محيي الدين القليبي

محيي الدين القليبي

محيي الدين القليبي هو محيي الدين بن عبد القادر بن رمضان الشريف شهر القليبي، ولد بتونس العاصمة حوالي عام 1901، وتوفي بدمشق يوم 1 ديسمبر 1954 [1]، مناضل وطني، صحفي وسياسي. أدار أعمال الحزب الحر الدستوري التونسي بعد سفر رئيسه (عبد العزيز الثعالبي) إلى الشرق. وقد قال له الثعالبي: جعلت الحزب أمانة في عنقك..

اعتقـله الفرنسيون سنة 1934 م ونُفي إلى الصحـراء ثم أطـلق سراحه بعد سنتيـن تقريبـاً. وحج إلى بيت الله الـحرام سنـة 1947 م ثـم سـافر إلى مصـر واستقر فيهـا مواصلاً العمل لقضية بلاده، وهـناك التـقى الإمـام حسن البنا، المرشد العام للإخوان المسلمين، الذي عاونـه وساعـده في التعريف بقضايا المغرب العربي من خلال صحف الإخوان المسلمين ومجلاتهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نشأته

عندما بلغ محيي الدين القليبي الخامسة من عمره، أدخل الكتّاب، حيث حفظ القرآن الكريم وبعض متون العربية والفقه ، ثم انضم إلى جامع الزيتونة لكنه انقطع عن التعليم به قبل الحصول على شهادته. وكان مغرما بالمطالعة، فكان يطالع الجرائد والمجلات ليطلع على الأحداث على الصعيدين الوطني والعربي، فكانت المطالعة مدرسته الرابعة[2]. وتحتوي مكتبته على ألف ومائتي كتاب ذات مواضيع متنوعة، دينية وأدبية وتاريخية وفلسفية وسياسية وعلمية وصناعية، بالإضافة إلى كمية من المجلات المتنوعة المواضيع [2].


الصحفي

اشتغل محيي الدين القليبي بالصحافة، وكانت الصحافة الباب الذي دخل منه علم السياسة والكفاح الوطني، ذلك أن الشيخ عبد العزيز الثعالبي انتبه إليه بعد أن نشر مقالا بجريدة "الاتحاد"، فاستدعاه وعرض عليه الدخول إلى الحزب الحر الدستوري، فتم ذلك، وصار يكتب بانتظام في الصحف الحزبية، ومن الصحف التي ساهم بالكتابة فيها: في العشرينات: "لسان الشعب"، "الاتحاد"، "مرشد الأمة"، "العصر الجديد"، "إفريقيا"، مجلة "العالم الأدبي". ثم حرر بجريدة الإرادة والزهرة و"الصواب" في الثلاثينات، وفي غيرها من الصحف بتونس وخارجها.

القيادي الوطني

انتخب محيي الدين القليبي في اللجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري في مؤتمره الثاني المنعقد في 22 أكتوبر 1922 [2]، ثم ما لبث الشيخ الثعالبي قبل أن يهاجر نحو المشرق أن أوكل إليه إدارة الحزب [2] وهو ما حتّم عليه التواجد بانتظام بمقر الحزب، وشهد كل التطورات التي شهدها خاصة في منعرج الثلاثينات وصولا إلى مؤتمر ماي 1933، ثم انشقاق مجموعة عنه قامت بتأسيس الحزب الحر الدستوري الجديد في 2 مارس 1934. ولم تنته تلك السنة حتى ألقي القبض على تلك المجموعة في سبتمبر 1934، فصعّد محيي الدين القليبي من لهجته وانتقاداته، ثم نظم في جانفي 1935 مظاهرة اعترضت ركب الباي مطالبة بإرجاع المبعدين، فكان أن قامت سلطات الحماية بإبعاده مع ثلة من رفاقه إلى برج البوف بالجنوب التونسي [2]، ولم يطلق سراحه إلا في عام 1936، فعاد إلى سالف نشاطه السياسي والصحفي. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، عينه الحزب عام 1947 مندويا له بالمشرق للتعريف بالقضية التونسية بالقاهرة حيث توجد جامعة الدول العربية [2]، وسمي مندوبا للجنة التنفيذية للحزب لدى الهيئات العربية [2]، وعاد إلى تونس عام 1949 ليستأنف نشاطه الصحفي والسياسي وفي الجمعيات المختلفة. وفي أوائل عام 1952 أرسله الحزب الحر الدستوري ضمن وفد لإقناع وفدي مصر وسوريا لدى هيئة الأمم المتحدة المجتمعة بباريس بتقديم شكوى تونس بفرنسا لدى الهيئة الأممية. غير أن مسعى الوفد قد فشل، فأرسله الحزب من جديد إلى القاهرة في حين عاد بقية الوفد إلى تونس [2]، وفي مصر تكثفت اتصالاته مع مختلف الأطراف الرسمية والشعبية، بما أثار احتجاج فرنسا لدى الحكومة المصرية، فخرج من مصر [2] واتجه نحو سوريا، واستمر في النشاط إلى وفاته بدمشق في آخر عام 1954، وفيها دفن ثم أرجعت رفاته إلى تونس بعد أربع عشرة سنة [1].

جولاته ورحلاته

إن المجاهد محيي الدين القليبي قام بجولات أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات الميلادية في كل من مصر وسوريا والعراق والأردن وغيرها من ديار العروبة والإسلام التقى خلالها برجالات الإسلام و أعلام الحركة الإسلامية أمثال الإمام الشهيد حسن البنا بمصر والشيخ الصواف بالعراق والدكتور السباعي بسورية وغيرهم من قادة الفكر ورجال الدعوة وزعماء المشرق العربي والمغرب العربي على حد سواء، حيث كانوا يتدارسون الأوضاع في بلدان المغرب العربي بخاصة والعالمين العربي والإسلامي بشكل عام، وكان الصراع المحتدم بين دعاة العروبة والإسلام من جهة ودعاة التغريب والفرنسة من جهة أخرى وكان الإستعمار الفرنسي يمد الفريق المعادي للعروبة والإسلام بكل وسائل الدعم والمساعدة والتأييد والمساندة والعون والتعضيد.[1]

وكانت لقاءات القليبي مع القادة والزعماء المسلمين ذات مردود طيب وأثر نافع حيث أقيمت المؤتمرات وعقدت الندوات وقامت المظاهرات الصاخبة وارتفعت الأصوات تدين فرنسا وتطلب منها رفع يدها عن تونس وغيرها من بلاد المغرب العربي كما أصدرت مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية أعدادا خاصة عن شعوب المغرب العربي ومعاناتها من الإستعمار ضد فرنسا وكشفت عن جرائمها البشعة بحق هذه الشعوب المسلمة .

بساطته وزهده

لقد كان الاستاذ القليبي بسيطا في مظهره غاية البساطة حتى أن أحد الإخوة السوريين المكلف بمرافقته اقترح عليه أن يرتدي ثيابا جديدة لمقابلة رئيس الوزراء الذي كان على موعد معه فغضب القليبي غضبا وقال للأخ: إننا لا نقابل الناس بثيابنا ولكن بنفوسنا والرجال بمخابرها لا بمظاهرها فسكت الأخ وردد قول الشاعر: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجساد


معارضته حل الإخوان المسلمين ووفاته

كان للقليبي نظرة إسلامية خالصة، تكلم مرة في جمهور ضخم في قاعة الجمعية الغراء في دمشق بمناسبة حل الإخوان المسلمين يمصر سنة 1954 فأعلن أنه لا يقبل أن يقال : هذه قضية داخلية لا يتكلم فيها غير المصري إذ هو لا يعترف بحدود الأرض أو حواجز اللغة بين المسلمين ولا يؤمن إلا بوطن واحد هو وطن الدين لا وطن العصبية والطين. ثم عرض لمسألة حل الإخوان المسلمين فربط هذه القضية بالمشكلة الإسلامية الكبرى وعاد بنا إلى جذور هذه المشكلة في الزمان والمكان وإلى ظواهرها ماضيا وحاضرا وخلص إلى نتائجها المتوقعة مستقبلا، دون أن ينسى التذكير بسبل العمل الصحيح.[1]

زاره عصام العطار في بيت محمد كامل التونسي وكان مريضا ممددا على السرير متورم الأطراف مصفر الوجه بادي الإعياء، وذهب بعد ذلك بأيام لزيارة الأستاذ المرشد حسن الهضيبي في بلودان أثناء زيارته التاريخية لسوريا سنة 1954 م فسالني : كيف حال الأستاذ القليبي؟ فأخبرته باشتداد المرض عليه ، فقال إذا رجعت إلى دمشق فأبلغه سلامي وقل له على لساني أن المسلمين لا يريدون منك الآن إلا إن تهتم بصحتك وزرته في المستشفى الجراحي ( دوما) وقد نقلوه إليه لاشتداد المرض وأبلغته سلام المرشد الهضيبي وأنه حملني إليك رسالة قال وما هي قلت إنه يقول لك: أن المسلمين لا يريدون منك الآن إلا أن تهتم بصحتك وتترك ما تقوم به فانتفض انتفاضة شديدة وقال وما هي فائدة حياتي وصحتي إذا لم أؤد حق الله علي وأقم بواجبي، إنني أعيش للعمل في سبيل الله فلا أقبل أبدا أن أترك العمل للعيش، ثم قال بصوت رزين عميق وقد ترقرقت في عينيه الدموع إنني لأشعر بدنو أجلي ولدي أشياء أريد أن أقولها للمسلمين وأشياء أريد عملها لهم ولم يعد في العيش فسحة للإنتظار فلا بد إذن أن أجهد نفسي لتحقيق ما أريد قبل حلول أجلي إنني لن أترك خدمة عقيدتي للإحتفاظ بهذا الجسد الفاني ولن أوثر سلا متي على أداء رسالتي فإذا قتلني الإجهاد كما تخشون فمرحبا بالموت في طاعة الله.

وبعد عدة أيام حمل الأستاذ القليبي إلى مستشفى المجتهد في الميدان بدمشق وفي الساعة العاشرة من آخر ليلة في شهر نوفمبر سنة 1954 زاره مع الدكتور مصطفى السباعي وكان غائبا عن الوعي فدعونا الله بقلوبنا الواجفة أن يكون مع هذا الرجل العظيم وفي اليوم الثاني خرجت جنازة المرحوم القليبي وتكلم د. سعيد رمضان وتكلم الأستاذ التونسي وتكلم عصام العطار.[1]

أسرته

محيي الدين القليبي هو عم الشاذلي القليبي، الوزير الأول التونسي الأسبق وأمين عام جامعة الدول العربية.

إشارات مرجعية

  1. ^ أ ب ت ث ج المستشار عبد الله العقيل. "من أعلام الدعوة الإسلامية في بلاد المغرب العربي - علماء أعلام عرفتهم". ويكيبديا الإخوان المسلمون.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ محيي الدين القليبي أو جهاد ثلث قرن، مجموعة وثائق انتقاها وأعدها للنشر عبد القادر القليبي، دار سراس للنشر، تونس، 2004، الصفحات: أ=15-16؛ ب=97؛ ت= 17؛ ث=52-53 ؛ ج=151-152؛ ح=229؛ خ=304؛ د=363؛ ذ= 367