أخبار:وفاة شفيق الغبرا، الأكاديمي الفلسطيني، بجامعة الكويت

في 4 سبتمبر 2021، توفي شفيق الغبرا، بعد صراع مع مرض السرطان، عن عمر ناهز 68 عامأً.[1]

الغبرا من مواليد الكويت عام 1953، حاصل على شهادة دكتوراه في العلوم السياسيّة مع تخصّص في السياسات المقارنة، والإدارة العامّة المنظّمات، تقلد الكثير من المناصب وله العديد من الدراسات والمؤلفات، يدرّس العلوم السياسيّة في جامعة الكويت، وهو الابن الأكبر للدكتور وطبيب القلب الكويتي ناظم الغبرا.[2]

الغبرا.. الشتات

شهدت حياة شفيق الغبرا، الباحث والأكاديمي الكويتي من أصول فلسطينية، تحولات كبيرة منذ سنوات طفولته المبكرة مما كان له الأثر الأكبر على مسيرته الأكاديمية الممتدة لأكثر من 40 عاماً. إذ عاش صعوبات الشتات عندما فرت عائلته الفلسطينية إلى مصر بعد نكبة 1948 وانتقلت لاحقًا إلى الكويت. كما عرف الكفاح العسكري كمقاتل ضمن صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، وشغل مناصب إدارية كمؤسس وأول رئيس للجامعة الأمريكية في الكويت. لكنه اختار، في نهاية المطاف، التدريس والبحث. كما باتت الكتابة وسيلته في معركته مع مرض السرطان حتى وفاته.

ساهمت تجربة عائلته الفلسطينية في المنفى في دفعه إلى تكريس معظم أبحاثه للقضية الفلسطينية، والتركيز على مفهوم الشتات، فضلاً عن دراسة آليات السلطة والمجتمع داخل الكويت الذي ولد وعاش فيه أغلب سنوات عمره.

عبر دراساته العديدة، سعى الغبرا إلى رصد وتوثيق الدور المركزي الذي لعبته العائلات الفلسطينية في الشتات لإحياء الذاكرة الجماعية، ودرس الكيفية التي تضمن استمرار الصلات بين من هم داخل فلسطين ومن هم خارجها، وكشف كيف تحمل بعض أفراد هذه الأسر تكلفة تعليم اقاربهم وسد كافة أعبائهم المالية لحماية المجتمع الفلسطيني من التفكك الذي كرسته النكبة وسياسات الاحتلال الإسرائيلي.

الكفاح المسلح

جاءت التجربة الأكثر أثراً على مسيرته الأكاديمية من التحاقه بفصائل الثورة الفلسطينية، عقب تخرجه من جامعة جورج تاون الأمريكية، حين التحق كمقاتل بالسرية الطلابية التابعة لحركة فتح أوائل السبعينات، وانطلق من جنوب لبنان، ليبدأ بعدها أولى خطواته في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.[3]

قال الغبرا: "ساهمت تجربة النضال العسكري لنحو ست سنوات في تطوير تجربتي الأكاديمي لأنها علمتني التعمق في قراءة الأحداث، وامتلاك فهم أوسع للحركات السياسية على اختلاف ايديولوجيتها وطرق تفاعلها مع الواقع. كما أنها ساهمت في تنمية الشعور بالزهدً في المناصب الإدارية أو القيادية، والإيمان أن موقع الأستاذ الجامعي هو الموقع الأكثر ملاءمة لخياراتي الشخصية".

وحسب أحمد جميل عزام، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بيرزيت، إنّ تجربة الغبرا النضالية جعلته جريئاً في أطروحاته السياسية والأكاديمية، مع الكثير من التواضع لأن التجربة القتالية جعلته يستصغر أي أمر أقل من الموت.

الحياة الأكاديمية

عقب الحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة تكساس في أوستن عام 1987 عمل الغبرا مسؤولاً إعلامياً في سفارة الكويت في العاصمة الأمريكية. لكنه، لاحقاً، اختار العمل الأكاديمي والبحثي عن أي مسؤوليات أخرى، وعاد للتدريس في جامعة الكويت.

في عام 2003، أختير الغبرا لتأسيس الجامعة الأمريكية في الكويت، في أول تجربة لبناء مؤسسة أكاديمية في مسيرته المهنية إلى جانب مهامه الأكاديمية. تضمنت المهام الموكلة إليه الإشراف على بناء الجامعة وتصميم برامجها الأكاديمية للطلاب والأساتذة والتدخل في كل التفاصيل الإنشائية والتعليمية، وذلك خلال عام ونصف فقط. قال الغبرا: "الجامعة مثل الكائن البيولوجي؛ إما أن يكون مستعداً للتطور أو الخمول، وأن العوامل التي تساعد في هذا التطور هي تطوير كتابات الطالب النقدية، وتعلم مهارات البحث والاستقصاء والعمل ضمن مجموعة، وتنمية ثقافة الحرية داخل".

حرص الغبرا، رغم اتفاقيات التعاون الأكاديمي التي أبرمها مع جامعة دارتموث الأمريكية في برامج العلوم الإنسانية والآداب والتعاقد مع أكاديميين أمريكيين للتدريس، على ألا تنفصل الجامعة عن المجتمع الموجود فيه وتعاليمه وتقاليده وخصوصيته الاجتماعية.

يعتقد الغبرا أن تجربة تأسيس فروع لجامعات أجنبية في المنطقة العربية أمر جيد؛ لكن التجربة أثبتت أن هناك تحديات تؤثر على مستوى جودتها مثل سيطرة العقلية التجارية والكسب المادي على بعضها، وغياب الحريات الأكاديمية في المنطقة، والأهم الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تنعكس سلباً على أوضاعها كحال الجامعة الأميركية في بيروت جراء أزمة لبنان الحالية. (اقرأ التقرير ذو الصلة: أزمة مزدوجة تعصف بالطلاب والجامعات في لبنان).

آراؤه

البطالة

أما عن أسباب ازدياد نسب البطالة بين صفوف خريجي الجامعات في المنطقة العربية فيعود باعتقاده إلى مشكلة النظام السياسي والاقتصادي للدول العربية الذي يقصر الاستفادة على فئة محددة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: البطالة والعجز الحكومي يفجران الاحتجاجات في العراق). قال: "الاقتصاد في بلداننا العربية لا يهدف للإنسان وتنمية قدراته وسعادته في الدول العربية، لكن يهدف لتمكين الحكم السياسي والمجموعة الموالية له". لمواجهة هذه الأزمة الهيكلية، اقترح الغبرا أن يكون للجامعات دوراً أكبر في خلق الوعي، وبناء علاقة مع المجتمع لتنفيذ برامج تطوير القدرات الفئات محدودي الدخل، والتوعية بالمساواة في الحقوق الاقتصادية وفرص العمل والتعليم بين أبناء الدولة الواحدة.

الحريات في العالم العربي

يعتقد الغبرا أن غياب الحرية في العالم العربي أثر سلباً على تطوير العلوم الاجتماعية وأدى لانصراف الأساتذة العرب للعمل الإداري وترك البحث في القضايا الشائكة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: الرقابة الذاتية مشكلة شائعة لكن مسكوت عنها في الأوساط الأكاديمية العربية). قال: "القوانين لا تحمي الأستاذ الجامعي في أغلب الدول العربية، لذلك أصبح غالبية الأساتذة يفضلون المنصب الإداري عن البحث الذي قد يقود للسجن أو الفصل، في ظل غياب ضمانات ومحاذير متنوعة حول القضايا البحثية".

وأشارً إلى أن الكثير من طلابه الدارسين للدكتوراه في أمريكا وأوروبا يرفضون ترجمة أطروحاتهم إلى العربية خشية اتهامهم في بلدانهم بتهم دينية أو أمنية، وإدراكهم بعدم حماية القانون لهم. انعكست هذه الرؤى على طرق تدريس الغبرا للنظريات السياسية لطلابه، حيث يدفع طلابه دائما نحو آفاق جديدة في البحث واختيار موضوعات مغايرة .

قالت رهام النقيب، أستاذة العلوم السياسية في جامعة الكويت، في مقابلة هاتفية “السمة الرئيسية لطريقة تدريس الغبرا للنظريات السياسية هي الربط بينها وبين السياسات العملية، حيث يعطي أهمية كبيرة للبحث الميداني كمصدر للمعلومة إلى جانب المصادر الأكاديمية.” تعتقد النقيب أن طريقة تعامله مع الحياة الأكاديمية رشيقة ومتجددة شبيهة بتعامله هو مع الحياة ومشقاتها؛ فهو أكاديمي لا يختلف في طباعه عن تعاملاته الإنسانية، حيث يعطي الآخر مساحته في التعبير عن الرأي، ولايبخل على الآخرين بمعلومات أو تجارب، والأهم أن مايذكره في الكتب لايختلف عن حياته العملية.


معركته مع السرطان

رغم المشقة التي واجهها الغبرا فترة العلاج من مرض السرطان منذ أواخر 2018 حتى وفاته في 2021، إلا أنه ظل متمسكاً بمقاومة المرض من خلال الاستمرار في إجراء البحوث والتدريس. قال سأستمر في العمل طالما أنني قادر على الكتابة والتفكير،” موضحاً أن تجارب النضال والعمل البحثي الممتد لعقود طويلة ساعدته على تحمل تجربة المرض".

منشورات

أصدر الغبرا عام 2021 كتاب "نظريات سياسية حول العلوم الاجتماعية". كما انتهى، خلال فترة علاجه في أمريكا، من تأليف كتاب جديد حول النكبة الفلسطينية منذ بداياتها في القرن 19 حتى الزمن الحالي، سيصدر نهاية 2021. وفي أغسطس 2021، كان يعمل على مراجعة النسخة الإنجليزية من كتابه "حياتي غير آمنة" الذي صدرت طبعته العربية الأولى عام 2012.

مرئيات

شفيق الغبرا عن أبجديات القضية الفلسطينية.

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "د. شفيق الغبرا في ذمة الله... بعد صراع مع المرض". الجريدة الكويتية. 2021-09-04. Retrieved 2021-09-04.
  2. ^ "د. شفيق الغبرا في ذمة الله بعد صراع مع المرض". جريدة الرأي الكويتية. 2021-09-03. Retrieved 2021-09-03.
  3. ^ "شفيق الغبرا: أكاديمي كويتي يواجه المرض بالبحث والأمل". الفنار ميديا. 2021-06-17. Retrieved 2021-09-04.