السريان (شعب

يرجع أصل السريان Syriac إلى أجدادهم الآراميين الذين ينتسبون تاريخياً إلى آرام بن سام بن نوح الوارد ذكره في التوراة، وهم الشعب السامي الثالث بعد الآموريين والكنعانيين. و قد دخل اسم سورية وسوريين والسريان على الآرامية قبل السيد المسيح في عهد السلوقيين الإغريق، ففي أثناء الترجمة السبعينية [ر.التوراة] للعهد القديم 280ق.م. استبدل المترجمون كلمة سورية بدلاً من آرام وأخذ يتغلب الاسم السوري على الآرامي شيئاً فشيئاً، وانتشرت على نحو ملحوظ بعد انتشار المسيحية حتى كادت تُمحي التسمية الآرامية. وتمسك الآراميون النصارى بالتسمية الجديدة نسبة إلى الرسل الذين بشروا باللغة السريانية، فتركوا اسمهم القديم (الآراميين) واتخذوا لهم اسماً جديداً (السريان) ليتميزوا عن بني جنسهم الآراميين الوثنيين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التسمية

وقد طرح الباحثون آراء كثيرة حول تأصيل معنى السريان، ولكن من الثابت أن التسمية جاءت من لفظة Syria وهو الاسم الذي أطلقه الاغريق على بلاد الشام قديماً.


التاريخ

ويذكر مار اغناطيوس زكا الأول عيواص، أن السريان هم في الأصل الآراميون سكان سورية الأصليين، استوطنوا منذ القرن السادس عشر قبل الميلاد بلاد آرام الشام وآرام النهرين وقد امتزجت بهم عبر العصور بقايا الشعوب السامية القديمة المندثرة من بابليين وعموريين وآشوريين وفينيقين وكنعانيين وسومريين.

واشتهر السريان بمدارسهم التي أسسوها في الأديرة والكنائس في القرى والمدن التي استوطنوها، فكان لهم فيما بين النهرين نحو خمسين مدرسة، ُتعلم فيها العلوم السريانية واليونانية، ولهذه المدارس مكتبات خاصة بها في الأديرة السريانية تحوي أشهر الكتب المترجمة في العلم والأدب والفلسفة والطب، ككتب أرسطو وأفلاطون وجالينوس وأبقراط، فكان للسريان أثر بارز في نقل الثقافة اليونانية إلى الإمبراطورية الفارسية، ومن ثم ترجمة هذه الثقافة إلى العربية. وقد نشطت حركة الترجمة نشاطاً كبيراً في عهد الخليفة المأمون لولعه بالعلم.

ومن أهم المدارس السريانية التي انتشرت حول مدينة أنطاكية مدارس دير باسوس، ودير تلعدا، كما اكتظت على جبل الرها وطور عابدين ونصيبين ورأس العين، واشتهرت مدرسة قنسرين التي أنشأها سنة 530 يوحنا بن أفتونيا (ت538م)، حيث أصبحت أكبر مدرسة لاهوتية،وتخرج فيها علماء كبار منهم : ساويرا سابوخت في القرن 7م، الذي على يده في ما يقال، وصلت الأرقام الهندية إلى العرب، ووضع مؤلفات فلسفية وفلكية قيّمة.

وتوغلّ السريان في دراسة الفلسفة، لإثبات الحقائق الدينية في فترة النزاع المذهبي،فعرفوا منطق أرسطو والفلسفة الفيثاغورية و الأفلاطونية والأفلاطونية الجديدة، فاشتهر منهم في القرن السادس سرجيس الرأسعيني (ت536م)،إمام عصره في الطب و المنطق والفلسفة والعلوم الطبيعية، وهو أول من نقل من اليوناني إلى السرياني، وأشهر مؤلفاته: مقالات أصلية في المنطق بسبعة أجزاء، ومقالة في الأجناس والأنواع و الأفراد وكتب أخرى قيّمة.

ويذكر أيضاً منهم: مار أحودامه (ت 575م)، الذي كتب بلغة سريانية بليغة كتاب «الحدود»،ومقالات في «الحرية الدينية»، و«القضاء والقدر»، و«النفس» و«الإنسان».

كما برز في تاريخ السريان شعراء كبار مثل :مار أفرام السرياني (ت 373م)، و مار يعقوب السروجي (ت 521م) وكلاهما يتصدر الطبقة الأولى بين شعراء السريان كافةً. وهناك أسماء لامعة مثل الشيخ يحيى بن عدي، ومار يعقوب الرهاوي، والمؤرخ والفيلسوف ابن العبري.

ولمع من المترجمين :عبد المسيح بن ناعمة الحمصي (ت835م)، و يوحنا بن ماسويه (ت857م)، الذي ولّي رئاسة بيت الحكمة. وأيضاّ حنين بن اسحق العبادي الذي أجاد الفارسية و اليونانية و السريانية والعربية، ولازم الخليل بن أحمد ، وولاّه المأمون رئاسة بيت الحكمة، وكان يعطيه وزن ما يترجم ذهباً، وأغلب ترجماته عن أرسطو وأفلاطون و فرفوريوس الصوري ، كما برز اسحق بن حنين (ت910م ) الذي عاون والده في بيت الحكمة، وخدم المعتمد والمعتضد والمقتدر من الخلفاء العباسيين، أعاد النظر في ترجمات أبيه، وإليه يرجع الفضل في التعريف بالفلسفة اليونانية، حيث نقل وصحح أكثر من نصف مؤلفات أرسطو، وكان ابن رشد يعتمد على ترجماته في شروحه، حتى قيل إنّ ترجماته هي الدستور والقسطاس المستقيم، لأنها أشهر الترجمات وأدقّها، ومن المترجمين البارزين أيضاً أبوزكريا يحيى بن عدي و علي بن زرعة وغيرهم.

كان للسريان علاقة طيبة مع العرب المسلمين، خاصة زمن الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين، فقد تقلدوا أعلى المناصب في إدارة الدولة لاسيما الأمور المالية.واللغة السريانية التي تعرف باللغة الآرامية هي اللغة التي تكلم بها السيد المسيح، وانتشرت في العالم القديم انتشاراً واسعاً، وصارت حروفها حروف هجاء لغات شرقية عديدة، حيث كانت على عهد الملك نابوبلاصر لغة البلاط البابلي وعلى عهد داريوس الكبير (521ـ486ق.م) اللغة الرسمية بين مقاطعات الامبراطورية الفارسية،كما أمست لغة دولية بالشرق كله زمناً طويلاً. وقد تعلمها اليهود منذ السبي البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد، وصارت لغتهم اليومية إذ نسوا العبرية لذلك تكلم السيد المسيح وتلاميذه بالآرامية. وضعفت اللغة السريانية بانتشار اللغة العربية في القرن السابع الميلادي، لكنها لا تزال حية بفضل استخدامها في طقوس الكنيسة والعبادات الدينية، إلى جانب اللغات المحلية الوطنية. وما تزال هذه اللغة متداولة حتى اليوم في بعض مناطق تركيا وشمالي سورية، حتى أنه يتحدث بها بعض المسلمين في قرى سورية أمثال معلولا وجبعدين.

وقد أقام السريان في أنطاكية عاصمة سورية آنذاك مركزاً دينياً مهماً، أسس فيها الكرسي الرسولي البطريركي الأول على يد بطرس الرسول، وامتدت سلطته من البحر المتوسط غرباً إلى أقصى بلاد الفرس والهند شرقاً، ومن آسيا الصغرى شمالاً إلى تخوم فلسطين جنوباً، إذ رأس هذه المساحة بطريرك واحد يخضع له أساقفة لإدارة البلاد روحياً.

ومنذ القرن الرابع الميلادي بدأت الانقسامات نتيجة الهرطقات التي انتشرت مخالفة لتعاليم السريان الأساسية والخلاف حول طبيعة السيد المسيح ومريم العذراء، فانقسم جسم الكنيسة السريانية إلى فرق عدة منها:

ـ الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأم.

ـ الكنيسة النسطورية والتي انقسمت إثر مجمع افسس 431م.

ـ الكنيسة الكلدانية انشقت عن النسطورية وانضمت إلى بابا روما عام 1445م.

ـ الروم الأرثوذكس البيزنطيون عام 518 م.

ـ الموارنة في لبنان في القرن السابع.

ـ الروم الكاثوليك في القرن الثامن عشر انفصلوا عن الروم الأرثوذكس.

ـ السريان الكاثوليك في حلب في القرن السابع عشر.

وهكذا كان للسريان أثر مهم في التاريخ، وإسهام في بناء الحضارة الإنسانية، لما قدموه من جهد في ميادين العلم كافةً.[1]