الفلسفة الرومانية

(تم التحويل من الفكر الرومانى)
تمثال نصفي للامبراطور ماركوس أورليوس، الذي كتب كتابه الشهير تأملات Meditations في عام 180م.

في هذا العصر الشديد التعقيد والانحلال، الذي فرضت فيه على الحرية أضيق القيود وتحررت فيه الحياة من كل قيد، في هذا العصر ازدهرت الفلسفة إلى جانب الفسق والفجور، ولم تتفرعا قط عن التعأون والاتفاق. لقد ترك ما طرأ على الدين القومي من انحلال ثغرة في الأخلاق حأولت الفلسفة أن تسدها، فكان الآباء يرسلون أبناءهم، وكثيراً ما كانوا يذهبون هم أنفسهم، ليستمعوا إلى محاضرات رجال يعرضون عليهم قانوناً عقلياً للأخلاق الصالحة، أو ستاراً رسمياً للشهوات المكشوفة، وكان بعض من أوتوا سعة من المال يستأجرون الفلاسفة ليعيشوا معهم، وليعلموهم، وليكونوا لهم مستشارين روحيين، وأصحاب هكذا كان أتيوس لأغسطس، لا يكاد يبرم أمراً حتى يستشيره فيهِ، ومن أجله (إذا كان لنا أن نصدق الحكام فيما يقولون) لم يقس على مدينة الإسكندرية، ولما مات دروسس استدعت ليفيا "فيلسوف أبيها"-وهذا نص عبارة سنكا-"ليعينها على تحمل أحزانها". وكان لنيرون، وتراجان وماركوس أورليوس بطبيعة الحال فلاسفة يقيمون معهم في بلاطهم، كما للملوك أمناء في هذه الأيام. وكان الناس في الساعات الخيرة من حياتهم يستدعون الفلاسفة، ليمهدوا لهم طريق الموت، كما جرت العادة بعدئذ أن يستدعي الناس القسأوسة(10).

ولم يكن الشعب ليغفر لهؤلاء الفلاسفة أنهم يتقاضون على أعمالهم هذه مرتبات أو أجوراً، بل كان يرى أن الفلسفة قي حد ذاتها تغني عن الطعام والشراب؛ وكان الفلاسفة الذين لا يقدرون مهنتهم حق قدرها عرضة لسخرية الشعب، وانتقاد كوينتليان Quintilian، وهجو لوشيان Lucian وعداء الأباطرة. والحق أن الكثيرين منهم كانوا جديرين بهذا كله، لأنهم كانوا يلبسون لباس الفلاسفة الخشن، ويطلقون لحاهم طويلة، لبستروا بثوب العلم نهمهم، وأطماعهم، وبخلهم، وغرورهم. وفي ذلك يقول أحد الأشخاص للوسيان إن:

Cquote2.png "دراسة قصيرة للحياة قد أقنعتني بما في جميع الأغراض الدنيوية من سخف وحقارة...وخير ما أستطيع أن أفكر فيه وأنا في هذه الحالة النفسية هو أن أعرف حقيقة الحياة كلها من الفلاسفة...ومن اجل هذا أخترت أحسنهم-إذا كان وقار المنظر، واصفرار الوجه، وطول اللحية هي المقياس الذي يعتمد عليه في هذه الحال...ثم وضعت نفسي بين أيديهم. وطلبت إليهم أن يعلموني نظام الكون في نظير مبلغ كبير من المال أؤديه إليهم فوراً، ومبلغ آخر أؤديه إليهم حين أصل إلى الغاية في الحكمة. ولكن الذي حدث لسوء الحظ أنهم لم يبددوا ما كنت فيه من جهل، بل زادوا عقلي ارتباكاً فوق ارتباكه بما جرعوني من بدايات وغايات، ودرات وفراغ، ومواد وأشكال. وكان أصعب ما لقيته أنهم جميعاً كانوا يريدون أن أصدقهم، رغم ما بينهم من خلاف، ورغم ما كان في اقوالهم كلها من تناقض؛ فكان كل واحد منهم يجذبني نحوه... وكثيراً ما كان يعجز عن أن يخبرك بما بين مجارا وأثينة من أميال، ولكنه لا يتردد مطلقاً في أن يخبرك بما بين الشمس والقمر من أقدام(11). Cquote1.png

وكان معظم الفلاسفة الرومان من أتباع المذهب الرواقي، أما الأبيقوريين فلم تترك لهم الخمر ولنساء والطعام وقتاً للنظريات الفلسفية. وكان في أماكن قليلة من رومة متسولون يَدْعون إلى الفلسفة الكلبية، لا يعنون بالتفكير، ويدعون الناس إلى البساطة والتقشف، ويذعنون لما يطلبه الشعب إلى الفلاسفة أن يكونوا فقراء، ومن أجل هذا كانوا أقل طوائف الفلاسفة احتراماً. ولكن سنكا اتخذ واحداً من هؤلاء صديقاً وفياً له؛ وقال في هذا متسائلاً: "ولم لا أجل دمتريوس وأعظمه؟ لقد وجدته كاملاً لا ينقصه شيء. وقد دهش الحكيم صاحب الملايين حين رفض الفيلسوف الكلبي، الذي لم يكد يجد عنده ثوباً يستر به عورته، عطية من كاليگولا مقدارها مائتا ألف سسترس(12).

وإذ كان الرواقي الروماني رجل قتال لا رجل تأمل وتفكير، فقد كان يتجنب ما وراء الطبيعة، ويرى ذلك من المطالب الميئوس منها، وكان يجد في الرواقية فلسفة أخلاقية تقوم على الآداب الإنسانية، وتضم شمل الأسرة، وتثبت النظام الاجتماعي من غير حاجة إلى رقابة علوية وسيطرة إلهية. وكان جوهر قانونه الأخلاقي هو سيطرة المرء على نفسهِ: فكان يدعو إلى إخضاع الشهوات للعقل، وكان يعوَّد إرادته ألا تطلب شيئاً يجعل راحته النفسية تعتمد على الطيبات الخارجية. وكان في الناحية السياسية يعترف بأخوة البشر الخاضعين لأبوة الله. وكان في الوقت نفسه يحب بلده وتراه على الدوام مستعداً لأن يضحي بحياته لكي يرد عنها وعن نفسه المذلة والعار. وكانت الحياة على الدوام رهن تصرفه، له أن يغادرها حين تصبح نقمة عليه لا نعمة له، وكان الرواقي يسعى لأن يكون ضمير الإنسان أقوى من كل قانون، وكانت الملكية في رأيه شراً لا بد منه لحكم الأقطار الشاسعة المتباينة، ولكن قتل الطاغية المستبد كان أمراً طيباً مرغوباً فيهِ كل لرغبة.

وقد استفادت الرواقية الرومانية أول الأمر من الزعامة، ذلك أن القيود التي فرضت على الحرية السياسية دفعت الناس من السوق إلى الدرس، وبعثت في أرق هؤلاء الناس وأظرفهم نزعة إلى الفلسفة التي تجعل الشخص المسيطر على نفسه ذا سلطان أقوى من سلطان الملك الثائر المنفعل. ولم تقيد الحكومة حرية الفكر أو العقول ما دامت الأفكار والأقوال لا تتجه علناً إلى مهاجمة الإمبراطور وأسرته، أو إلى الطعن على الآلهة الرسمية. فلما أن شرع الأساتذة وأولياؤهم من الشيوخ ينددون بالظلم والاستبداد شبت بين الفلسفة والحكم المطلق حرب عوان، دامت حتى جمع بينهما الأباطرة المتبنَّون فوق العرش ولما أمر ثراسيا Thrasea بأن يقتل نفسه (65) نفي في الوقت نفسه موسونيوس روفوس Musonius Rufus صديق ثراسي، وأخلص فلاسفة رومة الرواقيين في القرن الأول عقيدة، وأشدهم عملاً بفلسفتهِ. وكان روفس قد عرف الفلسفة بأنها هي البحث عن السلوك الطيب، وشرع في هذا البحث بجد ومثابرة. وقد شهر بالتسري رغم شريعته، وكان يطلب إلى الرجال أن يحافظوا في أخلاقهم الجنسية على المستوى الذي يطالبون به النساء. وكان الرجل التولستوي النزعة يقول إن العلاقات الجنسية لا تباح إلا في حالة الزواج وللمحافظة على النسل. وكان يعتقد بوجوب تكافؤ الفرص التعليمية للرجال والنساء عل السواء يرحب بوجود النساء في محاضراته، ولكنه يأمرهن أن يبحثن في الزينة والفلسفة عن الوسائل التي يكملن بها أنوثتهن(13). وكان الأرقاء أيضاً يشهدون محاضراته. وقد شرف أحد هؤلاء وهو إپيكتتوس Epictetus أستاذه بأن تفوق عليهِ. ولما أن شبت نار الحرب الأهلية في رومة بعد موت نيرون خرج موسونيوس للجيش المهاجم، وأخذ يخطب فيه ويشرح له فوائد السلم وفضائع والحرب. وسخر منه جنود أنطونيوس وعادوا إلى تحكيم السيف. ولما أن طرد فسبازيان الفلاسفة من رومة استثنى منهم روفس، ولكنه احتفظ بسراريه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفلسفة الرومانية المبكرة والمسيحية

انظر أيضاً: الفلسفة المسيحية


كبار الفلاسفة في العصر الروماني

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  1. ^ The main Sextians were: Sotion, a doxographer and biographer; Papirius Fabianus, a rhetorician and philosopher; Crassicius Pasicles, a grammarian, and Celsius Cornelius, a famous doctor
الكلمات الدالة: