الكامل في اسانيد وتصحيح حديث من عشق فعف فمات مات شهيدا وبيان معناه ومن صححه من الأئمة


سلسلة الكامل / 83 / الكامل في أسانيد وتصحيح حديث من عشق فعف فمات مات شهيدا وبيان معناه ومن صححه من الأئمة


يقول المؤلف : بعد كتابي الأول ( الكامل في السُّنن ) ، أول كتاب علي الإطلاق يجمع السنة النبوية كلها ، بكل من رواها من الصحابة ، بكل ألفاظها ومتونها المختلفة ، من أصح الصحيح إلي أضعف الضعيف ، مع الحكم علي جميع الأحاديث ، وفيه ( 60.000 ) أي 60 ألف حديث ، آثرت أن أجمع الأحاديث الواردة في بعض الأمور في كتب منفردة ، تسهيلا للوصول إليها وجمعها وقراءتها .


من طرق التضعيف عند بعض الناس تضعيف المتن الذي لا يبلغون معناه ولا يدركون مراده ، مما فتح الباب للرأي في الأحاديث ، وكل من لا يعجبه معني حديثٍ ما لجأ إلي التضعيف ولو رُوي من أصح الطرق أو رُوي من طرق كثيرة تثبت أن له أصلا عن النبي .


وذكرت مثالا من ذلك في كتاب رقم 14 من هذه السلسلة ( الكامل في أسانيد وتصحيح حديث اطلبوا الخير عند حسان الوجوه وبيان معناه ) ، وذكرت طرق الحديث الكثيرة التي تثبت أن له أصلا عن النبي ، وأن الإمام السيوطي قد أصاب حين قال أن الحديث صحيح ، وذكرت عددا من أقوال الأئمة والتابعين في معني الحديث ،


وفي هذا الكتاب جمعت أسانيد حديث ( من عشق فعف فمات مات شهيدا ) ، لبيان أنه ورد من خمسة طرق ، طريقان كل منهما طريق حسنة بذاتها ، وطريقان فيهما ضعف خفيف يصلحان للمتابعة ، وطريق خامسة حسنة لكن بلفظ مقارب يصلح شاهدا لمعني الحديث ، وسيأتي تفصيل كل ذلك .


أما عن ثبوت الحديث : فالحديث صححه عدد ليس بالقليل من الأئمة ، منهم ابن حزم والسخاوي ومغلطاي والباجي والقشيري وابن الصائغ وابن الديبغ وغيرهم ،


__ قال ابن حزم في طوق الحمامة ( 115 ) : ( وقد جاء في الآثار من عشق فعف فمات فهو شهيد وفي ذلك أقول قطعة منها ، فإن أهلك هوي أهلك شهيدا / وإن تمنن بقيت قرين عين ، روي هذا لنا قوم ثقات / ثووا بالصدق عن جرح وميْن ) ،


وابن حزم من المتشددين جدا في تصحيح الأحاديث ، ويضعف الأحاديث بأقل جرح ممكن ، فما بالك حين يصحح مثله هذا الحديث ويثبت به الشهادة ويقول عن الحديث رواه لنا قوم ثقات ،


__ وقال الحافظ علاء الدين مغلطاي في كتابه الواضح المبين في من استشهد من المحبين ( سنده كالشمس ، لا مرية في صحته ولا لبس ، وإن كان جماعة من العلماء أعلوه بما ليس بعلة يُردُّ بها ) ، أرأيت مدي صحته عنده ؟ سند كالشمس ولا لبس في صحته ،


__ وقال السخاوي في المقاصد الحسنة عن أحد أسانيد هذا الحديث ( هذا سند صحيح ) .


__ وقال الحافظ أبو الوليد الباجي ( تلخيص الحبير / 2 / 142 ) : ( إذا مات المحب جوي وعشقا / فتلك شهادة يا صاح حقا ، رواه لنا ثقات عن ثقات / إلي الحبر ابن عباس ترقي ) ، وصدق حين قال رواه لنا ثقات عن ثقات .


__ وقال ابن الصائغ ( 2 / 145 ) : ( فقد جاءنا عن سيد الخلق أحمد / ومن كان برا بالعباد وواصلا ، بأن الذي في الحب يكتم وجده / يموت شهيدا في الفرادس نازلا ، رواه سويد عن علي بن مسهر / فما فيه شك لمن كان عاقلا ) ، وصدق في قوله ما فيه شك .


__ وقال ابن الديبغ في تمييز الخبيث من الطيب ( 170 ) : ( تعفف إذا ما تخل بالخلِّ عالما / بكون إلهي ناظرا وشهيدا / ففي خبر المختار من عفَّ كاتما / هواه إذا ما مات مات شهيدا ) .


وغير ذلك من أقوالهم ، وإثبات مسألة الشهادة أمر شرعي لا يثبت بالرأي ، وكل الأئمة يعرفون ذلك ويقرون به ، وما أطلقوا اسم الشهادة علي مثل ذلك إلا وهم يقرون أن الحديث ثبت فيه عن النبي .


---------------------


أما من تكلم في معني الحديث وقال كيف يطلق اسم الشهادة علي من أصابه العشق ، أقول ليس اسم الشهادة في من عشق فقط ، بل من عشق وعف عن محبوبه حتي مات علي ذلك ،


و إن كان ورد في الأحاديث الثابتة إطلاق اسم الشهادة علي من وقع عليه حائط فمات وعلي الغريق وصاحب الهدم وصاحب الحرق ووو مما ثبت في الأحاديث ،


فإن كان مجرد وقوع حائط أو هدم علي أحد فمات جعل المرء يدخل في مسمي الشهادة اللفظية ، دون فعل أي شيء منه ولا جهاد منه في شيء ولا تعب منه في مجاهدة نفسه ، فكيف بمن تملكه العشق وصارت عنده الدواعي القوية لوصال محبوبه ثم امتنع عن ذلك وجاهد نفسه طاعة لله حتي مات ، أفلا يدخل ذلك في مسمي الشهادة !


وإن كان صاحب الهدم لم يجاهد نفسه في شيء بل مجرد أن وقع عليه حائط أو هدم ، فكيف بمن ظل يجاهد نفسه لإبعادها عن وصال المحبوب في حرام ، وفي الحديث ( المجاهد من جاهد نفسه لله ) فكيف بمن ظل يجاهد هوي نفسه في وصال محبوبه لله وطاعة لأمره واجتنابا لنهيه ، أفلا يدخل في مسمي الجهاد ومسمي الشهادة ويكون أولي بها من مجرد وقوع حائط علي رجل فيموت ،


روي أحمد في مسنده ( 27724 ) عن فضالة بن عبيد عن النبي قال المجاهد من جاهد نفسه لله أو قال في الله . ( صحيح )


وروي الشهاب في مسنده ( 183 ) عن فضالة بن عبيد عن النبي قال المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله . ( حسن )


وروي المعافي في الزهد ( 218 ) عن أرطأة بن المنذر عن أشياخهم أن واثلة سأل النبي عن الجهاد فقال من جاهد نفسه لله وآثر هوي الله علي هواه . ( حسن لغيره )


وروي البيهقي في الزهد الكبير ( 383 ) عن جابر قال قدم علي رسول الله قوم غزاة فقال قدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر ، قالوا وما الجهاد الأكبر ؟ قال مجاهدة العبد هواه . ( حسن )


__ ألفاظ الحديث : روي الحديث بلفظ من عشق وكتم وعفَّ ثم مات مات شهيدا .

وبلفظ ومن عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة .

وكلها ألفاظ تصب في نفس المعني ولا بأس بها كلها .


سلسلة الكامل / 83 / الكامل في اسانيد وتصحيح حديث من عشق فعف ...............................