مصطفى البليدي

مصطفى البليدي رجل أعمال مصري ,امبراطورية بدأت بالصفقات المتكافئة وانتهت بمصنع مستحضرات التجميل. وهو خريج الكلية الجوية, وقد شارك البليدي في حرب اكتوبر.

وقد مات البليدي وخلف وراءه ديونا تقدر بـ200 مليون جنيه وقليل. الحصة الاعظم من المديونية لصالح بنك القاهرة الذي فجر نعيه للبليدي سخرية الوسط المالي ومجتمع رجال الاعمال الذين شبهوه بمن قتل القتيل ثم نعاه، ليعيد الي الاذهان قصة الوزير الذي اتصل بصديقه الراحل اثناء هروبه وترجاه أن يعود وأعطاه الامان، فعاد الراحل آمناً مطمئنا للوعد الوزاري الذي تبخر فور خروجه من صالة الجوازات بمطار القاهرة حين وضع ضباط تنفيذ الاحكام الكلابشات في يده، وتم جره الي السجن وسط ذهول زوجته وأولاده ووسط صدمته الشخصية، وقتها شعر بأنه "الطيب" الوحيد الذي صدق كلام الحكومة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السيرة الذاتية

والده الحاج محمد البليدي ذلك الموظف الصغير في مصنع نسيج يمتلكه أحد اليهود، وبعد قيام الثورة قرر اليهودي أن ينقل ملكية مصنعه لأكثر الموظفين أمانة لحين انتهاء هوجة الثورة وجلاء العسكر عن الحكم، فوقع اختياره علي محمد أفندي البليدي،لكن الرياح أتت لصالح محمد أفندي الذي تحول الي الحاج محمد الذي استطاع ان يحول المصنع الي واحدة من كبري الشركات العاملة في البلد ويتحول الموظف البسيط الي شاهبندر تجار مصر المحروسة.

ولأن العسكر كانوا وش السعد علي الحاج محمد أصر الأب علي دخول ابنه الكلية الجوية ليتخرج منها قبل نكسة يونيو بيومين فخرج من الدار للنار وبعد أن اشترك في حرب اكتوبر قرر البليدي الابن الاكتفاء بهذا القدر من الحروب فقدم استقالته بعد عام من النصر ليتفرغ للعمل الحر.

لم يكن الابن بشطارة الاب لكن دخول العلاقات العامة بقوة في مجال البيزنس، واندفاع الحكومة الي اقتصاد السوق الحر جعل الامور أكثر يسرا أمام رجال الاعمال، لكن ما ساعد علي تحويل شركة البليدي الي امبراطورية ما عرف بـ "الصفقات المتكافئة" مع ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي، فقد كان يحضر مندوب الاتحاد السوفييتي الي القاهرة وينزل في أحد فنادقها الفخمة ويجني ما يجني من المتعة والهدايا فيوافق علي منتجات المصانع المصرية لتصدر الي جمهوريات الاتحاد السوفييتي، وكان من ضمنها مستحضرات التجميل التي كان مصنع البليدي ينتجها.

الكميات الكبيرة التي كانت تصدر الي الاتحاد السوفييتي جعلت البليدي الابن يفكر جديا في انشاء أكبر مصنع لمستحضرات التجميل علي مستوي الشرق الاوسط والسادس علي مستوي العالم، تكلف وقتها 100 مليون جنيه وبني علي مساحة 70 ألف متر في مدينة الرئيس السادات المفضلة "العاشر من رمضان".

لكن انهيار الاتحاد السوفييتي سحب معه مفتاح الكنز المسمي بالصفقات المتبادلة، وجعل انتاج المصنع يتراكم ويتكدس في المخازن حتي اصبح المصنع يعمل بأقل من ربع طاقته ثم توقف بعد أن وصلت الديون مداها.

المدهش أن البليدي في آخر حوار اجري معه علي صفحات «نصف الدنيا» والذي نشر في مايو 2000 أي قبل هروبه بشهرين كان يتحدث عن الامان الكبير في مصر الذي يسمح بالاستثمار بأمان وفي نهاية الحوار تحدث عن دور المرأة في حياته وفي اجابة تقليدية قال امي لها دور كبير في حياتي، وعندما سألته اميمة ابراهيم عن زوجاته قال بشكل مفاجئ إنه تزوج ثلاث مرات رغم أنه تزوج علي الاقل بأربع في النور وعندما ذكرهن أسقط عن عمد زوجته الثانية هدي رمزي.

لماذا فعل البليدي هذا؟ وما هي تفاصيل الزواج الساقط من حسابات البليدي وما هو ترتيبه وسط زيجاته ؟الاجابة كانت عند عادل حمودة في كتابه «هاربون بمليارات مصر».

الزوجة الاولي كانت ابنة خاله وام أولاده محمد وخالد وكريم، استمر الزواج عشرين عاما وقليل، كان أشبه بزواج سري بالمقارنة لما أحدثته زيجاته التالية من صخب وجدل وضعته سريعا أمام الاضواء.

الزوجة الثانية كانت الممثلة هدي رمزي التي اعتزلت الفن بعدها وارتدت الحجاب لترضيه -علي حد قولها- فأعطاها بالمقابل فيللا وسيارة مرسيدس بيضاء.

زواجه بهدي رمزي جري علي مرحلتين الاولي استمرت عاما ونصف العام تخللته ثلاث طلقات الاولي بعد ستة أشهر والثالثة دفعت الاثنين للابتعاد وزواج كل منهما، المرحلة الثانية جاءت بعد الزوجة الرابعة نيفين البكري السورية وكانت هدي رمزي وقت المرحلة الثانية قد أنهت عدد مرات الطلاق من زوجها الثاني سمير عيسي فكان القدر كأنه رتب للاثنين عودة ثانية لكنها لم تستمر طويلا أيضا.

المدهش أن هدي قد أسرت لأحد أصدقائها في الوسط الفني - الذي لا يكتم فيه سر - أن البليدي جاءها بعد المرحلة الاولي وأخبرها بأنه يمر بضائقة مالية فمنحته طاقم ألماس كان قد أهداه لها قبل الطلقة الثالثة بأيام، لكنها فوجئت به علي رقبة ميرفت أمين تتزين به في إحدي المناسبات الفنية.

الزوجة الثالثة كانت الممثلة ميرفت أمين التي عاشت معه ثلاث سنوات انتهت نهاية غريبة كأفلام السينما، فبعد أن أغرقها بالهدايا والمجوهرات والعقارات والثياب أقام لها حفلا اسطوريا في فيللا العجمي انتهي صباح اليوم التالي وعندما استيقظت بعد سهرة طويلة وسعيدة ومرهقة وجدت ورقة الطلاق تطالبها بالخروج من القصر الكبير.

الرابعة كانت مقدمة البرامج السورية نيفين البكري، عاشت معه ستة أشهر فقط لتتزوج من بعده رجل أعمال شابا اسمه احسان دياب، حكم عليه بالسجن فيما بعد في قضية نواب القروض.

الزوجة الخامسة والاخيرة كانت هني تصل اليه بصلة قرابة وكانت متزوجة من قبله من رجل الاعمال شريف سعيد ولديها بنتان أميرة وشيرين.

كانت هني قريبة الشبه من الزوجة الاولي في كونها قريبته وفي كونها ليست مشهورة فلم تكن لا فنانة ولا مقدمة برامج، كانت أشبه بالزوجة المصرية التي تضع زوجها في مصاف الانبياء والملائكة ظلت معه فترة الشقاء الاخيرة ولم تفارقه رغم هروبه وسفره وسجنه ومحاكماته وفترة ابتعاد الاضواء والناس من حوله..كانت لا حول لها ولا قوة في أموره المالية، لذا كانت ورطتها كبيرة بعد عودته الي مصر وسجنه فلم تستطع أن تطول مليما من أمواله في الخارج ولم تستطع أن تدبر أمور المعيشة سوي بفكرة لا تخرج الا من سيدة مصرية تحفر في الصخر حتي يخرج زوجها من السجن فيجد بيته مصونا كاملا معافي تماما كما تركه.

قررت هني أن تقيم مشروعا صغيرا من شقتها الجديدة التي استأجرتها بالقرب من سجن زوجها لتكون بجواره في كل أيام الزيارات، فتعهدت بعمل الوجبات المنزلية وايصالها لمن يطلب، ثم توسعت في مشروعها حتي بدأت تجهز ولائم الافراح والحفلات والمناسبات المنزلية.

ظلت هني علي هذا المنوال حتي خرج زوجها من السجن في احد خروجاته، استعدت هني بكل جوارحها ليعود زوجها الي بيته الجديد، صحيح أنه كان متواضعا لكنه كان محفوفا بالحب والرعاية والحنان، الصدمة أن البليدي لم يذهب الي بيته بل أرسل اليها ورقة طلاقه الاخيرة، كمكافأة نهاية خدمة زوجية شاقة، وفضل أن ينزل في فندق شيراتون الهرم الذي أقيم علي فيللا يوسف وهبي لينتهي مسلسل زواجه وطلاقه الي الابد.

لكن مسلسل أمواله وديونه لم ينته بعد طالما بقي في الحساب دولار وطالما بقيت في خزائن البنوك سندات ملكية وطالما بقي هناك بنك يقتل ثم ينعي ثم يحاسب الورثة علي أحلامهم.

في نهاية عام 2000 كان اجمالي ديونه لبنك القاهرة 149 مليون جنيه و4 ملايين جنيه للبنك المصري الامريكي سابقا.

قبل هروبه أيضا. وفي عام 1995 استطاع البليدي أن يحصل علي صفقة العمر في امريكا عندما اشتري عقارات علي ساحل كاليفورنيا منها قصر كبير وقدرت قيمة الصفقة وقتها بـ83 مليون دولار. وهو ما أثار شكوك البنك ضده لأن قيمة هذه الصفقة بالجنيه المصري وقبل تحرير الجنيه امام الدولار كانت لتبلغ 315 مليون جنيه مصري، حيث اعتقد البنك أن البليدي اقترض منه ليهرب الاموال الي الخارج عن طريق شراء عقارات، لكن ما لم يفهمه البنك أن هذه الاصول الكبيرة تعني أن موقف البليدي المالي لم يكن سيئا بل علي العكس كان قويا للغاية، حتي مع تداول الحواديت والقصص حول علاقاته بالفنانات وزيجاته التي أنفق عليها أموالا طائلة، فهذا السفه شأنه طالما يستطيع السداد، وبالتالي فبدلا من احترامه واحترام قرار عودته لتسوية ديونه قرر البنك غسل يديه من القروض وشغل ماكينة الفوائد المركبة والرجل قابع في السجن بأمر من البنك، ليصل اجمالي الدين بعد الفوائد المركبة إلي 200 مليون جنيه والبنك سعيد بالرقم الذي يستحيل أن يسدد بهذه الطريقة المهم أن البنك غسل يده واطمأن رئيسه انه سيبقي علي كرسيه أطول فترة ممكنة استنادا الي تعنته الذي دفع بقية المتعثرين الي عدم العودة رغم كل محاولات كبار المسئولين باقناعهم للعودة وتسوية الديون.

البليدي الذي مات فقيرا وهو يملك كل هذه الاموال في أمريكا خرج من مصر بعد أن باع قصرا وعزبة علي مساحة 9 أفدنة بالمنصورية قيمتها 34 مليون جنيه وباع قصرا في العجمي بـ12 مليون جنيه الذي شهد حفل ميرفت امين الاسطوري وباع فيللا في الدقي بـ7 ملايين جنيه وباع 3 فيللات في مارينا بـ12 مليون جنيه وتنازل عن حصته في شركات الدلتا للطباعة الحديثة بـ5 ملايين جنيه بخلاف السيارات والمكاتب وما ثقل وزنه وزاد ثمنه كل هذا لم يتجاوز ثمنه، 78 مليون جنيه، فاذا أضفت قيمة المصنع حاليا التي تقدر بـ 72 مليون جنيه يكون البليدي يملك بالفعل أن يسدد قرض بنك القاهرة بسهولة ويسر، لكن الارهاب الذي مارسه بعض القائمين علي الاقتصاد في مصر والمنتفعين بهروب بعض النصابين حتي لا يكشفوا رشاويهم خلط الحابل بالنابل، وخلط بين المتعثرين في ادارة مصانعهم وشركاتهم بسبب ظروف اقتصادية، الحكومة أول من تعلمها من نوعية البليدي وبين النصابين من نوعية المنفوخين بالشحم والدهون.

لكن كل هذا اللغط وكل هذا التطاحن لم يمنع ممدوح حمزة الاستشاري المعروف أن يتنازل عن حقه وجزء كبير من مقابل تعبه وسنين شقاه حتي لا يكون سببا في القضاء علي رجل تعثر فانهالت عليه السكاكين.

فقبل خروج البليدي من مصر أو هروبه لجأ لممدوح حمزة وطلب منه قرضا هو في أمس الحاجة إليه.. فمنحه حمزة مليوني جنيه نصفهم بالدولار وكتب علي نفسه 3 شيكات اتضح بعد هروبه أنها بلا رصيد.. والتي استنادا عليها رفع حمزة دعاوي قضائية ضد البليدي حصل في درجتها الأولي علي أحكام لصالحه..

لكن الأزمة التي مر بها حمزة في قضيته الشهيرة التي انتهت ببراءته ومع ضغوط الاصدقاء قرر حمزة التنازل عن دعاويه كلها ضد البليدي.. فقد ذاق طعم الظلم فلم يرد أن يكون مساهما فيه.

إلا أن البليدي بعد خروجه من السجن لم يرفع سماعة التليفون ويشكر حمزة علي ما فعله، وعلي الرغم من كون حمزة أحد القلائل الذين وقفوا بجواره في أزمته.. فحزن حمزة لرد فعل البليدي.. الأمر الذي دفع جمال علي وهو مدير أمن المطار السابق وأحد مشاهير المجتمع وصديق مشترك بين الرجلين.. للتقريب بينهما ونبه البليدي لضرورة الاعتذار قبل تقديم الشكر لحمزة وهو ما تم بالفعل قبل أسابيع من وفاته.

مات البليدي.. هذا صحيح.. لكن هل ماتت حكاويه وقصصه ومآسيه..


المصادر

  • عبد الفتاح على. "مصطفى البليدي". الفجر.