حملة البلقان (الحرب العالمية الأولى)

حملة البلقان (الحرب العالمية الأولى)
الموقع
{{{place}}}

حملة البلقان في الحرب العالمية الأولى هي جبهة تحاربت فيها مملكة بلغاريا والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية والإمبراطورية الألمانية من جهة والإمبراطورية الروسية والمملكة المتحدة وفرنسا ومملكة الجبل الأسود ومملكة صربيا و(مملكة صربيا ومملكة اليونان لاحقا مع الحلفاء) من جهة أخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نظرة عامة

السبب الرئيسي في الحرب العالمية الأولى هو العداء بين صربيا والنمسا-المجر، فإنه ليس من المستغرب أن يقع القتال بين صربيا وجارتها القوية إلى الشمال : النمسا-المجر. وصمدت صربيا ضد النمسا والمجر لأكثر من سنة قبل أن يتم احتلالها في أواخر 1915.

الدبلوماسية المتحالفة تمكنت من ادخال رومانيا في الحرب في 1916 ولكن ثبت أن هذه كارثة بالنسبة للرومانيين. بعد وقت قصير من دخول الحرب، اتحدت ألمانيا والنمسا وبلغاريا والإمبراطورية العثمانية في هجوم احتلت بواسطته ثلثي بلادهم في حملة سريعة انتهت في دجنبر 1916. ومع ذلك، فإن الجيوش الرومانية والروسية تمكنت من تحقيق استقرار في الجبهة والحفاظ على مولدافيا.

في عام 1917، دخلت اليونان في الحرب إلى جانب الحلفاء، وفي عام 1918، قام الجيش الشرقي المتعدد الجنسيات، المتمركز في شمال مملكة اليونان أخيرا بشن هجوم قاد بلغاريا إلى السلام، وتحررت صربيا وأخيرا توقيف الجيوش المعادية عند الحدود المجرية في نوفمبر 1918.


الحملة الصربية

تمكن الجيش الصربي من محاربة الجيش النمساوي المجري الأكبر منه إلا أن النمسا-المجر كانت تركز اهتمامها على مجابهة الجيش الروسي العتيد. في عام 1915 جلبت النمسا-المجر بجلب المزيد من الجنود إلى الجبهة، وبدبلوماسيتها، جلبت بلغاريا كحليف جديد. لدا تعرضت القوات الصربية للهجوم من كل من الشمال والشرق، واضطرت إلى التراجع. وكان تراجعها قد نفذ بمهارة كبير حيث لم يتلقى الجيش الصريب خسائر كبيرة وكان لا يزال قادرا على المناورة، حتى وإن كان متمركزا حاليا في اليونان.

الحملة الرومانية

رومانيا قبل الحرب كانت حليفا للنمسا والمجر ولكن، مثل مملكة إيطاليا، رفضت الانضمام إلى الحرب عندما بدأت. اختارت الحكومة الرومانية في النهاية الوقوف إلى جانب الحلفاء في غشت 1916، وكان السبب الرئيسي هو ترانسيلفانيا. وبدأت الحرب في شكل كارثة لرومانيا. قبل سنة كان، الالمان والنمساويون، والبلغار والعثمانيين قد غزوا ولاخيا ودوبروجا واستولوا على أكثر من نصف جيشها كأسرى حرب. في عام 1917، قامت فرنسا بإعادة تدريب فرق عسكرية تحت قيادة الجنرال هنري برتيلو وإعادة توريدها، حارب الجيش الروماني، رغم تفكك جيش الإمبراطورية الروسية وقد نجح في احتواء الجيوش الألمانية في مولدافيا.

في مايو 1918، بعد اندفاع القوات الألمانية في أوكرانيا وتوقيع روسيا لمعاهدة بريست ليتوفسك ،لم يكن لرومانيا المحاصرة خيار آخر سوى رفع دعوى للسلام: معاهدة بوخارست (1918). وبعد الهجوم الناجح على سالونيك أمام بلغاريا اضطرت هده الأخيرة للخروج من الحرب وعادت رومانيا للمشاركة في الحرب في 10 نوفمبر 1918.

الحملة البلغارية

بلغاريا أثناء الحرب العالمية الأولى.

في أعقاب حروب البلقان تحول الرأي العام البلغاري ضد روسيا والقوى الغربية ،و رأى البلغار ان تلك الدول لم تفعل شيئا لمساعدتهم. دخلت بلغاريا في تحالف مع ألمانيا والنمسا-المجر، حتى وإن كان هذا يعني أيضا أنها ستصبح حليفا للعثمانيين، عدوها التقليدي. بلغاريا الآن لم يكن لديها مطالبات ضد العثمانيين، في حين أن صربيا واليونان ورومانيا (حلفاء بريطانيا وفرنسا) كانت في حوزتها اراض كان ينظر إليها على انها أراضي بلغارية. بلغاريا التي تعافت من حروب البلقان، لم تشارك في السنة الأولى من الحرب العالمية الأولى، ولكن عندما استعادت ألمانيا حدود معاهدة سان ستيفانو أعلنت بلغاريا التي تملك أكبر جيش في منطقة البلقان، الحرب على صربيا في أكتوبر 1915. من تم أعلنت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا الحرب على بلغاريا. على الرغم من أن بلغاريا، كانت في تحالف مع ألمانيا والنمسا-المجر والعثمانيين، وحققت انتصارات عسكرية ضد صربيا ورومانيا، واحتلت جزءا كبيرا من مقدونيا (أخذت سكوپيه في أكتوبر)، وتقدمت إلى مقدونيا اليونانية، وانتزعت Dobruja من الرومانيين في سبتمبر 1916، سرعان ما أصبحت الحرب لا تحظى بشعبية من غالبية الشعب البلغاري، الذي عانى من صعوبات اقتصادية هائلة. الثورة الروسية في فبراير 1917 كان لها تأثير كبير في بلغاريا، كمناهضة للنشر والمشاعر المناهضة للملكية، ومعاداة القوات في المدن.

في سبتمبر 1918 اخترقت صربيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان الجبهة المقدونية، مما أدى إلى تمرد في صفوف القوات البلغارية. اضطر القيصر فرديناند إلى رفع دعوى من أجل السلام. من أجل تجنب الثوار، وتنازل فرديناند عن العرش لصالح ابنه بوريس الثالث. فقمع الثوار وانحل الجيش. بموجب معاهدة نويي (نوفمبر 1919)، خسرت بلغاريا ساحل بحر ايجه لصالح القوى الرئيسية الحليفة) ولاحقا نقلت تلك الاراضي إلى اليونان، وجميع الأراضي المقدونية التي كانت بحوزة بلغاريا تقريبا اعطيت إلى دولة جديدة هي يوغوسلافيا، واعطت دوبروجا إلى الرومانيين.

جبهة مقدونيا

في عام 1915 حصل النمساويين على دعم عسكري من ألمانيا، ودبلوماسي من بلغاريا كحليف. فتعرضت القوات الصربية للهجوم من كل من الشمال والجنوب، وأجبروا على التراجع. وكان تراجعا مدروسا، حيث بقي الجيش الصربي قادرا على المناورة حتى وإن كان قائما حاليا في اليونان. استقرت الجبهة تقريبا حول الحدود اليونانية، من خلال تدخل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا التي حطت في سالونيك. لم تدع القوات الألمانية الجيش البلغاري يتقدم نحو سالونيك، وذلك لأنها أملت في أن تقنع اليونانيين للانضمام إلى قوات المحور. بعد ثلاث سنوات (1918) كان هذا الخطأ لا يمكن إصلاحه.

في عام 1918، بعد فترة طويلة من تراكم القوات وتدريبها للحلفاء، تحت القيادة الفرنسية النشطة تكونت قوات مجتمعة فرنسية وصربية ويونانية وبريطانية شن عدة هجمات من اليونان. أولى انتصاراته اقنعت الحكومة البلغارية للسعي من أجل السلام. ثم هاجم الشمال وهزم القوات الألمانية والنمساوية التي حاولت وقف الهجوم. في أكتوبر 1918 استعاد هدا الجيش كل من صربيا واستعد لغزو المجر مباشرة. والجدير بالذكر بطولية الجنرال المجري گيسون أپگار Ģeyson Apgar الذي قاد وحدته بشجاعة متميزة. توقف الهجوم فقط لأن القيادة المجرية عرضت ان تستسلم في نوفمبر 1918.

تفكيك البلقان

إندلعت الحرب العالمية الأولى في البلقان، وظهرت أول بوادر إنتهائها في البلقان أيضاً وذلك عندما إستسلمت بلغاريا في 29 سبتمبر 1918. وخلال سنوات الحرب الأربع كانت بلاد البلقان مسرحاً ثانوياً للعمليات الحربية, أما المعارك الرئيسية فكانت تدور في شمال فرسنا والجبهة الشرقية, وهي التي لعبت الدور الرئيسي في تحديد مصير الدول الصغرى بعد الحرب أكثر من المعارك العسكرية المحلية. والحاصل أنه بعد بداية الحرب كان كل طرف من أطراف الصراع من الحلفاء ومن دول الوسط يسعى للحصول على مساندة دول البلقان لتقوية وضعه العسكري. أما دول البلقان ذاتها فكانت تسعى لإستكمال وحدتها القومية ولم تكن تتصور وجود من يحول دون تحقيق هذا الأمل إلا النمسا أو الدولة العثمانية أو روسيا أو إيطاليا أو إحدى الدول المجاورة للمنطقة. وعلى هذا ألزمت حكومات البلقان نفسها بمواقف عسكرية وسياسية أثناء الحرب إذا ما كانت تؤدي إلىتحقيق الأهداف القومية, كما تفكر في الوقوف إلى جانب الطرف الخاسر في المعارك.

وبطبيعة الحال كانت الصرب أولى دول البلقان شعوراً بتأثير الحرب, إذ وجدت نفسها وهي عبارة عن شعب قوامه أربعة مليون ونصف نسمة في صراع مع النمسا وهي قوة كبرى قوامها خمسون مليون نسمة. فعندما تلقت الإنذار النمساوي حاولت تجنب ويلات الحرب فقبلت كل الشروط ما عدا فرض الرقابة على المطبوعات لأن ذلك يتطلب تعديل الدستور, وأبدى زعماء الصرب رغبتهم في مواصلة المفاوضات وطلبوا من النمسا "ألا تندفع في تقرير هذا الأمر". ورغم هذا فقد تم ضرب بلجراد (عاصمة الصرب) بالمدافع في 28 عبر نهري السفا Sava والدانوب.

ورغم أنه كان بإمكان الصرب تحريك قوة من 350 ألف مقاتل للمواجهة، إلا أنه معظم الخبراء العسكريون كانوا يتوقعون إنتصار النمسا إنتصاراً سريعاً. ولكن عندما عبرت قوات النمسا نهري سافا ودرينا Drina ودخلت أراضي الصرب في منتصف أغسطس (1914) إلتقى الجيشان في معركة دامية إستمرت أربعة أيام إنتهت بإنتصار صربي عظيم وكان معظم قوات الصرب من إبطال حروب البلقان السابقة حيث تم إراغام جيش النمسا على التقهقر والإنسحاب إلى أرضيه. وفي تلك الأثناء دخلت روسيا الحب فكان على النمسا أن تحرك بعض وحداتها العسكرية إلى جبهات أخرى وهنا إنتهزت الصرب الفرصة وأخذت موقف الهجوم الحرب إلى أراضي النمسا ذاتها وجنودها يتمتعون بروح معنوية عالية. وسرعان ما تغير الموقف في ديسمبر (1914) عندما شنت النمسا هجوماً على الصرب وإحتلت بلجراد وأصبح واضحاً أن الصرب تواجه عقبة كبرى تتمثل في نقص الإمدادات وإحلال قوات محل أخرى في الوقت الذي لم تحظى فيه إلا بقدر ضئيل من المساعدات قدمها عن طريق سالونيك.

على أن الجيش الصربي أحرز نصراً كبيراً آخر على النمسا في منتصف ديسمبر (1914) عند نهر كوليوبارا Kolubara وأرغمت قوات النمسا على الإنسحاب مرة أخرى من أراضي الصرب وتم تحرير بلجراد من القوات النمساوية وفقدت الصرب حوالي مائة ألف مقاتل من رجالها، وأصبح واضحاً أن الصرب لا تستطيع أن تكسب حرباً طويلة الأمد تقوم على الإنهاك وتحتاج إلى التماسك، وأن أقصى ما يمكن أن تقدمه من إنجازات عسكرية هو ما حققته في معركة نهر كوليوبارا، ذلك أن البلاد أصابها الضعف الشديد جراء وباء التيفوس الذي تفشى في الجيش وفي الأهالي. ورغم أن الحلفاء أرسلوا إمدادات طبية للصرب لمواجهة الوباء، إلا أنها فقدت 150 ألف نسمة مع حلول صيف 1915.

وفي أثناء تلك المعارك القاتلة إنغمس كل طرف من أطراف الحرب في مفاوضات مكثفة من أجل توريط دول بلقانية أخرى وجرها لساحة الحرب. وكانت الدولةالعثمانية هي القوة التالية التي دخلت الحرب، وكانت قد عقدت معاهدة تحالف سري مع ألمانيا ضد روسيا في الثاني من أغسطس (1914) قبل يوم واحد من إعلان ألمانيا الحرب على فرنسا، وقبل يومين من دخول بريطانيا الحرب. وكانت المعاهدة من إنجاز إنفر باشا وزير الحرب العثمانية الموالي لألمانيا. ورغم أن الدولة العثمانية لم تكن في حالة حرب إلا أنها ساعدت ألمانيا في جهودها الحربية، فبعد ثمانية أيام من توقيع معاهدة التحالف مع ألمانيا أبحرت سفينتان حربيتان ألمانيتان وهما گوبين Goeben، وبرسولا Breslau في المضايق العثمانية (البوسفور والدردنيل) تحاشيا لإستيلاء أساطيل الحلفاء عليها. وكان هذا الإجراء يعد خرقاً للمواثيق الدولية التي تنص على غلق المضايق أما السفن الحربية عندما تكون الدولة العثمانية في حالة عدم الحرب. لكن الحكومة العثمانية بررت هذا الإجراء بقولها إنها إشتركت السفينيتين رغم أن الضباط والبحارة الألمان ظلوا يقودونهما وهم يرتدون الطرابيش العثمانية. وبعد شهرين من ضغوط ألمانية مكثفة على الدولة العثماينة هاجم الأسطول العثماني ومعه السفينتان الألمانيتان الأسطول الروسي في البحر الأسود. وهكذا أصبحت الدولة العثماينة في صف دول الوسط، وفي نوفمبر(1949) أصبحت في حالة حرب رسمياً ضد الحلفاء.

وكان لدخول الدولةالعثمانية الحرب أثره العميق في تحطيم خطوط المواصلات بين الحلفاء في الغرب وبين روسيا عن طريق المضايق. ونظراً لخطورة هذا الإجراء العثماني فقد أخذت بريطانيا بخطة ونستون تشرشل لإقتحام المضايق بالقوة وضرب العثمانيين، وهي خطة كانت محل جدل كبير ومن ثم كان ترتيب الحملة على الدردنيل وجاليبولي Gallipoli بقصد فتح المضايق. ولقد بدأت الحملة في فبراير 1915 وكان أبرز عملياتها قيام ثمانية عشر سفينة إنجليزية بإقتحام المضايق بالقوة في منتصف مارس. ونظراً لضياع أربعة من تلك السفن في البحر فقد اصدر قائد الحملة أوامره بالإنسحاب فلما بدأ الهجوم كان النجاح حليف العثمانيين. ولم يعد بإمكان القوات الإنجليزية الصمود يوماً آخر أمام قصف المدافع وذلك بسبب نقص المعدات العسكرية.

ورغم فشل حملة الدردنيل واصل الحلفاء خططهم للإستيلاء على شبه جزيرة جاليبولي لإتخاذها قاعدة لحملة كبرى ضد العثمانيين. ورغم أن قوات الحلفاء التي قدمت من نيوزيلندا وإستراليا كانت تحارب بضراوة، إلا أن الجنود العثمانيين كانوا متحصنين جيدأً في المرتفعات المطلة على السهول الوساعة. ورغم أن قوات الحلفاء عجزت عن إقتحام المنطقة الضيقة فقد ظلت قائمة هناك من أبريل 1915 إلى يناير 1916، ثم إضطرت للإنسحاب بسبب الخسائر الشديدة والأمراض وإنخفاض الروح المعنوية بين الجنود.

علىأن دخول العثمانيين الحرب وضعف الصرب وفشل حملة الدردنيل لفت نظر دول الوسط للميزة النسبية التي تتمتع بها في منطقة البلقان وهي ميزة سرعان ما فقدت أهميتها بإنضمام إيطاليا إلى الحلفاء في أبريل 1915. وكانت إيطاليا التي أعلنت وحدتها بعد نضال طويل ما تزال في أعين أبطالها دولة غير كاملة إلا إذا ضمت مناطق البلقان التي يعيش فيها إيطاليون مثلما تفعل دول البلقان الأخرى ذاتها. ولكن الأهم من ذلك مطالبتها بضم جنوب التيرول, وترنتينو Trentino، وإستريا Istria، ودلماشيا وجميعها تحت سيادة النمسا وألبانيا وذلك بدعوى أمنها القومي أو من بابا التفوق الإستراتيجي. ورغم أن إيطاليا كانت عضو في الحلف الثلاثي إلا أنها لم تشترك في الحرب ضد ألمانيا والنمسا لأن الحلف كان دفاعياً على حين أن إجراءات لم تشترك في الحرب ضد ألمانيا والنمسا لأن الحلف كان دفاعياً على حين أن إجراءات النمسا ضد الصرب كانت هجومية. ولهذا وقفت على الحياد وشرعت في الدخول في مساومة مع كلا الطرفين (الوسط والحلفاء). وفي الواقع لم يكن لدى الوسط ما تقدمه لإيطاليا إلا القليل وأقصى ما كان يمكن للنمسا أن تقدمه أم تتنازل فقط عن ترنتينو في مقابل إيطاليا على الحياد. أما الحلفاء فكانوا في وضع أفضل نظرياً فقد كان بإمكانهم تقديم وعد لإيطاليا بمساعدتها في ضم بعض الأراضي التي تتطلع إليها والتابعة للنمسا. لكن إذا حدث وتنازلت النمسا عن دلماشيا وإستريا لإيطاليا فهذا معناه وضع سبعمائة ألف من سلاف الجنوب تحت حكم إيطاليا مما كان يعني إستحالة إيجاد دولة يوجوسلافيا فيما بعد, بل كان من شأنه حرمان الصرب من مخرج لها على الأدرياتي الذي كانت تتطلع إليه منذ زمن طويل. ولهذا كان الحلفاء في مأزق خاصة وأن الحرب كانت قد بدأت ضد الصرب.

والجدير بالذكر أن أهذاف الحرب ضد الصرب التي شملتها المفاوضات مع إيطاليا لم تكن محددة. ففي بداية الحرب كانت حكومة الصرب بقيادة نيقولا باشيك Pasic معنية بمصير صرب البوسنة والهرسك بشكل أساسي، وضمان إيجاد مخرج لها على البحر الإدرياتي، وضم المناطق التي تعتبر أ÷لها صرب عرقياً، ولم تكن متحمسة لوحدة سلاف الجنوب. والأغرب من هذا أن روسيا التي تعتمد الصرب على مساندتها دبلوماسياً لم تكن لها سياسة "يوجوسلافية". ففي 1915 صرح وزير خارجيتها سيرجي سازونوف Serge Sanovo" أنه إذا أصبح من الضروري أن تشترك روسيا في حرب لمدة نصف يوم من أجل تحرير السلوفينيين فإنني لن أوافق على ذلك". وبرغم هذا فقد إضطرت حكومة الصرب للتعامل مع هذه المسألة في خلال العلاقات مع الحلفاء.

وعلى هذا وفور إندلاع الحرب غادر عدد من بلاد سلاڤ الجنوب التي تحت حكم النمسا بينهم آنتى ترومبتش Ante Trumbic, وفرانو سوبيلو Frano Supilo إلى إيطاليا وهناك قاموا بتأسيس "لجنة اليوجوسلاف" للسعي إلى توحيد الصرب والكروات والسلوفينيين في دولة واحدة. وعندما علم أعضاء اللجنة أن مفاوضات بين الحلفاء تجري بشأن قضية السلاف غادروا روما إلى باريس ولندن لقلايم بالضغط اللازمة. وآناذك لم تكن هناك أي دولة ترغب في إلزام نفسها بخطة تستهدف تفكيك إمبراطورية النمسا. ورغم أن حملة الدعاية المكثفة التي قامت بها اللجنة كان لها تأثيرها دون شك على الرأي العام في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإنجلترا، إلا أن نقطة ضعفها الكبيرة كان إخفاقها في التفاهم مبكراً مع الصرب. وطالما أن أحداً من اللجنة لم يتصل بحكومة الصرب فإنها بدورها لم تتعامل مع اللجنة بإعتبارها هيئة تستحق التعامل على قدم المساواة رغم أن اللجنة كانت تتحدث بإسم سلاف الجنوب. وقد ظلت حالة الجفاء قائمة بين اللجنة وحكومة الصرب حتى سقطت الحكومة وإنتقل زعماء اللجنة إلى كورفو Corfu حيث أمكن التوصل إلى إتفاق ما.

وبصرف النظر عما إذا كانت حكومة الصرب قد إختارت طريق إعلان "الصرب الكبرى" أو "يوجوسافيا" فإن مطالب إيطاليا كانت تتناقض بشكل مباشر مع مطالب القومية الصربية، بل إن الحلفاء أنفسهم فيما بينهم حول تلك القضية، فروسيا مثلاً كانت أكثر قرباً لمطالب الصرب عن إنجلترا وفرنسا، فقد كانت مستعدة في أغسطس 1914 لمنح إيطاليا وضعاً سيادياً في البحر الإدرياتي والسيطرة على ترنتينو وتريستا وفلور Vlore في ألبانيا مقابل أن تقدم إيطاليا مساعدة عسكرية لها فوراً، لكن إنجلترا وفرنسا لم تشاركا روسيا هذا الرأي. غير أنه في ربيع 1915 أثبت الموقف العسكري للحلفاء على كل الجبهات الحاجة إلى مساعدة إيطاليا التي أصبحت أمراً ضرورياً وحيوياً. وعند هذا المنعطف كانت روسيا راغبة عن توقيع إتفاق ما يكون على حساب الصرب. لكن سرعان ما تراجعت عن تحفظها عندما أكدت إنجلتر لها أن إستانبول والمضايق سوف تكون لها بعد الحرب.

وفي 28 أبريل 1915 عقد الحلفاء مع إيطاليا معاهدة لندن وتقضي بدخولها الحرب إلى جانبها خلال ثلاثين يوماً مقابل أن تأخذ جنوب التيرول، وترنتينو، وتريستا، وإستريا، ومساحة كبيرة من دلماشيا، وجزيرة سازينو Saseno ذات المقوع الإستراتيجي، وميناء فلور في ألبانيا، فضلاً عن جزر الدوديكانيز Dodecanese في بحر إيجه التي يعيش فيها يونانيون مع وعد بحصولها على نصيب معقول في أية أراضي عثمانية قد تتعرض للتقسيم. وبهذا إكتملت الصفقة وأعطى الحلفاء لإيطاليا كل الأراضي القومية لكل من كرواتيا والصرب وسلوفينيا وألبانيا واليونان في مقابل خدماتها في الحرب كحليفة. وعلى هذا وفي 23 مايو 1915 أعلنت إيطاليا الحرب على النمسا والمجر وإنتظرت خمسة عشر شهراً حتى أغسطس 1916 لتدخل في معركة مع ألبانيا. وكان لهذا الإتفاق عواقب جسيمة في المستقبل بالنسبة لآمال سلاف الجنوب والألبان.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بلغاريا

كانت بلغاريا هي الدولة البلقانية الثانية التي دخلت الحرب وكانت مطالبها تنحصر في الحصول على ما كانت تعتبره نصيباً مشروعاً في مقدونيا يشتمل على مساحات تقع تحت سيطرة الصرب, وأراض أخرى إستولت عليها اليونان وخاصة ميناء قوله. كما كانت تريد إستعادة جزء من جنوب دوبروديا التي إستولت عليها روماينا في 1913. والحقيقة أن بلغاريا كان لديها الكثير مما تقدمه لأطراف الحرب إستراتيجياً نظراً لموقعها بالنسبة للمضايق وللصرب, فإذا إنضمت إلى دول الوسط فسوف يكون لهم جبهة صلبة من ألمانيا حتى الدولة العثمانية في حالة نجاح حملة جاليبولي بطبيعة الحال. وفي القوت نفسه سوف يكون وضع الصرب وضعاً صعباً لأنه يكون بإمكانها مواجهة جبهة أخرى في الجنوب. ومن شان هذه التطورات أن تؤثر على موقف كل من رومانيا واليونان اللتان لم تحددا موقفهما من الحرب آنذاك. أما في حالة إنضمام بلغاريا إلى جانب الحلفاء فسوف ينقلب الموقف برمته إلى العكس ذلك أنها تشكل وضعاً عسكرياً مهما في حملة جاليبولي من حيث الإستيلاء علىالمضايق ومن ثم فتح الطريق لتوصيل الإمدادات إلى روسيا الأمر الذي سوف يجعل دول الوسط تواجه موقفاً خطيراً.

وفي تلك المرحلة من المساومات بشأن إدخال أطراف أخرى للحرب كان وضع الحلفاء هو الأضعف في هذا الجانب, فقد كان عليهم الدخول في مساومة بشأن رغبات الصرب مثلما فعلوا من قبل مع إيطاليا، وكان هذا معناه أنه كان على الصرب أن تتخلى عن المطالبة بضم أراض ليس بينها دلماشيا على سبيل المثال، وإنما تتخلى أيضاً على الصرب قد أمسكت بالغزاة النمساويين أثناء تلك الحروب وأجبرتهم على التقهقر فإنه لم يكن من الممكن التخلي عن إقليم شرق نهر الفردار وكذا منطقة متاخمة لليونان. أما دول الوسط فلم تكن تأبه للحساسيات التي تضعها الصرب في إعتبارها بل لقد كان من الممكن أن يوافقوا على تقسيم الصرب. وهكذا كان معسكرا الحرب: دول الوسط، والحلفاء في وضع صعب فيما يتعلق بإدعاءات بلغاريا ضد اليونان ورومانيا.

ومن ناحية أخرى كانت بلغاريا تحت قيادة الملك فرديناند ورئيس وزرائه فاسيل رادوسلافوفVasil Radoslavov لا تزال تعاني من صدمة حرب البلقان الثانية عندما تحالف جيرانها ضدها,وكذلك من معاهدة بوخارست التي حرمتها من أراض مقدونية تعتبرها بلغارية. ولهذا تعاطف الإثنان مع دول الوسط. وأكثر من هذا فإن علاقات بلغاريا مع روسيا آنذاك كانت باردة ففي مطلع 1914 أبلغ سافينسكي A.A. Savinskii الوزير الروسي ودعمها. وفي لقاء تال نصح سافينسكي الملك قائلاً له "ينبغي ألا تنسى أن لروسيا أهدافها السياسية التي تفوق أهداف الآخرين أهمية، وهو أمر كان محل نظر من جانب البلغاريين. وهكذا أصبح واضحاً أن موقف عام 1878 إنقلب إلى العكس، أي أن روسيا يمكن أن تساعد الصرب وليس بلغاريا، وأن حدود بلغاريا المقررة طبقاً لمعاهدة سان ستيفانو لم تعد تهم روسيا. ورغم هذه الحقيقة إلا أنه بمجرد إندلاع الحرب إجتهد الدبلوماسيون الروس لكسب بلغاريا إلى صف الحلفاء وكانوا على إستعداد لتقديم مزيد من أراضي مقدونيا لبلغاريا أكثر مما كانت الصرب تنوي التنازل عنه.

وبينما كان ملك بلغاريا أكثر ميلاً للوقوف بجانب دول الوسط كانت البلاد في حالة إنقسام بشأن الموقف. ورغم وجود مساندة عالمية لإستيلاء بلغاريا على مقدونيا، إلا أن البلد لم تكن تود الدخول في حرب أخرى، ذلك أن حروب البلقان كلفت بلغريا ثمانية وخمسون ألف قتيل، ومائة ألف جريح فضلاً عن معارضة الإشتراكيين وإتحاد الفلاحين للحرب. لكن ضم مقدونيا كان أملاً مشتركاً بين البلغاريين لم يكن محل معارضة، ولهذا بدا واضحاً أن بلغاريا قد تنضم إلى الحلفاء لتضمن على الأقل الإستيلاء على أراض كانت موضع تنازل منها للغير خلال مساومات أطراف الحرب معها.

على أن بلغاريا أدركت خلال مفاوضتها مع الحلفاء أن العطاءات المقدمة إليها يتوقف منحها على إنتصارهم في الحرب. ولكن في مايو 1915 وعندما تحسن وضع الحلفاء في الحرب بعد دخول إيطاليا إلى جانبهم أبدوا إستعدادهم في ن تأخذ بلغاريا أراض مقدونية جنوب الخط المتفق عليه عام 1912: كريفا-بالانكا-فيليس-أوهريد، بشرط أن تأخذ الصرب البوسنة والهرسك، ومخرج على البحر الإدرياتي. كما وافق الحلفاء أيضاص على أنتمتد الحدود الجنوبية لبلغاريا حتى خط إينوس-ميديا على عبد مسافة مساوية للمشافة بين إستانبول وهذا الخط، وعلى أن يوضع في إلإعتبار مطالبها في كل من قوله ودوبروديا غير أن الصرب ظلت ترفض التنازل عن أراض مقدونية لبلغاريا ولكن عندما إزداد موقفها الحربي سوءً في سبتمبر 1915 أدبت إستعدادها للتنازل عن نصف أراض مقدونيا التي تحت سيطرتها.

على أن التنازلات التي أبدى الحلفاء إستعدادهم لتقديمها لبلغاريا ثمناً لدخولها الحرب إلى جانبهم لم تكن تتكافا مع تلك التي أبدى دول الوسط تقديمها وكانت تتلخص في منح بلغاريا الحدود المقررة بمعاهدة سان ستيفانو, وكل الأراضي شرق نهر موراڤا Morava حتى الدانوب, مما كان يعني تفكيك الصرب. ويضاف إلى ذلك أنه في حالة حصول بلغاريا على دوبروديا وتراقيا بموافقة دول الوسط فهذا يعني إنضمام رومانيا واليونان إلى الحلفاء آلياً. وقد إنتهى هذا الترتيب بتوقيع إتفاق في سبتمبر 1915 بين دول الوسط وبلغاريا، وفي أكتوبر قامت ألمانيا والنمسا بالهجوم على الصرب. وفي 14 أكتوبر وطبقاً لإتفاق سبتمبر 1915 دخلت بلغاريا الحرب وهاجمت الصرب من ناحية الشرق، وأنزل الحلفاء أربعة فرق عسكرية في سالونيك بأمل مساعدة الصرب، لكن فشلت جهودهم في إدخال اليونان الحرب.

عودة إلى صربيا

وهكذا وجدت الصرب نفسها محاصرة بين قويتن غازيتين لكنها حاربت بضراوة وعناء لمدة عام ثم تبين عدم قدرتها على مواصلة الصمود ضد العدوان المشترك حيث تم إجتياح أراضيها في خلا ستة أسابيع,ومات الكثير من جنودها بفعل ضربات العدو أو من البرد أو المرض أثناء إنسحاب الجيش عبر الجبال الوعرة شمال ألبانيا في سكون الشتاء، وتمكن ثلاثون أف مقاتل من الوصول إلى شاطئ الإدراياتي لكن قوات احلفاء تمكنت من إجلائهم في يناير 1916 ونقلتهم إلى جزيرة كورفو. وهناك تكونت حكومة صربية في المنفى بقيادة باشيك وألكسندر الوصي على العرش الذي أخذ مقاليد الأمرو من الملك بيتر في 1914.

والخلاصة أنه في مطلع عام 1916 كانت دول الوسط تسيطر على البقلان بعد إنسحاب قوات الحلفاء من جاليبولي ووصول بقايا جيش الصرب إلى جزيرة كورفو، أي أنها أصبحت تسيطر على كتلة متصلة من الأراضي إبتداء من المانيا وحتى الخليج الفارسي مروراً بوسط أوروبا. ولهذا السبب كان إشراك كل من ورمانيا واليونان في الحرب أمراً له أهميته بالنسبة للمعسكرين المتحاربين نظراً لموقع هاتين الدولتين الإستراتيجي وجيوشهما المعتبرة. غير أن الدولتين وقفتا بعيداً ودون أي إلتزام تجاه أي طرف من أطراف الصراع.

كانت لرومانيا مطالب قويمة في إقليمين كبيرين وهما ترانسلفانيا وبسارابيا وآخر صغيرين وهما بوكوفينا وبانات، عكس بلغاريا التي كان لها مطلباً قومياً في مكان واحد كما رأينا. وكان ثلاثة من تلك الأقاليم تحت حكم النمسا والرابع تحت حكم روسيا. ومن ناحية أخرى كان إحتفاظ كل من المعسكرين بولاء رومانيا له اهميته لأسباب إقتصادية تتمثل في ثروة رومانيا من الزيت والقمح, وأسباب عسكرية تتمثل في جيشها الذي يساعد في الحرب بدرجة أو بأخرى رغم أنه ليس في كفاءة جيش الصرب. ومن المعروف ان علاقات رومانيا الدبلوماسية في الماضي كانت مع النمسا والمانيا بصفة رئيسية حيث عقدت معهما إتفاقية دفاعية عام 1883 تجددت خمس مرات كان أخرها عام 1913, أي أنه عند إندلاع الحرب كانت الإتفاقية قائمة. وعلينا أن نتذكر أن تلك الإتفاقية قد عقدت بسبب مخاوف رومانيا من روسيا ومن جارتيها السلافيتين بلغاريا والصرب. وفي السنوات التي سبقت الحرب مباشرة كانت علاقة رومانيا مع النمسا قد توترت بسبب مسألة ترانسلفانيا وموقف رومانيا في حرب البلقان الثانية، وعندما بدأت المعارك في 1914 ترانسلفانيا وموقف رومانيا في حرب البلقان الثانية. وعندما بدأت المعارك في 1914 وجد شارل ملك رومانيا سليل أسرة الهوهنزوليرن أن إتفاقية 1883 تلزمه بالوقوف إلى جانب ألمانيا. لكنه لم يكن يملك السلطة لكي يمضي في سياسته وفق رغباته إذ كانت اللسطة الحقيقية في يد وزرائه يون براشيانو Ion I.C.Bratianu إبن زعيم الحزب الليبرالي العظيم.

وبينما كان الملك شارل موال لألمانيا كان رئيس وزرائه برشيانو مع الحلفاء وكان يستهدف توحيد كل الرومانيين في دولة واحدة وكان نصفهم تقريباً في عام 1914 يعيشون خارج المملكة. كما كان يسعى للمحافظة على توازن القوى الذي نشأ بين دول البلقان بعد عام 1913 (أي بعد حروب البلقان). ولما كان يعتقد في نجاح هذه الأهداف مهما طال الوقت. فقد عرف بين معاصريه بأنه صاحب فكر سديد، وبينطي الروح يجادل دون جدوى, ويعيش في الأوهام وغير جدير بالثقة. ورغم أنكل تلك الصفات التي خلعت على الرجل قد لا تكون حقيقية، إلا أنه يحسب له تمتعه بقدرة ملحوظة لإستغلال المواقف الدبلوماسية للحصول على مكاسب لبلاده.

وإذا كانت علاقات رومانيا بالنمسا قبل الحرب قد أصبحت باردة كما رأينا فإن علاقاتها مع روسيا كانت في تحسن ذلك أن قضية بسارابيا كانت لا تزال تعمل في صدر الرومانيين في القوت الذي بدأت الأنظار تتجه أكثر نحو مشكلة ترانسلفاينا. وفي يونية 1914 وعشية إغتيال ولي عهد النمسا قام نيقولا الثاني قيصر روسيا بزيارة رسمية ناجحة لرومانيا وعقدت أواصر الصداقة بين براشيانو رئيس وزراء رومانيا وبين وزير خارجية روسيا سازانوف S.D.Sazanov، أي أنه عند إندلاع الحرب كانت العلاقات الروسية-الرومانية ودية، بل إن براشيانو تعلق بخطأ دبلوماسي إرتكبه سازانوف أدى إلى وضع صعوبات في طريق الحلفاء في المستقبل.

وكان هذا "الخطأ" الذي إرتكبه سازانوف تصريحه في 30-31 يوليو بأن روسيا قررت ودون التشاور مع إنجلترا وفرنسا منح ترانسلفانيا لرومانيا في مقابل ضمان حيادها في الحرب.وفي الوقت نفسه أكدت المانيا لرومانيا أنها سوف تحصل على بسارابيا بنفس الشروط أي مقابل الحياد. وكان هذا يعني أن رومانيا إذا ما وقفت على الحياد تجاه المعسكرين فسوف تحصل على ترانسلفانيا حسب وعد روسيا, أو بسارابيا حسب وعد المانيا وفق نتائج الحرب. وعندما وضعت تلك البدائل أمام مجلس الوصاية على العرش في رومانيا في إجتماعه في الثالث من أغسطس أعرب الملك وبيتر كارب Carp الوزير الموالي لألمانيا أن الأمة تربط نفسها بقضية دول الوسط على حين كانوا الآخرون يتفقون مع وجهة نظر براشيانو في إتخاذ موقف الحياد.

على كل حال ففي الشهور التالية عمل براشيانو على إستغلال هفوة سازانوف تلك، فعندما سعت روسيا لإغراء رومانيا بالإنضمام للحلفاء لم تكن تملك وسيلة لتنفيذ هذا الإغراء وكل ما كان في جعبتها أن رومانيا قد تحصل على ترانسلفانيا مقابل الحياد. وعندما إقترح الحلفاء ان تتنازل روسيا عن بسارابيا لم توافق مثلما رفضت النمسا إقتارحات مشابهة قدمتها المانيا فيما يتعلق بترانسلفانيا. وعلى هذا تلقى الحلفاء تأكيداً بحياد رومانيا بمقتضى معاهدة سرية عقدت بينها وبين روسيا في أول اكتوبر 1914 ضمنت لها إمكانية الحصول على كل من ترانسلفانيا وأجزاء من بوكوفينا التي يسكنها رومانيون. وفي مقابل ذلك وافقت رومانيا عل السماح بعبور الإمدادات الروسية عبر أراضيها إلى الصرب وعدم السماح للإمدادات الألمانية بالمرور إلى تركيا. وكان هذا يعني من الناحية القانونية أن رومانيا ليست دولة محايدة, وبدا من ظاهر الأحداث المعسكر الذي إختارت رومانيا الوقوف إلى جانبه.

ثم جرت مفاوضات بين رومانيا والحلفاء خلال الفترة بين توقيعها المعاهدة مع روسيا وبين دخولها الحرب في أغسطس 1916 حول الشروط التي سوف تنضم بمقتضاها إلى الحلفاء، وكان رئيس الحكومة (براشيانو) يركز على الحصول على المقاطعات التي سوف تأخذها رومانيا. أما الحلفاء فكانوا يضغطون على رومانيا لتقديم ويلاحظ أن الشروط المعروضة من الطرفين والمناقشات التي دارت بشأنها أوضحت ما سوف تتمخض عنه الحرب. وعندما كانت الصرب تحارب وظهرها إلى الجدار في خريف 1915 طلبت روسيا من روماناي تقديم مساعدة للصرب التي لا تزال تربط بينهما معاهدة في 1913 ضد بلغاريا. لكن رئيس حكومة رومانيا وقد أدرك أن المانيا إحتلت وارسو، وأن النمسا إستعادت جاليسيا Galicia وبوكوفينا، وأن حملة جاليبولي لا تزال متعثرة، نراه وقبل أن يفكر في إتخاذ أي إجراء يطالب بغزو أنجلو-فرنسي لبلغاريا، وبعملية قوية تجاه جاليبولي بهجوم روسي جديد, وتقديم معدات حربية لبلاده. ويبدو واضحاً أن تلك الشروط التي قدمتها رومانيا كانت تستهدف الحيلولة دون إشتراكها في الحرب، ولكنها إستمرت في بيع الزيت والحبوب لدول الوسط حتى تجعل باب الإنضمام له مفتوحاً. ولكن هذه الإجراءات وجه برلمان لبراشيانو تهمة "الإتصال بطرفين كل منهما من وراء ظهر الآخر، وخداع كل منهما,والكذب هنا وهناك، إنتظاراً لفرصة مناسبة لإنتهازها. ومع هذا فقد ظل الرجل يستمتع بتأييد غالبية البرلمان والملك فرديناند الذي تولى العرش بعد موت تشارل في اكتوبر 1914.

وفي عام 1916 كان موقف الحلفاء في الحرب سيئاً على كل الجهات، ففي الجبهة الغربية كان الموقف متجمداً, وفي الجبهة الشرقية أخذت روسيا تخسر معركة بعد أخرى، وفي البلقان إنضمت بلغاريا لدول الوسط وإنهزمت الصرب وإستسلمت جاليبولي. لكن عندما هجم الروس على بروسيلوف Brusilov في يونية 1916 رأت حكومة رومانيا (برئاسة براشيانو) أن هذا هو الوقت المناسب للدخول في الحرب. وكان الروس في حملتهم على بروسيلوف التي إستمرت ثلاثة أشهر قد تقدموا حوالي مائة ميل وإستولوا على مدن مهمة مثل تشيرونوفيتش Czernowitz وأسروا حوالي نصف مليون واحد. وقد تزامن هذا الهجوم مع هجوم على سوم Somme في الغرب. وهنا إستحوذ على براشيانو (رئيس حكومة رومانيا) الخوف والرعب من أن روسيا قد تستولي على ترانسلفانيا بدون مساعدة بلاده، وأن ترانسلفانيا قد تضيع إلى الأبد، وأنه قد تحدث إتفاقية صلح منفصل تظل ترانسلفانيا بمقتضاها تحت حكم النمسا خاصة وأن روسيا لم تقم بإجراءات تبدد تلك المخاوف التي سيطرت عليه.

ولما كانت روماناي قد تفاوضت مع كل من إنجلترا وفرنسا وإيطاليا ولم تتفاوض مع روسيا, فقد عزم براشيانو على إستخلاص أكبر فائدة ممكنة من مباحثاته مع روسيا اليت إستمرت حوالي شهرين حيث نجح إلى حد كبير في تحقيق ما كان يصبو إليه نظراً لأن الهجوم اروسي كان يواجه مقاومة شديدة يوماً بعد يوم, فضلاً عن أنالحلفاء كانوا في حاجة إلى إسهام رومانيا بشكل فعال, ومن ثم حصل براشيانو على وعد بأخذ ترانسلفانيا وإقليم بانات حتى نهر تشيزا Tisza (ثييس Theiss) عند شيجد Szeged قدر الإمكان على أن يتجه خط الحدود بإتجاه الشمال الشرقي مارا بدبرسين Debrecen حتى نهر سوميس Somes بحيث تضم رومانيا مساحة معتبرة من الأرض التي تمثل شرق المجر حالياً. كما وعدت رومانيا بأن تمتد حدودها إلى إقليم بوكوفينا حتى نهر بروث Pruth وأن يكون لها مكاناً في مؤتمر الصلح الذي يعقد بعد إنتهاء الحرب على قدم المساواة مع الدول الأخرى. ورغم أن المباحثات لم تسفر عن نص يفرض إيجاد تنسيق روسي-روماني في الجهود العسكرية فيما عدا أن تقوم القوات الرومانية بعمليات عسكرية في ترانسلفانيا إذا شاءت، إلا أن رومانيا رحبت بتلك الشروط وفي 26 أغسطس 1916 إشتركت في الحرب إلى جانب الحلفاء.

لكن قرار رومانيا بالإشتارك في الحرب جاء متأخراً جداً ففي ذلك الوقت كان الهجوم اروسي على بروسيلوف قد جاء بعد فوات الأوان لأن المانيا كانت قد نقلت خمسة عشر فرقة عسكرية من الجبهة الغربية وتحول المد عكس الإتجاه، وفي خلال شهر واحد تم إعاقة زحف جيش روماني في ترانسلفانيا بفضل جهود الجنرال إيريش فون فايكنهاين Irich von Faikenhayn تلاه هجوم ألماني-بلغاري بقيادة المارشال أوجست فون مكنسن Machensen على دوبروديا في ديسمبر, وتقهقر الجيش الروماني بل والحكومة الرومانية إلى مولدافيا وإتخذوا من مدينة ياصي عاصمة مؤقتة. وبهذا سيطر معسكر دول الوسط على ثلثي رومانيا بما فيها منابع النفط الرئيسية ومخازن الغلال. وخلا الثمانية عشر شهراً التالية كان الموقف بالنسبة لرومانيا يتدهور من سئ إلى أسوأ بشكل ملحوظ, فمن ناحية أوضح الحلفاء ومعهم الولياات المتحدة الأمريكية بعد دخولها الحرب في مارس 1917 أن تفكيك إمبراطورية النمسا والمجر ليس من أهداف الحرب. وفي الوقت نفسه كانت حكومات البلقان تتفاوض مع لنمسا لتوقيع صلح منفرد, وكان دخول رومانيا في تلك المفاوضات يعني تنصلها من إتفاقها مع الحلفاء الذي دخلت الحرب بموجبه, ومما أضعف موقفها أكثر قيام ثورة فر وسيا في مارس ثم في نوفمبر 1917.

غير أن الهزائم العسكرية المتتالية التي واجهتها رومانيا وتدهور الموقف السياسي العام لغير صالحها دفعها لتوقيع هدنة مع معسكر دول الوسط في ديسمبر 1917 وكان هذا التصرف ضد رأي الحلفاء الذين كانوا يودون أن تنسحب حكومة رومانيا وجيشها إلى جنوب روسيا. وتظروت الأحداث بسرعة ففي فبراير 1918 ترك براشيانو رئاسة الحكومة وخلفه ألكسندر آفريشكو Averescu ، ثم ألكسندر مرغيلومان Marghiloman المعروف بإعجابه بألمانيا والذي تولى منصبه بتوصية من براشيانو حتى إذا ما إنتصر الخلفاء فإن مسئولية إرتباط رومانيا بدول الوسط تقع على عاتق شخص آخر غيره. وبالفعل وفي مايو 1918 قامت الحكومة الرومانية الجديدة بتوقيع معاهدة بوخارست مع دول الوسط وحصلت رومانيا بمقتضاها على بسارابيا, وخصصت دوبروديا وعدداً من المواقع الإستارتيجية في جبال كارباثيا معسكراً لدول الوسط، وحصلت المانيا على حق السيطرة على منابع النفط في رومانيا لمدة تسعين سنة.

أما اليونان فكانت آخر دولة بلقانية تنضم إلى الحرب وكان ذلك في عام 1917 نظراً لأوضاعها الداخلية التي كانت تختلف إختلافاً حاداً عما كانت عليه أوضاع دول البلقان الأخرى. فرغم عدم وجود إتفاق بين الملك والحكومة في تلك الدول على توحيد القوى السياسية فيها إلا أنه هناك إتفاق بين الملك والحكومة في تلك الدول على توحيد المواقف, كما لم تحدث معارضة داخلية تستهدف تعويق تنفيذ السياسة التي قررت إتخاذها أي حكومة من تلك الحكوماتز لكن في اليونان حدث العكس حيث إنقسمت البلاد إلى معسكرين متناقضين أحدهما يقوده الملك قسطنطين, والآخر يقوده رئيس الحكومة فينزيلوس Venizelos وقد إستمر هذا الإنقسام قائماً لمدة ثلاث سنوات وبالتالي لم يكن بإمكان اليونان أن تدخل الحرب سواء مع الحلفاء أم مع معسكر دول الوسط.

كانم البرنامج القومي في اليونان كما سبقت الإشارة يقوم على ما يعرف "بالفكرة العظيمة" التي تدعو لتوحيد كل اليونانيين، وهو ما كان يعني عند البعض إحياء الإمبارطورية البيزنطية والإستيلاء على إستانبول (القسطنطينية). ومن المعروف أنه بحلول عام 1914 (عام الحرب) كانت اليونان تضم كل المناطق التي يسكنها يونانيون بما فيها كريت وأراض في مقدونيا وإيبروس. ولاشك أيضاً أن عدداً من اليونانيين كانوا ما يزالون يعيشون تحت سيادة الدولةالعثمانية في غرب الأناضول, وتحت السيادة الإنجليزية في قبرص, وتحت حكم إيطاليا في جزر الدوديكانيز. ولكن وعند إندلاع الحرب أصبحت اليونان ترى في ضم تراقيا وغرب الأناضول والإستيلاء على إستانبول, وهي أهداف قومية عاجلة, حلماً بعيد المنال، ذلك أن التفاوض في تلك المناطق كانت تتعرقل بسبب عدم التفاهم بين الملك ورئيس الحكومة.

كان ملك اليونان شقيق زوجة إمبراطورة المانيا وكان يخفي في سريرته تعاطفه مع دول السوط وأمله في أن يتحقق لهم النصر. وكان يشاركه في هذه المشاعر كثير من اليونانيين الذين تعلم بعضهم في الجامعات الألمانيةز ولما كان يدرك أن بلاده معرضة لهجمات من أسطول الحلفاء وأنه قد لا يحصل على مساعدة مباشرة من دول الوسط فكان يفضل إتخاذ موقف الحياد في الحرب. أما رئيس الحكومة فنيزيلوس فكان على العكس يؤيد الحلفاء وكان مقتنع بإنتصارهم ويرغب في أن ينضم الجيش اليوناني إلى جيوش الحلفاء معتقداً أن هذه أفضل وسيلة لإستكمال توحيد اليونانيين. ورغم أن الملك لم يكن يوافق رئيس حكومته على هذه الفكرة, إلا أنه لم يكن يستطيع أن يقيله نظراً لقوته وشعبيته, وفي القوت نفسه كان رئيس الحكومة لا يرغب في العمل على عزل الملك عن العرش.

ورغم أن اليونان لم تحدد موقفها من أطراف الحرب, إلا أن مفاوضاتها معهم لم تتوقف طيلة ثلاث سنوات وعندما إندلعت الحرب كانت اليونان ملتزمة عملياً بتحالف 1913 الذي يقضي بمساعدة الصرب ضد أي هجوم عدواني من أي دولة بما في ذلك النمسا. غير ا، اليونان بررت عدم تحركها لمساعدة الصرب بحجة أن الصرب تسببت في الهجوم عليها بإستفزاز خصومها, وعلى هذا أعلنت الحياد, ولم تكن تلك سياسة للملك فقط بل لقد وافقه عليها رئيس الحكومة تحت ضغط الظروف القائمة. وبمجرد دخول الدولة العثمانية الحرب وحدوث ضغط متواصل ومكثف علىالصرب أصبح الحلفاء يرغبون في إلحاح في الحصول على مساعدة اليونان. وفيما بعد وأثناء محاولات الحلفاء الحصول على تأييد بلغاريا طلبوا من اليونان التنازل عن أراض في بحر إيجه في مقابل أن تحصل على أراض غير محددة في ىسيا الصغرى,وكان فينزيلوس يرغب في التخلي عن منطقة دراما-قوله Drama التي تضم ثلاثين ألف يونانياً في مقابل الحصول على إقليم أزمير في الأناضول الذي يسكنه ثمانمائة ألف يونانياً وكان من شأن هذا أن يتحول بحر إيجه إلى "بحيرة يونانية". وكان إشتراط فينزيلوس لدخول بلاده الحرب أن تدخل بلغاريا ورومانيا في وقت واحد جعل الأمر مستحيلاً.

على أن حملة الدردنيل وجاليبولي أدت إلى أزمة وزارية كبيرة داخل الحكومة اليونانية, ذلك أنه أثناء التخطيط للحملتين كان رئيس الحكومة فينزيلوس على إستعداد للإنضمام لهما لكن الملك ورئيس الهيئة العسكرية كانا يرفضان بدعوى أن ذلك سوف يعرض البلاد لهجوم بلغاري, وأن بلاده لن تتنازل عن أي أراض إسترضاء لبلغاريا وعندما رفض رئيس الحكومة تلك الخطة قد إستقالته في مارس 1915 وأجريت إنتخابات جديدة أعادت رئيس الحكومة الشعبي مرة أخرى إلى رئاسة الحكومة. وسرعان ما حدث الصدام بينه وبين الملك مرة أخرى ففي سبتمبر 1915 عندما اخذت بلغاريا تستعد للهجوم علىالصرب طلب الحلفاء من اليونان إحترام تحالف 1913, ووافق فيزيلوس على تحريك القوات المسلحة لكن الملك لم يوافق, وأما رئيس هيئة أركان الحرب فقد فسر معاهدة التحالف بأنه في حالة الدفاع فقط, وكان مقتنع وراض في قرارة نفسه أن المعاهدة تلزم الصرب بوضع مائةوخمسون ألف مقاتل على الجبهة البلغارية وهو شرط مستحيل الوفاء به تحتتلك الظروف القائمة. وعلى هذا وافق الحلفاء على الوفاء بهذا الإلتزام بواسطة قواتهم العسكرية وهو الحل الذي وافق عليه فنيزيلوس والبرلمان. في المدة من 3-5 أكتوبر 1915 أنزلت إنجلترا وفرنسا فرقة عسكرية في تسالونيك على أن يتم تعزيزها بقوات فرنسية ضخمة فيما بعد. وفي الخامس من أكتوبر أعلن الملك تبرؤه من سياسة رئيس حكومته فإستقال الرجل مرة أخرى. وبهذه المواقف أصبح المعسكران السياسيان في اليونان على طرفي نقيض بل وخصمان لدودين.

وعلى هذا أجريت إنتخابات جديدة لم يدخلها الحزب الليبرالي الذي يراسه فينزيلوس وسارع أعوانه بتشكيل "حكومة ظل" لمعارضة الملك وأنصاره. وقد بادرت الحكومة الملكية الجديدة المنتخبة بتحميل الحلفاء المشكلات التي تعاني منها البلاد وإعتبرت تصرفاتهم خرقاً لسيادة الدولة. ثم وقع تحرش بقوات الحلفاء في تسالونيك, ولم تصدر تعليمات بالسماح لقوات الصرب في كورفو بعبور اليونان للإنضمام إلى القوات المعسكرة هناك. وأخيراً وفي مايو 1916 إحتلت القوات الألمانية والبلغارية حصن ريوبيل Rupel الذي يسطير على وادي نهر ستروما Struma دون مواجهة أية عقبات.

وبدا الحلفاء يتحركون ضد ملك اليونان فيما بدا أنه تدخل صارخ وفاضح في شؤون الدولة إذ طلبوا منه في يونيه 1916 حلالبرلمان, وعدم تعبئة الجيش, وتأليف حكومة جديدة. ولم يوافق الملك إلا على تسمية رئيس حكومة جديد. ثم جاءت الأزمة الأخيرة في أكتوبر 1916 عندما قام فنيزيلوس بنقل حكومته الإنفصالية من كريت حيث تألفت في أغسطس إلى تسالونيك, وإعترفت بها إنجلترا في ديسمبر على أساس أنها حكومة اليونان, وظهرت أساطيل الحلفاء في الشهر نفسه قبالة ميناء بيرا وظلت قابعة زهاء ثلاثة أشهر. وأخيراً وفي وينية 1917 ترك قسطنطين العرش لإبنه الثاني ألكسندر دون أي تنازل تنازلاً رسمياً, ومن ثم عاد فنيزيلوس إلى أثينا, وفي ويونية 1917 إنضمت اليونان إلى الحلفاء.

وبينما تلقت إيطاليا ورومانيا وعوداً محددة بما سوف تحصلان عليه مقابل دخولهما الحرب إلى جانب الحلفاء لم تطلب اليونان أية مطالب. ويبدو أنها إعتمدت على النيات الحسنة للحلفاء في السماح لها بالإستيلاء على بعض الأراضي حسبما يتراءى لهم. ولم يقتصر الأمر على هذا الموقف السبلبي من تحديد مطالب معينة, بل إن البلاد ظلت منقسمة إنقساماً مريراً حتى بعد رحيل قسطنطين. ومهما يكن من أمر فإن الجيش اليوناني إنضم إلى جيوش الحلفاء في تسالونيك وإشترك في المعارك الأخيرة في البلقان.

على أن هجوم الحلفاء من تسالونيك لم يحدث إلا في سبتمبر 1918 وآنذاك بدا واضحاً أن الحلفاء سوف يكسبون الحرب, ذلك أن إنسحاب روسيا من الحرب في نوفمبر 1917 بعد ثورة البلاشفة تم تعويضه بدخول الولايات المتحدة من قبل,وفشل الهجوم الأخير لألمانيا على شمالي فرنسا وأخذ الحلفاء زمام المبادرة.وكان جيش الحلفاء في تسالونيك يتكون من 28 فرقة عسكرية تحت قيادة فرنسية منها ثمانية فرق يونانية وستة صربية واجهت قوات ألمانية وبلغارية متنكافأة في القوة. ولكن بينما كان جيش الحلفاء يتمتع بروح عالية كانت القوات البلغارية غير متحمسة للدخول في معارك بل لقد أصبحت الحرب تمثل عبئاً مخيفاً على أهل البلاد, فبالإضافة إلى ما خسرته بلغاريا من رجال في حروب البقلان التي سبقت الحرب العالميةالأولى قتل من رجالها مئة وواحد ألف, وجرح أكثر من ثلاثمائة ألفاً, وبإختصار فقدت بين عامي 1912-1918 حوالي مائة وستون ألف رجل وأربعمائة ألف جريح من إجمالي سكانها البالغ حوالي خمسة مليون نسمة, فضلاً عن حالة الكساد في المحاصيل الزراعية اليت مرت بها البلاد بل لقد تم بيع الغلال المتوفرة لألمانيا والنمسا مما أثار سخط سكان المدن رغم أن الفلاحين غستفادوا من عملية البيع هذه ولو بشكل مؤقت. ثم ما لبث أن إنتقل السخط الشعبي إلى الجيش الذي كان عليه أ، يدخل في مواجهة للتخلص من الإهمال الذي أصبح يعيش فيه. والخلاصة أن بلغاريا لم تكن مستعدة لمواجهة حالة حرب أخرى.

وفي ضوء تلك الأحوال وفي 29 سبتمبر (1918) وبعد إسبوعين من بداية هجوم الحلفاء إستسلمت بلغاريا على أمل ألا تتعرض لغزو شامل. أما القوات الأمانية والنمساوية فقد إستمرت في القتال حتى أرغمت على التوقف في الشمال, وفي أول نوفمبر إحتل الحلفاء بلجراد وتحررت الصرب من الإحتلال الأجنبي, بل وعبر جيش الصرب الأراضي التابعة للنمسا وإستولى على بلاد سلاف الجنوب في البوسنة والهرسك وفويفودينا, وبذلك أصبحت الصرب تحتل إحتلالاً فعلياً مساحة من الأراضي التي يرغب أنصار فكرة إعلان "دولة يوجوسلافيا" أن تشملها.

وفي تلك الأثناء عادت رومانيا لميدان الحرب مرة أخرى في العاشر من نوفمبر وشرعت في الإستيلاء على الأراضي التي وعدها بها الحلفاء من قبل في 1916, ومما ساععدها على ذلك تحرك موازي من الصرب والتشيك في الشمال, الأمر الذي أدى إلى تفكك الإمبارطورية النمساوية-المجرية ببساطة إلىمكوناتها القومية. ففي 13 نوفمبر أعلنت الجمهورية في النمسا, كما أعلنت دولة المجر المستقلة في 16 نوفمبر (1918). وفي اول ديسمبر 1918 أعلنت ملكيات الصرب والكروات وسولوفينيا بشكل رسمي, وفي اليوم نفسه إجتمعت جمعية من رومانيي ترانسلفانيا في البا ايوليا Alba Iulia وأعلنت إتحادها مع رومانيا. وعلىالغرم من تلك التطورات إلا أن القضية الحاسمة الخاصة بتسوية حدود تلك الدول (الجديدة) وحصولها على الإعتراف الدولي كانت لا تزال معلقة لب لقد أثيرت من جديد مسألة صراع الإدعاءات القومية لكل دولة من تلك الدول حتى بين المنتصرين.

وفي القوت نفسه كانت الدولة العثمانية وهي إمبراطورية أخرى متعددة القوميات تواجه مصير مشابه لمصير الإمبراطورية النمساوية-المجرية. ففي 31 أكتوبر أرغمت الدولة العثمانية على الإستسلام نتيجة للحملة الناجحة التي قامت بها إنجلترا في المشرق العربي. وكانت عملية إخراج العثمانيين من آسيا الصغرى سبباً لصراع مرير بين القوميات كما حدث في أوروبا البلقان, ومن ثم كان لا بد من تشابك التسويات في المناطق النمساوية والعثمانية.

ولكن وقبل أن نتابع مفاوضات الصلح ينبغي أن نعطي فكرة موجزة عن نتائج تورط ألبانيا في الحرب, فبعد رحيل ويليام الفيدي Wied of في 1914 إنهارت حكومتها وأصبحت البلاد ضحية لسياسات جيرانها مرة أخرى, فإسرعت كل من اليونان والصرب والجبل الأسود بإحتلال أجزاء منها, وإحتلت فرنسا وإيطاليا أجزاء أخرى. وعندما سقطت الصرب في 1915 إستولت النمسا على معظم أراضي وسط ألبانيا وشمالها على حين ظلت الأجزاء الجنوبية في يد إيطاليا وفرنسا. وبعد إنسحاب قوات بلغاريا والنمسا من ألبانيا إستولت اليونان والصرب وإيطاليا على المناطق التي لهم فيها إدعاءات. والخلاصة أن ألبانيا كانت الوحيدة من بين دول البلقان التي أصبحت هدفاً سهلاً للمتخاصمين. وعلى هذا فإن مصيرها النهائي وكذا مسالة التصرف في توزيع باقي بلاد البلقان محل الجدل سوف يتقرر على مائدة مفاوضات الصلح.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النتائج

في حين أن الحلفاء أملوا أن إضافة اليونان ورومانيا إلى جانبهم من شأنه أن يزيد من قوتهم ضد القوى الوسطى، في واقع الأمر، فإن كلا من اليونانيين والرومانيين كلفوا الحلفاء تكلفة اضافية، من حيث الرجال والمواد التي كان لا بد مننها من أجل إنقاذهم من التدمير من قبل جيوش البلغارية والألمانية والنمساوية.

الروس قد انزلوا قوات ولوازم اضافية للحفاظ على الجيش الروماني من التدمير تماما. فوفقاً لجون كيگان، فإن رئيس أركان القوات الروسية، الجنرال ألكسييف، كان رافضا للجيش الروماني، وقال انهم سيستفذون الاحتياطي الروسي، بدلا من أن يضيفوا إليه. (جون كيگان، الحرب العالمية الأولى، ص 307). قد ثبت صحة تحليل ألكسييڤ لاحقاً.

حافظ الفرنسيون والبريطانيون ست كتائب على الحدود اليونانية من عام 1916 حتى نهاية عام 1918. في الأصل، ذهب الفرنسيون والبريطانيون إلى اليونان لمساعدة صربيا، ولكن مع فشل فتح صربيا في خريف عام 1915، أصبح استمرار وجودهم أمرا لا طائل منه. منذ ثلاث سنوات تقريبا، هذه الكتائب أنجزت فقط عمليات أدت إلى انخفاض نصف الجيش البلغاري، الذي لم يكن ليذهب بعيدا عن بلغاريا في أي حال.

في الواقع، كيگان يجادل بأن اقامة حكومة ذات ميول وطنية عنيفة مناهضة للأتراك في أثينا، أدي إلى التعبئة اليونانية حول "الفكرة العظيمة"-إحياء الامبراطورية اليونانية في الشرق- والذي عقـّد جهود الحلفاء لإقرار السلام في أوروبا لسنوات بعد انتهاء الحرب. (كيگان، ص. 308).

انظر أيضاً

الهامش

المصادر

  • عاصم الدسوقي (2007). تفكيك اوروپا العثمانية. القاهرة، مصر: دار الثقافة الجديدة. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |coauthors= (help)
  • ويكيبيديا
  • جوتون, الحملة الفرنسية في منطقة البلقان وأهداف الحرب في الحرب العظمى, المراجعة التاريخية الإنجليزية، المجلد. 94، رقم 370 (يناير 1979)، ص 97-113
  • البلقان والتقدم النمساوي