ابن خروف

ابن خروف (525 - 609 هـ / 1130-1212) هو أبو الحسن على بن محمد بن على الحضرمى، المعروف بابن خَرُوف النحوى الأندلسى الإشبيلى. كان فاضلاً في علم العربية، وكان قد تخرّج على ابن طاهر النحوى الأندلسى المعروف بالخدبّ. وله في علم العربية مصنفات مفيدة شهدت بفضله وسعة علمه، وشرح كتاب سيبويه شرحًا جيدًا، وشرح أيضًا كتاب "الجمل" لأبى القاسم الزجاجى وما أقصر فيه.

لم يتخذ بلداً موطناً له، بل كان يتجول في البلاد في طلب التجارة، وهو كثير الترحال والتسيار بمدن الأندلس وغيرها، وأكثر ما كان يتردد بين رندة وإشبيلية وسبتة وفاس ومراكش، وقيل إنه أقام في حلب مدةً، وكان يفيد أهل كل مدينة يدخلها للتجارة، فيقصده الطلبة من أهلها، فمتى حلّ ببلد انتصب لتدريس ما كان لديه من المعارف ريثما يتم غرضه من البيع والإقامة ويستوفي الجعل على الإقراء من الطلبة، ولا يسامح أحداً في القراءة عليه إلا بجعل يرتبه عليه ثم يرحل، هكذا كان دأبه، وكان وقور المجلس مهيباً.

وقد روى الحديث عن أبي بكر بن خير وابن زرقون وابن الرمامة وابن المجاهد وأبي القاسم بن بشكوال وأبي محمد بن عبيد الله وأبي مروان بن قزماي، وأخذ علم الكلام وأصول الفقه عن العارف أبي عبد الله الرعيني ركن الدين وأبي الوليد بن رشد الأصغر، وأخذ العربية والآداب عن أبي إسحاق بن ملكون وأبي سـليمان الـسعدي وأبي محمد القاسم بن دحمان وأبي بكر بن طاهر النحوي الأندلـسي (ت580هـ)، المعروف بالخدب ولزمه وعليه أتقن الكتاب وعنه لقن أغراضه.

وقيل إنه دخل على أستاذه ابن طاهر الخدب فشكا إليه الفقر وقال له: إنك لتأخذ مني أكثر ممّا تأخذ من الأعيان. فقال الخدبّ: «شرّك أعظم من شرهم عليّ في المجلس». وقد حكى ابن خروف عن شيخه فقال: «إنه كان يأمرني بنقل الماء إلى المسجد إذا احتاج إلى استعماله فأقول له في ذلك فيقول: لا أحب أن تجلس بغير شغل». وكان ابن خروف يعمل في الخياطة، ويقسم كل ما يكتسبه منها نصفين بينه وبين أستاذه هذا، وكان وقت طلب العلم مختصاً بخدمة شيخه.

هو إمام جليل قرأ النحو وأجاده، وهو إمام عالم في النحو والعربية فاضل فيهما محقق ومدقق ماهر شارك في الأصول، وكان من أوائل الداعين إلى الاستشهاد بالحديث النبوي في مسائل النحو واللغة، وله مصنفات شهدت بفضله وسعة علمه، اشتهر بعنايته بكتاب سيبويه وشرحه وإقرائه، وله كلام فيه جوّده غاية الإجادة، وقد صنف عليه شرحاً سماه: «تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب». وحمله إلى سلطان المغرب فأعطاه ألف دينار، وهو من مليح مصنفات أهل الأندلس في هذا النوع.

صنف شرحاً على « جمل الزجاجي» في مجلد واحد وما أقصر فيه، وكتاباً في «الفرائض»، وله مناظرات مع السهيلي، ومصنفات مستجادة في القراءة، وقيل إنه شرح كتاب «الإيضاح»، وصنف في كل ما يعرف من العلوم مصنفات مفيدة شرّقت وغرّبت وتداول الناس انتساخها رغبة فيها وشهادة بجودتها، وكان كثير العناية بالرد على الناس، فقد رد على إمام الحرمين أبي المعالي النيسابوري في كتابه «الإرشاد والبرهان» وعلى أبي الحسن بن الطراوة في مقدماته على أبواب الكتاب، وعلى الأعلم الشنتمري في رسالته الرشيدية وغيرها، وعلى أبي محمد بن حزم في بعض مقالاته، وعلى أبي إسحاق بن ملكون وأبي الوليد بن رشد وأبي القاسم السهيلي في مسائل كثيرة، وعلى أبي جعفر بن مضاء وعلى غيرهم من أهل عصره.

وقد روى عنه آباء بكر: ابن عبد النور وابن مخلوف والقرطبي، وآباء الحسن: الدباج والشاري وابن القطان وغيرهم.

وقال علم الدين أبو القاسم النحوي اللورقي عن علم ابن خروف: لقيته وأخذت عنه واستفدت منه. وقال عنه أبو الحسن الرعيني: كان جامداً على ما لقن عن أبي طاهر، قليل التصرف بكيء العبارة متسرعاً لإنكار ما لا يعرف. وقال عنه أبو زكريا بن عتيق: «كان شديد الضجر عند تتبع البحث معه والمساءلة له فعهدي به مراتٍ إذا ضويق في المجلس يأخذ قرفيه (الصندل) ويقوم من مجلسه دون سلام ولا كلام».

أما وفاته فكانت في إشبيلية عن خمس وثمانين سنة، وكان قد فقد عقله حتى مشى في الأسواق مكشوف الرأس والعورة.

ولعله من المفيد الإشارة إلى أنه حصل في بعض التراجم خلط بين ابن خروف النحوي وسميّه علي بن محمد بن يوسف، ابن خروف الشاعر الذي توفي متردياً في جبّ سنة 604هـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وفاته

توفى بإشبيلية سنة عشر وستمائة (610هـ).


المصادر

للاستزادة