رسالة إلى شعب مصر

"المحابس": إنها ليست لطمات، بل يجري تكتيفنا

مقال بقلم د‮. ‬نايل الشافعي


دي مش كفوف، دا احنا بنتكتف

توالت اللطمات على مصر في الآونة الأخيرة. وبعد سلسلة من الأخبار المقلقة عن شروع أثيوبيا في بناء "سد النهضة"، انتفض الشعب المصري أمام تهديد إثيوپيا لنهر النيل، شريان الحياة في مصر. وتنبه الشعب إلى أن "سد النهضة" هو سابع مشروع من أصل 22 سداً انخرطت إثيوبيا في بنائهم منذ العام 2003، ضمن خطة واسعة لتوليد الكهرباء وتصديرها. وتنبّه المصريون أيضاً إلى أن "سد النهضة" ثاني سد يؤثر على المياه الواردة إلى مصر، بعد "سد تكزه". وبدأ الناس ينتقدون تقاعس المسؤولين المصريين، بداية من الخبراء التفنيين ومروراً بوزراء الري والخارجية، ووصولاً الى الرئيسين مبارك ومرسي.

بديهي القول بأن إثيوبيا ليست البلد الوحيد الذي يشييد سدوداً على النيل وحوضه المائي. إذ شيدت السودان سدّي "مروي" و"كجبر"، وقامت بتعلية "خزان الرصيرص". وأطلقت أوغندا مشروع بناء "سد كاروما" على النيل الأبيض، لكنها ما أن تباطأت حتى سارعت الصين، وهي الفائزة ببناء هذا السد، هددت بمقاضاة أوغندا بسبب هذا التباطؤ! وكانت اوغندا قد أخبرت مصر في سبتمبر 2012، وتنافست اوراسكوم بعرض لبناء السد.

ثمة مسألة مهمة. يجب التذكير دوماً بأن بناء أي سد على النيل، حتى لو لتوليد الكهرباء، يحمل تهديداً جدّياً للدول التي تتقاسم مياهه، نظراً لإمكان تحويل السدّ من وجهة استعمال معيّنة إلى وجهة اخرى. ومثلاً، من المستطاع تحويل سد جرى تشييده لتوليد الكهرباء، إلى سد يخدم الزراعة عبر التصرف في المياه التي يحتجزها وتحويلها الى ترعة تخدم استصلاح الأراضي. واستطراداً، فالأرجح أن تجد مصر نفسها، عند اكتمال السدود التي تعتزم دول مختلفة تشييدها على النيل، منجرة إلى مفاوضات صعبة حول أنماط استهلاك مصر للمياه وتسعيرة (بدأ الكلام عنها) للمياه الزائدة، بغض النظر عن جدية هذه الدولة أو تلك.

لم تقتصر اللطمات التي تلقتها مصر أخيراً، على سدود حوض النيل. فقبلها، وضعت شركة "شل" النفطية العالمية، محبسين على آبار غاز اكتشفتهم تلك الشركة أمام دمياط. وبغرابة، انسحبت تلك الشركة من عمليات التنقيب عن الغاز في تلك المتطقة. وحدث أمر مشابه مع حقول الغاز التي تقع قبالة دلتا النيل. وتحوّلت مصر من دولة مصدّرة للغاز إلى دولة تتسول الغاز، بعد أقل من 18 شهراً على ثورة يناير.

وفي سياق متّصل، شهدت مصر انقطاعات متلاحقة في كابلات الاتصالات البحري، بداية من العام 2008. ويرى بعض خبراء المعلوماتية أن هذه الانقطاعات ليست عشوائية، بل جرى التكهن بأن هناك من يضع "محابس" على اتصالات مصر مع العالم الخارجي.

وفي كل واحدة من تلك اللطمات، كان رد فعل البيروقراطية المصرية تقليدياً ومتكراراً. إذ يبدأ بتكذيب الخبر بأوهى المبررات. وإذا أثبتت الوقائع صحة ما جرى نفيه سابقاً، تبادر البيروقراطية إياها للقول بأن الأمر ليس له آثار سلبية. وإذا أثبتت الأمور نفسها، بدأت البيروقراطية المصرية في الحديث عن ضرورة البحث عن حل، مع العلم أنها لم تر المشكلة أصلاً! من أراد نماذج عن هذا النمط البيروقراطي العقيم، ليس عليه إلا النظر إلى مهازل جولات الحوار الوطني، وكذلك رحلات تسوّل الغاز.

في كل مرة أيضاً، نغرق في تكذيب تفاصيل اللطمة، كأنها حادث منفرد، ولا نتذكر اللطمات السابقة، كأننا نفكر من دون ذاكرة. ويؤدي الأمر الى غرق في التفاصيل، مع عدم القدرة على التفكير فيالتعرف على نمط مشترك بين الأحداث. وينطبق على هذه الحال، التعبير الإنگليزي المشهور "لا ندرك أننا في غابة، بل نرى مجرد أشجار متفرقة".

محابس الاتصالات

الأشخاص الثلاثة بعد إلقاء القبض عليهم من جانب البحرية المصرية، على قارب صيد بالقرب من سواحل الإسكندرية، في 26 مارس 2013.
مقطع عرضي لكابل اتصالات بحري. 1. بولي إثيلين. 2. شريط مايلار. 3. أسلاك صلب مضفرة. 4. حاجز للماء من الألومنيوم. 5. پولي‌كربونات. 6. أنبوب من النحاس أو الالومنيوم. 7. هلام نفطي. 8. ألياف ضوئية.

منذ العام 2000، تتوالى الاخبار عن انقطاع كابلات الاتصالات في مصر، ما دفع خبراء في تقنية الكابلات إلى التحذير من أن هذا الأمر ربما كان مفتعلاً بهدف تركيب نظام من "المحابس" بهدف قطع الاتصالات. ورجح هؤلاء وجود دور للشركتين الهنديتين "تاتا للاتصالات" و"رلاينس للاتصالات"، وهما المسيطرتان على تلك الكابلات. واضطرت الدولة المصرية، بعد أول انقطاع للكابلات في عام 2008، إلى انفاق قرابة 600 مليون دولار لشراء سعات اتصالات فورية من السوق السوداء، ومن دون التقيد بأي تسعيرة، بل أن هذه السعات جرى شراؤها من كابلات أخرى تديرها الشركتان الهنديتان نفسهما! ويعني هذا أن انقطاع الكابلات ربما كان "سبوبة" لبعض من تورط في هذا الأمر.

ومنذ ذلك الوقت، ينبري مسؤولون لتكذيب الاخبار عن انقطاع كابلات الاتصالات. في المقابل، لم تعلن وزارة الاتصالات مقدار ما يجري انفاقه سنوياً على شراء سعات اتصالات فورية لتعويض الانقطاعات. وفي المقابل، تصاعدت أحداث مسرحية انقطاع الكابلات لتصل إلى عرض هزلي قامت فيه الدولة في مارس 2013 بإلقاء القبض على ثلاث صيادين في "فلوكة" بدعوى أنهم كانوا يحاولون قطع كابل اتصالات. لم يحدث مثل هذا الامر في أي دولة، بل يمكن اعتباره جزء من عبقرية من يديرون شؤون مصر، خصوصاً بعد "ثورة يناير"!

الأمر لا ينبغي أن يكون مدعاة لحرج أي من السلطات. بل على العكس يجب أن يكون مبعثاً للفخر أن موقع مصر الهام يجعلها في مقدمة دول العالم في مواجهة نوع جديد من حروب المعلومات تقوم بها-أغلب الظن- شركات كبرى. المهم أن نمعن النظر في الأمر لفهم الدوافع المحتملة، بدلاً من القفز للنفي والإخفاء. فنطور من الأساليب ما يتفادى ذلك العدوان، وتصبح مصر رائدة في صناعة دفاعية جديدة.

كما شهدت مصر بعد الثورة تطوراً خطيراً ينتقص من أمن الاتصالات، تمثّل في السماح بتمديد أنبوبين يحتويان كابلات اتصالات عبر مصر (من الإسكندرية إلى العين السخنة)، وهما ملك مجدي راسخ ونجيب ساويرس... إياهما!! كل أنبوب من هذين الأنبوبين يحل محل الدولة المصرية في تمكينه الكابلات الأجنبية من المرور عبر مصر من دون دفع رسوم للدولة! (لنفكر أيضاً أنه يحرم الدولة من نقطة ضغط، ربما تستطيع استخدامها، لو توفر حسن الإدراك والتصرف، لمواجهة "محابس" الشركات الأجنبية). وفعلياً، جرى تمرير أول كابل، وحمل اسم "كابل جسر الخليج" القطري، عبر أنبوب مجدي راسخ. ونسأل: من سمح بهذا الأمر؟ وكم تحصل الدولة من هذا الكابل مقابل مروره؟

كما أن هناك عاصفةأخرى في طريقها إلينا، تتمثل في مجيء الهندوسي المتعصب نارندرا مودي رئيساً لوزراء الهند، وهو الحاكم الحالي لولاية گجرات، التي هي مقر الشركتين المحتكرتين لكابلات الاتصالات الدولية. ويطالب مودي بوضع ادارة دولية للاشراف على قناة السويس وعلى مرور كابلات الاتصالات عبر مصر، مستنداً إلى كونه مقصداً رئيسياً للسفن والكابلات المارة عبر مصر. وقد طرح مهندسو رلاينس هذا الاقتراح في مارس الماضي في المؤتمر الدولي للكابلات البحرية.

محابس الغاز

انسحبت شركة "شل" العالمية للنفط عبر فرعها في مصر، من التنقيب في المياه المصرية العميقة بالبحر المتوسط، مبيّنة أنهاأنها وضعت "محابس" في قاع البحر على فوهتي "نيميد"، وهما بئران للغاز وصفتهما "شل" بأنهمما عملاقان، عندما اكتشفتهما، ثم تركتهما! ولا تملك وزارة البترول والقوات البحرية المصرية القدرة على التأكد من موقع هذان البئران المهجوران، وكذلك لا تستطيعان الوصول إلى المحابس التي تغلق فوّهتيهما. وتلا ذلك انسحاب شركات مثل "آر دبليو إي" RWE، بعد "ثورة يناير".

وفي 22-5-2013، طلب بنك "اوپنهايمر" من شركة "أپاتشي"، التي هي أكبر منتج بترول في مصر، الانسحاب من هذا البلد. وللتذكير، "اوبنهايمر" هو نفس البنك الذي كان أول من أقرض الخديوي إسماعيل في 1863، مع بنك "روتشيلد"، ثم أشهر البنكان إفلاس مصر في 1877، مما مهد للاحتلال الإنجليزي لمصر في 1882.

ولا يفوتنا الفرض الفعلي لمنطقة حظر تنقيب داخل المياه المصرية بحذى الحدود البحرية الشرقية والشمالية الشرقية، على مر الأربع سنين الماضية. وعلى الرغم من اكتشاف إسرائيل وقبرص لحقول على بعد 2 كيلومتر من حدودنا، فإن البلوكات المصرية المحاذية ترفل في صمت القبور. وما نسميه منطقة منزوعة التنقيب تم تنفيذها بإعطاء امتيازات تنقيب لشركتي گجرات الهندية وبريتش گاس ولم تقم أي من الشركتين بحفر أية آبار للتنقيب في تلك البلوكات من المياه العميقة. وقد تناقشت مع وزير البترول السابق أسامة كمال في شأن ذلك في مارس 2013، حين كان في موسكو، فقال لي "سألغي عقد گجرات" بمجرد عودتي"، إلا أنه أقيل بمجرد عودته.

وحاضراً، يلاحظ أنه بعد 18 شهراً من "ثورة يناير"، انقلبت مصر من دولة مُصدّرة للغاز إلى دولة متسولة للغاز، من دون تفسير، ومن دون أن يطرح أي مسؤول ولو سؤال بسيط عن سبب هذا الانقلاب. وهنا مشهد يثير أشد أنواع العجب في سياق الانغلاق المفاجئ لمحابس الغاز الطبيعي، يتمثل في ما حدث مع معمل الإسالة في دمياط الذي أنشأته شركة "هاليبرتون" الأمريكية في 2005 بتكلفة نحو 3 مليار دولار، وهي الشركة التي كان يرأسها ديك تشيني، ركن المحافظين الجدد في إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش! وقد تضمنت دراسات إنشاء معمل الإسالة في دمياط، دراسة عن ضمان وجود موارد للغاز (في تكوين غرب الدلتا العميق) بكميات تكفي لتشغيل معملي "سيجاس" و"إدكو" (يعرف أيضاً باسم "إيجپشن إل إن جي") سوية لمدة 25 سنة على الأقل! وبعد الثورة، حدثت مفاجأة ضخمة. إذ توقف معمل "سيجاس" بدعوى "عدم وجود غاز طبيعي"! فماذا حدث؟ هل أخطأت وزارة البترول في حساباتها؟ هل أخطأت أيضاً شركات هاليبرتون الأمريكية و"يونيون فنوسا" الاسبانية و"إني" الإيطالية، اللائي أجرين دراسات أكّدت وجود كميات كافية من الغاز في تكوين غرب الدلتا العميق تكفي لتشغيل معملي الإسالة؟ لنقل أن غاز هذه الحقول المصرية "تبخر" فجأة، لماذا لم ترفع الشركتان دعاوى قضائية على مصر للحصول على تعويضات؟ بالمناسبة، خلال الشهرين الماضيين، طفا خبر مرات عدة، يشير إلى أن معملي الإسالة في دمياط وإدكو هما أفضل مكان لإسالة الغاز المنتج من حقل "لڤياثان" الذي اكتشفته إسرائيل أمام دمياط، على بعد 2 كيلومتر من الحدود المصرية!

محابس الماء

جفاف الفرات بالعراق كل صيف منذ اكتمال سدود الأناضول في 2008. هل تصبح دلتا النيل بهذا الشكل؟

بدأت تركيا مشروع جنوب شرق الأناضول في عام 1989 في عهد الرئيس التركي طرغد اوزال لبناء 22 سد على منابع نهرا دجلة والفرات. وقد أبدت دولتي المصب، العراق وسوريا تخوفها من المشروع، فطمأنتهما تركيا بأن المشروع لن يؤثر على حصصهما من المياه، مشيرة إلى أن هذه السدود هي لتوليد الكهرباء. مع تقدم المشروع، تغيرت الخطط. وأصبح من أهداف المشروع استصلاح الأراضي القاحلة وزراعتها بالقطن. وبدأت كل من العراق وسوريا في الشكوى من قلة ما يصلهما من ماء. ومع حلول يوليو 2008، بدأ العراق يشهد ما لم يره منذ آلاف السنين. إذ ظهر قاع نهر الفرات صيفاً، بأثر من قلة المياه. لم يصحب التصريحات الدافئة من تركيا تجاه العرب، تمرير كميات كافية من الماء في الرافدين الخالدين. وبدأ الحديث عن تصدير تركيا للماء إلى دول أخرى، في حين يعاني العراق وسوريا عطشاً هائلاً. ويكتمل المشهد بظهور مشايخ يبشرون العراقيين بحديث للرسول Mohamed peace be upon him.svg بأنه من العلامات الصغرى ليوم القيامة، انكشاف قاع الفرات عن جبل من الذهب!

في 1998، بتمويل صغير من النرويج، تسابق خبراء وزارة الري المصرية ونظرائهم الأفارقة، على تقديم مقترحات بمشروعات تتصل بمياه نهر النيل. وفي العام التالي، أطلقت اللجنة الاستشارية الفنية لدول حوض النيل، مشروعاً عن هذا الأمر موّلته الدنمارك ببضع مليونات من الدولارات. وقُدّم المشروع إلى أمانة مبادرة حوض النيل في عنتيبي، اوغندا، التي أطلقت مباردرة مجلس وزراء دول حوض النيل في العام 2000. وبسرعة، تراكمت عشرات المشروعات الصغيرة للمبادرة، مثل مكافحة ختان الإناث، وتسهيل تبادل الخبرات الشفهية بين المزارعين من بلدان حوض النيل، بينها مشروع اعادة صياغة الالتزامات المائية بين الدول. قررت مصر تجاهل المشروع، على أمل أن ينقشع. إلا أن نبرة دول المنبع تصاعدت، فيما اكتفت مصر بالتقوقع وراء "قدسية المعاهدات الموقعة من 80 سنة". وخلال فترة التسعينات من القرن الماضي، أدت النرويج دورا محوريا في مفاوضات اوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل 1993. وفي 1995، أسست النرويج برنامج أبحاث حوض النيل، الذي استضاف الكثير من مسؤولي الري في حوض النيل. ويتهم سودانيون النرويج بلعب دور بارز في تلك الفترة في دعم الجبهة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، ثم في مفاوضات انفصال جنوب السودان (مشاكوس 2003 ونايڤاشا 2005). خلال هذه المجريات كلها، اكتفت مصر بقبول معونات نرويجية جزلة بسبعة مليون دولار سنوياً. هل تطرّق أي سفير أو ضابط مخابرات مصري في أوسلو، إلى نشاط النرويج تجاه النيل. بعد ميلاد مبادرة حوض النيل، انتقل مشروع سدود حوض النيل الأزرق إلى اشراف برنامج أهداف الألفية التابع للأمم المتحدة ضمن معهد الأرض بجامعة كولومبيا في نيويورك. ويشرف على هذا المشروع بلاي إجيگو بگاشاو ‬وزير الزراعة الإثيوبي السابق،‮ ‬وهو أيضاً مُخطّط سد الحدود، الذي تغير اسمه إلى "سد النهضة"‮ ثم "سد الألفية"، كي ينال إشراف برنامج الألفية الأممي عليه.

وبعدها، جاءت سدود إثيوبيا على النيل الأزرق ونهر عطبرة وسد كاروما في اوغندا على النيل الأبيض. ويحاول مسؤولون التهوين من هذه المشاريخ بحجة أنها سدود مخصّصة لتوليد الكهرباء ولن تحتجز المياه إلا أثناء عملية الملء المبدئي لخزان كل سد. ويغيب عنهم أن كل سد هو بالتأكيد "محبس" موضوع على هذا المورد المائي. ولذا عرضت تجربة مشروع جنوب شرق الأناضول، فهي أقرب المشروعات لما بدأ في التبلور في حوض النيل.

والعمل؟: تلات سلامات

السلام الأول: إلى الرئيس مرسي

كل هذه المحابس لا يستطيع تحريرك منها إلا علاقة قوية جيدة مع واشنطن.

قبل الانشغال (أو الاشتغال) بالاستحقاقات الدستورية وحروب طواحين الهواء مع القضاء، يجب أن يلتفت الرئيس المصري إلى الأولوية الوحيدة: النيل.

بغض النظر عن اتفاقنا معهم أم لا، تُجمِع دول العالم على أن النظام المصري الحالي أتى للحكم بدعم أمريكي، بل أن الصين وروسيا يستخدمان تعبيرات أكثر قسوة (قبل زيارة مرسي وبعدها). وتستخدم الهند والبرازيل والسعودية والامارات والجزائر، التصنيف نفسه. ويتفق الكونگرس الأمريكي مع هذا التوصيف، بل يزيد عليه وصفه أن النظام المصري الحالي يواجه عزلة شاملة على الساحة الدولية، كما صرحت إليانا روس-لتينن، رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط في مجلس النواب الأمريكي في جلسة استماع عن "مصر مرسي" يوم الخميس 14 يونيو.

إذاً، هناك وضع عجيب. إذ يقول العالم بأن النظام المصري هو ابن لواشنطن التي تعترف بتلك البنوة، لكن بمواراة. ولكن، ترفض واشنطن مقابلة مرسي. فهل ذلك التأخير انتظارا لقصقصة أجنحة مصر؟ ثم بعد ذلك يجري لقاء مع "مصر مختلفة تماماً": متسولة للطاقة، متسولة للماء، وبدون مياه اقتصادية قد تجلب لها ثروات، مكروهة من كل الأنظمة المحيطة بها؟ وحينئذ يمكن أن تتكرم أمريكا على تلك الدولة البائسة بإعطائها "كوتا" لتصدير الملابس إلى السوق الأمريكي، مثلما تفعل مع بنگلادش.

وبعد صمت طويل من الادارة الأمريكية تجاه أزمة مياه النيل، نقلت بلومبرگ عن السفير الأمريكي الأسبق في إثيوبيا، ديڤد شن، في 17 يونيو، قوله أن "على مصر التوقف عن الاعتراض على سد النهضة، وإلا فلن تجد كفايتها من الماء".

على رئيس الجمهورية أن يعقد لقاء قمة مع الرئيس اوباما، بأقصى سرعة ممكنة، مع اصرار من الرئيس مرسي على الطابع الاستثنائي للقاء الذي يجب أن يعلم الطرف الأمريكي بأن أجندته لن تتضمن سوى بنداً وحيداً: "مكانة مصر الدولية" وضمنها العلاقة المتبادلة بين مصر وأمريكا، ودور مصر في الاقتصاد العالمي.

على الرئيس المصري أن يذكر للرئيس الأمريكي بأن مصر ترى (وبانزعاج) رابطاً بين "المحابس" الثلاثة، وأن مصر تسعى بحزم لتأكيد حقوقها وتأمين نفسها من هذه "المحابس" التي تشمل المياه والكهرباء والاتصالات، مع تشديد كبير على الأهمية الحيوية غير القابلة للتفاوض، بخصوص الأمن المائي في نهر النيل. واستطراداً، يفترض أن يصطحب الرئيس معه كلاً من وزير الدفاع ومدير المخابرات العامة.

إذا لم يتمكن رئيس مصر من عقد هذا الاجتماع وابلاغ الشعب بما يجري فيه، وأن يرضى الشعب عن مجرى اللقاء، فعلى شاغل المنصب أن يرحل فوراً.

السلام الثاني: إلى الفريق أول السيسي

لأهمية موقع ومكانة مصر، فالتحديات التي تواجهها جسيمة، بل أنها غير مسبوقة في كثير من الحالات. إذ يُجمِع الشعب على افتخاره بالقوات المسلحة، كما يود رؤيتها دوماً في أفضل أداء، للاضطلاع بواجباتها الوطنية. لذا، يجب ألا يخجل مسؤول يعمل على المستوى الأوسط، من تسللات فردية قد تحدث على السيادة المصرية، مثل الغواصة الروبوتية التي صوّرت قمع النيل. إذ يدفع الخجل إلى الإنكار، مما يمنع معالجة القضايا موضع النقاش، فيصبح من الممكن تكرار التسلل وبطرق أكثر فداحة. ويفرض الاقتضام المتكرر للمنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية في البحر المتوسط، إصدار اعلان رادع يتضمن معرفة مصر بالاقتضام، كما يُظهر عزمها على وقفه. يجدر ملاحظة أن الإجراءات السرية تفتقد عنصر الردع، كما أن الإعلام الدولي يجعل السرية أمراً بالغ الصعوبة.

  • يجب أن تنهض المؤسسة الوطنية العسكرية بمهمة صنع خريطة للمياه الاقتصادية المصرية في البحرين الأبيض والأحمر، تكون من صنعها بنفسها. تشكل هذه الخرائط أمراً بالغ الخطورة والأهمية بلانسبة لمستقبل مصر، مع ملاحظة أن شركات البترول الكبرى هربت من مصر بأثر من الغموض الذي يكتنف حدود مصر البحرية.
  • يجب على القوات البحرية القيام بمهمات طويلة (ستة أشهر) في جنوب البحر الأحمر وبحر العرب وحول القرن الأفريقي. على أن تجري تغطية هذه المهمات إعلامياً بكثافة.
  • تعهد الرئيس مرسي، في زيارته للأمم المتحدة في سبتمبر 2012، بقيام مصر بتدريب القوات الصومالية، للمساهمة في إعمار الصومال. من المهم أن يجري تفعيل ذلك بأسرع وقت، مع تغطية إعلامية مكثفة.
  • يجب تنظيم زيارات من الوزراء ورجال الأعمال المصريين للقوة المصرية (1,100 فرد) المشاركة في قوات الطوارئ في الكونغو (مونوسكو). لنلاحظ أن الهند وباكستان تستغلان مشاركتهما للحصول على أكبر قدر من المشروعات في مناطق خدمة قواتهما.

السلام الثالث: إلى اللواء رأفت شحاتة

  • أداء الطاقم المشرف على الكابلات البحرية يشوبه التخبط والخلط.
  • افتقاد المخابرات لمتكلمين بلغات الدول المهمة بالنسبة لمصر، يشكل خطراً فادحاً. لنتذكر أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تنشر باستمرار إعلانات توظيف في وسائل الإعلام كلها، خصوصاً لمن يتكلم "اللغات المهمة" التي يجري تحديدها بوضوح في الإعلانات. في حال مصر، يفترض أن تضمّ "اللغات المهمة": الأمهرية، التجرينية، الأورومو، الصومالية، الدنكا، الشلك، النوير، رواندا-روندي، السواحيلية اليونانية، المالطية، الفارسية والتركية والعبرية، إضافة الى الانگليزية والفرنسية. ثمة هامش خاص يجدر تخصيصه للغة المندرين الصينية، مع توسع الحضور الصيني في هذه القارة. لم تعد هذه اللغات ترفاً أكاديمياً بل حاجة مائية واقتصادية وأمنية ملحة. إن شخصاً واحداً يتكلم لغة منطقة معينة، هو أكثر فائدة من عشرة يعتمدون على ما يترجمه الأجانب. وعموماً، لا معنى لإرسال أفراد إلى بلدان لا يتحدثون لغاتها.
  • ثمة حاجة لحضور دور تخطيطي لكم في قطاع الطاقة.

موسوعة المعرفة www.marefa.org تضم عشرات المقالات التفصيلية عن الموضوعات المذكورة.‬

للتواصل: shafei@marefa.org