إعصار قُمعي (تورنادو)

أصبحت العواصفُ التي تتخذ شكلا لولبيا مفهومة إلى حد كبير،

إلا أن كيفية تشكُّل هذه الدوامات العنيفة مازالت أمرا يكتنفه الغموض.

<R. ديڤيس-جونز>

Tornadoes7.jpg

ترك هبوط إعصار قمعي (الصورة الكبيرة) في شمال أوكلاهوما في 12/4/1991 رقعة من الدمار طولها 800 متر. وفي 31/5/1990 ظهر للعيان واحد من سلسلة أعاصير من عاصفة رعدية منظمة تنظيما عاليا في لسان من الأرض يشبه المقلاة في ولاية تكساس (الصورة الصغيرة). وقد دمر هذا الإعصار القمعي عدة أبنية ضمن خط مروره الذي بلغ عرضه 1600 متر.

كان ربيع عام 1995 موسما لأعاصير قمعية شديدة الهيجان في الولايات المتحدة. ففي الشهر 5 وحده هبَّ ما يقدر عدده بنحو 484 إعصارا قمعيا راح ضحيتها 16 شخصا وأتلفت ممتلكات قيمتها ملايين الدولارات. وكان المختبر الوطني للعواصف العنيفة National Severe Storms Laboratory NSSL في نورمان بولاية أوكلاهوما يرسل لي ولزملائي في تكساس أو كنساس، يوما بعد يوم، تنبؤات بعواصف عنيفة، تصلنا أحيانا الساعة الثالثة فجرا. وكنا نضطر أحيانا، ونحن مرهقون بعد جلسة الاستماع في الساعة التاسعة صباحا إلى الموجز اليومي عن الوضع، إلى بدء العمل مجددا على أمل جمع معلومات قيِّمة أخرى حول تشكل الأعاصير القمعية.

وقد كشفت خرائط الطقس يوم الثلاثاء الموافق 16/5/1995 عن وجود خطر بحدوث أعاصير قمعية بعد ظهر ذلك اليوم في كنساس. وبالفعل ثارت عواصف رعدية شديدة بحلول الساعة الخامسة بعد الظهر، غذتها رياح جنوبية دافئة ورطبة، ارتفعت ودارت في تيار هوائي صاعد. وكانت العاصفة عبارة عن «خلية فائقة»(1) supercell منظمة إلى حد كبير، بحيث تشكل أرضية مثالية لاستيلاد إعصار قمعي. وقد لمحتُ مع <W .گارگان>: (طالب دراسات عليا في جامعة أوكلاهوما) ونحن نقترب من العاصفة من الجنوب الشرقي بسيارتنا المزودة بالأجهزة العلمية المسماة probe 1، قمة العاصفة الهائلة التي ترتفع عشرة أميال من على بعد 60 ميلا. وكانت العاصفة الرعدية تندفع بسرعة 30 ميلا في الساعة باتجاه شرق ـ شمال شرق، وهي حركة مثالية تماما في السهول العظيمة Great Plains.

وعندما صرنا على بعد عشرة أميال من العاصفة، ونحن نقترب منها على الطريق رقم 50، رأينا لأول مرة قاعدة السحابة الطويلة الداكنة. وعلى بعد بضعة أميال لفت نظرنا إعصار على شكل خرطوم الفيل متدليا من مؤخرة برج السحابة الرئيسية قرب مدينة گاردن سيتي. ثم فقدنا رؤية الإعصار ونحن نحاول القيام بمناورة للاقتراب منه عبر طرق فرعية مرصوفة، إلا أننا ما لبثنا أن لمحناه تارة أخرى على بعد أربعة أميال إلى الشمال الغربي منا. ولقد كان رفيعا يمتد أفقيا في خط غير مستقيم وراء السحابة الأم، قبل أن يلتوي فجأة تجاه الأرض بزاوية قائمة. وبدا لنا واضحا أنه كان يُدفع بعيدا عن السحابة، بفعل هواء بارد ينساب إلى أسفل من العاصفة نحو الأرض، ومقتربا من نهايته.

SCI95b11N12 H09 004538.jpg
يمكن اكتشاف بصمة إعصار قمعي بوساطة رادار دوپلر قبل هبوطه إلى الأرض بزمن يصل إلى 20 دقيقة. كما يمكن أن يشير تغير الرياح في السحب بصورة مفاجئة عبر مسافة قصيرة إلى وجود دوامة فعلية أو إلى احتمال حدوثها، كما هي الحال بالنسبة لإعصار قمعي (في الأعلى) شاهده المؤلف في هانستون، كانزس في 16/5/1995. ويبدو إعصار متوسط، وهو الذي يطوق بإحكام، عادة، الأعاصير القمعية، على شاشة رادار تقليدي، وكأنه ذيل له شكل كلاّب أو منجل، في الجانب الجنوبي الغربي من العاصفة الرعدية. أما اللفّة في كلاّب الرادار (في الأسفل) فهي لعاصفة في هانستون، وهي تكشف بدورها عن وجود إعصار قمعي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلايا فائقة

أدت معظم الأعاصير القمعية إلى تدمير ممراتها التي يبلغ عرضها 150 قدما وهي تتحرك بسرعة 30 ميلا في الساعة ـ تقريبا ـ وتمكث بضع دقائق فقط. وقد يربو عرض الإعصار العظيم التدمير على الميل وهو ينساب بسرعة تزيد على 60 ميلا في الساعة، وقد يبقى على الأرض أكثر من ساعة. والأعاصير القمعية في نصف الكرة الشمالي، كتلك المدمِّرة التي تحدث في الولايات المتحدة وشمال شرقي الهند وبنغلاديش، تدور دائما بعكس اتجاه عقارب الساعة عندما تُرى من أعلى. أما الأعاصير القمعية في نصف الكرة الجنوبي ـ كتلك التي تتشكل في أستراليا ـ فإنها تميل للدوران مع اتجاه عقارب الساعة. وهذه الاتجاهات تدعى الاتجاهات الحلزونية أو الإعصارية.

وقد اكتشف <E.M. بروكس> (من جامعة سانت لويس) عام 1949 ـ وهو يدرس الكيفية التي يتغير فيها ضغط الهواء في محطات الرصد الجوي القريبة من الأعاصير القمعية ـ أن هذه الأعاصير القمعية تتولد عادة داخل كتل أكبر من الهواء الدوار تدعى الأعاصير المتوسطة mesocyclones. وقد ظهر على شاشة الرادار في أوربانا بولاية إلينوي عام 1953 إعصار متوسط على شكل ذيل معقوف على الجانب الجنوبي الغربي من الصدى الراداري للعاصفة. ولأن المطر يعكس الموجات المكروية (الصغرية) الصادرة عن الرادار، فإن الشكل المعقوف يشير إلى أن المطر كان يُسحب إلى داخل ستارة تدور بشكل حلزوني (إعصاري). وخلال عام 1957 درس<T. .T فوجيتا> (من جامعة شيكاغو) واختبر صورا وأفلاما التقطها سكان محليون لقاعدة وجوانب عاصفة إعصارية في ولاية داكوتا الشمالية، فوجد أن معظم برج السحابة كان يدور إعصاريا.

وفي الستينات، تمكن <K.A. براونينگ>، خبير أرصاد بريطاني كان في زيارة للمشروع الوطني للعواصف الشديدة National Severe Storms Project، وهو مؤسسة الأبحاث التي كانت قائمة قبل تأسيس المختبر الوطني للعواصف الشديدة (NSSL)، من تشكيل صورة دقيقة للغاية للعواصف الإعصارية، وذلك من معلومات رادارية جمعت مع بعضها البعض. وقد تبين له أن معظم الأعاصير القمعية تولد داخل عواصف تتصف بالضخامة والعنف سماها الخلايا الفائقة. كما تبين له أن هذه الأنظمة القوية تتطور في بيئات غير مستقرة إلى حد كبير، حيث تتغير فيها الرياح بشكل جذري من حيث الارتفاع. وحيث يتوضع الهواء البارد والجاف فوق هواء دافئ ورطب في طبقة يبلغ عمقها ميلا فوق سطح الأرض. وتفصل بين الكتلتين الهوائيتين طبقة رقيقة ومستقرة، حاجزة عدم الاستقرار.


التركيب البنيوي لإعصار قمعي

تتشكل خلية فائقة لعاصفة رعدية عندما يخترق هواء دافئ ورطب طبقة مستقرة فوقه ويتحرك إلى الأعلى عبر هواء بارد وجاف. ويميل التيار الصاعد في نصف الكرة الشمالي إلى الشمال الشرقي ويدور عكس اتجاه عقارب الساعة عندما يُنظر إليه من الأعلى. وتُنقص حزم الهواء الدافئة سرعتها داخل طبقة الستراتوسفير وتسقط إلى الأسفل وتنتشر على الجوانب في «السندان». وتهطل أمطار من تيار صاعد مائل متوضع في الجزء الشمالي الشرقي من العاصفة ضمن هواء جاف في المستويات المتوسطة، مبردة إياه، مما يسبب هبوطه نحو الأسفل. وتجذب الحركة الدورانية للخلية الفائقة بعضا من هذه الأمطار والهواء البارد المحيط بها إلى الجانب الغربي من العاصفة. ويلتقي هواء دافئ وهواء مُبرَّد بالمطر قرب سطح الأرض في حد مضطرب يسمى جبهة الهبات العاصفة. وتميل السحب الحائطية المنخفضة والأعاصير القمعية إلى التشكل على طول هذا الخط قرب طرف مستدق يشير إلى مركز دوران العاصفة.

ويمكن لهذا الحاجز أن يُتلف ويفتح إذا سخنت الشمسُ كتلة الهواء في الطبقة السفلى، أو إذا غزاه نظام طقس آخر. وتعتبر الجبهات الهوائية والتيارات النفاثة واضطرابات الطبقات العليا من الزوار المعتادين للسهول العظيمة خلال موسم الأعاصير القمعية، وكلها قد تدفع الهواء من الطبقات السفلى إلى أعلى. ولأن ضغط الهواء ينخفض مع الارتفاع، فإن حزم الهواء المرتفعة تتمدد وتبرد، وعندما تصل إلى علو مناسب، تبرد بما يكفي لبدء تكثف بخار الماء فيها على شكل قطيرات ضبابية، مشكلة قاعدة سحابة منبسطة.

ويطلق بخار الماء خلال تكاثفه الحرارة الكامنة فيه رافعا درجة حرارة حزم الهواء. وتصل هذه الحزم إلى ارتفاع تصبح فيه أكثر دفئا من محيطها، ومن ثم تعلو بحرية إلى ارتفاعات شاهقة بسرعة تصل إلى 150 ميلا في الساعة، مشكلة رأسا برجيا رعديا. وتعمل الرياح القاصة على تغيير اتجاه الرياح الصاعدة نحو الشمال الشرقي.

تعيد محاكاة حاسوبية لخلية فائقة تشكيل إعصار قمعي ضعيف وعريض، وذلك عن طريق حل معادلات هايدرودينامية للماء والهواء على شبكة متسامتة من النقاط تمثل الفضاء. وعندما تبدأ العاصفة (الشكل a، 43 دقيقة بعد بدء المحاكاة) وتتطور (الشكل b، 101 دقيقة) فإن الشبكة المتسامتة (غير مرئية) تتعزز على التعاقب بمزيد من النقاط الدقيقة المتشابكة؛ والتي لا تبعد عن بعضها البعض سوى 0.1 كيلومتر في مناطق الدوران الشديد. ويبدو واضحا المركز الدوّام للعاصفة وهو يُشاهد من الأسفل (الشكلc ، 103 دقائق). وقد تعمّدنا عدم إظهار الأمطار الهاطلة من السحب الداكنة بغية الحصول على صورة واضحة؛ وإضافة إلى ذلك تم جعل سحابة حائطية كثيفة تصل إلى الأرض شفافة. وتبدو أيضا دوّامة بيضاء بدأت من مكان عال في السحب (الشكل d ، 104 دقائق) وقد هبطت إلى سطح الأرض بسرعة (الشكل e ، 107 دقائق).

وتلتحم قطيرات الماء خلال ارتفاعها لتشكل قطرات مطر. وتتغير قدرة الطفو للحزم الهوائية جزئيا نتيجة ما فيها من ماء وثلج. وعندما تصل هذه الحزم إلى طبقة الستراتوسفير تفقد قوة اندفاعها وتهبط إلى علو نحو ثمانية أميال، حيث تتدفق على الجوانب مشكلة «سندان» العاصفة. وتتبخر قطرات الماء الهاطلة خارج تيار الرياح الصاعدة في هواء جاف متوسط الارتفاع على الجانب الشمالي الشرقي للخلية الفائقة، مما يؤدي إلى تبريد هذا الهواء وهبوطه إلى سطح الأرض. وبمرور الوقت تسحب الأمطار والتيار الهابط إلى جوار التيار الصاعد بقوة دوران العاصفة. وبسبب كون نسبة الرطوبة في الهواء البارد أعلى منها في الهواء الدافئ فإنه يصبح غائما على ارتفاعات أقل إذا ما أُجبر على الارتفاع. وهكذا تتشكل سحابة منخفضة عندما يمتص التيار الصاعد جزءا من هذا الهواء.

وخلافا لمعظم العواصف الرعدية، التي تحوي عدة تيارات صاعدة وأخرى هابطة يتداخل بعضها مع بعض، فإن الخلايا الفائقة تحوي خلية أو خليتين، كل منهما فيها تياران متعايشان أحدهما تيار هابط والآخر تيار صاعد عريض ودوار. ويسمح مستوى التنظيم العالي لخلية فائقة بالاستمرار مدة طويلة في حالة تكاد تكون مستقرة وشديدة الفعالية، مما يفضي إلى تشكيل الإعصار القمعي. وربما بدأت منطقة تيار صاعد، طول نصف قطرها يتراوح بين ميل واحد وثلاثة أميال، بالدوران مع رياح تصل سرعتها إلى 50 ميلا في الساعة أو أكثر، مشكِّلة إعصارا متوسطا. وقد تُطوِّر العاصفة عندئذ دورانا على علو منخفض، وربما أيضا إعصارا قمعيا ـ عادة إلى الجانب الجنوبي الغربي من التيار الصاعد بالقرب من التيار الهابط المجاور، في حين أن الإعصار المتوسط قد يكون إما تام النمو أو أنه آخذ في التلاشي التدريجي.

وفي نهاية المطاف، يتلاشى الإعصار المتوسط في غطاء من المطر، عندما يقطع تيارَه الصاعدَ قرب سطح الأرض هواءٌ بارد جدا يهب من قلب التيار الهابط. أما في الخلايا الفائقة المستمرة، فقد يكون إعصار متوسط جديد قد تشكل سلفا على بعد بضعة أميال إلى الجنوب الشرقي من ذلك المتلاشي، على طول جبهة للرياح العاصفة الناشطة ـ وهي الحدود بين كتلتي الهواء الحارة والباردة. وعندئذ قد يتشكل إعصار قمعي جديد بسرعة.

القوة التدميرية

يكشف الضرر الذي تسببه الأعاصير القمعية للأبنية ـ كهذا المنزل في تكساس ـ والمسافات التي تُحمل إليها الأجسام الثقيلة، عن السرعة المفرطة التي تصل إليها الرياح قرب سطح الأرض. ففي السبعينات توصلت مؤسسة أبحاث الكوارث في لوبوك بولاية تكساس، إلى نتيجة مفادها أن حدوث أسوأ الأضرار يتطلب رياحا تصل سرعتها إلى 275 ميلا في الساعة. ولاحظ المهندسون أيضا أن جدران الأبنية المواجهة للرياح، وهي تقع غالبا في الجنوب الغربي، تسقط بشكل دائم تقريبا إلى داخل الأبنية ـ مما يدل ضمنا على أن الأبنية إنما تتضرر في معظم الأحيان نتيجة القوة الهائلة للرياح، وليس نتيجة للانخفاض المفاجئ في الضغط الجوي. ونتيجة لذلك لم يعد يُنصح سكان «مجاز الأعاصير القمعية» Tornado Alley في الغرب الأوسط الأمريكي بفتح النوافذ لتقليل الضغط داخل منازلهم. وكانت هذه النصيحة تتسبب في إصابة العديد من الناس بجروح من جراء الزجاج المتطاير عندما يُهرعون لفتح النوافذ، كما لم يعد يقال للسكان إن عليهم أن يختبئوا في الزوايا الجنوبية الغربية من المنزل ـ حيث يكونون معرضين لخطر بالغ بسقوط الجدران فوقهم. ويتم حث السكان حاليا على الاختباء داخل خزانة بوسط المنزل لكي يحصلوا على حماية إضافية من الجدران الداخلية المعرّضة للسقوط.

تعقُّب الإعصار القمعي

أدار المختبر الوطني للعواصف العنيفة NSSL مشروعا لاعتراض الإعصار القمعي في الفترة ما بين عامي 1972 و 1986 وذلك من أجل تحديد متى وأين يمكن أن يظهر إعصار قمعي. وقد حصلت فرق الاعتراض، مبدئيا، على شريط فيلمي لقياس سرعات الرياح القصوى، كما أُمدَّت بـ «حقائق أرضية» لأرصاد الرادار، إلا أن فوائد أخرى تتالت.. فقد لاحظ المتعقبون أن الأعاصير القمعية تتشكل غالبا في أجزاء من عاصفة خالية من الأمطار والبرق، مستبعدين بذلك نظريات اعتمدت على هذه المثيرات في تبرير حدوث الأعاصير القمعية. وفي عام 1975 تم تسجيل إعصار قمعي مضاد نادر. ولأن دورانه كان مغايرا لدوران الأرض، فإنه لم يكن مجرد تجسيم لدوران الكوكب.

واستضاف المختبر الوطني للعواصف العنيفة NSSL مشروعا آخر خلال فصلي الربيع عامي 1993 و 1994 تحت عنوان: تجربة التحقق من مصادر الدوران في الأعاصير القمعية (VORTEX). وبموجب المشروع يقوم أسطول من العربات المقفلة بإجراء قياسات داخل الخلايا الفائقة وقربها. ويتولى قيادة إحدى هذه العربات المنسق الميداني <E.N. راسموسين> وهو من المختبر NSSL، الذي يعمل مع متخصصين في الأرصاد الجوية يتخذون من المراكز الرئيسية في نورمان مقرا لهم لاختيار عاصفة ما كهدف، والقيام بتنسيق كافة الأرصاد التي يجمعونها. وقد زُودت خمس عربات بأجهزة لقياس اتجاه وسرعة الرياح العليا بوساطة بالونات الرصد (السبر) balloon soundings داخل العواصف وبالقرب منها، فيما أقيمت محطات لرصد عناصر الطقس على سقوف 12 عربة أخرى. وثبتت أجهزة هذه المحطات بحيث تكون على ارتفاع عشر أقدام عن سطح الأرض، أي أعلى من الهواء المزاح بوساطة العربات. أما المعلومات التي تجمعها فيتم تخزينها واسترجاعها بوساطة حواسيب موجودة داخل العربات.

وتهدف إحدى هذه العربات الاثنتي عشرة إلى الحصول على فيلم مصور للأعاصير القمعية من أجل تحليلها، وتنشر عربتان أخريان تسع سلاحف (قمريات) Turtles، وقد سُمّيت هكذا لأنها تشبه سلاحف البحر في الشكل. وهذه السلاحف هي حزم من الأجهزة وزنها 40 رطلا مصممة لتصمد أمام الإعصار القمعي، وقد زودت بمجسات (محسات) sensors، مخفية تماما بتروس واقية من الرياح لقياس درجات الحرارة والضغط، ووضعت في أمكنة تسبق الأعاصير القمعية، بحيث تبعد إحداها عن الأخرى مسافة 100 ياردة.

وأطلق على العربات التسع الباقية اسم: المسبارات probes؛ ومهمتها الوحيدة جمع معلومات عن الطقس في مناطق محددة من العاصفة. ومهمة المسبار رقم 1 قياس نسبة الزيادة أو النقصان في درجة الحرارة في أمكنة قرب الإعصار القمعي أو الإعصار المتوسط وإلى الشمال منهما، وهي أمكنة يسقط فيها البَرَد بشكل متكرر وفي فترات متقاربة. وقد حطمت حبات البَرَد، التي يبلغ حجم الواحدة منها حجم الكرة اللينة، الزجاج الأمامي للمسبار رقم 1 مرتين في ربيع عام 1995.

بعد أن تلاشى الإعصار في يوم الثلاثاء ذاك، 16/5/1995، هُرعنا نحو الشرق لنكون جنبا إلى جنب مع العاصفة بغية العثور على إعصار متوسط جديد. وقد صادَفَنا، ونحن ننطلق في خط متعرج تحت المطر على طرقات مغطاة بالحصى، صفين من أعمدة الطاقة، يصل عددها إلى ثمانية، مطروحة أرضا في الحقول، وقد قُصمت من علو قدمين عن سطح الأرض. مما يؤكد أنه كان هناك إعصار قمعي شديد محجوبا بالأمطار إلى الشمال الشرقي منا. (قرأت في صحف اليوم التالي أن 150 عمودا قد سقطت).

ورأينا على بعد نحو 30 ميلا باتجاه الشرق سحابة حائطية دوارة تشبه قاعدة العمود، متوضعة على بعد بضعة أميال من قاعدة السحابة الرئيسية. وبدا لنا إعصار قمعي ضيق، ليس منطلقا من السحابة الحائطية الداكنة، كما هو معتاد، ولكن من قاعدة سحابة مجاورة أعلى منها. وكانت هذه الدوامة تصل إلى الأرض فترات قصيرة رافعة الحطام، ولكن لم يدم بقاؤها سوى دقائق قليلة كسحابة قمعية عالية، ومن دون أن تَظهر أي إشارات أو دلائل مرئية على وجود اتصال بينها وبين الأرض.

وتشكلت سحابة حائطية جديدة إلى الشمال الشرقي ما لبثت أن صارت من الضخامة والانخفاض بشكل ينذر بالسوء. ولكنها لم تؤد، مع ذلك، إلى تشكل إعصار قمعي. كما تطورت بالقرب من جيتمور عاصفة جديدة في مكان يقع إلى الجنوب من تلك التي كنا نلاحقها. وانطلقنا شمالا لكي نتأكد من أن العاصفة الأولى كانت تَفْقد في حقيقة الأمر إمكانات تشكيل إعصار قمعي، ثم عُدْنا أدراجنا واتجهنا جنوبا نحو العاصفة الجديدة.

الأعاصير القمعية ذات القمة التي تشبه لوح المنضدة

ساعدت التجارب المختبرية على شرح السبب في كون الأعاصير القمعية قادرة على اتخاذ أشكال مختلفة. ففي الستينات صنع <N.B. وارد> (من المختبر الوطني للعواصف العنيفة (NSSL) بولاية أوكلاهوما جهازا قام بتحسينه <J.T.سنو> وآخرون في جامعة پوردو. وفي هذا الجهاز يدوَّم الهواء نحو الأعلى بوساطة شاشة دوارة عندما يدخل حجيرة سفلية، ومن ثم يتدفق نحو الأعلى إلى حجرة رئيسية عبر فتحة مركزية واسعة بقوة مراوح عادم موجودة في الأعلى. وقد استطاع هذا الجهاز أن يكرر العديد من خصائص الأعاصير القمعية الحقيقية، مثل نماذج الضغط الجوي قرب السطح الأسفل. وقد وجدْتُ في عام 1973، وأنا أعيد تفسير النتائج التي توصل إليها وارد، أن الباراميتر (المَعْلَم) الحاسم في تشكّل الإعصار القمعي هو نسبة التدويم S التي كان أول من استخدمها <W.S.لويلين> (من جامعة ويست ڤيرجينيا). و S هي نسبة السرعة المماسية على طرف فتحة التيار الصاعد (التي يسيطر عليها دوران الحاجز) إلى متوسط السرعة المتجهة نحو الأعلى عبر الفتحة (المحددة بوساطة المروحة). وعندما تكونS أقل من 0.1 لا يكون هناك دوامة. ولكن عندما تزداد S، تظهر دوامة لها دفع نفاث قوي نحو الأعلى في المستويات الدنيا (في اليمين). أما عندما ترتفع قيمة S إلى أكثر من 0.45 فتصبح الدوامة مضطربة تماما يرافقها تيار هابط مركزي محاط بتيار صاعد قوي. وعند نسبة التدويم الحرجة، وهي نحو 1.0، يتشكل زوج من الدوامات على الطرفين المتقابلين للدوامة الأم، أما إذا كانت النسبة أعلى من ذلك، فإنه يُشاهد ـ فقط ـ ما يصل إلى ست دوامات فرعية

بصمة (شارة) الدوامة

ويَستخدم مشروع تجربة التحقق من مصادر الدوران في الأعاصير القمعية (VORTEX)، إضافة إلى ما ذكر سابقا، طائرتين تحلقان حول العاصفة، فضلا عن ثلاث عربات أخرى. وتنشر هذه كلها رادار دوپلر وأجهزة تعطي معلومات حيوية عن جريان الهواء في الأعاصير القمعية. وقد أعطى رادار دوبلر الحديث الذي صنعه عام 1995 <J. وورمان> و <J.M. ستراكا> (من جامعة أوكلاهوما) تفصيلات لم يسبق لها مثيل عن الأعاصير القمعية.

وتقيس رادارات دوپلر، المخصصة لرصد الطقس، سرعة الرياح عن بعد، وذلك عن طريق إصدار نبضات ميكرويڤ . وتتلقى هذه الرادارات انعكاسات تلك النبضات على مجموعة من قطرات المطر أو ذرات الثلج، فإذا كانت القطرات تتحرك نحو الرادار، فإن النبض المنعكس يكون على طول موجة أقصر تُظْهِر مركبة سرعة القطرات في ذلك الاتجاه. (تستخدم شرطة الولاية أجهزة مماثلة لقياس سرعة السيارات).

لقد أكدت القياسات الأولى لرادار دوپلر عام 1971 أن الرياح داخل «منجل» hook تدور بالفعل بسرعات تصل إلى نحو 50 ميلا في الساعة. ويتبع هذا الدوران ـ الذي يظهر أول ما يظهر على ارتفاع نحو ثلاثة أميال ـ دوران على ارتفاعات أخفض بكثير يسبق تطور أي إعصار قمعي شديد، وقد تصادف ظهور شذوذ صغير في عاصفة على خريطة دوپلر للسرعة ـ فوق يونيون سيتي بولاية أوكلاهوما عام 1973 ـ في الزمان والمكان مع إعصار قمعي عنيف.

إن الرادار لم يستطع أن «يرى» أو يحلل الإعصار القمعي مباشرة، بل أظهر رياحا عالية تغير اتجاهاتها بشكل مفاجئ عبر الإعصار والإعصار الذي سبقه داخل السُّحب. وتتشكل «بصمات الدوامة» هذه على نحو نموذجي على ارتفاع نحو 9000 قدم قبل نحو ما بين عشر دقائق وعشرين دقيقة من وصوله إلى سطح الأرض. وقد تمتد الدوامة إلى الأعلى وكذلك نحو الأسفل، لتصل أحيانا إلى ارتفاع سبعة أميال في الأعاصير القمعية الكبيرة.

وعلى الرغم من أن «بصمات الدوامة» يمكن استغلالها لتحذير الناس بغية الاحتماء داخل قبو أو خزانة، فإنه لا يمكن رؤيتها إلا من مسافة قريبة؛ وبشكل عام، من مسافة 60 ميلا أو أقل. أما إذا كان الإعصار القمعي على مسافة أبعد تصل إلى 150 ميلا، فإن التحذيرات يمكن أن تصدر اعتمادا على كشف رادار دوپلر للإعصار المتوسط المسبب له. وتقوم الوكالات الاتحادية (الفيدرالية) حاليا بتركيب شبكة من رادار دوپلر المتطور عبر البلاد لتحسين القدرة على إصدار التحذيرات.

وفي عام 1991، تمكّن <H.B. بلوستاين> (من جامعة أوكلاهوما) من قياس سرعات للرياح وصلت إلى 280 ميلا في الساعة قرب إعصار قمعي عنيف في ريدروك بالولاية نفسها مستخدما رادار دوپلر نقالا . وعلى الرغم من أن هذه السرعات تعتبر كبيرة، فإنها أقل بكثير من سرعة الـ 500 ميل في الساعة التي اعتبرت من المسلّمات قبل 40 سنة لتفسير أحداث غريبة مثل انغراس عيدان من القش داخل جذوع الأشجار. (والتفسير الأكثر احتمالا لهذه الظاهرة هو أن الرياح تؤدي إلى تشقق حبيبات الخشب، التي تنغلق بسرعة بعدئذ لتحشر عيدان القش داخل الجذوع).

ومع أن جهاز دوپلر واحدا يكفي لإصدار تحذيرات للسكان المحليين، فإن وضع جهاز دوپلر ثان على بعد يتراوح بين 25 و 35 ميلا لرصد العاصفة من زاوية مختلفة تماما، يستطيع أن يزود الباحثين بصورة أكثر اكتمالا بكثير. ويقيس مثل هذا النظام الثنائي لرادار دوپلر، الذي يستخدمه مشروع المختبر (NSSL) وآخرون منذ عام 1974، سرعة الأمطار في اتجاهين مختلفين. وبإمكان خبراء الأرصاد أن ينظموا من جديد ميدانا للرياح ثلاثي الأبعاد، وأن يحسبوا الكميات مثل الحركة الدوامية أو الدوران المحلي للهواء آخذين بعين الاعتبار أن كتل الهواء لا يختلط بعضها ببعض، بعد تقديرهم للسرعة التي يهطل فيها المطر نسبة إلى الهواء المتحرك. وقد أوصلتهم مثل هذه المعلومات إلى اكتشاف أن الإعصار القمعي إنما يحدث في جانب واحد من التيار الصاعد الأصلي بالقرب من التيار الهابط، كما جعلتهم يؤكدون أن الهواء المنساب داخل الإعصار المتوسط يدور حول اتجاه حركته.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الدوران المغزلي الصاعد

حدث تغير رئيسي في فهم الدورانات المعقدة في العواصف القمعية عام 1978 عندما أعادت محاكاة حاسوبية، وضعها <R .ويلهلمسون> (من جامعة إلينوي) و<J.B. كليمب> (من المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي the National Center for Atmospheric Research NCAR ) تمثيل الخلايا الفائقة الحقيقية كاملة مع تلك الخصائص التي تميزها، مثل نماذج الهطول التي تتخذ شكل المنجل. وحل العلماء بخطوات زمنية صغيرة، وبطريقة الأعداد، المسائل التي تحكم الحرارة وسرعة الرياح وبقاء الكتل، فيما يتعلق بالهواء والماء في مختلف أشكالهما ـ بخار الماء، قطيرات السحاب، وقطرات المطر ـ وذلك في ترتيب من النقاط ثلاثي الأبعاد يحاكي الفضاء.

تمكن العلماء من السيطرة على الأمور، على الأقل في عالم شبيه بالعالم الحقيقي في برامج الحاسوب، وقد استطاعوا أن يشكلوا خلايا فائقة من دون أي تغييرات جانبية في البيئة الأساسية. وبتلك الوسيلة أظهروا الزيف الذي كان سائدا في التفسير الشائع بأن السبب في حدوث الأعاصير القمعية هو الاصطدام بين الكتل الهوائية. واستطاعوا أن يبرهنوا، عن طريق «إغلاق» دوران الكرة الأرضية، بأنه ليس لهذا الدوران سوى تأثير قليل خلال الساعات القليلة الأولى من حياة العاصفة. وعلى العكس تماما، فإن اتجاه الرياح في المستويات المنخفضة، الذي يتغير مع الارتفاع، هو العامل الحاسم في نشوء الدوران.

تهب الرياح داخل بيئة نموذجية لخلية فائقة من الجنوب الشرقي قرب سطح الأرض. أما على ارتفاع نصف ميل فوق سطح الأرض فإنها تهب من الجنوب، في حين أنها تهب من الجنوب الغربي على ارتفاع ميل واحد. والرياح التي تغير سرعتها أو اتجاهها مع الارتفاع تشتمل أيضا على الدوران. ولنتصور كيف يمكن للرياح أن تدور في البداية دوران العصا العمودي: فإذا كانت رياح جنوبية تهب ببطء قرب سطح الأرض، ثم بسرعة أكبر على ارتفاعات أعلى، فإن العصا ستدور على محور شرقي ـ غربي.

ولكن ماذا لو كانت الرياح تغير اتجاهها من الجنوب الشرقي إلى الجنوب الغربي بدلا من تغيير سرعتها؟ دعونا نتصور أن العصا تتحرك شمالا مع الرياح المتوسطة الارتفاع على ارتفاع نصف ميل. عندئذ فإن قمتها تُدفع نحو الشرق وأسفلها نحو الغرب، لذا فإنها ستدور حول محور شمالي ـ جنوبي. ولهذا السبب فإن لهذا الهواء دورانية باتجاه التيار ـ أي إنه يدور حول اتجاه حركته، بما يشبه كثيرا كرة القدم اللولبية الأمريكية.

إن لكتل الهواء التي لها دورانية باتجاه التيار، محورا للدوران يميل نحو الأعلى عندما تدخل التيارَ الصاعد. وهكذا فإن التيار الصاعد ككل يدور إعصاريا. وهذه النظرية ـ التي وضعها <براونينگ> عام 1963 وأثبتُّها بالهندسة التحليلية بالاشتراك مع D.K.ليلي (من جامعة أوكلاهوما في الثمانينات) تفسر كيفية دوران التيار الصاعد في المستويات الوسطى، ولكنها لا تفسر كيف يتطور الدوران قريبا جدا من سطح الأرض. وفي حين أظهرت محاكاة حاسوبية وضعها كليمب و R. روتونو من المركز NCAR عام 1985 أن دورانا على مستوى منخفض يعتمدُ على التيار الهابط المبرد بالتبخر للخلية الفائقة، فإن هذا الدوران لا يحدث عندما يتوقف تبخر المطر.

وكشفت نماذج المحاكاة الحاسوبية، بشكل يدعو إلى الدهشة، أن الدوران في ارتفاع منخفض يبدأ إلى الشمال من الإعصار المتوسط في الهواء الهابط الذي اعتدلت برودته بفعل الأمطار. ولأن الدوران في الارتفاع المتوسط يسحب التيار الهابط بشكل دائري حول التيار الصاعد، فإن بعض الهواء البارد للتيار الهابط ينتقل نحو الجنوب مع هواء دافئ على يساره، وهواء أكثر برودة كثيرا إلى يمينه. ويسحب الهواء الدافئ، باعتباره قابلا للطفو، الجوانب اليسارية من حزم الهواء إلى الأعلى. ويسحب الهواء البارد الجوانب اليمينية إلى الأسفل. ومن ثم يبدأ الهواء البارد بالدوران حول اتجاه حركته الأفقي. ولكنه، عندما يهبط نحو الأرض، فإن محور دورانه يميل إلى الأسفل، مولدا دورانا بعكس دوران العاصفة.

لقد بينت عام 1993 باستخدام آلية معقدة نوعا ما، أن الدوران في الهواء البارد الهابط، يعكس اتجاهه قبل أن يكمل الهواء هبوطه. وفي نهاية المطاف، يصل هذا الهواء، الذي يدور مع العاصفة، إلى المستويات المنخفضة جدا. ومن ثم يهب هذا الهواء المعتدل البرودة، على سطح الأرض، ليمتصه الجانب الجنوبي الغربي من التيار الصاعد. وبسبب كون هبوبه نحو التيار الصاعد متقاربا، فإن دورانه يصبح أسرع، مثل المتزلجة على الجليد، التي تدور بسرعة أكبر عندما تضم ذراعيها.

وعلى الرغم من فهمنا التام لكيفية تطور الدوران الواسع النطاق في المستويات المتوسطة والمنخفضة للإعصار المتوسط، فإنه لا بد لنا من أن نثبت لماذا تتشكل الأعاصير القمعية. إن التفسير الأكثر بساطة هو أنها تحدث نتيجة للاحتكاك السطحي. ويبدو أن هذا التفسير ضرب من المفارقة؛ لأن الاحتكاك يؤدي بشكل عام إلى تخفيف سرعة الرياح. فالتأثير الصافي للاحتكاك يشبه إلى حد كبير ذلك الذي يحدث في فنجان شاي تم تحريكه بملعقة.

إن الاحتكاك يقلل من السرعة، لذا فإن القوى الطاردة المركزية تدفع بطبقة رقيقة إلى قرب القاع. وهذه القوى الطاردة تجعل السائل يتحرك نحو الداخل على طول قاعدة الفنجان، كما يبدو واضحا في تجمُّع أوراق الشاي في المركز. ولكن السائل، قرب قمة هذا الدفق، يدور بسرعة أكبر أثناء سقوطه نحو المحور بسبب تأثير عامل التزلج على الجليد. والنتيجة هي حدوث دوامة على طول محور الفنجان. وقد استنتج <W.S. لويلين> (من جامعة ويست ڤيرجينيا) أن السرعات الأكبر للرياح في إعصار قمعي تحدث في الثلاثمئة قدم الأكثر انخفاضا.

والاحتكاك يفسر أيضا لماذا تستمر الأعاصير. ففي قلب الإعصار القمعي فراغ جزئي، والقوى الطاردة المركزية تحول دون التدويم نحو الداخل عبر جوانب الإعصار. وقد شرح B.R.مورتون (من جامعة موناش بأستراليا) عام 1969 كيف يَدوم الفراغ. ذلك أن القوى الطفوية القوية تمنع الهواء من دخول القلب عبر القمة. أما قرب سطح الأرض فإن الاحتكاك يقلل من سرعة الرياح المماسية، وبالتالي من القوى الطاردة المركزية، مما يسمح بدخول دفق قوي، ولكنه قليل السماكة، إلى داخل القلب. ولكن الاحتكاك يعمل أيضا على تحديد كمية الرياح الداخلة وبذلك لا يسمح بدخول هواء كاف ليملأ القلب. وتزداد الأعاصير القمعية حدةً وتصبح أكثر استقرارًا بعد أن تتصل اتصالا قويا بسطح الأرض لأن دفقاتها تصبح محصورة في نطاق طبقة حدية رقيقة.

وعلى كل حال، فإن نظرية الاحتكاك لا تفسر لماذا تحدث بصمة دوامة الإعصار في السُّحب أحيانا قبل هبوط الإعصار إلى الأرض بمدة تتراوح ما بين عشر دقائق وعشرين دقيقة.

الأنقاض المقذوفة بقوة لمسافات بعيدة

هذه الصورة الفوتوغرافية حملها إعصار قمعي مسافة لا تقل عن 100 ميل في أردمور، أوكلاهوما عام 1995. ويمكن أن تُحمل الأجسام الثقيلة، كشظايا السقوف، عشرات الأميال. ففي عام 1985 طار جناح طائرة مسافة عشرة أميال. وتسقط معظم الأنقاض المحمولة إلى اليسار من ممر الإعصار القمعي، وغالبا على شكل حزم محددة تماما حسب وزنها. ويعمل الباحثون في جامعة أوكلاهوما على جمع روايات عن السَّقط الإعصاري كطريقة لقياس جريان الهواء داخل العواصف. ويبدو أن الأعاصير ترفع بعض الأجسام إلى علو عدة أميال داخل العاصفة الرئيسية وقد تعود الأنقاض الخفيفة إلى الأرض بعد أن ُتحمل مسافة 200 ميل. وعلى سبيل المثال طارت شيكات مصرفية ملغاة من ويتشيتا فولز، تكساس إلى تلسا، أوكلاهوما في الشهر 4/1979. وحسب رواية تعود إلى عام 1953 جمعها الباحثون فإن: «<E .ماكنت> (من ساوث ويموث، مساتشوستس) عثرت على ثوب زفاف في حديقة منزلها الخلفية. وكان الثوب متسخا، كما كان متوقعا، ولكنه سليم وبحالة جيدة تثير الدهشة. وقد كُتب على ملصقة المصنع المخيطة على الثوب (ماكدونالد ووستر)، مما يشير إلى أن الثوب قد طار نحو 50 ميلا إلى أن سقط على الأرض.» (اقتباس من كتاب Tornado لمؤلفه J.M.أوتول).

الهبوط

تكشَّفَتَ لنا الكثير من الخصائص التقليدية للأعاصير القمعية بصورة غير متوقعة في يوم من أيام الشهر 5/1995 في ولاية كنساس. فعندما تحركنا نحو العاصفة الجنوبية في بلدة هانستون الصغيرة، كان الظلام قد حل والعمليات قد انتهت. ولكن المنسق الميداني لفت أنظار مجموعات العلماء إلى سحابة حائطية تدور بالقرب منا. وعندما انطلقت صافرات الإنذار، رأينا إعصارا قمعيا رفيعا يلامس سطح الأرض على بعد ثلاثة أميال إلى الجنوب الشرقي منا.

وانطلقنا نحو الشمال لنسبق الإعصار القمعي، ناسين في غمرة حماسنا، وجود حفرة مجارٍ عميقة في الطريق، مما أدى إلى إصابة عجلة عربتنا بأضرار وإمالة محطة الرصد الجوي المركبة عليها. لكننا واصلنا طريقنا، وانعطفنا إلى طريق ترابية لتأخذنا شرقا إلى الجانب الشمالي من الإعصار القمعي، الذي صار حينها عمودا عريضا من التراب مع امتداد سفلي من السحابة الدنيا فوقه على شكل سلطانية (زبدية). وعندما سبَقْنا الإعصار القمعي كان قد تحول إلى عدة دوامات أصغر حجما، كلها تدور بقوة حول المحور المركزي للإعصار. (لاحظ فوجيتا عام 1967 أن بعض الأعاصير القمعية خلفت وراءها قصبات مقطوعة لنبات الذرة في العديد من الرقاع المتداخلة. وقد عزا <N.B.وارد> (من مشروع المركز NSSL) في وقت لاحق هذه النماذج الغريبة إلى مثل تلك الدوامات الثانوية، وكانت تلك الدوامات الفرعية تتبع ممرات دائرية مثلها في ذلك مثل نقطة على قمة عجلة (دولاب) دراجة تدور حول المركز مع دوران العجلة إلى الأمام. وهكذا كانت تلك الدوامات الفرعية ترسم مسارات إعصارية (سيكلونية) منحنية.)

وتابعنا طريقنا ببطء لنسبق الإعصار، ونحن نشعر بالقلق لأننا لم نكن نعلم ما إذا كانت الطريق ستنتهي وأين ستنتهي. وكان الإعصار القمعي يبعد عنا ميلا واحدا، ولا يتحرك بشكل مميز في نطاق مجال رؤيتنا، مما يشير إلى أنه كان يتجه نحونا مباشرة بسرعة 30 ميلا في الساعة. وهُرع المنسق الميداني لإنقاذنا بأن دلنا على طريق إلى الشمال توصلنا إلى بورديت، فسلكناها شاكرين. وتوقفنا بعد مسيرة ميل واحد لمراقبة الإعصار القمعي، الذي كان قد هبط على الأرض وانطلق مسافة لا تقل عن 14 ميلا وصار له حينها مظهر أنبوب موقد تقليدي. ثم ما لبث أن مر إلى الجنوب منا، وارتد إلى الوراء نحو الظلام إلى الشرق منا.

وعُدنا إلى بيوتنا بسيارتنا المعطوبة وبنبضنا المتسارع، حاملين معنا معلومات غير مؤكدة، ولكننا مبتهجين بأنباء ذكرت أنه تم الحصول على معلومات قيِّمة عن الإعصار بوساطة الرادار الجوي والرادار الأرضي المتنقل الجديد. وشعرنا، ونحن نستعيد ذكريات ما حدث، أنه كان علينا أن نجاري الإعصار القمعي بحيث لا نتخلف عنه، بدلا من تجاوزه وتحويل أنفسنا إلى طرائد بدلا من أن نكون الصيادين.

المؤلف

Robert Davies-Jones

يبحث في ديناميكية الأعاصير القمعية ونشوئها في المختبر الوطني للعواصف العنيفة (NSSL) في نورمان بولاية أوكلاهوما. وهو أيضا أستاذ مساعد للأرصاد الجوية في جامعة أوكلاهوما. وبعد أن حصل على بكالوريوس الفيزياء من جامعة برمنگهام بإنكلترا، درس الحمل الحراري للشمس في جامعة كولورادو، حيث حصل على الدكتوراه في الفيزياء الفلكية الجيولوجية عام 1969. وانضم بعد ذلك بعام واحد إلى مشروع المختبر NSSL، ليطبق عمليا معارفه حول الديناميكا على الطقس. كما عمل رئيس تحرير مشاركا في مجلة علوم الغلاف الجوي Journal of the Atmospheric Sciences.


المصادر

  • "الأعاصير القُمْعيّة (التورنادات)". مجلة العلوم. 1995-12-01.

مراجع للاستزادة

THE TORNADO. John T. Snow in Scientific American, Vol. 250, No. 4, pages 56-66; April 1984.

THUNDERSTORM MORPHOLOGY AND DYNAMICS. Second edition. Edited by Edwin Kessler. University of Oklahoma Press, 1986.

THE TORNADO: ITS STRUCTURE, DYNAMICS, PREDICTION, AND HAZARDS. Edited by C. Church, D. Burgess, C. Doswell, R. Davies-Jones. Geophysical Monograph No. 79. American Geophysical Union, 1993.

Scientific American, August 1995

(1) تيار عنيف مصاحب لعاصفة رعدية. (التحرير)