليدربوهم.

وبدأت الكليات في أكسفورد كما بدأت في باريس وكمبردج أروقة محبوسة عليها الأموال لفقراء الطلاب، وأصبحت في زمن مبكر، بالإضافة إلى غرضها الأول قاعات للمحاضرات؛ فكان المدرسون يسكنون فيها مع الطلاب، ولم ينقص القرن الثالث عشر حتى كانت القاعات هي الأقسام المادية والتعليمية التي تكونت منها الجامعة. وحوالي عام 1260 أنشأ السير جون ده باليول Sir John de Balliol الاسكتلندي (والد الملك الذي حكم اسكتلندة في عام 1292) (بيت باليون) في أكسفورد، ليكفر به عن جرم غير معروف، ليأوى بعض الطلاب الفقراء الذين سموا Socii أي الزملاء، وخص كلا منهم بثمانية بنسات (أي ما يعادل 8 دولارات أمريكية) في الأسبوع. وبعد ثلاث سنين من ذلك الوقت أنشأ والتر ده مرتون Walter de Merton (بيت طلاب مرتون) في مولدن Malden أولاً ثم في أكسفورد بعد قليل، وحبس عليه بعض المال، ليعنى بطلاب بقدر ما تمكنه من ذلك موارده. وتضاعفت هذه الإيرادات أكثر من مرة على أثر ارتفاع قيمة الأرض، وبلغ هذا الارتفاع حداً شكاً معه كبير الأساقفة پكم Peckham في عام 1284 من إن (الطلبة الفقراء) يتلقون منحاً إضافية (للمعيشة المترفة) (55). ويمكن القول بوجه عام إن الكليات الإنجليزية لم تغتن بفضل المنح الدراسية وغيرها من الهبات فحسب، بل اغتنت فوق ذلك بفضل ارتفاع قيمة الضباع التي حبست عليها. وفي عام 1280 أنشأت قاعة الجامعة- وهي الآن كلية الجامعة University College بهبة من وليم الدرهامي كبير أساقفة روان Rouen. ويتبين الإنسان كيف بدأت هذه الكليات الشهيرة بداية متواضعة إذا اطلع على شروط تأسيسها، فقد كانت تنص على وجود أربعة أساتذة وعدد من الطلاب الذين يهمهم أن يسكنوا معهم. وكان الأستاذة يختارون واحداً من بينهم ليكون "الزميل الأكبر" أو "الرئيس principal" وهو الاسم الذي يعرف به عمداء الكليات الإنجليزية في هذه الأيام. وكانت جامعة أكسفورد في القرن الثالث عشر هي هذه الكليات مجتمعة في نقابة الاساتذة University ؛ وكان هؤلاء يحكمهم وكلاء عنهم ثم مدير يختارونه ويخضع إلى أسقف لنكولن وإلى الملك.

ولم يحل عام 1300 حتى كانت أكسفورد مركزاً للنشاط الذهني والنفوذ العام لا تفوقها في ذلك إلا باريس. وكان اشهر خريجيها كلهم هو روجر بيكن. والتف حوله عدد اخر من الرهبان الفرنسيس من بينهم آدم مارش Adam Marsh ، وتوماس من يورك Thomas of York، وجون پكم John Peckham، فتألفت منه ومنهم جماعة ممتازة من رجال العلم. وكان زعيمهم وملهمهم روبرت گروس‌تسته Robert Grosseteste (1175؟- 1253) أظرف شخصية في حياة أكسفورد في القرن الثالث عشر. فقد درس فيها القانون والطب، والعلوم الطبيعية، وتخرج في عام 1179، ونال درجته في علوم الدين في 1189، وسرعان ما اختير بعدئذ (أستاذ مدارس أكسفورد)- وتلك اقدم صورة من لقب مدير الجامعة.

وأصبح في عام 1235، وهو لا يزال مديراً لجامعة أكسفورد، أسقف لنكولن، وأشرف في منصبه هذا على إتمام الكاتدرائية العظيمة. وأبدى نشاطاً عظيماً في تشجيع دراسة اللغة اليونانية وأرسطو، واسهم في الجهود العقلية الجبارة التي بذلت في القرن الثالث عشر للتوفيق بين فلسفة أرسطو والدين المسيحي، وكتب شروحاً لكتاب الطبيعة لأرسطو، والتحليلات، ولخص علوم زمانه في موسوعة علمية، وعلى على إصلاح التقويم. وكان يفهم المبادئ التي يقوم عليها المجهر والمرقب، وفتح أبواباً كثيرة لروجر بيكن في الرياضيات والعلوم الطبيعية؛ واكبر الظن انه هو الذي عرف بيكن بالخصائص المكبرة للعدسات. ويبدو أن كثير من الآراء التي نعززها إلى بيكن - في فن المنظور، وقوس قزح، والمد والجزر، والتقويم، والاعتماد على التجارب العلمية- قد أشار بها عليه جروستستي، ونخص منها بالذكر الفكرة القائلة أن العلوم كلها يجب أن تعتمد على الرياضيات، لان القوى كلها أثناء انتقالها في الفضاء تتبع أشكالاً وقواعد هندسية(57). وكتب شعراً فرنسياً ورسالة في الزراعة، وكان رجل قانون وطبيباً، كما كان عالماً في الدين وفي العلوم الطبيعية، وقد شجع دراسة اللغة العبرية، وكان يهدف بذلك إلى هداية اليهود إلى الدين االمسيحي، وكان في هذه الأثناء يعاملهم معاملة المسيحي الكثير التسامح، ويحميهم قدر ما يستطيع من حقد الجماهير واعتدائهم. وكان فوق هذا كله مصلحاً اجتماعياً نشيطاً، يدين على الدوام بالولاء للكنيسة، ولكنه جرؤ على ان يعرض على البابا إنوسنت الرابع في (1250) مذكرة مكتوبة يعزو فيها عيوب الكنيسة إلى محكمة الكرسي البابوي(58). وانشأ في أكسفورد أول (صندوق) يقرض الطلاب المال بغير فائدة(59). وقصارى القول انه هو أول واحد من ألف من ذوي العقول النابهة الذين أوجدوا بأعمالهم الجليلة هيبة أكسفورد العالية ومكانتها العظيمة في عالم العلم والعقل.

وأكسفورد الآن جامعة ومركز صناعي معاً تصنع السيارات كما تصنع العظماء، أما كمبردج فلا تزال مدينة كليات جامعية، وجوهرة من جواهر العصور الوسطى تزينها الثروة الحديثة وحسن الذوق الإنجليزي، كل ما فيها ينتمي إلى كلياتها، ولا يزال الهدوء العقلي الذي هو من خصائص العصور الوسطى باقياً في هذه البلدة، اجمل البلدان الجامعية على الإطلاق. ويبدو أن عظمتها الذهنية يجب أن ترجع إلى حادث اغتيال وقع في أكسفورد. فقد قتل أحد الطلاب في عام 1209 امرأة في تلك البلدة الأخيرة، فاعتدى أهلها على مسكن الطلاب وشنقوا طالبين أو ثلاثة منهم. وأضربت نقابة المدرسين عن العمل احتجاجاً على ما اقترفه أهل المدينة، وغادر أكسفورد 3000 طالب ومعهم، بطبيعة الحال، كثيرون من المدرسين - إذا صدقنا مافيو باريس وهو رجل لا يوثق بأقواله عادة. ويقال أن عدداً كبيراً منهم ذهبوا إلى كمبردج وأقاموا فيها قاعات وكليات. ذلك أول ما ذكر عن وجود شيء أعلى درجة من مدرسة أولية. وحدثت هجرة ثانية- من الطلاب الباريسيين في 1228- زاد بها عدد الطلاب زيادة كبيرة. وفي عام 1281 نظم أسقف إلي Ely أولى الكليات غير الدينية في كمبردج - وهي كلية القديس بطرس التي تسمى الآن ببترهوس (بيت بطرس). وشهدت القرون الثلاثة الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر إنشاء كليات أخرى وازدهارها، منها ما هو آية من آيات العمارة في العصور الوسطى ويحتضنها كلها نهر كام Cam الهادئ الممشى، وتكون هي وملحقاتها طائفة من أروع ما قام به الإنسان من الأعمال.


عهد الإصلاح

بدت إنگلترة وكأنها اعتزمت أن تعرض قضية عدم إرسال أطفالها إلى المدارس، فكيف تستمر الحكومة دون الالتزام بهذا الواجب؟ ولم يكن الأرستقراطيون مهتمين بالتعليم إلاّ بالنسبة إلى أبنائهم. لقد بدا من الأفضل بالنسبة إلى الوقت الراهن (في ذلك الوقت) ألا يستطيع الفلاحون والبروليتاريا - بل وربما البورجوازيون - أن يقرأوا خاصة وأن جُودون، وأوين Dwen Owen وكوبت Cobbett وبين Paine وكولردج وشيلي كانوا يطبعون في هذا الوقت هذا الهراء عن الأرستقراطية الاستكشافية (التمهيدية) والكميونات الزراعية ورِقّ المصانع وضرورة الإلحاد. لقد كتب جودون نحو سنة 1793: المصممون على الدفاع عن النظام القديم ليس لديهم بصيرة نافذة. إنهم يعارضون بخسّة توصيل المعرفة للناس باعتباره بدعة تدعو إلى الحذر. ففي ملاحظتهم المشهورة إن الخادم الذي يعرف القراءة والكتابة لا يصبح بعد تعلّمهما هو الأداة التي يطلبونها نجد الجنين أو البذرة التي يسهل علينا من خلالها شرح كل فلسفة المجتمع الأوروبي(22). بالإضافة إلى أن الطبقات الدنيا فيما ترى الطبقات الأعلى غير قادرة على الحكم بحذر وحكمة على الأفكار التي تُطرح عليهم في المحاضرات أو الصحف أو الكتب، وقد تكون أفكاراً مثيرة تخرّج من المدارس على مستوى الأمة أفواجاً من غير الأسوياء السذّج الحالمين الذين قد يحاولون تحطيم السلطات (القوى) والامتيازات الطبقية هي الوحيدة التي يمكنها حفظ النظام الاجتماعي والحضارة. وكان أصحاب الصناعات قد اعتراهم الفزع من منافسيهم فكانوا يتطلعون إلى العمالة الرخيصة ولم يروا جدوى من تعليم الأطفال العاملين حقوق الإنسان وفخامة اليوطوبيا وبهائها (اليوطوبيا هي المدينة المثالية). لقد قال واحد من المحافظين غير المعروفين، اقتبس منه جودون قوله: إن هذه المبادئ سوف تثور بلا شك في عقول السّوقة محدثة هياجاً.. أو محاولة وضعها موضع التنفيذ (أي هذه المبادئ) مما سيؤدي إلى كل أنواع الكوارث... فالمعرفة والذوق وتطوير الفكر واكتشافات الحكماء وجمال الشعر والفن كل ذلك سيتم سحقه تحت أقدام البرابرة(32). [1]

وفي سنة 1906 قدَّر پاتريك كولكهون القاضي البوليسي في لندن - أن عدد الأطفال الذين لم يتلقوا أي قدر من التعليم في إنجلترا وويلز بلغ مليونين، وفي سنة 0181 ذكر ألكسندر مري Murray عالم فقه اللغة أن ثلاثة أرباع العمال الزراعين أميون، وفي سنة 9181 ذكرت الإحصاءات الرسمية أن 388،476 طفلاً ملحقون بالمدارس في إنجلترا وويلز - 51% من السكان(42). وعندما اقترح بِت Pitt في سنة 6971 على الحكومة إنشاء مدارس للتعليم الصناعي، لم يُقدَّم مشروعه للتصويت، وعندما قدَّم صمويل (صموئيل) هويتبريد whitbread في سنة 1906 مشروع قانون بإقامة مدرسة ابتدائية في كل دائرة (كما كان موجوداً بالفعل في إسكتلندا) أقرّه مجلس العموم، لكن مجلس اللوردات رفضه على أساس أن هذا المشروع لا يجعل التعليم قائماً على أُسس دينية.

وكانت الجماعات الدينية تفرض رسوما على نفسها لإتاحة بعض التعليم لأطفالها، وواظــب المجتمـع علـى إقامــة مدارس خيريـة لتقـديم المعـارف المتعلقة بالدين المسيحي، لكـن عـدد التلاميـذ فـي هـذه المدارس لم يكن يتجاوز 150.000(52). وكانت مدارس حنا مور تكاد تكون مقتصرة على التعليم الديني. وبناء على قانون الفقراء تم إنشاء المدارس الصناعية لتستوعب 12،600 طفل لتأهيلهم للعمل، وكانت هناك إدارة منوط بها تنفيذ هذا القانون يتبعها 419،491 طفلاً. وفي المدارس الدينية لم يكن الأطفال يتعلمون إلاّ شيئاً واحداً بإتقان ألا وهو الكتاب المسيحي المقدس. لقد أصبح عقيدتهم وأدبهم وحكومتهم ومُعيناً له وزنه وقيمته يُعينهم في حياة لا تخلو من سوء حظ وظلم وارتباك.

وفي سنة 1797 أسس الدكتور أندرو بل Beel نظام العرِّيفين أو المعيدين لمواجهة نقص المدرسين، وذلك بالاستعانة بالطلاب الأكابر سناً كمدرسين مساعدين في المدارس الابتدائية المرتبطة بنظم العبادة الإنجليكانية. وبعد ذلك بعام قدَّم جوزيف لانكاستر Lancaster مشروعاً شبيهاً على أسس قبلها كل المسيحيين ورفض رجال الكنيسة العمل من خلال هذه الخطة غير الطائفية (المفهوم غير الملتزم بعقائد فرقة مسيحية بعينها) فقد كان لانكاستر متهما بأنه ربوي Deist (مؤمن بالله مع عدم اعترافه بأديان منزّلة) مُرتد (عن دينة) وأداة للشيطان(62) وفي سنة 1810 أسس جيمس ملو، ولورد بروهام Brougham وفرانسيس پليس Place، وصمويل (صموئيل) روجرز المؤسسة الملكية اللانكسترية لنشر المدارس غير الطائفية. وأسس الأساقفة الإنجليكان جمعية تعليم الفقراء على أسس المبادئ الدينية للكنيسة الرسمية وذلك خوفاً من انتشار التعليم غير الطائفي المشار إليه آنفاً. ولم يُؤسس في إنجلترا نظام وطني للمدارس الابتدائية على أسس غير طائفية إلاّ في سنة 1870.

وكان التعليم العالي متاحاً أيضاً لمن يقدر على تكاليفه، وذلك من خلال الأساتذة الذين يعلّمون في المنازل، ومن خلال المدارس العامة والمحاضرين وجامعتين. فالمدارس العامة - في إتون وهارو ورجبي ووينشستر ووستمنستر، وشارترهوس، كانت مفتوحة مقابل مصروفات لأولاد النبلاء والطبقات العليا وكان يُسمح بها في بعض المناسبات للبورجوازية الثرية. وكانت برامج الدراسة في هذه المدارس كلاسية في الأساس - لغة وأدب الإغريق القدماء والرومان، وفي بعض الأحيان كان يتم إضافة بعض العلوم لكن أهالي الطلبة كانوا يريدون تدريب أولادهم على فن الحكم والصُّحبة الرفيعة، وكانوا مقتنعين أن الشاب إذا تعلّم أدب الإغريق والرومان وتاريخهما وفن الخطابة كان ذلك أجدى لتحقيق الغرض من تعلم الفيزياء والكيمياء والشعر الإنجليزي. وعلى أية حال فإن هذه المدارس كانت تقدم ملتون الذي كان يكتب اللاتينية بكفاءة تقارب كفاءته في كتابة الإنجليزية - كمؤلف لا يقل كفاءة عن الرومان.

وكان النظام في المدارس الثانوية (الداخلية) الأهلية قائماً على الجلد والانتقاد القاسي. والتكدير أو إلزام التلاميذ الصغار على خدمة الطلاب الآخرين ممّن هم أكبر سناً. وكان نظّار المدارس يجلدون الذين يرتكبون مخالفات كبيرة، أما إجبار التلاميذ الصغار على خدمة من هم أكبر فتعني أن يقوم التلاميذ في الصفوف الدنيا بأداء خدمات صغيرة لطلاب الصفوف الأعلى: ينقلون رسائلهم، وينظفون أحذيتهم ويعدّون لهم الشاي، ويحملون كُراتهم ومضارب الكريكت الخاصة بهم، ويتحمّلون تنمّرهم صابرين، وكانت النظرية الكامنة وراء هذا الأسلوب هي أن على المرء أن يتعلّم كيف يُطيع حتى يكون صالحاً لإصدار الأوامر.

وكانت النظرية السائدة في الجيش والبحرية أيضاً قائمة على الجَلْد والانتقاد الشديد وقيام من هم أدنى رُتبة بخدمة من هُم أعلى رتبة وتنفيذ الأوامر دون اعتراض الطاعة الصامتة (وعلى هذا فإن الانتصار الذي تحقَّق في الطرف الأغر وفي واترلو لم يكن نتيجة الجهود في ميدان القتال فحسب وإنما أيضاً نتيجة ما كان يجري في قاعات وفصول المدارس الثانوية الأهلية)، وإذا ما وصل طالب الصفوف الدنيا الذي كان يخدم طالب الصفوف العليا أصبح مستعداً للدفاع عن هذا النظام. وكان هناك بعض الديموقراطية في حضّانات الأرستقراطية هذه (أو بتعبير آخر في معامل تفريخ متعلّمي الطبقة الأرستقراطية: لقد كان كل الخَدَم fags (الطلاب الذين يخدمون من هم في الصفوف الأعلى) متساوين بصرف النظر عن الثروة والنّسب، وكان كل المتخرّجين (إذا تحاشوا التجارة) يعتبرون أنفسهم سواء، ويعتبرون غيرهم أدنى منهم درجة مهما كانت مواهبهم.

ومن مثل هذه المدارس التي يتخرّج فيها الطالب وهو عادة في الثامنة عشرة من عمره، يلتحق بأكسفورد أو كمبردج. وكانت هاتان الجامعتان قد انحدرتا عن وضعهما الممتاز في أواخر العصور الوسطى وعصر النهضة، ولم يكن جبون هو وحده الذي تأسف على الأيام التي قضاها في أكسفورد باعتبارها أياماً ضاعت في دراسات غير مجدية (رغم أنه استفاد كثيراً من من دراسته للغتين؛ اللاتينية واليونانية) وتنافس بين الطلاب في المقامرة وشرب الخمر ومعاشرة البغايا. وكانت موافقة الكنيسة الرسمية شرطا للتقدم لإحدى هاتين الجامعتين. وكان المعلمون أو العمداء يقومون بالتدريس، وكان كل واحد يأخذ على عاتقه طالباً أو أكثر وينقل إليهم معارفه وخبراته العلمية بأسلوب المحاضرة أو التوجيه والإرشاد، وهنا أيضا كانت الدراسات الكلاسية تسود المنهج الدراسي، لكن كان هناك أيضاً مكان للرياضيات والقانون والفلسفة والتاريخ الحديث، وكانت هناك أيضاً محاضرات في الفلك والفيزياء والنبات والكيمياء لكنها كانت قليلة.

وكانت جامعة أكسفورد من التوري (الاتجاه السائد فيها محافظ) أما كامبردج فكانت هويج (الأفكار السائدة فيها كأفكار حزب الأحرار أو الهويج). وفي كامبردج لم يكن يحصل على الدرجة العلمية إلا التابعون لكنيسة إنجلترا، رغم أن القيود المفروضة كشرط للالتحاق بهذه الجامعة وعددها تسعة وثلاثون قد أُزيلت. وكانت كامبردج هي التي سنّت الحرب على الرق منذ سنة 1785. ووجد العلم في كامبردج معلّمين أكثر وطلبة أكثر مما وجد في أكسفورد، وكانت كلتا الجامعتين متخلِّفة عن جامعات ألمانيا وفرنسا. وكانت أكسفورد تدرِّس لطلبتها الفلسفة من كتب أرسطو، وأضافت كامبردج كتابات لوك وهارتلي وهيوم، وكانت كامبردج تخرِّج باحثين ذوي شهرة عالمية، أما أكسفورد فكانت أكثر اهتماماً بتخريج أفراد على قدر من الفصاحة، وملمّين بالاستراتيجية في البرلمان كي يصبحوا - بعد تجارب وخبرات، ومن خلال ارتباطات صحيحة - أصحاب أدوار في حكومة بريطانيا.

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

هوامش

<^ School leaving age set to be eighteen BBC News, retrieved 12 January 2007>

المراجع