إمارة صربيا

(تم التحويل من Principality of Serbia)
إمارة صربيا
Principality of Serbia

Кнежевина Србија
Kneževina Srbija
1817–1882
علم Србија (Srbija)
Flag
{{{coat_alt}}}
Coat of Arms
Principality of Serbia after Berlin Congress in 1878
Principality of Serbia after Berlin Congress in 1878
العاصمةكراگويڤاتش1
بلگراد
الحكومةإمارة
التاريخ 
18172 1817
• يوم الدولة
15 فبراير 18353
13 يوليو 18784
1882
سبقها
تلاها
Serbian Despotate
Ottoman Empire
Kingdom of Serbia

1 انتقلت إلى بلگراد في 1838
2 قانونياً في خط شريف عام 1830.
3 اندلاع الثورة الصربية/ أول دستور adopted
4 مستقلة فعلياً منذ 1867، ولكن قانونياً بمعاهدة برلين
Orlovi.jpg

جزء من سلسلة عن
تاريخ صربيا

صربيا قبل التاريخ

حضارة ستارچڤو • حضارة ڤنچا
Moesia • أصل الصرب

صربيا العصور الوسطى

Rascia • دوكليا / زتا • زخلوميا
تراڤونيا • الإمبراطورية الصربية
صربيا الموراڤية • معركة كوسوفو
الاستبدادية الصربية

صربيا العثمانية / الهابسبورگية

صربيا هابسبورگ الأولى
صربيا هابسبورگ الثانية
ثورة صربيا

صربيا الحديثة

الإمارة الصربية • المملكة الصربية
الحملة الصربية (الحرب العالمية الأولى)
مملكة يوغسلافيا
صربيا (1941–1944)
جمهورية اوزيچه
صربيا ج.إ.
صربيا الاتحادية
صربيا

4s Serbian Symbol.jpg

بوابة صربيا

حكومة الصرب الذاتية

بتوقيع اتفاقيتي عامي 1815-1816 مع السلطات العثمانية أصبح الصربيون يتمتعون بحكومة شبه ذاتية, ومن ثم كان على قادتهم أن يتفقوا على كيفية تشكيل الحكومة وتنظيم إدارة البلاد. وفي السنوات التالية واجهوا المشكلات الكبرى التي واجهت كل رجال السياسة في بلاد البلقان فور استقلالهم عن الدولة العثمانية, فقد كان عليهم أولاً تحديد الإطار السياسي لعمل الحكومة وعلاقتها بالسلطات الفرعية والمحلية في الأقاليم, وثانياً تحديد مسار السياسة الخارجية للبلاد, وثالثاً الاهتمام بالأوضاع اٌجتماعية والإقتصادية الداخلية.وكانت المشكلات الرئيسية هي المشكلات نفسها التي كانت قائمة أيام الثورة وتتلخص في العلاقة بين ميلوش والنبلاء المعارضون وضرورة تسويتها,وتشكيل جمعية شعبية لمراقبة السلطة التنفيذية, فضلاً عن تحديد مكانة الكنيسة الأرثوذكسية في الحكومة العلمانية الجديدة.

أما فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية فقد واجهت الحكومة الجديدة مشكلتين غاية في الأهمية أولهما عدم وضوح حقيقة وضع الصرب داخل الإدارة العثمانية رغم الإتفاقيتين, ومن ثم ظل هدف الصرب التوصل إلى حكومة ذاتية كاملة تكفلها معاهدة دولية. وثانيهما أن "دولة" الحكومة الجديدة وفق حدودها المقررة كانت تضم أقلية من الصرب, وكان هذا يعني ضرورة توسيع الحدود في المستقبل بحيث تشمل المناطق التي يعيش فيها كل الصربيين, وتنظيم العلاقات مع الدول الكبرى والباب العالي فيما يتعلق بالشؤون الخارجية, ذلك أنه بالرغم من أن روسيا كانت "الدولة الحامية" للصرب إلا أن النمسا وفرنسا وبريطانيا كانت تتدخل في شؤون الصرب حسب مقتضى الحال وخاصة النمسا التي كانت أراضيها متاخمة لأراضي الصرب عكس روسيا التي لم تكن بينها وبين الصرب حدود مشتركة.

وأخيراً كان على قادة الصرب الجديدة مواجهة مشكلة إنهاض بلدهم من وهدة التخلف الشديد وإدخاله إلى العالم الحديث من حيث إقامة شبكة من الإتصالات, وتوفير شروط ملائمة للتجارة والتبادل التجاري, وإقامة نظام تعليمي وطني, وهي مسائل ظلت مهملة في القرن التاسع عشر إلى حد كبير بسبب الانشغال بالصراع السياسي الداخلي والاهتمام بالتوسع الخارجي. ولما كان أغلب الصربيين من الفلاحين فقد كانت مشكلة الأرض الزراعية من حيث التملك والاستغلال وعلاقات الإنتاج لها أولويتها على سائر المشكلات.

كانت أول مشكلة سياسية واجهت حكومة الصرب الجديدة وجود ميلوش اوبرنوڤيتش نفسه على مسرح السياسة مسيطراً على الأمور في العاصمة بلجراد. وقد استند في هذا إلى دوره في الثورة ضد كاراديورديه التي شارك فيها وهو في الثالثة والعشرين من عمره ضمن مجموعة كان يرأسها شقيقة ميلان. وعندما مات ميلان مسموماً اتهم أنصاره كاراديورديه الذي لم تثبت مسئوليته عن ذلك أبداً, واستمر ميلوش في العمل مع أصدقاء أخيه وزادت مكانته بين مواطنيه عندما هرب كارديورديه في 1813.

كان ميلوش كما رأينا يفضل تحقيق مكاسب لبلاده عن طريق التفاوض مع الباب العالي أكثر من اللجوء إلى التمرد والعصيان المسلح.ورغم أن هذا الأسلوب كان يتفق مع ظروف دولية مواتية وأدى إلى تحقيق مكاسب للصرب, إلا أن شخصية ميلوش نفسه ظلت مثار اختلاف وجدل كبير بين معاصريه, فلقد تولى السلطة (1816) في وقت لم تكن الصرب قد أقامت حكومة مركزية أو نظام إداري أو قوانين وتشريعات. وعلى هذا كان عليه أن يعمل من أجل إقامة بناء دولة نفسه يتعامل مع الحكومة العثمانية أصلاً في الحصول على حقوق أكثر ضمان عدم التعدي على حقوق التي تم اكتسابها فعلاً وفي إطار تلك الظروف قام ميلوش بتركيز كل مظاهر السلطة في يده حتى لقد قيل أنه كان يدير أمور البلاد كأحد الباشاوات الأتراك. ولقد جاءت المعارضة الأساسية له من أولئك الذين يساندونه إلى حد ما وخاصة النبلاء الذين كانت لهم مكانة زمن الثورة ولكنه ظل محتفظاً بشعبيته بين الغالبية العظمى من الفلاحين الذين اعتادوا لقرون طويلة العيش في مجتمع أبوي تحت سلطة مطلقة, ولهذا لم يجدوا في أسلوب حكمه تناقضاً مع فهمهم لمعنى القوة السياسية.

على أن ميلوش لم يتردد في تسخير منصبه السياسي ومكانته بين الناس للحصول على أكبر قدر من المكاسب لنفسه, ورغم أن زعماء الحركات الثورية الأخرى كانوا سواء في هذا السلوك بدرجات متفاوتة إلا أن ميلوش اختلف عنهم جميعاً من حيث درجة النجاح الذي حققته وطبيعته . . فرغم أنه ينحدر من أسرة فقيرة إلا أن ثروته بلغت في عام 1837 أي قبل تنازله عن العرش بعامين فقط مليون وستمائة ألف جروسه Groschen أي ما مقداره 17% من دخل الدولة وقدره تسعة مليون ونصف مليوناً. ولكي يحقق هذه الثروة استخدم عدة وسائل كالاستيلاء على أراضي الملاك الأتراك السابقين, واحتكار تصدير الثروة الحيوانية وبيع الملح, والإبقاء على سخرة الفلاحين في الأراضي التي استولى عليها, ومن ثم توفرت له أموالاً اشترى بها أثنا عشر إقطاعية في ولاشيا حتى لقد كان وهو في المنفى في أربعينات القرن التاسع عشر يعد واحداً من أغنى أغنياء العالم.

على كل حال، فرغم فساد ميلوش الواضح وفق المقاييس الغربية على الأقل, إلا أنه أقام حكماً وطنياً, واكتسب اعترافاً دولياً بحكومة بلاده الذاتية وربما كان هذا أفضل شيء جدير بالاعتبار حققه الرجل في تاريخه. وفي هذا الخصوص ينبغي أن نعرف أن الشروط التي منحت لحكومة الصرب الذاتية بمقتضى اتفاقية فيينا التي سبقت الإشارة إليها لم تكن مرضية لميلوش إذ تم الاعتراف به حاكم عالي المقام دون أن يكون حكمه وراثياً في أسرته, كما أن حدود دولته الجديدة لم تكن قد حددت بعد, والموظفون العثمانيون ما يزالون يقومون ببعض الوظائف في بلاده. وهكذا كان أول هدف له الحصول على حق الوراثة في حكمه, وتسوية الحدود بأكبر قدر ممكن من التوسع, والتخلص من كل الموظفين العثمانيين والعساكر التي تعسكر في بلاده.

وفي علاقته بالباب العالي واصل ميلوش إتباع سياسته التقليدية من حيث التفاوض واستخدام الرشاوي وإظهار الولاء للسلطان والتعاون معه, وكان أحد مظاهر هذه السياسة قيامه بتسليم رأس كاراديورديه, والامتناع عن تقديم مساعدات لليونانيين في ثورتهم ضد السلطان. وأما بخصوص رغبته في أن يكون حكمه وراثياً نجده يكون جمعية في 1817 انتقى أعضاءها بنفسه بادرت بإعلانه "أميراً وراثياً" ولكنه كان بحاجة إلى موافقة الباب العالي لكي يجعل الأمر نافذاً.

الجدير بالذكر أن النجاحات الأولى التي حققها ميلوش لم تكن بسبب مهارته الخاصة فقط بقدر ما كانت بسبب تأييد روسيا ومساندتها له وخاصة في العلاقات الدولية. فمن المعروف أن معاهدة القرم عام 1826 اشترطت تنفيذ المداة الثامنة من معاهدة بوخارست الخاصة بوضع الصرب تحت حماية روسيا, ثم تأكدت هذه النقطة في معاهدة آدريانوبل عام 1829. ثم أصدر السلطان العثماني في 1830 "خط شريف" أصبحت الصرب بمقتضاه حكومة ذاتية حقيقية . . أي أنه بحلول عام 1830 أصبح ميلوش حاكماً على الصرب معترف به ويتمتع بحق توريث الحكم في أسرته, وسيطر زعماء الصرب على شؤون بلادهم الداخلية, وتولى الموظفون الصربيون أمور الإدارة من حيث جمع الضرائب, وتم تنظيم شؤون الكنيسة وكافة المسائل المتعلقة بالوطنيين. وتقرر منع العثمانيين من البقاء في قرى البلاد, ومنع تركز المسلمين في المدن الرئيسية الحصينة, ومصادرة أراضي العثمانيين بإتفاق مع الباب العالي على تعويض أصحابها من حصيلة الجزية المقررة على الصرب.

على أن مشكلة رسم حدود الصرب مع جيرانها ظلت قائمة, وفي هذا الشأن طالب ميلوش بتنفيذ ما تقرر في اتفاقيتي القرم وآدريانوبل من أن تشمل الصرب على الستة أحياء التي كان كاراديورديه قد ضمها. ولما كان السلطان العثماني آنذاك مشغولاً بمواجهة توسع محمد علي باشا والي مصر في بلاد الشام فلم يفكر في مقاومة مطالب ميلوش فبادر بالتنازل عن الستة أحياء للصرب في نوفمبر 1833. وبهذا التنازل امتدت حدود الصرب حتى نهر تيموك Timok شرقاً وإلى نهر الدانوب شمالاً وفي الجنوب امتدت من الشرق إلى الغرب شمال مدينتي نيش وراشكا Ruska باتجاه شمالي غربي حتىنهر درينا مكونة الحدود نمت بلاد الصرب وتطورت حتى عام 1878.

وبتسوية قضايا الحكم الذاتي الأساسية وترسيم حدود البلاد أصبح بالإمكان الالتفات لسؤال قديم له أهميته يتعلق بكيفية مراقبة القوة السياسية في الدولة الجديدة, وكانت هذه المسألأة مثار صعوبات واجهت كاراديورديه حتى في أثناء الخطر المحدق بالبلاد زمن الثورة. وفي هذا الخصوص كانت الحكومة أمام أحد اختيارين عميلين: إما أن تخضع لسيطرة قائد قوي, وإما لمجموعة من النبلاء. والحق أن إقامة حكومة مركزية بالمعنى الاصطلاحي كان يتناقض مع التقاليد التي كانت قائمة في البلاد تحت الحكم العثماني, فقد كانت السلطة الصربية عشضية الثورة سلطة أبوية بطبيعتها تقوم على لامركزية الإدارة حيث يدير شؤون الريف والمدن في القرى والأحياء أحد الكبراء Kens كل في مكانه. وكذا النبلاء باعتبارهم زعماء شرفيين. وكاراديورديه يرغب في استبدال هذا النظام بحكم مركزي يقوم على سيطرة فرد قومي, غير أن خصومه الذين يستخدمون مصطلحات الغرب الأوروبي في النظم الدستورية, كانوا يرغبون في الإبقاء على الشكل اللامركزي العثماني مع إيجاد نوع من "الوحدة بين الأقاليم" في إطار حكومة جمهورية جماعية بيد أبناء البلاد لحماً ودماً, ومن هنا طلبوا دعم روسيا.

ولقد استمر الصراع السياسي حول نموذج الحكم في البلاد قائماً خلال فترة حكم ميلوش وكانت الحياة السياسية في البلاد بشكل عام محل اهتمام قلة قليلة من الناس انتظمت في جمعيات معينة لعل أبرزها جماعة الاسكوبشتينا Skupstina وهي مؤسسة ديموقراطية تقليدية تكونت من رجال مسلحين يلتقون في الهواء الطلق لتقرير مسائل ذات أهمية عامة. وقد حرصت الحكومة على دعوة تلك الجمعيات من آن لآخر ليس بهدف تكوين مجلش شورى منها وأنما للتصديق على قرارات أو برامج أعدتها الحكومة. كما واجه ميلوش مثلما واجه كاراديورديه من قبل تحديات متكررة من جانب النبلاء الذي أصبحوا يتمسكون بإصدار دستور يمكنهم من تكوين جمعية تشريعية لمراجعة الحاكم وانضم إليهم التجار ورجال الحكومة وآخرون ممن كانوا يكرهون الأسلوب الاستبدادي التعسفي الذي يدير به ميلوش شؤون البلاد. ولما كان اتفاق 1815 بين ميلوش وعلي باشا المرعشلي قد نص على إقامة مجلس قضائي صربي فقد قام ميلوش بتعيين إثني عشرة من أعوانه من النبلاء في هذا المجلس الذي تعمد تجاهله فيما بعد. ووقعت ضده عدة تمرادات في عشرينات القرن التاسع عشر تمكن من قمعها. ورفض تشكيل مجلس من النبلاء طبقاً لخط شريف أصدره السلطان في 1830. والحال كذلك كان من الطبيعي أنتحشد المعارضة في عام 1835 حوالي أربعة آلاف مؤيد لها في اجتماع أسفر عن إعداد "دستور" نصت مواده على تأسيس جمعية عمومية, فما كان من ميلوش إلا أن قام بتعيين مجلس نبلاء بمعرفته لا حول له ولا قوة.واللافت للنظر أن كل من السلطان العثماني وإمبراطور النمسا وقيصر روسيا ووقفوا إلى جانب ميلوش لأنهم جميعاً كانوا ضد إصدار دساتير توفر مؤسسات نيابية حقيقية.

غير أن هذا الموقف لم يكن يعني تدخل تلك القوى الكبرى في شؤون الصرب بشكل مباشر مثلما كان حال بلاد اليونان وإمارتا الدانوب (ولاشيا ومولدافيا – رومانيا). ولكن وجدنا أن كل من ميلوش والمعارضة يسعون للحصول على مساندة القنصليات الأجنبية التي كانت قد بدأت تتأسس منذ ثلاثينات القرن, ففي 1835 افتتحت النمسا مقر بعثة دبلوماسية لها, تلتها بريطانيا في 1837, ثم فرنسا 1838. ولما كانت الصرب ما تزال دولة مستقلة آنذاك فقد كان يتعين موافقة الباب العالي على أية تغييرات تطرأ على نظامها السياسي. وفي تلك الأثناء وقفت فرنسا وبريطانيا إلى جانب ميلوش ودعما حكمه المطلق على حين كانت روسيا تساند عملية تكوين مجلس من النبلاء طبقاً لما جاء في خط شريف 1830.

وفي هذا الخصوص تمت عدة مفاوضات في استانبول أصدر السلطان العثماني عل أثرها ما يعرف بالدستور التركي الذي كان أساس حكومة الصرب حتى عام 1869. وهذه الوثيقة التي تشبه القانون الأساسي المعمول به آنذاك في إمارتي الدانوب كان قانوناً إدارياً أكثر منه دوستورياً, إذ لم يتضمن مبادئ عامة عن حقوق المواطنين وواجباتهم, بل إن السلطة الحقيقية للحكومة وضعت في أيدي مجلس مكون من سبعة عشر عضواً قام الأمير بتعيينهم ويبقون ووظائفهم مدى الحياة إلا في حالة فصلهم نتيجة ارتكاب جرائم معينة, فضلاً عن اشتراك الحاكم والمجلس في الوظائف التشريعية, والوزراء مسئولون أمام المجلس الذي يصدق على القوانين والضرائب لكن للأمير حق الأعتراض المطلق. وفي 1839 أدخل تعديل على هذا الدستور نص على تعيين الوزراء من بين أعضاء المجلس, وتنظيم القضاء وشغل الوظائف المدنية ووضع ملامح لإدارة الدولة في المجالات الأخرى.

ورغم أوجه القصور التي شابت هذا الدستور, إلا أنه أنهى فترة الحكم المطلق في بلاد الصرب, فلم يعد الحاكم أكثر من كونه أعلى سلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية في البلاد, وأصبحت الحكومة قائمة على أساس ميثاق مكتوب. وخلال العقدين التاليين كان المجلس يمثل القوة الحقيقية في حياة الصرب السياسية انطلاقاً من هذا الدستور أو القانون الأساسي.

وبالإضافة إلى تأسيس حكومة مركزية على قاعدة تشريعية قوية فرض ميلوش نظام مركزي في الإدارة المحلية في البلاد, وبمقتضاه بهذا أصبح موظفو الإدارة المحلية تابعون للحكومة المركزية وينفذون تعليماتها حفاظاً على وضعية الأمير.وتأكيداً لهذا الوضع كان الأمير يعين بمعرفته مسئول الناحية ويدفع له مرتبه بل لقد أعاد الجمعيات المحلية التي لا حول لها ولا قوة مما أدى إلى تحطيم النظام التقليدي للحكم المحلي, وأصبح رؤساء الطوائف ورجال الشرطة تحت مراقبة الحكومة المركزية, ومن ثم أصبحت الطوائف مركز المعارضة لحكمه.

ولكن لكي يؤسس ميلوش نظاماً إدارياً قومياً وفعلاً كان بحاجة إلى مسئولين متعلمين وهو طلب لم يكن متوفراً بين الصربيين آنذاك وعلى هذا فقد اضطر لتوظيف صربيين يعيشون في النمسا توفر لهم قدراً معتبراً من التعليم. لكن مشكلة الإدارة لم تكن في عدم توفر المتعلمين في الصرب بل كانت في أن ميلوش كان يحتقر كل من يعمل تحت رئاسته ويتعامل معهم كأنهم خدم شخصيين له. ومع هذا زاد عدد الموظفين زيادة ملحوظة في عهده حتى بلغ عددهم مع نهاية حكمه 672 موظفاً منهم 201 من رجال الشرطة. وكان من الطبيعي أن يكون هؤلاء الموظفون جماعة مصالح استهدفت حماية وضعهم وساتمرارهم في وظائفهم.

كما كان على ميلوش أن يتعامل أيضاً مع وضع الكنيسة في "دولته", وكانت مشكلته تبدو في أن الكنيسة في إمارة ذات حكم ذاتي لا يصح أن تظل في نطاق بطريركية استانبول التي هي مؤسسة غالبيتها العظمى من اليونانيين كما هو معروف, وبالتالي استند في تكوين كنيسة مستقلة في بلاده على موافقة السلطان في خط شؤيف 1830 على إعادة كنيسة الصرب التي كانت قد ألغيت في 1767, وهي تسوية وافق عليها بطريرك استانبول عام 1832. وبهذا تخلصت الأرثوذكسية الصربية من هيمنة الفناريين اليونانيين, وأصبح بإمكان ميلوش تنظيم الأمور الكنسية (الإكليروس) كما يحلو له. وكانت أول خطوة في هذا السبيل أنه اعتبر الكنيسة المستعادة الأسقف يوفانوفيتش Jovanovich الذي كان أقدر من يتولى هذا المنصب واستمر فيه ستة عشر عاماً 1833-1859, ولما كان قد تلقى تعليمه في النمسا فقد تقدم بإصلاحات للكنيسة الجديدة على أساس نظام كنيسة الصربيين في النمسا.

وفي السياسة الخارجية حرص ميلوش في المقام الأول كما رأينا على توسيع نطاق الحكم الذاتي لصرب فنراه بشكل ثابت الدخول في مغامرات خارجية, ويرفض المشاركة في الانتفاضات القومية في أي بلد من بلاد البلقان, وظل هدفه الحصول على أقصى مكاسب ممكنة لبلاده من الباب العالي عن طريق التفاوض.

أما مسألة التنمية الإقتصادية والإجتماعية في الصرب فقد كانت تنطوي أساساً على حل مشكلات الفلاحين الذين يمثلون 95% من السكان. وكان هؤلاء الفلاحون يهدفون إلى امتلاك الأراضي التي يفلحونها ملكية تامة, خاصة وأن ثورة الاستقلال التي اشتركوا فيها أنهت الملكية العقارية للأتراك في الريف,وأصبحت الحياة مستحيلة بانسبة لهم بعد أن تم إلغاء الجفالك في 1815, وحرمان السباهية في 1830 من حق جمع الضرائب من الفلاحين. لكن هذا التطور لم ينتج عنه أية فوائد مالية للفلاحين الذين أصبحوا يدفعون ضريبة للدولة مقدارها 10% وتحولت أعمال السخرة في أملاك الأتراك إلى العمل في المشروعات العامة مثل شق الطرق وبناء الكباري, أي أن الحكم الذاتي للصرب في الواقع جلب على الفلاحين تبعات أكثر من التبعات التي كانوا يتحملونها في الأيام السابقة.

على أن زيادة عبء الضرائب على كاهل الفلاحين لم يكن يرجع فقط إلى مساعدة الحكومة لمواجهة نفقاتها العالية, بل كان يرجع أيضاً إلى تغير الأوضاع الإقتصادية. ففي أثناء الحكم العثماني كان الفلاح يعيش في إطار إقتصاد الحاجة وليس إقتصاد السوق حيث ينتج فقط كل ما يحتاجه تقريباً, ويدفع الضرائب المقررة عيناً. ولكن بتأسيس دولة جديدة تسعى لإقامة نظام سياسي حديث كان لا بد من دفع الضرائب نقداً وليس عيناً. وفي الوقت نفسه سيطرت موجة من شراء المصنوعات الأساسية والفاخرة كانت في متناول جميع الأهالي عدا الفلاح الذي كان بحاجة إلى مواد أساسية مثل الملح ثم أصبحت لديه رغبة محمومة لشراء منتجات أخرى مثل القهوة والسكر والدخان والشمع. وفي الوقت نفسه بدأت الآلات محلية الصنع أو المستوردة تصنع المنتجات المعدنية مثل المسامير والإبر والمحاريث بشكل أكثر كفاءة من تلك المصنوعات يدوياً. وفي إطار سيطرة التعامل بالنقد وليس بالمحصول اضطر الفلاح لأن يهتم أكثر بزراعة المحاصيل التي يمكنه تسويقها أكثر من اهتمامه بزراعة احتياجات أسرته. وهذا التعامل الجديد مهد الطريق إلى تصفية وحدات الزراعة الجماعية "الزادروجا"Zadruga التي انعدمت كفاءتها مع مرور الزمن.

وإذا كان ميلوش معني بصفة شخصية برفاهية الفلاحين الذين ساندوه ضد النبلاء, والذين حصلوا على حق استغلال أرضهم, إلا أنهم سرعان ما اكتشفوا سهولة فقدانهم إياها بسبب نظام الإقتراض الجنوني الذي كان يسحب الأرض منهم وفاء للقرض في حالة عدم التسديد. وكان قانون المساكن الذي صدر في 1836 لحماية الفلاحين من مصادرة ممتلكاتهم وفاء للديون قد قرر عدم جواز مصادرة ممتلكات الفلاح إذا كانت تتكون فقط من منزل, وقطعة أرض صغيرة, وبعض المواشي, إلا أنه حيث تراخ وتهاون في تطبيق هذا القانون حتى لقد احتاج الأمر في أعوام 1860, 1861, 1873 إلى إصدار تشريعات جديدة.

على كل حال، فمن بين التغييرات ذات المغزى التي حدثت أثناء حكم ميلوش ذلك التغير التدريجي في ملامح المدن الصربية. ففي العهد العثماني كانت كل مدينة عبارة عن سوق ومراكز إدارية تحت سيطرة الأتراك واليونانيين واليهود, ولكن مع قيام الحكم الذاتي بدأ الأتراك والحرفيون يغادرون المدن, وأخذ التجار الصربيون يحلون محل نظراتهم من اليونانيين واليهود وسرعان ما سيطروا على تجارة الصادرات وخاصة في الثروة الحيوانية.

كما أثيرت أيضاً مسألة إقامة نظام تعليمي قومي لكن لم يفعل إلا القليل لبلوغ هذا الغرض الذي كان بحاجة إلى إمكانيات كبرى, فالمدارس تعاني من نقص الكتب والورق وقلة المدرسين الأكفاء. ولم يبدأ الإهتمام بالتعليم إلا بعد عام 1830 حين صدر في 1833 أول قانون خاص بالمدارس الإبتدائية. ولكن لم تؤسس مدارس ثانوية رغم الحاجة إلى موظفين متعلمين, وكل ما هناك إنشاء أول مطبعة في بلجراد في 1831 ولو أن مشكلة توفير الورق ظلت قائمة. وفي ضوء كل تلك الظروف ظلت النمسا تمثل مركز الحياة الثقافية الصربية.

وفي عام 1839 وبعد إصدار الدستور بفترة قصيرة ترك ميلوش البلاد مفضلاً ألا يحكم تحت شروط مقيدة لسلطاته, وخلفه في الحكم ابنه ميلان Milan الذي مات في غضون شهر, ثم تلاه ابنه الثاني ميخائيل الذي تولى الحكم من خلال مجلس وصاية لأنه كان في السابعة عشر من عمره. ولم تكد تمر ثلاثة سنوات حتى تمت الإطاحة بأسره ميلوش اوبرنوفيتش الحاكمة وفر ميخائيل هارباً. وعلى الفور انعقدت جمعية عمومية سيطرت عليها المعارضة السياسية واختارت ألكسندر كاراديورديه الثائر القومي.

لقد كان هذا التغيير الراديكالي في رئاسة حكم البلاد علامة على الانتصار التام لمؤيدي دستور 1838 والذين عرفوا فيما بعد بالحزب الدستوري. ولقد تكون هذا الحزب من النبلاء ورجال الإدارة وكبار التجار وآخرين من الذين وقفوا ضد الحكم المطلق الذي كان يمارسه ميلوش. وكانوا يرغبون في إقامة حكم القانون, وتنظيم أسلوب الإدارة بما يمكنهم من المحافظة على مالصحهم الخاصة, وأكدوا على الشرعية, والحرية الإقتصادية, وتقدم التعليم, وإصدار قوانين يطبقها القضاة في المحاكم تحقيقاً للعدالة بعيدأً عن سطوة الأمير الحاكم. وقد تزعم هذه المجموعة ثلاثة شخصيات وهم: توما ڤوشيك-پريشيتش Toma Vuucic-Perisic, وأڤرام پترونيڤتش Avram Petronjevic, وثالثهم وهو أكثرهم أهمية إيليا گاراشنين IIija Garasnin. والحق أن أعضاء هذه المجموعة لم يكونوا ديموقراطيون أو من أنصار المساواة, كما لم يكونوا مع فكرة قيام الدولة بتنظيم الحياة العامة.

ورغم ما كان يبدو من قوة للمجلس بوجود هذه المجموعة, إلا أن الحقبة الدستورية في تاريخ الإمارة حفلت بالصراع المتواصل بين المجلس وبين الأمير الحاكم, كان الأمير (ألكسندر كاراديوريه) وهو الطرف الضعيف لأن شخصيته لم تكن قوية, ولم يكن له أنصاراً أقوياء, ولأنه تولى الحكم بالإختيار وليس بحق الوراثة الذي كان معمولاً به فقط في أسرة أوبرينوفيتش والتي كان منها ميلوش. ومن المسائل التي كانت محل نقاش وضعية مجلس الوزراء الذي كان أعضاؤه يعينون بمعرفة مجلس النبلاء فقط. وعلى هذا ازدادت حدة الصدام بين أنصار الأمير وبين أنصار المجلس وخاصة بعد عام 1855. وفي هذا الخصوص استاء مستشارو الأمير من ضعف سلطته أمام المجلس فأشاروا عليه بطرد جميع أعضاء المجلس وغيرهم من المسئولين دون انتظار لموافقة الباب العالي كما يقتضي الدستور بذلك, فأسرع الأمير بالتخلص من بعض المشئولين بطريقة غير قانونية منتهزاً اكتشاف مؤامرة لقتله, لكن الحكومة العثمانية أجبرته على إعادة الذين فصلهم إلى الحكومة.

وفي هذا الخصوص كانت المعارضة (الحزب الدستوري) تود تجاوز الأزمة عن طريق دعوة جمعية لتقرير حدود صلاحيات الأمير ألكسندر الحاكم وسلطته, ولو أنها تسعى من خلال هذا الإقتراح للتخلص منه. وهي دعوة أيدها كل الذين كانوا يرغبون في إعادة أسرة ميلوش اوبرنوفيتش للحكم, وكذا العناصرالتي شكلت فيما بعد "الحزب الليبرالي" وهو جماعة من المثقفين الشبان الذين تلقوا تعليمهم خارج البلاد وكانوا يتطلعون لتقديم ضمانات للحقوق وللإصلاح الديموقراطي وليس فقط مجرد إقامة حكم القانون. ولأن هؤلاء المثقفين كانوا رومانسيون حتى النخاع فقد رأوا في الدعوة إلى عقد الجمعية تجسيدأً لإرادة شعب الصرب في الوقت الذي لم يأنسوا فيه لبرنامج الدستوريين البيروقراطي.

على كل حال . . لقد وافق ألكسندر على دعوة الجمعية التي عرفت باسم سانت اندرو واجتمعت في ديسمبر 1858 في كراجيوفاش Kragujevac خارج سيطرة الدستوريين, وقررت عزل ألكسندر من الحكم, وأثنت على الأمير ميلوش. وهكذا كانت نهاية زمن الدستوريين في الحكم وعاد الحكم المطلق من جديد ولكن في هذه المرة كان بناء على إرادة شعبية. وررغم هزيمة الدستوريين في هذه الجولة إلا أنهم استطاعوا تحقيق هدفهم في تنظيم دولة مركزية بيروقراطية, وإقرار مدني تضمن قانوناً جنائياً وإدارياً, وتنظيمات تتعلق بالحرفيين والموظفين والتعليم والحكومات المحلية. على أن هذا التشريع الذي صدر في 1844 والذي اعتبر أكبر إنجاز للدستوريين كان منقولاً جملة وتفصيلاً من النموذج النمساوي وضمنوا به حماية مصالحهم في مواقعهم كرجال دولة مسئولين. ولا ينبغي يغرب عن البال أن وظائف الحكومة شغلتها عناصر قامت بتعيينهم, وضمنت أنهم التشريعات الجديدة البقاء في وظائفهم مدى الحياة. فإذا عرفنا أن معظم هذه العناصر قد ولدت ونشأت وتعلمت في النمسا, أي خارج باشوية بلجراد في زمانها, أدركنا أنها كونت طبقة بيروقراطية انفصلت عن الأغلبية من الفلاحين بامتيازاتها, وانفصلت عن عموم الناس بتفوقها الوظيفي في الحكومة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الپريتشاني

والحقيقة أن توظيف الصربيين الذين يعيشون في النمسا في وظائف حكومة الصرب الجديدة كانت سياسة جارية زمن حكم ميلوش كما سبقت الإشارة نظراً لقلة عدد المتعلمين وقلة حتى الذين يعرفون القراءة والكتابة. وكان هؤلاء الصربيون القادمون من بلاد النمسا يعرفون لدى عامة الصربيين باسم "البريشانية" Prečani (أي الذين جاءوا عبر النهر). ورغم أن كثير منهم كانوا يمتازون بالقدرة والموهبة والشعور الوطني إلا أن آخرين لم تتوفر لديهم أية مواهب وجاءوا للفوز بوظيفة لم يكن من الممكن أن ينالوها في النمسا وكان ما يعيبهم أن لهم عادات وتقاليد مغايرة لأهالي الصرب. ولعل أطرف وصف لهؤلاء الموظفين ورد فعل البلاد تجاههم ما قاله أحد رجال الحكم عنهم: "إن أولئك الصربيون عابرو النهر ينظرون إلى أنفسهم على أنهم حملة ثقافة الغرب، وأن قدرهم فرض عليهم أن يديروا شؤون أهل الإمارة الأميين ونصف البرابرة المتوحشين، ولقد فصلهم ملبسهم ولغتهم ومظهرهم عن أهالي الصرب. إن "حملة القلم" الجدد هؤلاء يحتقرون الزراعة والعمل اليدوي، ويخجلون من أن يتعلم أولادهم إحدى الحرف, أو يزوجوا بناتهم لأحد أصحاب الحرف. وقد ظلوا لسنين طويلة يرتدون ملابس "ألمانية" بدلاً من زي الصرب القومي. وبدلاً من أن يخاطبوا بعضهم البعض بكلمة "أنت" "وأنا" كما اعتاد أهل الصرب كانوا يقدمون أنفسهم للغير بالطريقة الألمانية ذات الواقع السخيف على الأذن الصربية, بل كانوا يرفضون أن ينادوا كل صربي "بالأخ" طبقاً لعادة الصربيين في مجتمع "أبوي".

على أن هيمنة هؤلاء القادمين عبر النهر (الپريتشانية) لم تدم طويلاً إذ سرعان ما أخذت دولة الصرب الجديدة ترسل على نفقتها أبناءها الذين ولدوا على أرضها ويقيمون فيها في بعثات علمية للخارج نظراً لعدم وجود جامعات في الصرب آنذاك. وفي خلال الفترة 1839-1855 تم إيفاد حوالي خمسون طالباً للدراسة في باريس حلوا بالتدريج مكان البريشانية في مختلف الوظائف إلا أن هذا لم يقضي على الفجوة بين الإدارة وبين الفلاحين لأن المتعلمين الجدد تأثروا بالحضارة الفرنسية وأصبحت فرنسا مصدر الوحي والإلهام في السياسة والأدب والفن بدلاً من النمسا التي قدم منها البريشانية.


ناچرتانييه

على كل حال فرغم أن العهد الدستوري شهد تقوية أبناء الدولة وأجهزتها, إلا أنه لم يشهد أي تقدم في السياسة الخارجية. ومن المعروف أنالحكومة كانت مهتمة باستمرار بمسألة التوسع القومي, أي ضم المناطق التي يعيش فيها صربيون. ولعل أفضل تعبير عن وجهة النظر الصربية في هذه المسألة ما جاء في "خطة ناچرتانييه" Načertanije التي وضعها گراشانين Ilija Garašanin في 1844 لتكون دليلاً للأمير ألكسندر الحاكم. وكانت الخطة تستهدف إحياء إمبراطورية قيصر دوشان Dusan التي كانت قائمة زمن العصور الوسطى, وفيها تكون حكومة الصرب الذاتية نواة لهذا التوسع القومي لتضم كل من البوسنة, والهرسك, والجبل الأسود, وسريم Esrm, وبانات Banat, وبشكا Backa, وشمال ألبانيا, ويكون لها مخرج على البحر الإدرياتي, وهي بلاد كان جاراشين يعتقد أن أهلها أساساً صربيون من الناحية الثومية. وكانت خطته في البداية تقوم على أن يبدأ حملة دعاية مكثفة وتفصيلية, وتعليمية ودعائية بين سكان تلك البلاد وبين صرب المجر. وقد وضع في اعتباره أن إمبراطورية الهاسبورج (النمسا) قد تكون خصماً دائماً لهذه الخطة لا يتغير, وأن روسيا قد لا تؤيد خطته, ومن ثم اقترح أن تسعى الصرب للحصول على المساعدة من فرنس وإنجلترا. والخلاصة أن هذا البرنامج كما اتضح من خطط حكومة الصرب فيما بعد أنه كان يركز تركيزاً واضحاً على الإستيلاء على البلاد التي يكون أهلها صربيون ومذهبهم أرثوذكسي.

غير أن سقوط نظام الحكم الدستوري وعودة ميلوش للحكم لم يحل مشكلات الصرب السياسية, فمع عودته كانت هناك ثلاثة مراكز قوى قائمة وهي: الأمير الحاكم, والمجلس, والجمعية الوطنية التأسيسية التي كانت بمثابة أداة لتغيير الحكام رغم أنها لم تكن منظمة تنظيماً طبقاً للأأصول البرلمانية. وفي الوقت نفسه بدأ يظهر على الساحة حزبان سياسيان من خلال الصراع على القوة بين مؤسسات الدولة. وفي هذا الخصوص ظل الليبراليون ينادون بأن تكون الجمعية الوطنية أعلى مؤسسات الدولة, على حين كان المحافظون يفضلون أن يكون الحاكم والمجلس هما أعلى سلطة في الدولة. وانتهى الجدل السياسي بين مختلف القوى بصدور قانون في يناير 1859 يدعو لتكوين جمعية وطنية كل ثلاثة سنوات تكون لها سلطة استشارية فقط. والحقيقة أن ميلوش كان يريد أن يكون حاكماً مطلقاً فأصبح كذلك وبعد وفاته في 1860 خلفه ابنه ميشيل الذي أصبح حاكماً للمرة الثانية.

ميهايلو اوبرنوڤتش الثالث

كانت المرة الأولى التي حكم فيها ميشيل اوبرنوفيتش (ابن ميلوش) بين 1839-1842 فترة صعبة بسبب صغر سنه آنذاك. ولكن ععندما عاد للحكم مرة ثانية بعد وفاة والده كان في السابعة والثلاثين من العمر ناضجاً وسياسياً حصيفاً وداهية حتى لقد اعتبره البعض أعظم حاكم له تأثير في تاريخ الصرب الحديثة. ففي أثناء منفاه ارتحل كثيراً هنا وهناك, وتعلم تعليمأً جيدأً, واكتسب خبرات هائلة, وأصبحت له وجهة نظر واقعية في الموقف الدولي. وقد تزامن حكمه مع عصر الثورات القومية الكبير في وسط أوروبا, ففي 1859 اتحدث كل من ولاشيا ومولدافيا مكونتين دولة رومانيا الحديثة. وفي ستينات القرن التاسع عشر أعلنت دولتا إيطاليا وألمانيا بتوحيد قومية كل منهما. وكان من الطبيعي وهذه الحوداث تهيمن على المسرح الأوروبي أن يحول حاكم الصرب انتباهه الأكبر للتوسع الإقليمي-القومي. وكانت الخطوة التالية لميشيل في العلقاات الدولية كيفية ضمان إبعاد الوجود العثماني كلية من البلاد, أي الإحتلال التركي لعدد كبير من القلاع والحصون ولعل خطة إستيلاء الصرب على البلاد الصربية المجاورة كما سبقت الإشارة قد تم وضعها موضع التنفيذ. ومن باب الإستعداد لتنفيذ هذه الخطة كان ميشيل يريد تركيز سلطة الدولة في ديه ليتصرف بفاعلية أكثر, وتقوية الجيش, كما أعرب عن رغبته في عقد تحالفات مع شعوب البلقان المسيحيين من اجل تكوين جبهة ضد الإمبراطورية العثمانية.

كانت حكومة الصرب أثناء حكم ميلوش كما رأينا عبارة عن حكم ملكي مطلق, وتحت حكم دستوري شكلياً, وتخضع لأوليجاركية (أقلية عسكرية). وفي عهد حكم ابنه ميشيل لم يتغير الوضع كثيراً فقد أعطى نظام الحكم شكل الملكية الدستورية وليس مضمونها, ولأنه كان يريد أن يمسك بكل السلطات في يده فكان عليه أن يلغي كل القوانين القائمة التي تفيد سلطته ولكن بطريقة تبدو مشروعة. ومن ذلك أنه كان يعمل على أن يضمن دائماً أغلبية من انصاره في الجمعيات الوطنية التي تم انتخابها في سنوات 1861, 1864, 1867 حتى لو اضطر لاستخدام البوليس بحيث كانت تلك الجمعيات أدوات في يده دائماً.

كما لو تحرك ميشيل أيضاً ضد الجهاز البيروقراطي أي رجال الإدارة وذلك بإقرار إجراءات جديدة جعلتهم يخضعون للفصل من وظائفهم بناء على ظروف معينة. ولقد رحب عموم الناس بهذه الإجراءات لأن أولئك الموظفين (رجال الإدراة) فشلوا في اكتساب حب الناس ومودتهم, كما استعان بحزب المحافظين طوال فترة حكمه, وحرم الحزب الليبرالي المعارض من أن يكون له نفوذ وتأثير عن طريق ملاحقة أعضائه بإجراءات قمع بوليسية بدون ضوابط حتى لقد اضطرهم لمغادرة البلاد حيث أخذوا ينشرون كتاباتهم المضادة للحكم ويعملون على تنظيم مقاومته. وكان أقرب الشخصيات له إيليا جاراشنين رئيس وزرائه أكثر شخصيات الفترة شهرة في الحكومة الدستورية.

ولما كان ميشيل يهتم اهتماماً رئيسياً بالسياسة الخارجية من حيث التوسع القومي إقليمياً رأيناه يزيد عد الميليشيات. ويعيد للحياة الشعار الثوري "أمة مسلحة", ويصدر في أغسطس 1861 قانوناً بتجنيد الذكور الذين يتراوح عمرهم من 20-50 سنة. وبفضل هذه الإجراءات تمكنت الصرب في 1863 من توفير ألف جندي بينما كان عدد سكانها 1.138.000 نسمة, فضلاً عن إنشاء وزارة للحرب وتوفير تسهيلات لتدريب الضباط وإعدادهم الإعداد العسكري اللازم. ورغم سوء تجهيز هذا الجيش وضعف تدريبه, إلا أنه كان أعظم الجيوش التي كانت متمركزة في ستة مدن على رأسها بلجراد وكانت تعد آخر مظاهر الحكم العثماني. وقد نتج عن أحد هذه الإشتباكات في 1862 قيام الأتراك بقصف بلجراد بالمدافع فاستنجدت الصرب بالقوى الدولية الضامنة لاستقلالها. وفي النهاية أدى الضغط الخارجي على الدولة العثمانية إلى انسحاب حاميتين عسكريتين ثم انسحاب باقي الحاميات في 1867, فلم يتبق من مظاهر السيادة العثمانية على الصرب إلا العلم المرفوع على قلعة بلجراد ودفع الجزية السنوية.

وفي الوقت نفسه نجح ميشيل في عقد محالفات مع جيرانه من دويلات البلقان ضد الحكم العثماني, ومن ذلك اتفاقية مع الجبل الأسود في 1866, ومع اليونان 1867, ومع رومانيا 1868 فضلاً عن علاقاته القوية مع المجموعات البلغارية الثورية. وتمشياً مع خطة جاراشنين وضع في اعتباره ضم بلاد الكروات الكاثوليك ضمن الأمة التي يريد تحقيقها حول نواة الصرب. غير أن المفاوضات التي انتهت بعقد تلك المحالفات كشفت عن مدى تناقض أفكار القومية ومعنى الأمة عند شعوب البلقان.

غير أن ميشيل لم يعش ليرى بنفسه تحقيق أي من أهداف سياسته الخارجية إذ انشغل انشغالاً شديداً بمواجهة المعارضة الداخلية التي ظلت تهاجم سياساته الأوتوقراطية حتى تم اغتياله في يونية 1868.

ميلان اوبرنوڤتش الرابع

ميلان الأول من صربيا

لما لم يكن لميهايلو اوبرنوڤتش أبناء يخلفونه في الحكم تولى العرش ابن عمه ميلان اوبرنوفيتش الذي كان في الرابعة عشر من عمره يعيش طفولة مضطربة وبائسة بسبب سمعة أمه التي كانت عشيقة ألكسندر كوزا Cuza حاكم رومانيا. وسرعان ما تم تجهيزه للحكم في وقت قصير جداً تحت مجلس وصاية.

وفي العام التالي لتولي ميلان الحكم صدر دستور جديد في 1869 أعدته جمعية منتخبة من خمسمائة عضو, وتمت صياغته وهو أمر له مغزاه، دون تدخل خارجي على عكس دستور 1838 مع أن الصرب كانت لا تزال جزء من الإمبراطورية العثمانية. وفي أثناء مناقشات وضع الدستور سعى الليبراليون لكي تضمن مواده أفكاتر ليبرالية, بينما سعى مجلس الوصاية لوضع مواد لتقوية السلطة التنفيذية. وفي النهاية وضع دستور أعطى للجمعية الوطنية دوراً تشريعياً قوياً بحيث تقرر ألا يصدر أي قانون أو يعطل أو يعدل أو يفسر دون موافقتها, وتقرر أن يكون 75% من أعضائها بالأنتخاب و 25% يعينهم الحاكم، وتقلص دور مجلس الوصاية ولم يعد أكثر من كونه لجنة إدارية. كما تقرر أن يكون الحكم في الصرب وراثياً في أسرة اوبرنوفيتش.

وبرغم هذا الدستور فقد احتفظ الحاكم بوضع قوي في نظام الحكم إن لم يكن قد احتفظ بكامل السيطرة والسيادة والهيمنة, فقد كان من حقه تعيين 25% من أعضاء الجمعية الوطنية, وإقالتها إذا ما رفضت الموافقة على الميزانية المقترحة وأن يتولى بنفسه تصريف ألأمور وفقاً للقواعد المعمول بها في العام السابق.

كما يلاحظ أن الدستور الجديد على عكس دستور 1838 احتوى على مبادئ عامة عن الحقوق المدنية, والمساواة بين جميع المواطنين، وحقوق الملكية, وحرية القول والمعتقد والصحافة, وكذا حق الشكوى. ولكن لم يرد نص بشأن حرية تكوين الجمعيات والروابط الأهلية, بل إن الحقوق المدنية التي تم منحها خضعت لقانون الأراضي.

ويتعين القول أنه في السنوات السابقة على اعتلاء ميلان العرش شهدت البلاد منجزات اجتماعية وإقتصادية رغم أن اهتمام الحكومة كان مركزاً على مشكلات السياسة الخارجية وليس على المسائل الخاصة بالتنمية الداخلية. وابتداء من حكم ميشيل التهمت النفقات العسكرية نسبة متزايدة من الدخل العام, ولكن استمرت عملية إنشاء المدن وتنميتها وإن ظلت الصناعة دون تطور حقيقي. فالصناعات الديوية هي الغالبة بينما الصناعة الثقيلة الوحيدة القائمة هي صناعة الحديد بغرض تموين الجيش باحتياجاته. وحدث بعض التحسن في المواصلات الداخلية حيث زاد عدد الطرق والكباري، وامتدت خطوط البرق عام 1855 داخل جهات كثيرة, وفي عام 1868 اتصلت بلجراد بكل من ڤيينا واستانبول برقياً. واستمرت العلقات التجارية مع النمسا الشريك الرئيسي ثم مع رومانيا ثم الدولة العثمانية وتمثلت الصادرات الرئيسية في الماشية والمنتجات الحيوانية وتمثلت الورادات الرئيسية في المصنوعات وأدوات الرفاهية.

واتجهت إقتصاديات الريف نحو زيادة إنتاج الحوب وخاصة القمح والذرة, ولكن أهملت تربية حيونات الفلاحة نظراً لإختفاء غابات شجرة البلوط التي كان الفلاح يعتمد على ثمارها في تغذية الماشية ولم يعد باستطاعته إلا تربية عدد قليل من الخنازير. وظل صغار الفلاحين يعانون مشكلة رهن الأرض مقابل القروض حتى صدر قانون زراعي في 1873 يمنع مصادرة الأرض وفاء للدين إذا كانت مساحتها تقل عن ثمانية أفدنة ونصف.

وخلال تلك الفترة بذلت جهود كبيرة لإصلاح التعليم فزاد عدد المدرسين وبلغت نسبة المتعلمين 4.2% من السكان عام 1866. ولما كان ميشيل معني بشكل خاص بأن تكون بلاده الصرب وليس النمسا مركزاً للثقافة الصربية رأيناه يقوم بتشييد مكتبة عامة وكتحف (خمسينات القرن التاسع عشر), ويؤسس الأكاديمية الصربية الملكية للعلوم (ستينيات القرن التاسع عشر) مع الاهتمام بالدراما الغربية والموسيقى.

لقد كانت الصرب خلال فترة الحكم الذاتي من 1830 حتى سبعينيات القرن التاسع عشر منشغلة بإقرار أوضاعها السياسية في المقام الأول, وكان السؤال الرئيسي بدور حول من له حق السطرة على البلاد. الأمير، أم الأوليجاركية, أم جمعية تاسيسية ديموقراطية. وكالعادة كان الأمير يحتفظ بوضعه القوي, ولكن عندما كان يعجز عن القيام بمهامه في الحكم تتولى الأوليجاركية (العسكرية) إدارة شؤون البلاد. وخلال تلك الفترة أيضاً ضمت الصرب بعض الأراضي إلى حدودها، ووسعت من حقوق الحكم الذاتي حتى شؤون الصربيين الداخلية. وحدث أيضأً تحول راديكالي في إطار الاهتمامات السياسية حيث أخذت مسائل التوسع الإقليمي-القومي تسيطر على اهتمام حكام الصرب.

الحكام

The Principality was ruled by the Obrenović dynasty, except for a period under Prince Aleksandar of the Karađorđević dynasty. Princes Miloš and Mihailo Obrenović each reigned twice.

قائمة أمراء الإمارة:

انظر أيضاً

الهامش


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وصلات خارجية

الخرائط