القائد المدني الخصاصي

القائد المدني الخصاصي (ت. 7 رمضان 1352 هـ/13 يناير 1934م)

قد شاء نصيب سكان قبيلة الخصاص أن يشكلوا النواة الأساسية لتيار المقاومة الذي لم يهادن في كل مراحل سيطرة الاستعمار الفرنسي على الجنوب المغربي بداية من القرن العشرين، بدءا بحوز مراكش سنة 1912 وانتهاء ببويزكارن بالأطلس الصغير الغربي سنة 1934، حيث كاد الطيران الفرنسي أن يدك المنطقة عن بكرة أبيها.

وعند الحديث عن مقاومة الجنوب المغربي فلا شك أننا سنقف أمام اسم المقاوم الكبير القائد المدني الخصاصي الذي ينحدر من دوار ايد عبلا الحاج بأيت بوفولن. فقد كان أبوه من وجهاء حلف إيكيزولن الذين يحضرون ندوة شيخ زاوية تازروالت الحسين اوهاشم ممثل السلطة المخزنية نهاية القرن التاسع عشر، ومنذ سنة 1314 هـ / 1897 م

استرد المدني مكانة أبيه في القبيلة وذلك بعد مساندته لخليفة المخزن بسوس القائد سعيد الكيلولي الحاحي. وفي سنة 1323 هـ/ 1906 م أصبح المدني واحدا من الأعيان الكبار ضمن حلف تاكيزولت يتقاسم معهم السلطة وعائداتها، وساعدته على ذلك حركة الهيبة إلى سوس، والتي انضم إليها حيث التقى المدني والهيبة في فكرة الجهاد ومقاومة المحتل الفرنسي وعبر محمد المختار السوسي في كتابه المعسول، الجزء الرابع ص 168 عن ذلك بقوله: "للقائد المدني الخصاصي يد طولى في زحزحة ذلك الكابوس المخيم على الناس في الجنوب".

وقد شارك على رأس وفد قبيلته في حملة الهيبة إلى مراكش ولم يغادرها إلا صبيحة انهزام مقاومي الجنوب أنصار الهيبة بسيدي بوعثمان أمام القوات الفرنسية سنة 1912 م وتراجع مع الهيبة إلى موطنه الأطلس الصغير الغربي، حيث سيتولى إلى جانب زعامات سوسية أخرى تنظيم مقاومة جيوش الاحتلال بالأطلس الصغير وسوس. وقد تمنكنوا من دحض محاولات الفرنسيين ومساعديهم الخونة لاحتلال الأطلس الصغير والقضاء على جيوب المقاومة، حيث قتلوا القائد حيدا بن مايس المنبهي في معركة تيزي وهزمت جيوشه شر هزيمة سنة 1916 م. ويقول في ذلك الامانوزي: "لما بلغت جيوش حيدا الاودية المطلة على ايت باعمران طوقتها جيوش المسلمين (المقاومين) خصوصا الخصاص ومجاط وناوشتها بالحرب واستطاع القائد مبارك البنيراني أن يسد الطريق من خلفها لتبقى محصورة في تلك الأودية الخانقة فدب الرعب في جيش حيدا ثم نهبتها جيوش المسلمين وقاتلتها... فقتل حيدا برصاصة طائشة وقطع رأسه وطاف به في القبائل ليعلق نهائيا في كردوس فحصل تركيز للمقاتلين المسلمين" (عن المختار السوسي، المعسول ج 3 ص382). وقالت شاعرة أمازيغية في ذلك:

Iouis n haida rar ljam man awa tiwit

Ghayllin yiwi babak karan awa tawit

Agayouns idda ad ibrrm ammas iyfran

Ayan ihdrn itawdiwin ns houzilal

Awr iàawwl an ig izikr ayarou aàyyal

وهذا ما أثار حفيظة الفرنسيين وجهزوا حملة عسكرية كثيرة العدد والعدة يقودها الجنرال دولاموط سنة 1917 م. لكن بسالة المقاومين وعلى رأسهم القائد المدني دفعت بهذا الجنرال إلى التراجع إلى تزنيت، واعتبر هذا الانسحاب في حد ذاته نصرا ثانيا بالنسبة للمقاومين الذين لاحقوا الجيوش الفرنسية المنسحبة وعملائها واستطاعوا الوصول إلى تزنيت حيث تمت محاصرتها وانتهى الحصار بعقد صلح بين الطرفين. وعبر الضابط جيستينار في كتابه عن القائد الكندافي عن ذلك بقوله: "إن المعارضة لم تلبث أن تعمقت ضد نائب المخزن... فتحرك المنشقون (المقاومون) تحت تأثير الدعاية الأجنبية وقاموا بعملية سطو على تزنيت"

ونستشف أهمية القائد المدني ضمن زعامات سوس من خلال رئاسته لوفد من الأعيان أسندت إليهم مهمة التفاوض مع التهامي الكلاوي المرافق لحملة دولاموط. كما "أن ضباط الجيش الفرنسي الذين قادوا هذه المعارك يكنون احتراما شديدا للمقاتلين الأمازيغ في الأطلس أمثال بلقاسم النكادي زعيم ايت خباش وايت حمو والزعيم سيدي المكي في تازكزاوت وعسو اوبسلام في جبل صاغرو والسكتوني في بادو والقائد المدني الخصاصي" (الحسين المانوزي، وشم في ذاكرة الناس، جريدة الاتحاد الاشتراكي ع : 6210 / 10 غشت 2000)

وقد استمر المقاوم المدني الخصاصي في تشبثه بمعاداة الاستعمار الفرنسي الذي كان يتابع تحركاته انطلاقا من تيزنيت دون القدرة على احتلال الأطلس الصغير إلى أن تمت وفاته في 7 رمضان 1352 هـ/13 يناير 1934م، وقد رثته شاعرة أمازيغية فقالت:

Alghbint atagoudi nghass lligh nnan

Lmadani ouhmad asyattin alàmoum

Ghassan anfrk iwadif ghixssan ar ittar

وقام المقاومون وخاصة قبيلة الخصاص باختيار الخليفة الحنفي ليتولى مكان المدني، وعبرت شاعرة أمازيغية عن فرحتها لاستمرار المقاومة بقولها:

Alboucart atamazirt lligham issoul

Lhanafi ouhmad mafllam issawaln

لكن لم يدم ذلك طويلا إذ قام الجنرال هوري بحشد قوات ضخمة تعدادها 25 ألف جندي نظامي و1700 كومي و16 ألف من برطيزة مسلحة بعتاد هائل من مدفعية ودبابات وطائرات تحت قيادة ميدانية للجنرالين كاترو وجيرو حيث هاجمت قوات كاترو الأطلس الصغير من الشمال قصد احتلال بويزكارن في حين تحركت قوات جيرو من الجنوب. وقد تم بالفعل إخضاع الأطلس الصغير الغربي واستسلام القبائل المقاومة بعد قنبلة بويزكارن في عهد خليفة القائد المدني الذي توفي شقيقه القائد الحنفي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مدرسة المدني الخصاصي

تأسست مدرسة المدني الأخصاصي في 3 نونبر 1947 حاملة اسم المدرسة الابتدائية للذكور المسلمين والتي خضعت للإدارة العامة للتعليم العمومي والفنون الجميلة التابعة لإدارة الحماية الفرنسية. تعاقب على إدارتها مديران فرنسيان هما جون مولارضي منذ إنشائها إلى 25 شتنبر 1950 ثم جون طاردي الذي أشرف عليها إلى غاية 30 يونيو 1956. ليتولى مسؤوليتها منذ بزوغ الاستقلال عدد من المديرين المغاربة وهم السادة: محمد لطفي، محمد السالمي، شعيب أزكان، أحمد ماء العينين، الحسين الكامل، الحسين بوصبايع، مصطفى العلاوية. سميت المؤسسة في وقت لاحق بمجموعة مدارس بويزكارن وضمت: تكانت، أيت حيتوف، تيمولاي، أيت الرخا، مجاط، إفران، تغجيجت، كلميم. وخضعت على مر تاريخها لعدد من التقسيمات حيث تفرعت عنها المدارس التالية: عبد الله بن ياسين، الطاهر الإفراني، جبل باني، تكانت، أيت حيتوف، تيمولاي ( منذ 1981). وقد تعرضت لفيضانات في 9 نونبر 1982 و6 يناير 1985 مما انعكس سلبا على أرشيفها وبنيتها التحتية. وكانت المؤسسة قد ضمت أقسام السنة الأولى من التعليم الثانوي في بداية الستينيات لتنفصل عنها فيما بعد في فاتح أكتوبر 1964 حيث تمت عملية تدشين أقسام جديدة في إطار عملية التعبئة الوطنية. أثناء انطلاق العمل بها، درس بالمؤسسة مدرسون من جنسية فرنسية كان من ضمنهم جزائريون إضافة إلى المغاربة. وتعكس لوائح العاملين بها أن من أوائل المعلمين بها السيد أحمد ما العينين المزداد سنة 1927 والذي اشتغل بالمؤسسة إثر حصوله على الكفاءة التربوية منذ فاتح أكتوبر 1949 كما أشرف على إدارتها منذ أكتوبر 1964 إلى يونيو 1983. في فترة البدايات تكلف أساتذة مغاربة بتدريس المواد العربية وكان معظم هؤلاء فقهاء تم جلبهم من مختلف الكتاتيب القرآنية وتسميتهم عرفاء مؤقتين وكان أبرزهم الفقيه المرحوم أحمد بضنبن. في حين أن أول معلمة زاولت عملها بالمؤسسة سنة 1970 كانت هي الأستاذة عائشة العروسي المتحدرة من شفشاون والمتخرجة من مدرسة المعلمين بتطوان سنة 1962. ونحن نتصفح أرشيف العاملين، أثار اهتمامنا وجود اسم الأستاذ عبد الله العروجي المستشار البرلماني حاليا والذي عمل بالمؤسسة بداية السبعينيات منتقلا إليها من م/م طرفاية بعد أن كان قد تخرج سنة 1968.[1]

سجل التلاميذ يتضمن بدوره الكثير من المعطيات المفيدة خاصة ما يتعلق بتتبع مسارات هؤلاء التلاميذ والوقوف عند دور المؤسسة في صناعة النخب ببلادنا. ورغم أن المؤسسة سميت أولا المدرسة الابتدائية للذكور المسلمين إلا أن هذا لم يمنع من وجود تلاميذ من أصول فرنسية تمدرسوا بها وهم أبناء العسكريين والأطباء والموظفين المدنيين العاملين بمختلف المصالح ببويزكارن حيث كانت خاضعة للحماية الفرنسية أيام القائد العسكري الفرنسي أوجين ميكائيل المعروف محليا ببولحية. وكان أول تلميذ فرنسي تسجل بالمؤسسة هو مالارضي دانييل ويحمل رقم التسجيل 84 بالمقابل يعتبر السيد على بن عبد الله نجيد أول تلميذ يسجل بالمؤسسة سنة 1947 وقد عمل في سلك التعليم قبل أن يشتغل مفتشا للشغل بوزارة المالية على صعيد الدار البيضاء الكبرى. كما درس بها السيد أحمد مسافير نائب وزارة التربية الوطنية حاليا بمكناس الإسماعيلية والسيد علي أنوزلا الصحفي المغربي المعروف المدير السابق لمكتب جريدة الشرق الأوسط بالرباط ومدير الجريدة الأولى المتوقفة عن الصدور. الطريف هنا أن تلميذين تسجلا في المؤسسة ومهنة أبيهما كانت قاضي منطقة تندوف.


الهامش

  1. ^ "م المدني الخصاصي". موقع Etenma.