الجيش المصري في عصر محمد علي

Bashi-Bazouk and his Dog.jpg

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تاريخ الجيش

ان الجيش هو الدعامة الاولى التي شاد عليها محمد علي كيان مصر المستقلة، ولولاه لما تكونت الدولة المصرية ولا تحقق استقلالها، وهو الذي كفل هذا الاستقلال وصانه نيفا وستين سنة، فلا غرو ان خصه محمد علي باعظم قسط من عنايته ومضاء عزيمته، وليس في منشات محمد علي ما نال عنايته مثل الجيش المصري، ويكفيك دليلا على مبلغ تلك العناية ان منشاته الاخرى متفرعة منه، والفكرة في تاسيسها او استحداثها انما هي استكمال حاجات الجيش، فهو الاصل وهي التبع. فتقرير محمد علي باشا انشاء مدرسة الطب مثلا يرجع في الاصل الى تخريج الاطباء الذين يحتاج اليهم الجيش، وكذلك دور الصناعة ومصانع الغزل والنسيج، كان غرضه الاول منها توفير حاجات الجيش والجنود من السلاح والذخيرة والكساء، واقتضى اعداد الاماكن اللازمة لاقامة الجنود بناء الثكنات والمعسكرات والمستشفيات، واستلزم تخريج الضباط انشاء المدارس الحربية على اختلاف انواعها، وكذلك المدارس الملكية كان الغرض الاول منها تثقيف التلاميذ لاعدادهم على الاخص لان يكونوا ضباطا ومهندسين، وارسال البعثات الى اوروبا كان الغرض الاول منه توفير العدد الكافي من الضباط ومن الاساتذة والعلماء والمهندسين ممن يتصلون عن بعد او قرب بالاداة الحربية، صحيح ان هذه المنشات وغيرها كان لها اغراض عمرانية اخرى، لكن خدمة الجيش كانت اول ما فكر فيه محمد علي.

AA025Turkish inf.jpg

فالجيش اذن فضلا عن مهمته الاول من الدفاع عن استقلال البلاد كان اداة لتقدم العمران في مصر، فهو من هذه الوجهة من اجل اعمال محمد علي باشا.

وكل ما بذل من الجهود والنفقات في سبيله قد اصاب حقه وموضعه، فلم يكن عبثا ولم يضع سدى، اذ من المحقق انه لولا قوة هذا الجيش لضاع الاستقلال الذي نالته مصر في عهده، ولاستردت تركيا امتيازاتها القديمة في البلاد واتخذتها ولاية تحكمها مباشرة كما تحكم سائر ولايات السلطنة العثمانية، او لاحتلتها انجلترا بجيوشها عندما البت عليها الدول الاوروبية وجردت عليها قواتها البحرية والبرية في سورية وعلى السواحل المصرية ، ولو لم يكن هذا الجيش متاهبا للقتال ذائدا عن الوطن لاستطاعت انجلترا ان ترمي الكنانة بجنودها، ولاحتلتها كما فعلت سنة 1882، حين لم يكن ثمة جيش ولا دفاع، ولا معاقل لحماية الذمار.[1]

الجيش المصري في عصر محمد علي.jpg


مشروع تأسيس الجيش النظامي

اخذ محمد علي باشا يؤسس الجيش المصري النظامي منذ سنة 1820، وكان الجيش قبل ذلك العهد اخلاطا من العناصر المفوطرة على التمرد والفوضى يطلق عليهم لفظة باشبوزق اي الجنود غير النظاميين، ومثل هذا الجيش لم يكن جديرا بالاعتماد عليه في رفع هيبة مصر والدفاع عن كيانها وتوسيع حدودها، لذلك ما فتئ محمد علي منذ تبوا عرش مصر يفكر في انشاء جيش على النظام الجديد.

ولكن الظروف لم تكن تواتيه ، فكان يؤجل انفاذ فكرته الى ان تحين الفرسة المناسبة، وقد لاقى صعوبات كبيرة في تحقيقها، لان الجنود غير النظاميين الذين كان يتالف منهم الجيش القديم كانوا معتادين الفوضى والعصيان، ويكرهون كل نظام.

المحاولة الاولى لتنفيذ المشروع واخفاقها

(سنة 1815)

وقد حاول لاول مرة انفاذ فكرته سنة 1815 بعد عودته من حرب الوهابيين، ولكن هذه المحاولة اخفقت وكادت تودي بمركزه لولا ان عدل عنها وارجاها الى وقت اخر.

ذلك انه لما عاد من الحجاز امر بتدريب فرقة من جنود ابنه اسماعيل باشا على النظام الحديث، وذهب هو لهذا الغرض الى بولاق (اغسطس سنة 1815) واعلن رغبته في ادخال النظام الجديد في صفوفهم، وصارحهم بان من لم يذعن لهذا النظام يعاقب على تمرده، ولما عاد الى شبرا تذمر الجند من هذه الاوامر وارجفوا بها، فانتهز بعض رؤسائهم هذه الفرصة لياتمروابمحمد علي، ويسعوا في خلعه، وكادت تفلح المؤامرة لولا ان القوم افضوا باتفاقهم الى عابدين بك احد رؤساء الارناءود وكان قد عاد من الحجاز مريضا، فتوسم فيه المتامرون الموافقة على مؤامرتهم واجمعوا على ان يهاجموا ممد علي في قصره بالازبكية، فافضى عابدين بك الى محمد علي بهذا السر، فبارح قصره وذهب الى القلعة في منتصف الليل، ودخلها من طريق باب الجبل، وبالرغم من ذلك توافى المتمردون الى ميدان الازبكية وتبادلوا وحرس السراي اطلاق الرصاص، فوقعت فتنة تشبه فتنة الجند سنة 1807، غير انها كانت اوسع مدى واعظم خطرا، فلما لم يجدوا بغيتهم ذهبوا الى ميدان الرميلة.. ومن هناك انحطوا على الاسواق ينهبون ويسلبون (3 أغسطس سنة 1815) ، وقد تذرع محمد علي بالحزم والحكمة في معالجة هذه الفتنة حتى اخمدها، وارجا النظام الجديد في الجيش الى وقت حتى يهيئ له وسائله ويبتغي ذرائعه.


رواية الجبرتي

ذكر الجبرتي نبا محاولة محمد علي ادخال النظام الجديد في الجيش في رواية طويلة نوردها لما فيها من تاييد لما قلناه، وتفصيل لما اجملناه، قال في حوادث 25 شعبان سنة 1230 (3 أغسطس سنة 1815):

"أمر الباشا جميع العساكر بالخروج الى الميدان لعمل التعليم والرماحة خارج باب النصر حيث قبة العزب، فخرجوا من ثلث الليل الاخير، واخذوا في الرماحة، والبندقة المتواصلة ذلك رجعوا داخلية الى المدينة في كبكبة عظيمة، حتى زحموا الطرق بخيولهم من كل ناحية، وداسوا أشخاصا من الناس بخيولهم، بل وحميرا أيضا، واشيع ان الباشا قصده احصاء العسكر وترتيبهم على النظام الجديد واوضاع الافرنج، ويلبسهم الملابس المقطمة، ويغير شكلهم، وركب في ثاني يوم الى بولاق وجمع عساكر ابنه اسماعيل باشا وصفهم على الطريقة المعروفة بالنظام الجديد، وعرفهم قصده، وفعل ذلك بجميع العساكر، ومن ابى ذلك قابله بالضرب والكرد والنفي بعد سلبه حتى ثيابه، ثم ركب من بولاق وذهب الى شبرا، وحصل في العسكر قلقة ولغط، وتناجو فيما بينهم، وتفرق الكثير منهم عن مخاديمهم واكابرهم، ووافقهم على النفور بعض اعيانهم، واتفقوا على غدر الباشا، ثم ان الباشا ركب من قصر شبرا وحضر الى بيت الازبكية ليلة الجمعة ثامن عشرينه، وقد اجتمع عند عابدين باشا بك يداره جماعة من اكابرهم في وليمة وفيهم حجوا بك وعبد الله اغا صاري، وحسن اغا الازرجانلي، فتفاوضوا بينهم في امر الباشا وما هو شارع فيه، واتفقوا على الهجوم على داره بالازبكية في الفجر، ثم ان عابدين بك غافلهم وتركهم في انسهم، وخرج متنكرا مسرعا الى الباشا، واخبره ورجع الى اصحابه، فاسرع الباشا في الحال الى الركوب في سادس ساعة من الليل، وطلب عساكر طاهر باشا فركبوا معه، واحاط المنزل بالعساكر، ثم اخلف الطريق وذهب الى ناحية الناصرية ومرمى الشباب، وصعد الى القلعة، وتبعه من يثق به من العساكر، وانحزم امر المتوافقين، ولم يسعهد الرجوع عن عزيمتهم، فساروا الى بيت الباشا يريدون نهبن، فمانعهم المرابطون وتضاربوا بالرصاص والبنادق وقتل بنيهم اشخاص ولم ينالوا غرضا فساروا الى ناحية القلعة واجتمعوا بالرميلة وقراديمان".

ثم ذكر الجبرتي تفاصيل تمرد الجند وانسيابهم في الاسواق ونهبهم الدكاكين والمتاجر واحداثهم من الشغب والاعتداء على اموال الناس وبضائعهم واخلالهم بالنظام ما جعل سكان العاصمة يضجون من مساوئهم.


موقف محمد علي ازاء الجيش القديم

قلنا ان محمد علي باشا قابل هذه الركة بالحلم والاناة ورجاحة العقل، وقد استغلها لخدمة مشروعه في انشاء جيش على الطراز الحديث قوامه النظام والطاعة، ذلك انه بادر الى اظهار استيائه مما احدثه الجنود المتمردون، وقرر دفع تعويض لجميع التجار الذين نهبت دكاكينهم ، وعهد بتقدير ذلك الى السيد محمد المحروق كبير التجار، ودفعت الحكومة فعلا التعويضات لمن وقع بهم النهب والاعتداء، فلهج الشعب بالثناء على محمد علي باشا وسخطوا على الجنود المتمردين، وكان في هذا العمل اكبر دعاية للنظام الجديد، واخذ الباشا يهيئ الوسائل لادخال ذلك النظام، ولكنه لم يبدا به الا سنة 1820، وهذا يدلك على اناته وبعد نظره، وقد مهد لذلك بتشتيت الجنود غير النظامية واخراجهم من العاصمة حتى لا يكون احتشادهم فيها مدعاة لتمردهم وتجديد الفتن، فوزعهم على الثغور الواقعة على البحر الابيض المتوسط كرشيد ودمياط، وبعض البلاد القائمة على فرعي النيل، ولكيلا يسبق الى قلوبهم انه يقصد تشتيتهم او معاقبتهم امر بان يرافقهم في معسكراتهم الجديدة بعض ابنائه كطوسون باشا واسماعيل باشا، ورؤساء جنده مثل محو بك وغيره، وامر باقامة ثكنات في البلاد التي اعدها لاقامتهم.


رواية الجبرتي

قال الجبرتي في هذا الصدد: "وفي عاشر محرم سنة 1231 – 12 ديسمبر سنة 1815 – رجع الباشا من غيبته من الاسكندرية، واول ما بدا به اخراج العساكر مع كبرائهم الى ناحية بحري وجهة البحيرة والثغور، فنصبوا خيامهم بالبر الغربي والشرق تجاه الرحمانية، واخذوا صحبتهم مدافع وبارودا والات الحرب، واستمر خروجهم في كل يوم، وذلك من مكايده معهم، وابعادهم عن مصر جزاء فعلتهم المتقدمة، فخرجوا ارسالا، واستهل شهر ربيع الاول سنة 1231 وفيه سافر طوسون باشا واخوه اسماعيل باشا الى ناحية رشيد، ونصبوا عرضيهما عند الحماد وناحية ابي منصور، وحسين بك دالي باشا وخلافه مثل حسن اغا ازرجنلي ومحو بك وصاري جله وحجور بك جهة البحيرة ، وكل ذلك توطين وتلبيس للعساكر بكونه اخرج حتى اولاده العزاز للمحافظة، وكذلك الكثير من كبرائهم الى جهة البحر الشرقي ودمياط.

وقال عن بناء الثكنات للجنود الذين شتتهم محمد علي بالاقاليم: "ان الباشا امر ببناء مساكن للعسكر الذين اخرجهم من مصر بالاقاليم يسمونها القشلات بكل جهة من اقاليم الارياف لكن العساكر المقيمين بالنواحي لتضررهم يسمونها القشلات بكل جهة من اقاليم الارياف لكن العساكر المقيمين بالنواحي لتضررهم من الاقامة الطويلة بالخيام في الحر والبرد واحتياج الخيام في كل حين الى تجديد وترقيع وكثير خدمة، وهي جمعة قشلة بكسر القاف وسكون الشيلن، وهي في اللغة التركية المكان الشتوي، لان الشتاء في لغتهم يمسى قش بكسر القاف وسكون الشين، فكتب مراسيم الى النواحي بسائر القرى بالامر لهم بعمل الطوب اللبن ثم حرقه وحمله الى محل البناء، وفروضا على كل بلد وقرية فرضا وعددا معينا فيفرض على القرية مثلا خمسمائة الف لبنة او اكير بحسب كبر القرية وصغرها، فيجمع كاشف الناحية اكثر او اقل، ويلزم بضربها وحرقها ورفعها واجلهم مدة ثلاثين يوما وفرضوا على كل قرية ايضا مقادير من افلاق النخل ومقادير من الجريد ثم فرضوا عليهم ايضا اشخاصا من الرجال لمحل الاشغال والعمائر يستعملونهم في نقل ادوات العمارة في النواحي حتى الاسكندرية وخلافها، ولهم اجرة اعمالهم في كل يوم لكل شخص سبعة انصاف فضة لا غير، ولمن يعمل اللبن اجرة ايضا، ولثمن الافلاق والجريد قدر معلوم لكنه قليل".


البدء في تنفيذ المشروع

(سنة 1829)

عاد محمد علي الى تحقيق مشروعه سنة 1820، فاعتزم فتح مدرسة حربية في اسوان لتخريج ضباط الجيش، وكان من الضروري لادخال النظام الجديد ان يختار ضباطا ومعلمين على بصر باساليب ذلك النظام، ولا مندوحة ان يكونوا من الاوروبيين، لان هذه الاساليب كانت مجهولة في الشرق الى ذلك الحين، وقد وجد محمد علي عضدا كبيرا في ضابط فرنسي عظيم من ضباط الامبراطورية النابليونية وهب نفسه لخدمة مصر وتقدمها، وهو الكولونيل سيف الذي عرف بعد ذلك بسليمان باشا الفرنساوي، فاليه يرجع الفضل الاكبر في معاونة محمد علي ومؤازرته في تاسيس الجيش المصري على النظام الجديد، بحيث صار يضارع ارقى الجيوش الاوروبية. وبرهن في ميادين القتال على انه لا يقل عنها ردية وكفاية .


سليمان باشا الفرنساوي

(سنة 1878-1860)

هو الكولونيل سيف Seves، وهو فرنسي الاصل ولد في ليون سنة 1787، وكان ابوه صاحب مصنع في المدينة، ودخل في مهمة البحرية وحضر واقعة الطرف الاخر ثم انتظم في سلك الجندية البري وقاتل في حروب نابليون وارتقى في المراتب العسكرية حتى بلغ رتبة كولونل (أميرالاي) ، ولما انتهى عهد نابليون قضى على الكولونيل سيف بالخروج من الجندية وانقطع للتجارة والزراعة، ثم طلب الى صديق له وهو الكونت دي سيجور السعي لدى شاه العجم في ان يعهد اليه تنظيم جيشه، فنصحه بالذهاب الى مصر، فجاءها سنة 1819. وقابل محمد علي فاعجب به وعهد اليه تنظيم الجيش المصري على الاساليب الحديثة فكان له الفضل الكبير في الاضطلاع بهذه المهمة كما تراه مفصلا في سياق الكلام، وقد اعتنق الاسلام في مصر واختار لنفسه اسم سليمان فصار يعرف بسليمان بك.


واشترك في حرب المورة ثم في حرب الشام والاناضول كما فصلناه في موضعه وانعم عليه محمد علي سنة 1834 بالباشوية عقب الحرب السورية الاولى فعرف من ذلك الحين بسليمان باشا الفرنساوي، واشترك في الحرب السورية الثانية، وقد عين رئيسا عاما لرجال الجهادية اي للجيش المصري واحتفظ بهذا المنصب في عهد ابراهيم وعباس الى سعيدباشا ، وتوفى في سنة 1860، وهو المقام له تمثال في ميدان سليمان باشا بالقاهرة.


المدرسة الحربية الاولى باسوان

جاء الكولونيل سيف الى مصر كما قدمنا، فلماانس منه محمد علي باشا الكفاءة لتحقيق مشروعه انفذه سنة 1820 الى اسوان لتكوين النواة الاولى من الجيش، وبدا في العمل بان قدم اليه خمسمائة من خاصة مماليكه ليدرهم على ان يكونوا ضباطا في النظام الحديث، وطلب الى بعض رجاله ان يحذوا حذوه ويقدموا من عندهم من المماليك، فاجتمع لدى الكولونيل سيف الف من هؤلاء واولئك اخذ يدربهم مدة ثلاث سنوات على فنون الحرب واسالبيها الحديثة، فصاروا نواة الجيش النظامي اذ تكونت منهم الطائفة الاولى من الضباط. قد اختار محمد علي اسوان لتخريج الطائفة الاولى من ضباط الجيش رجاة ان ينفذ مشروعه بعيدا عن الدسائس والانظار معا، ولكي يتم في رهيبة وسر دون ان يلتفت اليه الناس، فاذا نجح فالنجاح، وان خفق لا يكون لاخفاقه رد فعل يتزعزع مركز محمد علي، وكان من دلائل بعد نظره وفراسته، ومما رغبه ايضا عن القاهرة خشيته ان يكون تعليم التلاميذ على يد ضابط اوروبي مثارا لهياج الخواطر فيها، وخاصة بني الجنود غير النظاميين الذين كانوا ينفرون من كل نظام جديد، ثم ليكون التلاميذ بمنجاة من اساليب اللهو بعيدين عن اماكنه فلا يفسد عليهم الاخلاق الحربية، فاختار لهم كما قلنا مدينة اسوان وانشا بها اربع ثكنات فسيحة لاقامتهم ولتكون مدرسة لهم، وقد عنى محمد علي بامر هذه المردسة وتنظيمها وامدادها بما تحتاجه من الادوات والاساليب، فهي اول مدرسة حربية انشاها لتكوين الجيش المصري النظامي. وقد ذكر المسيو فولابلي وكلوت بك ان الكولونيل سيف لقى صعوبات كبيرة في تدريب اولئك الشبان على الاساليب الحديثة، لان قوام هذه الاساليب النظام والطاعة المطلقة للرؤساء، والمماليك اعتادوا الصخب والضوضاء والاخلال بالنظام، ولم يالفوا من الحركات العسكرية سوى الكر والفر، فكان النظام والسكون اللذان لا مندوحة عنهما اثناء المناورات والتمرينات العسكرية مما لا يروق لهم، اضف الى ذلك انهم لم يعتادوا ان يتعلموا فنون الحرب على ضباط اوروبيين (مسيحيين)، فجاشت نفوسهم بفكرة التمرد والعصيان، ودبروا المؤامرات للفتك بالكولونيل سيف على مثال مؤامرات المماليك لاغتيال بكواتهم القدماء، فبينما كان ذات يوم يمرن اولئك الشبان على ضرب النار اذا باحدهم قد رماه برصاصة كادت ترديه، لولا انها انحرفت ومرت بجانب اذنه، وسمع صفيرها، فلم يتزعزع ولم يفقد شيئا من شجاعته ورباطة جأشها، بل استمر في عمله وامر التلاميذ باطلاق النار كرة جديدة.

وحدث مرة اخرى ان نزع تلاميذه الى العصيان وتهددوه بالقتل، فطلب اليهم ان يبارزوه متعاقبين واحدا تلو الاخر حتى لا يدنسوا انفسهم بالخيانة والغيلة، فكان لهذه الشجاعة والبطولة وسعة الصدر تاثير سحري في نفوس اولئك الفتيان الذين مهما يكن ما اتصفوا به من الغدر فانهم يقدرون الشجاعة حق قدرها، فبعد ان كانوا ناقمين عليهم صاروا من خاصة اوليائه يحيطونه باعجابهم واجلالهم، فتمكن الكولونيل سيف من اتمام تعليمهم في مدى ثلاث سنوات.

واستمر على هذا النحو الى ان تكونت من تلاميذه الهيئات الاولى من الضباط. وقد كان ابراهيم باشا يصحب احيانا الكولونيل سيف في اسوان، وكان لوجوده تاثير كبير في حمل الشبان على الطاعة واتباع النظام الجديد.

يؤخذ من البيانات المتقدمة ان اول مدرسة حربية للجيش النظامي هي مدرسة اسوانن وقد ذكر العلامة على باشا مبارك ضمن كلامه عن مدينة اسوان ما يلي: "وعلى نحو ثلثي ساعة من جهتها البحرية قصر وبستان من انشاء محمد بك لاظ أوغلي سنة 1238 هـ مدة اقامته بها من العساكر الجهادية الذين جعل العزيز محمد علي عليهم سليمان باشا الفرنساوي لتعليمهم القوانين الافرنجية العسكرية، وكان يقرب ذلك البستان قشلاق لاقامة ضباط العساكر، ثم جعل مكتبا للتلامذة على طرف الميري".

فالقشلاق الذي ذكره على باشا مبارك هو المدرسة الحربية باسوان التي تكونت فيها نواة الجيش النظامي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التجنيد

وبعد ان توفر العدد الكافي من الضباط اخذ محمد علي يفكر في حشد الجنود وتنظيم صفوفهم، وهنا نشات صعوبة جديدة، وهي طريقة اختيار الجنود ومن اي الطبقات يحشدهم.

لم يشا في المبدأ ان يجند الاتراك ولا الارناءود في النظام الجديد، لما فطروا عليه من حب الشغب والنفور من النظام، والرغبة عن الطاعة، فاعرض عنهم، ولم يشا ايضا ان يفاجئ المصريين بتجنيدهم حتى لا يثير الهياج في البلاد لانهم لم يعتادوا التجنيد من عهد المماليك، فخشى اذا هو عجل بحشدهم ان يعدوا ذلك عبثا جديدا يثقل كاهلهم فوق اعباء الضرائب والاتاوات التي كانوا ينوءون بها، وخشى من جهة اخرى ان يؤدي تجنيدهم الى حرمان مصر من قيامهم على الزراعة فتسوء حالة البلاد الاقتصادية وتزداد ضنكا على ضنك، ففكر اولا في تجنيد السودانيين من سكان كردفان وسنار، وقد تقدم القوم بان من بواعث فتح السودان تجنيد اهله من السودايين يجمعان له ما وسعها الجمع، فجاءه منهم نحو عشرين الفا وانفذهم الى بني عدي حيث بدئ في تدريبهم هناك على النظام الحديث على يد الضباط المماليك الذين تخرجوا من مدرسة اسوان، واعدت الحكومة لاقامتهم وتدريبهم الثكنات الكافية والمؤن والمستشفيات والاسلحة والملابس، وبذلك محمد علي في هذا السبيل كل ما اوتي من قوة العزيمة والقدرة على التنظيم.

وقد اشار على باشا مبارك الى هذه الثكنات في كلامه عن بدي عدي بقوله: "وبها اثر قصر كان بناه محمد لاظ اوغلي مدة اقامته هناك بالعساكر بعد قيامهم من ناحية اسوان، فلابد ان يكون هذا القصر الذي بقى اثره الى حين تاليف الخطط التوفيقية (1305 هـ 0 1887) احد المباني التي اقيمت في بني عدي حينما شرع محمد علي في اتخاذها مكانا لتدريب الجنود على النظام الحديث، ومحمد لاظ اوغلي الذي يذكره علي باشا مبارك هو كتخدا (وكيل ) محمد علي باشا، فهو اذن قد اقام هذا القصر بامر من مولاه.

على ان تجربة تجنيد السودانيين لم تصادف النجاح المرغوب ، فان معظمهم وقع فيهم الموتان لعدم موافقة جو مصر لمزاجهم وصحتهم، ولانهم لم يطيقوا اعباء الخدمة العسكرية، فاخذ محمد علي يفكر في الالتجاء الى تجنيد المصريين، وانشا ثكنات لتمرين المجندين منهم في فرشوط عدا ما انشاه في اسوان وبني عدي.

وفي يناير سنة 1834 تالفت الاورط الست الاولى من الجيش النظامي، وجعل المماليك الذين تخرجوا من مدرسة اسوان ضباطا، ومضت سنة 1823 ثم الاشهر التالية الى يونيه سنة 1824 في اتقان تدريب تلك الاورط، فاغتبط محمد علي بهذه النتيجة الاولى، واراد ان يشهد بنفسه مبلغ نجاح مشروعه فامر بنزول الاورط النظامية الى القاهرة وعرضها في الخانكة وكانوا عدة الاف من المشاة البيادة شاكي السلاح كاملي العدة قاموا بمناورات حربية اثبتوا فيها دربتهم وحسن نظامهم، فاجب بهم محمد علي واغتبط بنجاح مسعاه، وانشا معسكرا عاما للجيش في الخانكة كان يحتوي دواما من 20 الى 25 الفا من الجنود النظاميين، وصارت الخانكة وابو زغبل مباءة للتعليم العسكري وما اليه، ففي ابي زعبل انشئ المستشفى العسكري الاول، ثم مدرسة الطب، وانشئت المدرسة الحربية للمشاة ومدرسة اركان الحرب في الخانكة.

وعتزم تجربة جنوده النظاميين في ميادين القتال، فانفذ الاورطة الاولى الى الحجاز حيث كانت الثورات لا تخمد جذوتها، والثانية الى السودان، والاربع الاخرى الى بلاد الموره لمحاربة اليونانيين تحت قيادة ابنه ابراهيم باشا.

ومن الحق ان نعترف ان محمد علي لاقى صعوبات في تجنيد الاهلين، وحديث بسبب تذمرهم من التجنيد فتن تغلب عليها بالحزم والحكمة، ففي سنة 1824 (1240 هجرية) جاء القصير مغربي يسمى احمد فتن ادريس قادما من الحجاز فوقعت مشادة بنيه وبين عمال الجمارك على مكوس فرضوها على امتعته، فسار الى قنا ثم الى اسنا، وحرض الاهالي هناك على الفتنة وكانوا مستعدين للهياج لتذمرهم من التجنيد، وانضمت اليه الجموع الصاخبة وسار بهم الى فرشوط ، وكانت تستفحل الفتنة لولا ان الحكومة جردت عليهم القوات الكافية فشتت جموعهم وطاردتهم الى الجهات الصحراوية.

وترجع المصاعب في تجنيد الاهالي الى انهم كما قدمنا لم يالفوا الخدمة العسكرية ولم يكونوا مكلفين بها في عهد المماليك، وهذا نقص كبير في اخلاق الشعب الحربية، فانه ما من امة تنزع الى الاستقلال وتقدس الحرية الا وتجعل الخدمة العسكرية فرضا حتما على ابنائها في طبقاتهم كافة، فلما شرع محمد علي في تجنيد المصريين قابل الفلاحون هذا المشروع بالنفور والسخط، ولم ينتظموا في صفوف الجندية الا مكرهين، فكانت الحكومة تقبض على المجندين وتسوقهم قسرا الى المعسكرات، ومن الاسف انه ما زالت كراهية التجنيد باقية في نفوس معظم طبقات الشعب الى عصرنا هذا (1930) ، فالمتعلمون يكرهون التجنيد ويفرون منه، والسواد الاعظم من الامة يتحاماه ويمقته، وكل من يطلب للتجنيد يود ان يفتدى نفسه بما يستطيع من المال، ولا يمكن تدارك هذا النقص الا اذا تقدمت الطبقات المتعلمة واعطت المثال للطبقات الاخرى في احترام الجندية فلا يحمل بنا ان نلوم الفلاحين على نفورهم منه، لانهم اذ يرون المتعلمين يترفون عن الخدمة العسكرية فلهم العذر ان يتوهموا انها سخرة تبتلى بها الطبقات الفقيرة، وهذا الوهب يفسد الروح القومية والحربية في طبقات الشعب.

ولا يغيبن عنك ان نجاح تجربة تجنيد المصريين في عهد محمد علي وما برهن عليه الجيش من الكفاية والنظام يدل على مبلغ استعداد الامة المصرية لان تكون امة حربية، ويكفيك ان اخلاط السلطنة العثمانية، وكيف استعصى على محمد علي ان ينشئ من تلك العناصر جيشا نظاميا، وكيف انقاد له ذلك حينما عتمد على المصريين دون سواهم، فالف منهم الجيش الذي تردد ذكره في الخافقين لما ناله من الانتصارات الباهرة في ميادين القتال.

وجد اذن محمد علي صعوبة كبيرة في تطبيع المصريين على نظام التجنيد، على انه وفق في مسعاه بفضل المثابرة وقوة العزيمة، لان الفلاحين بعد ان كانوا متهيبين من التجنيد راوا الحياة العسكرية ارفة واحسن حالا من معيشتهم في القرى طعاما ولباسا ومظهرا، فاخذوا يالفونها ويعتزون بها.

قال المسيو مورييه في هذا الصدد: "لما انتظم الفلاحون في صفوف الجيش النظامي الفوا بسرعة حياتهم الجديدة، وبعد ان كانوا معتادين الذل والمسكنة في قراهم استشعروا تحت راية الجيش بكرامتهم الانسانية، واخذوا يفخرون بانهم جنود محمد علي ويقابلون غطرسة الترك بمثلها، ولم يقبلوا ان يسموا فلاحين وعدوها تصغيرا لشانهم لان هذه التسمية كانت تشعر وقتئذ بشي من المهانة، ونالوا من الحكومة امرا لا ينبزهم احد بكلمة فلاحين".

ولما اتسعت دائرة التجنيد استدعى محمد علي من فرنسا طائفة من كبار الضباط ليعاونوه على تنظيم الجيش المصري، فتكونت طائفة الضباط المصريين على يد المعلمين الاوروبيين، وارسل طائفة من الشبان الى اوروبا لاتمام دروسهم الحربية هناك، فعادوا الى مصر بعد ان حذقوا العلوم والفنون العسكرية، وحلوا في المدارس الحربية محل المعلمين الاجانب، واذا تاملت في البعثات التي اوفدها محمد علي الى اوروبا وجدت معظم افرادها قد تخصصوا للفنون الحربية وما اليها من الهندسة والرياضيات.

المدارس الحربية

مدرسة أسوان

قلنا ان مدرسة اسوان هي اول مدرسة حربية اسسها محمد علي باشا على النظام الحديث، وقد اسست مدرسة حربية اخرى في فرشوط، ومثلها في النخيلة واخرى في ابار (جرجا).

مدرسة قصر العيني

وانشئت سنة 1825 مدرسة اعدادية للتعليم الحربي بقصر العيني، كانت تعرف بالمدرسة التجهيزية الحربية، وعدد طلبتها نحو 500 تلميذ يعدون لدخول المدارس الحربية والمدرسة البحرية ثم للمدارس العالية الاخرى، ونقلت الى ابي زعبل بعد ان خصص قصر العيني لمدرسة الطب، وقد زارها المارشال مارمون سنة 1834، فالفى بها من التلاميذ 1200 تلميذ.

ويقول المسيو مانجان ان بهذه المدرسة مكتبة كانت تحوي سنة 1837 15000 مجلد.

مدرسة المشاة بالخانكة ثم دمياط ثم بأبي زعبل

وجه محمد علي عنايته لتنظيم فرق المشاة (البيادة) في الجيش المصري، وانشا لتخريج ضباط هذه الفرق مدرسة حربية في الخانكة على احدث نظام، بلغ تلاميذها 400 تلميذ قسموا الى ثلاثة بلوكات، يتعلمون فيها التمرينات والادارة الحربية، واللغات العربية والتركية والفارسية، ثم نقلت المدرسة الى دمياط سنة 1834 وكان ناظرها ضابطا من مقاطعة البيمونت بايطاليا واسمه المسيو بولونيني كان من ضباط الامبراطورية النابليونية فاستخدمه محمد علي ورقاه الى رتبة قائمقام، ثم نقلت المدرسة الى ابي زعبل سنة 1841.

مدرسة الفرسان بالجيزة

ذكر كلوت بك في كتابه ان تشكيل فرق الفرسان في الجيش المصري لم يبدا بحسب النظام الجديد الا بعد عودة الجيش من حرب المورة، ذلك ان ابراهيم باشا قد شاهد في خلال هذه الحرب حسن نظام الخيالة الفرنسيين فادرك اهمية تنظيم الفرسان. وعلى اثر عودته الى مصر شرع في تشكيل فرق الخيالة على النظام الاوروبي واستعدى لهذا الغرض عددا من المعلمين الاوروبنيين.

انشئت المدرسة الحربية للفرسان بالجيزة في قصر مراد بك فحول الى ثكنة جميلة للفرسان، وتولى تنظيم المدرسة المسيو فاران من ضباط الامبراطورية النابليونية ياور المارشال جوفيون سانسير، وتلاميذها من الشبان يتعلمون مناورات الفرسان وحركات المشاة ويلبسون اكسية تطابق ملابس الفرسان الفرنسيين ما عدا القبعة، ويتولى التدريس في هذه المدرسة ضباط لقيادتهم ومدرسون يدرسون لهم اللغتين العربية والتركية.

وكانت المدرسة تتبع نظام مدرسة سومور الحربية بفرنسا الا بعض تعديلات طفيفة استلزمتها الظروف المحلية، وفيها اساتذة لتعليم اللغة الفرنسية والرسم والمبارزة وترويض الخيل، وفيها رئيس للادارة الحربية، ويتعلم فيها الطلبة فوق ما تقدم استعمال النفير وسائر ضروب الموسيقى المستعملة في فرق الفرسان، وطلبتها خليط من الشبان المصريين والترك يتخرجون منها ضباطا لفرق الفرسان، وكان لهذه المدرسة ناظر يقوم على النظام فيها، وله توقيع الجزاءات على من يستحقون العقاب من مرؤوسيه ، وتوزيع الاغذية والعلف، ويتصل بناظر الحربية ويتبع اوامره.

وقد زار المارشال مارمون هذه المدرسة سنة 1834، وكان بها اذ ذاك 360 تلميذا فاعجب بها وكتب عنها في رحلته مايلي:

"عندما شاهدت هؤلاء الطلبة في الميدان يقومون بالمناورات خيل لي اني امام طابور من ارقى الايات الخيالة عندنا. ولئن كان ينقص المدرسة لتصل الى درجة الكمال بعض دروس في اللغة والرسم وغير ذلك ولكن مما لا نزاع فيه انها من جهة تنظيم فرق الفرسان لا ينقصها شئ، فالطلبة يجيدون ركوب الخيل، والمناورات التي يقومون بها تجري بخفة ودقة واحكان، ونظامهم وهندامهم على احسن ما يكون، والروح المعنوية فيهم على ما يرام، فهم جنود بكل معاني الكلمة، وحملة الابواق يؤدون عملهم باتقان".

مدرسة المدفعية بطره

شكلت المدفعية النظامية في الوقت الذي نظمت فيه المشاة على الطراز الحديث، وتولى تنظيمها جماعة من الضباط الفرنسيين، وعاونهم في العمل ضباط من المصريين وفي مقدمتهم الضابط القدير ادهم بك (باشا) الذي اسس ترسانة القلعة وتولى ادارة المهمات الحربية ثم رئاسة ديوان المدارس (وزارة المعارف العمومية).

وانشئت في طرة مدرسة حربية للطوبجية (المدفعية) تولى ادارتها ضابط اسباني يدعى الكولونيل (الميرالاي) الدون انطونيو دي سيجرا، وهو الذي عرض على محمد علي انشاءها لتخريج ضباط المدفعية للجيش المصري، وعرض مشروعه ايضا على ابراهيم باشا قائد الجيش العام فنال تاييده، ومن ثم انشئت المدرسة على الوضع الذي اقترحه الميرالاي سيجيرا، وقد ذكر العلامة علي باشا مبارك هذه المدرسة في كلامه عن طره فقال: "وكان بطره مدرسة الطوبجية وهي مدرسة جليلة من انشاءات العزيز محمد علي تربى بها جملة من الامراء برعوا في فنون الطوبجية"، ثم نقل ما كتبه الدوق دي راجوز (المارشال مارمون) عنها مما سنذكره في موضعه.

وقد اختير لهذه المدرسة من التلاميذ ثلثمائة من خريجي مدرسة قصر العيني الاعدادية اخذوا يتلقون فيها الدروس الحربية، واللغتين العربية والتركية والحساب والجبر والهندسة والميكانيكا والرسم والاستحكامات، ويتمرنون على المرمى بالمدافع على يد معلمين حربيين، وكان الكولونيل سيجيرا نفسه يعلمهم دروس الرياضة والرسم، وقد تقدموا في علومهم وبرهنوا على كفايتهم في الحرب السورية، وتبارت المدفعية الثقيلة والمدفعية الخفيفة في النشاط والجدارة، قال مانجان: وضباط المدفعية المتخرجون من هذه المدرسة متعلمون مثقفون.

ولم يغرب عن بال محمد علي باشا اهمية هذه المدرسة فاراد ان يرى بنفسه سير التعليم فيها فزارها واختبر شئونها فابدى ارتياحه وسروره من اساتذتها وتلاميذها ومعداتها، وكافا الكولونيل سيجيرا بالانعام عليه برتبة البكوية مع لقب لواء، والحق بالمدرسة اورطة للمدفعية المشاة واورطة اخرى للمدفعية الركبان، وانشئ لها ميدان لضرب النار للجنود والتلاميذ، وضع به اربع وعشرون بطارية من المدافع للتمرين عليها.

وكان للمدرسة مستشفى خاص يديره طبيب يساعده صيدلي لمعالجة المرضى.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مدرسة أركان الحرب بالخانكه

انشئت هذه المدرسة بالخانكة بناء على اقتراح عثمان نور الدين باشا بالقرب من المعسكر العام للجيش.

وقد ذكرها المسيو دور في كتابه عن التعليم العام بمصر وكلوت بك، ولم يذكروا تفصيلات عنها، ويسميها رفاعة بك رافع مكتب الرجال بالخانقاه.

مدرسة الموسيقى العسكرية

قرر محمد علي تنظيم الجيش المصري على مثال الجيوش الاوروبية من كل وجه، فامر باعداد طائفة من الموسيقيين لكل الاي، واحضر من اوروبا ما يلزم الجيش من الات الموسيقى، وكذلك احضر المدرسين الاوروبيين لتعليم المصريين الموسيقى الافرنجية الحربية، فانشا في الخانكه معهدا لتعليم الموسيقى يسع 130 تلميذا تولى التدريس فيه اربعة من الموسيقيين الفنيين، وعين المسيو كاريه مديرا له، وكانت تدرس فيه ايضا اللغة العربية على يد اساتذة مصريين.

وقد ابدى التلاميذ المصريون اتقانا وبراعة ونبوغا في فنون الموسيقى شهد بها الافرنج، قال المسيو مانجان في هذا الصدد: "ان اولئك الشبان الفلاحين قد ابدوا من السهولة في توقيع الالحان الصعبة من النوتات ما ادهش العازفين بالفن وخاصة الافرنج الذين اجتذبتهم الى وادي النيل شهرة محمد علي".

وهذه المدرسة كانت تخرج الموسيقيين الذين يحتاج اليهم الجيش المصري ولكن الدكتور كلوت بك لاحظ في كتابه ان برنامج المدرسة قام على قاعدة خاطئة، ذلك ان تضمن نقل الموسيقى الاوروبية بنغماتها واناشيدها الاوروبية الى نغمة شرقية لا تتعود الالحان الاوروبية، فلم تؤثر في نفوس التلاميذ التاثير الفني المطلوب ولم تتحرك لها قلوبهم، وان الواجب كان يقضي باحضار فنانين عارفين بالموسيقى العربية ليؤلفوا منها ومن الالحان الاوروبية موسيقى خاصة تتاثر لها نفوس المصريين، ويقول ان الحكومة في عهد محمد علي قد الغت معهد الموسيقى بالخانكة مع انه خرج عددا لا باس به من الموسيقيين القادرين واستعاضوا عنه بان جعلوا لكل الاي من الجيش معلما اوروبيا، ولكن لم يكن من الميسور لمعلم واحد ان يضطلع بهذه المهمة ولذلك لم تصل الموسيقى الحربية في مصر الى مجارة الموسيقى الاوروبية.

المدرسة الحربية بالاسكندرية

تكلمنا عنها في الفصل الحادي عشر.

مصانع الاسلحة والمدافع بالقلعة

راى محمد علي بثاقب نظره ان انشاء جيش يحمي الدمار امرا لا قوام له الا بان يجد كفايته من السلاح والذخيرة والمدافع في داخل البلاد، اذ الاعتماد على جلب السلاح من الخارج يعرض قوة الدفاع الوطني للخطر ويجعل الجيش والبلاد تحت رحمة الدول الاجنبية، لذلك بذل جهده في انشاء مصانع الاسلحة في مصر، فاسس قائد المدفعية ادهم بك ترسانة القلعة لصنع الاسلحة وصب المدافع، وتولى ادارتها.

وقد حدث في القلعة حريق هائل سنة 1824 امتد الى مخزن البارود فخرب معظم الترسانة وتخرب نحو خمسين منزلا من المنازل المجاورة للقلعة ومات في هذه الكارثة نحو اربعة الاف نفس.

ويقول المسيو مانجان ان ترسانة القلعة لم تكن شيئا مذكورا الى سنة 1827، ولكنها عظمت واتسعت ارجاؤها بمضي الزمن فصارت معاملها تمتد من قصر صلاح الدين الى باب الانكشارية الذي يطل على ميدان الرميلة.

وكان بها 900 من العمال لصنع الاسلحة، ويصنع فيها كل شهر من 600 الى 650 بندقية، تتكلف كل بندقية اثنى عشر قرشا مصريا، ويدفع لرؤساء العمال مرتبات ثابتة، اما العمال الاخرون فتدفع لهم اجور يومية.

وكان بها قسم خاص لصنع زناد البنادق، والسيوف والرماح للفرسان، وحقائب الجنود، وحمائل السيوف، وكل ما يلزم لتسليح الجنود من المشاة والفرسان وحيلة الخيل من اللجم والسروج وما اليها، وفيها مصنع واسع لعمل صناديق البارود ومواسير البنادق، ومصنع آخر لصنع الواح النحاس التي تستخدم لوقاية السفن الحربية.

معمل صب المدافع

وكان اهم مصناع الترسانة واكثرها عملا واولاها باسترعاء النظر معمل صب المدافع. تصنع فيه كل شهر ثلاثة مدافع او اربعة من عيار اربعة وثمانية ارطال، وتصنع فيه احيانا مدافع الهاون ذات الثماني بوصات ومدافع قطرها 24 بوصة.

ولا يقل عمال هذه الترسانة عن 1500 عامل وتستهلك فيها كل شهر كمية عظيمة من الفحم والحديد.

مخازن البارود والقنابل

اما مخازن البارود والقنابل فقد اعد لها محمد علي مكانا خاصة على سفح المقطم.

راي المارشال مارمون في ترسانة القلعة

وقد زار المارشال مارمون ترسانة القلعة سنة 1834 واعجب بنظامها واعمالها، وكتب عنها في رحلته ما يلي: "زرت دار الصناعة وعنيت بها فحصا وتقصيا، فالفيت البنادق التي تصنع فيها بالغة من الجودة مبلغ ما يصنع في معاملنا، وهي تصنع على الطراز الفرنسي، وتتخذ فيها الاحتياطات والوسائل التي نستعملها نحن لضمان جودة الاسلحة، وتتبع النظام نفسه الذي نتبعه نحن في تصريف العمل وتوزيعه والرقابة عليه، وكل ما يصنع فيها يعمل قطعة قطعة، ومعمل القلعة يضارع احسن معامل الاسلحة في فرنسا من حيث الاحكام والجودة والتدبير".

ابراهيم ادهم باشا

تقدم القوم بان ادهم بك (باشا) كان في مقدمة الضباط الاكفاء الذين نهضوا بالمدفعية المصرية، وانه تولى ادارة المهمات الحربية، واسس دار صناعة ترسانة القلعة لصنع الاسلحة وصب المدافع.

وادهم بك هذا هو من خيرة رجال محمد علي ومن اصدق من بذلوا جهودهم في تاسيس الجيش النظامي، وهو ايضا ممن حملوا لواء نهضة التعليم في مصر، فقد تولى ادارة ديوان المدارس (وزارة المعارفة العمومية) عشر سنوات ونيفا.

وقد ذكره العلامة علي باشا مبارك فقال عنه انه: "كان من اشهر رجال الحكومة صادقا في القيام بوظائفه مع الاجتهاد".

وذكر عن ترجمته ما خلاصته ان اصله من الاستانة ثم استوطن مصر في عصر محمد علي باشا حين تاليف الجيش النظامي، فجعله ضابطا في المدفعية، وكان ملما باللغات الفرنسية والعربية والتركية والتشكيلات العسكرية، وتنظيم المهمات، وقد جعله محمد علي ناظرا للمهمات الحربية، فبذلك فيها جهده وحمدت مساعيدن واقام بهذه الوظيفة زمنا ثم ترقى الى رتبة اميرالي ، وكان يتلقى عنه الهندسة جماعة من رجال الحكومة مثل ابراهيم بك رافت وكيل ديوان المدارس، ومصطفى راسم مدرس الهندسة بمدرسة القصر العيني، وحسن افندي الغوري مدرس الهندسة بمدرسة المدفعية بطره.

وقد وشى في حقه احد حساده سنة 1249 هـ واوغر عليه صدور رؤسائه، ففصل عن وظيفته، واقيمت عليه قضية استمرت نحو ثمانية اشهر وظهرت براءته منها، وكان خلال ذلك لا يفتا يؤدي واجبه نحو البلاد ببذل النصح والارشاد الى من يقصدونه من محبي العلم.

قال علي باشا مبارك في هذا الصدد: "وكان المعلمون في الورش يحضرون اليه في منزله ويستفهمون منه عن العمل في البنادق والمدافع ونحو ذلك وهو يفيدهم بجد واجتهاد رغبة منه في خدمة الديار المصرية.

ولما عاد ابراهيم باشا من الحرب السورية سنة 1259 هـ (1834م) اثنى عليه عند محمد علي باشا وذكر نصحه واجتهاده في خدمته فانعم عليه برتبة امير لواء واعيد الى وظيفته، وبعد وفاة مصطفى مختار بك اضيفت اليه شئون المدارس فصار مدير ديوان المدارس (وزير المعارف العمومية) وتولى هذا المنصب نحو عشر سنوات (1839 – 1849).

وفي زمن عباس باشا الاول تولى وزارة المعارفة بضعة اشهر (أكتوبر سنة 1849 – مايو 1850)، ثم نقل الى مديرا للمهمات الحربية وجعل له في نظر اوقاف الحرمين الشريفين، وانعمت عليه الحكومة جزاء خدماته بارض مساحتها 850 فدانا في جهة سيرباي بمديرية الغربية.

وفي زمنسعيد باشا جعل (محافظ مصر) وانعم عليه بالباشوية فصار يعرف بادهم باشا واحيل عليه قلم الهندسة مع المهمات الحربية.

وتولى من جديد في عهد اسماعيل باشا وزارة المعارف العمومية عدة اشهر (يناير - يوليه سنة 1836) ثم اعتزل الخدمة، وكانت وفاته سنة 1869.

قال عنه علي باشا مبارك: "وكان رقيق القلب، رحيما ، كثير الصدقة، يباشر المصالح بنفسه بلا تعاظم ولا تكبر، ويلاطف اصحاب الحاجات حتى يقف على حقيقة شكواهم، ويقوم بنصرة المظلوم، واعتنى بالمدارس واجتهد في اسباب الرغبة فيها، فكان يجل المجدين من التلامذة والمعلمين، ويسعى في ترقيتهم ليجهتد غيرهم، فظهرت النجابة في جميعهم او اكثرهم وحصلوا في وقته تحصيلا جما، ومن انشائه مكتب مدرسة السيدة زينب رضي الله عنها، ومكتب بولاق ومكاتب اخرى، وبالجملة فكان كالوالد لابناء المدارس وله اصلاحات ايضا بالجامع الازهر زمن نظارته على الاوقاف".

وقد التقى به المارشال مارمون خلال زيارته لمصر واعجب به وبكفائته فقال عنه: "انه تعلم اللغة الفرنسية بقوة ارادته على غير استاذ، وانه يتكلمها بلهجة صحيحة، وتبحر في الرياضيات، وفنون المدفعية، وصار في نظري يضارع احسن ضباط المدفعية، وكافا مديري مهماتها، وهو من اقوى من عرفتهم في حسن الادارة، وان اختيار محمد علي لمثل هذا الرجل لمعاونته لدليل على صدق نظره وفراسته وحسن توفيقه في اختيار رجاله".

مصنع البنادق في الحوض المرصود

لم يتكف محمد علي بمصنع البنادق في القلعة،بل انشا في الحوض المرصود حوالي سنة 1831 معملا اخر لصنع البنادق، وكان من قبل معدا للنسيج، وقد تكلم عنه المسيو مانجان فقال ان محمد علي عهد بادارته الى رجل ايطالي من جنوه يسمى المسيو مارنجو، وقد تسمى باسم علي افندي، قال عنه: "وقد اكتسب خبرته يعمله في ترسانة القلعة تحت امرة ادهم بك، وقد اشتغل بجد وعزيمة وتخرج على يديه طائفة من الصناع مهروا في صنع البنادق على اختلاف طرازها".

وبلغ عدد عمال الحوض المرصود حوالي سنة 1837 1200 من بين صناع ورؤساء عمال يصنعون في الشهر نحو 900 بندقية من مختلف الانواع والاشكال، فمنها ما هو للمشاة ومنها ما هو للفرسان وللطوبجية على الطراز المتبع في الجيش الفرنسي ،وكذلك الحال في معامل القلعة.

ومتوسط ما تتكلفه البندقية اربعون قرشا اي بازيد مما تتكلفه البندقية التي تصنع في ترسانه القلعة بثمانية وعشرين قرشا، وقد سال المسيو مانجان عن سبب هذا الفرق، فقيل له ان ذلك راجع الى الفرق في عدد العمال وكمية الفحم والحديد في كلا المصنعين، على انه لم يقنع بهذا السبب.

وكانت تعمل تجربة المدافع في كل اسوبع، وقد لاحظ المسيو مانجان ان الحديد الذي كانت تصب منه المدافع التي شاهدها سنة 1837 من نوع غير جيد، فكانت النتيجة ان يستغني عن خمس عدد المدافع المصنعة لانه لم يحتمل التجربة، قال: واذا كان الحديد من النوع الجيد الواجب استعماله لا تتجاوز الكمية الملغاة منه السدس.

ويقول ان البنادق التي تصنع في معامل القلعة والحوض المرصود كانت صناعتها جيدة، ولا يستطيع الانسان ان يلحظ عيبا في صناعتها الا اذا كان على خبرة بسر الصنعة، والعيوب اتية على الارجح من نوع الحديد لا من عدم مهارة الصناع.

وقد ذكر المارشال مارمون في رحلته انه شاهد مصنعا ثالثا للاسلحة في ضواحي القاهرة وان المصانع الثلاثة تصنع في السنة 36 ألف بندقية عدا الطبنجات والسيوف.

معامل البارود

واقيم معمل البارود في المقياس بطرف جزيرة الروضة، وكان بناؤه فسيحا ومناسبا وبعيدا عن المساكن، وقد تولى ادارته المسيو مارتل الذي كان من قبل مستخدما في معمل البارود بمدينة سان شاماس وتولى العمل تحت ادارته تسعون عاملا موزعا على اقسام المعمل، منهم 18 عاملا كانوا يشتغلون في خلط الكبريت والفحم وملح البارود و21 عاملا يشتغلون في تقليب البارود في الطواحين وعددها عشرة، ولكل طاحون عشرون مدقة، تحركها عشر آلات تديرها البغال ويقودها عشرة رجال، واربعون عاملا يشتغلون في صنع الرش ويصنع منه كل يوم 35 قنطارا.

وكان يصنع البارود بطريقة التبخير، وهذه الطريقة اوفر من طريقة النار.

وقد تعددت معامل البارود في مصر وكانت تسمى (كهرجالات) وهاك اسماءها ومقدار الناتج منها سنة 1833:

المعمل الانتاج (بالقنطار)
معمل القاهرة 9621
البدرشين 1689
الفيوم 1533
أهناس 1250
الطرانة 412
الاجمالي 15784

ملابس الجند ومرتباتهم

وصفت كلوت بك ملابس الجند في عهد محمد علي فقال انها غاية في البساطة، تتالف بالنسبة للجنود من طربوش احمر، وصدار وبنطلون، وهو يشبه السروال الواسع يشد بتكة من الوسط، ويربط على الركبة برباط الساق (القلشين) ويتمنطق الجنود على خواصرهم بحزام، وملابسهم في الشتاء من الجوخ، وفي الصيف من قماش القطن السميك، اما الفرسان ورجال المدفعية والحرس فيلبسون في الشتاء صدارا ازرق اللون، وغيرهم يلبس صدارا احمر، ويرتدي رجال الجيش جميعهم في الصيف الملابس البيضاء، ويحتذون باحذية من الجلد الاحمر (مراكيب).

ولا يختلف رداء الضباط عن رداء العساكر، الا في نوع الجوخ وما يزينه من التطريز، واللون الاحمر يميز الضباط عن سواهم، اما الشارات التي تميز بعضهم عن بعض بحسب مراتبهم، فهي كما يلي:

يحمل الاونباشي شريطا واحدا على الصدر والجاويش شريطين، والباشجاويش ثلاثة، والملازم الاول يحمل على صدره من ناحية اليمن نجمة فضية، واليوزباشي نجمة وهلالا فضيين، والصاغ هلالا من الذهب ونجمة فضية، والبكباشي هلالا نجمة من الذهب، والقائمقام هلالا من الذهب والفضة ونجمة من الماس، والاميرالاي هلالا ونجمة من الماس، وامير اللواء نجمتين في هلال كلها من الماس، والفريق الميرميران ثلاث نجوم في هلال كلها من الماس.

ويقول كلوت بك ايضا ان عطاء (مرتب) الجندي البسيط 15 قرشا في الشهر، ومرتب الانباشي 25 قرشا، والجاويش 30 قرشا، والباشجاويش 40 قرشا، والصول 60 قرشا والملازم الثاني 250 قرشا، والملازم الاول 350 قرشا، واليوزباشي 500 قرش والصاغ 1200 قرش (12 ج)، والبكباشي 2500 قرش (25 ج)، والقائمقام 3000 قرش (3 ج) والاميرالاي 8000 قرش (80 ج) وامير اللواء 11000 قرش (110 ج) والميرميران 12500 قرش (125 ج).

ومرتبات كبار الضباط جسيمة كما ترى مما تقدم، وقد لاحظ كلوت بك ان السبب في ذلك ان محمد علي باشا اراد استمالة الاتراك الى النظام الحديث على اثر ما ابدوه من النفور الشديد منه، فضلا عن ان الرؤساء في الجيش تدعوهم طبيعة مراكزهم الى بسط اليد بالنفقة.

الادارة الحربية

نشا محمد علي نظارة الحربية كانت تعرف بديوان الجهادية، عهد اليه قيادة الجيش وادارة شئونه، وناط بها جميع ما يجلب للجيش من سلاح ومهمات وثياب، وهي التي تجلب من مخازن الحكومة ما يلزمه من الذخائر والمؤن والادوية وما اليها.

وقد نظمت الجيوش المصرية على نمط الجيوش الفرنسية، وكذلك ادارتها الصحية، وبكل اورطة العدد اللازم من الموظفين والادوات لاقامة المستشفيات الخاصة بالاورط.

الروح الحربية

ان تاليف الجيوش النظامية والمران على الحياة العسكرية وخوض غمار كل ذلك مما قوى الروح الحربية في نفوس الشعب.

صحيح ان المصريين لم يعاتدوا الانتظام في سلك الجيش منذ الفتح العثماني، ولكنهم لم يفقدوا الروح الحربية في عهد المماليك، اعتبر ذلك بالمقاومة المستمرة البعيدة المدى التي قام بها المصريون قاطبة في وجه الحملة الفرنسية، مما بسطنا الكلام عنه في الجزئين الاول والثاني من تاريخ الحركة القومية، وهم وان كانوا لم يالفوا الاندماج في سلك الجيوش النظامية ولم يقبلوا على التجنيد الذي رسم محمد علي قواعده طائعين، بل سيقوا اليه مكرهين، الا ان الفلاحين الذين انتظموا في سلك الجيش ما لبثوا كما قلنا ان راوا في حياة الجندية نظاما ارقى من حياتهم الفردية، فاخذوا يالفونه مع الزمن، وقد افادهم الفوائد العظيمة، فلا يغرب عن البال ان تنظيم الجيش كان له اثار بعيدة المدة في حالة البلاد السياسية والاجتماعية، فان تاليف جيش قومي خاض غمار الحروب في ميادين عدة من شانه ان يغرس في النفوس فكرة القومية، اذ هو نفسه جسم هذه الفكرة.

قال المسيو مانجان في هذا الصدد: "ان محمد علي بهدمه الجيش غير النظامي، وتجنيده الفلاحين على النظام الاوروبي قد اكسب شعبه تقدما عظيما، ورد الى مصر قوميتها".

ويقول كادلفين وبارو في كتابها:

"ان العرب (يريد المصريين) من سكان وادي النيل لم يكن لهم منذ الفتح العثماني حق الانتظام في الجيش، ولكن محمد علي قد اعاد اليهم هذا الحق، وهو بتجنيدهم – ولو ان ذلك كان على كره منهم – قد رفع من شانهم وانتشلهم من الوهدة التي نزلوا اليها، وقد استردوا سمعتهم بما اظهروه من الشجاعة في ميادين الحروب التي خاضوها".

ولا شك في ان انضواء الجنود والضباط تحت علم الجيش مما يعودهم حب النظام، والنظام هو من العوامل الرئيسية لارتقاء الامم وتقدمها، فليس ثمة نهضة من غير ان يكون النظام رائدها. وكذلك من خصائص الحياة العسكرية ان تبث الشجاعة في نفوس الامة وتغرس فيها مبدا افتداء الوطن بالنفس والنفيس، ذلك المبدا الذي هو من اقوى دعائم الاستقلال والحرية، فالروح الحربية المصرية قد تجلت تحت راية الجيش النظامي وساعدت على تاليفه، كما ان تكوين الجيش نفسه كان له اثر فعال في نمو تلك الروح وبروزها واكتمالها.

هذا فضلا عما فطر علي المصري من الايمان والقناعة والطاعة، والصبر على المكاره، والاطمئنان الى قضاء الله وقدره، كل هذه الصفات جعلت من الفيالق المصرية النظامية جيوشا ضارعت ارقى الجيوش الاوروبية في الدربة والكفاية والشجاعة، ولقد برهنت على هذه المزايا في ميادين القتال التي خاضت غمارها.

شهادات الثقات للجيش المصري

ويكفيك ان تقرا في هذا الصدد شهادة الثقات لتزداد اعتقالا بصحة هذه الحقائق.

راي سليمان باشا الفرنساوي

فقد شهد البارون (بوالكونت) الجيش المصري في سورية سنة 1833 وقابل الكولونيل سيف (سليمان باشا الفرنساوي) فقال له يصف الجنود المصريين:

"ان العرب (يريد المصريين) هم خير من رايتهم من الجنود، فهم يجمعون بين النشاط والقناعة والجلد على المتاعب مع انشراح النفس وتوطينها على احتمال صنوف الحرمان، وهم بقليل من الخبز يسيرون طول النهار يحدوهم الشد والغناء، ولقد رايتهم في معركة قونية يبقون سبع ساعات متوالية في خط النار محتفظين بشجاعة ورباطة جاش تدعوان الى الاعجاب دون ان تختل صفوفهم اويسري اليهم الملل او يبدو منهم تقصير في واجباتهم وحركاتهم الحربية.

راي كلوت بك

وقال كلوت بك في كتابه:

"ربما يعد المصريون اصلح الامم لان يكونوا من خيرة الجنود، لانهم على الجملة يمتازون بقوة الاجسام وتناسب الاعضاء والقناعة والقدرة على العمل، واحتمال المشاق، ومن اخص مزاياهم العسكرية وصفاتهم الحربية الامتثال للاوامر، والشجاعة، والثبات عند الخطر، والتذرع بالصبر في مقابلة الخطوب والمحن، والاقدام على المخاطر، والاتجاه الى خط النار وتوسط معا مع القتال بلا وجل ولا تردد".

وذكر كلوت بك حوادث عدة تاييدا لتلك الحقيقة، وقال انه يكتفي منها بالحوادث الاتية:

حدث في معركة حمص ان جنديا من الاورطة السابعة من الفرسان يدعى منصور فصلت ذراعه من جسمه بقنبلة، فابى وهو في هذه الحالة التراجع عن ميدان القتال، بل تقدم رجال كتيبته حاملا على العدو باشد الباس واروع البسالة وظل يحارب الى ان مات.

وحدث في معركة قونية ان ترك جميع الجرحى القادرين على حمل السلاح اسرتهم في المستشفى ونفروا الى ميدان القتال ليشاطروا اخوانهم مجد الانتصار او شرف الموت.

وفي تلك المعركة سقط جندي من الاورطة الرابعة من الفرسان عن ظهر جواده مجروحا، فلما شهده امير لوائه احمد المنكلي بك دفع اليه جواده ليرجع به الى الساقة، فابى الجندي قائلا انه يفضل البقاء في ميدان القتال ليشهد اخوانه منتصرين ولو لقى الموت.

وفي احدى المعارك اصيب شاب يحمل النفير من جنود الاورطة الخامسة عشرة بجرح، وراى ان رفاقه في فصيلته قد هزمهم العدو وشتتهم، فعلى الرغم من خطورة جرحه واحتدام نار القتال لم يكف عن النفخ في بوقة باشارة الاستمرار على الحملة ومتابعة الهجوم، ولم يتراجع خطوة واحدة الى الوراء، ولما شاهد زملاؤه الفارون فغله عراهم الخجل من رؤيته وهو فتى صغير يضرب لهم امثال الشجاعة والبطولة فحمى دمهم وتوافي بعضهم الى بعض، ثم كروا الى القتال ليثارون لشرفهم الذي ثلمه العدو لحطة من الزمن.

ثم ذكر كلوت بك حادثة اخرى قال عنها انها من اهم الحوادث واخصها بالذكر، وهي ان سليمان باشا الفرنساوي كان ذات يوم يعرض اورطة وصلت اليه حديثا، فوقع نظره على فتى ضاو نحيل في السادسة عشرة من عمره يدعى الحاج علي، فهم سليمان باشا ان يرده معترضا بانه لا يصلح ان يكون جنديا كفئا، فابى الحاج علي الا ان يبقى في السلاح قائلا لسليمان باشا ان الحكم عليه انما يكون في عمله ومتى سنحت الفرصة تبين الحكم، فلما ضرب الجيش المصري الحصار على عكا خرجت الحامية يوما فاستظهرت على المشاة المصريين وردت جنود الاورطة الثامنة المقاتلة في الجبهة في اعقابها، فتقدمت الاورطة الثالثة من الفرسان التي كان الحاج علي منتظما في سلكها لتعزيز جانب اولئك الجنود، وحملت حملة باهرة صدت فيها المحصورين والجاتهم الى مواقعهم، ولم يكتف الحاج علي ان شاطر رفاقه مجد فوزهم بل انقذ بيده يوزباشيا كان على وشك الوقوع في اسر العدو، ثم انقض على ضابط تركي فاسره، وجاء بالضابطين المصري والتركي الى سليمان باشا وقال له: "أفترى انني جندي لا اصلح لشيء؟".

قال كلوت بك: وكان الاتراك لما يشعرون به من الغطرسة والكبرياء ينظرون بعين الزراية الى المصريين ولا يكترثون بهم ويعتقدون فيهم العجز عن مجاراتهم، ولكن حرب الموره اثبتت لهم بالبرهان القاطع ان ذلك الشعب الحي المنكمش الذي ارهقه الضغط والعسف قدير على استرددا مجده القديم واهل لمنازعتهم فخر النجاح والفوز في القتال، ولقد اثبت لهم فتح الشام وانتصارات حمس وبيلان وقونيه، تفوقهم عليهم باعتبار كونهم افرادا، كما اثبتت كفايتهم باعتبارهم مجموعا اذا وجدوا القيادة الصالحة.

ولكن كلوت بك لاحظ ان المصريين لم يكن لهم نصيب في القيادة، ومع ان اطراهم بوصف كونهم جنودا فانه يقول انهم لم يضطلعوا بالمهام التي اقتضتها مراكز القيادة في الجي. وبرر عمل محمد علي في اقصائهم عن المراتب السامية في الجندية واسنادها الى الاتراك والمماليك، ويقول:

"انهم في المراتب العالية لا يقدرون كرامة مراكزهم الجديدة ووجاهتها، فهم يغايرون العثمانيين والمماليك في الاهلية للقبض على زمام القيادة، وسرعان ما يتحولون الى عاداتهم القديمة بما اضطر محمد علي باشا وابنه ابراهيم على الرغم منها الى الكف عن ترقيتهم وترفيعهم الى المراتب السامية في الجندية، ومن هذا النقص، اسندت الى المماليك والاتراك في الجيش المناصب العليا".

هذا ما قاله كلوت بك ، ولم يذكر لنا تفصيل التجربة التي جربها محمد علي باشا في اسناد المراتب العالية في الجيش للمصريين والتي ظهر فيها عدم اهليتهم، واغلب الظن انه لم يجربها اصلا حتى يقام لهذا الراي وزن، ولو انه عود المصريين تقلد المناصب الرئيسية في الجيش لاضطلعوا بها ولظهرت فيها كفايتهم ومقدرتهم مع الزمن والممارسة، هذا فضلا عن ان راي كلوت بك في هذه المسالة ليس له كبير اعتبار لان المماليك والاتراك قد اندمجوا في الكتلة الوطنية كما سيجئ بيانه.

راي المارشال مارمون

على ان المارشال مارمون يبدي في رحلته رايا يتعارض وراي الدكتور كلوت بك في هذا الصدد، فقد ذكر ان مناصب ضباط الجيش كانت في مدى سنوات عدة تسند الى الترك والمماليك لان محمد علي لم يشا بادئ الامر ان يستسلم للاهلين ويجعل نفسه تحت رحمتهم، ولكن لما رسخت سلطته واطمان الى اخلاص الجيش بدا يسند مناصب الضباط لى العرب فبرهنوا على ذكاء وافر ونشاط كبير، والذين ارتقوا من بينهم الى سلك الضباط صاروا احسن واكفا من الترك، والان – سنة 1834- لم يعد يعترض تقدمهم في المناصب العسكرية اي مانع وانفتح امامهم سبيل المراتب العالية.

وقد شهد المارشال سنة 1834 فيالق الجيش المصري على اختلاف وحداتها واطنب في صفاتها الحربية واعجب بكفاءتها وحسن نظامها، فقال عن المشاة:

"كان لواء المشاة المؤلف من الالاي التاسع والالاي العشرين في طريقه الى السويس للابحار منها الى الحجاز لنجدة الجيش المصري فيه، وعرضت بنفسي هذا اللواء، فقام امامي بمناورات دامت ثلاث ساعات في سهل القبة، فاعجبت به ايما اعجاب، واذا كان عساكره في مقتبل السن وحديثي عهد بالانتظام في صفوفه فقد لاحظت مبلغ تاثير القائد الاعلي للجيش في تشكيله ونظامه، والحق ان العساكر الذين عرضتهم يجمعون الى الدقة والنظام، الدارية بالفنون العسكرية، وقد رايت في قائد اللواء وضباطه دلائل العلم والكفاءة، وشهدت ايضا الالاي السادس من الفرسان ولم يكن مضى على جنوده في الخدمة اكثر من عشر اشهر ومع ذلك رايتهم فيما عدا بعض ملاحظات طفيفة يستحقون كل الثناء".

وقال عن جنود المدفعية الذين يتمرنون في مدرسة المدفعية بطره: "قامت اورطة المدفعية الراكبة امامي بمناورات تدل على المهارة والنشاط والنظام والدقة وكانت مؤلفة من ستة لوكات رجالها على ما يرام من الجمال والتعليم ونظام الحركات العسكرية، كما ان مركبات المدافع متقنة منتظمة رغم كون الجياد التي تجرها صغيرة الجسم شان خيل القطر المصري، ورجال المدفعية مجهزون بما يلزمهم تجهيزا حسنا، اكفا في الرماية، يصيبون الهدف بدقة وسرعة، فالمدفعية المصرية جامعة لشروط الكفاية، تضارع مدفعيات الجيوش الاوربية، واميرلايها رجل كفء ممتلئ نشاطا وغيرة.

اما اورطة المدفعية المشاة فتتالف من 18 بلوكا، وقد قامت بمناوراتها فكانت مدافعها تصيب الهدف باحكام، اما مدافع الهاون فهي اقل ضبطا واحكاما، ولا يسع المشاهد هذه المدفعية الا الاعجاب بالقوة الت يحولت الفلاحين الى جنود على جانب عظيم من الكفاءة".

راي المسيو مريو

وقد احتفظ الجيش المصري بسمعته بعد انقضاء عصر محمد علي وبعد ان تناقص عدده، فقد احسن المسيو مريو الذي جاء مصر في عهد سعيد باشا الشهادة في حقه بقوله: "ان كفاءة الفلاح المصري في فهم النظام الحربي واتباعه وما اشتهر به من الثبات والشجاعة في مواجهة الاعداء كل هذه الميزات قد قامت عليها البينات لا في ميادين القتال بجزيرة العرب وسورية في عصر محمد علي فحسب، بل بحسن دفاع الجيش المصري عن سلستريا في حرب القرم الاخيرة".

القلاع والاستحكامات

عنى محمد علي عناية كبيرة باقامة القلاع والاستحكامات للدفاع عن ثغور البلاد وعاصمتها، فاصلح قلعة صلاح الدين بالقاهرة، وشحنها بالمدافع، وبنى على مقربة منها قلعة اخرى على ذروة المقطم تعرف بقلعة محمد علي وتشرف على الاولى، واصلح قلاع الاسكندرية وانشا غيرها، واستدعى من فرنسا لهذا الغرض مهندسا حربيا في فن الاستحكامات يسمى المسيو جليس وانعم عليه برتبة البكوية فصار يعرف بجليس بك، وعهد اليه اختبار سواحل مصر ووضع مشروع لحصونها واستحكاماتها، وجعله باشمهندس الاستحكامات.

ولكي تعرف مبلغ عناية محمد علي بالدفاع عن مصر نورد هنا احصاء ذكره اسماعيل باشا سرهنك عن كشف قديم من اوراق حسن باشا الاسكندراني مدير ترسانة الاسكندرية، يتضمن عدد قلاع الاسكندرية وابو قير والبرلس ورشيد ودمياط وعدد ما بها من المدافع سنة 1848 اي السنة التي تولى فيها ابراهيم باشا حكم مصر.


حصون الاسكندرية

اسماء الحصون مدافع اهوان جبخانة طابية قايتباي (أو قلعة برج المظفر 110 6 1 الاطلة 57 7 2 الفنار 57 6 2 الفنار الصغيرة 1 1 التراب (وتسمى الهلالية) 61 12 3 الاسبتالية الجديدة 13 10 1 الاستبالية القديمة 25 1 ظهر منزل الفرنسيس 6 6 1 المفحمة 8 1 مسلة فرعون 9 1 قبور اليهود القديمة 10 1 قبور اليهود الجديدة 20 1 برج السلسلة 18 1 1 باب شرقي 6 كوم الناضورة 10 1 1 الدخيلة 3 1 السلمية 20 2 1 المكس 40 9 1 القمرية 9 1 1 طابية ام قبيبة (كبيبة) 56 4 2 الملاحة القديمة 14 1 1 الملاحة الجديدة 34 1 1 صالح اغا 13 2 باب سدرة 8 1 كوم الدماس 9 2 1

حصون أبو قير

قلعة أبو قير 48 3 2 طابية كوم الشوشة 47 3 1 كوم العجوز 24 2 1 السد نمرة 1 10 1 السد نمرة 2 10 1 السد نمرة 3 10 1 السد نمرة 4 10 1

حصون رشيد

طابية التني 6 1 طابية العباسي 6 1 طابية الطوجنية 5 1 طابية المنزلاوي 3 1 طابية محل الشراكة 1 طابية برج رشيد 14 طابية قلعة البوغاز 18 1 الطابية الشرقية 10 1 الطابية الغربية 10 1

البرلس

قلعة البرلس 6 1

حصون دمياط

القلعة القديمة 20 1 الطابية الشرقية 10 1 الطابية الغربية 10 1


احصاء الجيش المصري في عهد محمد علي

كان الجيش المصري مؤلفا في اوائل حكم محمد علي من نحو 20000 من المقاتلة جميعهم من الجنود غير النظاميين (باشبوزق)، فلما ادخل النظام الحديث في الجيش واتبع طريقة التجنيد على ما مار بك بيانه تالف الجيش النظامي وصار يضارع في قوته وعدده وكفايته احدث الجيوش الاوروبية.

احصاء سنة 1833

جاء البارون بوالكونت الى مصر منتدبا من الحكومة الفرنسية في مهمة سياسية لدى محمد علي باشا، وله عن مهمته رسائل مطولة طبعت اخيرا في كتاب مستقل ، وقد استقصى احوال مصر في ذلك العصر، فذكر عن الجيش انه تلقى بيانا من محمد علي نفسه عن عدده في تلك السنة 1833، ومن هذا البيان الرسمي يتضح انه يتالف من 194932 من المقاتلة، بما فيهم 25143 من البحارة بحسب الاحصاء الاتي:

22 آليا من المشاة وعددهم 70337 جندي الايات من الطوبجية 6357 جندي 13 الايا من الفرسان النظاميين 7962 جندي فرقة الهندسة 3942 جندي الفرسان غير النظاميين 3435 جندي البدو 5370 جندي طلبة المدارس الحربية 3488 جندي الرديف ورجال الشرطة 67988 جندي مجموعة جنود البر سنة 1833 168889 جندي

احصاء سنة 1839

وقد بلغ الجيش المصري اوجه من جهة العدد سنة 1839 وقد اعتمدنا في احصاء هذه السنة على ما اورده الدكتور كلوت بك في كتابه لمحة عامة الى مصر ، وهو وان اختلف عن احصاء المسيو مانجان عن سنة 1837 وزاد عنه، الا اننا نعتقد ان كلوت بك لمكانته في الحكومة قد توفر له من وسائل التحقيق والتمحيص اكثر مما توافر للمسيو مانجان.

ونتيجة احصاء الدكور كلوت بك، ان الجيش المصري يتالف من الجنود الاتية:

جنود نظامية من مشاة وفرسان ومدفعية 130202 جندي جنود غير نظامية او باشبوزق 41678 جندي الرديف 47800 جندي عمال الفابريقات المدربون على القتال وكانوا يقومون بالتمرينات العسكرية 15000 جندي طلبة المدارس الحربية المستعدون منهم للقتال 1200 جندي مجموعة جنود البر سنة 1839 235880

تفصيل للاحصاء المتقدم

الجنود النظامية: وهاد عدد الجنود النظامية مع بيان الجهات التي يقيمون فيها:


بيان الجيوش محل الاقامة عدد الجنود الألاي الاول من طوبجية الحرس حماة 1372 الألاي الثاني من طوبجية المشاة الاسكندرية 2349 الألاي الثالث من طوبجية المشاة حلب 1949 الألاي الأول من طوبجية الفرسان حمص 0982 الألاي الثاني من طوبجية الفرسان دمشق 1007 اربع فصائل من طوبجية متفرقة عكا 337 الألاي الأولى من المدفعية الحجاز 379 الألاي الأول من مشاة الحرس عينتاب 3048 الألاي الثاني من مشاة الحرس مرعش 2645 الألاي الثالث من مشاة الحرس حلب 2435 الألاي الأول من المشاة (الأورطة الخامسة) السودان 4547 الألاي الثاني من المشاة عينتاب 2251 الألاي الثالث اليمن 1526 الألاي الرابع مرعش 2593 الألاي الخامس ادنة 2629 الألاي السادس كليس 2362 الألاي السابع الحجاز 2192 الألاي الثامن السودان 3396 الألاي التاسع حلب 2304 الألاي العاشر حلب 2054 الألاي الحادي عشر اورفا 2338 الألاي الثاني عشر عينتاب 2326 الألاي الثالث عشر الحجاز 1225 الألاي الرابع عشر حلب 1988 الألاي الخامس عشر الدرعية (نجد) 2555 الألاي السادس عشر قنديا (كريت) 3149 الألاي السابع عشر أورفا 2369 الألاي الثامن عشر عكا 2948 الألاي التاسع عشر الحجاز 2349 الألاي العشرون اليمن 2677 الألاي الحادي والعشرون الحجاز 2363 الألاي الثاني والعشرون أورفا 2212 الألاي الثالث والعشرون ينبع 2342 الألاي الرابع والعشرون انطاكية 3131 الألاي الخامس والعشرون بيت المقدس 1755 الألاي السادس والعشرون القاهرة 3318 الألاي السابع والعشرون الحديدة (اليمن) 2129 الألاي الثامن والعشرون الحديدة (اليمن) 2446 الألاي التاسع والعشرون أدنة 3172 الألاي الثلاثون حماة 2925 الألاي الحادي والثلاثون حلب 2401 الألاي الثاني والثلاثون القاهرة 3318 الألاي الثالث والثلاثون الاسكندرية 2604 الألاي الرابع والثلاثون كليس 2564 الألاي الخامس والثلاثون القاهرة 2318 الألاي الأول من فرسان الحرس اللاذقية 796 الألاي الثاني من الحرس المدرعين بيسان 844 الألاي الاول من الفرسان اورفا 825 الالاي الثاني من الفرسان زانبة 830 الألاي الثالث من الفرسان الاسكندرية 847 الألاي الرابع من الفرسان ادنة 678 الألاي الخامس من الفرسان الاسكندرية 832 الألاي السادس من الفرسان دمشق 770 الألاي السابع من الفرسان طرطوس 742 الألاي الثامن من الفرسان دمشق 712 الألاي التاسع من الفرسان الاسكندرية 816 الألاي العاشر من الفرسان عكا 768 الألاي الحادي عشر من الفرسان كليس 756 الألاي الثاني عشر من الفرسان طرطوس 622 الألاي الثالث عشر من الفرسان اورفا 806 اورطة المتقاعدين القاهرة 3980 الألاي الاول من البلطجية الاسكندرية 791 الأورطة الاولى من المتقاعدين طرابلس 1641 اور

المصادر

  1. ^ الرافعي, عبد الرحمن (2009). عصر محمد علي. القاهرة، مصر: دار المعارف. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |coauthors= (help)