المقصور والممدود

المقصور والممدود

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التأليف في المقصور والممدود:

بدأ التأليف في المقصور والممدود مبكراً، وقد أسهم فيه جمهرة كبيرة من اللغويين العرب، إحساسهم بحاجة الناس الملحة إلى مثل تلك المؤلفات، والتأليف في المقصور والممدود أثر من آثار ترك الهمزة في اللهجات العربية التي ولدت بعد الإسلام في الأقطار المفتوحة؛ إذ يبدو أن ضياع الهمز في غير أول الكلمة شاع في لهجات التخاطب في تلك الأقطار، كما كانت هي الحال في لهجات التخاطب قبل الإسلام، وقد أدت هذه الظاهرة –ظاهرة ترك الهمز- إلى اشتباه الممدود بالمقصور ، ويبدو هذا بصورة واضحة إذا كان للكلمة الواحدة صورتان، إحداهما مقصورة بمعنى، والأخرى ممدودة بمعنى آخر، مثل: الحيا: بمعنى الغيث، والحياء، بمعنى الخجل . وقد كان في هذه المؤلفات نمط من أنماط التأليف المعجمي لمعاجم أبنية المفردات. القصر والمد لغةً: -القَصْرُ والقِصَرُ في كل شيء خلافُ الطُّولِ، وقَصُرَ الشيءُ بالضَّم يَقْصُرُ قِصَراً خلاف طال . -المَدُّ الجَذْب والمَطْلُ، مَدَّه يَمُدُّه مَدّاً ومدَّ به فامتَدّ، ومَدَّدَه فَتَمَدَّد، وتَمَدَّدناه بيننا مَدَدْناه، وكذلك كل شيء تبقى فيه سَعَةُ المَدِّ والمادَّةُ الزيادة المتصلة، ومَدَّه في غَيِّه أَي أَمهلَه وطَوَّلَ له ومادَدْتُ الرجل مُمادَّةً ومِداداً مَدَدْتُه وقوله تعالى: ﴿ويَمُدُّهم في طُغْيانِهم يَعْمَهُون﴾ معناه يُمْهِلُهم، وشيء مَدِيد ممدود، ورجل مَدِيد الجسم طويل.


القصر والمد في اصطلاح النحويين:

يختلف حدُّ المقصور عند النحويين عما هو عليه عند البلاغيين والعروضيين والقرَّاء، وما يهمنا هنا هو مفهومه عند النحويين، لذا لن أتعرض إلى معناه الاصطلاحي عند غيرهم. 1-

الممدود اصطلاحاً:

بعد استقرائي أقوال أشهر العلماء في الممدود رأيت أنهم يكادون يجمعون على أنه: كلُّ شيء وقعت ياؤه أو واوه بعد ألف زائدة، ومثال ذلك كلمة (الاستسقاء) . ويبدو تعريف الممدود أكثر ما يكون وضوحاً عند ابن ولاد ، فالممدود عنده كل اسم وقعت في آخره همزة بعد ألف، أصليةً كانت الهمزة مثل قراء، أو زائدةً مثل حمراء، أوملحقةً مثل علباء (ألحقوه بوزن سِربال)، أو منقلبةً مثل كساء . 2-

المقصور اصطلاحاً:

اختلاط مفهومي المقصور والمنقوص: لم يكن مصطلح المقصور عند النحاة المتقدمين مستقراً واضحاً، لا سيما اختلاطه بمصطلح المنقوص، فعندما نقرأ هذين المصطلحين في كتاب سيبويه مثلاً لا نكاد نميز أحدهما من الآخر، وسأحاول رصد تطور هذا المصطلح عند أشهر النحاة لإيضاح ذلك. 1- سيبويه(180هـ): نرى هذا الاختلاط عند سيبويه في غير موضع من كتابه كما أسلفتُ، فنراه يقول:

  • " واعلم أنَّ كلّ ياء أو واو كانت لاماً، وكان الحرف قبلها مفتوحاً، فإنَّها مقصورة تبدل مكانها الألفُ، ولا تحذف في الوقف، وحالها في التنوين وترك التنوين بمنزلة ما كان غير معتّل؛ إلاَّ أنَّ الألف تحذف لسكون التنوين ويتمُّون الأسماء في الوقف " .
  • ويقول في باب تثنية ما كان من المنقوص على ثلاثة أحرف: " اعلم أنَّ المنقوص إذا كان على ثلاثة أحرف فإن الألف بدل؛ وليست بزيادة كزيادة ألف حبلى" .
  • ويقول في " باب تثنية ما كان منقوصاً وكان عدة حروفه أربعة أحرف فزائداً إن كانت ألفه بدلاً من الحرف الذي من نفس الكلمة، أو كان زائداً غير بدل: أمّا ما كانت الألف فيه بدلاً من حرف من نفس الحرف فنحوُ أعشى، ومَغْزىً ومَلْهىً ومُغْتزىً، ومَرْمَىً ومَجْرَىً، تثنَّى ما كان من ذا من بنات الواو كتثنية ما كان من بنات الياء؛ لأنَّ أعشى ونحوه لو كان فعلاً لتحوّل إلى الياء" .
  • ويقول في " باب المقصور والممدود: وهما في بنات الياء والواو التي هي لامات وما كانت الياء في آخره وأجريت مجرى تلك التي من نفس الحرف.

فالمنقوص كل حرف من بنات الياء والواو وقعت ياؤه أو واوه بعد حرف مفتوح، وإنما نقصانه أن تبدل الألف مكان الياء والواو، ولا يدخلها نصب ولا رفع ولا جر، وأشياء يُعلم أنها منقوصة لأن نظائرها من غير المعتل إنّما تقع أواخرُهن بعد حرف مفتوح، وذلك نحو: وذلك نحو: مُعْطىً ومُشْتَرىً وأشباه ذلك لأن مُعطىً مُفْعَل، وهو مثل مُخْرَجٍ، فالياء بمنزلة الجيم والراء بمنزلة الطاء، فنظائر ذا تدلّك على أنه منقوص. وكذلك مُشترىً، إنَّما هو مُفْتَعَل، هو مثل مُعْتَرَكٍ، فالرَّاء بمنزلة الرَّاء، والياءُ بمنزلةِ الكاف، ومثل ذلك: هذا مَغْزَىً ومَلْهىً إنَّما هما مَفعَل، وإنمَّا هما بمنزلةِ مَخْرَجٍ، فإنمّا هي واوٌ وقعت بعد مفتوح، كما أن الجيم وقعت بعد مفتوح، وهما لامانِ، فأنت تستدلّ بذا على نقصانه ". -ويقول في " باب الإضافة إلى كل شيءٍ من بنات الياء والواو التي الياءات والواوات لاماتهنَّ، إذا كان على ثلاثة أحرف وكان منقوصاً للفتحة قبل اللام تقول في هدىً: هدويُّ، وفي رجل اسمه حصىً: حصويٌّ، وفي رجل اسمه رحى: رحويٌّ ".

نرى مما تقدم تداخل مفهومي المقصور والمنقوص عند سيبويه، وهذا ما نجده عند:

2- الفراء (207هـ): والفراء كتاب في هذا الفن، نراه يدعى تارةً المقصور والممدود، وتارة المنقوص والممدود، وهذا فيه ما فيه من تداخل بين هذين المصطلحين، وقد حدد في بداية كتابه حد المنقوص فقال: " فمن المنقوص ما يُعرف بحد وعلامة، ومنها ما يأتي مختلفاً كما تختلف المصادر، فيكون منها فِعَل نحو ثِقَل، وفَعَل نحو عَمَل وعَمَد، فمثال ثِقَل وعَمَل من ذوات الواو والياء منقوصان، ومنه ما تزاد فيه الألف مثل القتال والذَّهاب... وما كان من المنقوص فكتابته على أصله، إن كان من الياء كتبته بالياء، وجاز كتابته بالألف، وما كان من الواو كتبته بالألف، لا غير مثل خلا ودعا ". نلاحظ مما سبق أن مفهوم المنقوص عند الفراء كان لا يزال غير مستقر، ونرى ذلك من خلال الأمثلة التي أوردها، ونجده يصف بعض الألفاظ بأنها مقصورة في مقابل الممدود .

3- المبرد(285هـ): يقول " فأما المقصور فكل واو أو ياء وقعت بعد فتحة. وذلك؛ نحو: مغزًى؛ لأنه مفعَل. فلما كانت الواو بعد فتحة، وكانت في موضع حركة انقلبت ألفاً؛ كما تقول: غزا، ورمى فتقلب الواو والياء ألفاً، ولا تنقلب واحدةٌ منهما في هذا الموضع إلا والفتح قبلها إذا كانت في موضع حركة".

4- ابن السراج (316هـ): نراه في أصوله يتحدث عن المنقوص دون أن يحدد له اصطلاحاً: " الاسم المعتل الذي لامه ياء قبلها كسرة نحو : قاضٍ وغَاز،ٍ تُثنيه : قاضيان وغازيانِ وتجمعهُ : قاضونَ ".

5- ابن ولاد (332هـ): لقد كان كتابه في المقصور والممدود محل انعطاف في منهج التصنيف في هذا العلم ، كما نرى بدايات استقرار ونضوج هذين المصطلحين عنده، يقول في تعريف المقصور على ما اتفق عليه النحويون: " كل اسم كانت في آخره ألف لفظٍ زائدةً كانت أو أصلية، منصرفاً كان ذلك الاسم و غير منصرف "، وقد قال :"ألف لفظ" لأن الهمزة تكون طرفاً فتكتب على صورة الألف، وقال: "كل اسم"، ولم يقل: كل كلمة؛ لأن الفعل والحرف كلمتان، ولم يسمِّ أهل النحو واحداً منهما إذا كانت في آخره ألف مقصورة ، نلاحظ أن هذا التعريف للمقصور هو أكثر التعريفات نضجاً ووضوحاً.

6- ابن جني (392هـ): نلاحظ عنده بداية وضْع حدِّ المنقوص الذي استقر فيما بعد ، فنراه يقول في كتابه اللمع: " الاسم المعتل على ضربين منقوصٌ ومقصورٌ؛ فالمنقوص كل اسم وقع في آخره ياء قبلها كسرة نحو القاضي والداعي، وهذه الياء لا تدخلها ضمة ولا كسرة، وإن لقيَها ساكن بعدها حذفت لالتقاء الساكنين، تقول في الرفع هذا قاضٍ يا فتى، وفي الجر مررت بقاضٍ يا فتى، وكان الأصل فيه: هذا قاضي ومررت بقاضي، فأسكنت الياء استثقالا للضمة والكسرة عليها وكان التنوين بعدها ساكناً فحذفت الياء لالتقاء الساكنين وبقيت الكسرة قبلها تدل عليها فإن نصبت المنقوص جرى مجرى الصحيح لخفة الفتحة، تقول في النصب رأيت قاضياً يا فتى ففتحة الياء علامة النصب.."، ويقول: " أما المقصورُ فكل اسم وقعت في آخره ألف مفردة نحو عصا ورحى، والمقصور كله لا يدخله شيء من الإعراب لأن في آخره ألفاً، والألف لا تكون إلا ساكنة تقول في الرفع: هذه عصا، يا فتى، وفي النصب: رأيت عصا، يا فتى وفي الجر: مررت بعصا يا فتى، كله بلفظ واحد، وسقطت الألف من اللفظ لسكونها وسكون التنوين بعدها وبقيت الفتحة قبلها تدل على الألف المحذوفة ..".

7- ابن الأنباري : (577هـ): يتَّكئ ابن الأنباري في هذا على ما قاله ابن جني في اللمع، إلا أنه ميّز بوضوح بين المصطلحين، يقول في كتابه أسرار العربية: " وأما المقصور فهو المختص بألف مفردة في آخره نحو الهوى والهدى والدنيا والأخرى، وسمي مقصوراً لأن حركات الإعراب قُصرت عنه أي حُبست والقصر الحبس" ، ويقول في موضع آخر: " أما المنقوص فما كان في آخره ياء خفيفة قبلها كسرة وذلك نحو القاضي والداعي فإن قيل: فلم سمي منقوصاً؟ قال لأنه نقصَ الرفع والجر، تقول هذا قاضٍ يا فتى ومررت بقاض يا فتى، والأصل هذا قاضي ومررت بقاضي، إلا أنهم استثقلوا الضمة والكسرة على الياء فحذفوهما فبقيت الياء ساكنة والتنوين ساكن فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين وكان حذف الياء أولى من حذف التنوين لوجهين أحدهما أن الياء إذا حذفت بقي في اللفظ ما يدل عليها وهي الكسرة بخلاف التنوين فإنه لو حذف لم يبق في اللفظ ما يدل على حذفه فلما وجب حذف أحدهما كان حذف ما في اللفظ دلالة على حذفه أولى" .

معرفة المقصور من الممدود:

يقول المبرِّد: " فإذا أردت أن تعرف المقصور من الممدود فانظر إلى نظير الحرف من غير المعتل. فإن كان آخره متحركاً قبله فتحةٌ علمت أن نظيره مقصور. فمن ذلك: معطًى، ومغزًى؛ لأنه مفعَل. فهو بمنزلة مخرَج ومكرَم، وكذلك: مستعطىً، ومستغزىً؛ لأنه بمنزلة مستخرَج. فعلى هذا فقس جميع ما ورد عليك" .