معلوماتية صحية

الطب المعلوماتي أو المعلوماتية الطبية medical informatics هو حقل جديد من المعرفة يُعنى بالمهام الاستعرافية cognitive ومعالجة المعلومات والاتصالات المتعلقة بممارسة الطب وتعليمه وبحوثه. والطب المعلوماتي هو مجال يتعلق بعدة اختصاصات interdisciplinary في صميمه، ينهل من الطب وعلم الحاسوب والذكاء الصنعي artificial intelligence وعلم المعلومات وعلم النفس الاستعرافي وغيرها. لم يتلقّ الباحثون الرواد تدريباً في الطب المعلوماتي تحديداً، وهذا هو شأن كل المجالات العابرة للاختصاصات في مستهلها، ولكن مع مرور الزمن نشأت رابطات متخصصة (مثل الرابطة الدولية للمعلوماتية الطبية) وظهرت مجلات وأُسست أقسام الطب المعلوماتي وأُلِّف كتاب مدرسي textbook وأصبح من الممكن الحصول على مؤهل علمي عالٍ في الطب المعلوماتي من جامعات متعددة.

Electronic patient chart of a health information system

عندما أصبحت الحواسيب الرقمية متوافرة في الخمسينيات، بدأت الممارسة الطبية بأتمتةِ النشاطات غير السريرية (مثل إصدار الفواتير) وتبديل الجداول الورقية بالحواسيب وبرمجياتها، وحتى بأتمتة نشاطات الأطباء الاستعرافية cognitive (التشخيص الحاسوبي مثلاً). وقد أُثير الأطباء بهذا المنظور، أي بأن الحواسيب تستطيع مواجهة المشكلات الناجمة عن النمو الأُسّي exponential للمعلومات الطبية بأن تخدم كأدمغة مساعدة.

يستمد مجال الطب المعلوماتي جذوره من المحاولات الباكرة هذه، وما زال يتعقب مشكلات البحوث الأصيلة إضافةً إلى تفحُّص شتى المواضيع ذات العلاقة بالمعلومات والطب والتي تتكاثر باستمرار.

إن الفقر المعلوماتي من المشكلات الرئيسة التي تواجه محترفي الرعاية الصحية في العالم الثالث، وتعلق بصورة خاصة على الطب المعلوماتي آمال واعدة لحل هذه المشكلة. فعلى سبيل المثال، يستفيد الأطباء في بعض مشافي الأردن والسعودية من خبرة زملائهم في مستشفى ماساتشوستس العام ومستشفى مايو الجامعي، على الترتيب، عن طريق وسائل الاتصال المباشر التي توفر تكلفة سفر المرضى إلى الخارج.

وفي حين أن هذا التطبيق الأخير مكلفٌ نوعاً ما، هناك تطبيقات أخرى أقل تكلفةً. تزود المكتبات المسجَّلة على (أقراص مدمجة) CD-ROM البلدانَ النامية بأحدث التطورات الطبية تعفيها من الكلفة أو التأخير الناجمين عن شحن أطنان من الورق. يقوم الأطباء في دول إفريقيّة عديدة بالبحث في Medline، ويسألون أسئلةً تجيب عنها المراكز الطبية الرائدة في العالم، ويستشيرون زملاءهم الأطباء في كافة أنحاء العالم بوساطة البريد الإلكتروني. ويتم ذلك من خلال محطة أرضية تتصل بقمر صنعي منخفض الارتفاع تملكه منظمة SatelLife عديمة الربح تستعمل تقانات technologies الاتصالات لمساعدة الأطباء في الدول النامية. لقد استطاعت زامبيا، عن طريق توظيف أقل من 15000دولار، أن تقتني الحواسيب والبرمجيات اللازمة من أجل هذا المشروع، وأن تدرب فريقاً من الموظفين. وقد رُبِطَت المحطة المركزية نفسُها، باستعمال أسلاك الاتصالات المحلية، بوزارة الصحة و20مستشفى في المحافظات لتخدم البلد بأكمله، ويكرر تجربةَ زامبيا اليوم 16بلداً إفريقياً.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اكتساب وتخزين واستخدام البيانات الطبية

يمكن تعريف البيانات الطبية على أنها أي معلومة خاصة بمريض أو بحالته، وتتنوع تلك البيانات والمعلومات المختلفة فتتراوح بين أرقام بسيطة تمثل نتائج بعض الفحوصات كقراءة حرارة الجسم أو عدد كرات الدم الحمراء أو جملا لغوية تصف شكوى المريض أو تاريخ تطور المرض لديه أوانتشاره لدى اسرته أو خلاصة توقيع الفحص الطبي عليه وحتى تلك المعلومات المعقدة كصور الأشعات التشخيصية أو دراسات وظائف الأعضاء وأفلام المناظير. كما تختلف البيانات الطبية في طبيعتها عن الكثير من أنواع البيانات الأخرى التي يتعامل معها الإنسان وذلك لاختلاف دورها الذي تقوم به واختلاف أهميتها في اتخاذ قرارات خاصة بالتشخيص والعلاج.

ولابد من تحديد وتدريب من يقوم بجمع تلك البيانات ورفع مستوى الدقة المفترض في عمليات جمع وتسجيل المعلومات، وتحديد كيفية استخدام البيانات الطبية في دعم الاتصال بين مختلف المؤسسات الطبية والتنبؤ بمشاكل المريض الصحية المتوقعة وخفض معدل تكرار نفس العلاج وتوفير دليل طبي قانوني ودعم الأبحاث الطبية.

و تتمثل نقاط ضعف السجلات الطبية التقليدية في صعوبة استعادة المعلومات المسجلة في الوقت المناسب وربما في صعوبة استعادة السجل الطبي نفسه الذي هو عرضة للتلف أو الفقد، كذلك فإن تلك السجلات الورقية تزدحم فيها المعلومات بشكل غير مرتب أو مفهرس مما يقلل من كفاءتها ومن دورها في دعم الأبحاث الطبية لما تتميز به من خواص السلبية فهي تبقى في انتظار من يقوم باستخراج المعلومات منها دون أن تقوم هي تلقائيا بأي دور حيوي.

وتعد هيكلية البيانات الطبية وطبيعة تكوينها من أهم خواصها المميزة، فهي لا تخضع في أحيان كثيرة لمعايير ثابتة مما يمثل تحديا مستمرا في وضع تلك المعايير ودفع المعلومات الطبية دفعا لتكون في نسق واحد رغم اختلاف مصادرها، وتعد استراتيجيات اختيار البيانات الطبية واستخدامها من أهم عوامل توظيفها والاستفادة منها كاتباع افتراضات علمية كلما تجمعت بعض المعلومات مما يوجه الباحث أو المستخدم إلى الربط بين البيانات المتاحة وبين معلوماته السابقة ويوجهه أيضا إلى اختيار الأسئلة المناسبة وعقد المقارنات مع نتائج الفحوص وعلاقة الحاسب الآلي بذلك كله.


اتخاذ القرار الطبي وقوانين الإحتمال

تتنوع طبيعة القرارات الطبية وعملية التشخيص في ظل عدم الدقة المحتملة في البيانات الطبية ونتائج الفحوص والعلاج مما يواجه الأطباء بالمزيد من الصعوبة في تحديد الإختيار الأمثل والمناسب لكل حالة بعينها، وربما كانت عدم الدقة من طبيعة المعلومات الطبية، حيث لا يمكن دوما التنبؤ بما ستؤول اليه حالة مريض معين بالرغم من توفر بعض نتائج الفحوصات وذلك لأن أجهزة ووظائف جسم الإنسان تمثل أعظم النظم المعقدة التي عرفها البشر وبالتالي فإن القرارات الطبية في الواقع ربما تعتمد بشكل أساسي على قوانين الإحتمال وتقييم نتائج وتبعيات كل احتمال وارد بناء على الخبرات السابقة في مواجهة مثل هذا الإحتمال.

وكذلك فإن عملية تقييم وتصنيف نتائج الفحوص إما كطبيعية أو كمرضية تقوم أيضا على قوانين الإحتمال والتوزيع داخل عينة من الأصحاء، كما أنه من الضروري أيضا تعيين مدى حساسية وتحديد فحوص معينة لنتمكن من الاختيار بين مجموعة من الفحوص لضمان الحصول على نتائج معبرة وقاطعة بقدر الإمكان. تأتي بعد ذلك أهمية دراسات أداء الفحوص واحتمالات الإنحراف في نتائجها تبعا لما تسفر عنه الاكتشافات الحديثة التي ربما تغير أو تعكس تماما معاييرا كنا نظنها من الثوابت، فحقائق الطب اليوم ربما تمحوها وتستبدلها كشوفات العلم غدا، لذا فإن الأطباء يعملون بكل جهد في حدود ما يتوفر لديهم من علم.


لابد من استيعاب عميق للمفاهيم الأساسية المرتبطة بنظم الحاسب الآلي ومعداته وبرمجياته وأجيال تطوره منذ ظهور نماذجه الأولى في الخمسينات والتي كانت بالغة الضخامة وباهظة التكاليف حتى لم يكن ليمتلكها سوى كبرى المؤسسات والمعاهد العلمية، إلى أن أصبح الحاسب الآلي اليوم في متناول الأفراد بتكلفة بسيطة وبإمكانيات هائلة لم تكن تحلم بها مراكز الأبحاث الكبرى ولا حتى وكالة الفضاء الأمريكية نفسها. وظل العلم وما زال يقدم لنا كل يوم بل وكل ساعة جديدا في مجال تطور الحاسب الآلي ونظمه حتى ظهرت أجيال من الأجهزة الشخصية والأجهزة الفائقة والحاسب الفائق والأجهزة الخادمة لشبكات المعلومات.

وتعتمد معظم قدرات كل نوع وجيل من الحاسب الآلي على قدرة وحدة المعالجة المركزية التي تمثل من الحاسب الآلي ما يمثله المخ من الإنسان، بالإضافة إلى التطور الهائل الذي لحق بقدرات ذاكرة الحاسب الآلي وسعتها الاستيعابية وتطور وسائل التخزين من شرائح إلكترونية وشرائط وأقراص ممغنطة وحتى ظهور أقراص الليزر المضغوطة بأجيالها المختلفة، وظلت تلك الوسائل تتسع في قدرة ودقة تخزين المعلومات وتنخفض في نفس الوقت في تكلفتها، وعلى نفس المنوال حدث تقدم كبير في وسائل إدخال المعلومات من لوحات مفاتيح وأقلام ضوئية حتى تطور قدرة تعرف الحاسب الآلي على الصوت البشري ومفردات اللغات المختلفة وما زال البحث مستمرا حتى وعد العلماء البشرية بإمكانية التحدث إلى الحاسب الآلي كما يتحدث الواحد منا إلى الآخر، وتطورت أيضا وسائل الإخراج كالشاشات وأجهزة الطباعة وأخيرا شبكات المعلومات التي أصبح أكبر وأهم وأشهر تطبيقاتها بلا شك شبكة الإنترنت التي أصبحت هي الأخرى في متناول الجميع.

وعلى الطرف الآخر من تطور كل تلك النظم والمعدات، نالت البرمجيات قسطا وافرا من التطور أيضا لتلبي احتياجات استخدامات وتكامل النظم معا في تناسق وتناغم تام، فتطورت أنظمة التشغيل ولغات البرمجة ونظم قواعد البيانات ونظم تكامل الشبكات وأمن المعلومات لتصبح أنظمة الحاسب الآلي وعلوم تطبيقاته عالما متكاملا من المنتجات والخدمات التي تصب في النهاية خلاصة جهدها وثمرة تطورها بين يدي مستخدم ذكي يعرف ما يريد أن يصل اليه وكيف يوظف كل ذلك ليصل إلى ما يريد.

تصميم وهندسة النظم

كيف يمكن لنظم الحاسب الآلي خدمة الرعاية الصحية ؟ إن نجاح أي نظام من نظم المعلومات يعتمد على الإختيار الجيد للمعدات وتوظيف ما يناسبها من برمجيات وملحقات لتناسب في النهاية متطلبات المستخدم وتلائم أنشطة حياته اليومية، ولابد لنا من تعريف النظم التي نتحدث عنها، فالنظام ما هو إلا مجموعة منظمة من الإجراءات والعمليات التي تهدف إلى أداء مهمة معينة.

وقد أدى استخدام نظم المعلومات في الرعاية الصحية إلى العديد من التطورات في مجالات رئيسية منها اكتساب البيانات الطبية من خلال تسجيل بيانات المرضى ونتائج فحوصاتهم المعملية وأشعاتهم التشخيصية وغيرها ومن ثم الإحتفاظ بتلك السجلات وقدرة تواصل وتكامل المعلومات بين أكثر من نقطة رعاية ومؤسسة طبية، وإمكانية البحث ومراقبة البيانات لتعيين قيمها المرضية أو الخطيرة التي تدل على حالة المرض أو درجته، كما أن تلك النظم قد طورت وسائل تخزين المعلومات واستعادتها بما يرفع من كفاءة استخدامها في تحليل البيانات وتحويلها إلى معلومات مفيدة لدعم اتخاذ القرار الخاص بالعلاج أو الفحوص، كما أنها تدعم بذلك قدراتها التعليمية والمرجعية للباحثين والدارسين.

ومن أهم خطوات تصميم وهندسة نظم المعلومات الطبية تعريف وتحليل الحاجة إلى تلك النظم ومن ثم فهم الدور المطلوب منها القيام به، بالإضافة إلى ضرورة اشتراك المستخدمين في عملية التحليل والتطوير من خلال دراسة متطلباتهم وتحديد ما إذا كانت حاجتهم تميل إلى استخدام حلول ونظم جاهزة التصميم أم إلى تصميم نظم خاصة بهم مخلقة حسب حاجتهم ومتطلباتهم. ولتحديد هذا أو ذلك لابد من تحليل عمليات المعلومات المستخدمة لاختيار أو بناء البرمجيات المناسبة مع ضمان تميزها بالخدمات والكفاءة المنشودة.

أهم التطبيقات وفوائدها

  • أتمتة نشاطات السريريين الاستعرافية: كان تطوير برامج حاسوبية تستطيع القيام بالتشخيص أو اتخاذَ قرارات علاجية هدفاً رئيسياً للطب المعلوماتي. وقد كان البحث الرائد المنشور في مجلة Science عام 1959 هو الأول الذي اقترح أن نظرية الاحتمالات وعلم المنطق الافتراضي propositional logic ونظرية القرارات decision theory يمكن أن تخدم أساساً حسابياً لمثل هذه البرامج. وشهدت الستينيات تطبيقاً مباشراً لهذه الفكرة في نطاق التشخيص الاحتمالي لأمراض القلب الولادية والبطن الحاد، وأُسست برامج أخرى على العديد من تقنيات الذكاء الصنعي (مثلاً MYCIN، وهو نظام خبير expert system مشهور لعلاج تجرثم الدم والتهاب السحايا مطوَّر في جامعة ستانفورد، وبرنامج INTERNIST التشخيصي في ميدان الطب الباطني والمطوّر في جامعة بتسبرغ)، وأثمرت بعض هذه المشروعات منتجات متاحة تجارياً. وهناك دليل متوافر بجميع أنظمة الذكاء الصنعي.

أدت برمجة الحواسيب لتقوم بالتشخيص إلى فهم كيفية تفسير (وسوء تفسير) البيانات السريرية من قبل السريريين، والأهم من ذلك، إلى تطوير تقنيات للتفسير الصحيح للبيانات السريرية (مثلاً، تأثير حساسية sensitivity اختبار ما ونوعيته specificity في الاحتمال اللاحق posterior probability للتشخيصٍ مع وجود نتيجة الاختبار). كذلك قدّم هذا العمل تقنياتٍ كميةً لقياس ودمج خيارات المرضى في القرارات عالية الخطر. ويُدرَّس العديد من هذه المواضيع اليوم ضمن مناهج كليات الطب، ويتخلل الأدبَ السريري المنشور.

قبل أن يتبنى الطبيب الممارس أحد هذه البرامج في ممارسته الشخصية؛ عليه أن يدرك أن كلاً من هذه البرامج مبني على طراز model محدّد للتشخيص يتضمن افتراضات مبسِّطة، فمثلاً؛ تفترض برامج كثيرة أن المريض مصاب بأحد الأمراض التي يعرفها البرنامج (مثلاً؛ لا يستطيع البرنامج أن يشخص السواء normal)، وتفترض بعض البرامج أن المريض مصاب بمرض واحد فقط، ولا يستطيع أغلبُها أن يعزو علامة (مثل الطفح) إلى دواء ما، بل يحاول أن يجد مرضاً يفسر هذه العلامة، والأثر النهائي لهذه الافتراضات الطرازية هو أن البرامج قد تخطىء في التشخيص، فأسلم سياسة هي إدراك محدودية البرنامج، واستعمال التشاخيص المقترَحة كمنبه للذاكرة فقط. كذلك يجب أن يؤخذ توافق البرنامج مع الممارسة السريرية بعين الاعتبار، فالبرامج التشخيصية تتطلب عادة أن يُدخِلَ الطبيب الأعراض والعلامات السريرية ونتائجَ الاختبارات المخبرية يدوياً، وكثيراً ما يؤثر الزمن اللازم لإدخال البيانات في جدوى هذه الأنظمة.

  • تبديل اللوائح الورقية بالحواسيب: كان تبديل اللوائح charts الورقية بأخرى إلكترونية من الأهداف الطويلة الأمد للطب المعلوماتي، تتميز اللوائح الإلكترونية بإمكانية الوصول إليها في وقت واحد من قبل سريريين عديدين من مواضع متعددة. إضافة إلى ذلك؛ يمكن عرض البيانات بأشكال عديدة لتناسب مختلف المستخدِمين، ويمكن ضبطها آلياً لكشف أخطاء كامنة، كالتأثر الدوائي.

ولما كان الغالب أن اللوائح الإلكترونية تشبه الجداول الورقية؛ فإن الأطباء الممارسين يجدونها مفهومة ولا يحتاجون إلى معرفة الكثير عنها، اللهم إلا إذا دُعوا للمشاركة في اختيار نظام لها، فعندها توجد أدبيات كثيرة يمكن الرجوع إليها للاستشارة.

فيمايأتي مثالان لمعاير criteria مهمة:

أ ـ يجب قبل تبني السجلات الإلكترونية في ممارسة الطبيب الانتباه إلى الموازنة بين الوقت الإضافي الذي سيحتاج إليه لتسجيل البيانات وفائدة تواجد البيانات إلكترونياً. سيجد الأطباء الذين اعتادوا إملاء البيانات أو تسجيلَها في لوائح ورقية أن إدخال البيانات نفسها في لائحة إلكترونية يحتاج إلى وقت أكثر، ولكن حالما أُدخلت البيانات؛ تشكل سهولةُ الوصول إليها وإمكانيةُ عرضها أو طبعها بأشكال عديدة مزايا معاوضة. ومن ثم؛ فأسئلة التقييم الرئيسية هي: ما عدد الدقائق الإضافية الذي تتطلبه عملية التوثيق لكل مريض؟ هل يمكن اختصار هذا الوقت؟ هل تفوق المزايا المعاوضة الوقتَ المستهلك؟

ب ـ يراجع الكثير من المرضى عدة سريريين (متخصصين وعامين)، فيمكن أن تُسجَّل بيانات مريض من قبل العديد من الممارسين المتوزعين في منطقة جغرافية ما، إذا كانت هناك رغبة في صب هذه البيانات في قالب واحد لتصبح سجلاتٍ مترابطةً للرعاية الطبية؛ فيجب تفضيل الأنظمة الحاسوبية القادرة على التعامل فيما بينها وعلى استعمال تراسيم ترميز البيانات data coding schemes نفسها (عن طريق تقيدها بالمعايير الموجودة).

يلاحظ أن الأنظمة التجارية المتوافرة لعيادات أو مستشفيات فردية هي منتجات ناضجة ومدروسة، ولكن الأنظمة القادرة على التعامل فيما بينها لا تزال قيد الإعداد؛ وقد تستحق الانتظار إذا كانت إمكانية تقاسم المعلومات مهمة في الممارسة.

  • أنظمة التذكير والإنذار: نظام التذكير reminder system هو نظام مؤسَّس على الحاسوب، يقوم بالتمحيص في سجل طبي إلكتروني ليحدد تحقق شروط معينة فيه، فمثلاً؛ عند تسلم نتيجة جديدة لقياس الكرياتنين، يتحقق النظام مما إذا كانت قيمة الكرياتنين الحالية قد ارتفعت مقارنةً بالسابقة وما إذا كان المريض يعالج بدواء سام للكلية أو مطروح عن طريقها، فإن كانت هذه هي الحال قام النظام بإنذار الطبيب. الأسماء الأخرى لمثل هذه الأنظمة هي أنظمة الإنذار alerting systems أو أنظمة الترصد surveillance أو مناطِر الأحداث السريرية clinical event monitors.

وضعت أنظمة التذكير قيد الاستعمال في السبعينيات من قبل ماكدونالد في معهد ريجنستريف Regenstrief في إنديانا ومن قبل الباحثين في مستشفى القديسين المعاصرين LDS Hospital في مدينة سولت ليك بولاية يوتا. وقد برهن عقدان من البحوث بشكل مؤكد على فعالية التذكير، إذ حين يُذكَّر الأطباء فإنهم يقدمون رعاية وقائية أكثر ويصححون الحالات الشاذة أسرع من الأطباء الشواهد controls. وتقلل التذكيراتُ من الأخماج عند المرضى الذين تستطب لهم الصادات بعد الجراحة، وتختصر مدة المكث في المستشفى للمرضى الذين كانت قيم الفحوص المخبرية لديهم تشير إلى حالة مهددة للحياة، وتخفض معدل الأذيات الكلوية لدى المرضى المعالجين بأدوية سامة للكلية، وتحسِّن مراضة النزلة الوافدة (الأنفلونزا) في سنوات الأوبئة لدى المرضى الواجب تلقيحهم.

كذلك يُطبَّق نموذج التذكير في الزمن الحقيقي لحظة تدوين أوامر الطبيب. ويمكن لهذا النمط من التدخل أن يخفض رسوم معالجة مرضى المستشفيات والعيادات بنحو 13% عن طريق صياغة نماذج العلاج للأطباء والتقليل من أخطاء العلاج وغيرها. إن تطوير أنظمة تدوين أوامر الأطباء physician-order-entry systems هو أحد الأهداف الراهنة في مستشفيات كثيرة.

يجب أن يدرك الأطباء القدرة الكامنة لأنظمة التذكير وأنظمة تدوين أوامر الأطباء، بحيث تغدو مثل هذه الأنظمة تدريجياً مكونات معيارية للسجلات الطبية الإلكترونية.

  • تخفيض فرط حجم المعلومات: يعد النمو الأسّي للمعرفة الطبية العامة مشكلة طويلة الأمد سبقت اختراع الحواسيب الرقمية، ويسبب هذا النمو مشكلتين للأطباء الممارسين، أولاهما أنه يُتوقَّع من الأطباء الممارسين أن يتذكروا حجماً عظيماً من معلومات تفصيلية تتجاوز بلا ريب حدود ذاكرة الإنسان، وثانيتهما أن هذه المعلومات متغيرة وبذلك يجد الممارسون صعوبة في المحافظة على حداثة معلوماتهم. لقد كانت الاختصاصات الفرعية حلاً لهذه المشكلة؛ إذ يوزع علم الطب على مجالات ممارسة أصغر ليصبح حجم المعرفة المطلوب، وكذلك عدد المجلات الواجب متابعتها لمواكبة الحاضر، محدوداً.

تقول وجهة النظر السائدة: إن الأطباء لا ينبغي أن يُتوقَّع منهم أن يتذكروا كل الحقائق التي قد يحتاجون إليها، بل يكفيهم تعلم مهارات أساسية (كالفحص العصبي مثلاً) والحقائق الضرورية عموماً، شرط أن يكون لديهم مهارة استخدام أنظمة المعلومات للوصول إلى معلومات إضافية حسب الحاجة. إن واحدة من أهم غايات الطب المعلوماتي هي تطوير مراجع إلكترونيةٍ (مثلاً؛ كتب مدرسية إلكترونية، ككتابَيْ سيسل وهاريسون، وقواعد بيانات بيبليوغرافية، مثل MEDLINE) وأنظمة حاسوبية وتراسيم فهرسة لتأمين مثل هذا الوصول. لقد كانت هذه الغاية الأخيرة في العقد الماضي الهدف الرئيسي لمشروع نظام اللغة الطبية الموحد للمكتبة الوطنية للطب National Library of Medicine في الولايات المتحدة.

  • التدريس والبحوث بمساعدة الحاسوب: يدرك ذوو الضمير الحي من الأطباء أن الانفجار في المعرفة الطبية الحيوية يجعل ما تعلموه في كلية الطب ناقصاً أو قديماً. ولذا يستعمل الكثير من الأطباء اليوم منتجات تعليمية مؤسسة على الحاسوب لزيادة اطلاعهم وتجميع وحدات التعلم الطبي المتواصل continuing medical education credits المطلوبة من قبل مجالس الولايات أو الجمعيات المهنية. تستعمل بعض هذه المنتجات تقانة الوسائط العديدة multimedia ذات الأصوات والصور المتحركة والرسوم البيانية لتأكيد فكرة أساسية أو علامة أو لمحاكاة حالة سريرية. يقوم المجلس الوطني لفاحصي الأطباء National Board of Medical Examiners في الولايات المتحدة بتطوير برنامج محاكاة الحالات السريرية لتقييم معرفة الأطباء وسلوكهم السريريَّين في الجزء الثالث من امتحان المجلس الوطني National Board Examination، أحدِ المتطلبات اللازمة للترخيص بممارسة الطب.

يعتمد الباحثون الطبيون بشكل متزايد في بحوثهم على البيانات المجمَّعة منوالياً (روتينياً) بوساطة أنظمة السجلات الطبية الإلكترونية، وقد طوروا تقنياتٍٍ لاكتشاف العلاقات السببية من هذه البيانات آلياً. وهذا العمل بالغ الأهمية لأن التكلفة العالية للدراسات المنضبطة المعشّاة randomized controlled trials تحول دون استخدامها إلا للإجابة عن الأسئلة البحثية الأكثر إلحاحاً. ويُلاحظ أن مصداقية الاستنتاجات المستنبطة من البيانات المجمعة منوالياً تعتمد على دقة هذه البيانات، وقد درس الطب المعلوماتي دقةَ البيانات في السجلات الإلكترونية والسجلات المؤسسة على الحاسوب ووجدها مشكلةً ذات شأن.

تقييم التقنية

تشتمل عملية تقييم التقنية على فحص واختبار وتقرير خواص التقنية الطبية المستخدمة في تقديم الرعاية الصحية كالسلامة والفاعلية ودواعي الاستخدام والتكلفة والكفاءة، بالإضافة إلى بعض الجوانب الأخرى كالجانب الإجتماعي والاقتصادي والأخلاقي. ويعرض هذا الفصل أهم أهداف دراسة وتقييم التقنية الطبية ودور كل مساهم في عملية التقييم من مقدمي الرعاية الصحية والمرضى وغيرهم من الأفراد والمؤسسات والتحديات المختلفة التي تواجه تلك العملية كطبيعة الطب والرعاية الصحية المعقدة وكذلك الطبيعة المعقدة لنظم المعلومات ومصادرها المبنية على الحاسب الآلي بالإضافة إلى طبيعة الدراسات والتقييم في حد ذاتها.

وعند دراسة مصادر المعلومات الطبية بغرض تقييمها فإننا نتعرض لخمسة عناصر رئيسية وهي الحاجة إلى تلك المصادر وعملية التطوير المرتبطة بها وتركيبها الداخلى ووظيفتها وتأثيرها على المستخدمين والمرضى ومؤسسات الرعاية الصحية، ومن الضروري تحديد المنهج الذي سوف تتبعه عملية الدراسة والتقييم كالبناء العام والمبادئ الفلسفية وتعدد الحلول كعقد المقارنات وتحديد الأهداف والقرارات، بالإضافة إلى ضرورة تحديد مراحل التقييم وتكوين كل منها، كتركيب ومصطلحات دراسات المقارنة والقياس وتحديد استراتيجيات التحكم وتجنب ما يهدد سلامة وصحة الدراسات ومعلوماتها ونتائجها.

بالإضافة إلى كل ما سبق لابد أيضا من أخذ بعض المبادئ في الاعتبار كأهمية تعديل خطة الدراسة والتقييم حسب المشكلة المدروسة والمراد تحليلها وجمع البيانات التي يمكنها أن تفيد في اتخاذ القرارات والبحث عن التأثيرات المتوقعة وغير المتوقعة لاستخدام مصادر المعلومات الطبية الجديدة أو حتى مجرد اكتشافها، كما أنه من المهم دراسة هذه المصادر قبل استخدامها وأثناء تطويرها وبعد استخدامها وتطبيقها عمليا مع تحديد تأثيراتها على البيئة، وأخيرا لابد من إدراك أنه لم ولن تصل دراسة أو تقييم إلى حد الكمال أبدا مما يدفعنا إلى المزيد من البحث والدراسة والتطوير الذي لن ينتهي ما بقينا نسعى إلى المزيد من العلم والمعرفة.

أنظمة السجلات الطبية الإلكترونية

لا تختلف السجلات الطبية الإلكترونية كثيرا عن السجلات الورقية التقليدية في وظيفتها والهدف منها كمرجع لحفظ كافة معلومات المريض من بيانات رئيسية ومعلومات طبية شاملة لكل ما تم إجراؤه من فحوص وتشخيصات وعلاج وتقارير متابعة وقرارات طبية هامة، لكنها تختلف كليا في طبيعتها وخواصها وإمكانيات استخدامها وفوائدها، فهي تمثل – كما ذكرنا – نقطة مركزية تصب فيها وتنشق عنها قنوات عديدة من المعلومات المرتبطة بتقديم الرعاية الصحية للمريض، كما أنها تمتاز بدقة محتواها وسهولة الوصول إليها من خلال تكاملها مع مصادر المعلومات المختلفة من خلال نظم شبكات المعلومات.

ويأتي تكامل بيانات تلك السجلات ليخدم الأطباء ومقدمي الرعاية الصحية ويساعدهم على دقة اتخاذ القرار الخاص بعلاج مريض أو التوصية بإجراء فحوص معينة أو التوصل إلى تشخيص دقيق لحالته، كما تمكنهم طبيعة السجلات الإلكترونية واتصالها بشبكات المعلومات من إدارة عمليات الرعاية الصحية بالكامل من تلك النقطة المركزية حيث أصبح في إمكانهم وصف العلاج أو طلب الفحوص والتحاليل وكذلك متابعة نتائجها والإطلاع على تطورها ومقارنة ذلك بحالة المريض أو نتائج فحوص أخرى مختلفة النوع كالأشعة التشخيصية ونتائج المناظير أو حتى تقارير الجراحات وأجهزة المراقبة الدقيقة. لقد أصبحت كل تلك المعلومات وحدة واحدة متكاملة يمكن الوصول إليها من أي مكان حسب بروتوكولات أنظمة الأمن المطبقة على شبكة معلومات المؤسسات الطبية.

ولما كانت كل تلك المعلومات في صورة إلكترونية فقد أصبحت خاضعة بطبيعة الحال لكل عمليات تحليل البيانات وتنقيبها واستخراج الروابط واستنباط الدلائل للتوصل إلى المزيد من المعرفة والتفسيرات، كما أصبح في الإمكان تطبيق معايير معلوماتية طبية خاصة تضمن صحة البيانات وعقلانيتها لتدعم المزيد من التحليل والأبحاث والدراسات والإحصائيات التي تحاول التوصل إلى أسباب المرض أو تشخيصه وغيرها من الخطوات العلمية الطموحة، كما أنها أيضا تخدم الأغراض الإدارية والاقتصادية للمؤسسات الطبية، فتوجه الاهتمام لما يستحق فعلا الاهتمام دونما إهدار للجهد أو المال لتوفر لتلك المؤسسات الفرصة الحقيقة لتقديم الرعاية والعلاج للمزيد من المرضى الذين تمثل سلامة صحتهم وقايتهم أسمى أهداف البشرية بكل ما تمتلكه من علم وجهد.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إدارة المعلومات في الشبكات المتكاملة

تعتمد مؤسسات الرعاية الصحية كغيرها من المؤسسات الحديثة على توفر المعلومات كمصدر أساسي ووسيلة رئيسية لدعم القرارات الطبية والإدارية، لذا يعد الهدف الرئيسي من نظم المعلومات الطبية هو إدارة المعلومات التي تحتاجها المؤسسات الصحية لتأدية عملها بكفاءة، فهي تسهل اتصال وتكامل المعلومات بين مختلف الأقسام والتخصصات الطبية كما أنها تدعم الأنشطة الإدارية والاقتصادية لتلك المؤسسات. وقد تطورت نظم المعلومات الطبية مع تطور صناعة الرعاية الصحية منذ بداية الستينات في شكل نظم محدودة الكفاءة تخدم أنشطة المستشفيات الرئيسية، حتى ظهرت نظم متخصصة للمعامل والصيدليات متكاملة مع نظم المستشفيات في بداية الثمانينات، بينما تميزت التسعينات بعدة اندماجات بين مؤسسات مستقلة وأحيانا متنافسة بهدف تحقيق رعاية أفضل وربحية أعلى مما خلق الحاجة إلى شبكات المعلومات المتكاملة.

ومن الضروري تحديد متطلبات الشبكات المتكاملة من المعلومات الطبية، كالمتطلبات العملية الخاصة بالأنشطة اليومية للرعاية الصحية ومتطلبات تخطيط برامج المتابعة والعلاج وتوثيق السجلات بغرض استخدامها في المستقبل كمرجع طبي وإداري هام، بالإضافة إلى متطلبات اتصال وتكامل المعلومات والبيانات بمختلف مصادرها، والتكامل مع عمليات الرعاية الصحية من خلال التوافق مع تدفق العمل والتنظيم البشري لعمليات الرعاية الصحية، كما أن هناك متطلبات خاصة بأمن المعلومات وخصوصية المرضى التي يحميها وينظمها القانون وليس فقط ثقة المرضى بالأطباء ومقدمي الرعاية الصحية كما ذكرنا سابقا.

أظهرت دراسات أعدت في الستينات أن أكثر من 25 % من النفقات الإجمالية لتشغيل المستشفيات تتكلفها عملية إدارة المعلومات الطبية المختلفة لذلك فإن أهم فوائد استخدام نظم المعلومات الطبية تخفيض تلك النفقات بالإضافة إلى تحسين جودة الخدمات الطبية من خلال رفع كفاءة الاتصال بين المريض والطبيب وخفض احتمالات الخطأ بالإضافة أيضا إلى الفوائد الاستراتيجية والمستقبلية لاستخدام نظم وشبكات المعلومات من خلال نقل الخبرات وتوثيق المعايير وضمان تحديث المعرفة والمعلومات. وتعتمد إدارة نظم المعلومات في ظل هذا التقدم والتطوير المستمر على تطوير التقنية وتطوير الثقافة والمفاهيم وتغيير عمليات وأهداف مؤسسات الرعاية الصحية بالإضافة إلى تطوير القوانين والمعايير المنظمة لاستخدام المعلومات.

كما أنه من الضروري وضع معايير أيضا لمكونات ووظائف نظم المعلومات الطبية وأجزائها الخاصة مثلا ببيانات المرضى ومعلومات التخصصات والأقسام والوثائق الطبية ودعم القرارات ونظم حسابات المرضى، وقد تطور أيضا تركيب تلك النظم بتطور التقنية التي تعتمد عليها من فكر مركزي في البداية حتى وصلت إلى فكر الشبكات المتكاملة التي تربط كل ما قرب أو بعد من أجهزة ومؤسسات ومتخصصين متأثرة ومؤثرة في نظرة ومفاهيم المجتمعات والشعوب للعلم والتطور والتقنية.

الصحة العامة واستخدام المعلومات الصحية

ان صناعة الرعاية الصحية في القرن الحادي والعشرين تتطلب دمج جهود كل من القطاعين العام والخاص في هذا المجال الذي تدعمه تقنية المعلومات بوسائل متعددة تسهل ربط المعلومات ووصول الأطباء والمرضى إلى المعرفة التي يحتاجونها لضمان أفضل نتائج الرعاية الصحية.

ان العلم الأساسي للصحة العامة هو علم الوبائيات، الذي يقوم بدراسة انتشار ومحددات الأمراض في المجتمع، ولذا فقد قامت معظم نظم معلومات الصحة العامة بالتركيز على جمع ملايين المعلومات الطبية والملاحظات الخاصة بالمصابين بأمرض معينة كالايدز وغيره واستخدام تلك المعلومات في القيام بعشرات الأبحاث والدراسات، ودون أن تشير تلك المعلومات أو تعرف الأشخاص بعينهم على عكس نظم المعلومات الطبية الخاصة بالمستشفيات والمراكز الطبية التي ترتكز أساسا على ربط المعلومات الطبية بشخصية المريض والتأكيد من دقة ذلك. وهذا الاختلاف ناتج عن الفرق بين هدف كل من هذين النظامين، فنظم معلومات الصحة العامة تهتم أكثر بالإحصائيات ونواتج جمع المعلومات وتحليلها على مستوى المجتمع والعالم، أما نظم معلومات المستشفيات فتقوم بالتركيز على تقديم الرعاية الصحية للفرد أو المريض بذاته.

من أجل ذلك، تعد نظم المعلومات الطبية وسيلة أساسية في إدارة معلومات صحة المجتمع وهنا تتضح أهمية ربط معلومات القطاعين العام والخاص لدعم تكامل المعلومات والوصول إليها كمرجع علمي لكل من الأطباء والمرضى على السواء. وتتضح أيضا أهمية إنشاء شبكات المعلومات الطبية كتلك المتوفرة على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) مع ضرورة توثيق محتوياتها علميا واستمرار تحديثها لتحتوى على كل ماهو جديد ومتطور. ويحمل المستقبل الينا المزيد من توجيه التركيز نحو مفهوم الرعاية الصحية المتكامل بدلا من مجرد التركيز التقليدي على علاج الأمراض ووصف الدواء، بما يشتمله هذا المفهوم الجديد من تقديم كل المعلومات المتوفرة عن المريض من كل جوانب حياته وونشأته وبيئته.

نظم رعاية المريض

إن رعاية المريض هي الهدف والمركز الذي تتمحور حوله العديد من الأنشطة الصحية كالتشخيص والعلاج والتمريض والتغذية وغيرها، وبرغم تداخل هذه الأنشطة في أحيان كثيرة إلا أن كل منها له هدفه الخاص ودوره المحدد في تقديم الرعاية الطبية في صورتها النهائية للمريض، بدأ من تقييم حالته ومقارنتها بالمعايير الطبيعية المتوقعة وحتى تحديد خطة العلاج وتوظيف كل الإمكانيات المتاحة.

وتعتمد الرعاية الطبية للمريض على توفر المعلومات التي تؤثر بشكل مباشر في كفاءة تلك الرعاية، وتمر المعلومات بأربعة مراحل رئيسية تبدأ باكتساب المعلومات ثم تخزينها ثم معالجتها وتحليلها ومن ثم تقديمها وعرضها بالطريقة التي تناسب أهميتها وتأثيرها. ومنذ بداية تطور نظم المعلومات الطبية منذ ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن، كانت تلك النظم تقوم بعملياتها الخاصة بالرعاية داخل المستشفى للمرضى المقيمين بصفة مستقلة عن عمليات رعاية مرضى العيادات الخارجية، ولكن تطوير تلك النظم المستمر أدى بالضرورة القاطعة إلى دمج النظامين السابق ذكرهما ليصبح المحور الحقيقي للرعاية الطبية هو المريض نفسه سواء كان مقيما بالمستشفى أو زائرا لعياداتها.

واليوم تتطور نظم معلومات رعاية المرضى من خلال محورين أساسيين، المحور الأول يشمل تطوير نظم تقوم بتسجيل كل المعلومات الأساسية - الإدارية والطبية - عن المريض وتوصيل تلك المعلومات لمختلف نقاط الرعاية والإدارة والأبحاث الطبية والمحور الثاني يشمل تطوير نظم الرعاية المتخصصة بكل فرع من فروع الطب ونشاط من أنشطته المتعددة، ولابد لنا من الإشارة هنا إلى الأبحاث المستمرة الهادفة إلى إنشاء معايير ثابتة تمكن كل تلك النظم من التكامل والتواصل في سبيل تقديم الرعاية الطبية الكافية للمريض وجعله هدفها ومحورها الأساسي.

نظم متابعة ومراقبة المريض

تعد نظم مراقبة المريض والتي تشتمل على القياس المستمر للعديد من المعطيات – كسرعة النبض وانتظام ضربات القلب وضغط الدم ومعدل التنفس وغازات الدم وغيرها – أحد أهم خواص العناية الفائقة بمرضى الحالات الحرجة، وتكمن أهمية القياس المستمر والدقيق لهذه المعطيات المتعددة في دورها المباشر في تحديد مسار العلاج ودعم قرار الطبيب الخاص بحياة المريض.

و بالإضافة إلى ما تقوم به نظم مراقبة المريض من القياس المستمر والدقيق فإنها أيضا تقوم بالإنذار المبكر عندما تختل أحد قيم هذه المعطيات أو تقترب من الخروج عن معدلاتها الطبيعية المسموحة مما يتيح الفرصة للتدخل لتصحيح الموقف وانقاذ حياة المريض الحرجة، كما أن تلك النظم تقوم أيضا بتقديم إرشادات واقتراحات حول كيفية التعامل مع المشكلة ذات الخطورة القائمة من خلال معطيات ومعلومات سابقة التجهيز ومتفقة مع معايير واسس الرعاية في المستشفى وخطط العلاج.

وقد نشأت نظم مراقبة المريض الأليكترونية كتطور طبيعي لفكرة العناية الفائقة لمرضى الحالات الحرجة، التي تطورت بدورها منذ ما يزيد على خمسين عام. وقد بدأت الفكرة بتطوير أجهزة مستقلة لقياس الوظائف الحيوية والمعطيات الأساسية للمريض بدلا من قياسها يدويا، ثم توالت عمليات جمع المعلومات ونتائج التحاليل وتعددت المصادر حتى أصبح من الصعب ربطها وتحليلها جميعا بغير استخدام الحاسب الآلي، مما دعى إلى تطوير نظم متخصصة وبرمجيات متطورة تقوم بربط وتحليل وترجمة كل تلك البيانات والمعطيات والنتائج إلى معلومات ذات قيمة طبية وإرشادات وتوجيهات ذات أهمية بالغة في تحديد مسار العلاج وخطة التعامل مع المريض وحالته الحرجة.

وتقوم اليوم هذه النظم – بالإضافة إلى قياس الوظائف الحيوية للمريض – بقياس ومراقبة العديد من المعطيات المعقدة كرسم القلب وتحديد نوع الخلل في معدل ضرباته وانتظامها، وتحليل نتائج معملية معقدة كصورة الدم وعد مكوناته ونسب كل منها وحساب متغيرات عديدة باستخدام معادلات مركبة وعمليات حسابية مطولة ومن ثم ربط ذلك كله بحالة المريض – وخاصة المشكلة ذات الخطورة المباشرة – وترجمة تلك المعلومات إلى خطوات تنفيذية تغير من شكل خطة العلاج وتؤثر ايجابيا في تحسين حالة الريض بشكل فعال.

نظم التصوير – الأشعة - التشخيصية

هناك العديد من أنواع الصور والأشعات التشخيصية الطبية تعتمد كل منها على طبيعة الطاقة المستخدمة في توليد هذه الصور، فبعضها يعتمد على طيف ألأشعة السينية (أشعة إكس) ويعتمد البعض الآخر على استخدام الأشعة تحت الحمراء أو الموجات فوق الصوتية أو النظائر المشعة وغيرها من أنواع الطاقة.

وتعد الصور والأشعات أحد أهم ركائز عملية الرعاية الصحية حيث تقوم بستة أدوار رئيسية تتنوع بين التشخيص من خلال التصوير لمختلف أجزاء ومناطق الجسم البشري وتقييم مدى تطور مراحل المرض واستجابة المريض للعلاج وتقدير مدى التحسن المتوقع، وإرشاد وتوجيه بعض العمليات العلاجية والتشخيصية الأخرى كالحقن وأخذ العينات من مناطق الجسم وأعضائه المختلفة دون جراحة، وتوفيرإمكانية التواصل ونقل المعلومات الدقيقة إلى أماكن أخرى طلبا للمزيد من آراء الاستشاريين الذين ربما يتعذر عرض المريض عليهم بشكل مباشر، بالإضافة إلى استخدام هذه الصور والأشعات في الأغراض التعليمية والتدريبية للأطباء وطلاب الكليات الطبية المختلفة بما يمكن أن تحمله تلك الأشعات من معلومات وعرض لحالات مرضية نادرة من خلال ترتيب وتنظيم منهجي مدروس، وأخيرا دور تلك الصور والأشعات في تطوير ودعم الأبحاث الطبية المختلفة.

ولكل نوع من أنواع الصور والأشعات دور متخصص يعتمد على طبيعة كل من الطاقة المستخدمة في تكوينها وطبيعة الجهاز أو العضو محل الدراسة والفحص، كما تعتمد كفاءة تلك الأشعات على دقة الصور الناتجة ومدى وضوح تفاصيلها وهو الذي يعتمد بدوره على كمية الطاقة المستخدمة ومدى تطور آلات التصوير وإضافة وسائل معالجة الصور. وتمر عملية التصوير بعدة مراحل قبل أن تصبح ذات قيمة تشخيصية حقيقية، فتبدأ أولا بمرحلة التكوين ثم مرحلة التخزين ثم النقل إلى أجهزة أخرى بعد أن تتم معايرة طبيعتها لضمان التوافق وإمكانية الاستخدام، وأخيرا مرحلة العرض التي تتم خلالها عملية التشخيص الحقيقية بواسطة الأطباء والمتخصصين سواء كان هذا العرض يتم بصورة رقمية على شاشات الحاسبات والأجهزة أم بصورة فيزيائية مادية على أفلام بلاستيكية تقليدية.

وتجدر الإشارة إلى التقدم الكبير الذي حققته وسائل التصوير والأشعات التشخيصية من خلال استخدام أجهزة وبرامج الحاسبات المتخصصة في المعالجة وتوضيح المزيد من التفاصيل وزيادة الدقة من خلال التراكيب ثلاثية الأبعاد في الأشعات الحديثة وتحليل الصور آاليا وغيرها من التقنيات الحديثة التي تمد الطبيب بالمزيد من المعلومات لتضمن بذلك تكاملا مع بقية عمليات الرعاية الصحية وتطويرا لأدائها.

نظم استعادة المعلومات

يمكن تعريف عملية استعادة المعلومات على انها علم وفن التعرف والتوصل والاستخدام الأمثل للمعلومات السابق تخزينها، والتي تتنوع بشكل كبير في مجال المعلوماتية الطبية بصفة خاصة وتتعدد أشكالها من نصوص وأرقام وصور وأشعات ومقالات علمية وغيرها من مقومات عملية الرعاية الطبية ومصادر معرفتها، وتعتمد دقة وكفاءة عملية استعادة المعلومات على العديد من العوامل أهمها فهرسة تلك المعلومات من خلال تنسيق منظم ومترابط بين محتواها العلمي الكامل الموجود في قاعدة بيانات – كالمقالات الطبية المنشورة مثلا – وبين ملخص أو دليل مختصر لما يعرضه النص الكامل، ويقدم هذا الملخص أو الفهرس أبسط وأصغر تمثيل دقيق لكل من النصوص والمصادر مما يمكن من البحث بدقة عن المحتوى الأصلي.

وتقوم الحاجة إلى المعلومات وطبيعتها بدور كبير في توجيه الباحث وتركيز تفكيره بطريقة مباشرة على ما يحتاجه منها وكيف وأين يجدها، مما يساهم بشكل فعال في إنشاء خصائص البحث وتحديد المصطلحات والكلمات ذات الدلالة المباشرة بما هو مطلوب من معلومات، كأن يقوم الباحث بتحديد أكثر الكلمات والمصطلحات ارتباطا بالموضوع الذي يبحث عنه، تماما كما يحدث عندما نقوم بالبحث عن موضوع معين على الإنترنت باستخدام محرك بحث يتم تغذيته ببضعة كلمات ذات دلالة وارتباط بموضوع البحث، ومن ثم التوصل إلى النتائج والتي تتحدد من خلال عمليات متكررة من المقارنة والتصنيف والعرض.

ومن خلال استخدام نظم استعادة المعلومات بشكل متكرر، فإنه يجب على المستخدمين من الباحثين والمطورين لتلك النظم القيام بعمليات تقييم مستمر للنتائج التي يحصلون ومدى دقة وجدوى تلك النتائج مما يسهم بشكل مباشر في عملية تطوير وتحديث نظم استعادة المعلومات. ولما كانت تلك النظم في انتشار مستمر، وصلت الآن إلى صورتها الحالية على شبكة الإنترنت وغيرها من شبكات المعلومات، فقد أصبح من الضروري وضع اسس ومعايير تحكم عملية استعادة المعلومات وتضمن قانونيتها ومسؤولياتها، فقد أصبح كل من يملك موقعا أو جهازا خادما ناشرا لمعلومات ربما كان مصدرها غير موثق أو معترف به علميا مما يعرض مستخدمها لأخطار عديدة، كما أن تلك المعلومات المنشورة أصبحت متاحة للجميع بغير قيود مما قد يهدد حقوق النشر العلمية. ويبقى أن نوضح الفوائد العديدة والإمكانيات المتزايدة التي تتيحها نظم استعادة المعلومات وشبكاتها الحديثة في دعم البحث والتقدم العلمي وما تواجهه تلك الوسائل من تحديات مستقبلية حيث يتحتم على القائمين عليها تقديم المزيد والمزيد من البحث والتوثيق والتحديث للمعلومات لتصبح أكثر فائدة لمستخدميها جميعا.

نظم دعم القرار الطبي

يرتبط مفهوم نظم دعم القرار الطبي بتصورات حول مدى التقدم العلمي الذي يمكن أن يساعدالطبيب في تشخيص المرض وتحديد كيفية العلاج، وربما كان هذا التصور ناشئا عما تقدمه روايات وأفلام الخيال العلمي من صورة للطب بعد بضعة مئات من السنين يظهر الطبيب فيها وهو يوجه جهازا متقدما من أجهزة التشخيص إلى منطقة العلة من جسم المريض فيقوم ذلك الجهاز آاليا بتحديد المرض ونسبة الخلل وأفضل طرق العلاج، ولا يبقى أمام الطبيب سوى التأكد من تنفيذ تلك التعليمات، وفي الواقع فإن مصطلح دعم القرار الطبي ومفهومه الحقيقي واسع النطاق ومتشعب الإرتباط بالعديد من العمليات، ويمكننا القول أن أي عملية تقوم فيها نظم المعلومات بتقديم حقائق أو أرقام أو بيانات تمت معالجتها فإنها تقوم بدعم القرار الطبي بشكل من الأشكال، ولذلك فإن معظم تطبيقات الحاسب الآلي في الطب لها تأثير مباشر أو غير مباشر على عملية دعم القرار الطبي من خلال رفع كفاءته وزيادة دقته.

إن ما تتطلبه عملية اتخاذ القرار الصحيح من مقومات تقع في ثلاثة مجالات رئيسية، أولا توفر المعلومات الدقيقة عن المشكلة، ثم توفر المعرفة والخبرة الكافية وأخيرا توفر مهارات حل المشكلات، فإذا ما اكتملت هذه الجوانب فإننا نصبح على الطريق السليم للوصول إلى قرار ناجح ومؤثر، وتقدم نظم المعلومات دعما كبيرا في كل من هذه الجوانب مما يجعل استخدامها بشكل عام دعما للقرار وتأكيدا لدقته كما سبق وذكرنا. وتقوم نظم المعلومات الطبية بتوفير البيانات حول المريض وتشخيص علته ونتائج تحاليله وأشعاته وفي نفس الوقت تقوم بتوجيه الأنتباه والتركيز على القيم المرضية التي تتجاوز المعدلات الطبيعية للشخص السليم مما يوجه التفكير إلى مسار معين كما تقوم أيضا بتقديم توصيات خاصة بذلك المريض وناتجة عن معالجة تلك البيانات والقيم وربطها بحالته وبياناته الأصلية.

ومنذ بداية استخدام الحاسبات بشكل عام، تنبأ الأطباء والمتخصصون بدورها المستقبلي في مساعدتهم في التشخيص والعلاج، وقد توجه العلماء إلى هذا الفكر منذ أواخر الخمسينات، ومنذ ذلك الوقت مرت تلك الأفكار بالعديد من التجارب العملية والنماذج الأولية حتى وصلت إلى ما نراه اليوم من تطور.

وتواجه نظم دعم القرار الطبي العديد من التحديات والصعوبات الخاصة بالطب والرعاية الصحية، فهى تحتاج إلى اكتساب دقيق وصحيح للبيانات الطبية حول المريض والمرض، وأي خطأ في تلك البيانات سوف يقود بالتبعية لأخطاء في القرار المتخذ، ويظهر التحدي التالي في إمكانية تحويل المعرفة والخبرة الطبية البشرية إلى قوانين وقواعد ومعادلات تحرك برمجيات تلك النظم وتحكم تسلسل عملياتها، ثم تأتي مرحلة معالجة تلك النظم للبيانات الطبية واستنتاج الخطوات المنطقية المرتبطة بكل نوع من أنواع المعلومات من اختيار تحاليل معينة أو التوصية بعمل أشعات محددة للوصول إلى التشخيص الصحيح وحتى تقديم المشورة والتوصيات العلاجية. ويكمن التحدي الحقيقي أمام هذه النظم في التطور الهائل في عمليات الرعاية الطبية ذاتها والتقدم المستمر الذي يحدث في وسائل التشخيص المختلفة، مما يدعو القائمين على تطوير تلك النظم إلى استيعاب كل ذلك بل والتفوق عليه بتقديم المزيد من التطوير في أنظمة المعلومات وقدراتها.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

استخدام الحاسب الآلي في التعليم الطبي

إن أهم أهداف التعليم الطبي بشكل عام هو تزويد طلاب الطب والأطباء بالمعرفة وتدريبهم على كيفية تطبيق واستخدام هذه المعرفة في مختلف المواقف العملية أثناء ممارسة مهنة الطب، ومن أهم أسباب نجاح أي طبيب قدرته المستمرة على تحصيل واستيعاب كل ماهو جديد في تخصصه من معلومات من خلال الوصول قواعد البيانات الطبية المختلفة أو قراءة المنشور من المجلات العلمية والمراجع المتخصصة، ويمكن استخدام الحاسب الآلي في عرض تلك المعلومات الطبية المختلفة من خلال تكوين قواعد بيانات متعددة يتم تحديثها بشكل منتظم، كما يمكن لقواعد البيانات التعليمية تلك أن تضم أيضا مواد مرئية من محاضرات وصور وغيرها بحيث يتمكن الطالب من الرجوع إلى ما يشاء منها دون الحاجة إلى الحضور إلى قاعات المحاضرات، كما يمكن استخدام الحاسب الآلي أيضا في تقييم التحصيل العلمي من خلال اسئلة اختيار متعدد يتم اختيارها بشكل عشوائي وطرحها على الطلاب ثم يتم تقييم اجاباتهم بشكل آلي بناء على الإجابات الصحيحة السابق توصيفها مما يساعدهم في تطوير معارفهم وتقييم مستواهم العلمي وستعدادهم لاجتياز الإمتحانات الحقيقة.

وتعد أهم مميزات استخدام الحاسب الآلي في التعليم عموما، ما يخلقه من بيئة تفاعلية متكاملة، فبدلا من أن يستمع الطالب إلى شريط كاسيت أو فيديو يسرد المعلومات سردا مجردا، فإنه باستخدام الحاسب الآلي يمكنه أولا تصفح محتوى المادة العلمية المتوفرة ثم انتقاء مما يحتاجه منها بالإضافة إلى تفاعل كامل مع المواد المرئية من صور وأشكال تعليمية وكذلك تكوين واستعراض أسئلة تدريبية يمكن اختيار مستوى صعوبتها أو أن تتدرج في الصعوبة حتى تصل بالطالب إلى المستوى الحقيقي الذي يمثل معرفته ومهارته. كما يمكن للبرمجيات التعليمية الطبية خلق نوع من أنواع المحاكاة للجسم البشري وأعضائه المختلفة بهدف تدريب الطالب على مواجهة معطيات أقرب إلى الواقع منها إلى معلومات مكتوبة بشكل روتيني كما يمكنها أن تحاكي العديد من الأدوات والأجهزة الطبية المعقدة التي يصعب تدريب الطلاب عليها بشكل مباشر لتكلفتها أو خطورتها مما يزيد من قدرة الطالب على التعامل مع تلك الأجهزة عندما يواجهها لأول مرة، تماما كما يتم اعداد وتدريب الطيارين على بواسطة نظم المحاكاة المتقدمة.

ومن خلال تطور الإنترنت وغيرها من شبكات المعلومات الدولية، تطورت بشكل كبير فكرة التعليم عن بعد من خلال إتاحة المعلومات الطبية ووسائل تقييم تحصيلها على الشبكة الدولية، بالإضافة إلى اعتماد العديد من الجامعات الدولية عليها في إنشاء دراسات ودرجات علمية يمكن تحصيلها واكتسابها بشكل كامل دون الحاجة إلى السفر إلى تلك الجامعات أو الحضور إلى قاعات محاضراتها، بل إن العديد من الدرجات العليمة أصبح من الممكن اليوم اجتياز امتحاناتها بشكل اليكتروني على الشبكة الدولية.

المعلوماتية الحيوية

يهدف علم المعلوماتية الطبية إلى التركيز على المعلومات الخاصة بعمليات الرعاية الطبية المختلفة ومحورها المركزي وهو المريض، بينما يهدف علم المعلوماتية الحيوية إلى التركيز على المعلومات الخاصة بما هو تحت هذا المستوى المرئي من العلوم الحيوية الأساسية المرتبطة بتطوير الطب والرعاية الصحية كعلم الجينات البشرية والكيمياء الحيوية ووظائف الأعضاء وغيرها.

وقد اتجهت الأفكار إلى استخدام نظم المعلومات في العلوم الحيوية بشكل طبيعي وتلقائي لما يواجهه الباحثون والعلماء في هذا المجال من كمية معلومات هائلة ونتائج متلاحقة وحاجة إلى طاقات كبيرة في معالجة وتحليل كل هذا الكم الذي يعجز العقل البشري على القيام به وحده، فقد ساعدت البرمجيات الحديثة العلماء في تحليل وتفسير اسرار الجينات البشرية، وقد تمكنت أجهزة الحاسبات الحديثة فائقة السرعة والسعة من التعرف على الترتيب الحقيقي لمركبات العديد من الجينات البشرية ومكونات الهورمونات والإنزيمات وغيرها، وتحليل أسباب الأمراض وتتابعات عملياتها على مستوى الأنسجة والخلايا، كما تقوم أيضا برمجيات متخصصة بحسابات دوائية معقدة تختص بتأثيرات المركبات الكيميائية التي تحتويها الأدوية وحساب معدلات أيضها وتفاعلاتها ومحاكاة ما يمكن أن يحدث داخل الجسم البشري.

ويمكن تلخيص القول إلى أن علم المعلوماتية الحيوية هو العلم الداعم بشكل مباشر لتطوير كافة أنشطة الطب والرعاية الصحية، حيث يفسر لنا هذا العلم الأسباب الحقيقية وراء كل ما يحدث من أمراض تصيب الإنسان وكذلك ما تؤثر عوامل الحياة المختلفة والأدوية وغيرها عليه من عمليات حيوية داخل الجسم البشري – على مستوى أنسجته وخلاياه – يترجمها الأطباء والمتخصصون إلى أعراض ومسببات ونتائج تحاليل وأشعات وتحسن عملي في حالة المريض، وكل تطور يحققه هذا العلم الفريد سوف يتبعه بالطبع تطور كبير في الطب والرعاية الصحية.


التطورات المستقبلية

تخضع ممارسة الطب إلى تطور سريع بسبب التغيرات في المعرفة الطبية وفي طريقة تقديم الرعاية الصحية health care deliver إن الحاجات المعلوماتية والاتصالاتية لهذه البيئة المتغيرة باستمرار هي بؤرة العمل الجاري في الطب المعلوماتي.

وفي الوقت الذي يتغير فيه الطب وتقديم الرعاية الصحية؛ فإن تقانة المعلومات المتزايدة التعقيد تسمح بمواجهة مشكلات جديدة تماماً، أو بمواجهة المشكلات المعتادة بطرائق جديدة. فمثلاً، تمكن التطورات التقانية من المعالجة الإلكترونية للصور الطبية ونقل المعلومات عبر الاتصالات اللاسلكية ومخاطبة الحواسيب بلغات البشر وتحسين أداء الأنظمة الطبية الخبيرة، ومن المتوقع أن الإنترنت والشبكة العنكبوتية ستغير طبيعة تفاعل الطبيب والمريض جذرياً. سوف يستمر الطب المعلوماتي بصفته أحد العلوم الأساسية في تطبيق تقانات جديدة لحل المشكلات القديمة والجديدة، وفي تقييم هذه التطبيقات.

أنظر أيضاً

المصادر

20. Andriani Daskalaki (Editor): Informatics in Oral Medicine: Advanced Techniques in Clinical Diagnostic Technologies, Medical Information Science Reference, January 2010, ISBN: 978-1-60566-733-1

وصلات خارجية