مصطفى الحفناوي

مصطفى الحفناوي

مصطفى الحفناوي (1911 - 1980)، هو قانوني وصحفي مصري. كتب الحفناوى وقام بالإعداد القانوني لقرار تأميم قناة السويس الذي أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر في 26 يوليو 1956.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

وُلد الحفناوي في محافظة الشرقية سنة 1911 في مصر. والتحق بكلية الحقوق عام 1931. وكان متشبعاً منذ صغره بسيرة وكفاح الزعيم مصطفى كامل وانتمى إلى شباب الحزب الوطني لفترة وجيزة. وما أن وقعت حكومة مصر معاهدة 1936 حتى انبرى يهاجمها وأصدر كتاباً في تفنيدها مما عرضه للاعتقال بعض الوقت وانشغل بالعمل السياسي والكتابة للصحف لذا تخرج بعد سبع سنوات في الكلية وعمل بالصحافة وبالمحاماة، وكانت القناة قد أصبحت هماً وطنياً لدى قطاعات كبيرة في مصر.[1]


فرنسا.. ووثائق القناة

لذلك قرر الحفناوي أن يواصل دراساته العليا بكلية الحقوق وان تكون قناة السويس ووضعها القانوني موضوعاً لدراسته، ولكنه اصطدم بعقبة لأن أهم وثائق القناة كانت في مقر الشركة بباريس، أي أن القناة على أرض مصر والعمل داخل مصر، لكن إدارة الشركة وكل الأوراق والوثائق المتعلقة بها تنقل الى باريس والأوامر العليا المتعلقة بتشغيل القناة تصدر من لندن وباريس.

ولم يكن غريباً أن الرسائل العلمية عن القناة والتي أعدها مصريون كانت في فرنسا، مثل رسالة د. حسن حسني التي أجيزت من جامعة مونبلييه عن تاريخ القناة عام 1933 ولم يكن بمقدور الحفناوي أن يسافر إلى باريس رسميا لدخول مقر أرشيف شركة القناة للبحث، فاستغل اتصال النحاس باشا به وطلب معاونة الحكومة المصرية، فوجه النحاس وزير خارجية مصر في حكومة الوفد الأخيرة د. محمد صلاح الدين إلى معاونة الحفناوى فى الاتصال بشركة القناة بباريس، والذي أرسله إلى باريس ليكون مستشاراً صحفياً بالسفارة المصرية هناك، واتفق معه أن تكون مهمته البحثية سرية حتى يحصل على المستندات اللازمة. وكان ذلك بغرض عرض قضية استقلال مصر واستعادة قناة السويس من خلال رسالة الدكتوراة. وقد مكنه ذلك من أن يدخل مقر الشركة العالمية لقناة السويس ويطلع على وثائقها جيداً، واكتشف ان الشركة في عقد تأسيسها عام 1856 طبقاً لفرمان والي مصر محمد سعيد باشا إلى ديليسبس هي شركة مساهمة مصرية خالصة وقد أخفت الشركة هذه الوثائق تماماً. وفي يونيو 1951 انتهى من إعداد رسالته ونوقشت في جامعة باريس، وانتهى في هذه الرسالة إلى أن وظيفة القناة وإن كانت عالمية، تمر بها السفن من كافة أنحاء العالم، وطبقاً لاتفاقية القسطنطينية في عام 1888 إلا أن القناة يجب ان تكون محايدة و مركز القناة القانونى أنها مصرية، على أرض مصرية، وحفرت بأيد مصرية وتحملت مصر وحدها معظم تكاليف الحفر، والوظيفة لا يترتب عليها تغيير صفة الملكية ولا أن تمس قوانين الدولة التي تقع فيها المنشأة. وإدارة القناة ستكون مصرية بانتهاء عقد الامتياز، وقد أحدثت الرسالة رد فعل قوي في باريس وفي القاهرة.

مناقشة رسالة الدكتوراه

توقف البروفيسور جيلبير جيدل Gilbert Godel لحظات وقال: "والآن اسمع مني ما لا يرضيك. كيف استبحت لنفسك أن تنعت الفرنسي العظيم فرديناند ديلسپس بأوصاف لا تليق، وما ينبغي أن تدنس بها رسالتك الرائعة هذه ... إنني أطالبك بحذف تلك العبارات".

وأجاب الحفناوى: إني متمسك بها؛ وإنها ليست من صياغتي، وإنما وردت في أسباب الحكم بالسجن خمس سنوات ضد فرديناند ديلسبس في قضية قناة بنما، وقد صدر هذا الحكم من محكمة جنايات السين في باريس، فى آخر أيام ديلسبس؛ وبعد مأساة قناة السويس، وطعن في الحكم بالنقض، ورفض الطعن باسثناء وقف تنفيذ العقوبة البدنية ضد ديلسبس، لأنه كان طاعنا في السن، وتجاوز عمره الثمانين عاما...

قال الأستاذ جيدل: "بي ضعف لهذا الفرنسي العظيم الذي لو أنصفته فرنسا لأقامت له تمثالا في كل ميناء. وبسبب ضعفي هذا أصر على رجائي إياك أن تحذف تلك النعوت... "

الحفناوى: "هل يسمح سيادة الرئيس لمواطن مصري أن يكون به ضعف لوطنه المجني عليه؟"

وعندئذ دوى تصفيق حار من المصرين الذين كانوا بالمدرج، وشاركهم غير المصريين، فتراجع الأستاذ الكبير، وقال بصراحة العالم الشريف: "أنا فرنسي! وأنت مصري، ومن يدري ماذا كنت لأقول لو أنني مصري؟"... ننتقل إلى مسألة أخرى...

وكانت المسألة هي مصير شركة قناة السويس، بعد إذ بين الحفناوى بالرسالة بطلان عقد الالتزام وانعدامه، كما بين الفضائح التي تورطت فيها الشركة ومخالفاتها وجرائمها التي لا تحصى، مستندا إلى ملفات الشركة التي ذُكرت أرقامها في هوامش الرسالة. ومع ذلك لم يطق "جيدل"، الذي وصل القمة في علمه، أن يقرأ دعوة الطالب بتصفية الشركة، واتخاذ إجراءات فورية لذلك، في المدة الباقية حتى يحين يوم ١٦ من نوفمبر سنة ١٩٦٨، واعتبار هذه المدة مرحلة انتقال إلى أخر ما ذكره في رسالته بهذا الخصوص. وأعلن جيدل أنه وزملائه لا يقبلون الحلول التي عرضها في هذا المسألة، ومطلوب منه أن يقترح حلا آخر في الحال، وأن يحاول التوفيق بين مصالح مصر التي يدافع عنها وبين بقاء الشركة واستمرارها، فرد الحفناوى على الفور إنه ليس عنده حل آخر، ثم قال جيدل: "إن قريحة العالم الشاب الذي كتب هذه الرسالة، لا يعجز عن اقتراح حلا آخر يكون معتدلا وتقبله الهيئة"، وشفع ذلك بتهديد في لغة مهذبة قائلا: "إنك باقتراحك الحالي ستعرض وطنك لمتاعب جسام؛ ذلك أن الدول صاحبة المصالح لن تترككم تسيرون في الطريق الذي تدعو إليه" ، فأعلن للهيئة الموقرة إصراره، قائلا: "يبدو لي أنكم أخطأتم فهمي، وتصورتم أني مجرد طالب يبحث هنا عن درجة علمية، درجة دكتور في القانون، وأبادر فأعلن أني متنازل عن درجة الدكتوراه في القانون، فما أنا بحاجة إليها، إنني في مصر محام لدى محكمة التقض، وهنا في باريس مستشار سفارة، ومعنى ذلك أني وصلت في سلم عملي إلى آخر المراحل، فلا حاجة بي للقب دكتور في القانون، أنا هنا محام يبسط للعالم كله من منبر عالمي حر، منبر في جامعة باريس، قضية بلاده العادلة، ويعرض الحلول التي يراها، فإذا استعصى هذا المنبر فإني سأطوي الملف، وأترك باريس، وأذهب إلى بلد آخر فيه منابر حرة لأستعملها".

وهنا دوى صوت جيدل وهو ينادي قائلا: "إن جامعة پاريس كانت دائما وأبدا منبر الأحرار الذين يعرضون منه قضايا الحرية، ونحن نعتز بهذا، ونرحب بك اليوم، كما رحبنا بغيرك، وسنرحب دائما بطلاب الحرية والاستقلال". وبعد المناقشة التى استمرت خمس ساعات ونصف، وبعد المداولة التى استمرت خمسة دقائق، أعلن جيلبير جيدل باسم جامعة السوربون بباريس بمنح درجة الدكتوراة للطالب مصطفى الحفناوى بتقدير جيد جدا مع تهنئة هيئة التحكيم.[2]

بعد عودته للقاهرة

في القاهرة كانت القناة تمثل جرحاً غائراً، وفي مفاوضات معاهدة عام 36 حاول مصطفى النحاس فتح ملف القناة واستعادتها، لكن الانجليز رفضوا، وازداد القلق المصري بعد الوثائق التي كشفها الحفناوي وتثبت تخطيط الشركة لعدم تسليم القناة للمصريين بعد انتهاء الامتياز في عام 1968 بدعوى ان القناة دولية ولا يجب أن تترك للمصريين وأن العالم الحر هو المستفيد منها، وكانت الصحف الفرنسية والبريطانية وبعض الكتاب قد أثاروا بقلق مستقبل القناة، منذ أن وقعت مصر اتفاقية إلغاء الامتيازات الأجنبية في عام 1936 وفي فبراير 1952 بدأ الحفناوي نشر رسالته بالعربية، وصدر الجزء الأول منها بمباركة الملك فاروق شخصياً ومساندة الديوان الملكي، خاصة وأن د. حسن حسني السكرتير الخاص للملك قد أبلغه تهنئة الملك شخصيا.

وفي أغسطس عام 1952، أي بعد أقل من شهر على خلع الملك فاروق دعا البكباشى جمال عبدالناصر د. الحفناوي الى مكتبه ودار بينهما نقاش طويل حول القناة، وفي نوفمبر من نفس العام دعا عبدالناصر الحفناوي الى نادي ضباط القوات المسلحة بحي الزمالك لالقاء محاضرة حول القناة، حضرها عدد من ضباط الحركة المباركة التي سيصبح اسمها فيما بعد ثورة يوليو وتحدث الحفناوي عما توصل اليه وطالب بتشكيل وزارة خاصة بالقناة تعمل على استعادتها من الشركة العالمية ثم تشكل مكتب خاص بالقناة في مجلس الشيوخ، ويتبع رئاسة مجلس الوزراء مباشرة.

وكان د. الحفناوي أبرز العاملين به، وكان المكتب يدرس كل ما يتعلق بالقناة، وفي نوفمبر عام 54 صدر قرار جمهوري بإعادة تشكيل مكتب القناة برئاسة د. حامد سلطان وعضوية محمد الغتيت ومصطفى الحفناوي وكان المكتب يتبع رئاسة الجمهورية ومهمته دراسة أوضاع القناة واحتمال تأميمها ثم كلف عبدالناصر ضابط المخابرات المسؤول عن منطقة القناة بجمع المعلومات عن شركة القناة وما يدور فيها، ودخلت مصر مفاوضات مع الشركة العالمية لزيادة دخل مصر من القناة ولزيادة عدد المصريين الذين يعملون مرشدين ورفضت الشركة بإصرار، وكان دخل القناة 35 مليون جنيه سنوياً نصيب مصر منها 3 ملايين وكان بالقناة 250 مرشداً بينهم 40 مصرياً فقط، وكان كل المسؤولين والمدراء بالقناة من الفرنسيين. وهكذا اختمرت فكرة التأميم في ذهن عبدالناصر، لكنه كان ينتظر التوقيت، وفي 24 يوليو 56 استقبل عبدالناصر د. الحفناوي وصارحه بأنه قرر تأميم القناة، وعهد عبدالناصر الى الحفناوى بإعداد صياغة لقرار التأميم أثناء نفس اللقاء. ثم عرضت الصياغة للاعتماد على بعض القانونيين بعد اعلان التأميم، وكان منهم محمد علي الغتيت والمستشار بدوي حمودة ممثلاً لمجلس الدولة والمستشار حسن نور الدين بوزارة الداخلية.

وطلب ناصر من الحفناوي ألا يتصل بأحد مطلقاً وفى اليوم التالى احضر له مجموعة من الأشخاص في مجلس قيادة الثورة كي يشرح لهم قصة القناة بالكامل وكان من بينهم عبدالحكيم عامر، ثم استدعاه عبدالناصر الى مكتبه بمجلس القيادة وطلب منه ان يراجع كتابة الخطاب الذي سيلقيه مساء 26 يوليو، وكان عبدالناصر يتفاءل بذلك اليوم ويلقي فيه خطاباً بالاسكندرية، باعتبار انه اليوم الذي غادر فيه الملك الأسكندرية، وطلب منه ايضاً ان يعتمد الصياغة النهائية لقرار التأميم.

وحين تشكل مجلس إدارة الهيئة عند اتمام عملية التأميم كان الحفناوي عضواً به ومستشاراً قانونياً للهيئة المصرية، وتولى كافة القضايا التي رفعت على مصر بعد التأميم في أوروبا، وكان قانونياً ومحامياً بارعاً، وارتبط اسمه بالقناة، وفي عام 1957 أصدر طبعة جديدة أنيقة من موسوعته عن القناة في أربع مجلدات، ومن يومها لم تطبع ثانية حتى هذه اللحظة، ورغم أن له مجموعة أخرى من المؤلفات ولم يتوقف عن الكتابة ورغم تاريخه مع الحزب الوطني فإنه يذكر بكتابة عن القناة، ونسى الجميع كل إنجازاته سوى دوره في تأميم قناة السويس وأنه أول من نادى بهذه الفكرة.

مؤلفاته

الجزء الرابع.

من مؤلفاته:

المصادر

  1. ^ "مصطفى الحفناوي.. البطل الحقيقي لمعركة تأميم قناة السويس". جريدة الاتحاد. 2006-08-06. Retrieved 2015-01-02.
  2. ^ من مضبطة مناقشة رسالة دكتوراة الطالب مصطفى الحفناوى (39 سنة) أمام لجنة جامعة السوربون بباريس سنة 1951، برئاسة القانونى العالمى جيلبير جيدل. تقدمة: علي الحفناوي