موسيقى إيطاليا

موسيقى إيطاليا
الأصناف: الكلاسيكية (الاوپرا) - الپوپ - روك (Hardcore - الموجة الجديدة - روك تقدمي) - ديسكو - ريفي - هيپ هوپ - جاز
التاريخ وخط زمني
الجوائز جوائز الموسيقى الإيطالية
الجداول اتحاد صناعة الموسيقى الإيطالية
المهرجانات مهرجان سانرِمو الموسيقي - Umbria Jazz Festival - مهرجان راڤـِلـّو - Festival dei Due Mondi - Festivalbar
الإعلام الإعلام الموسيقي في إيطاليا
النشيد الوطني Il Canto degli Italiani
المشاهد المحلية
وادي أوستا - أبروتسو - بازيليكاتا - كلابريا - كامپانيا - إميليا-رومانيا - فلورنسا - Friuli-Venezia Giulia - جنوة - لاتيوم - Liguria - لومبارديا - Marche - ميلانو - Molise - ناپولي - Piedmont - پوليا - روما - سردينيا - صقلية - ترنتينو-ألتو أديگه/جنوب التيرول - توسكانيا - اومبريا - ڤنتو - البندقية
مواضيع ذات صلة
دور اوپرا - Music conservatories - المصطلحات
اللغة الإيطالية
دانته أليگييري
أكاديميا دلا كروسكا
الأبجدية
اللهجات
النحو
الأدب
النطق

 ع  ن  ت

موسيقى إيطاليا تتنوع عبر نطاق واسع من الاوپرا والموسيقى الكلاسيكية ذات الآلات وكم من الموسيقى الشعبية من مصادر محلية ومستوردة. وقد كانت الموسيقى تقليدياً أحد المؤشرات الثقافية للهوية الوطنية والعرقية الإيطالية وتتبوأ مكاناً هاماً في المجتمع وفي السياسة. ولقد أدى الابداع الإيطالي في السلالم الموسيقية والتناغم والتدوين والمسرح إلى تطور الاوپرا في أواخر القرن 16، والكثير من الموسيقى الكلاسيكية الاوروبية المعاصرة، مثل السيمفونية والكونشرتو.

كانت الموسيقى في ذلك المجتمع المرح، مجتمع إيطاليا القرن السابع عشر، نغمة الحياة ونسيمها. لقد خاض هذا الشعب المشبوب العاطفة الحروب في الأوبرات، وحارب معارك الحب في أغانيه الشعرية، بعد أن ألزمته أسبانيا والبابوية السلام رغم إرادته.

واتخذت الآلات الموسيقية عشرات الأشكال. وأصبح الأرغن الآن منفاخاً مزيناً له لوحتا مفاتيح لليدين ولوحة للقدمين، بالإضافة إلى أنابيب متنوعة، وكان هناك بالطبع أراغن متنقلة للشارع. وفي تاريخ مبكر (1598) نسمع بآلة أخرى لها لوحات مفاتيح سميت "البيانو أي فورتي" (أي الخافت والقوي) ورد ذكرها في قائمة الآلات التي يملكها ويعزف عليها الدوق ألفونسو الثاني في مودينا، ولكنا ما زلنا نجهل الفرق بينها وبين "البيلن القيثاري" بنوعيه elavieembalo (الهاربيسكورد) وسپينتا spinetta. وينقضي قرن قبل أن نسمع بالبيانو فورت الثانية. وفي 1709 عرض بارتولوميو كريستوفوري آلة موسيقية سماها gravicemblo col pianoe forte، وكان صانع الآلات الموسيقية لأمير عاشق للموسيقى يدعى فرديناند دي مديتشي بفلورنسة. وكانت هذه الآلة تختلف اختلافاً هاماً وإن كان طفيفاً عن الهاربسيكورد. فالنغمة تصدرها مطرقة صغيرة ترتفع لتقرع وتراً، وفي الإمكان خفض الصوت أو رفعه بتنويع لمس الأصابع للمفتاح-بينما النغمات في الآلات السابقة ذات لوحات المفاتيح تنبعث بوساطة ريشة (من ريش الطير أو الجلد القاسي) ترتفع لتنقر الوتر، ولا يمكن أحداث تنويع في قوة الصوت. وحل البيانو فورت بالتدريج محل الهاربسيكورد في القرن الثامن عشر، لا لأنه يستطيع أن يعزف الأصوات "الخافتة والعالية" فحسب، بل لأن مطارقه كانت تبلى بسرعة أقل مما يبلى ريش الطير.

أما الكمان فقد تطور من القيثارة (الليرة lyre) في القرن السادس عشر، لا سيما في بريشا. فجلب أندريا أماتي فن صنع الكمان إلى كريمونا، وهناك تفوق حفيده نيكولو على جميع منافسيه في هذه الحرفة، إلى أن تفوق عليه هو ذاته تلميذاه أندريا گارنيري وأنطونيو ستراديفاي. وآل گارنيري مثال آخر من الأسر التي جرى فيها النبوغ في نفس الحرفة، فهناك أندريا وولداه پييترو دي مانتوا وجوزيبي الأول، وحفيده پييترو الثاني دي ڤنيتسيا وحفيد أخيه جوزيف الثاني ديل جيزو-الذي جعل پاگانيني يؤثر الكمان على سائر الآلات الموسيقية. وأقدم كمان يحمل توقيع ستراديفاري يرجع تاريخه إلى 1666، حين كان في الثانية والعشرين، وقد كتب عليه "أنطونيوس ستراديفاريوس ألومنوس نيكول أماتي فاتشيبات آنو 1666" ويلي هذا شعاره الشخصي-وهو صليب مالطي والحرفان الأولان من اسمه، أ. س، داخل دائرة مزدوجة. وكان يوقع فيما بعد ببساطة يشوبها الفخر "سترافيداريوس". وقد ألف العمل دون انقطاع، والقصد في الطعام، وعاش ثلاثة وتسعين عاماً، وجمع من الثروة بفضل ما تميزت به آلاته من روعة الجمال والبناء والنغم والصقل ما أصبحت معه عبارة "غني مثل ستراديفاري" مرادفاً كريمونياً للثراء العريض. والمعروف أنه صنع 1.116 كماناً، وڤيولا، وڤيولن‌تشلو، وبقيت منها على قيد الحياة 540 كماناً، بيع بعضها بعشرة آلاف دولار(41). وقد ضاع سر الطلاء الذي كان يصقل به آلاته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

القرن الثامن عشر

اعترفت أوربا للموسيقى الإيطالية بمكان الصدارة وقبلت آلاتها وأشكالها، ورحبت بمزاياها، وتوجت كبار مغنيها الخصان واستسلمت لأوبراها الشجية قبل جلوك وعلى الرغم منه وبعده. وأم جلوك وهاسمي وموتسارت ومئات غيرهم إيطاليا ليدرسوا موسيقاها، وليقفوا على أسرار "الغناء الجميل Bel cant" (الملعلع) من بوربورا أو يتسلموا مدالية بادري مارتيني.

يقول بيرني في معرض حديثه عن البندقية، "إذا سار اثنان معاً يتأبط أحدهما ذراع الآخر، بدا كأنهما لا يتحدثان إلا غناء. فكل الأغاني هناك ثنائيات". وكتب إنجليزي آخر "في ميدان القديس مرقص يرفع رجل من عامة الشعب-حذاء أو حداداً مثلاً-عقيرته بأغنية، وللتو ينضم إليه أشخاص على شاكلته ويشدون بهذه الأغنية في عدة أصوات، بضبط وذوق ندر أن يصادفهما المرء في أرقى المجتمعات في بلادنا الشمالية.

وكان العشق الواقف تحت نافذة حبيبته يداعب أوتار قيثارة أو مندولين كما يداعب قلب عذرائه. وحمل مغنو الشارع أنغامهم إلى المقاهي والحانات، وفي الجندول كانت الموسيقى تعانق هواء المساء، والصالونات والأكاديميات والمسارح تحيي الحفلات الموسيقية، والكنائس ترجها أصوات الأراغن وفرق المرتلين، وفي الأوبرا كان الرجال ينتشون طرباً والنساء يغبن عن الوعي عند سمع لحن من المغنية الأولى أو الخصي المغني. وفي حفلة سمفونية أحييت في روما في مكان لا تغطيه غير نجوم السماء (1758) سمع موريلليه عبارات عاطفية مثل (إيه أيها المبارك! يا للذة الكبرى! أكاد أموت طرباً!). ولم يكن من غير المألوف في دار الأوبرا أن نسمع النشيج يتردد بين الجمهور النظارة.

وأحب القوم آلاتهم الموسيقية حباً فوق وفاءهم للجنس الآخر، وسخوا بالمال ليجعلوا منها تحفاً صنعت بدقة من الخشب الثمين وطعمت بالعاج أو المينا أو رصعت بالأحجار الكريمة، وربما زين الهارب أو القيثارة بالماس. وكان ستراديفاري قد ترك في كريمونا تلاميذ له مثل جوزيني انطونيو جوارنيري ودومنيكو مونتانيانا واصلوا العلم بسر صنع الفيولينات والفيولات والفيولنشلات النابضة بالحياة. وظل الهاربسكورد (الذي كان الإيطاليون يسمونه كلافيتشمالبو) إلى نهاية القرن الثامن عشر آلة المفاتيح المفضلة في إيطاليا رغم أن بارتولوميو كريستوفوري كان قد اخترع البيانو-فورتي بفلورنسة حوالي 1709. وحظي كبار عازفي الهاربسكورد مثل دومنيكو سكارلاتي، أو الفيولينة مثل تارتيني وجمنياني، في هذا الدجيل بشهرة دولية. فكان فرانشسكو جمنياني بمثابة "ليست" أو كما لقبه منافسه تارتيني "مجنون" القوس (إلفوريبوندو). وحين وفد على إنجلترا في 1714 حظي بشعبيته في الجزر البريطانية أغرته بالإقامة هناك معظم سنيه الثماني عشرة الأخيرة.

وقد شجع ظهور أمثال هؤلاء العازفين المهرة على إنتاج الموسيقى الآلية، وكان هذا هو العصر الذهبي للمؤلفات الموسيقية الإيطالية للفيولينة. فاتخذت شكلها الآن-خصوصاً في إيطاليا-الافتتاحية، والمتتالية، والصوناتا، والكونسرتو، والسمفونية، وكلها ركز على اللحن والإيقاع، لا على الكونترابنت البوليفوني الذي كان آنئذ بالغاً أوجه ثم مختتماً حياته مع يوهان سبستيان باخ. وكما أن المتتالية انبثقت من موسيقى الرقص، فكذلك انبثقت الصوناتا من المتتالية. لقد كانت شيئاً يعزف، كما كانت الكنتاتا شيئاً ينشد. وأصبحت الصوناتا في القرن الثامن عشر سلسلة من ثلاث حركات-سريعة (الليجرو أو بريستو)، وبطيئة (أندانتي أو أداجو) وسريعة (بريستو أو الليجرو) ويدس فيها أحياناً سكيرتسو (دعابة) تذكر السامع برقصة الجيجة المرحة، أو مونيتة رشيقة تذكره بموسيقى الرقص. وما وافى عام 1750 حتى كانت الصوناتا، على الأقل في حركتها الأولى، قد طورت "شكل الصوناتا"-وهو عرض موضوعات متعارضة وأطالتها بالتنويع، ثم تلخيصا عند الختام. وبعد تجارب ج. ب. سامارتيني ورينالدودي كابوا في إيطاليا، ويوهان شتامتس في ألمانيا، تطورت السمفونية بتطبيق شكل الصوناتا على ما كان في الماضي افتتاحية أوبرالية أو مصاحبة سردية. وبهذه الوسائل هيأ الملحن اللذة للعقل والحواس معاً، وأعطى الموسيقى الآلية ميزة فنية جديدة هي البنيان المحدد الذي يقيد ويربط اللحن بنظام ووحدة منطقيين. ذلك أنه إذا انعدم البناء في فن ما-أي العلاقة العضوية بين الأجزاء والكل، أو العلاقة بين البداية والوسط والنهاية-كان ذلك معناه انحطاط هذا الفن.

أما الكونسرتو (من اللفظ اللاتيني Concertare ومعناه يتبارى) فقد طبق على الموسيقى مبدأ الصراع الذي هو روح الدراما. فعارض الأوركسترا بعازف منفرد، وأدخل الاثنين في مناظرة هارمونية. وكان شكله المفضل في إيطاليا الكونشرتو جروسو (الكبير)، حيث التعارض بين أوركسترا صغير من الوتريات، و"وكونسرتينو" (كونسرتو صغير) من عازفين أو ثلاثة. وكان ليفاليدي في إيطاليا وهاندل في إنجلترا، وباخ في ألمانيا، الفضل في صقل شكل الكونشرتو جروسو صقلاً مطرداً، وتحدت موسيقى الآلات تفوق الأغنية.

ومع ذلك، ظل الصوت-خصوصاً في إيطاليا-هو الآلة المحببة التي لا ضريب لها. ففي إيطاليا أتيحت له ميزة لغة عذبة رخيمة، تغلب فيها الصوت اللين على الساكن، وتقليد طويل من الموسيقى الكنسية، وفن بالغ الرقي في فنون التدريب الصوتي. هنا ظهر كبار مغنيات الأوبرا (البريمادونات) الفاتنات اللائى يرتقين كل عام سلم الثراء والبدانة، والمغنون الطواشية ذوو الأجسام الريانة الذين كانوا يخرجون من إيطاليا ليأسروا الملوك الملكات. هؤلاء المغنون السوبرانو أك الكونترالتو الذكور جمعوا بين رئات الرجال وحناجرهم، وبين أصوات النساء أو الغلمان. وكانوا بعد أن يطيشوا في سن السابعة أو الثامنة، ويخضعوا لنظام طويل دقيق من التدريب على التنفس والنطق، يتعلمون ترعيشات الصوت وتحلياته وتهدجاته، وتعاقب النغمات السريع ووقفات التقاط النفس-إلى آخر هذه الفنون التي جعلت جماهير السامعين الإيطاليين تهذي طرباً تعبر عنه أحياناً بهتاف هو "ليحيى المسكين الصغير". ذلك أن معارضة الكنيسة (لاسيما في روما) في استخدام النساء على خشبة المسرح وسوء تدريب المغنيات في القرن السابع عشر، كانا قد خلقا طلباً لباه هذا السكين الصغير الذي كان يقطع القنوات المنوية للذكر. وبلغ من عظم مكانة المغنين المطوشين إذا حالفهم الحظ أن بعض الآباء كانوا-بعد أن يغروا الصبي الضحية بالرضى بمصيره هذا-يسلمونه لهذه العملية بمجرد أن تبدو منه أول بادرة صوت رخيم. ولكن كثيراً ما كانت الآمال تخيب، فكنت تجد كل مدينة بإيطاليا كما ذكر بيرني نفراً من هؤلاء الفاشلين "لا صوت لهم على الإطلاق" وبعد عام 1750 اضمحلت بدعة الخصيان هذه، لأن مغنيات الأوبرا تعلمن أن يتفوقن عليهم في نقاء النغمة وينافسنهم في قوة الصوت.

أما أشهر الأسماء في موسيقى القرن الثامن عشر فلم يكن باخ ولا هاندل ولا موتسارت، بل فارينللي-وهذا ليس اسمه الأصلي. والظاهر أن كارلو بروسكي اتخذ اسم خاله الذي كان آنئذ معروفاً في دوائر الموسيقى. وإذ كان كارلو قد ولد في نابلي (1750) لأبوين عريقي الأصل، فما كان لمثله عادة يدخل صفوف المطوشين؛ وروى أن حادثاً أصابه وهو راكب جواده اقتضى إجراء العملية التي أثمرت أبدع صوت في التاريخ. ثم درس الغناء على بوريورا، وصحبه إلى روما، وظهر هناك في أوبرا بوريورا المسماة "إيوميني". وفي أحد الألحان نافس عارفاً على الناي في إطالة نغمة وتضخيمها وغطى عليه في طول النفس، فأتته الدعوات من أكثر من عشرة عواصم. وفي 1727 في بولونيا لقي أول هزيمة له؛ ذلك أنه قاسم أنطونيو برناكي لحناً، فاعترف له بأنه (ملك المغنين)، وتوسل إليه أن يكون معلمه. ووافق برناكي، وسرعان ما بز التلميذ معلمه. وراح فارينللي يحرز الآن نصراً بعد نصر في البلد تلو البلد-البندقية وفينا وروما ونابلي وفيرارا ولوكا وتورين ولندن وباريس. وكان تفننه الصوتي عجيبة العصر. وكان فن التنفس من أسرار براعته، فقد عرف أكثر من أي مغن آخر كيف يتنفس بعمق وسرعة وهدوء، وكان في استطاعته أن يستمر في غناء بنغمة ما بعد أن تتوقف جميع الآلات الموسيقية. وفي لحن Son Qual nave (على أي مركب) بدأ النغمة الأولى مخافتاً لا يكاد يسمع، وطها تدريجياً إلى ملء حجمها، ثم هبط بها شيئاً فشيئاً إلى خفوتها الأولى. وكان جمهور السامعين أحيانا، حتى في إنجلترا-ذلك البلد الرصين-يصفق لهذه العجيبة السعيدة تصفيقاً يمتد خمس دقائق. وقد اكتسب قلوب سامعيه كذلك بحنانه وكياسته ورقته، وكانت هذه الخلال في فطرته كما كانت في صوته. وفي 1737 قام بزيارة لأسبانيا خالها قصيرة، ولكن المكث طال به في مدريد أو قربها ربع قرن وسوف نفتش عليه هناك في فصل لاحق.

وبفضل المغنين الطواشية أمثال فارينللي وسينيزينو، وكواكب الغناء من النساء أمثال فاوستينا بوردوني وفرنشسكا كوتسوني، أصبحت الأوبرا صوت إيطاليا، وبهذه المثابة استمع إليها الناس بابتهاج في كل بلد أوربي إلا فرنسا حيث اشتعلت نار الحرب. وكلمة "أوبرا" كانت في الأصل جمع "opus" ومعناها "أعمال" ولكن الجمع أصبح في إيطاليا مفرداً، واحتفظ بمعناه "العمل"، وما نسميه الآن أوبرا كان يسمى Opera Per Musica-عملاً موسيقياً. ولم تتخذ الكلمة معناها الحالي إلا في القرن الثامن عشر. وإذ كانت متأثرة بتقاليد الدراما اليونانية، فقد صممت أصلاً على أنها تمثيلية تصاحبها الموسيقى، ثم ما لبثت الموسيقى أن طغت على التمثيلية في إيطاليا، وطغت الأغاني (الآريا) على الموسيقى. وصممت أوبرات تتيح عروضاً منفردة لكل مغنية أولى وكل مغن أول في الفرقة. وكان السامعون يتجاذبون الحديث فيما بين هذه القمم المثيرة، وبين الفصول يلعبون الورق أو الشطرنج، ويقامرون، ويأكلون الحلوى أو الفاكهة أو العشاء الساخن, ويتزاورون ويغازلون من مقصورة إلى مقصورة. في مثل هذه المهرجانات كان النص عادة يغرق في طوفان معترض في الأغاني والثنائيات والكوارس والباليهات. وقد ندد المؤرخ لودقيكو موراتوري بطمس العشر على هذا النحو (1701) ووافقه كاتب النصوص أبوستولوتسينو، وانتقد المؤلف الموسيقي بنديتو مارنشيللي هذا الاتجاه في "تياترو على الموضة" (1721). وأوقف متاستاسيو حيناً هذا السيل الجارف، ولكن في النمسا لا في إيطاليا. وناضل جوميللي وتراييتا ضده، ولكن مواطنيها أنكروا عليها هذا النضال، ذلك أن الإيطاليين آثروا في في غير مواربة الموسيقى على الشعر، واتخذوا الدراما مجرد تكئة للأغنية.

وأغلب الظن أنه ما من شكل فني آخر وعاه التاريخ حظي بالشعبية التي حظيت بها الأوبرا في إيطاليا، وما من حماسة ضارعت حماسة جمهور إيطالي يرحب بلحن أو قفلة يشدو بها مغنٍ مشهور. ولو سعل أحد المستمعين في حفلة كهذه لعد ذلك منه جريمة اجتماعية كبرى. وكان التصفيق يبدأ قبل أن تختم الأغنية المألوفة، وتدعمه العصي تدق على الأرض أو على ظهور المقاعد، وكان بعض المتحمسين يقذفون بأحذيتهم في الهواء. وكان لكل مدينة إيطالية تزهو بنفسها قليلاً أو كثيراُ (وأيها كانت مبرأة من الزهو؟) دار للأوبرا، وبلغ عدد هذه الدور في الولايات البابوية وحدها أربعين. وبينما كانت الأوبرا في ألمانيا حفلة رسمية تؤدى في البلاط ويحرم منها جمهور الشعب، وبينما حد من مستمعيها في إنجلترا ارتفاع أسعار الدخول، نجدها في إيطاليا مفتوحة لكل شخص لائق الهندام نظير رسم متواضع، وأحياناً دون رسم على الإطلاق. ولما كان الإيطاليون قوماً يحبون الاستمتاع بالحياة فقد أصروا على أن يكون لأوبراتهم خاتمة سعيدة مهما كان في هذه الأوبرات من فواجع. ثم أنهم أحبوا الفاكهة كما أحبوا رقة العاطفة. فنما بينهم تقليد يقضي بدس فاصل هزلي بين فصول الأوبرا. ثم تطورت هذه الفواصل إلى نوع قائم بذاته حتى لقد نافست (الأوبرا الجادة) في شعبيتها، وأحياناً في طولها. والذي فتن باريس في 1752 كان "أوبرا هازلة-Opera Buffa" وهي الخادمة تنقلب ربة البيت La Serva Padrann لبرجوليزي، التي أشاد بها روسو دليلاً على تفوق الموسيقى الإيطالية على الفرنسية.

أياً كانت الأوبرا الإيطالية، هازلة أو جادة، فإنها كانت قوة في التاريخ. وكما غزت روما مرة غربي أوربا بجيوشها، وكما غزتها كنيسة روما مرة ثانية بعقيدتها، كذلك غزتها إيطاليا مرة ثالثة بالأوبرا. فأزاحت أوبراتها الإنتاج الوطني في ألمانيا والدنمارك وإنجلترا والبرتغال وأسبانيا بل وروسيا، وكان مغنوها معبودي كل عاصمة أوربية تقريباً. واتخذ المغنون الوطنيون أسماء إيطالية لكي يحظوا بالقبول في وطنهم. وسيمضي هذا الغزو الساحر ما بقي للحروف اللينة التفوق في الغناء على الحروف الساكنة.


الموسيقى الكلاسيكية

الآلات المقترنة بالموسيقى الكلاسيكية، بما في ذلك الكمان والپيانو، قد أُختُرِعوا في إيطاليا.
Italian composers Rossini, Bellini, Ricci, Mercadante and Donizetti

وشجع هذا التحسن في الآلات تطور الأوركسترا، وتأليف الموسيقى الآلاتية وأداءها. واكتشف المؤلفون والعازفون في الكمان مرونة في الحركة وتنوعاً في النغم يستحيلان على الصوت البشري، إذا كان في استطاعتهم أن يصعدوا ويهبطوا على السلم الموسيقي بيسر يفوق الوصف فعلاً، وأن يبنوا التنويعات ويتلاعبوا بها، وأن يهربوا من روتين اللحن ويقتحموا الجديد من الإيقاعات، والتطويرات، والتجارب. وأمكن بعد الجمع بين الآلات الكثيرة تحرير التأليف من الرقص ومن الأغنية على السواء، واستطاع التأليف أن يحلق على جناحيه هو في الجديد من المتتاليات، والتجميعات، والأشكال. وكان تومازو فيتالي سباقاً بسوناتات الكمان التي لم يعرف لها مثيل من قبل في غنى الابتكار، والتي أعانت على إرساء تعاقب الحركات السريعة والبطيئة والنشيطة. أما أركانجيلو كوريلي، فقد مهد الطريق بوصفه مؤلفاً وعازفاً ماهراً، للموسيقى الحجرية التي شاعت في القرن الثامن عشر بسوناتاته التي وضعها للكمان، وكان له هو وفيتالي في إيطاليا، وكوناو وهاينريش فون بيبر في ألمانيا، الفضل في إعطاء السوناتا بناء وشكلاً باعتبارها قطعة "تعزف" بالآلات فقط، مقابل "الكانتاتات" التي هي مؤلفات تغني بالصوت. وكوريللي هو الذي قرر شكل "الكونشرتو گروسو" -كمانان وڤيولن‌تشلو واحدة تقود أوركسترا وترياً-بألحان بسيطة مشجية مثل "كونشرتو عيد الميلاد" (1712)، ففتح بذلك طريقاً لكونشرتو ڤيڤالدي وهاندل ومتتابعات باخ الأوركسترية وقد احتفظت ألحان كوريللي بشعبيتها في القرن الثامن عشر فترة طالت حتى لقد خيل لبيرني وهو يكتب حوالي عام 1780 أن شهرتها ستبقى "ما بقي النظام الحالي للموسيقى مبعث بهجة لآذان البشر(42)".

وكما أصبح كوريللي المؤلف المفضل للكمان، فكذلك هيمن ألساندرو شتراديلا على موسيقى هذا العصر الصوتية، بالأصوات الفردية، والثنائية، والثلاثية، والأوراتوريوات. وكانت حياته ذاتها دراما في الموسيقى، وقد حولت إلى تمثيلية وأوبرا. ذلك أنه أحرز في عمله مدرساً للغناء بالبندقية نجاحاً محزناً. فقد فرت معه لروما إحدى تلميذاته الأرستقراطيات، واسمها أورتنسيا، مع أنها كانت مخطوبة لعضو الشيوخ البندقي ألفيزي كونتاريني. وأرسل عضو الشيوخ فتاكاً ليقتلوه. ولكن حين سمعه هؤلاء القتلة المرهفة الحس يرتل الدور الرئيسي في لحنه "أوراتوريو دي سان جوفاني باتيستا" في كنيسة سان جوفاني باللاتيرانو، تأثروا بالموسيقى (كما تقول القصة) تأثرهم جعلهم يقلعون عن القيام بما كفلوا به، ويحذرونه هو ورفيقته ليلتمسا مخبأً آمناً. وفر العشيقان إلى تورينو، ولكن سرعان ما اشتهر ألساندرو هناك بمؤلفاته وصوته شهرة هددته بالخطر. وأرسل كونتاريني فاتكين لا يهويان الموسيقى ليقتلاه، فهاجماه، وتركاه وهما يحسبانه قد مات. ولكنه أفاق، وتزوج أورتنسيا، ورحل معها إلى جنوه. وهناك عثر عليهما مأجورو عضو الشيوخ، فطعناهما طعنات أودت بحياتهما (1682)(43). وظل الأوراتوريو الذي قيل أنه أنقذ حياته محتفظاً بشعبيته قرناً كاملاً، وقد مهد السبيل أمام هندل.

الأوپرا

جوزپى ڤردي، أحد أشهر وأنجب ملحني الأوپرا.

وغدت الأوبرا الآن هوساً في إيطاليا. فالبندقية وحدها كانت بها ست عشرة داراً للأوبرا في 1699، وقد استمعت إلى قرابة مائة أوبرا مختلفة بين عامي 1662 و 1680(44). كذلك أقبلت نابولي على هذه الفرجة المشجعة بما يقرب من هذا التهافت. أما في روما فقد أصبحت الأوبرا رمزاً على حركة علمنة الموسيقى السائرة قدماً، وقد ألف كلمنت التاسع نفسه بعض الفكاهيات الموسيقية قبل أن يرتقي عرش البابوية(45). وكان هناك اضمحلال مؤقت في جودة الأوبرا الإيطالية بعد مونتفردي ففقد الحبكات بعض وقارها ودلالتها، وازدادت سخفاً وعنفاً. وطور فرانشسكو كافالي، أحد تلاميذ مونتڤردي، اللحن المنفرد باعتباره أحلى جزء من العرض، وسرعان ما طالبت الجماهير بسلسلة من الألحان الدرامية، وكانت تحتمل فترات الاستراحة بصبر نافد. وقام الخصيان من الغلمان أو الرجال بكثير من أدوار السوبرانو أو الكونترالتو، ولكن البريمادونات بدأن الآن ينافسن الملكات. ووجه ملتن أغنيات لاتينية إلى ليونورا باروني، وخرجت نابلي على بكرة أبيها لترحب بأم ليونورا، أدريانا بازيلي، أعظم المغنيات السوبرانو إثارة للأحاسيس في زمانها-ولعل أجهزة المسرح الآلية بلغت في هذا العصر الغاية التي ما بعدها غاية. يقول مولمنتي أن مسرح سان كاسيانو، في بندقية القرن السابع عشر، كان يستطيع عند الطلب أن يعرض قصراً ملكياً، وغابة، ومحيطاً، وجبل أولمب، والجنة، ومرة علقت قاعة رقص كاملة الإضاءة، بكل أثاثها وراقصيها، فوق المسرح الثابت، وكانت تخفض لتستقر عليه أو ترفع لتواري عن الأنظار حسب مقتضيات القصة(46).

وحاول ماركانطونيو تشستي أن ينقذ الأوبرا من الأغنية، فأعطى مزيداً من الاتساع والبروز للاستهلال، ومن المنطق والرصانة للرواية، ثم نوع الغناء بالريستاتيف. وكان تشستي وكوريلي كلاهما مبعوثين موسيقيين، حملا الأوبرا الإيطالية الواحد إلى باريس على عهد لويس الرابع عشر، والآخر إلى ڤيينا على عهد ليوبولد الأول. وهكذا كانت أوربا شمال جبال الألب، في فن الأوبرا، مستعمرة إيطالية(47).

وكان أبرز ملحني الأوبرا الآن ألساندرو سكارلاتي. ولقد طغت شهرة ابنه دومنيكو اليوم على شهرته، ولكن اسم "سكارلاتي" كان إلى عهده القريب يعني أليساندرو، وكان دومنيكو أشبه بتوقيع متعاقب سريع على وتر اسم مشهور. وقد وفد أليساندرو على روما وهو في الثالثة عشرة، ودرس حيناً على كاريسيمي، ولحن للكانتاتات، وحفز همته فن ستراديللا وسيرته، وفي العشرين أخرج أولى أوبراته المعروفة L'errore innocente (الغلطة البريئة) وقد أعجبت الأوبرا كرستينا ملكة السويد، فبسطت جناحها على أليساندرو، وأخرجت أوبراته التالية على مسرحه الخاص. وفي 1684 قبل وظيفة "المايسترو دي كابللا" لنائب الملك الأسباني في نابلي، وظل يشغلها ثمانية عشر عاماً، يخرج الأوبرات في تتابع سريع حتى بلغت عند وفاته على الأقل 114، لا يعيش منها اليوم سوى نصفها، ولعل سوليمينا رسم في هذه الفترة اللوحة الممتازة التي ترى في كونسرفاتوريو نابلي الموسيقى-وجه نحيل، يفيض حساسية، وتركيزاً، وعزيمة.

وجاءت حرب الوراثة الأسبانية فكدرت صفاء نابلي، وتأخر صرف راتب سكارلاتي كثيراً حتى اضطر للرحيل إلى فلورنسة مع زوجته وأسرته، ولحن وأخرج الأوبرات تحت رعاية الأمير فرديناند. وبعد عام انتقل إلى روما رئيساً لفرقة مرتلي الكنيسة للكردينال پييترو اوتوبوني، وكان كنسياً مرحاً مثقفاً، خلف كرستينا قطباً وراعياً للفنون في روما، ووزع طاقاته الدنيوية على الفن والأدب والموسيقى والخليلات(48). وفي 1707 ذهب أليساندرو إلى البندقية حيث أخرج رائعته Mitridate Eupatore وهي أوبرا تتميز بخلوها تماماً من تشويق الحب. في ذلك العام دانت نابلي للحكم النمساوي، فدعا نائب الملك سكارلاتي ليعود إلى سابق وظيفته، فوافق، وأنفق هناك العقد الأخير من حياته، حين بلغ أوج شهرته.

وقد قررت أوبراته أسلوباً دام نصف قرن. جعل الاستهلال مؤلفاً هاماً لا يرتبط بالأوبرا، وقسمه إلى ثلاث حركات ظلت قياسية حتى مجيء موتسارت: الألجرو، والأداجيو، والأليجرو. أما اللحن (الآربا) فأعطاه سيطرته النموذجية في القرن الثامن عشر وشكله الأعادي da capo، الذي يعيد فيه القسم الثالث الأول، ونفث فيه الحرارة العاطفة، والحنان، والتلوين الرومانسي، وجعله أداة لإبداعات المغنين في العزف والارتجال، ولكن تكراره قطع الوجدان والحركة قطعاً مفتعلاً. وقد قاوم حيناً طلب الجماهير للألحان العاطفية، وأخيراً أذعن، وظلت دراما الموسيقى خمسين عاماً تحظى بألف انتصار دون أن تنتج آثاراً قادرة على مغالية تقلبات الذوق. واضمحلت الأوبرا حين أيقظها جلوك لحياة وشكل جديدين، في فيينا (1762) وباريس، بجمال أوبرا Orfeo ed Euridice المقيم.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الموسيقى المقدسة

موسيقى الآلات

الباليه

الموسيقى التجريبية

الموسيقى الكلاسيكية في المجتمع

الموسيقى الريفية

المناطق

الأغاني

الآلات

A musical instrument about the size of a harpsichord, with keys, buttons and bellows.
A folk accordion.
Four examples of a primitive wooden flute.
A selection of folk flutes
A simple bagpipe made of cloth with two wooden mouthpieces.
زامپونيا zampogna، آلة قِرَب شعبية.

الرقص

الموسيقى الشعبية



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصناعة

An aisle in a store showing rows of CDs for sale.
Inside a music superstore.


الأماكن والمهرجانات والعطلات


التعليم

Statue of a man sitting on a rock, with an intent look.
Within the courtyard of the Naples Music Conservatory

الهامش

ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.