مشكلة جنوب السودان

أصل ونشأة مشكلة جنوب السودان


جنوب السودان
علم جنوب السودان
النشيد الوطنيSouthern Sudan anthem
موقع جنوب السودان
العاصمة
(وأكبر مدينة)
جوبا
اللغة الرسمية الإنجليزية، عربي جوبا[1]
تسمية السكان سودانيون
حكومة
رئيس الحكومة سيلفا كير ميارديت
نائب الرئيس رياك مشار
المتحدث باسم المجلس التشريعي جيمس واني إيقا
السلطة التشريعية المجلس التشريعي لجنوب السودان
- المجلس الأعلى مجلس ولايات جنوب السودان
التأسيس
- اتفاقية السلام الشامل 9 يناير 2005 
المساحة
المجموع 640٬000 كم2 (10)
247٬105 ميل مربع 
السكان
- توقع  ما بين 7,5 - 9,7 مليون نسمة (2006, UNFPA)[2]
11,000,000 - 13,000,000
(Southern Sudan claim, 2009)[3] 
- إحصاء 2008 8,260,490 (مشكك فيه)[4] 
العملة جنيه سوداني (SDG)
المنطقة الزمنية  (UTC+3)
- في الصيف (DST)  (UTC+3)
جهة القيادة يمين
رمز الإنترنت .sd
رمز الهاتف الدولي 249+

تعديل

تبحث هذه المقالة عن الدور البريطاني في تفجر مشكلة الحرب الأهلية في جنوب السودان، وتنقب في وثائق تلك الفترة عن الأساليب التي اتبعتها لندن للعمل على فصل الجنوب عن الشمال، ولا سيما ما يتعلق منها بدور البعثات التنصيرية وسياسة إضعاف الثقافة العربية وإحلال الموظفين الجنوبيين محل الشماليين ومنع التجار الشماليين من الوصول إلى الجنوب، وتأثير كل ذلك على استمرارية المشكلة حتى يومنا هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ السياسي

  شمال السودان
  دارفور
  الجبهة الشرقية(السودان), منطقة حروب يوليو 2006
  جنوب السودان
  حدود أبيي
أبيي وجبال النوبة والنيل الازرق في استفتاء تحديد المصير في 2011

ركائز السياسة البريطانية

بنت بريطانيا سياستها في الجنوب السوداني على ركيزتين:

- تقليل الوجود الشمالي في الجنوب - إضعاف الثقافة العربية والعمل على منع انتشار الإسلام هناك


بعد قيام الحكم الثنائي (المصري-البريطاني) في السودان عام 1899 قامت سياسة حكومة الخرطوم التي كان يسيطر عليها الجانب الإنجليزي، تجاه جنوب السودان على ركيزتين:

1- إضعاف الوجود الشمالي في الجنوب تحت ذريعة أن هذا الوجود يمكن أن يتسبب في اضطرابات، إذ إن أبناء المديريات الجنوبية لا ينظرون إلى الشمالي إلا من خلال الذكريات القديمة حين كان يعمد بعض أبناء الشمال إلى استرقاق الجنوبيين، مما دعا الأخيرين إلى توصيف الأولين "بالجلابة".

2- إضعاف الثقافة العربية،سواء بإحلال الإنجليزية محل العربية كلغة عامة أو بتشجيع انتشار اللهجات المحلية وتحويلها إلى لغات مكتوبة. ومنع انتشار الإسلام هو الأمر الذي تكفلت به الإرساليات التنصيرية التي أطلق لها حرية العمل الديني في الجنوب على عكس الشمال، حيث قيدت هذه الحرية بميادين التعليم والخدمات الصحية.

وتأسيسا على هاتين الركيزتين يمكن أن نميز بين ثلاث مراحل بين عامي 1899 و1956 في السياسة البريطانية تجاه جنوب السودان.


المرحلة الاولي : التمهيد للارض 1899-1919

عملت بريطانيا على منع انتشار الإسلام في جنوب السودان عن طريق إطلاق حرية العمل الديني للإرساليات التنصيرية في حين خصصت هذه الحرية في الشمال بميادين التعليم والخدمات الصحية


وأهمها عام 1910 الذي مثل نقطة البدء في الاتجاه نحو تطبيق السياسة البريطانية لفصل جنوب السودان عن شماله لسببين:

1- إقامة إدارة فعالة في تلك المناطق الشاسعة (أعالي النيل، بحر الغزال، منجالا) - كان قد تم إنجازه خلال السنوات العشر السابقة. وقد استعانت السلطات الإمبريالية بوسائل متعددة لتحقيق ذلك مثل: تخويل زعماء القبائل بعض الصلاحيات الإدارية، الاستعانة بالإرساليات التنصيرية لتنفيذ ما أسموه "تمدين البشر".

2- أنه قد تم خلال العام المذكور انتقال حاجز اللادو (Lado Enclave) من إدارة حكومة الكونغو إلى إدارة حكومة السودان البريطانية، ونشأ خلاف بين الإبقاء على يوم الأحد كإجازة أسبوعية. إلا أن السلطات المحلية في المديريات الجنوبية خشيت رد فعل الشماليين المسلمين المقيمين في الجنوب على اتخاذ مثل هذه الخطوة.


التخلص من الوجود العربي

كان الوجود العربي الإسلامي في المديريات الجنوبية يتمثل في ثلاث مجموعات: قوات الجيش المصري المعسكرة في الجنوب. الموظفون المصريون والسودانيون ممن كان يحتاج إليهم دولاب الإدارة في الجنوب. التجار الشماليون الذين كان يعمل بعضهم لحسابه الخاص والبعض الآخر لحساب بيوت تجارية في الشمال. وللتخلص من تهديدات المجموعة الأولى أوصى حاكم منجالا في مارس/ آذار 1911 باتخاذ خطوات لتجنيد السودانيين الجنوبيين وتشكيل ما يعرف "بالفرقة الاستوائية".

وانتهى الأمر بخروج آخر جندي من القوات السودانية الشمالية من الجنوب يوم السابع من ديسمبر/ كانون الأول 1917. ولم يمض أكثر من شهر حتى تم الاعتراف بيوم الأحد إجازة أسبوعية.


كما سعت الحكومة الإنجليزية في السودان إلى استبدال المسلمين الشماليين، وقدمت كل التيسيرات لإلحاق الجنوبيين بالمدارس الحكومية ولكن بدون جدوى، الأمر الذي دفعهم في نهاية الأمر لأن يتركوا تلك المهمة للإرساليات التنصيرية. كما فرضت اللغة الإنجليزية في التعليم. كما تم التخلص من التجار الشماليين.

وقد أكد حاكم منجالا "أوين باشا" في كتاب له إلى الحاكم العام يوم 10 يناير/ كانون الثاني 1918 أنه قد نجح في إبعاد من أسماهم "كافة المتعصبين من الجنود أو التجار" وأعرب لسلطات الخرطوم عن رغبته في ألا يعودوا أبدا إلى الجنوب


مرحلة بناء الاسوار 1919-1949

"لا يجوز لأي شخص من غير أهالي السودان أن يدخلها ويبقى فيها إلا إذا كان حاملا رخصة بذلك، ويجوز للسكرتير الإداري أو مدير المديرية منع أي شخص من أهالي السودان من دخول تلك الجهات أو البقاء فيها"


الإعلان البريطاني بإغلاق مناطق جنوبية عام 1922


فرضت ثورة 1919 في مصر تغيرات هامة على السياسة البريطانية في السودان، خاصة في الجنوب الذي كان موضع اهتمام لجنة ملنر Milner التي جاءت للتحقيق في أسباب الثورة، وخصت جنوب السودان بثلاث مذكرات:

1- الأولى بتاريخ 15 فبراير/ شباط 1920 بعنوان "اللامركزية في السودان بهدف فصل الزنوج عن الأراضي العربية" بإقامة خط يفصل الزنوج عن الأراضي العربية يمتد من الشرق إلى الغرب ويسير مع أنهار بارو والسوباط والنيل الأبيض وبحر الجبل.

2- ورأت المذكرة الثانية التي أعدتها حكومة السودان أنه فيما يخص الزنوج، فهي على استعداد لقبول اندماجهم في حكومات أملاك أفريقية أخرى، مثل أوغندا وشرق أفريقيا "وإقامة اتحاد لوسط أفريقيا تحت الإدارة البريطانية يضم بالطبع زنوج السودان".

3- آخر هذه المذكرات وأكثرها صراحة كتبت يوم 14 مارس/ آذار 1920، وجاء فيها بالنص "إن سياسة الحكومة هي الحفاظ بقدر الإمكان على جنوب السودان بعيدا عن التأثير الإسلامي، ففيه يتم توظيف المأمورين السود، وعندما تقتضي الضرورة إرسال كتبة من المصريين يختارون من الأقباط، وأصبح يوم الأحد هو يوم العطلة بدلا من يوم الجمعة، وأخيرا تشجيع المشروعات التنصيرية".


يصبح مفهوما على ضوء هذه المذكرات ما جاء في تقرير اللورد ملنر من أن "الأكثرية الكبرى من أهل مصر متجانسة، أما السودان فمنقسم بين العرب والسود، وفي كل منهما أجناس وقبائل يختلف بعضها عن بعض كثيرا. أما عرب السودان فيتكلمون باللغة التي يتكلم بها أهل مصر وتجمع بينهم جامعة الدين".


بعد شهور من إصدار الحكومة البريطانية لتصريح 28 فبراير/ شباط 1922 الذي اعترفت فيه باستقلال مصر، وفي سبتمبر/ أيلول من ذات العام على وجه التحديد صدر أمر "الجهات المغلقة" Closed Districts الذي تضمن جدولا بجهات معينة تشمل مديرية بحر الغزال ومديرية منجالا والسوباط ومركز بيبور ومديرية أعالي النيل غرب وجنوب خط يمتد من شركيلة إلى ملاكال ومنها شرقا إلى حدود المديرية، تقرر أنه "لا يجوز لأي شخص من غير أهالي السودان أن يدخلها ويبقى فيها إلا إذا كان حاملا رخصة بذلك، ويجوز للسكرتير الإداري أو مدير المديرية منع أي شخص من أهالي السودان من دخول تلك الجهات أو البقاء فيها".


"القبول باستمرار اللغة العربية في الجنوب سيؤدي إلى انتشار الإسلام مما يضيف للشمال المتعصب منطقة لا تقل عنه في المساحة"

السكرتير الإداري البريطاني المستر ماكمايكل


توصيات ومذكرات فصل الجنوب

وفي منتصف عام 1929 قام المندوب السامي البريطاني في القاهرة اللورد لويد بجولة في السودان وعاد بعدها ليكتب مذكرة سرية عما أسماه "مشكلة السياسة التعليمية في جنوب السودان"، بدأها بالقول إن هناك مشكلة لغة في المنطقة الواقعة بين خطي عرض 4 و12 شمالا (الجنوب)، وهي المنطقة التي يعيش فيها السودانيون الوثنيون.

أما طبيعة هذه المشكلة فهي "هل ستبقى اللغة العربية لغة تفاهم عام؟". أجاب على تساؤله من خلال عرض مذكرتين كتب أولاهما المستر ماكمايكل السكرتير الإداري Civil Secretary، ووضع الثانية المستر ماثيو سكرتير إدارة المعارف.

المذكرة الأولى ذكرت أن القبول باستمرار العربية في الجنوب سيؤدي إلى انتشار الإسلام مما يضيف للشمال المتعصب –على حد قوله- منطقة لا تقل عنه في المساحة.

أما المذكرة الثانية فقد أشارت إلى أن اللغة العربية المنتشرة في الجنوب أقرب إلى الرطانة الغامضة، واقترحت تشجيع الموظفين لدراسة اللهجات المحلية، وحيث لا يمكن استخدام هذه اللهجات تحل الإنجليزية محل العربية.

وعلى ضوء هاتين المذكرتين وضع اللورد لويد توصياته على النحو التالي:

1- تشجيع الموظفين في المديريات الجنوبية على تعلم اللهجات المحلية، ونشر بعض المجموعات اللغوية.

2- محاربة اللغة العربية وتشجيع استخدام اللغة الإنجليزية بدلا منها.

3- بذل الجهود لمواجهة الاحتياجات التعليمية المتزايدة في المديريات الجنوبية بتأسيس مدرسة أو مدرستين حكوميتين في مناطق بعينها، ويمكن تحديد هذه الاحتياجات بتدريب عدد مناسب من الصبيان للخدمة في الإدارات الحكومية. ويسمح في نفس الوقت لمدارس الإرساليات القائمة بالاستمرار في عملها.


"إنجلترا كدولة مسيحية لا يمكنها أن تشارك في سياسة تشجيع انتشار الإسلام بين شعب يزيد على ثلاثة ملايين وثني"

وزير الخارجية البريطاني مستر هندرسون


أقرت حكومة لندن هذه المذكرة مع اختلافات بسيطة في الوسيلة لا الهدف، الأمر الذي بينته مذكرة لوزير الخارجية المستر هندرسون الذي رأى الموافقة على مقترحات لويد لسببين:

  • الأول ديني، لأن إنجلترا "كدولة مسيحية لا يمكنها أن تشارك في سياسة تشجيع انتشار الإسلام بين شعب يزيد على ثلاثة ملايين وثني".
  • والثاني سياسي، "فبالنظر إلى انتشار خطورة التعصب الديني بين شعوب انتشر فيها الإسلام مؤخرا قد يترتب عليه نتائج مدمرة".


أما الاختلاف في الوسيلة فقد رأى هندرسون الاقتصار على الجمعيات التنصيرية مع زيادة المعونة الحكومية لها "ومازال المنصرون حتى يومنا هذا يشكلون المؤسسة التعليمية الوحيدة في الجنوب.

وأنه في ظل الظروف الحالية فأمام العمل التنصيري في السودان مستقبل غير محدود، ويستطيع المنصرون من خلال تقديم الخدمات الطبية كسب ثقة الأهالي ونشر شكل مبسط من القيم المسيحية والتخلص من الخزعبلات البدائية التي تسيطر على معتقداتهم".


على ضوء هذه الأفكار وفي يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 1929 وضع الحاكم العام للسودان السير مافي خطة لتنفيذها ذات أربعة جوانب: تشغيل الموظفين من (غير المسلمين) في الإدارة بهيئاتها الكتابية والفنية. الإصرار على تعليم الموظفين البريطانيين معتقدات وعادات ولغات القبائل التي يقومون بإدارة مناطقها. التحكم في هجرة التجار الشماليين. سياسة تعليمية محددة، وهو الجانب الذي لقي عناية كبيرة على اعتبارها حجر الزاوية في سياسة "لا تعريب" جنوب السودان.

جانب آخر من جوانب هذه السياسة بالتخلص من استخدام اللغة العربية المنتشرة في بعض أنحاء الجنوب، التي وصفها المسؤولون في حكومة السودان بأنها "عربية مهلهلة".


وبدأ المسؤولون في حكومة السودان البحث عن البديل، وقد جمع بين استخدام اللهجات المحلية بعد تطويرها على نحو يجعلها لغات مقروءة جنبا إلى جنب مع اللغة الإنجليزية، وهو البديل الذي بدأ المسؤولون اتخاذ الخطوات اللازمة لوضعه موضع التنفيذ من خلال وسيلتين:

  • أولاهما، بعقد مؤتمر لغوي في مدينة "الرجاف" حضره موظفو حكومة السودان المسؤولون عن التعليم، وقد تم خلاله اختيار عدد من المجموعات اللغوية المحلية ووضع الكتب والمراجع بها.
  • الثانية، باستخدام الإنجليزية محل العربية في المناطق التي لا يعرف موظفو الحكومة الحديث باللهجة المحلية، كما هو حادث بين القوات

الاستوائية وقوات البوليس، وحيث تكون اللهجة المحلية غير قابلة للاستخدام.


إجراءات فصل الجنوب


- تشجيع البعثات التنصيرية. - إعداد الموظفين غير الناطقين باللغة العربية. - تشجيع التجار اليونانيين والسوريين المسيحيين على حساب تجار الشمال المسلمين. - إقرار المصطلحات والأوامر باللغة الإنجليزية في الفرقة الاستوائية


خطة بريطانيا لمحاربة التعريب


في يناير/ كانون الثاني 1930 وجه السكرتير الإداري لحكومة السودان تعليمات إلى مديري المديريات الجنوبية تضمنت الإجراءات التنفيذية للسياسة الجديدة، وقد شملت جانبين:


الجانب الأول:

بناء سلسلة من الوحدات العنصرية أو القبلية ذات الهياكل والنظم القائمة على التمايز العنصري والديني. على أن يتم ذلك بإبعاد الموظفيين المتحدثين بالعربية ولو كانوا جنوبيين، وجعل الإنجليزية لغة المكاتبات الرسمية بالنسبة للكتبة، وكذلك جعلها لغة الأوامر العسكرية ولغة التخاطب بين مع العمل والخدم بل وتفضيل استخدام المترجمين بدلا من الاستعانة بالعربية. وحصر هجرة التجار الشماليين وتشجيع التجار اليونانيين والسوريين المسيحين.


الجانب الثاني:

تضمن وسائل قياس التقدم في تنفيذ السياسة المذكورة بإعداد جدول سنوي يوضح في جانب منه عدد المسلمين بالنسبة لمجموع موظفي الحكومة في الجنوب، ثم عدد الموظفين البريطانيين الذين أجادوا تعلم اللغات المحلية، يلي ذلك تطور عدد التجار الشماليين في الجنوب، بعدها عدد المدارس التنصيرية والأموال التي تنفقها الحكومة على التعليم.


بعد وضع خطة "لا لتعريب جنوب السودان" في أدق تفاصيلها بقي تنفيذها الذي تطلب أولا مسح الوجود العربي الإسلامي في الجنوب. وتضمن الجانب الثاني من الإجراءات ما كان متصلا بالتخلص من الوجود الثقافي العربي. وقد ظلت عملية الفصل نشطة خلال السنوات التالية.

في عام 1929 حين بدأ التخطيط بجد لفصل الجنوب عن الشمال كان هناك أربع إرساليات تنصيرية تعمل في المديريات الجنوبية تشرف على ثلاث مدارس وسطى و30 مدرسة أولية بها 1907 تلاميذ. وفي عام 1931 أقامت الإرسالية الكاثوليكية مدرسة لتدريب المعلمين في توريت بمديرية منجالا، زادت في العام التالي خمس مدارس للبنات، وثلاث مدارس حرفية، ومدرستين لتخريج معلمي المدارس الأولية، هذا فضلا عما أسماه الإنجليز مدارس الشجرة Tree Schools التي أقيمت في القرى ويقوم على التدريس فيها معلم من أبناء القرية نفسها.

فضلا عن ذلك فقد تم استخدام لهجات الجنوب بعد أن تحولت إلى لغات مكتوبة، فوضعت أسس قواعد لغات الباري واللاتوكو والشلك والدنكا والنوير.

ففي عام 1931 تم طبع كتابين بلغة الزاندي، ومثلهما بلغة الباري، وأربعة بلغة الدنكا، وواحد بكل من لغات النوير والكريش والمورو واللوتوكو، الأمر الذي استمر في تزايد خلال السنوات التالية.


الحصاد المر ( 1949-1955)

اقتنعت بريطانيا بعد التخلف الذي ساد الجنوب بسبب سياستها هناك بأن العوامل الجغرافية والاقتصادية تحتم وحدة الشمال مع الجنوب كي يستطيع الجنوبيون الاعتماد على أنفسهم ويكونوا أندادا متساوين اجتماعيا واقتصاديا مع شركائهم وزملائهم من الشماليين

”أثناء الحرب العالمية الثانية وبعد إنشاء المجلس الاستشاري لشمال السودان كتب مدير المديرية الاستوائية يوم 14 أغسطس/ آب 1943 طالبا إعادة النظر في السياسة المتبعة في الجنوب، وكتب مدير المعارف في العام التالي ما مؤداه أن سياسة الحكومة في جنوب السودان قد أدت إلى تخلفه إذا ما قورن بالشمال.


في العام التالي وفي مذكرة وجهها الحاكم العام بالسودان للسفير البريطاني في القاهرة طالب بضرورة البحث في مصير الجنوب، إما بالاندماج في الشمال أو الاندماج في شرق أفريقيا أو دمج بعضه في هذا الجانب ودمج البعض في الجانب الآخر.


وفي عام 1946 وبعد اتباع سياسة السودنة تشكلت لجنة للنظر في إمكان تنفيذها في الجنوب وضعت تقريرا أدانت فيه بشدة سياسة الحكومة الجنوبية، وطالبت "بإلغاء تصاريح التجارة واتباع سياسة موحدة للتعليم في الشمال والجنوب، وتعليم اللغة العربية في مدارس الجنوب، وتحسين وسائل الاتصال بين الجانبين، وتشجيع انتقال الموظفين بين الشمال والجنوب وتوحيد النظم بينهما"، الأمر الذي يتطلب البحث في الأسباب التي أدت إلى الانقلاب في السياسة البريطانية تجاه جنوب السودان، وهو ما شرحه التقرير بالتفصيل.


أسباب انقلاب السياسة البريطانية


الأول: ما أسماه التقرير "التحولات الهامة في الجو السياسي للقطر كله"، وأخطرها ظهور عدد غير قليل من الأحزاب السودانية يدعو أغلبها لوحدة وادي النيل وأقلها مثل حزب الأمة الذي تأسس عام 1945 إلى استقلال السودان بكامل حدوده الجغرافية. وكان الاستمرار في السياسة القديمة يمد دعاة الاتحاد بحجة قوية لمعاداة الوجود البريطاني، ويوقع دعاة الانفصال عن مصر في موقف صعب.

الثاني: ونتج عما اتضح من إخفاق الخطط الخاصة بإنشاء شبكة مواصلات بين شرق أفريقيا وجنوب السودان، إذ توقف نجاح هذه الخطط على الخزان الذي كان مزمعا إنشاؤه على بحيرة ألبرت، ولم يعد مع ذلك من مندوحة بتوجيه تجارة الجنوب إلى الشمال بعدما أخفق الخيار الأول.


الثالث: وهو سبب تعليمي فقد رأى البريطانيون أن إقامة مدرسة ثانوية في الجنوب يمثل أقصى المتاح، ولكن ماذا عن أبناء الجنوب الراغبين في مزيد من التعليم بعد المرحلة الثانوية، الإجابة كانت في كلية غوردن بالخرطوم، وأنه لابد مع هذا الاحتمال تعليم طلاب المرحلة الوسطى وما بعدها اللغة العربية.


وعرض التقرير أخيرا للاختلافات القائمة في الأجور وشروط الخدمة وضرورة استخدام الشماليين في مشاريع التنمية بالجنوب، وانتهى إلى القول إن سياسة حكومة السودان قامت على أساس أن الجنوبيين يتميزون بأفريقيتهم وزنجيتهم، لكن العوامل الجغرافية والاقتصادية تحتم وحدتهم حتى يستطيعوا الاعتماد على أنفسهم في المستقبل ويكونوا أندادا متساوين اجتماعيا واقتصاديا مع شركائهم وزملائهم من السودانيين الشماليين.

وكان الأخذ بما جاء في هذا التقرير يعني التخلي عن السياسة الجنوبية القديمة، وهو ما حدث أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات، وما تبع ذلك من إجراءات أدت إلى انفجار الوضع في الجنوب.


فقد تم بعد عام 1948 تغير ملحوظ في السياسة التعليمية في الجنوب، حيث أقيمت أول مدرسة ثانوية وأبطل إرسال طلاب المدارس العليا الجنوبيين إلى كلية ماكريري في أوغندا التي استبدلت بكلية غوردن في الخرطوم، في نفس الوقت أقرت الجمعية التشريعية خطة السنوات الخمس للتعليم في الجنوب وكلف معهد التربية في "بخت الرضا" بتخريج المدرسين اللازمين للجنوب.


وكان هناك بعد ذلك ما ترتب على عقد اتفاقية فبراير/ شباط 1953 بين مصر وبريطانيا لتقرير مصير السودانيين والتي ترتب عليها نتائج عكسية على الجنوب، كان منها غضب الجنوبيين من أنه لم يسع أحد من المتفاوضين لمعرفة آرائهم، ثم ما جرى في الانتخابات التي أعقبت المعاهدة من إسراف للوعود التي قطعت لهم سواء من جانب الأحزاب الشمالية أو من جانب المصريين، وهي الوعود التي لم يتحقق منها شيء.


ووصلت الشكوك إلى ذروتها عندما بدأ الشماليون عام 1955 في إعادة تنظيم القوات العسكرية وتقرر نقل بعض مجموعات الفرقة الاستوائية إلى الشمال، الأمر الذي انتهى بتمرد هؤلاء، وهو التمرد الذي كان بداية لتفجر مشكلة الجنوب ثم تحولها بعد ذلك وتحت الحكم العسكري الذي حكم السودان منذ عام 1958 إلى ثورة واسعة، وكانت بمثابة الحصاد المر للسياسة الاستعمارية في جنوب السودان.



من المقال السابق للدكتور يونان لبيب رزق يتضح ان تقسيم السودان هو مخطط استعماري في الاساس عمره اكتر من 100 سنة, وان الاستعمار البريطاني نفز هذا المخطط علي عدة مراحل كما ذكر الدكتور يونان امتدت من عام 1899 حتي مرحلة الحصاد المر 1955 و التي كان من نتائجها اندلاع الحرب الأهلية في الجنوب بقيادة حركة التمرد "أنيانيا" في 1962 , و هو نفس ما تقوم به الولايات المتحدة الامريكية الان في العراق حيث تهدف الي زرع الفتنة الطائفية و تقسيم البلاد


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جنــوب الســودان ... معلومات أساسية

الاستفتاء

في 9 يناير 2011 يخوض الجنوبيون استفتاء لتقرير المصير حسب ما نصت عليه اتفاقية السلام الشامل والذي سيؤدي حسب مراقبون دوليون الى استقلال جنوب السودان. ويتهم حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال الحركة الشعبية لتحرير السودان بتشجيع الجنوبين على الانفصال، بينما تتهم الحركة الشعبية المؤتمر الوطني بالفشل في تطبيف اتفاقية السلام. ويتخوف مراقبين دوليين من تجدد الصراع بين الشمال والجنوب بعد إجراء الاستفتاء.


المساحة والجغرافيا الطبيعية

يشغل جنوب السودان حوالي 700 ألف كيلو متر مربع من مساحة السودان البالغة 2.5 مليون كيلومتر مربع تقريبا، أي ما يعادل 28% من المساحة الكلية للبلاد. وللجنوب حدود تمتد إلى 2000 كيلومتر تقريبا مع خمس دول هي إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وأفريقيا الوسطى.

وتشكل المراعي 40% من الجنوب السوداني والأراضي الزراعية 30% بينما تشغل الغابات الطبيعية 23% والسطوح المائية 7% من جملة المساحة.


السكان

الملاحظ أن هذه المساحة الشاسعة للجنوب السوداني لا تقابلها نفس الكثافة من السكان، فحسب آخر إحصاء أجري عام 1983 فإن سكان الجنوب لا تزيد نسبتهم عن 10% من تعداد السكان آنذاك الذي قدر بـ 21.6 مليون نسمة.

تنتشر بين سكان الجنوب لهجات متعددة يصل عددها إلى 12 لهجة وإن كانت اللغة العربية "المحلية" التي تنطق بلكنة إفريقية هي اللغة التي يعرفها أغلب السكان تقريبا.

وتعد (الدينكا) كبرى القبائل في الجنوب، تليها قبيلة (النوير) ثم قبيلة (الشلُك).

وفي ما يخص المعتقدات والأديان لسكان الجنوب فإنه لم يجر إحصاء علمي في الجنوب سوى عامي 1956 و1983، وقد خلا إحصاء 1983 من السؤال عن الدين، ولذا لا يوجد غير إحصاء 1956 الذي قدر عدد مسلمي الجنوب بـ18% والمسيحيين هناك بـ 17% وغير الدينيين (الوثنيين والأرواحيين) بـ65%.


التقسيم الإداري

ينقسم الجنوب السوداني إداريا إلى عشر ولايات، هي ولاية أعالي النيل وجونجلي والوحدة، وهذه الولايات الثلاث كانت تسمى من قبل بإقليم أعالي النيل، وولاية البحيرات وواراب وشمال بحر الغزال وغرب بحر الغزال، وتشكل هذه الولايات الأربع ما كان يعرف من قبل باسم إقليم بحر الغزال، أما الولايات الثلاث الأخرى فهي ولاية غرب الاستوائية وبحر الجبل وشرق الاستوائية أو إقليم الاستوائية سابقا، وتضم الولايات الجنوبية العشر هذه أكثر من 30 محافظة.

السودان.. سنوات وأحداث

ما يلي تسلسل زمني للأحداث البارزة في السودان منذ العام 1881 وحتى العام 2003:

1881: الثورة على الحكم العثماني المصري.

1956: استقلال السودان عن الحكم الثنائي (البريطاني المصري).

1958: الجنرال إبراهيم عبود يقود انقلابا عسكريا ضد الحكومة المدنية المنتخبة حديثا في بداية العام.

1962: اندلاع الحرب الأهلية في الجنوب بقيادة حركة التمرد "أنيانيا".

1964: ثورة أكتوبر/تشرين الأول التي أطاحت بعبود وقيام حكومة وطنية برئاسة الصادق المهدي.

1969: الرائد جعفر محمد النميري يتزعم الانقلاب العسكري المعروف باسم "ثورة مايو".

1971: إعدام قادة الحزب الشيوعي السوداني بعد قيامهم بانقلاب ضد النميري.

1972: أصبح الجنوب منطقة حكم ذاتي، بموجب اتفاق أديس أبابا للسلام بين الحكومة وحركة أنيانيا.

1978: اكتشاف النفط في منطقة بنتيو في جنوب السودان.

1983: الرئيس جعفر محمد النميري يعلن تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، ونشوب الحرب الأهلية في الجنوب بين القوات الحكومية والحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة العقيد جون قرنق.

1985: قيام مجموعة من الضباط بعزل النميري بعد اضطراب عام وتأسيس مجلس عسكري مؤقت لحكم البلاد برئاسة الفريق عبد الرحمن سوار الذهب.

1986: فوز حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي وتشكيل حكومة ائتلاف برئاسته.

1988: الحزب الوحدوي الديمقراطي شريك الائتلاف يصيغ مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، لكنه لم يكتمل.

1989: العميد عمر حسن البشير يقود انقلابا عسكريا ويستولي على الحكم، وفي العام نفسه يتم في مصر تشكيل تحالف وطني سوداني معارض يضم 13 حزبا.

1993: حل مجلس قيادة الثورة بعد تعيين عمر البشير رئيسا للجمهورية.

1995: الرئيس المصري حسني مبارك يتهم السودان بتورطه في محاولة اغتياله في أديس أبابا.

1998: الولايات المتحدة تشن هجوما على مصنع للأدوية في الخرطوم بزعم أنه يصنع مواد للأسلحة الكيميائية.

1999: الرئيس البشير يحل البرلمان ويعلن حالة الطوارئ عقب صراع على السلطة مع رئيسه حسن الترابي. وفي هذا العام أعلن السودان أنه بدأ للمرة الأولى تصديره للنفط، كذلك في هذا العام عاد الرئيس الأسبق جعفر محمد النميري إلى الخرطوم.

2000: اجتمع الرئيس البشير لأول مرة مع زعماء المعارضة في التحالف الديمقراطي الوطني بالعاصمة الإريترية أسمرا. عاد بعدها زعيم حزب الأمة الصادق المهدي إلى السودان مما فسر على أنه بداية لانفراط عقد التحالف الوطني المعارض. وأعيد انتخاب البشير لفترة رئاسية أخرى في انتخابات قاطعتها أحزاب المعارضة الرئيسية.

2001: شهد هذا العام العديد من الأحداث المهمة من أبرزها


القبض على أمين عام المؤتمر الشعبي العام الشيخ حسن الترابي بعد يوم واحد منتوقيع حزبه المؤتمر الشعبي مذكرة تفاهم مع الجيش الشعبي لتحرير السودان الجناح العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان.


تهديد متمردي الحركة الشعبية لتحرير السودان بمهاجمة عمال النفط الدوليين الذين جلبتهمالحكومة للمساعدة في استغلال احتياطيات النفط واتهام القوات الحكوميةبمحاولة طرد المدنيين والمتمردين من حقول النفط.


فشل مباحثات نيروبي للسلام بين الرئيس البشير وزعيم المتمردين جون قرنق.


رفع مجلس الأمن لعقوبات رمزية كان قد فرضها على السودان عام 1996 تضمنت حظرا على سفر الدبلوماسيين.


تعين الرئيس الأميركي جورج بوش السناتور جون دانفورث مبعوثا خاصا للتوسط في محاولة إنهاء النزاع السوداني وفي الوقت نفسهمددت واشنطن العقوبات التي فرضتها من جهتها على السودان لسنة أخرى مشيرة إلى سجلها في دعم الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان.


اتهام الحركةالشعبية لتحرير السودان الحكومة بقصفها لجبال النوبة الوسطى على مدى ثلاثةأسابيع، وإعلانها أن هذا يعد خرقا لهدنة توسطت فيها الولايات المتحدة بهدف السماح للمساعدات الإنسانية بدخول المنطقة.


2002: كذلك في هذا العام خطت السودان خطوات مهمة على طريق السلام وكان أبرز مع شهده هذا العام:



توقيع الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقا لوقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر في جبال النوبة الوسطى التي تعتبر أحد المعاقل الأساسية للمتمردين.


وبعد خمسة أسابيع من محادثات كينيا وقعت الحكومة والحركة الشعبية لتحريرالسودان بروتوكول مشاكوس لإنهاء الحرب الأهلية وبموجب هذا الاتفاق توافق الحكومة على منح الجنوب الحق في تقرير المصير بعد فترة انتقالية مدتها ستسنوات. وفي المقابل يوافق متمردو الجنوب على تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال.


التقاء الرئيس عمر البشير والعقيد جون قرنق لأول مرة بعد وساطة من الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني.


موافقة الحكومة والحركة الشعبية على وقف لإطلاق النار طوال فترة المفاوضات.


تعثر المفاوضات بسبب المخصصات الحكومية ووظائف الخدمة المدنية، واتفاق الجانبان على مراقبة وقف إطلاق النار.


2003: مع بديات هذا العام استئنفت مباحثات السلام بين الحكومة السودانية والمتمردين في نيروبي، ثم سارت العلاقة بينهما على النحو التالي:



التقاء الرئيس البشير والعقيد جون قرنق للمرة الثانية في كينيا وخلال محادثاتالسلام التي رعاها الرئيس الكيني مواي كيباكي توقع الزعيمان انتهاء الحرببينهما مع منتصف الصيف.


توقيع الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقا أمنيا يسمح بدمجالقوات في مناطق معينة متنازع عليها ويحتفظ الطرفان بقوات مسلحة منفصلة فيالمناطق الأخرى. وتستمر المفاوضات حول القضايا السياسية والاقتصادية.


إطلاقسراح الشيخ حسن الترابي أمين عام حزب المؤتمر الشعبي بعد ما يقارب ثلاثسنوات من الاعتقال في محاولة لتهدئة الوضع التوتر الداخلي قبل الإقدام علىتوقيع اتفاق السلام النهائي.


حث وزير الخارجية الأميركي كولن الذي حضر إحدى جولات التفاوض بين الحكومةالسودانية والحركة الشعبية في نيفاشا بكينيا المتفاوضين على التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع نهاية عام 2003، والطرفان المتفاوضان يصرحان بأنهمايأملان في ذلك إما بنهاية عام 2003 أو بداية عام 2004


بين الحرب والسلام

الجذور التاريخية لمشكلة جنوب السودان


ظلت قضية الحرب بين متمردي جنوب السودان والحكومات العسكرية والديمقراطية التي تعاقبت على البلاد تسيطر على أقاليم الجنوب لعدة عقود من الزمان. وعلى الرغم من التوصل لاتفاقات عديدة في فترة الحرب التي استمرت لنحو اثنين وأربعين عاماً، إلا أن تلك الاتفاقات لم تكتمل قط من أجل إنهاء الصراع وإحلال السلام الشامل بالسودان.


جون قرنق وعلي عثمان طه


بدايات

اشتعلت أول حرب أهلية بجنوب السودان بعد ستة أعوام من استقلال البلاد عن بريطانيا عام 1956. فقد تمردت حركة أنانيا على صفوف الجيش السوداني عام 1962 بسبب ما أطلقت عليه تجاهل الحكومة السودانية الوطنية لمناطق جنوب البلاد وعدم إشراك أبنائها في الحكم.

وقد أنهت اتفاقية أديس أبابا عام 1972 بين حكومة الرئيس السابق جعفر نميري وحركة أنانيا تلك الحرب، ونتج عنها نوع من الحكم الفيدرالي بجنوب السودان. غير أن التوتر المتصاعد بين الحكومة بالخرطوم وإقليم الجنوب، والخلافات بين المجموعات الجنوبية المختلفة، أدت إلى تجدد العنف في أوائل الثمانينات.


البترول والشريعة

وساءت الأوضاع بشكل ملحوظ عقب اكتشاف البترول في منطقة بانتيو بجنوب السودان عام 1978 وفرض قوانين الشريعة الإسلامية على البلاد عام 1983.


وعلى الرغم من أن الحكومة الديمقراطية التي تولت مقاليد السلطة بالبلاد عام 1986 عقب الإطاحة بالرئيس نميري عطلت العمل بقوانين الشريعة الإسلامية التي فرضها، إلا أن الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق كثّف من هجماته على مناطق شمال السودان مما أسفر عن حرب أهلية واسعة النطاق.


وسعت الحكومة الديمقراطية لبدء اتصالات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان مما أدى إلى مباحثات في عامي 1988 و1989.

بيد أن تلك المحادثات لم يُكتب لها الاستمرار بسبب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة المنتخبة وأتي بحكومة الإنقاذ الوطني بقيادة الرئيس السوداني الحالي عمر البشير إلى السلطة.


وفي يناير/كانون الثاني من عام 1991 أعادت الحكومة السودانية العمل بأحكام الشريعة الإسلامية بالبلاد ولكنها استثنت جنوبه من إتباع تلك القوانين كما منحته نوعاً من الحكم الذاتي فيما يتعلق بالشؤون الداخلية بالإقليم.


غير أن محادثات السلام بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية انهارت عام 1994 بسبب القضايا المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية.


وقامت الحكومة في إبريل/نيسان 1997 بتوقيع اتفاق للسلام مع خمس قادة آخرين بالجنوب ووافقت على قيام استفتاء لتقرير المصير خلال ثلاثة أعوام.


مقاتلو الجيش الشعبي لتحرير السودان


وساطة ايقاد


واستؤنفت المباحثات مع الحركة الشعبية مرة أخرى في أكتوبر/تشرين الأول 1997 برعاية دول الإيقاد وأدت في مايو/أيار 1998 إلى اتفاق للمبادئ على تقرير المصير.


وبدأ السودان في تصدير النفط عام 1999 وفي عام 2001 هدد الجيش الشعبي لتحرير السودان بشن هجمات على مناطق النفط والشركات النفطية الأجنبية المنقبة عنه مما أدى في شهر يونيو من نفس العام لانهيار مباحثات السلام بين الجانبين بالعاصمة الكينية نيروبي.


وأعلنت الحكومة السودانية عن قبولها للمبادرة الليبية المصرية لإنهاء الحرب بالجنوب. وكانت الخطة تتضمن مؤتمر للمصالحة الوطنية وإصلاحات سياسية. ونتيجة لذلك رفعت الأمم المتحدة عقوباتها الاقتصادية التي فرضتها على السودان عام 1996 |بان اتهامه بإيواء عناصر إرهابية ضالعة في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك بأديس أبابا.


اتفاق مشاكوس

وبعد جولات عديدة من المباحثات وقع طرفا النزاع في العشرين من يوليو 2002 اتفاق مشاكوس لإنهاء الحرب الأهلية بالجنوب. وقد اعترفت الحكومة بحق تقرير المصير للجنوب عقب فترة انتقالية مدتها ست سنوات كما قبل المتمردون بتطبيق الشريعة الإسلامية بمناطق شمال السودان. وقد مهّد الاتفاق لأول لقاء بين الرئيس عمر البشير وزعيم الحركة جون قرنق بحضور الرئيس الأوغندي يوري موسافيني.

وقد توصل الجانبان في أكتوبر من نفس العام إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أثناء فترة المباحثات إلا أن ذلك لم يمنع وقوع العديد من اختراقات ذلك الاتفاق.

إلا أن المفاوضات عُلقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2002 بسبب توزيع المناصب الحكومية لكن الجانبين اتفقا على الحفاظ على وقف إطلاق النار.

وفي مايو/أيار 2004 توصلت الحكومة والمتمردون الجنوبيون إلى بروتوكول يحدد تقاسم السلطة والثروة كجزء من اتفاقية سلام لإنهاء الصراع الذي أدى إلى مصرع نحو مليون ونصف المليون شخص.

وكانت الخطوة الأخيرة التي سبقت توقيع اتفاق السلام النهائي بنيروبي هي اتفاق الطرفين على العناصر النهائية للسلام



أبرز مبادرات وإتفاقيات السلام

1- مؤتمر المائدة المستديرة


في 11 مارس/ آذار 1965 وعقب بدء المحادثات بين الشمال والجنوب انعقد مؤتمر المائدة المستديرة في جوبا بهدف مناقشة العلاقات الدستورية بين الطرفين، واختلف الجنوبيون داخل المؤتمر وانقسموا إلى ثلاثة أقسام، قسم مطالب بالوحدة وآخر بالانفصال وثالث طالب بالحكم الذاتي في إطار سودان موحد فدرالي، وكلف المؤتمر لجنة ببحث المستقبل السياسي للسودان، ولكن حكومة سر الختم الخليفة استقالت قبل أن ترفع اللجنة توصياتها.

2- إتفاق أديس أبابا

في مارس/ آذار 1972 وقع اتفاق أديس أبابا بين النميري والجنرال جوزيف لاغو زعيم حركة "الأنانيا" الذي أصبح في ما بعد نائبا لرئيس الجمهورية. وركز الاتفاق على ثلاثة أمور هي: احترام الأديان جميعا بما في ذلك الأديان الأفريقية التقليدية وعدم إضفاء أي صبغة دينية على الدولة. الاعتراف بالخصائص الثقافية لأهل الجنوب بما في ذلك حقهم في تطوير ثقافتهم وفنونهم المحلية. الاعتراف بحق الجنوب في حكم نفسه حكما ذاتيا دون هيمنة من المركز. وسقط الاتفاق بعد عشر سنوات من التوقيع عليه إثر تمرد فرقة جنوبية تعمل ضمن الجيش السوداني.

3- إعلان كوكادام


في 20 مارس/ آذار 1986 عقد اجتماع بين قادة التجمع الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان في منطقة كوكادام بإثيوبيا، وطالب قرنق الحكومة برفع حالة الطوارئ، وإيقاف إطلاق النار، وإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية الصادرة عام 1983، وإلغاء الاتفاقات العسكرية مع كل من مصر وليبيا، ولكن المؤتمر فشل برفض الحكومة الاستجابة لهذه الشروط.

في 20 مارس/ آذار 1986 برز إعلان كوكادام بأثيوبيا بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وأغلب أحزاب السودان السياسية، وفي ما يلي نص الوثيقة:

1- على أساس خبرة السنوات الماضية المشكلة لفترة ما بعد الاستقلال، وبالنظر إلى الإنجازات البطولية لشعبنا في نضاله السياسي والمسلح ضد كافة أشكال الظلم والقمع والاستبداد، وهو النضال الذي عبر عنه على مدار عقدين من خلال ثورتين عظيمتين.

ورفضا لكافة أشكال الدكتاتوريات، والالتزام المطلق بالخيار الديمقراطي وانطلاقا من القناعة بأنه من الضروري خلق (سودان جديد) يتمتع فيه كل مواطن سوداني بالحرية المطلقة من الظلم والجهل والمرض والقيود. بالإضافة إلى التمتع بمنافع الحياة الديمقراطية الحقيقية. وقيام سودان جديد متحرر من العنصرية والقبلية والطائفية وكافة أسباب التميز والتفاوت.

وسعيا جادا لوقف نزيف الدم الناتج عن الحرب في السودان، ووعيا تاما بأن عملية تشكيل (السودان الجديد) تبدأ بعقد المؤتمر الدستوري القومي.

وإيمانا بأن المقترحات المعروضة والمطروحة من قبل الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان هي متطلبات ضرورية لعقد المؤتمر الدستوري المقترح وتشكل الأساس المتين لبدء مثل تلك العملية.

2- يوافق وفدا التجمع الوطني للإنقاذ القومي والحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان. (يشار إليهما بعد ذلك باسم الجانبين) على أن المتطلبات الرئيسية التي تهيئ مناخا يقود إلى عقد المؤتمر الدستوري المقترح هي:

أ- إعلان كافة القوى السياسية والحكومة الحالية التزامهم بمناقشة مشاكل السودان الرئيسية وليس ما يدعى باسم مشكلة جنوب السودان وينبغي أن يكون ذلك وفقا لجدول الأعمال المتفق عليه في هذا الإعلان.

ب- رفع حالة الطوارئ.

ج- العمل بدستور 1956 والمعدل في عام 1964 بإدراج الحكومة الإقليمية وكل المسائل الأخرى التي يتم التوصل إلى إجماع رأي بشأنها من كافة القوى السياسية.

د- إلغاء الاتفاقات العسكرية الموقعة بين السودان والدول الأخرى والتي تمس السيادة الوطنية للسودان.

ه- السعي المستمر من كلا الجانبين لاتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة للحفاظ على سريان وقف إطلاق النار.

3- تدعو الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان كافة القوى السياسية والحكومة الحالية للالتزام بأن تحل الحكومة المذكورة نفسها وتستبدل بحكومة وحدة وطنية مؤقتة وجديدة تمثل كافة القوى السياسية بما في ذلك الحركة والجيش الشعبي والقوات المسلحة وفقا لما سوف يتم الاتفاق عليه في المؤتمر المقترح باعتبار أن هذا هو مطلب ضروري لعقد المؤتمر الدستوري المقترح. وبناء على ذلك اتفق الجانبان على إرجاء الموضوع للمزيد من المناقشات في المستقبل القريب.

4- اتفق الجانبان على أن المؤتمر الدستوري المقترح سوف يعقد تحت شعار السلام والعدالة والديمقراطية والمساواة. كما اتفقا على أن يتضمن جدول أعمال المؤتمر التالي:

أ- مشكلة القوميات ب- حقوق الإنسان الأساسية ج- نظام الحكم د- مشكلة الدين ه- التنمية والتنمية غير المتوازنة و- الموارد الطبيعية ز- القوات النظامية والترتيبات الأمنية ح- المشكلة الثقافية والتعليم ووسائل الإعلام الجماهيري ط- السياسة الخارجية

4-2 وافق الجانبان على أن جدول الأعمال السابق لا يعني الشمول بأي حال من الأحوال.

5- يتفق الجانبان مؤقتا على أن المؤتمر الدستوري المقترح سوف يعقد في الخرطوم خلال الأسبوع الثالث من شهر يونيو/ حزيران 1986 على أن تسبقه اجتماعات تمهيدية ويكون انعقاد المؤتمر عمليا عقب إعلان الحكومة الحالية للترتيبات الأمنية الضرورية وتوفر المناخ الملائم الضروري.

6- وأخذا في الاعتبار الحاجة إلى مشاورات منتظمة من جانب كل طرف مع الطرف الآخر، اتفق الجانبان على تشكيل لجنة اتصال مشتركة تضم خمسة أعضاء من كل جانب. كما اتفق الجانبان أيضا على أن يوم الأربعاء الموافق السابع من مايو/أيار 1986 موعدا لبدء الاجتماع للجنة في أديس أبابا.

7- هذا الإعلان تم إصداره باللغتين الإنجليزية والعربية، وقد اتفق الجانبان على أن النص الإنجليزي سيكون الأصل، وفي حالة الاختلاف يفضل على النص العربي.

8- بإصدار هذا الإعلان فإن الجانبين يناشدان الشعب السوداني الممثل في أحزابه السياسية المتعددة والاتحادات المهنية والنقابات بالعمل الجاد لأجل تحقيق أهداف هذا الإعلان.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  1. ^ Illiteracy. MS Actionaid Denmark.
  2. ^ UNFPA Southern SUDAN. UNFPA.
  3. ^ Sudan census committee say population is at 39 million,” [[{{{org}}}]], 27 April 2009.
  4. ^ Discontent over Sudan census,” [[{{{org}}}]], 21 May 2009.