پورتريه ذاتي (دورر، ميونخ)

پورتريه ذاتي
Durer selfporitrait.jpg
الفنانألبرخت دورر
السنة1500
النوعزيت على لوح خشبي
الأبعاد66.3 cm × 49 cm (26.1 in × 19 in)
الموقعآلته پيناكوتك، ميونخ

پورتريه ذاتي (أو پورتريه ذاتي عند سن الثامنة والعشرين مرتدياً ياقة فراء[1]) هي رسم على لوح خشبي بريشة فنان النهضة الألمانية ألبرخت دورر. مرسومة في مطلع عام 1500، مباشرة قبل عيد ميلاده التاسع والعشرين، وهو الأخير من ثلاث پورتريهات ذاتية له. ويعتبر أكثرهم شخصية وأيقونية وتعقيداً بين پورتريهاته الذاتية، وهو الذي ثبت في المخيال الشعبي للفنان.[2]

وما يجعل الپورتريه الذاتي مميزاً هو تشابهه للعديد من التمثيلات السابقة للمسيح. ويلاحظ مؤرخو الفنون التشابه مع قواعد الرسم الديني، بما في ذلك التماثل، الألوان الداكنة والطريقة المباشرة التي يواجه بها الفنان المشاهد ويرفع يديه إلى منتصف صدره، كما لو كان يبارك المشاهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الوصف

اللوحات، عددياً على الأقل، غير ذات شأن بالمقارنة مع اللوحات التي خلفها، في السياق نفسه، شماليان أوروبيان آخران، هما رمبرانت وڤان گوخ. فهذان، أنجزا أعداداً كبيرة من لوحات يرسم كل واحد منهما فيها، وجهه وحالاته النفسية المتقلبة، على مدى عشرات السنين. دورر رسم مثل تلك اللوحات، ولكن من المؤكد أن «الپورتريهات الذاتية» الخالصة التي حققها لا يتعدى عددها العشرة. ومع هذا لم يفته، كما كان يفعل معظم فناني عصر النهضة من إيطاليين وغيرهم، أن يرسم نفسه بين شخوص لوحات جماعية، من حين إلى آخر، ودائماً على شكل شاهد على الأحداث، غير منخرط كلياً فيها. وتبدو لنا «البورتريهات الذاتية» اليوم، على قلة عددها، متميزة، بسبب مقدرتها على التوغل عبر الألوان والخطوط، لا سيما عبر حركة الأيدي - الإرادية - وملامح الوجوه - غير الإرادية - على استشفاف الحال التي كان عليها الرسام يوم حقق اللوحة. والطريف أن دورر نفسه كان يقول دائماً، إنه من المستحيل أن يرسم أي رسام نفسه في شكل صحيح، بينما يمكنه أن يفعل هذا للآخرين. لماذا؟ بكل بساطة، لأن الرسام إذ يشاهد الآخرين مواجهة، وعلى حقيقتهم، لا يمكنه أن يشاهد نفسه إلا معكوساً في المرآة. يومها لم يكن يوجد تصوير فوتوغرافي، فكان على الرسام كي يصوّر نفسه، إما أن ينظر إلى صورته معكوسة في المرآة، وإما أن يلجأ إلى الخيال لتصوّر ما هو كائن حقاً عليه، وإما أخيراً أن ينطلق - في حالات نادرة - من صورة رسمها له زميل. وفي هذه الحالات الثلاث من البدهي أن الرسام لا يمكنه أن يشاهد نفسه على حقيقتها.[3]

پورتريه ذاتي مع وسادة، رسم من 1491-92. هذه الدراسة للپورتريه الذاتي في اللوڤر نـُفـِّذت على ظهر تلك الكنڤاس. لاحظ التشابه في وضع أصابع الرسام، بالرغم من أنه في هذه اللوحة يُظهر يده اليسرى بدلاً من اليمنى.[4]

إذاً، يظل الرسام حائراً في نهاية الأمر بين ذاته، فهل هي حقيقية أو معكوسة؟ مهما يكن من أمرٍ، فإن رمبراندت، زميل دورر الكبير، استعان بالمرآة ليرسم نفسه عشرات المرات. وكذلك فعل دورر، ولكن في عدد من المرات أقل. وهنا، كما فعل رمبرانت أيضاً، لم يصوّر دورر نفسه، بل صوّر من خلال «مرآة ذاته» صورة العالم في زمنه، وصورة لمزاجية ذلك العالم. وهذا أمر تؤكده أعمال دورر الكثيرة، من لوحات زيتية ومحفورات خشبية، جعل من معظمها وسيلة للتعبير عن حال الإنسان في زمنه، في علاقته مع الطبيعة ومع الكون ومع الآخرين. من هنا، فإن «بورتريهاته الذاتية» يمكن اعتبارها صورة لعلاقة المرء مع روحه. وحسبنا للتيقّن من هذا أن نعود إلى «البورتريه الذاتي» الأول المعروف لدينا بتوقيع دورر، وهي تلك التي رسمها في عام 1493، وكان في ذلك الحين في الثانية والعشرين من عمره.

هذه اللوحة معلقة اليوم في متحف اللوفر، ويبلغ ارتفاعها 56 سم، وعرضها 45 سم ويبدو دورر فيها، ضائع الملامح والتعابير بين رجولته وأنوثته، بين خروجه من سن المراهقة ودخوله سن البلوغ. إنه يبدو كأنه الإعلان المسبق عن تلك الحال المحايدة بين الأجناس والأعمار التي سيعبر عنها، لاحقاً، ألماني آخر، هو توماس مان، من خلال شخصية «تادزيو» في رواية «الموت في البندقية»... حال الإنسان في بعده المثالي، كجامع للأعمار والأجناس... الإنسان بالمعنى المطلق للكلمة. الإنسان المثالي. ولا ننسينّ هنا أن دورر الذي عاش في خضم عصر النهضة الإنسانية، كان من قراء الفلسفة والعلوم، الباحثين عن شكل الوجود الإنساني ومعناه، وعن المثل الأعلى الجمالي، عند الإنسان، لا في الطبيعة وحدها ولا في الأعالي وحدها.


الأيقونية

المسيح يبارك بريشة هانز مملنگ، پورتريه تعبدي نمطي لأواخر القرن 15

و«بورتريه» دورر الذاتي هذا الذي قال عنه مواطنه گوته حين رآه، أو رأى لوحة منسوخة عنه بأمانة: «إنني أرى أن لوحة دورر هذه المؤرخة في عام 1493، هي عمل لا يقدّر بثمن». كانت حماسة گوته للوحة كبيرة، ذلك أنه شاهد فيها ما هو في خلفيتها، أكثر مما شاهد سماتها الشكلية الخارجية. والحال، أنه قبل گوته وملاحظاته، كان تاريخ الفن ينظر إلى لوحة دورر المبكرة هذه على أنها المثال الصارخ على الكيفية التي يمكن من خلالها الفنان أن يغوص في الأعماق ويقدم رؤية تتجاوز السطح، مهما كان السطح بديعاً وجميلاً.

المسيح كرجل الأحزان، غير مؤرخة، غالباً 1493-1494، Staatliche Kunsthalle, كارلسروه. This work is often compared to the 1500 self-portrait for its similar facial features and the direct way the subject stares out at the viewer.[5]

حين صوّر دورر نفسه في هذه اللوحة كان بالكاد تجاوز العشرين من عمره، وكان على وشك الزواج كما سنرى. يومذاك كان لا يزال «أجرد» خجول النظرة. ومن الواضح أن شحوبه ونحوله ليسا هنا نتيجة مرضه جسدياً، بل ينمّان عن قلق داخلي عميق، تماماً كما تفعل النظرة الجانبية التي من الواضح أنها نظرة مرآة. بمعنى أن الفنان ينظر إلى نفسه هنا، وهو يصوّر نفسه، إنما عبر المرآة. النظرة تكشف عما قد يبدو لنا أنه حدّة في الشخصية، على رغم الوهن البادي في الملامح. غير أن الأنف القوي الذي ينم عن أصول دورر المجرية، ويكشف أنه لم يكن ألمانياً خالصاً، يعطي السمات كلها تماسكها المدهش، وكأنه دعامة اللوحة - والشخصية - في شكل مطلق. وهذا نفسه يمكن أن يقال عن اليدين اللتين تتناقض قوتهما، مع ضعف ملامح الوجه. ففي اليدين عنفوان ورجولة يعوّضان عن السمات الأنثوية التي تجعل المشاهد يعتقد، ما إن ينظر إلى اللوحة للوهلة الأولى، أن المرسوم فتاة لا شاب. ولنضف إلى هذا أن حرص دورر على أن يجعل يده اليمنى ممسكة بهذه النبتة على هذه الشاكلة، أمر فيه دلالة واضحة، لأنه في ذلك الحين كان رمزاً للتعبير عن كونه رجلاً مقبلاً على الزواج. فالخاطب وحده كان يحمل في الصدر مثل تلك النبتة. والواقع أن جذر النبتة الطويل الذي يتجاوز طوله إحدى اليدين ليتشابك مع اليد الأخرى، إنما هو هنا لتأكيد الرغبة في ديمومة العلاقة التي يتوخاها دورر مع خطيبته التي ستصبح زوجته قريباً.

Inscription from the right mid ground

هذا بالنسبة إلى خطوط هذه اللوحة الفذة. أما بالنسبة إلى ألوانها، فإنها تحكي حكاية أخرى. إنها ألوان واضحة حادة ليس ثمة أي التباس في الحدود التي تفصل بعضها عن بعض. من القبعة إلى الشعر الطويل المتهدّل، إلى القميص والعباءة. فكلها مرسومة في تعبير ينم عن أن دورر كان في ذلك الوقت المبكر من حياته وعمله، لا يزال «قوطي» الاتجاه، على رغم نزعته الإنسانية. والحق أن مقارنة بين هذه اللوحة وأعمال دورر اللاحقة ستكشف لنا أنه سيتحول إلى النزعة الإنسانية الشديدة الواقعية لاحقاً.

في هذه اللوحة رأى دارسو حياة دورر وأعماله، أنه يعبر جيداً عن تأرجحه في ذلك الوقت المبكر بين تأثيرات مدرسة نورنبرگ - مسقط رأسه - ومكتسبات الفن النهضوي الإنساني التي اكتسبها من خلال زيارتين قام بهما إلى البندقية حيث واتاه الحنين إلى المثل الأعلى الجمالي - ما يحملنا هنا أيضاً الى رواية توماس مان المشار إليها - والحقيقة أن هذا التأرجح، إنما يأتي هنا ليعبّر عن رغبة دورر المستحيلة في أن يقيم توليفة، في رسومه وأفكاره، بين عالمين كان بدأ يحس انتماءه إليهما معاً: العالم المتوسطي، والعالم الجرماني، على نسق كان يليق بصديق وقارئ نهم لمارتن لوثر وإرازموس وزڤينگلي وغيرهم من كبار مبدعي الفكر الإنساني.

الفنان

ولد أولبرخت دورر عام 1471، ومات عام 1528، وقد اعتبر دائماً الوجه الأهم في حركة النهضة الفنية والإنسانية في أوروبا الشمالية. وهو، كابن لجواهرجي ثري، وكحفيد لواحد من أكبر مؤسسي الرسم الألماني، دخل المهنة باكراً، بالتواكب مع اطلاعه على الأفكار الإنسانية، ثم دخل المدرسة اللاتينية حيث راحت النزعة المتوسطية تتسلل إلى فكره وأحاسيسه. وهو عاش حياة مليئة بالرحلات والقراءات والرسم، وخلف بعض أجمل ما ينتمي، منذ قرون عدة، إلى الفن الألماني الذي كان من كبار مؤسسيه، والفن الإنساني الذي كان من كبار المعبرين عنه.

معرض

ڤيديو خارجي
Durer, autoritratto di monaco 03.JPG
Dürer's Self-portrait (1500), Smarthistory[6]

الهامش

  1. ^ Shiner, 41
  2. ^ Bailey, 68
  3. ^ ابراهيم العريس (2014-09-10). "«صورة شخصية» لدورر: الجمال المثالي في مرآة الذات". صحيفة الحياة اللبنانية.
  4. ^ Bailey, 38
  5. ^ Bailey, 40
  6. ^ "Dürer's Self-portrait (1500)". Smarthistory at Khan Academy. Retrieved May 2, 2014.

المصادر

  • Bailey, Martin. Dürer. London: Phaidon Press, 1995. ISBN 0-7148-3334-7
  • Brion, Marcel. Dürer. London: Thames and Hudson, 1960.
  • Bartrum, Giulia. Albrecht Dürer and his Legacy. London: British Museum Press, 2002, ISBN 0-7141-2633-0
  • Campbell, Lorne, Renaissance Portraits, European Portrait-Painting in the 14th, 15th and 16th Centuries. Yale, 1990. ISBN 0-300-04675-8
  • Hutchison, Jane Campbell. Albrecht Dürer A Guide to Research. New York: Garland, 2000. ISBN 0-8153-2114-7
  • Koerner, Joseph Leo. The moment of self-portraiture in German Renaissance art. University of Chicago Press, 1996. ISBN 0-226-44999-8
  • Schmidt, Sebastian. »dan sӳ machten dy vürtrefflichen künstner reich«. Zur ursprünglichen Bestimmung von Albrecht Dürers Selbstbildnis im Pelzrock, in Anzeiger des Germanischen Nationalmuseums, 2010, 65–82. ISSN 1430-5496 , 0934-5191 ; 0341-8383
  • Shiner, Larry. The Invention of Art: A Cultural History. Chicago: Chicago University Press, 2003. ISBN 0-226-75343-3
  • Smith, Robert. Dürer as Christ?, in The Sixteenth Century Journal, Volume 6, No. 2, October 1975. 26-36
  • Strauss, Walter L. The Complete Engravings, Etchings and Drypoints of Albrecht Dürer. Dover Books, New York, 1972
  • von Fricks, Julian. "Albrecht Dürer the Elder with a Rosary". In: Van Eych to Durer. Borchert, Till-Holger (ed). London: Thames & Hudson, 2011. ISBN 978-0-500-23883-7